الإخوان المسلمون والشيعة..(الجزء الخامس)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإخوان المسلمون والشيعة..بين الرؤية الشرعية والممارسة السياسية (الجزء الخامس)

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

الإخوان وإيران ما قبل الثورة الإيرانية

شهدت العلاقة بين الاخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية فى مرحلة ماقبل الثورة الإيرانية نوعاً من التقارب الفكرى والسياسى وخاصة فى عدد من القضايا الرئيسية،ويكاد كتاب "إيران والإخوان المسلمين" للباحث الإيراني عباس خامه يار، أن يكون من الكتب النادرة التي تناولت بالتفصيل العلاقات بين إيران، وجماعة الإخوان المسلمين، قبل انتصار ثورة الخميني سنة 1979.

وترجع العلاقات بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الشيعية قبل انتصار الثورة – كما ذكرنا سابقاً- إلى حدود عام 1948 وذلك إثر تبني الأزهر لفكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية في نفس العام , وتشكيل " دار التقريب بين المذاهب الإسلامية " والتي ضمت عددا كبيرا من كبار العلماء المصريين الإيرانيين

وكذلك من المشتغلين بالعمل الإسلامي ومن ضمنهم الإمام حسن البنا ومحمد تقي القمي حيث كانت مشاركة الإمام البنا والإمام القمي مدخلا للعلاقات المستقبلية بين الطرفين يقول الأستاذ عمر التلمسانيالمرشد العام الثالث لجماعة الإخوان المسلمين " في الأربعينات زار الإمام محمد تقي القمي – وهو من أئمة المسلمين – دار المركز العام للإخوان المسلمين ودارت بينه وبين الإمام الشهيد حسن البنا أحاديث طويلة لعدة مرات حول مبدأ التقريب بين المذاهب الإسلامية الستة (الشافعية, المالكية, الحنفية , الحنابلة , الزيدية, الإمامية )..

وفي ذات الاتجاه يقول الأستاذ سالم البهنساوي – وهو أحد قيادات الإخوان المصريين أيضا ومن الذين عاصروا الإمام البنا - :" منذ أن تكونت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية التي ساهم فيها الإمام البنا والإمام القمي والتعاون قائم بين الإخوان المسلمين والشيعة , وقد أدي ذلك إلى زيارة نواب صفوي سنة 1954 للقاهرة.

زيارة نواب صفوى

نتيجة للعلاقات الوطيدة بين الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية قبل الثورة قام نواب صفوي قائد " فدائيان إسلام " وهو واحد من زعماء الحركة الإسلامية الإيرانية الذين ارتبطوا بعلاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين في مصر بزيارة إلى القاهرة عام 1954 حيث قابله الأستاذ عمر التلمساني ( رحمه الله ) كما أنه كان المتحدث الرئيسي في لقاء جماهيري إخواني بجامعة القاهرة حيث أعلن من خلاله مسؤولية حركته عن اغتيال رئيس الوزراء الإيراني السابق ( رزم آرا ) ..

ومما يجدر ذكره أن يوم وصول " صفوي " للقاهرة كان هو ذات اليوم ( كانون الثاني / يناير 1954) الذي أعلنت فيه حكومة الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين ..:ويذكر الدكتور إسحاق الحسينى فى كتابه "كبرى الحركات الإسلامية الحديثة" أن عددا من الطلاب الإيرانيين الشيعة الذين كانوا يدرسون في مصر انضموا إلى الجماعة...

كذلك فإن أعدادا كبيرة من شيعة العراق انخرطت في تنظيم الإخوان هناك ثم أصبح لهم حزب قاده الشهيد محمد باقر الصدر باسم " حزب الدعوة " يستمد فكره ومنهجه ورؤاه من مدرسة الإخوان المسلمين ورموزها , وعندما زار نواب صفوي سوريا في عام 1953 والتقي بالدكتور مصطفي السباعي زعيم الإخوان المسلمين هناك أثار معه الأخير مسألة انضمام بعض الشباب الشيعة إلى الحركات العلمانية والقومية فصعد نواب المنبر وقال أمام حشد الشيعة والسنة" من أراد أن يكون جعفريا حقيقيا فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين "(1).

وفي نفس الموضوع يتحدث الأستاذ فتحي يكن ( رحمه الله ) أحد مؤسسى جماعة الإخوان المسلمين في لبنان - مشيرا إلى زيارة نواب صفوي للقاهرة , حيث يصف الحماس الشديد الذي استقبله به الإخوان المسلمون , ثم يتحدث عن حكم الإعدام الذي صدر بحقه من قبل حكومة الشاه المقبور بقوله :

" كان لهذا الحكم الجائر صدي عنيف في البلاد الإسلامية , فقد ثارت ثائرة المسلمين الذين يقدرون مواقفه الشجاعة وجهاده المرير , وبادروا من سائر أنحاء العالم الإسلامي إلى إرسال آلاف البرقيات التي تستنكر حكم الإعدام بحق هذا المجاهد البطل لن إعدامه وفقدانه كان خسارة كبري في العصر الحديث ..

أما مجلة " المسلمون" الناطقة باسم الإخوان المسلمين في ذلك الوقت فقد كتبت مقالة بعنوان " مع نواب صفوي " جاء فيها " والشهيد العزيز – نضر الله ثراه – وثيق الصلة بالإخوان المسلمين , وقد نزل ضيفا في دارها في مصر كانون الثاني / يناير سنة 1954" ثم تنقل المجلة رأي نواب صفوي في اعتقال الإخوان الذين يقول فيه :

" إنه حين يضطهد الطغاة رجال الإسلام في كل مكان يتسامي المسلمون فوق الخلافات المذهبية ويشاطرون إخوانهم المضطهدين آلامهم وأحزانهم ولا شك أننا بكفاحنا الإسلامية نستطيع إحباط خطط الأعداء التي ترمي إلى التفريق بين المسلمين أنه لا ضير في وجود الفرق الإسلامية وليس في وسعنا إلغاؤها, إنما الذي يجب أن نعمل على إيقافه ومنعه هو استغلال هذا الوضع لمصلحة المغرضين."

وعلى الجانب الآخر كان فكر الإخوان المسلمين وخصوصا أفكار الشهيد سيد قطب الثورية وتفاسيره كثيرة الرواج بين الشباب الإيرانيين الشيعة والتي وجدت لها صدي أيضا بين المفكرين والثوار الإيرانيين ومن ذلك كتب الشهيد سيد قطب والشيخ محمد الغزالي والشيخ مصطفي السباعي ... ويشار إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية الحالي سماحة السيد على خامنئي قد ترجم بنفسه – قبل الثورة الإسلامية – بعض مؤلفات الشهيد سيد قطب.

في حقيقة الأمر ليس من الصعب تلمس أسباب التقارب بين الطرفين في تلك الفترة فوجود رجل مثل الإمام البنا وانفتاحه ونبذه للتعصب والانغلاق سهل هذا الأمر من الجانب الإخواني وقد استشف الجميع ذلك من كلام الإمام البنا نفسه حينما أعلن رفضه للطائفية ونبذة للتعصب والفرقة , قائلا " إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنسب إلى طائفة خاصة ولا تنسب إلى رأي , غير ملونة بلون وهي مع الحق أينما كان , تحب الإجماع وتكره الشذوذ, وإن أعظم ما مني به المسلمون هو الفرقة والخلاف وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فوع الدين أمر لابد منه ولا يمكن أن نتحد في هذه الفروع والآراء والمذاهب.

ويري الإمام البنا أيضا أن " الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا للتفرقة في الدين, ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره"... وعلى الجانب الشيعي كان لأفكار ومواقف جال مثل محمد القمي وآية الله الكاشاني ونواب صفوي ( رحمه الله عليهم جميعا ) دور كبير أيضا فى تجاوز تلك الحساسيات المذهبية وقد نقل عن نواب صفوي قوله :" لنعمل متحدين للإسلام ولنترك كل ما عدا جهادنا في سبيل عز الإسلام ألم يئن للمسلمين أن يفهموا ويدعوا الانقسام إلى شيعة وسنة ..!!"(2).

ويري عباس خامة يار في كتابه " إيران والإخوان المسلمين أن العلاقة القوية بين الطرفين في ذلك الوقت ترجع إلى عدة عوامل منها :

  1. الرؤية الوحدوية التي يحملها زعماء الحركتين تجاه المذاهب الإسلامية وابتعادهم عن التعصب الأعمى كانت هي من أهم مقومات هذه العلاقة.
  2. دفع قمع السلطات للحركات الإسلامية والضغط عليها في مصر وإيران الحركتين إلى الارتباط والتقارب وتوثيق العلاقة فيما بينهما .
  3. شهد العالم – آنذاك – أحداثا وتطورات خطيرة استهدفت العالم الإسلامي والمسلمين جميعا بغض النظر عن مذاهبهم وأهدافهم وكان التقارب هو البارز في تلك الظروف بين الحركتين الثوريتين .
  4. تطابق رؤى الحركتين حول القضية الفلسطينية حيث لعبت الحركة الإسلامية الإيرانية وخصوصا نواب صفوي وآية الله الفترة القصيرة تأييد الإخوان ودعمهم كما باركوا إعلان إسلامية الثورة ومن بعد ذلك إسلامية الدولة حيث تم القضاء على نظام الشاه ومحاربة الفساد والفسق والفجور وتأكيد الوحدة الإسلامية والإخوة بين المسلمين ودعم الثورة لفلسطين وللمسلمين عموما (3).

المبحث الأول: عناصر الالتقاء بين الإخوان والحركة الإسلامية الإيرانية

بالرغم من الخلاف فى بعض الأمور الفقهية والشرعية بين الاخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية إلا أنه هناك عدة نقاط للتوافق والالتقاء جمعت بين الحركتين،ويجملها الباحث عباس خامة يار في ثلاثة عناصر هى:( الفكر الوحدوي عند الحركتين، وموقفهما المشترك من القومية، وقضية فلسطين).

الفكر الوحدوي عند الحركتين

وما يعنيه المؤلف هنا من فكر وحدوي عند الإخوان المسلمين، هو أن هذه الجماعة عموماً لا تحمل موقفاً سلبياً أو عدائياً تجاه العقائد والأفكار الشيعية، فالجماعة منذ نشأتها عُرف عنها التساهل إزاء العقائد والمخططات الشيعية، وقد أورد المؤلف أقوالاً كثيرة لقادة الإخوان، يهوّنون فيها من الخلافات بين السنة والشيعة، ويعتبرونها خلافات بين الفروع، منها قول البنا "..

أما الخلاف فهو في أمور من الممكن التقريب بينهما"، وقول د. عبد الكريم زيدان، وهو من قيادات الإخوان في العراق: "ليس بين الفقه الجعفري والمذاهب الأخرى (أي الأربعة) من الاختلافات أكثر من الاختلاف بين أي مذهب وآخر(4).

أما الفكر الوحدوي عند الشيعة، أو عند الحركة الشيعية الإيرانية، فيعني به المؤلف تلك التصريحات أو الكتابات التي صدرت من الخميني وبعض مراجع الشيعة بضرورة التقارب بين السنة والشيعة، واتحادهما لمواجهة الأخطار الخارجية إضافة إلى بعض الأشياء العملية من قبيل تغيير بعض المناهج الدراسية، الخاصة بأهل السنة، وتقديم المساعدات للكثير من الهيئات السنيّة، والاهتمام بالمناطق السنيّة في إيران... الخ ـ على حد تعبير المؤلف ـ.

موقف الحركتين المشترك إزاء القومية

حيث يعتبر المؤلف هذه النقطة العامل الثاني الذي أحدث تقارباً بين الإخوان وإيران، فبحسب المؤلف أن كلا الحركتين اتخذ موقفاً سلبياً من الاتجاهات القومية، فالإخوان اعتبروا أن القومية العربية هي سبب ضياع الخلافة الإسلامية، وضياع فلسطين، في حين أن الحركة الشيعية الإيرانية "ترى نفسها ضحية من نوع آخر للقومية التي تجلت تارة في 2500 عام من النظام الشاهنشاهي، وتارة أخرى في الأحزاب الوطنية المعارضة للثورة والمرتبطة بالقوى الغربية، والتي وقفت موقفاً عدائياً من الثورة الإسلامية بعد انتصارها"(5).

والمؤلف يعتبر أن منطلقات الإخوان وإيران إسلامية، بعيدة عن اللوثات القومية، لكنه يشير إلى "مآخذ" سجلها كل من الطرفين إزاء الآخر فيما يتعلق بموضوع القومية، فإيران انتقدت الإخوان لأنهم "لم يقفوا موقفاً حاسماً في اعتبار العراق معتدياً في حربه مع إيران لعروبة العراق، وبفعل تأثير إعلام القوميين المكثف في العالم العربي".

أما الإخوان فإنهم "يأخذون على إيران ما ورد في بعض مواد الدستور، ومنها لزوم أن يكون رئيس الجمهورية ووالداه إيرانيين، ويعتبرون ذلك من رواسب الحس القومي الإيراني" (6).

ولعلّ خامه يار لم يشأ التوقف طويلاً إزاء الرواسب القومية الفارسية التي تحكم سياسات إيران الداخلية والخارجية، فقد اكتفي بمثال واحد مستوحى من الدستور الإيراني، ثم أخذ يعدد بعض ما اعتبره "الخطوات المهمة التي خطتها الحركة الإسلامية الإيرانية بعد الثورة على صعيد نبذ القومية الفارسية والجهود الشاقة التي بذلتها في سبيل تغيير المواد الدراسية، وتنقيح تاريخ البلاد من الشوائب وتنقية ثقافته، وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام والعرب بعد سنوات طويلة من الإعلام المغرض للنظام السابق" (7).

وبالرغم من أن المنطلقات القومية الفارسية الاستعلائية في عهد الثورة تبدو أقل حدّة لما كان الوضع عليه أيام الشاه، بسبب أن البعد المذهبي احتل المرتبة الأولى في عهد الثورة، إلاّ أننا نجد أنفسنا، ونحن ندرس سياسات إيران الداخلية والخارجية، أمام منطلقات قومية فارسية واضحة من قبيل تحكم القومية الفارسية التي لا يزيد عدد أفرادها عن 51% من مجموع سكان إيران بمقاليد الحكم والسلطة في البلاد، في حين تعاني القوميات الأخرى مثل الأكراد والبلوش والعرب من تهميش واضح، ومن قبيل إصرار إيران إطلاق اسم الخليج الفارسي على الخليج العربي، ومن قبيل الاهتمام الرسمي والشيعي بعيد النيروز الفارسي مقابل إهمال عيدي الفطر والأضحى اللذين تحتفل بهما الأمة الإسلامية جمعاء.

قضية فلسطين وتحرير القدس الشريف

وهذه القضية بحسب المؤلف "من أهم النقاط التي تلتقي عندها جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية منذ البداية وحتى الآن" (8).

ففي بداية هذا المبحث، يؤكد المؤلف أن قضية فلسطين حظيت باهتمام خاص لدى الإخوان "وشكلت منعطفاً في تاريخهم، ونقطة مشرقة في سجلهم"، ويورد عدداً من الأدلة النظرية والعملية لدعم الإخوان لقضية فلسطين، والعمل على تحريرها من الاحتلال، ثم يقارن تلك المواقف، بما أصدره مراجع الشيعة من بيانات وخطابات تجاه قضية فلسطين، ليصل إلى أن مواقف الإخوان والشيعة متطابقة إزاء قضية فلسطين وتحرير القدس، بل ومتطابقة أيضاً في منطلقاتها.

لكن الذي يحاول المؤلف أن يتجنبه، وهو يتحدث عن السياسات الإيرانية الشيعية في الداخل والخارج، هو أن يقارن الأقوال بالأفعال، فإيران التي صدر عنها الكثير من التصريحات الداعمة للقضية الفلسطينية، صدر عنها أيضا الكثير مما يؤذي هذه القضية، مثل دعمها لنظام سوريا النصيري الذي ارتكب المذابح ضد الفلسطينيين في لبنان، كما أن الحركات الشيعية المدعومة من إيران وسوريا وخاصة حركة أمل هي الأخرى ارتكبت بحق الفلسطينيين مذابح يندى لها الجبين كما في حرب المخيمات سنة 1985.

وإذا أضفنا إلى ذلك التعاملات السرية بين إيران، والدولة اليهودية، فيما عرف بـ "إيران غيت" خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980ـ 1988) علمنا أن الدعم الشيعي للقضية الفلسطينية، لم يتجاوز في كثير من الأحيان الدعم "الشعاراتي" الذي كان يصادمه الفعل.

المبحث الثانى: عناصر الافتراق بين الحركتين

تحت هذا المبحث، يتحدث المؤلف في عدد كبير من الصفحات عن العناصر التي أضعفت العلاقات الإخوانية ـ الإيرانية، ويقسمها إلى عوامل فكرية، وأخرى سياسية:

أولاً: عوامل الافتراق الفكرية

وهي (الحكومة وشكلها المختلف في رأي الحركتين، واختلاف النظرة إلى معسكري الشرق والغرب، والمسار الإصلاحي والثوري).

الحكومة وشكلها المختلف

ولعلّ هذا العنصر من عناصر الافتراق يظهر فيه التأثير الشيعي بشكل واضح جلي، فبرغم ما أبداه الإخوان من مودة وحسن نية تجاه الشيعة وإيران وثورتها، إلاّ أن عقيدة الشيعة الخاصة بالإمامة والحكومة، وهي الركن الأساسي، اتخذت فيصلاً وحكماً في علاقة الشيعة بالإخوان، فالفكر الشيعي، وإيران على وجه الخصوص، لا يقبلان أي فكر أو تنظيم يخالفهم في قضية الإمامة، ودولة المهدي المنتظر، مهما حاول هذا التنظيم أو ذاك التقرب من إيران، أو مدح الشيعة.

ففيما يتعلق بموقف الجهتين من قضية الإمامة وشكل الحكومة، يشير المؤلف إلى أن الحركتين "تعتقدان اعتقاداً راسخاً بإقامة الحكومة الإسلامية وارتباط الدين بالسياسة"(9). والمؤلف إذ يتحدث عن تطابق بالعموم عن "ضرورة" وليس "شكل" الحكومة الإسلامية، فإنه يؤكد أن التفاصيل مختلف عليها اختلافا كبيراً وعميقاً، كون الإخوان المسلمين جماعة سنيّة، تنظر إلى هذه القضايا من منظورها السني، في حين أن إيران تنطلق من هذه القضايا منطلقاً شيعياً، يختلف عن المفهوم السني جملة وتفصيلاً.

ويتساءل: "هل تتفق هاتان الحركتان في نظرتهما إلى مفهوم الحكومة والحاكم، وإلى طريقة تطبيق الشريعة وأسلوب الوصول إلى الحكم؟ ويجيب على ذلك فيقول: إن الشواهد الموجودة تشير إلى وجود اختلاف عميق في هذا المجال بين الحركتين، ومصدره اختلاف نظرة كل منهما إلى هذا المفاهيم"(10).

وعندما أراد المؤلف أن يعرض لوجهة النظر السنيّة تجاه الحاكم وشكل الحكم، التي تستند إليها جماعة الإخوان المسلمين، فإنه يقدم تصوراً مغلوطاً في بعض فروعه مستنداً إلى كلام بعض مراجع الشيعة، وبعض العلمانيين من المحسوبين على السنة من قبيل الادّعاء بأن موقف أهل السنة من نظم الحكم القائمة كان أقرب إلى التسليم بالأمر الواقع ص 157، ومن قبيل أنه "إذا زادك السلطان إكراماً فزده إعظاماً، وإذا جعلك عبداً فاجعله ربّا"!! (11).

أما فيما يتعلق بالإخوان وموقفهم من الحاكم، فالمؤلف يذهب إلى أنهم "لا يهتمون بشخص الحاكم ولا بمواصفاته التي ينبغي أن يتحلى بها ولا بوقت وكيفية تنفيذه للأحكام"(12).

والحكم السابق الذي أصدره خامه يار على الإخوان، ومن خلالهم على أهل السنة، قراءة مغلوطة لقول حسن البنا الذي أورده المؤلف بعد إصداره لحكمه السابق، حيث يقول البنا: "فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا الحكم من منهاجهم فسيعملون لاستخلاصه".

وبنفس المعنى يقول المرشد الثالث للإخوان ،عمر التلمساني رحمه الله: "فلا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم وشكله ونظامه وبعد ذلك فليحكم من يحكم".

وبالتالي فإن التصريحات السابقة للبنا والتلمساني تعني أن الإخوان لا يشترطون أن يكون الحاكم من جماعتهم، إنما ليحكم من يحكم، شريطة أن يحكم بالشريعة، وإذا فعل الحاكم ذلك، فإن الإخوان سيكونون له عوناً وسنداً.

أما الفهم المغلوط الذي خرج به خامه يار حول الحاكم عند أهل السنة والإخوان، وتصويرهم بأنهم مع جور السلطان وظلمه كما ذكر ذلك في مواضع عديدة من الكتاب، أمر منافٍ للواقع والحقائق، لا سيما وأن بعض الأقوال كانت تفتقد للعزو وذكر المصدر.

ثم يبدأ المؤلف بمقارنة ما اعتبره "موقف أهل السنة، وجماعة الإخوان من الحاكم وشكل الحكومة"، مع ما يؤمن به الشيعة تجاه هذه القضية التي تعتبر عندهم ركناً من أركان الدين.

وبحسب المؤلف، واستناداً إلى ما كتبه علماء الشيعة، فإن المعتقد الشيعي الذي تؤمن به "الحركة الإسلامية الإيرانية" يقوم على ما يلي:

  1. أن الحاكم يجب أن يتحلى ـ إضافة إلى القيادة السياسية ـ بالزعامة الفكرية والأخلاقية.
  2. أنه يجب أن يكون معيّناً من الله وأن يكون طاهراً معصوماً، منزهاً عن كل عيب... وهذه الصفات منحصرة في الأئمة الاثنى عشر.
  3. تفويض الأمر في فترة الغيبة إلى "الفقيه الجامع للشرائط" فيما يعرف بولاية الفقيه.
  4. عدم وجوب طاعة الحاكم إذا حكم بالمعصية.
  5. تفضيل غير المسلم إذا كان عادلاً على المسلم إذا كان ظالماً.
  6. تحريم العمل عند الحكام، وعدم جواز الصلاة خلفهم.

وبذلك يتضح أن شكل الحكم عند السنة والشيعة يختلف اختلافاً كبيراً، فالسنة، ومنهم الإخوان، يعتبرون "الخلافة" هي التعبير الصحيح عن شكل الحكم بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الإخوان يعتبرونها "واسطة العقد، ومجمع الشمل ومهوى الأفئدة وظل الله في الأرض"... والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدم الصحابة النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه حتى فرغوا من تلك المهمة.

أما الشيعة، فإنهم "يرفضون فكرة الخلافة من الأساس، بل يرون أن كل ما أتى بعد علي بن أبي طالب غير شرعي وغير معترف به، خاصة إذا ما أتى من أهل السنة"(13).

اختلاف النظرة إلى معسكري الشرق والغرب

من الأمور التي اختلفت فيها الحركتان، النظرة والموقف من الشيوعية والرأسمالية، فبحسب المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعتبر الشيوعية أو الماركسية خطراً يفوق الخطر الغربي أو الرأسمالي، الممثل خاصة بالولايات المتحدة وبريطانيا، في حين أن "الحركة الإسلامية الإيرانية" كانت ترى أن الخطر المحدق قادم من الغرب، وزعيمته الولايات المتحدة.

وأورد المؤلف عدداً من الأسباب التي جعلت الإخوان ـ عموماً ـ يعتبرون الخطر الشيوعي الماركسي أكبر من الخطر الغربي، هي:

  1. أن الماركسية مذهب فكري وعقائدي وثقافي، وليس خطراً عابراً، وهو مصادم للدين والعقيدة بشعاره: "الدين أفيون الشعوب".
  2. أن أقسى الضربات التي تلقتها جماعة الإخوان في مصر، كانت على يد نظام جمال عبد الناصر الاشتراكي، الحليف للاتحاد السوفيتي، مركز الشيوعية في العالم (ويجدر أن نلاحظ أيضا أن الإخوان في سوريا تلقوا أقسى الضربات على يد نظام شيوعي طائفي)، وكذلك في العراق.
  3. القمع الذي كان يقوم به الحكام الشيوعيون في العالم العربي لشعوبهم، والإفساد ومحاربة الدين، والشعارات البراقة التي كان يطلقها الشيوعيون لاستغفال واستقطاب الشباب.
  4. الارتباط الوثيق بين اليهودية والشيوعية، وكون معظم زعماء الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي هم من اليهود، أو المسيحيين المؤيدين لإسرائيل.
  5. اعتقاد الإخوان بأن هزيمة عام 1967 أمام اليهود كانت نتيجة لخيانة ومؤامرة الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي وتعاونهم مع الصهيونية الدولية.
  6. تأثر الإخوان بموقف السعودية الرافض للتوجهات الإشتراكية لنظام عبد الناصر.
  7. احتلال السوفييت الشيوعيين لأفغانستان المسلمة.

أما نظرة الإخوان إلى الغرب والرأسمالية، فإن الكتاب يعتبر أنها تستند إلى:

  1. تركيز الإخوان على الانحطاط الأخلاقي والثقافي للغرب، لذا فإن اختلافهم معه في الجوانب الثقافية والأخلاقية كان أقوى بكثير من الجوانب الأخرى.
  2. اعتبارهم أن الغرب أهل كتاب، يقل خطرهم عن الكفار من غير أهل الكتاب.
  3. افتقار الإخوان إلى الفهم الدقيق للرأسمالية وأهدافها الاستراتيجية، والنظر إليها بدرجة كبيرة من السطحية.

وقبل الانتقال إلى نظرة الخميني وتياره إلى الشيوعية والرأسمالية، يحسن بنا أن نلاحظ، أن موقف جماعة الإخوان المتشدد والواعي من الشيوعية، في فترات الجماعة الأولى، حصل له تبدل كبير، فلم يعد الخطر الشيوعي، ذا أهمية الآن بالنسبة للإخوان بعد أن احتلت أمريكا واجهة الخطر، وبعد أن اعتقد الإخوان بمقولة موت الشيوعية، ولعلّ العديد من الشواهد تذهب في هذا الاتجاه مثل: التنسيق والتحالف مع الأحزاب اليسارية في العالم العربي، إقامة العلاقات الوثيقة والإشادة الدائمة بعدد من الأنظمة اليسارية في العالم (روسيا ـ سوريا ـ فنزويلا...).

أما نظرة الخميني للشيوعية والرأسمالية، فمختلفة عن وجهة نظر الإخوان، وكان الإيرانيون يعتبرون الخطر الغربي أكبر من الخطر الشرقي أو الشيوعي، ويعزو المؤلف ذلك إلى:

  1. أن إيران كانت واقعة خلال القرنين الماضيين تحت سيطرة الاستعمار الغربي، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكان لبريطانيا وأمريكا على وجه الخصوص الدور الكبير في الدعم اللامحدود لدعم نظام الشاه في قمعه للحركة الشيعية الإيرانية.
  2. لم يكن الخميني ينظر للأمريكان على أنهم أهل كتاب، بل إنه يعتبر الغرب "كافراً". ( ويجدر أن نلاحظ أنه مع اعتباره أهل الكتاب كفارا، فإنه لم يعتبر الملاحدة الروس مثلهم)!!
  3. اعتبار الخميني أن نشاط ومواقف الشيوعيين في إيران، التي ترتبط "ظاهرياً" بالمعسكر الشرقي، إنما تصب في حسابات ومصالح أمريكا والغرب!
  4. اعتبار أن أمريكا والغرب هما سبب كل المآسي التي حلت بالإسلام والمسلمين.

وفي هذا كما يلاحظ تزوير واضح للتاريخ فإن جرائم المعسكر الشيوعي تجاه المسلمين ليس لها مثيل في تاريخ الإسلام، كما بين ذلك على سبيل المثال كتاب (قتلوا من المسلمين مئات الملاين) لمحمود عبد الرؤوف القاسم.

المسار الإصلاحي والثوري

وهذا أحد العناصر التي أدّت إلى ضعف العلاقات بين حركتي الإخوان، والشيعة، فالإخوان ـ بحسب المؤلف ـ "حركة إصلاحية محافظة، وليست حركة انقلابية"(14).

وأن سياستها تقوم على التربية والتثقيف والدعوة، وعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم، واعتماد أساليب العمل السلمي، ومنه العمل البرلماني... (مع بعض الاستثناءات).

أما "الحركة الإسلامية الإيرانية" فإنها تشكك في هذا المنهج الإخواني، السلمي التربوي، متسائلة: "ما الذي أسفر عنه الأسلوب الإصلاحي التربوي للإخوان بعد خمسين سنة من تجربته؟ وإذا كنّا نتقبل جواب الإخوان على أنه لم يغير الحكومات ولكنه خلق قاعدة عريضة ودائمة، فإن سؤالاً آخر يطرح نفسه، وهو: هل يستحق هذا الأمر كل هذا الثمن الباهظ"؟ (15).

وتحاول "الحركة الإسلامية الإيرانية" التدليل على صحة نهجها الثوري بانتصار الثورة على نظام الشاه سنة 1979م، وهي "ترتكز على الأصول الشيعية في عملها، وتتأثر بالأحداث التاريخية، وبالمظالم التي تعرض لها الشيعة على امتداد تاريخهم، وبالمعارضة التقليدية التي عرفوا بها حكام الجور والظلم، ويطلقون شعار (كل أرض كربلاء، كل يوم عاشوراء) مقتدين بالمنهج الدموي الذي سلكه الإمام الحسين في كربلاء، ويبقى الخيار مفتوحاً أمام زعماء هذه الحركة لاختيار الظروف الزمانية والمكانية المناسبة واختيار أقصر الطرق لتحقيق هدفهم السامي" (16).

ثانيا: عوامل الافتراق السياسية

إضافة إلى العوامل الفكرية الثلاث السابقة، فإن المؤلف يورد أسباباً سياسية أخرى، أدت إلى ضعف الروابط بين حركة الإخوان وحركة الشيعة، وفي مقدمة هذا المبحث من الكتاب يؤكد المؤلف على الهوية المذهبية للثورة، على عكس ما درج علماء الشيعة من ترديده بالهوية الإسلامية فقط للثورة دون أي اعتبار مذهبي.

فالمؤلف أولاً يقرر أن "انتصار الثورة الإسلامية هو انتصار للفكر الشيعي وإحياء له من جديد بين مسلمي العالم، وهو الفكر الذي يعتقد الشيعة أنه حورب منذ وفاة الرسول وانتخاب الخلفاء الراشدين على يد بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة"(17).

ثم ينتقد ثانياً أهل السنة الذين كانوا يستاءون من تعصب الثورة للمذهب الشيعي، فيقول: "كانت كل خطوة تخطوها الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخضع لتمحيص العالم السني وتثير حساسيته، وأدت الخطوات الوحدوية التي خطاها أصحاب الثورة الإسلامية،... إلى رفع طموحات السنة إلى أكثر مما ينبغي، حتى أضحوا يرون في أي تأكيد للهوية المذهبية للثورة انحرافاً عن الأهداف الأساسية للثورة ويهاجمونها بشدة دون أن يلحظوا دور المذهب في انتصار الثورة والتزام الناس الشديد بمذهبهم، ووضع الحوزة ووجود الكثير من الأشخاص المتعصبين، وما إلى ذلك من الأمور التي لا سبيل إلى تجاهلها" (18).

المراجع

  1. الإخوان المسلمون والثورة الإسلامية في إيران جدلية الدولة والأمة في فكر الإمامين البنا والخميني، د. أحمد يوسف ص24
  2. الإخوان المسلمون والثورة الإسلامية في إيران جدلية الدولة والأمة في فكر الإمامين البنا والخميني، د. أحمد يوسف ص27
  3. عباس خامة يار " إيران والإخوان المسلمين"
  4. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص 106.
  5. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص115.
  6. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص 119.
  7. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص 119.
  8. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص 120.
  9. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص 153.
  10. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص 153.
  11. إيران والإخوان المسلمين، مجلة الراصد
  12. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص ص163
  13. إيران والإخوان المسلمين، مجلة الراصد
  14. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص 189
  15. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص202
  16. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص203
  17. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص203
  18. عباس خامة يار ، إيران والإخوان المسلمين"ص204