إخوان ليبيا واستمرار العطاء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
إخوان ليبيا واستمرار العطاء

كتبهامصطفى الرعيض

إخوان ليبيا واستمرار العطاء

لم يكن بقاء حركة إخوان ليبيا تعمل في السر أمراً ممكناً, ولم يكن ليصمد طويلاً مع اشتداد الأزمات, والمُداهمات, ووارتفاع وتيرة الاحتقان الداخلي داخل البلد, وكثرة التحقيقات التي كانت تجريها المخابرات والأجهزة الأمنية في طول البلاد وعرضها, فلم يعد أمام الحركة سوى أحد خيارين؛ إما أن تجمد حركتها وتبقى بلا حراك، أو أن تخوض مرحلة التدافع وتستمر في الحركة والتجميع والدعوة، فاختارت الثانية رغم ما سيكلفها من مخاطر وتعرض لأذى مادي ومعنوي، على مستوى التنظيم والأرواح.

ومع هذا، ورغم كل تلك الضربات المتلاحقة لحركة إخوان ليبيا, إلا أنها ظلت تصارع للبقاء في الساحة الداخلية مهما كلًفها ذلك, وتمنع أفرادها من الهجرة رغم الظروف الصعبة, واشتداد القبضة الأمنية, لحاجة البلد إليهم في خدمة القضايا الاجتماعية والتربوية والدعوية, وبذلك ظلت عاملة وسط أحلك الظروف وأشد الأزمات، وحافظت على تمسكها, مستقطبة إليها كثيرا من الخيرين من أبناء البلد ..

وما سمحت الحركة بهجرة أحد من أفرادها إلا حفاظاً على الجماعة وعدم انكشافها لوجود قوانين جائرة استثنائية تمنع حرية التعبير والتحرك التنظيمي .. ومع ضعف الجانب السياسي في المراحل السابقة من عمل الجماعة في الداخل، إلا أن شمولية الدعوة لدى الأخوان أتاح للحركة أن تعمل في جوانب أخرى متعددة ومتنوعة، مما جعلها قريبة من الناس، تلامس نبض الشارع وأحاسيسه.

وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن انكشاف التنظيم وانتشار أفراده بين سجين ومهاجر ومقيم محنةٌ شديدة ناتجة عن أخطاء جسيمة أو حسابات خاطئة, إلا أن ما تلى تلك الفترة وما تبعها من تداعيات دل وبقوة على أن هذه المرحلة ما كانت لتتم وفق تقدير بشري بهذه السرعة وعلى هذا النحو, ولا أن تظهر مؤسساتها المدنية والحقوقية والإعلامية على نحو ما هي عليه الآن, ولما عرفها الناس، ولا اطلعوا على دورها لولا ذلك التقدير الرباني الذي واكب الحركة البشرية، والتي تعمل في إطار المتاح من الظروف وما منحها الله تعالى من القدرات, فكان لتدافع الأقدار التي جعلها الله من سننه الكونية لدفع عجلة الحياة درها في دفع الحركة إلى ميادين جديدة ومجالات عمل مختلفة.

ورغم كون المراجعة وقراءة ما حدث أمر مطلوب، إلا ان ذلك ينبغي أن يكون من أجل تحقيق خطوات للإمام واستعياب المرحلة المقبلة خاصة إذا أٌزيلت عوائق كثيرة من أمام الحركة كبطلان التشويه المتعمّد, وجهل كثير من الناس بها, إذ أُتيح لها أن تعلن عن نفسها, وعن منهجها، وتعبر عن مواقفها بصراحة ووضوح.

أما على الصعيد الشعبي والرأي العام فقد اطلع الناس ورأوا حركة الجماعة وأدركوا توجهاتها ومنهجها عمليا من خلال المواقف المعلنة والبيانات الصادرة فلم تعد تلك الظنون السيئة تسيطر على عقول الكثيرين، بعد أن زال أثر الحملات التشويهية التي حاولت تغطية عين الحقيقة، واستغلال الكبت الذي كانت تعيشه الجماعة في المرحلة السابقة، ولم يكن ذلك بالأمر السهل، أو القريب المنال، وإنما كان دونه العديد من المحاورات وجولات من التحقيقات مع رموز الإخوان يرأسها رموز النظام ومحققيه داخل السجن, الأمر الذي كان غير مُتاحٍ أيام سرية العمل, وعدم معرفة رموزه.

بفضل الله تعالى وتقديره الحكيم، ثم لتلك الحوارات والجولات المتنوعة في فترة عصيبة من تاريخ الحركة, ومن خلال نتائج التحقيق التي أجريت مع الإخوان زالت الشبهات ورتفع عن كاهل الإخوان البحث والتفكير في مسألة الظهور العلني والتعريف بأنفسهم حركة ومنهجا وأشخاصاً للآخرين، ولأفراد المجتمع، رغم ان مجتمعهم قد عرفهم وخبرهم ورأى إخلاصهم لدينهم ووطنيتهم وحرصهم على بذل كل رخيص وغالٍ في سبيل ذلك.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما حققه الإخوان المهاجرون من خلال المنابر والوسائل الإعلامية التي أسسوها لتوصيل رسالتهم وللتواصل مع أبناء الوطن، وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة في حمل المسؤولية, وتبني قضايا الوطن وهموم المواطن, إذا ما نظرنا لكل ذلك فسيتبين لنا جانب كبير من ثمار تلك المحنة التي عصفت بالجماعة، وكيف استطاعت الاستفادة من الظروف التي وجدت نفسها فيها بعد هدوء عاصفة تلك المحنة, كما أبرزت تميز وقدرات أبناء الحركة الذين برهنوا بعزمهم وعزيمتهم على استعداد للبذل والعطاء يقلّ نظيره, وعلى أتم استعداد دائما للمساهمة في إصلاح البلاد, وللقيام بدورها الوطني لأجل مستقبل أفضل للوطن.

وفيما تظهر بعض المجهودات الجزئية المنفردة (محاولات سيف) المنادية بالإصلاح أو ترميم الواقع الموجود مع بقاء بعض أوضاع المرحلة السابقة على حالها من تقييد لحرية الصحافة والإعلام, وإبقاء سجناء الرأي في سجونهم, وانتشار الفساد الإداري والمالي, وغير ذلك الخروق التي تتطلب الكثير من الترقيع، والتي يتسع خرقها عن قدرة الراقع مما يبين أن الوضع المتردي أكبر من هذه المحاولات الفردية( التي لا يشارك فيها كل الأطراف) على أهميتها وقيمتها إلا أنها تظل دون المستوى المطلوب, وتبقى رهينة لإطلاق رصاص النقمة والتربص عليها من أصحاب المراكز والنفوذ مما يحيلها إلى سراب بقيعة يحسبه المواطن إصلاحاً وما ثم غير حرث في ماء آسن.

فإنه لا ينقل البلاد إلى شاطئ الإصلاح الحقيقي إلا بمشاركة كل القوى والأطراف الوطنية في هذا المشروع, وفي جو من الشفافية, وفتح المجال للمجتمع المدني ومؤسساته المستقلة كي تأخذ دورها, تساهم في صنع القرار, وترفع عن كاهل الدولة كثير من الإحراج والضغوط الدولية عليها, حين يكون المجتمع المدني سنداً لها فلا تقع الدولة تحت الضغط الخارجي, كما يجد النظام سنداً له من شعبه حين يمتلك قراره وحريته وكرامته فعلاً.

وفيما تستمر حركة الأخوان في عطائها وخدمتها لشعبها عرفاناً وتقديراً لهذا الوطن وامتثالا لما اوجب عليه دينها الإسلامي ومهما كانت الظروف، فأنها تتطلع إلى رؤية مؤسسات العمل المدني وهي تعمل داخل البلد, وأن ترى استقلالا للقضاء, وأن ترى هذا الوطن العزيز وهو يساهم في إحداث نقلة حضارية حقيقية لوطننا, وأن نرى في المستقبل القريب ليبيا الغد ليبيا المستقبل خير من أمسها الغابر.