إبراهيم المصري: الجماعة الإسلامية بلبنان تيار منفتح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إبراهيم المصري: الجماعة الإسلامية بلبنان تيار منفتح

[06-05-2004]


مقدمه

حاورته: خديجة علي موسى

سوريا هي العمق الإستراتيجي للمسلمين في لبنان

نشارك في عمليات المقاومة بالتنسيق مع حزب الله

اعتبر الأستاذ إبراهيم المصري- نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية بلبنان- أن بلده ساحة حرة سياسيًّا؛ نتيجة التعدد الطائفي والمذهبي والسياسي، وتحدث عن الجماعة الإسلامية ونشأتها وتركيز اهتمامها في بدايتها على الجوانب الدعوية والفكرية والتربوية لتنتقل إلى الاهتمام أيضًا بالشأن السياسي.

وأكد نائب الأمين العام للجماعة- في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة (التجديد) المغربية أثناء حضوره للمؤتمر الخامس لحزب العدالة والتنمية بالمغرب، الذي انعقد خلال شهر أبريل الماضي- أن سوريا هي العمق الإستراتيجي للمسلمين في لبنان وخيار جماعته المعتمد دائمًا هو التنسيق مع سوريا بما يخدم المصلحة العربية العامة، مشيدًا بتجربة الجماعة، ومعتبرًا إياها تجربةً غنيةً سياسيًّا؛ لكونها استطاعت- رغم كل التقلبات في لبنان- أن تحتفظ بوجودها السياسي المعلَن، رغم حالة الصراع؛ نظرًا للتعدد الطائفي والتبشير المسيحي عبر المؤسسات الكاثوليكية أو البروتستانتية.. وهذا نص المقابلة:


نص الحوار

المشهد السياسى بلبنان

  • نود أن تعطونا نظرةً عن المشهد السياسي بلبنان؟
لبنان يكاد يكون- إن لم يكن- أغنى الساحات العربية بتجربته السياسية، فهو من أبرزها؛ لأن لبنان- منذ نشأته واستقلاله- يعيش في جو كبير من الحرية السياسية؛ نتيجة التعدد الطائفي والمذهبي والسياسي في هذا البلد، فلعلَّ ما حفظ لبنان من أن يتحول إلى حكم شمولي أو حكم عسكري هو وجود بُنَى اجتماعية لبنانية وبنى طائفية هي أكبر من الدولة، ولها القدرة على أن تحكم مسارات الناس؛ لذلك فإن لبنان ساحة حرة سياسيًّا.
وقد نشأ العمل الإسلامي في لبنان منذ أوائل الخمسينيات، وتقلَّب في عدة أسماء، وامتدَّ إلينا العمل الإسلامي عبر سوريا، عندما كان الدكتور مصطفى السباعي- رحمه الله- لاجئًا في لبنان في أوائل الخمسينيات، والتقى مع بعض القوى والفعاليات الإسلامية، وأسس أول خلية إسلامية في لبنان، واستمر العمل الإسلامي تحت اسم "عباد الرحمن"، وفي أوائل الستينيات برزت فكرة الجماعة الإسلامية، وما تزال قائمةً حتى الآن.
والجماعة الإسلامية بلبنان كانت تُعنى في بدايتها بالجوانب الدعوية والفكرية والتربوية، لكنها- وكأمر طبيعي شأن كل القوى والحركات الإسلامية- اهتمت بالشأن السياسي بكل جوانبه، وكانت لها أول تجربة في ممارسة الترشح للانتخابات النيابية عام 1972م في طرابلس وسنة 1975م، فعندما بدأت الحرب اللبنانية كنا مضطَّرين لأن نشترك في هذه الحرب من أجل حماية مناطقنا الإسلامية، واضطُّرت الجماعة لإنشاء تنظيم "المجاهدين".. وهو تنظيم عسكري؛ لأن أية فكرة أو طرح لم يكن ليلاقي أي احترام لدى المواطنين إلا إذا كانت تحميه بندقية، وكان هذا الأمر لازمًا، ولعله صبغ الحياة الفكرية بلبنان بصبغة ما كنا نتمناها، لكنه الأمر الواقع الذي حصل، واستمرت الجماعة الإسلامية تواكب الحرب اللبنانية دون الإيغال في تفاصيلها؛ لأننا كنا ندرك أن الحرب ستنتهي ولن يكون فيها فائز قط.
والذي نجح في هذه الحرب وحصل مكاسب هو من وظَّف الشعب اللبناني لخدمة أغراضه، ونحن نعتقد أن الكيان الصهيوني كانت يسعى من أجل تفجير الساحة اللبنانية والتضييق على المقاومة الفلسطينية من أجل أن يعصف بالساحة، وقد تحقَّق له ذلك بشكل جزئي، لكن المشروع الإسرائيلي (الصهيوني) انهزم في لبنان، خاصةً بعد الغزو الصهيوني الكبير عام 1982م، عندما برزت مقاومة إسلامية لبنانية بجناحين إسلامي سني وإسلامي شيعي، وعندما انسحبت إسرائيل (الكيان الصهيوني) من المناطق السنية من "صيدا" وتخومها إلى الشريط الحدودي كانت بديهيًّا أن تبقى هذه المقاومة بجناحها الشيعي؛ لأن المنطقة مع الحدود مع فلسطين المحتلة يغلب عليها الطابع الشيعي وليس فيها السني.


العلاقة مع الجماعات الأسلامية داخليا ودوليا

نرتبط بكل القوى الإسلامية في العالم العربي بصفة خاصة وفي العالم عمومًا، ونلتقي معها في ملتقيات.. نتعلم من تجاربها ونفيدها، لكننا جماعة لبنانية وقراراتنا داخلية، ونمارس هذا الدور بفعالية كاملة وبحرية وباستقلالية.
نعتبر أن الحركة الإسلامية بهذين البلدين جزءٌ من العالم، وهما الآن في مقاومة ندعو لهما بالنصر، ونمدهما بما نستطيع من دعم اجتماعي ومادي..، ونرجو لهما الاستقرار، ونتمنى سقوط المشروع الصهيوني؛ لأن هذا الأخير لن يستطيع أن يبني كيانًا ثابتًا على الساحة الفلسطينية.
نتواصل فكريًّا مع الجميع.. قد تكون علاقتنا مع الحركات الإسلامية مع المشرق العربي أكثر وأكثر التصاقًا من الحركات الإسلامية المغربية، فهذه أول مرة يأتي وفدٌ من الجماعة الإسلامية من لبنان للمغرب؛ ليشارك في مؤتمر حزب سياسي له جذور إسلامية؛ لذلك فإن علاقتنا متوازنة مع الجميع، وليس معناه أننا إذا شاركنا مع هذا الفريق نلغي علاقتنا مع فريق آخر، قد تدعونا جماعة إسلامية مغربية أخرى وسنستجيب لها ونتواصل معها.
  • لبنان- كبلد- مهدد أمنيًّا..!! ألا ترى أنه ينبغي الانخراط في المقاومة بغض النظر عن سكان المنطقة أهم شيعة أم سنة؟!
هذا صحيح، فحزب الله لم يبدأ المقاومة إلا بعد الاحتلال الصهيوني سنة 1983م، بينما كنا نحن ننسق مع بعض الفصائل الفلسطينية قبل الاحتلال الصهيوني، والآن لنا اتصالنا بالمخيمات الفلسطينية والمناطق الجنوبية، لكن عندما احتلت إسرائيل (الكيان الصهيوني) المناطق الجنوبية برز حزب الله مدعومًا بغطاء إيراني وسوري، وهذا ما مكَّنه من السيطرة على المناطق الجنوبية كبديل للجيش اللبناني؛ حيث تولى مهمةً رسميةً بالوكالة عن الجيش اللبناني في المناطق الجنوبية، وعن الحكومة اللبنانية بمسئوليته عن الحدود مع فلسطين المحتلة، وهذا أمر لا نتمتع به نحن..
هناك كلام كثير في الساحة اللبنانية على موضوع تفرد حزب الله بالمنطقة، لكن هناك معادلةً لابد من الانسجام معها، فنحن نعتبر أننا موجودون بالمناطق الجنوبية طالما أن هناك رايةً إسلاميةً مرفوعةً لمواجهة العدو الإسرائيلي (الصهيوني)، ونحن لنا تنسيق مع حزب الله، ولنا عملياتنا وشهداؤنا، فنحن نشارك في هذه المقاومة وإن كان الطابع الغالب عليها هو الطابع الشيعي.
  • أصدرت جماعتكم ورقةً أسمتها ميثاق العمل الإسلامي بلبنان.. كيف تفاعلت معها الهيئات الأخرى؟
أخذت الجماعة مبادرة منذ أشهر، ووضعت ورقةً أسمتها ميثاق العمل الإسلامي بلبنان، وعمَّمتها على كل الهيئات والشخصيات الإسلامية، وبلغ عددها حوالي 600 شخصية وجمعية إسلامية، ثم دعونا إلى مؤتمر كبير شارك فيه حوالي260 شخصية وجمعية إسلامية لبنانية، واقتصرنا على ساحتنا الإسلامية السنيَّة في أول الأمر، وتلقينا مقترحات أضفناها للورقة، فأصدرنا الصيغة النهائية للميثاق، وبعد توقيعها من المشاركين قدمناها للمراجع الروحية الإسلامية والمسيحية.
وقد لقي هذا الميثاق قبولاً حسنًا، لاسيما لدى الأوساط المسيحية، وقد تحدثنا فيها عن العيش المشترك مع المسيحيين والعلاقة بهم، وعن موضوع الإرهاب، وما ينبغي أن يحكم العلاقة ما بين النفوس المسيحية والإسلامية، وفتحت بعض القوى حوارًا ما يزال مستمرًا حتى الآن، سواء على مستوى الهيئة العليا للحوار، أو عقد لقاءات مع اللجنة البطريكية للحوار الإسلامي المسيحي، فاستفدنا وأفدنا وصحَّحنا صورة الإسلام التي تَشيع في الإعلام اللبناني والعالمي حول الحركة الإسلامية، ونحسب أن هذا الانفتاح يخدم المصلحة الإسلامية والمصلحة اللبنانية بشكل عام.
  • ماذا عن علاقتكم بالجماعات الأخرى المحسوبة على أهل السنة؟
تكاد الجماعة الإسلامية بلبنان تكون هي الجماعة الإسلامية الوحيدة المنتشرة في كل المناطق الإسلامية، والجماعة الأقدم والأعرق؛ إذ تملك طاقاتٍ فكريةً ناضجةً وطرحًا سياسيًّا متوازنًا، وهناك جمعيات تمثل المشهد الإسلامي المعروف، مثل الطرق الصوفية، والجمعيات السلفية، والمعاهد الشرعية.. ونحن نحرص على التنسيق مع هذه الجمعيات وليس عندنا مشكلٌ مع أحد.
  • ماذا عن جمعية الأحباش والمشاريع؟ خاصةً أن لها كتبًا تسيء إلى بعض العلماء؟
بالنسبة لجمعية المشاريع والأحباش نعتبرها فصيلاً أمنيًّا أكثر مما هي حركة إسلامية.. هي مجموعة من الناس تستظل بظل أحد المشايخ الطاعنين في السن، الذي لا يكاد يعني من أمور الدنيا شيئًا، فهي تنسب إلى الشيخ عبدالله الحبشي، علاقتهم مع كل القوى الإسلامية سيئة، بدءًا من دار الفتوى وامتدادًا إلى كل القوى الإسلامية اللبنانية، فهم يعيشون في إطار ضيق، وتحوَّلوا مع الأسف الشديد إلى أداة في يد الأجهزة الأمنية اللبنانية وغير اللبنانية، ويحرصون على أن يغطوا أنفسهم بقوًى أمنية تحمي تجاوزاتهم على الساحة اللبنانية، فهم يطرحون أنفسهم أنهم يمثلون الاعتدال في الساحة، مع أنه عندما أعلنت بعض القوى المسيحية أنها تريد التظاهر في "بيروت"- للمطالبة ببعض الحقوق- استجاب الأحباش لبعض القوى الأمنية ونزلوا إلى الساحة يحملون العصي والسواطير؛ مما أعطى صورةً منفرةً إلى كل ما يمتُّ للعمل الإسلامي بصورة؛ لذلك فالأحباش يعلو رصيدهم ويهبط بقدر ما تخطط لهم الأجهزة الأمنية التي لها مصلحة في إنعاش هذا التيار.
الجماعة الإسلامية تنظيملبناني مرخَّص من السلطة اللبنانية، لديها مؤسساتها التنظيمية، التي يجري تبديلها بانتظام، ويحضر ممثلٌ لوزارة الداخلية عند إجراء العمليات الانتخابية داخل الجماعة، ويرفع تقريرًا إلى السلطة بما يرى ويسمع، وفي بداية هذا العام أجرت الجماعة انتخابات على مستوى مجلس شورى الجماعة، وانتخبت أمينًا عامًّا هو الشيخ فيصل مولوي، وانتخبت مؤسسات أخرى.. سواءٌ بالنسبة للمكتب السياسي أو المكتب الدعوي أو التربوي.. وما إلى ذلك، فالجماعة هيئة تنظيمية وليست لدينا إشكالات تجعلنا نعمل في السرية.
نحن جزء من الحركة الإسلامية في العالم، وإن كان لكل بلد ظروفه وخصوصياته.. نحن استفدنا من فكر الحركة الإسلامية كما أن التيارات الإسلامية بالمغرب تستفيد من الحركات الإسلامية بالعالم، وأستطيع القول إننا نجحنا- إلى حدٍّ كبير- في بناء علاقة قوية مع كل القوى اللبنانية والإقليمية بالمنطقة، على اعتبار أن لبنان منذ عام 1976م دخلته القوات السورية في إطار قوات الردع العربي فقد نسَّقنا العلاقة مع سوريا، وهذا لا يعني أننا كنا دائمًا في تفاهم مع الإخوة السوريين، لكننا مقتنعون- وكان القرار واضحًا- بضرورة متابعة التنسيق والتعاون، سواء اختلفنا أو اتفقنا؛ لأننا نعتبر أن سوريا هي العمق الإستراتيجي للمسلمين في لبنان، خاصةً أن حدودنا المفتوحة هي على سوريا من الشمال والشرق، وليس لها حدود مشتركة مع أي قطر عربي آخر، وحدودنا الأخرى هي حدود صغيرة مع الكيان الصهيوني، وخيارنا المعتمد دائمًا هو التنسيق مع سوريا بما يخدم المصلحة العربية العامة.
وأعتبر أن تجربة الجماعة تجربة غنية سياسيًّا، وقد استطاعت الجماعة- رغم كل التقلبَّات في لبنان- أن تحتفظ بوجودها السياسي المعلَن مستمرًّا دون انقطاع، وقد استطاعت أن تفرز مؤسسات تخدم المجتمع المدني وتحضنه، خاصةً في غياب الدولة؛ لأننا في لبنان منذ حوالي عشرين سنة، والدولة ليس لها حضور على المستوى الصحي أو الاجتماعي، وقد اضطُّرت قوى المجتمع المدني- ومنها جماعتنا- أن تبني مؤسسات، ولنا دورنا في هذا المجال؛ ولعل أهم ما استطاعت الجماعة إفرازه هو بناء مجموعة كبيرة من المدارس الابتدائية والثانوية والجامعية.
كما استطاعت المؤسسات أن تصوغ الإنسان اللبناني المسلم، رغم أننا كنا في حالة صراع؛ نظرًا للتعدد الطائفي والتبشير المسيحي عبر المؤسسات الكاثوليكية أو البروتستانتية التي كانت تتسابق على الساحة اللبنانية، وقد سبقتنا بأجيال..؛ لذلك كنا مضطَّرين لأن نبني المؤسسات التعليمية التي تصوغ الإنسان المسلم صياغةً تربويةً وفكريةً.
  • ألا تفكر الجماعة الإسلامية في فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي؟
ورد هذا الموضوع في مؤسسات الجماعة التنفيذية في عام 1996م، وأعلن يومها أن الجماعة التنفيذية في عام 1996م ستشكل حزبًا سياسيًّا يحمل اسم (حزب الإصلاح)، لكن تعذَّر الحصول على ترخيص لهذا الحزب..؛ لذلك نحن في لبنان نمارس العمل السياسي باسم الجماعة الإسلامية، ومن حين لآخر يطرح هذا الموضوع كاحتياط للمستقبل، باعتبار أن الجماعة ليست حزبًا سياسيًّا بكل معنى الكلمة، وتحمل اسمًا إسلاميًّا، يشكِّل إرباكًا على الساحة العالمية؛ نتيجةَ وجود مجموعات تحمل اسم الجماعة الإسلامية المسلَّحة القتالية، ورغم ذلك فنحن نمارس عملنا السياسي دون مشكل باسم الجماعة.


العمل السياسى

الجماعة أسهمت في العمل السياسي منذ نشأتها؛ لأننا نحمل نظرةً كاملةً نحو الإسلام، ونعتبر أن الإسلام لا مجالَ فيه للتفريق بين العمل العبادي والعمل السياسي، ونعتبر أن العمل السياسي إذا مارسه الإنسان المسلم بإخلاص من أجل خدمة مجتمعه فهو عبادة؛ ولذلك نعتبر العمل السياسي عملاً إسلاميًّا بكل ما تعنيه الكلمة.
أما بالنسبة للمشاركة النيابية فقد كانت مشاركتنا الأولى سنة 1992م بعد غياب الانتخابات عن الساحة اللبنانية منذ 1972م، وقدمنا ترشيحاتنا في بعض المناطق، وكان لنا ثلاثة نواب في أول انتخابات أُجريت بعد الحرب اللبنانية، أما الآن فليس لنا أية تمثيلية، وهذا رهين بقانون الانتخابات الذي تَجري صياغته، وقانون الانتخابات أحيانًا يكون مسئولاً عن إخراج هذه الفئة أو تلك من الساحة النيابية؛ لأن لبنانَ مقسمٌ طائفيًّا، وقانون الانتخابات وتقسيم الدوائر له أثرٌ كبيرٌ على فرص نجاح أي فريق لبناني في الانتخابات.
  • ألا تتوقعون أن قانون الانتخابات الذي تَجري صياغته سيحدُّ من مشاركتكم في الانتخابات، مثل بعض القوانين التي تسعى للتضييق على حزب ذي طابع ديني؟
مع الأسف.. في لبنان لا وجود لقانون انتخابات دائم، فكل دورة تصوغ الحكومة اللبنانية قانونًا بما يخدم مصالحها وتوجُّهات النافذين فيها، لكن أستطيع القول إن ما تتحدث عنه مازال بعيدًا عن لبنان، بمعنى أن الإملاءات الأمريكية تحاول إقصاء القوى الإسلامية.. ونحن لم نستشعر هذا بعدُ في لبنان؛ لأن التماسك اللبناني السوري وبدعم القوى الحيَّة- سواء كانت قومية أو إسلامية- يجعل الإملاءات الأمريكية بعيدةً عن التطبيق.. لكن لا أستبعد أن يقَع هذا في الانتخابات القادمة التي ستجري في أقل من سنة، رغم عدم وجود قانون انتخابات، وأتأسَّف للحكومة اللبنانية التي تترك قانون الانتخابات للربع ساعة الأخير؛ حيث تعلنه قبل شهر أو شهرين من الانتخابات حتى تفوِّت الفرصة على بعض القوى اللبنانية التي تريد تحقيق ذاتها خلال الانتخابات.
ورغم ذلك فنحن موجودون على الساحة السياسية اللبنانية، سواءٌ كنا ممثلين بالبرلمان أو غير ممثلين.. لنا حضورنا الإعلامي والفكري والسياسي في ساحة مفتوحة للجميع..؛ ولذلك لا نعاني كثيرًا من قضية قانون الانتخابات أو ما يمكن أن يطرحه بعد ذلك.
  • يجري الآن التحضير للانتخابات البلدية بلبنان.. ماذا عن مشاركتكم في هذه الانتخابات؟
بعد أقل من شهر تبدأ الانتخابات البلدية في لبنان، والجماعة في الدورة الماضية كان لها تمثيل كبير في هذا الميدان، فلها بلديات تتولى رئاستها، ومشاركة في البلديات الكبرى في المدن الكبرى.. نحن موجودون بتحالف ببلدية "صيدا" في الجنوب وببلدية "طرابلس" في الشمال، وممثلون ببلدية "بيروت"، وفي معظم البلديات الموجودة في المناطق الإسلامية، وما يجري الآن هو التحضير للحملة الانتخابية البلدية التي يَجري فيها اختيار أعضاء المجالس البلدية في الأحياء والقرى.
  • هل تنوون عقد تحالفات خلال الانتخابات البلدية المقبلة؟
في المدن يحصل هذا.. والانتخابات البلدية تجري على أساس حزبي، وتحكمها العلاقات السياسية، أما في القرى فغالبًا ما يكون تحالف العائلات والتنسيق بينها وبين الطوائف هو الذي يحكم تحالفات البلدية، وإخواننا يعملون في هذا المجال، وقد تشكَّلت لجنة لمتابعة التحالفات، وأحسب أنها قطعت شوطًا جيدًا في هذا المجال.
  • ألا تتعرضون للتضييق أثناء القيام بحملتكم الانتخابية؟
التضييق بمعناه المعتاد في بعض الدول لا يقع، ولابد من الاعتراف بأن هناك حريةً متاحةً في لبنان غير موجودة في أي بلد عربي آخر، بلبنان أعراف ديمقراطية، لكن التضييق يكون بشكل غير مباشر، وذلك عبر حرمان الحركة الإسلامية من الظهور في وسائل الإعلام المؤثِّرة، والتضييق يكون بضيق ذات اليد لدى الحركة الإسلامية؛ مما يجعلها قاصرةً عن الوفاء بمستلزمات الحملة الانتخابية، فالتضييق يكون عبر إملاءات عليا من القوى النافذة في البلد؛ من أجل إغلاق بعض اللوائح، وتضييق مجال التحالفات أمام الحركة الإسلامية.. لكن أقول: إننا لا نشعر بهذا ولا مصلحةَ لأحد في لبنان بالتضييق على الجماعة الإسلامية؛ لأنها تيار إسلامي منفتح، ويمثل شريحةً واسعةً في الجماعة السنيَّة بلبنان، فلا أتوقع أن يتم عزلُ الجماعة عن المشاركة.
  • ما هو حجم مشاركتكم خلال الانتخابات البلدية المقبلة؟
قانون الانتخابات ليس قانونًا حزبيًّا في لبنان، ولا توجد بلبنان حياة حزبية، التحالفات بلبنان عنوانها طائفي وشخصي؛ ولذلك تبقى تحالفات كل مدينة منفصلة عن المدينة الأخرى، وكما قلت تحالف العائلات أحيانًا يفرض نفسه على أي تركيبة أخرى، فلا مجال بلبنان للقول إن هذا الحزب حصد الأغلبية؛ لأن كل حزب لبناني يصطبغ بصبغة طائفته، فنحن مثلاً في الجماعة الإسلامية ننشط في المناطق الإسلامية السنيَّة، وحزب الله ينشط في المناطق الإسلامية الشيعية، وهناك تيارات سياسية مقتصرة على مدينة أو مدينتين، فمثلاً تيار السيد رفيق الحريري تيارٌ نافذٌ في البلد، له نفوذ في "بيروت"، وبشكل جزئي في "صيدا"، وغير موجود في بقية المناطق.
  • تتميزلبنان بتعدد طائفي، كيف تصفون علاقتكم بالهيئات الممثلة لهذا التعدد، وماذا عن الحوار الإسلامي المسيحي؟
تأمل تجربة الجماعة الإسلامية بلبنان أن تكون منفتحة على كل القوى اللبنانية لاسيما الأساسية، وتربطنا علاقة طيبة مع الإخوة الشيعة لاسيما (حزب الله)؛ إذ تربطنا بهم علاقة سياسية وفكرية وجهادية في بعض المناطق الجنوبية، وننسق معهم على المستوى السياسي والانتخابات النقابية، أما بالنسبة للجانب المسيحي فنحن نشارك في الهيئة العليا للحوار الإسلامي المسيحي.
  • صرح أحد النواب السابقين- كان ينتمي لجماعتكم، ويدعى "خالد الضاهر"- بأن الجماعة لم تقدم جديدًا؟
خالد الضاهر كان ممثل الجماعة، ثم قرر المكتب السياسي ألا يرشحه ثانيةً في الانتخابات، وكانت هذه إشكالية لفترة زمنية محددة، وقد هدأت النفوس بعد ذلك.. هذا الكلام قد يكون من رواسب المرحلة الانتخابية السابقة، أما الآن فليس هناك كلام في الموضوع، وأصبح جزءًا من التاريخ، وخالد الضاهر لم يعد نائبًا برلمانيًّا، وأخذ مكانه، في قريته يحرص على تصحيح علاقته بالجماعة، وإلى الآن ما يزال خارج إطار الجماعة.


تفاعل الجماعه مع حملة الارهاب

  • عرف العالم حملة ضد الإرهاب تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، كيف تفاعلت الجماعة مع هذا الأمر؟
هذه حملة ظالمة دون شك.. صحيح أن هناك عمليات مدانة مارستها بعض القوى.. لا أدري إذا كانت منسوبة إلى التيار الإسلامي أم لا، هذه قضية أخرى، لكن أستطيع القول إن أمريكا بدأت تسير في معاداة القوى الإسلامية بالعالم حتى قبل تفجيرات 11 سبتمبر، وانتهت إلى أن احتلت أفغانستان والعراق، وأنا آمل أن ينتهي المشروع الأمريكي ويسقط في العراق؛ نتيجةَ وجود المقاومة التي تقودها مجموعات إسلامية عراقية، نعتبر دعمها واجبًا شرعيًا ووطنيًا وقوميًا؛ لذلك نتمنَّى أن يسقط شعار مكافحة الإرهاب لأنه مزوَّر، وأمريكا هي التي مارست وتمارس الإرهاب ضد المسلمين في أكثر من مكان على الأرض، وهي التي دعمت الحكومات والأنظمة الاستبدادية في العالم العربي والإسلامي، وأرى أن الرئيس الأمريكي سوف تستمر أسهمه في الهبوط إلى أن ينتهي هذا الشعار، وتعود الأمور إلى صيغتها المفتوحة المرنة ويعم الحب والسلام في العالم، لا أن ننشر الحقد والكراهية بين شعوب العالم.
  • هل تأثرت لبنان بهذه الحملة؟
برزت مجموعة صغيرة في لبنان سنة 1999م في منطقة نائية يبدو أنها كانت مرسلة من لدُن تنظيم القاعدة، وحاولت أن تستقطب أتباعًا لها، ولكنها اصطدمت مع القاعدة الأمنية، ولم تجد أي تجاوب مع أنها في منطقة إسلامية صرف، فصفيت ولازال مجموعة من هؤلاء الشباب في السجن ينتظرون محاكمتهم، وليس هناك تيار محدد، قد يكونون أفرادًا معزولين عن الساحة، وأظن أن هذا الطرح لن يجد له رصيدًا في لبنان؛ لأن لبنان بلد حر، يعطي فرصةً للناس لأن يتحركوا بحرية ويقولوا ما يشاءون.. أيًّا كانوا، والمواطن هو الذي يحكم، وموضوع الإرهاب لن يوجد له مكان في لبنان؛ حتى إن اللبنانيين في الخارج يوجد واحد فقط ورد اسمه عند التحقيق في تفجيرات أحداث 11 سبتمبر، وهذا لم يكن محسوبًا على التيار الإسلامي بلبنان، لذلك فموضوع الإرهاب ومحاربته مجرد شعارات تمارسها أمريكا، ويحاول السفير الأمريكي بلبنان تسويقها على الساحة اللبنانية لكنها مرفوضة لدى معظم القوى الحية بالمجتمع اللبناني.
  • هل أصدرتم قانونًا لمكافحة الإرهاب مثل بعض الدول؟
الإرهاب غير موجود بلبنان ولا يشتكي منه أحد،لبنان فيه مقاومة للاحتلال الصهيوني، والدولة اللبنانية تعترف بالمقاومة، وتخلت لها عن مواجهة العدو الصهيوني على الحدود الفاصلة بين لبنان وفلسطين المحتلة، والمنطق الأمريكي مرفوض في لبنان سواء من قبل الحكومة أو الشعب.
  • بصفتكم رئيسًا لتحرير مجلة (الأمان)، كيف تقيمون تعاطي الإعلام اللبناني مع حملة الإرهاب؟
الإعلام اللبناني يتعاطى مع الحملة بتعقل، ويدرك أن هناك مؤثراتٍ تحمل بعض هذه القوى على أن تتورط في أعمال مدانة، ويدرك الإعلام اللبناني.
هناك أيضًا عملية تضخيم لبعض الاتهامات، ويجري إلصاقها ببعض القوى الإسلامية، لكن على المستوى العالمي هناك حملة علينا التعاون لمواجهتها؛ لأنه لا مصلحة للأنظمة العربية حكومة وشعوبًا؛ لأن تسود ساحتنا معاني الكراهية والإلغاء والإقصاء، نحن مطالبون بأن نشد أزرنا، فالأنظمة مستهدفة والقوى الحية مستهدفة قومية كانت أو إسلامية، وعليها أن تواجه الضغوط الأمريكية التي لا تريد أحدنا يعيش بخير سواء كنا ليبراليين أو إسلاميين.
مستقبل الإسلام كبير، والتيارات الإسلامية تكاد تكون الوحيدة التي لها سند جماهيري، والمهم أن تتمكن هذه الحركة من مواكبة الزمن الذي تعيشه وتستوعب القضايا والمشاكل التي تعترضها سواء في الإطار الفكري أو السياسي.

الأستاذ/ إبراهيم المصري في سطور

إبراهيم المصري من مواليد مدينة طرابلس بشمال لبنان، عمل في بداية عمره بالتعليم، ومنذ أوائل الستينيات اتجه إلى ميدان العمل الإعلامي؛ حيث أشرف على عدة مجلات إسلامية، ابتداءً من مجلة (المجتمع) اللبنانية سنة 1964م كانت نصف شهرية، إلى سنة 1966م ثم أصدر مجلة (الشهاب) بعد تشكيل الجماعة الإسلامية في لبنان، ثم استمرت الشهاب إلى سنة 1975م، وكانت نصف شهرية، وتوقفت بسبب الحرب اللبنانية في ذلك الوقت، وفي سنة 1979م تم إصدار مجلة الأمان الأسبوعية، وهي مجلة سياسية تعطلت بفعل الأحداث اللبنانية مرة أخرى، ثم في سنة 1993م أصدرت مرة أخرى، وهي ما تزال مستمرة بشكل أسبوعي وتغطي الجوانب الفكرية والسياسي بلبنان خاصةً وفي العالم عمومًا، ويشغل منصب نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية بلبنان.

المصدر