الإخوان المسلمون والتعددية العرقية والدينية في المجتمع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٢:١٤، ١٥ أكتوبر ٢٠٢٢ بواسطة Admin (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


الإخوان المسلمون والتعددية العرقية والدينية في المجتمع
امانة المفاهيم الصحيحة وصدق الممارسة العملية
العلاقة مع الأقباط أنموذجا


مفدمة

" الإخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء القضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة. إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم.. أى انها مسجلة.. واضحة.. لا غموض فيها.. " ولكن بعض الاقلام اللادينية عادة ما تنتهز أي مناسبة لشن الحملات المفتراه على مواقف المبدئية والثابتة للجماعة.

وقد تستخدم هذه الحملات أساليب سياسية رخيصة فطنت لها الجماعة منذ أيامها الأولى ، فعافتها فى كل أساليبها وردودها، لانها تستمد اسلوبها من اسلام طاهر نظيف .. واذا كانت الدعوة قد خبرت مثل هذه الحملات وعركتها طوال تاريخها الحافل، فإنها تقول لأصحاب هذه الحملات ما قاله مرشدها الشهيد الأمام حسن البنا ...

وإما شخص ساء ظنه فينا وأحاطت بنا شكوكه وريبه، فهو لا يرانا الا بالمنظار الاسود القاتم، ولا يتحدث عنا الا بلسان المتحرج المتشكك، ويأبى الا أن يلج فى غروره ويسدر فى شكوكه ويظل مع أوهامه، فهذا ندعو الله لنا وله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا إجتنابه، وأن يلهمنا وأياه الرشد.

ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء، وندعو الله فيه وهو سبحانه أهل الرجاء، ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه فى صنف من الناس " إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء" وهذا سنظل نحبه ونرجوفيئه الينا واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا اليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من قبل " اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون "

أجل " اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون "، واجهت بها الدعوة خصومها من بنى جلدتها فى كل حملاتهم المدعمة بسطوة السلطان حيناً، وبأنهار الصحف ووسائل الاعلام المرئية والمسموعة فى كل الأحيان، وبإنحياز ثابت وأصيل الى اصولها العقيدية وخياراتها الفقهية مهما كانت التبعات والصعوبات.

وفي السطور التالية نعرض لفهم الدعوة الأصيل فى قضية هذا البحث هذا الخصوص والذى يجىء كبقية مفاهيمها، اوضح من فلق الصبح لانه يستمد نوره من مشكاة الاسلام العظيم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

قضية الموقف العام من الناس جميعاً مسلمين وغير مسلمين

وهنا نبادر فنقول، إن موقفنا من هذه القضايا ومن غيرها ليس مجرد موقف انتقالي واختياري قائم علي الاستحسان، وإنما هو موقف منتسب الي الإسلام ملتزم بمبادئه صادر عن مصادره... وعلي رأسها كتاب الله تعالي والسنة الصحيحة الثابته عن نبيه صلي الله عليه وسلم

والإخوان المسلمون يرون الناس جميعا حملة خير، مؤهلين لحمل الأمانة والاستقامة علي طريق الحق، وهم لا يشغلون أنفسهم بتكفير أحد إنما يقبلون من الناس ظواهرهم وعلانيتهم ولا يقولون بتكفير مسلم مهما أوغل في المعصية، فالقلوب بين يدي الرحمن، وهو الذي يؤتي النفوس تقواها، ويحاسبها علي مسعاها. ونحن الإخوان نقول دائما أننا دعاة ولسنا قضاة، ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد علي غير معتقده أو مايدين به، ونحن نتلوا قوله تعالي : لا إكراه في الدين.

وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل...

إن ساسة العالم وأصحاب الرأي فيه يرفعون هذه الأيام شعار "التعددية" وضرورة التسليم باختلاف رؤي الناس ومذاهبهم في الفكر والعمل. والاسلام، منذ بدأ الوحي الي رسول الله صلي الله عليه وسلم يعتبر اختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، ويقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي علي أساس هذا الاختلاف والتنوع "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"

والتعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري علي يديه من حق وخير ومصلحة... ذلك أن " الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق الناس بها "

لذلك يظلم الاسلام والمسلمين أشد الظلم من يصورهم جماعة مغلقة منحازة وراء ستار يعزلها عن العالم، ويحول بينها وبين تبادل الأخذ والعطاء مع شعوبه .. والإخوان المسلمون يؤكدون - من جديد - التزامهم بهذا النظر الإسلامي السديد الرشيد .. ويذكرون أتباعهم والآخذين عنهم، بأن علي كل واحد منهم أن يكون - فيما يقول ويعقل - عنوانا صادقا علي هذا المنهج... يألف ويؤلف...

ويفتح قلبه وعقله للناس جميعا ... لا يستكبر علي أحد... ولا يمن علي أحد... ولا يضيق بأحد... وأن تكون يده مبسوطه الي الجميع بالخير والحب والصفاء، وأن يبدأ الدنيا كلها بالسلام... قولا وعملا ... فبهذا كان رسولنا صلي الله عليه وسلم إمام رحمة ومهداه الي العالمين... وبهذا وحده يصدق الانتساب اليه صلي الله عليه وسلم والي الحق الذي جاء به..ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك،وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون.

الإخوان المسلمون

القاهرة في: 30 من ذي القعدة 1415 - 30 من أبريل 1995

الوحدة الوطنية

أباحت الشريعة الاسلامية لغير المسلمين حرية العقيدة والعبادة وإقامة الشعائر، وحرية الاحوال الشخصية وعملت علي صيانة ذلك الي ابعد مدي. وتؤكد رسائل الإمام البنا وكتابات الإخوان عامة علي هذا المفهوم كما تعمل علي تعميقه بين الناس من منطلق القاعدة التي اتفق عليها الفقهاء قديما  : لهم مالنا وعليهم ما علينا.

وتعتبر علاقة الإخوان بالنصاري قديماً وحديثاً نموذجاً فريداً وطرازاً متميزاً يدل علي الصلة القوية بينهم، ولم يحدث يوماً ما من الممارسات ما يعكر صفو هذه العلاقة، ولعلنا نذكر كيف طالب بعض القساوسة من قنا جنوب مصر في الاربعينات رئيس وزراء مصر في هذا العهد بتطبيق الشريعة الاسلامية بعد ان استمعوا الي محاضرة للامام البنا هناك حول مزاياها وما تتضمنه من حقوق وأمن واستقرار لغير المسلمين.

ويري الإخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم (أهل الذمة)، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث..." طبقا لعقيدة كل مواطن.

وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الإخوان ان للنصاري حق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء. ويتكون النسيج الاجتماعي في بعض دولنا من مجموعات من الطوائف الدينية والعرقية، وتنظر الجماعة إلى هذا التنوع على أنه عامل قوة وغنى، وليس عامل تفتيت.

ولقد أقر الإسلام في إطار الثوابت العامة التي رسمها للإنسانية حقيقة المساواة بين بني البشر، هذه المساواة التي تقرر وحدة (الجوهر) الإنساني، فتسقط بذلك كل نظريات الأجناس والأعراق والألوان، لتكرس مكانها المساواة بين بني الإنسان.

(أيها الناس إن ربكم لواحد، وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أحمر إلا بالتقوى.).. رواه أحمد وأبونعيم في الحلية، والطبراني في الأوسط والبزار، وقال الهيثمي رجال البزار رجال الصحيح.

ومن المساواة في جوهر الإنسانية، ننتقل إلى المساواة في الحقوق المدنية العامة، التي تتيح للإنسان ضمن النظام السياسي العام، أن يتمتع بكافة الحقوق المدنية. وتبقى مقولة (لهم مالنا وعليهم ما علينا).. سنة ماضية يسوس الإسلام بها كل من ارتضى أن يعيش بين جناحيه مما يعرف بالتعبير المعاصر بالأقليات..

يقول الأستاذ البنا رحمه الله:

"وموقفنا من إخواننا المسيحيين في العالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، وهم شركاء في الوطن، وإخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر بهم، والتعاون معهم على الخير، فرائض إسلامية لا يمتلك المسلم أن يستخف بها أوأن يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك، أوفعل غير ذلك فنحن براء منه ومما يقول، ومما يفعل "بيان للناس – رسائل الإمام الشهيد حسن البنا".

والجماعة تؤكد ان أن موقفها المبدئي من المواطنين غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية المختلفة كما سبق أن أوضحته هو موقف مبدئى ثابت مفروض على المسلمين بموجب إسلامهم وإيمانهم مؤكد بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة (قولية وعملية)

وهذا الموقف يتلخص فى النقاط التالية :

  1. هم جزء من نسيج مجتمعاتنا.
  2. هم شركاء الوطن والمصير.
  3. لهم مثل ما لنا وعليهم مثل ما علينا.
  4. حرية الاعتقاد والعبادة محترمة للجميع، والتعاون فى كل ما يخدم الوطن ويحقق الخير لكل المواطنين أمر لازم.
  5. الحرص على روح الأخوة التى ظلت تربط على مدى القرون بين أبناء الوطن الواحد جميعا وإشاعة الأصول الداعية إلى المحبة والمودة.

ويري الإخوان أن المواطنة أوالجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم (أهل الذمة)، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث..." طبقا لعقيدة كل مواطن.

وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الإخوان ان للمواطن غير المسلم الحق في أن يتولوا - باستثناء منصب رئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء.

وعلى التفصيل.. فموقف الإخوان من الإخوة المسيحيين في العالم الاسلامي موقف واضح وقديم ومعروف... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أويتهاون في أخذ نفسه بأحكامها.

ولأن نصوص القرآن والسنة الشريفة تأمر المسلمين بأنه (لا إكراه في الدين) (سورة البقرة 256)، وبتأمين غير المسلمين أصحاب الكتب السماوية السابقة على دين الإسلام، خاصة اليهود والنصارى الذين يعيشون مواطنين في الدولة الإسلامية، كما أن هذه النصوص تكفل لغير المسلمين فضلا عن حرية الإعتقاد، حرية الرأي

وترفض إجبارهم على التعامل بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، وتتركهم يتعاملون طبقا لأحكام الشرائع التي يدينون بها، فهم يتزوجون طبقا لها زواجا معترفا به لدى الدولة المسلمة، ولدى المجتمع المسلم، تثبت به الأنساب التي يستحق بها الميراث، كما لا يلزمهم ما يلزم المسلم من المحرمات في المأكل والمشرب، ما دامت غير محرمة عليهم في دينهم..

كما أن النصوص الإسلامية تبيح للمسلمين التعامل معهم مادام المسلم ملتزما في ذلك بأحكام الشريعة الإسلامية.. كما أنها لا تفرق بينهم وبين المسلمين في حق تملك العقارات والمنقولات وجميع أنواع الأموال، والإشتغال بالمهن المختلفة، كالطب والهندسة والزراعة والتجارة…إلخ.

كذلك تجعل من حقهم تولى مختلف الوظائف التي لا تتصل بالعمل بأحكام الشريعة الإسلامية التي لا يدينون بها، بل وتتركهم يتحاكمون إلى أصحاب الإختصاص والفقه في شريعتهم فيما قد يقع بينهم من اختلاف وقضايا، ولا ينظر القاضي المسلم في هذه القضايا والنزاعات

ولا يحكم إلا إذا رفعوا هم أمرهم إليه… وقد عاش أصحاب هذه الديانات غير الإسلامية في الوطن الإسلامي في أمان على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وجميع حرماتهم، وباستثناء حالات فردية، والتاريخ لا يثبت وقوع حالات اضطهاد عامة أومظالم شاملة على غير المسلمين.

وفي ضوء هذه القواعد فإن الإخوان المسلمين يحددون موقفهم من هذه القضية على أساس النقاط التالية:

  1. لا إكراه في الدين ولكل فرد الحق في ممارسة شعائره الدينية وفق الضوابط العامة للمجتمع.
  2. التكافؤ في فرص الحياة، والمساواة الكاملة أمام القانون حق مطلق لجميع المواطنين دون تفرقة بسبب يرجع إلى العرق أواللون أواللغة أوالدين.
  3. الأحوال الشخصية للأقليات تحكمها شرائعهم، إلا إذا آثروا هم أن يتحاكموا فيها إلى شريعة الإسلام.
  4. تسليم غير المسلمين بحق الأغلبية المسلمة في أن تحكم بشرع الله .
  5. ترى الجماعة أن قواعد العيش المشترك في المجتمع أربعة:

الأولى: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه: وهوبالنسبة لنا كمسلمين مسألة شرعية، تشمل الاختلاف الديني والسياسي، حسب التقسيم المعاصر.

لقد أتاح الله تعالى للإنسان حريّة الاختيار بين الإيمان والكفر، ومع ذلك لم يحرم الكافر ممّا أعطاه لمن يؤمن به، لكنّه بيّن له أنّ الإيمان هوالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ودعاه إلى ذلك ورغّبه فيه، (لا إكْرَاهَ في الدِّين،ِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ، فمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغوتِ وَيُؤْمنْ باللَّهِ فَقَدْ استمْسَكَ بالْعُرْوَة الْوُثقَى، لا انفصَامَ لَها واللَّهُ سَميعٌ عَليم) سورة البقرة الآية 256.

إنّ هذه الحرّية الواسعة لجميع الناس كي يختاروا ما يريدون، حتّى بالنسبة للإيمان والكفر، تستلزم حتماً الاعتراف بنتائجها، والتعامل معها وفق الضوابط الشرعية. وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا معنى أصلاً للحرّية.

الثانية: الأخلاق: وهي في نظر الإسلام قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا تتأثّر باختلاف الدين، ولا بوسائل الإنتاج، ولا بأيّ اعتبار آخر. الأخلاق ليست أسلوب تعامل المسلم فقط مع من يحب، ولا مع أبناء عشيرته أوقوميّته أودينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً.

هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع المشركين في مكّة ومع اليهود في المدينة، حتّى كانت أعظم صفة مدحه بها ربّه قوله عزّ وجلّ: (وإنّكَ لعلى خُلُقٍ عظيم) سورة القلم الآية4. والعيش المشترك في مجتمع واحد بدون أخلاق لا يمكن أن يقوم ويثبت ويترسّخ، والأخلاق عندنا تنبثق من الدين، ومن رسالاته السماوية.

الثالثة: العدالة: وهي أهمّ القيم الإنسانية على الإطلاق.. من أجل تحقيقها أرسل الله الرسل بالبيّنات: (وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالميزَانَ لِيَقومَ النَّاسُ بالقِسْطِ) سورة الحديد الآية 25. الكتاب هومصدر العدالة. والميزان هووسيلة تحقيقها، لأنه يعني التوازن بين الحقوق والواجبات، وهوما ينبغي أن تسعى إليه السلطات القائمة من خلال قوانينها التفصيلية، أومن خلال أحكامها القضائية.

هاتان القاعدتان (الأخلاق والعدالة) هما اللتان أشار الله تعالى إليهما في الآية الكريمة: (لا يَنْهاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذينَ لَمْ يُقَاتِلوكُمْ فِي الدّين،ِ وَلَمْ يُخْرِجوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، أَنْ تَبَرّوهُمْ وتُقْسِطوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) سورة الممتحنة الآية 8.

الرابعة: التعاون: لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة. وقد بيّن الله تعالى أنّ التعاون مطلوب حتّى مع المشركين (.. وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا، وتَعَاوَنوا علَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوَانِ..) سورة المائدة الآية 2.

الإخوان والأقباط ... نموذجا

الأقباط في فكر الإمام البنا

عندما نتحدَّث عن الأقباط ورؤية الإمام البنا لهم يجب أن نفهم أن الرجل كان مؤسِّسًا لفكرة، وحسب المؤسس اكتشاف الأصول والذود عنها وإماطة اللثام عما غاب منها، فقد كان التيار الإسلامي في ذلك الوقت كما يقول المستشار طارق البشري يرى نفسه في مرحلة تاريخية تستوجب منه ترسيخ المبادئ العامة وليس في مرحلة معالجة الفروع.

وبالتالي ما قدَّمه الإمام البنا عن الأقباطِ أو قضايا أخرى كثيرة كان محكومًا بهذا المنطق ولا ينفك عنه، حيث بثَّ فكرته عن الأقليات في صورة متفرقات.. مؤتمر.. موعظة.. رسالة.. مقالة.. في قرية.. أو مظاهرة وبأسلوبه الخاص الذي يخاطب به الجميع، وبالفهم الذي ساد في عصره، ووفق ما هو متعارفٌ عليه بين مجتهدي زمانه.

لا طائفية في الإخوان

ففي رسالة إلى الشباب يقطع الإمام أي توجه طائفي للجماعة قائلاً:

إن الإسلام عُني أدق العناية باحترام الرابطة الإنسانية العامة بين بني الإنسان كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة من الله للعالمين، وحرَّم الاعتداء حتى في حالات الغضب والخصومة، وأوصى بالبر والإحسان بين المواطنين وإن اختلفت عقائدُهم وأديانهم، وإنصاف الذميين وحسن معاملتهم، فلهم ما لنا وعليهم ما علينا.. نعلم كل هذا فلا ندعو إلى تفرقة عنصرية ولا إلى عصبية طائفية.
ويرى في رسالة "دعوتنا في طور جديد"، وأما دعوتنا عالمية فلأنها موجهةٌ إلى الناس كافة؛ لأن الناس في حكمها أخوةٌ أصلهم واحدٌ وأبوهم واحدٌ ونسبهم واحدٌ، لا يتفاضلون إلا بالتقوى، وبما يقدِّم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامله: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ" (النساء: من الآية 1)، فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا تشجيع عصبية الأجناس والألوان، ولكننا ندعو إلى الأخوة العادلة بين بني الإنسان".

وقد أرسل الإمام البنا خطابًا إلى محمد محمود باشا - رئيس وزراء مصر عام 1938م يطلب منه تطبيق الشريعة الإسلامية ومنع الحفلات الخليعة وأداء الفرائض ثم قال: قد يقال إن في الأمة عنصرًا ليس مسلمًا ولا يرضى حكم الإسلام، وجواب ذلك مدفوعٌ بالواقع؛ فقد عاش هذا العنصر الإسلام قرونًا عدة، فلم يَرَ إلا العدلَ الكاملَ والإنصافَ الشاملَ، ولا تزال كلمة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لأميره على مصر مدويةً في الآذان على كل لسان: "يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا".

ثم كرَّر الطلب في خطاب بعث به إلى وزير الحقانية أحمد خشبة مفندًا أيَّ انتقاص من حقوق أهل الكتاب تحت زعم أن في مصر عناصرَ غيرَ إسلاميةٍ إن حُكِمت بأحكام الإسلام كان ذلك متنافيًا مع حرية الدين التي كفلها الدستور للمواطنين، وإن حُكِمت بغيرِ أحكام الإسلام كان ذلك نوعًا من الامتياز البغيض الذي حمدنا الله على التخلص منه.

هذه الشبهة مردودةٌ بجزئياتها لأن غير المسلمين إن عوملوا بتعاليم الإسلام لم يكن في ذلك اصطدامٌ بحرية الدين، لأن الحرية المكفولة هي حرية العقيدة وحرية العبادة والشعائر والأحوال الشخصية.

أما الشئون الاجتماعية فهي حق الأمة ومظهر سيادتها، فهم فيها تبع للأكثرية فإذا ارتضت أكثرية الأمة قانونًا في هذه الشئون الاجتماعية يصرف النظر عن مصدره، فهو قانونٌ للجميع، وإن عوملوا بحسب شرائعهم مع الاحتفاظ بحقوق الدولة كاملة معهم فليس في ذلك امتيازٌ يخيف.

والإمام البنا هنا نراه يؤكد تمام تسليمه بالموقف الفقهي من الضمانة التعددية القضائية التي كفلتها أحكام الشريعة المبنية على احترام التمايز العقدي لطوائف الأمة وردهم لما يدينون عند الاختلاف بحسب ما تملي به عقائدُهم، ثم إلحاقهم بالمظلة القانونية والدستورية للأمة بكل ما يمثله هذا الإلحاق من مساواة ومشاركة وانتقال من سيادة الذمة الطائفية (إلى سيادة الدستور والمواطنة) الأغلبية والأقلية.

الإمام البنا والمواطنة

ومن بين الاتهامات الشائعة التي توجه للإمام الراحل أنه قد غاب عنه تأسيسُ موقف حازم من فكرة المواطنة، وأن مقولاته- والتي تتحدث عن أخوة العقيدة- هي تكريسٌ لوضعٍ طائفي يحرم غير المسلمين من الالتحام بإطار المواطنة الجامع، لأن ثمةَ تصنيفًا يترتب على ذلك يحول بين غير المسلم والوجود الفاعل داخل الوعاء القومي

وزاد بعضهم متهمًا البنا بأنه قدَّم أدبًا اقصائيًّا طائفيًّا يحرم الأقباط من إدارة شئون بلادهم مشاركةً لإخوانهم المسلمين وحرمانهم من التمتع بكل المزايا السياسية والاقتصادية التي كفلها الدستور لأي مواطن وإن الإخوان قد يهتفون لمسلم في باكستان ولا يعبأْون بجيرانهم من الأقباط.

وبداية ومن بديهيات التاريخ المعاصر يجب أن نسلم أن فكرة الجامعة الإسلامية أو أخوة العقيدة ليست فكرة البنا وحده، ولم يكن أول من أذاعها، حيث شاركه في ذلك الكثير أمثال جمال الدين الأفغاني ومصطفى كامل وخير الدين التونسي والكاتب المسيحي سليم البستان الذي كان من دعاة الدولة العثمانية، ويرى أنه لا مانعَ في ظل الوطنية أن يكون دين الدولة الإسلام.

ورصد هذه الحركة اللورد كرومر، حيث أشار في أحد تقاريره إلى وجود حركة وطنية في مصر ممتزجة بالحركة الإسلامية، ربما اقترب منها الوفدي الشهير حنا ويصا بتعبيره بقوله لا يوجد في دائرة الإسلام الواسعة ما يمنع التطور الوطني والجنس في دوائر أصغر.

والتحم بالفكرة أكثر الرمز القبطي الكبير مكرم عبيد: نحن مسلمون وطنًا ونصارى دينًا. ويشرح الفكرة باستفاضة المفكر القبطي المعروف الدكتور يوسف خليل قائلاً: لا نستطيع من الوجهة الواقعية أن نتجاهلَ أثرَ الدين الإسلامي كقوةٍ محركةٍ لجمهرةِ الشعوب العربية حتى يومنا هذا، فالإسلام ليس مجرد دين وعقيدة، إنما قانون جامع لشئون الدين والدنيا معًا..

والقوة الموحدة في الإسلام لا تأتي من الانتماء إلى إيمان مشترك، بل ربما كان الأثر الأكبر فيها يرجع إلى التركيب الاجتماعي المشترك وإلى الأسلوب الواحد في الحياة اللذين يهيئهما الإسلام ... بل ويرى القرآن الكريم كحافظٍ للغةِ العربيةِ؛ لأنه كما يقول: لا يخص الإسلام والمسلمين وحدهم، بل هو تراث المسيحيين العرب أيضًا.

ومن ثم رأي المفكر المسيحي قسطنطين رزيق في كتاب الوعي القومي الصادر عام 1938م يجب على كل عربي إذن بصرف النظر عن معتقده الديني أن يدرس الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم من جهة أنه موحد العرب وجامع شملهم، حيث إن القومية الحقيقية لا يمكن بحال من الأحوال أن تتناقض مع الدين الصحيح.

والجامعة الإسلامية أو أخوة العقيدة في رأي البنا لا تنفك كثيرًا عن ما سبق من فهم لطبيعة الإسلام، حيث يراها إحدى دوائر النهضة الحضارية الاسلامية التي تضم دوائر الاستقلال الوطني وتحرير الأمة وبناء المجتمع الإسلامي الناهض، وقوامة الشريعة ثم القومية العربية بحسبانهما ضمير الإسلام ثم الجامعة الإسلامية وأستاذية العالم.

ويعرف الإمام البنا الجامعةَ الإسلاميةَ بأنها رابطةُ إخاء للأمة الإسلامية التي هي أمةٌ متعددة الأعراق واللغات والأديان، وأن غير المسلمين جزءٌ من الأمة الجامعة لكل من يقر لها بالولاية السياسية مهما كانت عقيدته... لذلك لا حجة لمن يقول كما يرى: إن الأمة الواحدة من أمم الإسلام تضم عناصرَ مختلفةً تدين بغير دين الإسلام وبالتالي لا يوجد بين أفرادها إلا الجنسية القومية، والجواب على ذلك أن سماحة الإسلام وصلته تتسع لأبناء قومنا وإن كانوا على غير ديننا..

بل وإن تعاليم الإسلام تقضي على أبنائه أن يكونوا مع أهل التعاقد سواسية... بل وقدم الإسلام باعتباره من معاني قوميتهم مشيرًا إلى أن الأقلية غير المسلمة من أبناء هذا الوطن تعلم تمام العلم كيف تجد الطمأنينة والأمن والعدالة والمساواة التامة في كل تعاليم ديننا ويعتبرون الإسلام معنى من معاني قوميتهم وإن لم تكن أحكامه وتعاليمه من عقيدتهم.

فالإمام في شروحاته لا مانع لديه من استيعاب صيغة المواطنة بكل معانيها، ولكن دون أن تكون مانعًا من الانضواء تحت مظلة الأمة الجامعة أو العروبة، حيث يجب ألا يحول دون ذلك سببٌ عرقيٌّ أو جغرافيٌّ أو دينيٌّ. ويرى أن الوطنية والعروبة والإسلام دوائرُ تتلاقى ولا تتناقض إلا إذا كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتباغض، أو أراد أقوامٌ أن يتخذوا من المناداةِ بالقوميةِ الخاصة سلاحًا لهدم الشعور بما عداها، فالإخوان المسلمون ليسوا معهم.

أو أرادوا بالقومية إحياء عادات جاهلية درست وإقامة ذكريات بائدة خلت، ومن أجل ذلك يؤكد أن الإخوان لا يقولون (فرعونية) (وفينيقية) وما فيها من اعتزاز بالجنس، وفي كل الأحوال هم يتلاقون مع جوهر الوطنية الرحبة والانتماء السامي؛ لأن حبَّ هذه الأرض وألفتها أمرٌ مركوزٌ في فِطَر النفوس من جهة مأمورية في الإسلام من جهة أخرى وتقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد.

وليظل للمصريين والمصرية في دعوتنا مكانها ومنزلتها وحقها في الكفاح والنضال؛ لأن الإخوان أشد الناس لوطنهم إخلاصًا، وهم يعملون لمصر، ويفنون في جهادهم؛ لأنها أرض الإسلام وزعيمة أممه

ويتساءل:

" كيف يقال إن الإيمان بالمصرية لا يتفق مع ما يجب أن يدعوَ إليه رجلٌ ينادي بالإسلام ويهتف بالإسلام.. إننا نعتز بأننا مخلصون لهذا الوطن الحبيب، عاملون له، مجاهدون في سبيل خيره وسنظل كذلك، وبالتالي يتحركون معتقدين أن هذه الوطنية هي الحلقةُ الأولى في سلسلةِ النهضةِ المنشودةِ وأنها جزءٌ من الوطن العربي العام، وكل هذه وحدات متلازمات تشد أزر بعضها البعض؛
لأننا حين نعمل لخير مصر نعمل للعروبة وللشرق والإسلام، وتلك هي المعادلة الحضارية التي تحكم فهم الإخوان.. فلا صدام بين الوحدات الثلاث، فالدين وثبةُ الوطن والعروبة ودوره الرقي بالروابط الطبيعية والاجتماعية والقطرية وإخراجها من حيزها الضيق لتكون جديرةً بالتلاحم بالروابط الأعلى حيث لا تنفصل ملحمة الأرض عن ملحمة السماء التي تظل للجميع ملهمةً، ومن العوامل المساعدة على البناء القومي ومصدر القوة والتماسك لتؤول في النهاية الجامعة الإسلامية إلى الجامعة البشرية ودار الإسلام إلى دار الإنسان

يقول الإمام البنا:

"عني الإسلام باحترام الرابطة العامة بين بني الإنسان، كما أنه جاء لخير الناس جميعًا ورحمة للعالمين، وقيادة العالم إلى الخير ومناصرة الفضيلة ومقارعة الرزيلة واحترام المثل.

خبرة المعايشة

ومن المهم ونحن نسرد قطوفًا من أدبيات الإمام نؤكد أن هذه الأقوال لم تكن معزولةً عن الواقع المعيشي، حيث اختلطت به وتداخلت معه، وكانت مغزولة في الحركة والسلوك والعلاقات لا سيما إذا تفهمنا أن هذه الآراء صادرةٌ من جماعة حركيةٍ تفكر بقدر حركتها وتعطي بقدر ما يتحمل الواقع وبقدر ما يؤمِّن مسيرتَها، وبالتالي من المفيد استفراغ الخبرات الميدانية والسلوكية؛ لأنها ذات مؤشر دالٍ، ويجب ألا يغيبَ في أي وجهةٍ دراسيةٍ.

ففي ذكرى الإمام الشهيد نشر الرمز القبطي مكرم عبيد مقالةً بجريدة الإخوان – 13 فبراير 1952 تعتبر من الوثائق والشهادات الهامة في حق دعوة الإخوان ومؤسسها

يقول فيها:

"تفضلت مجلة الدعوة الغراء فطلبت إليَّ أن أكتب كلمةً في ذكرى الراحل الكريم الذي شاءت له رحمةُ الله أن يغادرَ هذه الدنيا إلى جوار ربه الرحمنِ الرحيمِ كما شاءت لنا نحن رحمةُ الله أن يظلَّ الراحلُ الذي فقدناه ماثلاً بيننا بذكراه وبدعواه..
وهل هذا الراحل الماثل إلا فضيلة المرشد المغفور له الشيخ حسن البنا؟ أي نعم.. فإذا كنتم أيها الإخوان المسلمون قد فقدتم أخاكم الأكبر الخالدَ الذكر، فحسبكم أن تذكروا أن هذا الرجل الذي أسلم وجهه لله حنيفًا قد أسلم روحه للوطن عفيفًا.
حسبكم أن تذكروه حيًّا في مجده، كلما ذكرتموه ميتًا في لحده، وإذا كان الموت والحياة يتنازعان السيطرة في مملكة الإنسان ويتبادلان النصر والهزيمة فيتساويان، فالغلبة للحياة مع الذكرى، وللموت مع النسيان.. لهذا فالميت حي لديك إذا ذكرته والحي ميت إذا نسيته. وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حيٌّ لدينا جميعًا في ذكراه.. بل كيف لا يحيى ويخلد في حياته رجلٌ استوحى الدين في هدي ربه وفي الدنيا وحي قلبه.
اذكروه أنتم أيها الإخوان ثم اذكروه، ففي ذكراه حياةٌ لكم، ومن ذا الذي يقول بهذا هو مكرم عبيد صديقه المسيحي الذي عرف في أخيه المسلم الكريم الصدقَ والصداقةَ معًا.. ولئن ذكرت فكيف لا أذكر كم تزاورنا وتآزرنا إبان حياته، ولئن شهدت فكيف لا أشهد بفضله بعد مماته
وما هي وايم الحق إلا شهادة صدق أُشهِد عليها ربي، إذ ينطق بها لساني من وحي قلبي، بل هي شهادة رجل يجمع بينه وبين الفقيد العزيز الإيمان بوحدة ربه، وبوحدة شعبه، والتوحيد في جميع الأديان المنزلة لا يكفي فيه أن توحد الله، بل يجب أن نتوحد في الله كما أن وحدة الوطن لا يكفي فيها وحدة أرجائه، بل يجب أن تتوافر لها قبل كل شيء وحدة أبنائه.
ولقد كان الإخوان المسلمون والكتلة الوفدية هما الهيئتين الوحيدتين اللتين تتبادلان الزيارة في دار الإخوان ونادي الكتلة، بل كان لي الحظ أن يزورني رحمه الله في منزلي، وأن نتبادل خلال حديثٍ طويلٍ المشاعرَ الشخصيةَ والوطنيةَ، وكنت أراه في حديثه أبعد ما يكون عن الشكليات والصغائر، مما جعلني أعتقد أنه رجل قلَّ مثيله بيننا في التعمق تفكيرًا وفي التنزه ضميرًا.
ولقد زرته- رحمه الله- إثر موته في منزله فكانت زيارةً لن أنسى ما حييت أثرَها الفاجعَ والدامعَ، ولقد هالني أن أجد قوةً من البوليس تحاصر الشارعَ الذي به منزل الفقيد، ولولا أن ضابط البوليس عرفني فسمح لي بالمرور لما تيسر لي أن أؤدِّي واجب العزاء
ولئن نسيت فلن أنسى كيف كان والده الشيخ البار متأثرًا بهذه الزيارة حتى إنه قصَّ علينا- والدمع يفيض من عينيه- كيف منعوا الناس من تشييع جنازة الفقيد، ولم يسمح للمعزين بالعزاء في منزله، وراح الوالد الكريم يشكرني ويدعو لي دعواته المباركات التي ما زلت أتبرك بها، ولو أني قلت له إنه واجب العزاء هو فرض واجب الأداء، فإذا ما قصرت فيه أنا أو أي مصري كان في ذلك تنكر وعدم وفاء.
إخواني.. أي نعم.. إخواني.. أيها الإخوان المسلمون.. أنتم إخواني وطنًا وجنسًا، بل إخواني نفسًا وحسًّا، بل أنتم لي إخوان ما أقربكم إخوانًا في الوطنية.. إخواني إيمانًا، ولما كانت الوطنية من الإيمان فنحن إذن إخوان في الله الواحد المنان، وإذا ما ذكرتم اليوم الفضيلة في قبرها فاذكروا أيضًا ما كان بذكراه هو على الدوام إذ يذكر الحرية في سجنها.
فلنطالب إذن بتحرير بلادنا وتحرير أولادنا المساجين المساكين فإن في الإفراج عنهم عزاءً وجزاءً في وقت معًا".

في الإسماعيلية ... أراد بعضهم أن يُحدث فتنةً بين الإخوان والمسيحيين في مطلع الدعوة- والإمام البنا مدرس في الإسماعيلية - فكتب عريضةً بتوقيع "مسيحي" ... ذكر فيها أن "المدرس المسلم المتعصِّب حسن البنا يرأس جماعةً متعصبةً اسمها (الإخوان المسلمون)، وأنه يهين ويضطهد التلاميذ المسيحيين، ويفضل التلاميذ المسلمين عليهم، وطالب كاتب العريضة المسئولين بنقل هذا المدرس المتعصب بعيدًا عن الإسماعيلية حتى لا تكون فتنة.

وحُوِّلت هذه العريضة على ناظر المدرسة، فاستاء المسيحيون منها جدًّا، وجاء وفدٌ منهم إلى المدرسة معلنًا استنكاره (على رأس هذا الوفد راعي الكنيسة الأرثوذكسية) وكتب كثيرٌ من أعيان الأقباط- وكذلك الكنيسة "بختمها" وتوقيع راعيها - عرائضَ وخطابات استنكار، وأرفقها الناظر بتقريره الذي ختمه بقوله: أرجو وزارة المعارف ألا ترهقنا بمثل هذه المجهولات، وأن تحقق فيها بمعرفتها، بعد أن ثبت أنها جميعًا أمورٌ كيديةٌ لا يُراد من ورائها خير.

في قنا بالصعيد... حينما نُقل حسن البنا سنة 1941م إلى "قنا" بصعيد مصر؛ نتيجة ضغط الإنجليز على حسين سري باشا- رئيس الوزراء- تسابَق كثير من المنافقين ودعاة الفتنة إلى نشر إشاعة بين الأقباط في قنا، تصور حسن البنا والإخوان المسلمين مبغضين للأقباط.. عاملين على الإضرار بهم.. فكيف قضى الإمام البنا على هذه الفِرية؟!

الجواب في السطور الآتية من رسالة بعث بها حسن البنا من قنا إلى والده- رحمه الله - بالقاهرة "جمعية الإخوان بقنا تسير بخطًى موفقةٍ، وكانت عندنا بالأمس حفلةٌ كبيرةٌ دعونا إليها كل الطائفة القبطية وعلى رأسها المطران، وأقبلوا جميعًا لم يتخلف منهم أحد، وكانت صفعةً قويةً لمنافقي المسلمين الذين يتزلفون إلى هؤلاء بالفتنة، ولقد كنت صريحًا جدًّا- في لباقة- وأنا أبسِّط فكرة الإخوان بصورة حازت إعجاب الجميع، والحمد لله، وكل شيء على ما يرام".

"خريستو" .. وكيل حسن البنا... حينما رشَّح نفسه في الانتخابات النيابية سنة 1944م في عهد وزارة أحمد ماهر باشا عن دائرة الإسماعيلية كان وكيله في لجنة "الطور" - التابعة لدائرة الإسماعيلية - يونانيًّا مسيحيًّا متمصرا يُدعى "الخواجة باولو خريستو" وكانت هذه اللفتة مثارَ سخريةِ قادة الحزب السعدي الحاكم، وخصوصًا أحمد ماهر باشا، ومحمود فهمي النقراشي باشا.

زيارات وشهادات... كان المسيحيون - على مستوى مصر كلها - يَشعرون بروح الودِّ والسماحة المتبادلة بينهم وبين الإخوان، وخصوصًا في المناسبات الدينية، وحرص الإخوان على أن ينشروا في صحفهم أخبار هذه الزيارات، ومثال ذلك الخبر التالي المنشور في صحيفة (الإخوان) بتاريخ 10/11/1946م.

"زار نيافة مطران الشرقية والمحافظات دار الإخوان المسلمين بالزقازيق يوم عيد الأضحى سنة 1365هـ للتهنئة بالعيد، وأذاع نيافته نشرةً مطولةً بعنوان (هدية العيد) تدور حول معنى الاتحاد رمز الانتصار، وقال في آخرها: أشكر جمعية الإخوان؛ لأنهم إخوان في الشعور.. إخوان في التضامن.. إخوان في العمل".

الأديان الثلاثة في منزل... وأطرف هذه الوقائع كلها، وكانت أواخر سنة 1927م ننقلها بالنص من مذكراته .. بعد أربعين يومًا من نزولنا إلى الإسماعيلية، لم نسترِحْ للإقامة في البنسيونات، فعوَّلنا على استئجار منزل خاص، فكانت المصادفة أن نجد دورًا أعلى في منزل استؤجر دوره الأوسط لمجموعةٍ من المواطنين المسيحيين اتخذوا منه ناديًا وكنيسةً

ودوره الأسفل (الأرضي) لمجموعة من اليهود اتخذوه ناديًا وكنيسةً، وكنا نحن بالدور الأعلى نقيم الصلاة، ونتخذ من هذا المسكن مصلًّى.. فكأنما كان هذا المنزل يمثل الأديان الثلاثة، ولست أنسى "أم شالوم" سادنة الكنيسة، وهي تدعونا كل ليلة سبت لنضيء لها النور، ونساعدها في "توليع وابور الجاز"، وكنا نداعبها بقولنا: إلى متى تستخدمون هذه الحِيَل التي لا تنطلي على الله..؟! وإن كان الله قد حرَّم عليكم النور والنار يوم السبت- كما تدَّعون- فهل حرَّم عليكم الانتفاع أو الرؤية؟ فتعتذر وتنتهي المناقشة بسلام.

رسالة إلى البطريرك

الى صاحب الغبطة الأنبا يؤنس (بطريرك الأقباط الارثوذكس بمصر) رئيس لجنة مساعدة الحبشة.

بكل احترام، يتشرف رئيس لجنة مساعدة فلسطين بجمعية الإخوان المسلمين بأن يرفع الى غبطتكم هذا الرجاء الحار، يحفزه اليه ما يعهده فى غبطتكم من أسمى عواطف الرحمة النبيلة والبر والإنسانية المعذبة، تلك العواطف التى حدت بكم الى تجشم المتاعب فى سبيل مساعدة الحبشة.

وتعلمون ياصاحب الغبطة أن فلسطين الشقيقة العزيزة مهد الشرائع والأنبياء، قد بطشت بها القوة الغاشمة، فانسالت دماء ابنائها من المسلمين والمسيحيين على السواء، وخربت ديارهم، وعطلت مصالحهم وقضت على موارد ارزاقهم، وأن بيت المقدس هو بيت القصيد من هذا العدوان الصارخ. ويحاول اليهود بعملهم هذا أن يستولوا عليه، وعلى غيره من الاماكن المقدسة، التى أجمع المسلمون والمسيحيون على تقديسها وإكبارها والذود عنها.

ونحن فى مصر مع الاسف الشديد لا نملك الا أن نقدم ما تسخو به الأكف من مال لمساعدة هؤلاء الابطال الذين المت بهم الفاقة.... ومن أجل ذلك توجهنا الى غبطتكم، راجين أن تشملوا هؤلاء المجاهدين بعطفكم الأبوى، فتأمروا بامداد ابناء فلسطين بإرسال ما تبقى من اموال لجنة مساعدة الاحباش الى اللجنة العربية العليا بالقدس...

وإذا رأيتم فضلاً عن ذلك أن تتكرموا بدعوة المحسنين من المصريين بالتبرع لهذا الغرض النبيل، فهو العهد بكم والمأمول فيكم، وكان لكم الشكر مضاعفاً.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

المخلص... حسن البنا

يقول الدكتور حسان حتحوت فى مقالة له نشرتها مجلة الامة القطرية (عدد 55 - رجب 1405) تحت عنوان (تهمة التعصب):

" فماذا عن قنا ؟ البداية حفل كبير زاخر، على رأسه علماء المسلمين وقسس الاقباط.... وعلى ذكر قسس الاقباط، فان كثيرين يحاولون أن يلصقوا بالرجل ودعوته تهمة التعصب ضد النصارى، أو التفرقة بين عنصرى الأمة، ويشهد الله ومن حضر من الصادقين أن العكس هو الصحيح، فلم يكن الرجل داعية بغض ولا تفرقة، وكان يبرهن ان الدعوة لتطبيق الشريعة الاسلامية لا يمكن أن تكون للأقباط، لأنها ستطبق علينا وعليهم على السواء، وأنها لا تصادر نصرانية النصرانى..
وقد وجدت دعوة الرجل صداها وتصديقها لدى ذوى الفهم من المسلمين والأقباط... ويكفى أن أذكر بأن الاستاذ (لويس فانوس) من زعماء الاقباط كان من الزبائن المستديمين لدرس الثلاثاء الذى يلقيه حسن البنا، وكانت بينهما صداقة وطيدة.
وان حسن البنا عندما تقدم مرشحا لانتخابات البرلمان كان وكيله الذى يمثله فى مقر إحدى اللجان الإنتخابية رجلا قبطياً. وأن البنا لما اغتيل ومنعت الحكومة أن يشيع فى جنازة، لم يمش وراء نعشه الا رجلان هما والده ومكرم عبيد السياسى النصرانى. وأذكر اننا كنا ونحن طلاب نزور جمعيات الشبان المسحية لنتحدث عن موقف الاسلام من النصرانية، فنخرج وقد شعرنا أنهم اقرب الناس مودة.

وشهادة ثانية

شكل مكتب ارشاد الجماعة لجنة سياسية عليا برئاسة وكيل الجماعة وعضوية سكرتير الجماعة وعضو من أعضاء مكتب الأرشاد، 9 أعضاء آخرون منهم ثلاثة من كبار الاقباط هم الاستاذ وهيب بك دوس المحامى والاستاذ لويس فانوس عضو مجلس النواب والاستاذ كريم ثابت الصحفى الكبير "

وثالثة

ارسل الامام حسن البنا رسالة تهنئة الى توفيق دوس بمناسبة إنتخابه عضوا فى مجلس الشيوخ المصرى، رد عليها دوس بتهنئة بمناسبة صدور جريدة "الإخوان المسلمون" اليومية وتأكيده على نزعة الإخوان القومية ..

ورابعة

رد توفيق غالى من اقباط مصر على مقالات لسلامة موسى فى عهد الأمام حسن البنا، اتهم فيها موسى الإخوان بأنهم يثيرون الفتن الطائفية. وقد أكد توفيق غالى فى رده : "انى أعترف بأنهم" الإخوان المسلمون " اشرف الجماعات مقصداً، وأنبلهم خلقا، ولن أقدم دليلا إلا أن شعبتهم يجاورها المسيحيون من كل جانب، ومع ذلك لم نر منهم الا كل أدب وتقدير لإخوانهم المسيحيين، وان شعبتهم بقسم الصيادين الزقازيق تجاور الكنيسة ولا ينظرون اليها إلا بكل احترام ".

ولم تتوقف هذه السياسة بعد استشهاد الامام حسن البنا، بل التزم بها الإخوان المسلمون دينا وأصلاً، فكان مرشدونا الامناء حسن الهضيبي وعمر التلمساني ومحمد حامد أبو النصر على نفس السياسة ونفس المنوال...

ففى كتاب " حسن الهضيبي الامام الممتحن " ذكر الاستاذ جابر رزق رحمه الله تحت عنوان " مع خلطائه المسيحيين ":

" وكانت باكورة ولايته القضاء فى مدينة جرجا من صعيد مصر، حيث تعلو فى الطبقة المثقفة نسبة المسيحيين الذين تهىء لهم مراكزهم وثقافتهم الإختلاط بقاضى المدينة ونظرائه من كبار الموظفين... فإذا بهم يلتفون حوله، ويحيطونه بفيض من مشاعر الحب والتقدير، ويعلنون أنهم يحسدون عليه إخوانهم المسلمين، ويتمنون لو كان فى طائفتهم مثله "

نشرت مجلة "الدعوة" فى عددها الرابع عشر الصادر فى شعبان 1397 هـ، تحت عنوان: "واين نصيبنا من هذا الحب" السطور التالية لمرشدنا الراحل عمر التلمساني رحمه الله :

" إن القول بأن الإخوان يقوم تشكيلهم على اساس دينى يسبب الفرقة، قول يرده الواقع، ويدحضه الكثير من الحجج والبراهين:
أولاً: الأمة المصرية تتكون من ديانتين اساسيتين، الإسلام والمسيحية، وبلغ التسامح الدينى بالأغلبية المسلمة أن كان من رؤسائها ووزرائها مسيحيون، كان يرأس مجلس النواب مسيحى..."
رابعاً: قامت جماعة الإخوان عام 1928 م، فلم يثبت فى تاريخها يوما من الأيام أنها دعت الى فرقة، أو هتفت بعنصرية دينية، أو نادت بحرمان غير المسلمين مما يستمتع به المسلمون، بل كان القسس يحضرون احتفالاتها، ويلقون فيها كلماتهم من وجهة نظرهم لا من وجهة نظر الإخوان المسلمين، ولم يعترض عليهم أو يقاطعهم أحد.
خامساً: كيف يكون التشكيل الرسمى للإخوان مدعاه الى التفريق بين أفراد الامة وهم لا يحرمون على مسيحى أن يبتنى كنيسة، أو أن يشتغل بوظيفة، أو أن يؤدى شعائره الدينينة آمناً مطمئناً، وإذا طالب المسيحيون بحزب مسيحى، فما الخوف من ذلك ؟ اليس هذا واقع الأمة فعلاً : مسلمون ومسيحيون، وكل ينادى بصلاحية دينيه وإصلاح المجتمع ؟... "

من تصريحات المرشد الأسبق السيد محمد حامد أبو النصر:

  • س: العلاقة مع الأقباط تشغل بال كثيرين لدرجة أن عدداً من أحزاب المعارضة بدأ يتسابق للحصول على أصواتهم، هل تتصورون تعاوناً بين "الإخوان" والأقباط في الانتخابات؟
ج: علاقاتنا بالأقباط كانت ومازالت طيبة، على مدى السنوات السبعين الماضية، منذ نشأة الجماعة، لم يقع أي حادث يعكر صفوها، وكان للإمام حسن البنا مستشارون من الأقباط وكان عدد من الأقباط يحرص على حضور محافل الجماعة ، وحين أبعد الإمام البنا إلى قنا كتب القساوسة هناك مذكرات إلى الحكومة تنصفه.
  • س: هل توافقون على إنشاء الأقباط حزبا سياسيا خاصا بهم؟
ج: الحزب السياسي أهم أهدافه الوصول إلى السلطة والحكم بمقتضى منهج، فهل تعتقد أن الأقباط وهم نحو خمسة في المائة من أبناء مصر يسعون إلى ذلك؟ إن مثل هذه الادعاءات ظهرت في الفترة الأخيرة لتبرير محاربة الجماعة والواقع يكذب هذه الادعاءات، فمع حرية إنشاء الأحزاب لم يفكر الأقباط في إنشاء حزب في الأربعينات حين كانت الجماعة منتشرة في كل أنحاء مصر، ومع ذلك نرحب بحزب للأقباط إذا شاءوا.

الحياة 4 سبتمبر 1995

تجربة الأحزاب الدينية

  • ما هو رأيكم فيما يقال بأن السماح بقيام أحزاب دينية سيؤدي إلي تهديد الوحدة الوطنية والسلام الإجتماعي بل وتحويل مصر الآمنة الي لبنان جديدة ؟
    • هذا قول غير صحيح، ومن الخطأ أن نقيس مصر علي لبنان، وتجربة الأحزاب الدينية موجودة في كل العالم، ولقد سمحت انجلترا بقيام حزب إسلامي، كما سمحت روسيا بقيام حزب إسلامي أيضا، وغيرها كثير من بلدان العالم، فإذا انتقلنا الي عالمنا العربي سنجد تجربة الأردن واليمن حيث سمح للإخوان هناك بتكوين حزب ولم يقل أحد أن الأردن او اليمن تحولت او ستتحول الي لبنان.
إن التاريخ خير شاهد علي العلاقة بين الإخوان المسلمين والأقباط في مصر، حيث لم تسجل حالة إعتداء واحدة قام بها احد الإخوان المسلمين ضد أحد الاقباط، كما أن قضايا مايسمي بالفتنة الطائفية لم تشر الي اي أحد من الإخوان والحمد لله، وعلاقتنا بالاقباط تنطلق من ديننا الحنيف الذي يوضح في القرآن الكريملا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين.

تطبيق الشريعة

  • يري البعض أن تطبيق الشريعة الاسلامية لايتناسب مع مجتمع يضم اقليات غير مسلمة.. فضلا عن ان تطبيق الشريعة في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة أمر مستحيل.
هذه رؤية مردودة فالمجتمع المسلم منذ انشأه النبي صلي الله عليه وسلم وصحابته من بعده وهو يضم اقليات غير اسلامية عاشت في كنف الدولة الاسلامية في جو من التراحم والتسامح، وكنائس المسيحين ومعابد اليهود في بلاد المسلمين خير شاهد علي حماية الاسلام للاقليات.
اما القول بان تطبيق الشريعة في ظل الازمة الاقتصادية الراهنة امر مستحيل فهو خطأ فادح اختلف معه، اذ ان الاسلام لم يأت ليطبق علي الاغنياء دون الفقراء، كما ان تطبيق الاسلام كما بشرنا الله سبحانه وتعالي سبب لكشف البلاء والفقر والازمات.
ولو أن اهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض

السياسى المصرى 22 /11/93

من تصريحات المرشد الأسبق الاستاذ مصطفى مشهور رحمه الله

  • ماذا حول ما اثير عن موقفكم من الاقباط وضرورة دفع الجزية وعدم دخولهم الى الجيش ؟
الإخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء الفضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة.إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم.. أى انها مسجلة.. واضحة.. لا غموض فيها.. ويهمنا فى هذا الإطار ان نوضح :
ان تفسير الآية القرأنية الواردة فى سورة التوبة بخصوص الجزية مستقر على انه خاص بمن حارب الإسلام والمسلمين، والإخوة المواطنون الاقباط فى مصر خارجون عن نطاق هذا الامر بالكلية، وقد حارب المصريون جميعهم أعداء الوطن والغزاة والاسثعمار دون تمييز بين عقيدة وعقيدة .. إن دفاع المواطن غير المسلم عن وطنه "مصر" مماثل لدفاع المواطن المسلم.
وقد اصدر الإخوان المسلمون نصا واضحا فى مشروع ميثاق الوفاق الوطنى أكد على النقاط التالية :
  • تاكيد حرية الاعتقاد
  • تأكيد حرية إقامة الشعانرالدينية للجميع...
  • تأكيد حرية الرأى والجهر به والدعوة السلمية إليه فى نطاق النظام العام والآداب العامة والمقومات الأساسية المنصوص عليها فى الباب الاول من الدستور.
إن ما سبق أن أعلنه الإخوان يؤكد ان ابناء الوطن مسلمين ومسيحيين، هم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات وعلى وجه الخصوص هم متساوون فى تولى الوظانف العامة وفى حق كل مواطن ومواطنة فى المشاركة فى الانتخابات، تصويتا وترشيحا، وتولى عضوية المجالس النيابية..
إن الإخوان المسلمين اللذين أكدوا المعانى والمبادى السابقة فى ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى الآن، واستنكروا ويستنكرون أى عدوان على اى فريق من ابناء الوطن، أو اى انتقاص لحقوق اى من ابنانه، يهمهم ان يهمهم أن يؤكدوا هذ المعالم والأصول المستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وانهم يرفضون ما يخالفها.

الاسبوع - 4 أبريل 1997 - 6 ذى الحجة 1417

الاستاذ مصطفى مشهور:

  • إذ وافقت لكم الحكومة بحزب إسلامي سيطالب الأقباط بحزب مما يرشح لوقوع فتنة طائفية؟
    • الفتنة الطائفية تعبير أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات من خياله، فليس في الواقع أي توتر طائفي بين المسلمين والأقباط، وأتذكر أن الشيخ حسن البنا ذهب ذات مرة إلى الصعيد، وألقى سلسلة محاضرات، وبعد أن عاد إلى القاهرة علمنا أن عدداً من القساوسة في محافظة قنا رفعوا مذكرة إلى رئيس الوزراء يطلبون فيها تطبق الشرعية الإسلامية، لأن محاضرات الشيخ البنا أوضحت لهم الحقوق الكاملة التي يتحصل عليها القبطي في مجتمع إسلامي، من هنا أقول إنه لا توجد فتنة طائفية ونحن أحرص الناس على حقوق المواطن القبطي في مصر.

الأقباط والشيوعيون

  • نفترض جداً أن الأقباط طالبوا بحزب، فما هو رأيكم؟
    • نحن نؤيد ذلك هنا ثلاثة عشر حزباً في مصر، فما المانع أن يكون هناك خمسة عشر أو حتى عشرون حزباً، وأن نعطي الرأي العام فرصة اختيار الحزب الذي يميل إليه، أليست هذه هي الديمقراطية التي تتحدث عنها الحكومة.

جريدة المستقلة 1995/10/23

من تصريحات المرشد الاستاذ مصطفى مشهور : فى حديث الى جريدة الحياه

  • العلاقة بين "الإخوان" والاقباط طيبة جدا منذ ايام البنا، وكانت هناك لجنة سياسية في عهد المرشد الاول ممثل فيها اقباط، ولم تحدث طوال تاريخ الجماعة خلافات بيننا وبينهم. والمصريون مازالوا يذكرون دور ؛ الإخوان في احتواء الفتنة الطائفية التى تفجرت في حي الزاوية الحمراء قبل مقتل السادات.

الحياة: 24 (يناير) 1996

وفى حديث آخر

  • هل معنى ذلك ان الحكومة لو وافقت للجماعة على انشاء حزب فإنه سينضم في تنظيمه اقباطاً؟
إذا كان هناك اقباط يوافقون على برنامج الإخوان الإسلامي، ويتقبلون مبدأ الاسلام هو الحل فلم لانقبلهم معنا ؟!

الشرق الأوسط 16\7\96

المستشار المأمون الهضيبي – رحمه الله للأقباط الحق بعدد أكبر من المقاعد ولا نعارض مشاركة المرأة في الحياة السياسية

رداً على سؤال حول طبيعة العمل خلال المرحلة القادمة، بعد حكم المحاكم العسكرية بالسجن على قيادات الإخوان الشابة والنشطة، قال الهضيبي إن الإخوان المسلمين لهم برامج معروفة ومعلنة ومنشورة، وهي غير مرتبطة بالانتخابات، والعمل فيها متواصل من قبل الانتخابات ويستمر...

أما القول أن وقوف الإخوان ضد النساء والأقباط فهذا كلام سخيف، والذي حدث أن الأقباط أعلنوا أن الإخوان ساعدوهم والبابا نفسه أشاد بموقف الإخوان تجاه الأقباط، أما في الانتخابات فلا نستطيع أن نكره أحد من الأقباط لقبول الترشيح على قائمة الإخوان المسلمين، فإذا وجد منهم شخص مناسب يقبل هذا فنحن نرحب به وحاولنا ذلك أكثر من مرة

ولذلك يجب مواجهة الحقائق ومعرفتها وعدم المغالطة فيها فإذا كان أعضاء مجلس نقابة الأطباء أربعة وعشرين، فإن منهم ثمانية من غير الإخوان وكذلك فإن مجلس نقابة المحامين نصفهم من غير الإخوان وأيضا عدد غير قليل من أعضاء مجلس نقابة المهندسين من غير الإخوان، فكيف يقال إن الإخوان رفضوا مشاركة الغير معهم ? نحن مع مبدأ الانتخاب وحق الأغلبية في الإدارة

فإذا كان هناك أعضاء من غير الأغلبية فإنه يتم سماع رأيهم ولا يهمشون، أما الالتزام بآرائهم فهذا أمر آخر ، أما المرأة فهناك أكثر من واحدة في النقابات ونرحب وندعو المرأة أن تشارك فإذا كانت الأغلبية لا تنتخبها فهذا ليس شأننا.

لقد جاء جمال أسعد ليبحث إمكانية الترشيح معي في دائرة الدقي ولقد أمددته بالمعلومات وطلبت منه بحث بعض الأمور وأبديت معاونتي له، ولقد خرج من عندي على هذا الأساس ولكنه لم يعد ولم يخطرنى بنتيجة أبحاثه، ولكنه رشح نفسه على أساس أنه عضو في حزب العمل ولكنه في أثناء الدعاية الانتخابية وجد أن الدكتورة نجلاء القليوبي

التى كانت تزامله، أن أساس دعوتها التحالف الإسلامي والفكر الإسلامي ووجد مفارقة بين دعوتها ووضعه الشخصي، ولذلك عدل عن ترشيحه، وعندما اشتكى لي قلت له "أنا مستعد للحضور إلى دائرتك وأخطب لتأييدك" وأنا لازلت أقول إن الأقباط يجب أن يمثلوا في مجلس الشعب ومن حقهم أن يكون لهم عدد مناسب من النواب، وأن أمر تهميشهم غير مقبول لأنهم شركاء الوطن ولابد من مشاركتهم في أموره.

القدس - 1995/12/13

من تراث الجماعة إسلامية الدولة في الدستور ليست ضد المواطنة

من الوثائق الهامة ذات الدلالة الفارقة في تحديد الرؤية القانونية لفكرة الدولة وفْق قوامة الشريعة الإسلامية على المجتمع، حيث تقدَّم الإخوان بمشروع دستور إسلامي مقترح لقادة ثورة يوليو صاغ مواده الدكتور محمد طه بدوي - أستاذ القانون العام بجامعة الإسكندرية وعضو الشعبة القانونية - في 103 مواد

وإشراف المستشار محمد كامل - رئيس المحكمة العسكرية الأسبق ورئيس الشعبة القانونية للإخوان- وقد ناقشته لجنة برئاسة المرحوم الأستاذ عبد العزيز عطية - عضو مكتب الإرشاد ورئيس المكتب الإداري للإخوان بالإسكندرية بمشاركة كلٍّ من الأستاذين علي فهمي المحامي والدكتور غريب الجمال أستاذ الاقتصاد (عضوي الشعبة القانونية) وقد أقرَّته الهيئة التأسيسية بتاريخ 16 سبتمبر 1952م..

وإذا استعرضنا أهم البنود والتي تتماس مع موضوع هذا الملف سنجد أنَّ البدايةَ ستكون مع المادة (77): "يولد الناس أحرارًا متساويين في الكرامة والحقوق والحريات دون أي تمييز بحسب الأصل أو اللغة أو الدين أو اللون وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الأخوة" ... وهو ذات النص الذي يوافق المادة الأولى من وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عام 1948م، كما نلاحظ احتواء النص على اصطلاح الناس وهو تعبير تراثي إسلامي محايد وجامع دون أي تمييزٍ لكل التنوعات الذكورية والأنثوية والدينية.

كما تنص المادة (78) :

" لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي المساواة أمام القانون وأن يعيش آمنًا مطمئنًا"

والمادة (88):

"لكل فردٍ في الوطن حرية التفكير والاعتقاد والتدين"، والمادتان تؤكدان أن مشروع الدستور يطرح فكرة دولة مدنية تقوم على المواطنة والولاء للدولة، وبالتالي تحررت البنود القانونية من التقسيمات التي درج عليها الفقهاء الأقدمون حيث اتجه المشروع لعدم تحديد نوع الدين عند تدوين الحقوق واكتفى بمقولة (الفرد) وهو إلغاء ضمني لفكرة الذمة.

ويستطرد في نفس النقطة الباحث الدكتور إبراهيم زهمول- أستاذ القانون- مشيرًا إلى أنَّ مشروعَ الدستور الإخواني قدَّم فكرة دولة قومية يعيش فيها المسلمون وغير المسلمين بجامعة الانتماء للوطن، حيث لم يشترط في عضويةِ مجلس الأمة الانتماء لدينٍ معينٍ بل نصَّ كما هو واضحٌ في المادةِ الرابعة أن يكون مصريا وحسبما تنص المادة (25) باختيار رئيس الدولة من نفس الشروط التي تنطبق على عضو البرلمان دون تمييز حسب الأصل أو اللغة أو الدين، وذلك اتساقًا والمادة (77) التي أشرنا إليها سالفًا وتماشيًا مع الفلسفة التشريعية العامة الحاكمة للدستور.

يقول الدكتور بدوي في مقدمة المشروع الدستورى:

"وفي إقرارنا لمبدأ الحريات العامة لا نقتصر على فريقٍ من الأمةِ دون فريق"، حيث إن الجميع من حملة الجنسية المصرية وكلهم (المادة 96) متساوون في الحقوق والواجبات سواء الواجبات المالية أو في الخدمة العسكرية، وتحدد المادة (72) أن: الخدمة العسكرية الزامية على المصريين جميعًا على الوجه المبين بالقانون بلا تفرقةٍ أو فرضِ جزيةٍ أو بدليةٍ، لأنها فقهًا تسقط باشتراكِ من فُرضت عليه في هذا الواجب.

نفس الكلام نجده يندرج تحت الحقوق السياسية؛ حيث إنَّ للجميع الحقَّ في تولي الوظائف العامة وحق الانتخابات والترشيح وممارسة كافة الحقوق، حيث لم يرد في نص الدستور ما يفيد تقييد هذا الحق أو يُفرِّق بين مواطن وآخر، حسبما يؤكد الدكتور زهمول في تعليقه على الدستور

مؤكدًا أنه لم يشترط في منصب إلا ما يشترطه في عضوية مجلس الأمة، وهو أن يكون مصريا حسن السمعة (بلا تفرقة بلا طائفيةٍ أو تمييز، كما أنَّ الدستور يشدد على احترامه لحريةِ الرأي والتعبير (المادة 89) : " لكل فرد الحق في حرية الرأي والتعبير عنه".

كما شددت المادة 91 على حقٍّ مدهشٍ وربما غير مسبوق حيث يقرر الدستور لكل مواطن يعيش تحت سقف الدولة الإسلامية وحائز على الجنسيةِ الحقِّ في مقاومةِ جور الحكام، النص: "ويعتبر هذا الحق لكل مواطن ولجميع الناس من أقدس الحقوق والواجبات"، والنص يُمكِّن كل أبناء الأمة باختلاف انتماءاتهم ومراكزهم القانونية بالنضالِ من أجل حقوقهم ووقف تجاوزِ الحكام ولم يشترط لهذا الحقِّ انتماء ديني معين.

يقول الدكتور بدوي، ويتماشى هذا النص مع أحكام الإسلام وبتقنينه بهذا الوجه يُخالف الدساتير الديمقراطية المعاصرة قاطبة التي ترى في مباشرة هذا الحق الطبيعي جريمة تهدد سلامة الجماعة وأمنها.

الإسلام دين الدولة

وكما يقول المستشار طارق البشري لم يعترض زعماء القبط في دستور 1923م، على أن يكون نص دين الدولة هو الإسلام؛ حيث ظل النص متواترًا في كلِّ الدساتير المعاصرة في الحياة المصرية بكل تعديلاتها المختلفة، وهو ما استوعبه دستور الإخوان حيث نصت المادة 97 على أنَّ الإسلامَ دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية

وهي المادة التي يراها القانونيون لها شبيه في بعض الدساتير المعاصرة ومنها الدستور التركي عام 1924م، وكذلك في المادة 45 من الدستورِ البرتغالي قطعت بأن الكاثوليكية دين الدولة الأول من الدستور اليوناني الصادر عام 1911م، وعنه أخذت الدساتير اليونانية المتعاقبة، وقد نصَّت على أن مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية هي الديانة الرسمية لليونان

وما تشير إليه المادة 3 من دستور الدنمارك من أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة الوطنية الدنماركية، وهو ما يعني الانتصار للمذهب البروتستانتي وكذلك نص المادة الخامسة من الدستور عينه من انتماء الملك إلى الكنيسة الإنجيلية اللوثرية أو ما أوردته المادة السابعة من الدستورِ الإيطالي الصادر في 22 ديسمبر 1947م، بنصها: (إن الكاثوليكية هي دين الدولة)

ولم تلغ هذه المادة إلا في 84 باتفاق مع الفاتيكان، كما نجد نصوصًا مشابهة لذلك في دساتير السويد والنرويج وأسبانيا، وفي الدستور الروماني وبعض نصوص دول أمريكا اللاتينية كذلك نصوص واردة في الدستور التركي، وتنص المادة الثانية من الدستور النمساوي على أنَّ اللغةَ الألمانيةَ هي لغة الجمهورية والمادة 116 من الدستور السويسري التي تحدد لغات الاتحاد السويسري الرسمية هي الألمانية والفرنسية والإيطالية

وكل هذه الدول لها باعٌ كبيرٌ في الديمقراطية ولم تجد حرجًا من أن تنجز تشريعاتها وفْق المكونات الرئيسية لثقافتها وتراثها مع ضمانة عدم الجور على حقوقِ الأقليات، وهو الأمر المدعوم أكثر في نص دستور الإخوان بنص المادة 99: (يترك لأفراد كل طائفة من غير المسلمين اختيار الرؤساء الدينية وفْق قانون يضم هذه المواقف)، وهو بذلك يترك حرية التسيير الذاتي لطوائف الأمة دونما تدخل أو تعديل.

إخوان أون لاين - 19/04/2006

فقهاء الإخوان وحقوق غير المسلمين

الشيخ الغزالي: الأقباط مسلمون سياسيًّا

يؤكد الشيخ الغزالي في أكثر من موضع من مؤلفاته أن الإسلام يعترف بالأديان السابقة عليه جميعًا، وخاصةً يهودية موسى ومسيحية عيسى عليهما السلام على عكس مَن سبقه، ومن ثم فإن الانكماش والتعصب ليسا من طبيعته، وإن الآيات التي وردت في القرآن الكريم تمنع اتخاذ المؤمنين لليهود أو النصارى أو الكافرين أولياء

إنما وردت جميعًا (في المعتدين على الإسلام والمحاربين لأهله)؛ ونزلت لتطهير المجتمع الإسلامي من مؤامرات المنافقين الذين ساعدوا فريقًا معينًا من أهل الكتاب اشتبكوا مع الإسلام في قتال حياة أو موت، فاليهود والنصارى في هذه الآية يحاربون الإسلام فعلاً، وقد بلغوا في حربهم منزلةً من القوة جعلت ضعاف الإيمان يفكرون في التحبب إليهم.

ويرى أن عواطف المسلمين في تلك الفترة كانت تتجه إلى اليهود والنصارى لصلة القربى التي جمعتهم، وقد حمى نجاشي الحبشة النصراني المسلمين الفارين إليه من عسف قريش، كما تعاطف المسلمون مع نصارى الروم في حربهم ضد مجوس فارس، ولكن اليهود أبدوا الكراهية للمسلمين بعد هجرتهم إلى المدينة وتحالف اليهود مع الوثنيين ضدهم

ومع ذلك فهو يقبل دعوة التآخي بين الأديان في نطاق وحدة تكون تعاونًا بين الأديان وليس فناءً فيها، على أساس أن ما يقدسه أتباع دين ما لا يُكرَه عليه أتباع دين آخر، وضمان المصلحة المعقولة لإشباع كل نزعة دينية لا يهدم حق الكثرة في إعلان سيادتها وتنفيذ برامجها...

فإذا كانت مصر تضم أكثر من 90% مسلمين فمن حقهم يقينًا في نطاق ما أسلفنا من قواعد أن يجعلوا الدولة في مصر لحمًا ودمًا، وإنه لمِمَّا يساعد في ذلك أن الإسلام يرى نفسه صدى الكتب الأولى وامتدادًا صحيحًا مشرقًا لتعاليم موسى وعيسى عليهما السلام.

ويوضِّح العلاَّمة الكبير الغزالي أن النظام الإسلامي قد بلغ من المرونة أنِ اعتبرَ أهلَ الذمة جزءًا من الرعية الإسلامية مع احتفاظهم بعقيدتهم، ومن ثَمَّ عقد المعاهدات الخارجية ممثِّلاً فيها المسلمين والذميين كأمة متحدة، والواقع أن الإسلام ينظر إلى مَن عاهدهم من اليهود والنصارى على أنهم قد أصبحوا من الناحية السياسية أو الجنسية مسلمين

فيما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، وإن بقوا من الناحية الشخصية على عقائدهم وعباداتهم وأحوالهم الخاصة، من ثم فهو يقيم نظُمَه الاجتماعية على أساس الاختلاط والمشاركة، ولا يرى حرجًا أن يشتغل مسلم عند أهل الكتاب، أو يشتغل أهل الكتاب عند مسلم، واستعمال اليهود والنصارى في الوظائف الكبيرة والصغيرة أمرٌ شائع في بلاد الإسلام إلى هذا العصر.

ويشير إلى أننا نستريح من صميم قلوبنا إلى قيام اتحاد بين الصليب والهلال، بيد أننا نريده تعاونًا بين المؤمنين بعيسى ومحمد لا بين الكافرين بالمسيحية والإسلام جميعًا، ويضيف: أما أننا مصريون فنحن لا ننكر وطننا ولا نجحده. أما أن نقول إن شرط المصرية الصميمة الإسلام من المسلين فهذا منا نستغربه، أي غضاضة يا قوم في أن تكون الوطنية بين متدينين لا مُلحدين؟!.

ثم يؤكد: وقد أجمع فقهاءُ الإسلامِ على أن قاعدةَ المعاملةِ بين المسلمينَ ومسالميهم من اليهود والنصارى تقوم على مبدأ "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وإذا كان هذا المبدأ قد طُبِّق أحسن تطبيق في أقطار الإسلام فهو في مصر قد طُبِّق على نحو بالنسبة للأقباط.

الدكتور توفيق الشاوي: المواطنة بديل الذمة

ويرى الدكتور توفيق الشاوي - أستاذ القانون الجنائي وعضو الهيئة التأسيسية للإخوان

أن ما قرَّرته الشريعةُ لحمايةِ حقوقِ الأمة وحقوقِ الأفراد ينطبق على المجموعاتِ البشريةِ المكونةِ للأمةِ، سواءٌ سُمِّيت طوائف أو أقلياتٍ، وسواءٌ أكان ما يميزها عن غيرها من الأغلبية هو خصائصها التعاقدية أم الدينية أم اللغوية أم العرقية أم الاجتماعية؟!
لأن ذلك لا ينفي عنها صفةَ الإنسانية التي هي أساسُ الحقوق والحريات التي تكفلها الشريعة للفرد والجماعة، بل ويستفيد من ذلك الأجنبي المعاهد المقيم في دار الإسلام الذي لا يختلف عن المواطن إلا في أنه لا يجوز إخراجه من البلاد كما لا يمنع إذا أبدى رغبته في بقائه.

ويضيف:

إن مبدأ سيادة الشريعة وهيمنتها على الدولة والحكومة يجعل ما قرَّرته من حقوق وحرِّيات إنسانية هي أقوى ضمانة يمكن أن يحققها نظامٌ دستوريٌّ لتوفير أكبر قدر من الاستقرار لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب والجماعات والطوائف، وتوفر لهم الحماية من طغيان السلطة الحاكمة أيًّا ما كان نوع الحكومة، حتى لو كانت حكومة أغلبية أو ذات سيادة شعبية
وهذه الحماية موفورةٌ لكل الطوائف والمذاهب والأعراق والطبقات المستضعفة في المجتمع، وهذا التوازن الذي تقيمه الشريعة بوقف استبداد الأغلبية الذي قد يفتح لها مبدأ سيادة الأغلبية في الحكم الديمقراطي باب الغلو في اضطهاد الأقليات الدينية.

ويفرِّق د.الشاوي بين العقد المبرم لذمة المحارب في إطار المعاهدات الدولية كالصلح أو الإنفاق العسكريين وبين ذمة المواطن، فهي وضع دستوري، ومن مزايا الفقه الإسلامي أن يَعتبر التعاقد أساسَ وجود الدولة أو الحكومة، وأن الدستور ذاته هو عقدٌ لتنظيم علاقاتِ جميعِ الأفرادِ بالدولةِ والحكومةِ، سواءٌ كانوا أغلبيةً مسلمةً أو أقليةً غيرَ مسلمةٍ كما هو الحال في العقد الاجتماعي والنظريات الأوروبية، فانتماء الأفراد جميعًا إلى الأمة الإسلامية عقدٌ قد يأخذ صورةَ البيعة مثل بيعة العقبة التي التزم بها وفدُ المدينة.

كما أن صفة المواطنة ليست أفضلَ من صفةِ الذمة، ويقول :

"ونحن لا نقرُّ أن هناك تعارضًا بين الإصطلاحين ولا نرى ضررًا من استخدم مصطلح المواطنة إذا كان الغرض من ذلك محو ذكريات الممارسة المهينة الخاطئة التي كان يتعرض لها المواطنون غير المسلمين في عهود التخلف التي كان يتعرض لها المواطنون غير المسلمين والمسلمون".

ويوجه انتقادًا لمسار بعض الفقهاء الذين تبارَوا في وضع أحكام خاصة بأهل الذمة تحرمهم المساواة مع المواطنين المسلمين، بل وممارسة حرياتهم الإنسانية الكاملة في السفر والملبس أو غير ذلك؛ مما أفاضت فيه بعض كتب الفقه استنادًا إلى ما سمَّوه مبدأ الصَّغار الذي أشارت إليه الآية "حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (التوبة: 29)

مع أن هذه الآية في نظرنا خاصةٌ بمعاملة الأعداء الذين حاربوا الله ورسولَه، ولا يجوز تطبيقها على المواطنين بحجَّة أنهم أهل ذمة؛ لذلك إذا كان هذا التمييز بين الأعداء والمواطنين يستلزم عدمَ استعمال اصطلاح أهل الذمة بالنسبة للمواطنين غير المسلمين فإنني أؤيد ذلك.

الجزية والفهم المغلوط

ويشير الفقيه الكبير د. الشاوي إلى أن الجزية إنما قُصِد بها ما يفرضه المسلمون المنتصرون على أعدائهم الذين حاربوهم ويقابلها قانونًا في عصرنا الحاضر ما تتعرَّض له الدول المنتصرة على الدول المهزومة المعتدية من دفعٍ للتعويضاتِ عن الحرب، ولا شكَّ أن دفع هذه التعويضات ليست هدفًا ماليًّا فقط، بل يُقصد بها إذلال العدو، وهذا يرتبط بالجزية، أما المواطنون فلا يجوز أن يطبَّق عليهم ذلك؛

ولهذا يحسن عدم استعمال كلمة (جزية) للإشارة إلى ما يدفعه المواطنون غير المسلمين من ضريبة مقابل إعفائِهم من أداء الزكاة وعدم أداء الخدمة العسكرية، ويقابلها في عصرنا الحاضر ما يُسمَّى (بدل نقدي) الذي يدفعه المعفَون، ويؤسفنا أنَّ بعض الحكام قد استغلَّ هذه الثغرةَ في الفقهِ للحصولِ على مددٍ ماليٍّ لحكومتِهم.

ويضيف: (منذ عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وصفة المواطنة تُمنح لطوائف الأمة دون أن نُلزمهم بعقيدة الأغلبية، بل تعترف لهم الشريعة بحريتهم الدينية متى التزموا بواجب المواطنة والالتزام بالشريعة التي أسبغت عليهم هذه الصفة دون أن يعتنقوا الإسلام، وبالتالي هم يدخلون كيانَ الأمةِ وعنصرًا من عناصرها مع توفير الحماية على معتقداتهم وعباداتهم التي لا يعترف بها الإسلام.

سعيد حوى: حق التمثيل النيابي والوزاري

ويدعو الأستاذ سعيد حوى - غيرَ المسلمين في كل قطر من أقطار الأمة الإسلامية إلى ميثاق عمل يعترفون فيه بأن السلطة للإسلام، فهذا عقدهم معنا منذ قرون، ثم بعد ذلك لهم حقُّهم في الدخول إلى المجالس النيابية والمشاركة السياسية وإنشاء مدارسهم الخاصة

وهم يشتركون في المدارس العامة، ولهم حقُّهم في محاكمهم أن تكون على مقتضى شرعهم، مع حقهم في الاحتكام إلى المحاكم العامة، وحقهم في الضمان الاجتماعي محفوظٌ وفي تصريف شئونهم الدينية محفوظ، أما الجزية فهم بالخيار بين أن يدفعوها ويُعَفوا من الخدمة العسكرية أو يشاركوا فيها.

ويرى أن التعبير الإسلامي الذي استعمل خلال العصور مع أهل الذمة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" هو الذي يحكم علاقاتنا مع كل مواطن غير مسلم على الأرض الإسلامية، مشيرًا إلى أن وجود غير المسلمين على أرض الإسلام بعد سنين طويلة من حكم الإسلام لَدَلِيْلٌ على أنه لا يوجد ما يشكون منه، ولو أنهم كانوا غير مرتاحين خلال العصور ما استطاعوا الاستمرار، ونحن ندعو إلى تطبيقٍ أخفّ لا إلى تطبيق أشد.

الأستاذ عبد القادر عودة – رحمه الله

ويعرف المستشار عبد القادر عودة دارَ الإسلام بأنها الأرض التي يسكنها مسلمون وذميون، فهي لا تمثل مجتمعًا نقيًّا، سواءٌ في العِرق أو الدين؛ حيث ضمَّت الأمة داخلها أعراقًا شتى ومعتقداتٍ مختلفةً من مسيحيين ويهود ومجوس أو صابئة، وجميعهم معصوموا الدم والمال؛ لأن العصمة في الشريعة بالإسلام والأمان والعهد، ويترتب على ذلك اعتبار دار الإسلام وحدةً واحدةً؛

حيث لا يمنع مسلم وذمي من عبور أي دولة من دولها، ولا يجوز نفي المسلم والذمي خارج دار الإسلام لأن هذا مناقضٌ لعقد الذمة؛ لأنهما مواطنان وليسا أجنبيين، وكل دولة دولته وكل حكومة حكومته، ويرى أن الجنسية في الشريعة تقوم على أساس الدار والموقف من الإسلام فأهل دار الإسلام لهم جنسيةٌ واحدةٌ، سواءٌ كانوا مسلمين أو ذميين محكومين بحكومة واحدة أو بحكومات متعددة، فأساس الجنسية في الإسلام الإيمان أو التزام الأحكام القانونية.

وينظر الأستاذ عودة للمساواة في الشريعة؛ باعتبارها إطارًا جامعًا لا يفرِّق بين مواطني الدولة بلا قيود وبلا استثناءات، إنما مساواة تامة بين الأفراد والجماعات والأعراق، فالناس جميعًا متساوون على اختلاف شعوبهم وقبائلهم، متساوون في الحقوق والواجبات...

ويضيف:

وتسوِّي الشريعةُ بين المسلمين والذميين في تطبيق نصوصِ الشريعةِ في كلِّ ما كانوا فيه متساوين، أما ما يختلفون فيه فلا تسويةَ بينهم فيه؛ لأن المساواة في هذه الحالة تؤدِّي إلى ظلم الذميين، ولا يختلف الذميون عن المسلمين إلا فيما يتعلق بالعقائد؛ لذا كانت القاعدة الأصولية: لا مساواة فيما يتعلق بالعقيدة؛
لأنه إذا كانت المساواةُ بين المتساوين عدلاً خاصًّا فإن المساواة بين المختلفين ظلمٌ محضٌ، وهذا ليس استثناءً من قاعدة المساواة.. بل هو تأكيدٌ لها؛ إذ إن المساواة لم يُقصد بها إلا تحقيق العدالة، ولا يمكن أن تتحقق العدالة إذا سُوِّي بين المسلمين وأهل الكتاب فيما يتصل بالعقيدة الدينية؛
لأن معنى ذلك حمل المسلمين على ما يتفق مع عقيدتهم، وحمل الذميين على ما يختلف مع عقيدتهم، ومعناه أيضًا عدم التعرُّض للمسلمين فيما يعتقدون ولا التعرض للذميين فيما يعتقدون وإكراههم على غير ما يدينون به؛ وذلك إعمالاً للمبدأ الشرعي "دعهم لما يدينون به".

ويقرِّر الشهيد عبد القادر عودة:

"إن لليهود في البلاد الإسلامية عقائدَهم ومعابدَهم، وهم يتعبَّدون علنًا وبطريقةٍ رسميةٍ، ولهم مدارسُهم التي يُعلِّمون فيها الدين الموسوي، ولهم أن يكتبوا ما يشاءون عن عقيدتهم، وأن يقارنوا بينها وبين غيرها من العقائد ويفضِّلونها عليها في حدود النظام العام والآداب والأخلاق الفاضلة، وكذلك حال المسيحيين مع اختلاف مذاهبهم وتعددها، فلكل أصحاب مذهب كنائسهم ومدارسهم ويباشرون عبادتهم علنًا، ويعلمون عقائدهم في مدارسهم، ويكتبون ما يعتقدون وينشرون ما ينشرون في البلاد الإسلامية.

الأستاذ سيد قطب – رحمه الله

يعرِّف الشهيد سيد قطب المجتمعَ الإسلامي بأنه مجتمعٌ غير عنصري ولا قومي، وهو مجتمعٌ مفتوحٌ لجميع بني الإنسان، دون النظر إلى جنس أو لون أو لغة أو عقيدة أو دين، وأنه يردُّ البشرية جميعًا إلى أصل واحد، وأن كل هذه الاختلافات لا تدل على ميزةٍ ولا أفضليةٍ، ولم يرد به إلا التعارف لا التناكر، بل ويفتح أبوابَه للبشرية عامةً على قدمِ المساواه الكاملةِ

وينفي أن يكون الإسلام مقيمًا لعصبية، وأنه لا يمكن أن يحطم تعصبًا عنصريًّا أو قوميًّا لينشئ في مكانهما تعصبًا دينيًّا قد يكون أخطر على الإخاء البشري من عصبية الجنس والأرض، ويكفي ما ذاقته البشرية من ويلات التعصب الديني قديمًا في الحروب الصليبية، نافيًا أن يكون الإسلام يريد حريةَ العبادة لأتباعه وحدهم، وإنما يقرِّر هذا الحق لأصحاب الديانات ضمانًا لحريةِ العبادةِ لجميعِ المتدينين وتوفيرِ شروط التعاقد في دفع الضرر عنهم وكفالة دمائهم وأرواحهم وعقائدهم مع حرية النشاط الاجتماعي والاقتصادي.

وللأستاذ وقفةٌ مهمةٌ من شأن الجزية بحسبانها بديلاً لفريضتي الدم والمال (الجهاد والزكاة)؛ حيث لم يشأ الإسلام أن يكلِّف به أهلَ الذمةِ؛ لأنهم لا يدينون بالعقيدةِ الإسلاميةِ التي تفرض هاتين العبادتين، والجزية هي مجرد فكرة أدائية للدولة لا ظلَّ فيها للعبادة، ومفروضةٌ على الرجال، ولا تؤخذ من المسكين ولا الأعمى أو العاطل أو المقعد ولا المترهِّبين وأهل الصوامع.

وبالنسبة لاحترام الخصوصية العقدية إذا كان الإسلام يحرِّم على المسلم الخمرَ والخنزيرَ أكلاً وامتلاكًا وتجارةً وهي ليست مالاً في الشريعة إذا سُرقت أو نُهِبت؛ حيث لا عقاب.. أما إذا كانت لأحد من أهل الكتاب؛ حيث يعاقب مضن يعتدي على ملكيته لأي من هذه، وتلك هي العدالة المطلقة لجميع المواطنين، بصرف النظر عن عقائدهم وأموالهم.

شهادات د. رفيق حبيب

الشريعة صمام أمان المسيحية في مصر

  • لكنْ هل المشروع الحضاري الذي يقدمه الإخوان قادرٌ على استيعاب الأقباط؟
  • بظهور المشروع الحضاري الإسلامي في تاريخ الحركات الإسلامية تستطيع أن تقول إنه تم تأسيس الإطار الجامع للمسلمين والأقباط، بالطبع إذا ما استثنينا الفترات التي كانت فيها الحركات الإسلامية تخص نفسَها بالدفاع عن الشريعة الإسلامية، وهذا حقُّها؛ لأن المشروع كان يخص شأنًا إسلاميًّا دينيًّا، وليس موجَّهًا ضد الأقباط ولا يخصه
ولكن عندما توسع المشروع بكتابات كثيرة على المستوى الفكري والحركي لدى العديد من المفكِّرين الإسلاميين ولدى الإخوان المسلمين بدا المشروعُ الحضاريُّ الإسلاميُّ باعتبارِه مشروعًا نهضويًّا؛ حيث صرنا نتكلم عن قيم الأمة وتقاليدها والاتجاه نحو تعميق هويتها الوطنية والحضارية، أي أننا نتكلم في واقع الأمر عن المسلمين والأقباط، والخصوصيات الثقافية والحضارية لكل منهما.

قبطي في ظل الشريعة

  • وكيف ترى الشريعة وأنت المسيحي المخلص لعقيدته؟
  • القاعدة الأساسية في تطبيق الشريعة الإسلامية- وعلى مدى قرون طويلة استمرَّت- هو أنه لا يجوز تطبيقُها على المسيحيين فيما يتعارض مع عقيدتهم، وتُطبَّق عليهم فيما لا يتعارض مع عقيدتهم؛ لهذا يصبح موقف القبطي من الجوانب التي لا تتعارض مع العقيدة الإسلامية يماثل موقفه من أي قانون آخر؛
حيث يكون إقرار القانون بالأغلبية البرلمانية، أي من خلال الإجماع والاتفاق، ومن المهم أن تلاحظ مع ذلك أن هذه القاعدة تخص الشريعة الإسلامية والحضارة الإسلامية دون غيرها من القوانين والحضارات، وهذه هي المرجعية الوحيدة التي عرفها التاريخ البشري التي تسمح بالتعددية القانونية لأبناء دولة واحدة.
وعندما يؤيد الأقباط المشروعَ العلماني فمعنى ذلك عدم تطبيق تلك القاعدة الخاصة بالتعددية القانونية، فالنظرة العلمانية تؤكد المساواة التماثلية، وعليه فإن تطبيق النظام العلماني سيؤدِّي إلى تطبيق قانون واحد للزواج والطلاق
وهو ما يعني أن هذا القانون سيكون معبرًا عن عقيدة الأغلبية أو سيكون قانونًا علمانيًّا مدنيًّا لا يراعي القواعد الدينية، فقد تحقق للمسيحيين العرب تطبيق عقيدتهم في أمور الزواج والطلاق بفضل تطبيق الشريعة الإسلامية التي تقبل التعدد، وبالتالي تصبح مطالبة الأقباط للعلمنة بهذا الشكل كسرًا للعقيدة المسيحية.
  • هل تلمِّح إلى ضرورة وجود أقباط فاعلين داخل مشروع النهضة الذي يقدمه الإخوان؟
  • داخل المشروع الحضاري الإسلامي لا يوجد ما يمنع أن يكون هناك مفكرون من الأقباط يسهمون في المشروع، وأعتقد أن هذا ضرورة، وهو إسهامٌ مهمٌّ، ولي شخصيًّا خبرةٌ في هذا المجال، سواءٌ بالكتابة أو الممارسة أو الحوار، ووجدت أنني كقبطي تترآى أمامي جوانب في المشروع الإسلامي قد لا يراها المسلم؛
لأنني أستطيع أن أتعمَّق داخل الجوانب الاجتماعية والحضارية الخاصة بالقيم والتقاليد والعادات التي قد تغيْب عن المفكر الإسلامي المعنِي بتفسير النصوص الدينية، وما يخص الشريعة الإسلامية، وربما تغيب عنه أن هناك تفسيراتٍ اجتماعيةً مهمةً لإعادةِ تشكيلِ هذه الأمةِ ونهضتها، وهذا الجانب بالنسبة للقبطي ولي شخصيًّا كان شديدَ الوضوح؛ وبالتالي فميدان المشاركة موجودٌ ورحبٌ بالنسبة للقبطي وإضافته ستكون ثريةً وتكسب المشروعَ تنوعًا وتعددًا يحتاجهما المشروع الحضاري الإسلامي، لا سيما أن العقائد للطرفين مصونة ولا تُمَس.
لكن عندما نتكلم عن جماعة الإخوان فهي بحكم تعريفها ذات نشاط ديني ولها مسئولية وضعتها لنفسها أيام الإمام حسن البنا، فلا يصح أن يكون داخلها عضوٌ غيرُ مسلم، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ؛ لأنها جماعةٌ متعددةٌ أنشطتُها في المجال الديني بالأساس، ولكن تظل دائمًا هناك مساحةٌ لأن تتحاور الجماعة مع الأقباط
وهذا أمرٌ شديدُ الأهمية؛ لأنه ثبَتَ بالدليل العلمي في النقابات المهنية والاتحادات الطلابية أن الجماعات الحركية - مثل الإخوان - تكتسب تطورًا متميزًا بالاحتكاك، إذن هناك حاجَةٌ ماسَّةٌ للإخوان للاحتكاك، والأقباط في حالة ماسَّة للحوار حتى يندمجوا داخل المشروع الحضاري الإسلامي.

إخوان أون لاين - 19/04/2006

الأب نسين: موقف الإخوان تجاه الأقباط أكثر سماحةً

الأب الدكتور كرستيان فان نسين راهب في دير الآباء اليسوعيين في شبرا، هولندي الجنسية، ويقيم في مصر منذ عام 1962م، وهو معنيٌّ بالعلاقة الإسلامية المسيحية، ليس من الناحية السياسية ولكن من الناحية الاجتماعية والثقافية بصفته الدينية كراهب كاثوليكي والعلمية بحكم خبراته التي تراكمت لديه؛

باعتبار إقامته ومعايشته لمصر طوال هذه الفترة ولدراساته العلمية كأستاذ فلسفة في كلية العلوم الإنسانية واللاهوتية للأقباط الكاثوليك في المعادي، وشغله لعضوية لجنة الفلسفة في المجلس الأعلى للثقافة ولجنة الفلسفات والديانات بمكتبة الإسكندرية، وعضو هيئة تدريس معهد الدومينكان للدراسات الشرقية للأب جورج فتواي.

ويَعتبر كرستيان العلاقة الإيمانية بين المسيحيين والمسلمين هي قضية حياته ومحور دراساته، وهو ما عالجه باستفاضة في كتاب ألَّفه بالفرنسية بعنوان (مسيحيون ومسلمون إخوة أمام الله).

ويحكي في سطورٍ خبراتِه وقناعاتِه في العلاقات المسيحية مع المسلمين، لا سيما أنه حصل على الدكتوراه في الفكر الإسلامي التي كانت بعنوان (مفهوم سنن الله في تفسير المنار للإمام محمد عبده)، وقد توصَّل الأب كرستيان إلى أنه لا قيام لعلاقة متوازنة بين المسلمين والأقباط ما لم ترتكز على أصول المواطنة والمشروع المشترك، وهذا لن يتم إلا عبر تفهمات عميقة وحوارات ولقاءات مستمرة؛

حيث يرى أنَّ هناك مناطقَ التقاء رُوحية مثل الصلاة، وما تُفرزه من ثمرات وتهذيب، كما أنَّ اللقاء بين الجانبين يعمل على إزاحةِ التحفظات الموجودة عند كل طرف، وكيف يمكن التغلب عليها، فأي مشكلة لا بد لها من حوار، وهذا لن يتأتى في رأيه إلا إذا آمنا بأنَّ الإسلام دينٌ له قِيَمُه الروحية والإيمانية، ويجب أن نبتعد عمَّا يُثار حوله من شُبهاتٍ وأفكارٍ سادت العالم بعد 11 سبتمبر.

  • وتحديدًا كيف ترى موقف الإخوان من غير المسلمين؟
    • التمييز بين الإخوان والجماعات الأخرى مهم، لا سيما على مستوى العنف، فتلك الجماعات خصوصًا الجهادية لديها استبعاد للآخر، وأنا أشهد أنَّ الإخوان وإسلاميين آخرين مثلهم لديهم موقف مبدئي وصادق ضد العنف وتأكيد حقوق الآخرين.

إخوان أون لاين - 04/12/2005

يوسف سيدهم: رئيس تحرير جريدة (وطني) لسان حال الأقباط في مصر- في لقاء لـ(إخوان أون لاين) يتاريخ 7 مارس 2006

بعض الأقباط يرحبون بحكم الشريعة الإسلامية

لقد لقيت الأقليات غير المسلمة- والمسيحيون بالذات- في ظل الحكم الإسلامي الذي تتجلى فيه روح الإسلام السمحة كلَّ حرية وسلام وأمن في دينها وعرضها ومالها".

ما سبق هو شهادةٌ لكبار رجال الدين المسيحي بمصر أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وهما الكاردينال أصطفانوس والأنبا غريغورديوس عن سماحة الإسلام وعدالته مع أبناء الديانات الأخرى في ظل الوطن الواحد، ولا غرابة في ذلك، فالدين الإسلامي جاء رحمةً للعالمين، وجاءت مبادئه وأحكامه من أجل تحقيق العدل والمساواة وتوفير الأمن والأمان لجميع أبناء الأمة بمختلف دياناتها.




اضغط هنا لتحديث قارئ الملف (في حالة عدم ظهور الملف)

اضغط هنا لتحميل الملف