إستراتيجية المقاومة الفلسطينية (3)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إستراتيجية المقاومة الفلسطينية (3)
بين المقاومة والحلول السلمية


أخطاء إستراتيجية في مسار عملية التسوية السلمية

أخطاء إستراتيجية خمسة، شكلت في جوهرها عوامل فشل مسار التسوية السلمية بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني- حتى وإن عاد الطرفان إلى طاولة المفاوضات .

أول هذه الأخطاء

المقاومة هي الحل

هو إغفال طبيعة الصراع مع الكيان الصهيوني باعتباره صراعًا وجوديًّا لا يمكن حسمه عن طريق التفاوض السياسي؛ فهو ليس صراعًا محليًّا بين أقلِّية تنشد انفصالاً أو حكمًا ذاتيًّا من أكثرية حاكمة، كما أنه ليس مجرد صراعٍ بين أكثرية مظلومة ضد أقلية مسيطرة، كما أنه لا تدخل القضية الفلسطينية في نمط القضايا التي اتسمت بالصراع ضد قوة عنصرية استيطانية- جنوب إفريقيا مثلاً- وليست من طراز الصراع مع قوة استيطانية استعمارية هي جزء من دولة كبرى- الجزائر مثلاً- ولا تدخل في القضية الفلسطينية نمط قضايا التحرير من الاحتلال- أغلب شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية- بل إن طبيعة الصراع تحمل خصوصية استثنائية، فقد حملت طابع صراع ضد قوة أجنبية استيطانية عنصرية لا تهدف إلى السيطرة على البلاد واستغلالها، وحكم الأغلبية المحلية، وتحويلها إلى مواطنين من الدرجة الثانية فقط؛ وإنما هي أقلية عنصريه تحمل هوية دينية جاءت لتحلَّ محلَّ الشعب الفلسطيني وطرده من البلاد كليًّا، والاستيلاء على أرضه وممتلكاته؛ بل الادعاء بامتلاك الحق والشرعية في ذلك، ومثل هذا النوع من الاحتلال الاستيطاني لا ينجح إلا إذا تم تدمير الموروث الثقافي للشعب الأصلي صاحب الأرض، والقضاء على ذاكرته القومية أو إبادته.

ثاني هذه الأخطاء

وهو أيضًا ما جعل عملية التسوية تستمر حتى الآن- هو عمومية المبادئ التي قامت عليها التسوية، وضبابية الأسس التي استندت إليها في شكل يتيح لكل طرف من أطراف الصراع تفسير هذه الأسس بالشكل الذي يناسبه، وتقديم هذه التفسيرات لقواعده الشعبية على أنها تمثل تمسكًا- من قبل القيادة السياسية- بمطالب هذا الشعب.

ثالث هذه الأخطاء

متعلقٌ بالمنطق الأمني الذي حكم اتفاقات (أسلو)، وخاصة من قِبَل الكيان الصهيوني، والذي كان يهدف- أساسًا- إلى منع اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة على غرار انتفاضة 1987م؛ وهذا ما تبجَّح به وزير خارجية الكيان الصهيوني بالوكالة "شلومو بن عامي"- وهو صقر محسوب على الحمائم، وكل ما هناك صقور- عندما سُئل عن إمكان اندلاع انتفاضة جديدة بسبب تعثُّر المفاوضات، فأجاب: إن المنطق وراء وجود السلطة هو منع مثل هذه الظاهرة، وبذلك يكون هدف الكيان الصهيوني من الاتفاقات الأمنية هو أن تقوم عناصر الشرطة الفلسطينية بدور قوات "أنطوان لحد" في جنوب لبنان غير أنه مع اشتداد المواجهات بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال تدخلت الشرطة الفلسطينية في حالات كثيرة إلى جانب المتظاهرين الفلسطينيين؛ وهو ما جعل الشرطة الفلسطينية ذاتها هدفًا للقصف الصهيوني.

رابع هذه الأخطاء

يتعلق بعدم الإدراك الحقيقي لطبيعة الكيان الصهيوني ذاته كدولة استيطانية في تلك المرحلة من مراحل تطورها، واحتدام الصراع بين عناصر نخبتها السياسية على التوجهات العامة للدولة، فالكيان الصهيوني في هذه المرحلة من مراحل تطوره غير قادر على إنجاز تسوية تلبي الحد الأدنى للطموحات الفلسطينية والعربية، ولا يبدو واردًا لديه مراجعة وتصحيح موقفه من ذلك، ويعد نفسه للتعايش مع الانتفاضة على أمل إجهاضه من خلال المواجهة بالقوة والعنف، وهذا ما تحاول أن تقوم به حكومة "شارون"، أو من خلال خطة الفصل، الهادفة إلى خنق الفلسطينيين اقتصاديًّا، وإجبارهم على التراجع وقبول الأمر الواقع أخيرًا من خلال الجدار العنصري، الذي يلخص فلسفة "الدولة".

خامس هذه الأخطاء

يتعلق بعدم تصور السيناريوهات المستقبلية "مآلات" الاتفاقات، وإلى أي شيء ستنتهي العملية السلمية، وصدق النصف المتشائم من توقع "أبومازن" عندما قال: إن (أسلو) يمكن أن تؤدي إلى دولة، وتقرير المصير، ويمكن أن تؤدي إلى كارثة، وكانت الكارثة بسبب وصول مفاوضات السلام (الفلسطينية- الصهيونية) إلى مأزق اعترفت جميع الأطراف بعدم إمكان حسمه دبلوماسيًّا وسياسيًّا، وذلك حينما دخلت عملية التسوية في معالجة جذرية وحقيقية لقضايا الصراع الأساسية (قضايا الوجود)؛ وهي القدس واللاجئين والاستيطان والأرض، دون أن تستطيع الأطراف المعنية الاتفاق على أسس وقواعد جديدة لمفاوضات الحل النهائي التي لم تَعد أسس مفاوضات الحل الانتقالي صالحة لها.

وربما على العكس من رغبة الأطراف المعنية فقد كانت المفاوضات نفسها- وليس بفعل المقاومة وعمليات (حماس) و(الجهاد) فصائل المقاومة الأخرى- هي السبب الحقيقي في اندلاع الانتفاضة التي لا تعبر هذه المرة فقط عن رفض الشعب الفلسطينيين للاحتلال؛ وإنما أيضًا عن رفضه لعملية التسوية التي لم تنجح في استرداد حقوقه، كما أنها تعبر من جانب الطرف الصهيوني عن رفضه قبول المطالب السيادية الفلسطينية على القدس، وإصراره على فرض شروطه المذلة.

فكانت المقاومة تعبير عن خروج فلسطيني من منطق (رد الفعل) إلى (منطق الفعل)؛ أي خروج من منطق رد الفعل الذي يفرضه أسلوب (التفاوض السياسي) ضمن شروط وظروف غير مواتية إلى منطق الفعل الذي تفرضه المقاومة، وإذا كان التفاوض يحتاج حتمًا إلى توافق إرادتين، فإن المقاومة لا تحتاج إلا إلى إرادة المقاوم.

ولقد سلطت انتفاضة الأقصى الأضواء الكاشفة على عمق أزمة عملية التسوية وإجحافها بحق الطرف الفلسطيني، إضافةً إلى إعلانها الصريح عن عمق الهوة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال والصهيوني، واستحالة وجود تعايش على أسس اتفاقات (أوسلو)، أو أي مفاوضات غيرها، طالما لم ينتهِ الاحتلال بكافة أشكاله على الأرض الفلسطينية.

ومن هنا يمكن القول إن الانتفاضة كانت حكمًا قاطعًا على أن منطلقات وآلية عملية السلام- كما يريدها أو يتصورها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية- غير صالحة، وإن أي مشروع للتسوية ينبغي أن يقوم على أسس جديدة جوهرها هو: إنهاء الاحتلال وليس مساومة المحتل عن جزء من الأرض مقابل الاعتراف له بحقه في اغتصاب باقي الأرض.

فلم يقبل الفلسطينيون العودة إلى الانتفاضة رغم كلفتها الدموية الباهظة، إلا أن وعد السلام الكاذب لم يقدم لهم إلا (الموت البطيء)، كما عبَّر أحد شباب انتفاضة الأقصى.

وكما يقول الدكتور "أحمد صدقي الدجاني": "إن القراءة الموضوعية للواقع القائم في الصراع العربي الصهيوني بالرؤية الشاملة تؤكد أن ظاهرة الاعتصام بالمقاومة سوف تقوي حتى تبلغ المقاومة هدفها وهدف المقاومة هو الوصول باليهود الصهاينة الذين احترفوا الاستعمار الاستيطاني إلى الاقتناع بأن الصهيونية العنصرية وبالٌ عليهم، وأنها العدو الحقيقي للسلام والعقبة الكئود أمام بلوغه؛ ولذا فإن سبيل سلامهم وضمان أمنهم هو نبذ الصهيونية العنصرية واختيار أن يصبحوا مستأمنين، وهدف المقاومة أيضًا هو الوصول بقوى الهيمنة الغربية التي أوجدت الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ودعمته- ولا تزال تدعمه- إلى الاقتناع عمليًّا بأن مصالحها في منطقتنا ووطننا سوف تتهدد، وأن عليها أن تتحول عن إستراتيجية التسلط سبيلاً لتأمين مصالحها إلى إستراتيجية التعامل الندي الذي يحترم حقوقنا، وأن هذا الكيان الصهيوني العنصري بات عبئًا عليها".