الأسرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الأسرة


مقدمة

الإمام الشهيد حسن البنا في إحدى الكتائب

كانت الأسرة فى فقه الإخوان المسلمين هى اللبنة الأولى فى بناء الجماعة وتكوينها ، كما أنها أساس التكوين للأفراد ، وامثل الأساليب لتربية الفرد تربية متكاملة ، تتناول كل جوانب شخصيته ، وتصوغ هذه الشخصية صياغة إسلامية وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن أجل هذا ، كان للأسرة بالغ الأهمية فى تاريخ الجماعة ، حتى ، عدت إحدى الركائز ، بل أهم الركائز التى يقوم عليها بناء الجماعة ، وعلى الرغم من أن بعض مفكرى الجماعة وبعض فقهائها أتى عليهم حين من الزمان رأوا فى الأسرة وسيلة قد تجاوزتها الجماعة ، بما حققته من عالمية تفرض عليها اتخاذ وسائل بديلة عن الأسرة ، أو على رأى بعضهم تستغنى عن التربية وفق نظام الأسر ؛ أقول : على الرغم من ذلك ، فإن المنظرين فى فكر الجماعة والأعمق فقها والأشمل تصورا لمتطلبات الجماعة والميدانيين التطبيقيين منهم ، يرون أن الأخذ بنظام الأسرة ضرورة غير منفكة بحال ؛ ويسوقون فى التدليل على فقههم وسلامته ، وفكرهم وصوابه ما يلى :


أولاً: التربية وفق نظام الأسرة هى-التربية وحدها دون سواها ، لما فى نظام الأسرة من حكمة ودقة وتربية على يد شيخ ، أو معلم هو النقيب ، وبرناج نابع من الكتاب والسنه خاضع لجدول زمنى مدروس. ثانيا : التربية وفق نظام الأسرة لا تتعارض أبدا مع عالمية الدعوة ؛ لأن عالمية الدعوة إنما نبعت من عالمية الإسلام ، وعالمية منهجه ونظامه ، وليست العالمية من صنع الجماعة ، حتى نقول إنها وصلت إليها بوسيلة الأسرة وإن عليها أن تغير هذه الوسيلة .


وما التعارض مع العالمية وضرورة التربية الفردية وفق منهج وعلى يد معلم ؟ وبوسيلة هى الأسر ؟ .

ثالثها : التربية وفق نظام الأسرة هدف متضمن فى وسيلة ' لأن إعداد الفرد إعدادا إسلاميا متكاملا ، وإنضاج روحه وفكره وعقيدته وسلوكه عمل له من الاستمرارية ما يجعله هدفا أبديا ، وإن كانت الأسرة تمثل وسيلة له إلا أن ارتباطهما جعل نظام الأسر ذا استمرارية محتومة .

رابعا : طالما أن التربية عن طريق نظام الأسر هى التى تمي تمكن إعداد الفرد إعدادا إسلاميا متكاملا ، فهى مستمرة حتى وإن قامت حكومة إسلامية كاملة ؛ لان التربية عن طريق الأسرة تمد الحكومة بحاجاتها من العناصر البشرية ، ؟التى أعدت إعدادا جيدا ، وستظل أى حكومة فى حاجة مستمرة إلى العناصر الصالحة .

خامسا : على فرض قيام حكومة إسلامية كاملة تسيطر على التعليم ، وعلى وسائل افعلام ، فإنها عن طريق التعليم والإعلام لن تستطيع أن تربى الأفراد ؛ تلك التربية المتكاملة التى تغرس فى النفوس الفضائل والجدية والإحساس بالتبعة ؛ لظروف كثيرة تتصل بعملية التعليم وبوسائل الإعلام ومدى فاعليتها ، فالأسرة ومنهجها ونظامها ضرورة لتربية الأفراد وإعدادهم الإعداد الإسلامى المطلوب .


تعريف الأسرة وتحديد لمفهومها وتعرف على شرعيتها فى الإسلام

كل ذلك قد استقيناه من رسائل الإخوان ، وما كتب عنهم من بحوث ودراسات ؛ بعضهم كتبها الإخوان أنفسهم قادة وافرادا ، وبعضه كتبه أعداء الإخوان ، وبعضه كتبه بعض الأجانب عن العرب والمسلمين .

وهذا ما عنيناه فى عنوان هذه الدراسة عندما قلنا : إنها دراسة تحليلية تاريخية .

فنقول وبالله التوفيق


التعريف

فى اللغة : تعنى كلمة الأسرة فى اللغة معانى عديدة منها :

- الدرع الحصينة .

- وأهل الرجل وعشيرته .

- والجماعة يربطها أمر مشترك .

- وهم رهطى وأسرتى وتقول : مالك أسرة إذا نزلت بك عسرة .

- وأسرة الرجل رهطه ، لأنه يتقوى بهم .

• وتعنى الكلمة فى علم الاجتماع ما يلى :

تتكون أسز الرجل من ذوى قرباه وزوجه ، وروابط الأسرة مصدر لبعض الحقوق والواجبات المالية وغير المالية .

والأسرة عند الرومان هى : الجماعة العائلية ، وكانت تشبه فى تكوينها العشيرة فى المجتمعات الأخرى : يفترض أعضاؤها انتسابهم إلى جد واحد مشترك ، ولذا يحملون اسمه ويقدسونه وكان الزواج بين أفراد العشيرة الرومانية مكروها .

ومن خلا ل هذه التعريفات اللغوية والتعريف الاجتماعى، نستطيع أن نقول : أن الجماعة قد اهتدت منذ زمن باكر فى تاريخ إنشائها إلى أن يكون هذا التجمع فى ظل الأسرة يحمل كل هذه المعانى التى وردت فى تلك التعريفات ؛ فالأسرة درع حصينة لكل واحد من أعضائها ، وهى من العضو بمثابة الأهل والعشيرة ، وبخاصة إذا عرفنا أن الجماعة جعلت أركان هذه الأسرة هى : التعارف والتفاهم والتكافل ؛ كما أن الأسرة جماعة يربط بينهم أمر مشترك ؛ هو العمل والتربية والإعداد من أجل الإسلام .

والأسرة يتقوى بها كل عضو من أعضائها


كما انها ، أوجبت على أعضائها بعض الواجبات المالية ؛ إذ لكل أسرة صندوق ، يغذيه اشتراك الأعضاء وينفق منه على صالح الأسرة وصالح الجماعة وصالح الإسلام .

وبكل معنى من هذه المعانى ، كان فهم الجماعة للأسرة ، بل زادت على ذلك ما سوف نتحدث عنه فى الصفحات التالية ، كما ورد ذلك على لسان المرشد الأول ، والمرشد الثانى للجماعة ، بل على لسان عدد كبير من قادتها .


تحديد مفهوم الأسرة فى الجماعة

يقول الإمام ' البنا ' عن الأسرة"

' يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله يوجههم إلى المثل العليا ، ويقوى روابطهم ، ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات ، فاحرص يا أخى أن تكون لبنة صالحة فى هذا البناء ( الإسلام ) '.

ويقول المرشد الثانى للجماعة المرحوم ' حسن الهضيبي ' :

وليس نظام الأسر إلا تحقيق معانى الإسلام تحقيقا عمليا بين الإخوان ، فإذا هم حققوا ذلك فى أنفسهم ، صح لهم أن ينتظروا ماوعد الله به المؤمنبن من نصر ، لا يعلم كيف يكون ولا متى يكون إلا هو جلت قدرته وأحاط بكل شىء علما .

( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز . الذين إن مكناهم فى الأرض اقاموا الصلاة وآتوا الركاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )

وفى تحديد أكثر توضيحا يتحدث الإمام ' البنا ' عليه رحمة الله عن نظام الأسر فيقول : ' هذا النضام أيها الإخوان نافع لنا ومفيد كل الفائدة للدعوة بحول الله وقوته ، فهو سيحصر الإخوان الخلصاء، وسيجعل من السهل الاتصال بهم ، وتوجيههم إلى المثل العليا للدعوة ، وسيقوى رابطتهم ، ويرفع أخوتهم من مستوى

الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات ، كما حدث فعلا فى بعض الأسرالتى أصيب فيها بعض أعضائها وسينتج بعد قليل رأس مال للإخوان من لا شىء ، فاحرصوا أيها الإخوان على أن ينجح هذا النطام فى محيطكم والله يتولاكم ' ثم يقول بعد تحديد واجبات نظام الأسر : ' فإذا أديتم هذه الواجبات الفردية والاجتماعية والمالية ؛ فإن أركان هذا النظام ستحقق بلا شك ، وإذا قصرتم فيها فسيتضاءل حتى يموت ، وفى موته أكبر خسارة لهذه الدعوة؛ وهى اليوم أمل الإسلام والمسلمين ' .

ومن خلال هذا الضوء على مفهوم الأسر فى الجماعة نستطيع أن نحدد معالمها بدقة فى مفهوم الجماعة على النحو التالى :

أ - نظام الأسر نظام إسلامى يوجه الأفراد إلى المثل العليا .

2 - ويقوى الروابط بين الأفراد وبخاصة عندما نذكر أن أركانه هى التعارف والتفاهم والتكافل بين الأفراد .

3 - ويرفع أخوة الأفراد من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى العمل والتطبيق .

4 - زهو وسيلة لتيسير الاتصال بهؤلاء الأفراد الذين أخلصوا للدعوة بهذا الانضمام .

5 – وهو وسيلة لتكوين رأس مال للإخوان ، يمثل قدرة اقتصادية ناشئة .

6 - الانضمام إلى هذا النظام واجب على كل منتمى للجماعة .

7 - وهذا النظام يمثل عصب الجماعة فرديا واجتماعيا وماليا ، الجماعة أمل الإسلام والمسلمين.


شرعيتها فى الإسلام

الأسرة بمعناها الشرعى الذى سنتحدث عنه بعد قليل ؛ ليست ابتكار للجماعة ، وإنما هى امتداد لعمل مماثل تم فى بداية الدعوة الإسلامية فى دار الأرقم ابن أبى الأرقم بمكة ، ولكن الأسرة بمعناها التنظيمى الحركى تكاد تكون وقفا على الجماعة كل النحو الذى سيتضح لنا ونحن نتحدث عن التفصيلات الخاصة بها .

والتأصيل الشرعى للأسر يمكن أن ندركه من خلال أهدافها ومن خلال أركانها وآدابها ، ففى كل ذلك نجد الأصول الشرعية ، التى تساند نظام الأسر وتبرره بل وتدعو إليه وتشجع عليه ، ونشير إلى بعض ذلك فيما يلى :


بالنسبة للأهداف

هدف الأسرة الأول هو : العمل على تكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة عند الفرد وتربيتها وتننميتها وفق اداب الإسلام وقيمه.

وأهم جوانب تلك الشخصية ، الجانب العقدى والجانب العبادى والجانب الخلقى والجانب الثقافى .

وكل تلك الجوانب دعا الإسلام إلى تكوينها ورعايتها وتربيتها ، وهو يدعو إلى الإيمان والإسلام والإحسان والعدل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد فى سبيل الله ، لتكون كلمة الله هى العليا . ونسوق لذلك بعض النصوص الإسلامية على النحو التالى :

أ - فى الإيمان : أى تحقيق القلب وإقرار اللسان وعمل الجوارح . قال الله تعالى : ( ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ) . وقال ( قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم ) . وقال ( فآمنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا والله بما تعملون خبير . يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) .

والايات والأحاديث النبوية الداعية إلى الإيمان والعمل الصالح كثيرة ؛ ومن هنا نقول : إن كل عمل يدعو إلى الإيمان والعمل الصالح وكل نظام يؤدى إلى ذلك ، أو يشجع عليه ؛ له أصل شرعى فى الإسلام هو تلك النصوص الكريمة.

ب - فى الإسلام : وهو الانقياد لله والاعتراف باللسان ، ولن يقبل الله من أحد من خلقه دينأ غير الإسلام ؛ (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه

وهو فى الاخرة من الخاسرين ) . والآيات الداعية إلى الإسلام كثيرة منها قوله تعالى : ( ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدى القوم الظالمين ) . وقوله : ( قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ) . وقوله سبحانه : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) .

جـ - فى الإحسان : وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وهو الإتقان والتجويد الذى كتبه الله على كل شىء قال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ... ) . وقال سبحانه : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ).

وقال سبحانه : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور ) . وقال تعالى : ( وإن الله لمع المحسنين )(8). وقال سبحانه : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) .

د - العدل : هو المساواة وهو التقسيط على سواء ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كوئوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن - الله خبير بما تعملون ). وقال سبحانه : (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ). وقال سبحانه : ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم ) .

هـ - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : وهو الأمر بكل معروف كل أحد والنهى عن كل منكر كل أحد . قال تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) ، وقال سبحانه : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) .

و -إلجهاد فى سهبيل الله : الجهاد هو استفراغ الوسع فى مدافعة العدو وهو ثلاثة أنواع :

- مجاهدة العدو الظاهر .

- مجاهدة الشيطان .

- مجاهدة النفس .

وكل هذه الثلاثة داخلة فى مطالبة الله سبحانه لنا بالجهاد ، فى قوله سبحانه :

( وجاهدوا بأموالكم وأئفسكم في سبيل الله ) وقوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون ) وقوله سبحانه : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) وقوله سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيم من عذاب أليم تومنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) .

وبعد : فتلك هى الأصول الشرعية للأسرة فى نظام الجماعة ، وكلها واردة فى القران الكريم ، أما السنة النبوية المطهرة ففيها فى هذا المجال من النصوص ؛ مالا نستطيع أن نستوعبه فى هذه الصفحات لأننا فى مجال الاستشهاد لا مجال الاستطراد .

الأسرة: ( المحضن التربوي )عند الإخوان المسلمين

فى فقه جماعة الإخوان المسلمين هى:: اللبنة الأولى فى بناء الجماعة وتكوينها ، كما أنها أساس التكوين للأفراد ، وامثل الأساليب لتربية الفرد تربية متكاملة ، تتناول كل جوانب شخصيته ، وتصوغ هذه الشخصية صياغة إسلامية وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومن أجل هذا ، كان للأسرة بالغ الأهمية فى تاريخ الجماعة ، حتى ، عدت إحدى الركائز ، بل أهم الركائز التى يقوم عليها بناء الجماعة ، وعلى الرغم من أن بعض مفكرى الجماعة وبعض فقهائها أتى عليهم حين من الزمان رأوا فى الأسرة وسيلة قد تجاوزتها الجماعة ، بما حققته من عالمية تفرض عليها اتخاذ وسائل بديلة عن الأسرة ، أو على رأى بعضهم تستغنى عن التربية وفق نظام الأسر ؛ أقول : على الرغم من ذلك ، فإن المنظرين فى فكر الجماعة والأعمق فقها والأشمل تصورا لمتطلبات الجماعة والميدانيين التطبيقيين منهم ، يرون أن الأخذ بنظام الأسرة ضرورة غير منفكة بحال ؛ ويسوقون فى التدليل على فقههم وسلامته (1)


الأسرة ومكانتها

منهج التغيير عندنا يبدأ بالنفس وبالقلب إخباتاً ووجلاً وبالجوارح خشوعاً وعملاً. وهذا المنهج من الثوابت التي لا نحيد عنها، ليس تكتيكاً - كما يزعم المرجفون- بل هو مبدأ أخلاقي ديني ثابت دائم لا يتغير إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، مبدأ ينبذ العنف بل ويعمل على استئصاله، ويعتمد على سبيل التربية سبيلاً لا خيرة لنا فيه كمنهاج حاكم ضابط ثابت يبدأ:

أولاً:دعوة تضبطها الحكمة والموعظة الحسنة، لا إكراه فيها ولا عنف ولا تعسف، تقوم على قوة الحجة لا حجة القوة شعارها قول ربنا (وقولوا للنّاس حسناً) [البقرة: 83] ورائدها مقالة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ""من لانت كلمته وجبت محبته"".

ثانياً:تربية إسلامية أساسها القرآن والسنة وإن تعددت وسائلها حتى ننتقل من رجل القول إلي رجل العمل، شعار هذه التربية: ""اعرف ربك، وأصلح نفسك، وادع غيرك، وأقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرضك"" ولذلك فإن لهذه التربية خصائصها التي من أهمها:

1- أنها ربانية.

2- ثابتة الأسس.

3- موافقة للفطرة.

4- شاملة لكل جوانب الحياة باعتدال.

5- موحدة للطاقات البشرية.

6- متفائلة إيجابية فعالة تقوم على الأساس العقائدي والتعبدي والتشريعي.

كل ذلك لتحقق ثمرتها وهي: تحقيق الكرامة الإنسانية لتقيم الحضارة الإسلامية.


ثالثاً: من هذه اللبنات التي تربى تكون الأسرة الصالحة فالجماعة فالحكومة، لذلك كان من الثوابت عند الإخوان التربية المتأنية -كما بينا- لنحصل على الفرد المسلم الذي يبدأ التغيير بإصلاح نفسه ليكون منهج التغيير على منهاج النبوة.

ووسيلة تحقيق ذلك عند الإمام البنا نظام الأسرة، فهي من الثوابت عنده، فيها يتم التعارف والتفاهم والتكافل، وفيها يصحح الفهم ويعمق، ويصوب الخطأ ويتلافى، وتحقق الأخوة، وتظهر القدرات والقيادات، ويربى فيها على الثوابت والمتغيرات، وتحقيق الانتماء، ولقد سميت أسرة لما فيها من السكن والمودة والرحمة، وسمى رئيسها نقيباً تيمناً بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية بعد عودة مصعب بن عمير من المدينة ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، فلما تمت البيعة طلب منهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختاروا من بينهم اثني عشر نقيباً ليوليهم عليهم، وما أحسن وأعظم توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد ثبت في العلم التربوي الحديث أنه كلما قل عدد الأفراد زاد أثر المربى وتحققت التربية بالقدوة والمعايشة.

فإذا كانت اللبنة الأولى في الجماعة هي الأسرة، فإن أفرادها وهم في جماعة، يعلمون أن من يقود له التوجيه والتربية والطاعة، لأن هذه القيادة هي التي تحدد الأهداف، وتعتمد الوسائل لتحقيقها، وتحدد مراحلها، وهي التي تقدم أو تؤخر في أولوياتها، وعلى الأسرة أن تضع ذلك موضع التنفيذ.

إن العمل التربوي المثمر هو منهج ثابت، فإن كان للأفراد سمات وصفات ومقومات، وللعائلة ترابط ومودة وأخلاق، فمن يتعهد هؤلاء وهؤلاء؟ ومن يقوم على رعايتهم ومتابعتهم؟ ومن يتعرف على تقدمهم أو تأخرهم ومدى تحقيق أهدافهم؟ إنها التربية عن طريق الأسرة، ولما كانت التربية تحتاج إلى علم وفقه وفهم، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق مربٍّ في محضن، والمحضن هو الأسرة، والمربى هو النقيب ليقوم بدوره خير قيام لتحقيق المهام الجسام والأهداف المرجوة، ولذلك كان المربى وهو النقيب داخل الأسرة كإمام الصلاة له السمع والطاعة والتوجه والتعليم والتربية.

لقد تأكد للإمام البنا أن المشكلة ليست سهلة كما يظن البعض، فإن ما أصاب العقل المسلم من صدوع ورضوخ، بل كسور وتقطيع وتشويه وغزو فكري صده عن المضي إلى غايته، وحال بينه وبين رسالته، لا يمكن أن يعالج في يوم وليلة بمحاضرة عابرة من فرد أو درس هنا ودروس هناك من مفكر إسلامي، أو موعظة وفتيا من عالم من العلماء الأجلاء ثم يمضي لحال سبيله يبحث عن أخرى، أو مقال منشور سرعان ما ينتهي أثره بانتهاء قراءته، أو مؤلف مكتوب يحفظ متنه، إنما هي معاناة وتربية إسلامية طويلة تحتاج إلى محضن تربوي، فكانت هي الأسرة، والمربي الكريم الذي له صفات تربوية هو النقيب، لأن التربية هي من ثوابت الدعوة تحتاج إلى جهد مضن كي نترك رجالاً لا نترك كتاباً وكفى، وذلك بالمنهج السديد، والعمل الدؤوب، والخلق القويم، والنفس الطويل، والصبر الجميل والموعظة الحسنة، والمجادلة الحكيمة والوعي المستنير، والمتابعة المتأنية، ولابد لقائم يقوم على هذا الأمر وهو المربي داخل المحتوى وهي الأسرة وأي منهج إسلامي للحياة متكامل، وأي دعوة صادقة ليتأصل الفهم عن طريقها لابد لها من التربية الممنهجة المستمدة من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح والمستمدة من الأصول الفقهية والقواعد الشرعية.

ولا يتحقق ذلك كله إلا براعٍ مسئول عن رعيته يوضح الطريق بمعالمه ويبينه تبياناً لا غموض فيه ولا اضطراب من حيث:

وضوح الفكرة، ووحدة التصور والسلوك، ووحدة الهدف والمصير، ووحدة الغاية وسائل تحقيق ذلك كله حتى لا يترك سبباً لتساؤلات أو لتشكيكات أو لشبهات، ليكون أفراد الجماعة نسيجاً واحداً، ووضع لذلك نظم وإداريات ووسائل وغايات، لذلك كان الالتزام بهذه النظم من الثوابت.


أهمية الأسرة كمحضن تربوى

يقوم الإمام البنا مبيناً أهمية هذا المحضن التربوي: يحرص الإسلام على تكوين أسر من أهله يوجههم إلى المثل العليا، ويقوي رابطتهم، ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات، وأركان هذا الرباط ثلاثة فاحفظها واهتم بتحقيقها حتى لا يكون هذا تكليفاً لا روح فيه.


التعارف:

هو أول هذه الأركان فتعارفوا وتحابوا بروح الله، واستشعروا معنى الأخوة الصحيحة الكاملة فيما بينكم، واجتهدوا ألا يعكر صفو علاقتكم شيء (إنما المؤمنون إخوة) [الحجرات: 10].

ولقد ظلت هذه الأوامر الربانية والتوجيهات المحمدية بعد الصدر الأول كلاماً على ألسنة المسلمين لا في نفوسهم، حتى جئتم معشر الإخوان المتعارفين تحاولون تطبيقها في مجتمعكم، وتريدون تأليف الأمة المتآخية بروح الله.


التفاهم

هو الركن الثاني من أركان هذا النظام التربوي وفيه تتم محاسبة النفس، ثم ينصح الأخ أخاه متى رأى فيه عيباً، وليقبل الأخ نصح أخيه بسرور وفرح، ولا يخبر أحداً بالعيب إلا أخاه مسئول الأسرة، إذا عجز عن الإصلاح، ثم لا يزال بعد ذلك على حبه لأخيه، وتقديره له ومودته له، وليحذر المنصوح من العناد والتصلب، وتغيير القلب على أخيه الناصح.


التكافل:

هو الركن الثالث، فتكافلوا وليحمل بعضكم بعضاً، وذلك صريح الإيمان، ولب الأخوة، وليتعهد بعضكم بعضاً بالسؤال والبر، وليبادر إلى مساعدته ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وتصوروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ""لئن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهراً"" والله يؤلف بين قلوبكم بروحه، إنه نعم المولى ونعم النصير.

ألا ترى أن هذا النظام التربوي يحقق الواجبات الفردية والاجتماعية والمالية؟ ويحقق المعايشة والمؤانسة والأخوة، إن مثالاً واحداً مما تشغل به الأسرة اجتماعها ليوضح الآثار التربوية العظيمة في حياة أفرادها، فهي تشتمل على:

1- عرض كل أخ لمشاكله ويشاركه إخوانه في دراسة حلولها في جو من صدق الأخوة، وإخلاص التوجه إلى الله، وفي ذلك توطيد للثقة، وتوثيق الرباطة ""المؤمن مرآة أخيه"" حتى يتحقق فينا شيء من مأثور قوله صلى الله عليه وسلم: ""مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"".


2- مدارسة ومذاكرة حول شؤون المسلمين والتوجهات الواردة من القيادة، ولا محل للأسرة للجدل أو الحدة ورفع الصوت فذلك حرام في فقه الأسرة، ولكنه بيان واستيضاح في حدود الأدب الكامل والتقدير المتبادل بين الجميع.

3- مدارسة نافعة من كتاب من الكتب القيمة وغير ذلك مما يعود بالنفع على أفراد الأسرة ليتحقق بها الشخصية الإسلامية الأخلاقية بعقد إيمانها وعقد أخوتها لتصبح أداة للتغيير.(3)


نقيب الأسرة

نقيب الأسرة هو القيادة الأولى فى الجماعة ، بل هو المربى لأفراد الأسرة ، المخطط لجهودهم والمنسق بينها ، والقادر على توجيهها وتوظيفها للوصول إلى الهدف .ومهمته جليلة القدر عظيمة الشأن ، إذ هى فى حقيقتها : تربية الأفرإد على الآداب والقيم الإسلامية أساسا ، وعلى نظم الجماعة ولوائح هذه النظم - وكلها مستمدة من الإسلام - كعمل متمم لغرس القيم والاداب الإسلامية ، إذ قد عهدت الجماعة إليه بعد الثقة فيه والأهلية والصلاحية بأن يربى أفراد الأسرة ، ويرعى كل مالديهم من مواهب وقدرات يرعى الموهبة وينمى القدرة ، وينقل الدعوة من خلالهم إلى الآخرين .


المصادر

(1) كتاب وسائل التربية عند الإخوان المسلمين للأستاذ على عبد الحليم محمود

(2 الشبكة الدعوية