الإخوان المسلمون والصوفية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٠١، ١١ مايو ٢٠١٤ بواسطة Ahmed s (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والصوفية

مقدمة

ملف:الإمام حسن البنا..jpg
الإمام حسن البنا كان من أوائل من حاربوا البدع والمنكرات فلقد كان منذ صغره عضوا في جمعية منع المحرمات

من أكثر العلوم التي اختلف الناس حولها "التصوف" فمنهم من أعلى من شأنه، وجعله غاية العلوم، ونعته بـ"علم الآخرة" ومنهم من حط من قدره، وجعله بابًا واسعًا لإفساد عقائد الناس، ورمى أصحابه بالكفر والزندقة.

ووقف الإمام البنا من قضية التصوف موقفًا معتدلاً، فلم يقبله كله، ولم يرفضه كله بما فيه من صواب وخطأ، وحسن وسوء، ولم يعتبر كل المتصوفة مبتدعين، كما لم يعتبرهم كلهم على سنة.

وقد تعرف الإمام البنا على التصوف في مرحلة باكرة من شبابه، فقبل بلوغه الرابعة عشرة التزم بالطريقة الحصافية التي أسسها الشيخ حسنين الحصافي، وكانت دعوته مؤسسة على العلم والتعلم، والفقه والعبادة والطاعة والذكر، ومحاربة البدع والخرافات الفاشية بين أبناء بعض الطرق، والانتصار للكتاب والسنة على أية حال، والتحرز من التأويلات الفاسدة، والشطحات الضارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذل النصيحة على كل حال، حتى إنه غيّر كثيرًا من الأوضاع التي اعتقد أنها تخالف الكتاب والسنة.

واظب الإمام البنا في هذه الطريقة على أورادها في الذكر صباحًا ومساءً، والتي كانت تسمى "بالوظيفة الزروقية"، ولم تكن هذه الوظيفة أكثر من آيات من الكتاب الكريم وأحاديث من أدعية الصباح والمساء التي وردت في كتب السنة، وليس بها شيء من الألفاظ الغامضة، أو التراكيب الفلسفية أو العبارات التي هي أقرب إلى الشطحات منها إلى الدعوات.

ومما شجعه على التزامها صحة الأحاديث التي اشتملت عليها، حيث خرجها وعلق عليها والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا، في رسالة لطيفة سماها "تنوير الأفئدة الزكية بأدلة أذكار الزروقية".

وكما أثر التصوف على تزكية روح الإمام الشهيد وتهذيب أخلاقه، أثر عليه أيضًا في أسلوب تربيته للإخوان، حيث رباهم على إيثار الناحية العملية، وتجنب الجدل في الخلافيات أو المشتبهات من الأمور.

ولقد فهم الإمام البنا التصوف فهمًا أحاط بكل جوانبه، كيف لا وقد عركه منذ نعومة أظافره، لذا فقد وقف على عيوبه ومميزاته، وسلبياته وإيجابياته، وقد كتب في غير مرة موضحًا للناس ما عرفه عنه، وعن أهله ومريديه، ومما كتب مقالة بعنوان: "غاية الصوفية رضوان الله عليهم ووسائلهم في الوصول إليها".

ومع هذا الفهم الدقيق للتصوف والذي يدل على تجربة صوفية عميقة ومؤثرة، فقد وقف الإمام البنا مع الجانب التربوي فقط منه ومدحه وحث عليه لما له من أثر طيب في تهذيب السلوك. وقد كان من أعلام هذا الجانب، الإمام الجنيد (ت 297هـ) الحارث المحاسبي (ت 254هـ)، والإمام القشيري والإمام الغزالي (ت 505هـ) وغيرهم من أعلام التصوف، يقول الإمام البنا عن هذا الجانب من التصوف: "وهذا القسم من علوم التصوف، واسمه "علوم التربية والسلوك"، ولا شك أنه من لب الإسلام وصميمه، ولا شك أن الصوفية قد بلغوا به مرتبة من علاج النفوس ودوائها، والطب لها والرقي بها، لم يبلغ إليها غيرهم من المربين، ولا شك أنهم حملوا الناس بهذا الأسلوب على خطة عملية من حيث أداء فرائض الله واجتناب نواهيه، وصدق التوجه إليه، وإن كان ذلك لم يخل من المبالغة في كثير من الأحيان تأثرًا بروح العصور التي عاشت فيها هذه الدعوات: كالمبالغة في الصمت والجوع والسهر والعزلة.. ولذلك كله أصل في الدين يرد إليه، فالصمت أصله الإعراض عن اللغو، والجوع أصله التطوع بالصوم، والسهر أصله قيام الليل، والعزلة أصلها كف الأذى عن النفس ووجوب العناية بها.. ولو وقف التطبيق العملي عند هذه الحدود التي رسمها الشارع لكان في ذلك كل الخير".

ولكن فكرة الدعوة الصوفية لم تقف عند حد السلوك والتربية، ولو وقفت عند هذا الحد لكان خيرًا لها وللناس، ولكنها جاوزت ذلك بعد العصور الأولى إلى تحليل الأذواق والمواجد، مع مزج ذلك بعلوم الفلسفة والمنطق ومواريث الأمم الماضية وأفكارها، فخلطت بذلك الدين بما ليس منه، وفتحت الثغرات الواسعة لكل زنديق أو ملحد أو فاسد الرأي والعقيدة، ليدخل من هذا الباب باسم التصوف والدعوة إلى الزهد والتقشف، والرغبة في الحصول على هذه النتائج الروحية الباهرة، وأصبح كل ما يكتب أو يقال في هذه الناحية يجب أن يكون محل نظر دقيق من الناظرين في دين الله والحريصين على صفائه ونقائه".

ورغم أن الإمام البنا نشأ في أحضان "الطريقة الحصافية"- إلا أنه لم يأخذ من التصوف إلا ناحيته التربوية السلوكية ورفض ما دونها، لأن الطرق الصوفية قد تأثرت كثيرًا بالانحراف الفلسفي الذي طرأ على التصوف وانحرف به عن جادة الصواب، وابتعد به عن طريق الكتاب والسنة والسلف الصالح.


الإخوان وإصلاح التصوف

عز على الإمام البنا- وهو الذي علم التصوف عن تجربة، وسبر جوهره عن خبره- أن يؤول حاله إلى ما آل إليه، وهو من يعلم أن في التصوف قوة روحية لو انضبطت بالكتاب والسنة وتوجهت نحو العمل وتجميع الناس، وتأليف قلوبهم لأثمرت أمة فريدة بين العالمين، لذلك فقد دعا إلى إصلاح الطرق الصوفية، وشجع مثل هذه الدعوات، وكتب عن ذلك فقال: "ومن واجب المصلحين أن يطيلوا التفكير في إصلاح هذه الطوائف من الناس، وإصلاحهم سهل ميسور، وعندهم الاستعداد الكامل له، ولعلهم أقرب الناس إليهم لو وجهوا نحوه توجيهًا صحيحًا، وذلك لا يستلزم أكثر من أن يتفرغ نفر من العلماء الصالحين العاملين، والوعاظ الصادقين المخلصين لدراسة هذه المجتمعات، والإفادة من هذه الثروة العلمية، وتخليصها مما علق بها، وقيادة هذه الجماهير بعد ذلك قيادة صالحة.

وقد امتلأت جريدة الإخوان المسلمين بمثل هذه الدعوات إلى إصلاح الطرق الصوفية وأهلها، من ذلك مقال تحت عنوان: "إلى السادة أهل الطرق الصوفية: هل تفكر وتأخذ بهذا الاقتراح!!.." يقول: وجد التصوف يوم وجد ونشأت الطرق لتخدم الإسلام وتثبت عقائده وتربي الناس على مبادئه.. وكثير من شيوخ الطرق رضوان الله عليهم كانوا مثلاً عليًا في العبادة والتربية والسير بمتبوعيهم إلى سنن الكمال ثم خلفت من بعدهم خلوف غيرت وبدلت وحق فيها قول أبي مدين:

واعلم بأن طريق القوم درسه
وحال من يدعيها اليوم كيف ترى

ومن الخطأ الفاحش والخطر الداهم وجود مثل هذه الطرق غير المتفقة مع الشريعة على حالتها التي وصلت إليها اليوم تحتل قلوب العامة إذ رأوا فيها بابًا من ذكر الله ومديح الأولياء، فتأخذ بناصية المتعلقين بها إلى الهاوية.

فحق على كل مسلم أن يرد القوس لباريها، وأن يذود عن هذا الدين بكل قواه ويصدم كل من يتصدى للدفاع عن هذه الهمجية التي قربتنا من الوثنية، بل وجب عليه أن يصرع كل من جرح الدين الحنيف وسبب له الامتهان.

أيرضى النبي بهذه الخزعبلات التي ابتدعها القوم بعده، فجاءت مهزلة وأي مهزلة بهذه الفصائل والجماعات الكسولة التي لا تجتمع في الميادين لتخيف العدو أو تنصر الدين، بل لتزعج السكان ليلاً بالصياح وقرع الطبول كأنما الحرب على الأبواب.. وناهيك من أنهم جميعًا (منتسبون) ولولاهم لطارت البركة من البلاد ولما وجد الزاد، فليجمع أهل الطرق رأيهم وليخططوا هذه الخطوة الصائبة، ولينظموا صفوفهم ويهذبوا نشيدهم أو يخلقوه خلقًا جديدًا، وليشتركوا في الرياضة والسباحة وركوب الخيل واستعمال السيوف والتمرن على الكشف والعسكرة.

إن تلك القوة لو تجمعت، وتلك الجيوش الجديدة لو تجمهرت، وتلك الكتائب لو تكاتفت لنفعتنا وقت الفاجعة حيث لا ينصر الله إلا من جد وقام يقول أنا سيف الله.

وكتب الأستاذ عمر التلمساني عام 1936م مقالاً تحت عنوان: "الإخوان المسلمون مبدأ، وفكرة، وعقيدة" يقول: "بقيت لدينا طائفة من المسلمين هم من أحب الناس إلى قلبي، ومن أقربهم إلى نفسي، أولئك هم أصحاب الطرق الصوفية، ولست أقصدهم جميعًا على إطلاقهم، وإنما عنيت منهم من صفت سريرته وطابت بالتقوى دخيلته، وحسنت بالإيمان نيته، أقصد منهم من عرف طريق التصوف حق معرفته فأخلص لله عمله وألزم نفسه سبيل المؤمنين".


محاربة الإخوان لبدع الصوفية

ولم يقف دور الإخوان عند دعوة الطرق الصوفية إلى الإصلاح وإلى الاجتماع على إصلاح الأمة، بل تعداه إلى محاربة البدع والضلالات التي راجت بين كثيرين منهم عند الزيارات البدعية للأضرحة، والتبرك بالقبور، ودعاء الأموات، وتعليق التمائم.. وغيرها، فأعلن الإمام الشهيد الحرب على هذه الأشياء في "الأصول العشرين" حيث اعتبرها كبائر تجب محاربتها، فقال في الأصل الثالث: "وللإيمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحلاوة يقذفها الله في قلب من يشاء من عباده، ولكن التمائم والرقى، والودائع، والرمل، والمعرفة والكهانة، وادعاء معرفة الغيب وكل ما كان من هذا الباب، منكر تجب محاربته إلا ما كان من قرآن أو رقية مأثورة". وقد كان من أساليب الإخوان في حرب هذه البدع أن يوزعوا على أئمة المساجد وخطبائها خطبة جمعة تتحدث عن بعض تلك المفاسد، وكانوا ينشرون مثل هذه الخطب في جريدة الإخوان في باب "عظة المنبر"، من ذلك مقالة بعنوان: "المفاسد التي تقترف بالموالد".

وقد حمل تلاميذ الإمام حسن البنا لواء إنكار المنكر على بدع الصوفية، وكتبوا في ذلك الشيء الكثير، نذكر منه ما كتبه الشيخ إبراهيم خليل الشاذلي في جريدة الإخوان عام 1935م تحت عنوان: "الذكر الملحون والمحرف".

وكتب الإمام البنا يقول: "أجمع شيوخ الصوفية رضوان الله عليهم أن الغاية من الطريق هي "الوصول إلى الله تبارك وتعالى" والفوز بقربه والسعادة بمعرفته، وأجمعوا كذلك على أن السبيل إلى ذلك أثر واحد هو الاعتصام بالكتاب والسنة ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وها أنت قد رأيت فيما قدمناه لك في حد التصوف وما يتعلق به من كلامهم رضوان الله عليهم مما يؤيد ذلك ويؤكده.

والناظر في كتبهم وأقوالهم رضوان الله عليهم يراهم قسموا الطريق إلى أربع مراحل: المرحلة الأولى مرحلة العمل الظاهر من العكوف على العبادة، والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة والاشتغال بالذكر والاستغفار... إلخ، وهذا حظ العامة من المريدين بل حظ الناس أجمعين.

والمرحلة الثانية: مرحلة العمل الباطن، من مجاهدة النفس وتطهيرها من الأخلاق الذميمة وتحليتها بالأخلاق الفاضلة، ومحاسبتها على الصغير والكبير من أعمالها، ومراقبتها في هذه الأعمال حتى لا يصدر عنها ما يكون حائلاً دون الوصول إلى الغاية وهو حظ المتوجهين من الصادقين والمبتدئين من السالكين.

والمرحلة الثالثة: مرحلة الأحوال والمقامات والأذواق والمواجد، وذلك أن رياضة النفوس ومجاهدتها والمداومة على العبادة وآدابها يرقق حجاب الحس ويقوي سلطان الروح، ويقذف في القلب نورًا ينكشف به للسالك ما لم يكن يعلم من جمال الكون وجلاله ودقائقه وأسراره ومظاهره، وتجد لذلك نشوة في الفؤاد ولذة في المشاعر، ولا تزال هذه المشاعر التي يسميها القوم واردات وأحوالاً تقوى في النفس حتى تصير لازمة لها فتكون مقامات ثم تتوارد على القلب واردات أخرى هي أحوال جديدة ثم تقوى فتصير مقامات، وهكذا لا يزال السالك يترقى من حال إلى مقام ثم إلى حال فوق هذا المقام ثم مقام أرقى من المقام الأول حتى يصل إلى المرتبة الرابعة، وهذا حظ المستشرفين من السالكين والمبتدئين من العارفين.

المرحلة الرابعة: مرحلة الوصول وهي مرحلة زوال الحس وتجرد النفس ووصولها إلى مرتبة شهود الحق بالحق، وليست هناك عبارة تحد تلك المرحلة أو تحيط بوصفها، وكل ما يعرف السالكون عنها لمحات من بوارق أنوار القرب منها فيحدوه ذلك إلى السير، فإذا قدر لهم الوصول فثم تمحى العبارات وتغني الإشارات ويكون الأمر على حد قول القائل محب ومحبوب وساعة خلف وهذا حظ الواصلين العارفين.

فأما المرحلتان الأولى والثانية فقد فصل القرآن الكريم والسنة المطهرة حدودهما وأبانا نهجهما وأرشدا إليهما، ولم يدعا في ذلك زيادة لمستزيد، لهذا كان كلام الشيوخ الأولين رضوان الله عليهم كالمحاسبي والجنيد وإبراهيم بن أدهم وذي النون المصري وبشر الحافي وداود الطائي وأضرابهم دائرًا حول هاتين لا يتجاوزهما إلى غيرهما، وإن وجد في كلامهما غير ذلك فإنما هي رشحات تخرج عن دائرة القدرة البشرية، وهاتان المرحلتان هما أساس الطريق ولبه، وما عداهما ففرع لهما لا يمكن الوصول إليه إلا بهما كما فصلنا ذلك من قبل.

وأما المرحلة الثالثة فلا تحد بأوصاف ولا تنضبط بعبارة، لأن الأذواق والمواجد لا حد لها وهي عند كل شخص بما يناسبه، فهي شخصية عامة، ومبهمة لا واضحة ومطلقة غير محدودة فأنى تحدها العبارات أو تحصرها اللغات، وقد استفاضت في كتب بعض الشيوخ ولا سيما المتأخرين منهم فكانت مثار الإنكار عليهم بما أنها خاصة بهم لا يدركها غيرهم، وقد لا ينطبق التعبير على ما ألف الناس من أحكام الشريعة وعرفوا من حدودها، ومن هنا نشأ الخلاف بين الفقهاء والصوفية، ولو اقتصر الصوفية على المرحلتين الأوليين وتركوا هذه الأذواق والمواجد ينعم كل إنسان بما يكشف الله منها لما كان هذا الخلاف، ولعلهم معذورون في ذلك بحسن المقصد فإنهم ما دونوها إلا ليشوقوا المريدين ويهونوا عليهم مشاق الطريق، وقد وضعوا لها من المصطلحات ما لو درسه المنكرون عليهم لما رأوا في أقوالهم ما يوجب الإنكار ولا سيما وقد اتحد الفريقان في أصل الطريق وغايته.

وخلاصة القول أن هذه المرحلة مرحلة خاصة، فما وافق الشريعة من كلام القوم فيها أخذ كما هو، وما لم يمكن اتفاقه معها ولو على وجه من وجوه التأويل المتقبلة ترك ورد على صاحبه وكان أمره فيه إلى الله.

وأما المرحلة الرابعة: فهي مزلة الأقدم ومهواة المهالك، وكم ضل فيها مريد وسالك، والكلام فيها عن غيبة أمر لا يدخل تحت حد التكليف والتحدث بها عن حضور أمر لا يتحمله هذا العقل البشري الضعيف، ولهذا أغلق القوم فيها باب الكلام لأنها فوق الأفهام والأوهام، وكان منهم من أبى ذلك بتاتًا وقال لمن سألوه أن يتكلم لهم في شيء من هذا: أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟ وقد طلب أصحاب أبي عبد الله القرشي إليه أن يتكلم لهم في شيء من الحقائق فقال لهم كم أصحابي اليوم؟ قالوا: ستمائة رجل فقال الشيخ: اختاروا منكم مائة فاختاروا، فقال: اختاروا من المائة عشرين فاختاروا، قال: فاختاروا من العشرين أربعة، فاختاروا، فقال الشيخ: لو تكلمت عليكم في علم الحقائق والأسرار لكان أول من يفتي بكفري هؤلاء الأربعة وما ذلك إلا لأنه يدق عليهم فهم ما يشرحه لهم مما لا تتناوله العبارات. وإنما هو من خوالج النفوس ومشاهداتها الخاصة.

إذا تقرر هذا فاعلم يا أخي أن الشيوخ من أهل هذه الطريق تكلموا في هذه المراحل الأربع إلا أن المتقدمين منهم كان دعامة كلامهم المأثور ونصوص الكتاب والسنة لا غير لا يتجاوزونها إلى غيرها إلا نادرًا، ثم جاء بعد قوم آخرون خلطوا الكتاب والسنة بغيرها من قواعد العلوم في المراحل الثلاث بما أن هذا الخلط لا يتأتى في المرحلة الأولى، فخلطوا الكتاب والسنة في المرحلة الثانية بأقوال أرسطو طاليس وأضرابه في تقسيم النفس وبيان أحوالها وعوارضها من شهوانية وغضبية وعقلية، كما ترى ذلك منبثًا في كتب الإمام الغزالي رضي الله عنه في أكثر الأحايين، وخلطوا الكتاب والسنة في المرحلة الثالثة بأقوال أفلاطون وأضرابه من الإشراقيين في تجرد النفس والحاسة السادسة وإشراق العلوم والمعارف على النفس بالرياضة، ومعظم كتب القوم ولا سيما المتأخرين منهم مستفيضة بهذه البحوث يمزج فيها الكتاب والسنة بنظريات الفلاسفة.

وخلطوا الكتاب والسنة في المرحلة الرابعة بأقوال الفلاسفة في وحدة الوجود ووحدة الشهود والحلول والاتحاد، وبيان الحق من ذلك والباطل، كما ترى ذلك منبثًا في كتب ابن دهقان وابن سبعين وابن عربي وغيرهم وهذا مثار الخطر العظيم على العقائد الإسلامية والقواعد الإيمانية، فإن الكتابة في مثل هذه البحوث شوشت الطريق على السالكين وأثارت ثائرة المتمسكين وكانت مطية الملحدين والإباحيين، على أن الباحث لن يصل فيها إلى غاية ولا تطمئن نفسه معها إلى حقيقة إلا عن طريق الكشف والشهود، فما قيمة الكتابة في أمر لا يفيد فيه إلا العيان، وختام هذا البحث أيها الحبيب أن تعلم أن المرحلتين الأوليين واجب عليك، والمرحلتين الأخيرتين هدية من ربك لك، فاشتغل بما وجب يصلك ما وهب".

وقد ركزت صحف الإخوان في هذه الفترة على محاربة بدع الصوفية، خاصة في الموالد، وزيارة الأضرحة وما يحدث بها من مخالفات شرعية كبيرة، ومع ذلك كانت صحف الإخوان تستكتب بعض مشايخ الصوفية المعتدلين ليوضحوا للناس حقيقة الصوفية الصحيحة، مثل ما كتبه الشيخ محمد الحافظ التيجاني شيخ الطريقة التيجانية تحت عنوان: "هؤلاء هم السادة الصوفية"، كما كان للإمام البنا علاقته الطيبة مع العديد من مشايخ الطرق، وكانت له مقدرة على كسبهم وإقناعهم بشمولية الإسلام، حتى إنه أثناء فترة إقامته في الصعيد عام 1941م بعد نفيه إلى قنا استطاع أن يجمع الصوفية حوله، وما زال يعلمهم حتى أصبحوا هم جوالة الإخوان المسلمين بقنا.

وكما رأينا رأى الإخوان في الصوفية وتعاملهم معها وكيف أنهم أخذوا من الصوفية ما يزكي الروح ويحيي القلوب وحارب كل ما يدعو إلى الضلال والإباحية والخزعبلات، وكيف حوت صحفهم توضيح الطيب من الصوفية والسيئ.

وكان هذا حال الإخوان مع كل الجماعات الأخرى.


المراجع

1- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، الجزء الأول، 1999م.

2- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.


للمزيد عن الإخوان والعقيدة

كتب متعلقة

ملفات ورسائل متعلقة

مقالات متعلقة

مقالات متعلقة

وصلات فيديو