الإخوان المسلمون والأزهر الشريف (الحلقة الأخيرة)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والأزهر الشريف (الحلقة الأخيرة)

بقلم: عبده مصطفى دسوقي


استكمالاً لجهود الإخوان مع أكبر مؤسسة دينية في مصر، بل وفي العالم الإسلامي، نتابع هذه الجهود والخطوات العملية التي سلكها الإخوان للمحافظة على هذه المؤسسة.

الجامع الأزهر

ولقد وعدنا أخ لنا فاضل، وهو الشيخ عصام تليمة، أن بين يديه وثيقتين تبيِّنان مدى تبادل العلاقات بين الإخوان والأزهر، وقد وعدنا خيرًا بأنه سيرسلهما إليَّ وقت أن تصل إليه يداه وسط وثائقه، وفور وصولهما لنا سننشرها لقرائنا الكرم.


لقد فتح الإخوان صحفهم أمام الكتَّاب الذين يعملون على إصلاح الأزهر؛ فنرى الأستاذ سليمان دنيا مدرس الفلسفة وعلم العقيدة بكلية أصول الدين، يكتب مقالاً تحت عنوان: "الأزهر في مهب الريح"؛ ناقش فيه الدعوات التي تنادي بإلغاء المعاهد الدينية لأنها تتعارض مع التعليم الأميري، وتساءل: "كيف لطالب المدارس الأميرية الذي لا يعلم شيئًا عن الفقه الإسلامي وأصول العقيدة الإسلامية أن يلحق بكليات الأزهر؟!"، وفنَّد الآراء التي تطالب بذلك.


وكتب الأستاذ عبد الغني عوض الراجحي مقالاً آخر تحت عنوان:" الأزهر في مهب الريح"؛ وضح فيه أن الأزهر هو الذي دفع هؤلاء المطالبين بإلغاء المعاهد الدينية إلى ذلك؛ بسبب الضعف والهوان الذي يمر به، واختفاء دوره الحيوي وأثره الفعال والملموس في نواحي الحياة، وتساءل: "أين إنتاج الأزهر العلمي والثقافي؟! ومؤلفاته العلمية والأدبية؟! وأين علماؤه؟! لقد أصبح التعليم في الأزهر شيئًا ضعيفًا"، وناشد في النهاية ولاة الأمور ورجال الأزهر إنقاذ الأزهر قبل أن يباد تراثه العظيم.


كما كتب الشيخ أحمد الشرباصي مقالاً بعنوان: "أيها الأزهر الشريف.. لقد تقدمت فحذارِ أن تتقهقر"؛ طالب فيه الأزهر الشريف بعدم التراجع عن خطواته التي خطاها نحو فلسطين؛ فقد انتفض يندِّد بما يحدث في فلسطين.


وقد نشر أيضًا بجريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحية الإخوان للكلمة التي أجاب بها شيخ الأزهر الشيخ محمد مصطفي المراغي وفد الطلبة المغتربين الذين جاءوا لتهنئته بتولية المنصب بقوله: "وإني لأرى في بداية الأمر أن أقول لكم إنكم لستم في مصر غرباء، إنما أنتم في مصر، ومصر بلد الإسلام، والإسلام وطننا جميعًا".


وقد علَّقت الجريدة على تلك الكلمة بقولها: "هذه كلمة عظيمة يعلن بها رجل عظيم، وإن كانت هذه الكلمة جزءًا من منهاج الأستاذ الأكبر، وهي كذلك بحق، فإننا نبشر أنفسنا بخير كثير؛ فعلى الأزهر أن يستعد لأداء أمانته، وعلى مصر زعمية الإسلام أن تتجهَّز لحمل راية الزعامة من جديد.


كما نشرت جريدة الإخوان المسلمين إعلانًا عن حفلة تكريم لشيخ الأزهر، وقالت: إنه تقرر نهائيًّا أن تقام الحفلة التكريمية الكبيرة التي اعتزم لفيف من العلماء والطلاب إقامتها لفضيلة الأستاذ الأكبر في الساعة الخامسة من مساء يوم الأربعاء 3 من يوليو في أرض المعرض الزراعي الصناعي العام، وستعد اللجنة التي أُلِّفت لهذا الغرض مكبرات للصوت؛ ليتسنَّى لجميع الحاضرين سماع ما يلقى، كما أنه في النية إذاعة الخطب والقصائد بالراديو لتسمع في جميع أنحاء البلاد، وسينوب عن الطلاب في إلقاء كلمتهم حضرة الشيخ أحمد حسن الباقوري رئيس الاتحاد الأزهري بفتح باب الجهاد للتصدي للغزو الصهيوني، وقد اجتمع شباب وشيوخ الأزهر وقرَّروا وجوب الجهاد، وأخرجوا بيانًا يطالب المسلمين بالدفاع عن المسجد الأقصى، وأخذ الكاتب يستحث الأزهر على عدم التراجع عن دوره".


الأزهر ودوره العالمي

تفاعل الإخوان مع الدول الإسلامية في العالم وتبنَّوا قضيتهم في التحرر من المستعمر الأجنبي، وطالبوا الأزهر بإيفاد البعثات إلى الدول الإسلامية لنشر الإسلام، ولقد استجاب الأزهر لهذه النداءات، وأرسل عدة بعثات لبعض الدول؛ مثل البعثة التي توجهت إلى نيجيريا، وكانت مكوَّنةً من ثلاثة شيوخ لتعليم الديانة الإسلامية لأبناء البلاد، كما تقرر إرسال بعثة أخرى إلى دول شرق إفريقيا لدراسة الحالة الاجتماعية الثقافية للمسلمين هناك.


ولقد أخذت جريدة الإخوان تحثُّ الأزهر على إيفاد هذه البعثات، ولا تحصر دور الأزهر في تدريس الدين داخل جدرانه فحسب، لكن يجب تعريف الناس بالدين الإسلامي وتبليغ الأمانة.


ولقد كتب الإمام حسن البنا إلى الشيخ المراغي خطابًا حول هذا المعنى جاء فيه: "حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر.. أيد الله به الدين..


أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله، وبعد..


فقد نشرت جريدة (البلاغ) بتاريخ 23 ربيع الأنوار سنة 1355هـ مقالاً ضافيًا عن مؤتمر عقده زعماء سبعين مليونًا من المنبوذين في أنحاء الهند بمدينة بومباي؛ قرَّروا فيه بالإجماع نبذ الهندوكية، وتحريم الحج إلى الهياكل والمعابد، ومقاطعة الأصنام، وأكدوا ذلك عمليًّا بأنْ حلَق ألف منهم رءوسهم، كما قرروا البحث عن دين جديد يأوون إليه، وأعرب كثير من زعمائهم عن ارتياحهم للإسلام وانعطافهم نحوه.


وكل ذلك يجعل الأمل في ضم هؤلاء السبعين مليونًا من الحائرين المنبوذين إلى الكتيبة الإسلامية، فيكون لذلك أفضل الآثار في شئون العالم الإسلامي كله.


لهذا يتشرف الإخوان المسلمون بأن يرفعوا إلى فضيلتكم هذا الخطاب؛ رجاء الاهتمام بهذا الحادث الجديد، وإيفاد بعثة خاصة من علماء الأزهر الشريف إلى الهند لدعوة هذه الأمة المستعدة إلى دين الله السمح الحنيف.


ونعتقد يا صاحب الفضيلة أن هذه المهمة أولى المهام بعناية الأزهر الشريف، وأنها فرصة لو أهملنا أمرها لكانت تبعتها عند الله أكبر من أن توصف بقول، وكثيرًا ما أتيحت فرص ثم فوَّتها التسويف، وظلت غصصًا في نفوس المسلمين، وشجًّا في حلوقهم إلى اليوم.


ونعتقد يا صاحب الفضيلة أن أية عقبة تحُوْل دون المشروع تصغر أمام النتائج المترتبة عليه؛ فإن كانت العقبة المال فهذا المشروع أهم من أي مشروع آخر وأولى بالإنفاق، وهو إن نجح كفيلٌ بأن يفتح أمام الأزهر ميدانًا فسيحًا لا يدرك مداه من ميادين العمل للدين والدنيا معًا، وإن كانت العقبة السياسية فإن حسن التفاهم كفيل بتذليلها، وفي حكمة فضيلتكم ما يعين على ذلك إن شاء الله.


يا صاحب الفضيلة.. الوقت ضيق، والفرصة سانحة، والوسائل مهيَّأة، وحرام أن نقف أمام هذا الصوت المنبعث من أعماق قلوب سبعين مليونًا من البشر يطلبون الحقيقة، ويتمرَّدون على الباطل، ويكسرون شوكة الأصنام، وقفةَ العاجز المكتوف، وإن أية تضحية مهما غلت أمام إرشاد هؤلاء رخيصة، وإن الأنظار متجهة إلى الأستاذ الأكبر، والآمال معلقة عليه، وإن الله سائلك بقدر ما خوَّلك من سلطان، وما صرف نحوك من آمال، فتقدم والله يؤيدك.


سيدي صاحب الفضيلة.. إن رأيتم أن الخطوة الأولى هي الاتصال بعلماء الهند والمسلمين والهيئات الإسلامية هناك وإمدادهم بالرسائل والمقالات، ثم الاتصال الكتابي بزعيم هذه الجماعة كان ذلك خيرًا، والمهم كسب الوقت، ولن تعدموا الوسيلة المناسبة لتحقيق الغاية.


سدد الله خطاكم، وأيَّدكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".


كما طالب الأستاذ أحمد الشرباصي الأزهر بعدم اقتصار هذه البعثات على الدول الإسلامية فحسب، بل يجب إرسال بعثات إلى الدول غير الإسلامية للدعوة، مثل أمريكا وغيرها.


ولقد نشط الإخوان في المعاهد الأزهرية، وكانت أنشطتهم تتسق إلى حد كبير مع أنشطة الطلاب عامة؛ مثل الخروج في المظاهرات، والمطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر، كما اهتموا بقضايا الأزهر، مثل تحسين مستوى خريجي الأزهر، ومساواتهم مع طلاب الجامعة المصرية، واحتفالاتهم كذلك بالمناسبات الإسلامية المختلفة.


ومما تميَّز به طلاب الأزهر المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية؛ فلقد قام بعض طلبة الإخوان، وعلى رأسهم الطالب محمد الغزالي السقا والطالب حفني أبو زيد من كلية أصول الدين، والطالب هلال مصيلحي هلال من معهد القاهرة بتوجيه الدعوة إلى الطلاب لعقد مؤتمر يمثِّل الأزهر بالجامع الأزهر؛ وذلك لتكوين اتحاد إسلامي يقوم بالمطالبة بجعل التشريع الإسلامي أساس الحكم، وأعلنوا أنهم سيواصلون العمل لتحقيق ذلك المطلب.


واهتم الإخوان بتدعيم مؤسسات الأزهر ودفعه باتجاه أداء دوره التاريخي في قيادة الأمة، وبناءً عليه فإن الإخوان كانوا يهتمون ويبرزون الأخبار الإيجابية في الأزهر؛ مثل نشر أوائل الفائزين بشهادة العالمية به، وخاصةً حين يكون الأول ضابط صف بالبوليس المصري، كما قاموا بنشر قرار الأزهر بإنشاء قسم جديد يختص بتدريس علم تجويد القرآن الكريم والقراءات، وأدرج لهذا المشروع 300 جنيه، وقد أثنت المجلة على ذلك.


ولقد أشار الإمام البنا إلى أن للإخوان في الأزهر كتائب مجهزةً وصفوفًا مسوَّاة وجنودًا عاملين مؤيدين وفلذات أكباد هي من قلب الإخوان بين الحبة والشغاف.


وقد أبلى هؤلاء الإخوان بلاءً حسنًا في نشر الدعوة وحمل الرسالة وتثقيف العامة ورفع اللواء، وكان بعضهم ما زال طالبًا بالأزهر، وقد تخرَّج البعض مع نهاية المرحلة، وكان من هؤلاء الذين برزوا في هذه المرحلة: الشيخ محمد فرغلي، والشيخ أحمد شريت، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ السيد سابق، والشيخ عبد المعز عبد الستار، والشيخ زكريا الزوكة، والشيخ إسماعيل حمدي، والشيخ محمد البهي، وغيرهم.


وقد كان للشيخ الغزالي دور رائد في الكتابة في صحف الإخوان حتى أصبح سكرتير مجلة الإخوان، وقد تولَّى الشيخ عبد المعز عبد الستار مسئولية قسم الدعوة والإرشاد، وقد رافق الإمام البنا في زيارته للصعيد عام 1939م، وبرع الشيخ السيد سابق في الجانب الفقهي، وكان يحرر باب (صحيفتنا الفقهية) بمجلة الإخوان، كما كان للشيخ محمد فرغلي دور رائد في الدعوة والإرشاد في الإسماعيلية، وقد أفسح الإمام البنا المجال للأزهريين لثقته فيهم ولتقديره لهم ولعلمهم المفيد.


ولقد كتب الأستاذ الفاضل محمد أفندي فتح الله درويش عضو مكتب الإرشاد العام بحثًا قيِّمًا بعنوان: "رسالة الأزهر في القرن العشرين"؛ عرض فيه دور الأزهر ورسالته على النحو التالي:

1- الأزهر في نظر المسلمين الآن.

2- رسالة الأزهر من جانبها العلمي والعام:

أ- العالم الأزهري صفاته وواجباته.

ب- موقف الأزهر إزاء ما أحدثته المدنية الحديثة من تطور في المعاملات المالية والاقتصادية وغيرها.

ج- موقف الأزهر إزاء البحوث العلمية الإسلامية بأوروبا.

د- موقف الأزهر إزاء تفكك المسلمين اجتماعيًّا.

3- رسالة الأزهر في مصر:

أ- موقفه إزاء الجهل العام بالدين.

ب- الأزهر والتوجيه الديني للمتعلمين.

ج- موقفه إزاء المرأة المصرية.

د- المظاهر التي لا تليق ببيئةٍ فيها الأزهر.

هـ- الإحسان المنظم وما يتعين على الأزهر إزاءه.

و- موقف الأزهر إزاء الرأي العام وواجب توجيهه.

4- رسالة الأزهر في الشرق الإسلامي:

أ- الشرق العربي.

ب- الشرق الإسلامي.

ج- رسالة الأزهر في الشرق غير الإسلامي.

وبذلك رأينا مدى اهتمام الإخوان بالأزهر الشريف والعمل على تبوئه مكانته وسط بلاد العالم والعمل على تطويره بما يساير تطورات العصر.


المراجع

1- البصائر للبحوث والدراسات: مجموعة من تراث الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م.

2- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الثالث والسادس، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2003م، 2006م.