أَقْبَلَ رمضان.. هيا ننتصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٣:٣٧، ٢٧ يوليو ٢٠١١ بواسطة Ahmed elsaied (نقاش | مساهمات) (حمى "أَقْبَلَ رمضان.. هيا ننتصر" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أَقْبَلَ رمضان.. هيا ننتصر
روابط رمضان6.jpg

بقلم: سيد نزيلي

للمواسم أهمية بالغة في حياة المسلمين وللأوقات موازين خاصة في تنظيم حياتهم، ولبعض أيام الله وهج خاص وومضات مُبهرة مضيئة يحسن بالمسلم انتظارها والتعلق بها، بل التشبث بأهدابها واستثمارها الاستثمار الأمثل؛ وصولاً إلى مرضاةِ الله عزَّ وجل.

وشهر رمضان من الشهور التي ينتظرها المسلم ويدعو دائمًا ربه أن يُبلغه رمضان وأن يبارك له في شعبان، وفي كل الشهور، ولا شك أن ذلك يربط المسلم بالله عزَّ وجل ويجعله متأهبًا للطاعة تلو الطاعة، ويخرج أو ينتهي من خير ويبدأ في خيرٍ، وهكذا دواليك.

والأيام عمومًا شاهدة على المسلم وحجة عليه، وعليه أن يغتنمها ويستثمرها، كما ورد في الأثر "أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة"، وعلى ذلك فإن مُضِّي الأيام وتكرارها محسوبة على الفرد.. والعَدَّاد "شغَّال" كما يقولون، والسعيد هو الذي يعمل أعمالاً مقبولة عند الله في خدمةِ دينه ومنهجه.. ومن شأنها أن تدعم وتقوي العمل الإسلامي عمومًا.. وهنا تكون للأيام بركة تنعكس بركة على كل شيء في حياته (عمره.. علمه.. رزقه.. أولاده.. دعوته.. إلخ).

التهيؤ لشهر رمضان

وشهر رمضان ضيف كريم.. يحسن أن نستعد له.. ونهيئ النفس لاستقباله ولا يكون ذلك، كما يفعل العوام.. باستكمال الأمور والحاجيات المادية.. أو كما يفعل أهل الثقافة والإعلام الفاسد بحشد كمٍّ من الأفلام والمسلسلات التي من شأنها أن تلهي الناسَ عن حقيقة الصيام، وما يلزم فيه من طاعةٍ ومعيشةٍ مركِّزة على الذكر والصلاة والتهجد وتلاوة القرآن وحصد الحسنات وتجنب السيئات وأعمال السوء؛ ولذلك.. كان من التهيئة لهذا الشهر أن يكثر المسلم من الصيام في شهر شعبان حتى إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان لا يُرَى في شهر من الشهور أكثر صيامًا من شعبان، وما ذلك إلا ليكون سُنَّةً لنا جميعًا للتعود على الصيام وتحمل المشاق وفطم النفس عن كثيرٍ من مألوفاتها في المأكل والمشرب وكل الملذات بما في ذلك الحلال.

ومن الأمور التي يجب أن نعزف عنها، ونسموا بأنفسنا أن نخوض فيها أو نمارسها.. أن نبتعد عن كلِّ لهوٍ أو سمر أو شغل أو سماع.. أو قول.. من شأنه أن يجر إلى معصية.. أو سوء خلق.. أو سلوك شائن.. أو عمل يجر غضب الله عز وجل.. ونضع نصب العين وفي سويداء القلب هذه الآية الكريمة: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ (الإسراء: من الآية 36).

ووسائل الإعلام العصرية لا تخرج عن هذه الحواس الثلاث، وبالتالي فعلينا أن نصونها عن كل ما يخدشها أو يؤثر فيها.. فهل نعزم عزمة أكيدة نحن ومن معنا من أهلنا وأحبابنا ودوائرنا المحيطة بنا والمتأثرة بدعوتنا.. أن نرشِّد استعمالنا لكافة وسائل الإعلام من تلفاز ومذياع وكمبيوتر وصحف ومجلات ونشرات، بما يحمل ذلك كله من مغرياتٍ وملهيات، وبما قد يجر إلى معاصٍ وحرام تحت مسميات كثيرة وتبريرات عجيبة ترتكن على قناعاتٍ وتحليلاتٍ غريبة بضرورةِ مواكبة التطورات العلمية المعاصرة، وكذا الاختراعات الحديثة.

ونحن لا نصادم ذلك ولا ندعو للانعزال عن هذه المخترعات، بل نحث عليها فنتعلمها ونوجد من بيننا من يجيد التعامل معها وإتقانها في مجال الدعوة.. وتنعكس أساليبها المتطورة على الأداء الجيد في مجال الدعوة وخدمة الإسلام.

الشيء الذي نخافه ونحذره هو أن تجر بعض شبابنا إلى المفاسد أو الانحرافات بدل أن نستخدمها في الرقي الفكري والتواصل الدعوى.. وانتشار الوعي والإدراك بقضايا الإسلام المعاصر.. وزيادة مساحة الصحوة الإسلامية، والالتفاف حول الإسلام.

كيف ننتصر على أنفسنا في رمضان

1- إنَّ من أسرار الصوم العظيمة تقوية الروح والعناية الشديدة بجوانب تزكية النفس، والارتفاع عن مطالب البدن وتلبية نوازع الحاجات الجسدية والغرائز، إذْ ليس الإنسان هو ذلك الهيكل المحسوس، وإنما هو روح سماوي يسكن هذا الجسم الأرضي، وسر من الملأ الأعلى في غلافٍ من الطين.

وقد فُرض الصيام ليتحرر الإنسان من سلطان غرائزه وينطلق من سجن جسده ويتغلب على نزعات شهوته ويتحكم في مظاهر حيوانيته، ويسمو بذلك كله ويرتقي به في مراقٍ من الطهر والنقاء والشفافية إلى المستوى الملائكي، وهم ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: من الآية 6).

ونحن ندرك ونفهم تمامًا أن جسم الإنسان مكون من قبضة طين ونفخة روح، والإسلام دون غيره هو الذي أعطى المنهج المتوازن المتكامل المتناسق الذي يوازن بين قبضة الطين ونفخة الروح في حياة الإنسان، فلا يُغالي في أحدهما على حساب الآخر، وحضارة الإسلام هي صورة حقيقية لهذا التناسق: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص: من الآية 77).

روابط رمضان7.jpg

والجوانب الروحية لها ما يُغذيها في شهر رمضان ولها ما يسمو بها إلى مراقٍ عظيمة رفيعة، في الذكر والتسبيح والتحميد وتمجيد الله عز وجل والاستغفار، وفي تلاوة القرآن وحفظه وتجويده وإتقانه والالتزام بقدرٍ محدودٍ كل يوم بهذه التلاوة أو المراجعة، والتلاوة مطلوبة وختم القرآن كل عدةِ أيامٍ من ألزم الأمور.. إنما لا بد أن يُصاحب ذلك فهم وتدبر للمعاني والدلالات حتى لا تقع في محظور.. ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: من الآية 24)، ثم لا ننسى صلاة التراويح وصلاة التهجد.. لمَن يتيسر له ذلك في المسجد أو صلاة الليل بما يحفظ المسلم من قرآنٍ أو يستعين في ذلك بالمصحف، المهم أن نعيش مع القرآن تلاوةً وتدبرًا وحفظًا كما أشرنا.. ثم تتشبع أرواحنا بمعانيه ودلالاته وإيحاءاته العظيمة الدافعة لشدة التمسك بأهداب الإسلام والحرص عليه والعمل نصرته في النفس والأسرة والمجتمع والأمة جميعها.

2- وننتصر على أنفسنا في رمضان وفي غيره على مدار الحياة كلها بتقوية الإرادة.. وبناء العزيمة للمضي في طريقِ الدعوة وإصلاح المجتمع، وهذه هي "القوة" التي عناها القرآن الكريم: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)﴾ (مريم).

وفي مخاطبته لسيدنا موسى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)﴾ (الأعراف).

والقوة هنا ليست القوة البدنية وإن كانت مطلوبة، وإنما هي قوة الإرادة وَمَضَاء العزيمة، وهذه ما يجب أن نتزود بها في شهر رمضان إذْ المسلم لا بد أن يعيش الجهاد ومجالدة الأعداء، فإن لم يستطع فعليه أن يعيش روح هذه المعاني ولا يترك نفسه للدعة والاسترخاء والتكاسل والرخاوة والترف القاتل أو اليأس المميت.

روابط رمضان8.jpg

والصبر.. وهو من الدروس التي نتعلمها في مدرسة الصوم يُقوي الإرادة عند المسلم ويُعلي من شأن العزيمة في نفسه، وهو من ألزم الصفات للدعاة إلى الله فيعينهم على تخطي العقبات ومواصلة السير على طريق الدعوة دون وهنٍ أو ضعفٍ أو استكانة ﴿فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)﴾ (آل عمران).

فلا يثنيهم وعيد أو تهديد أو إيذاء أو تشريد.. ورجال الدعوة الآن.. في أشد الحاجة لهذه المعاني بعدما تحالف كل أعداء الإسلام وخصومه.. وتنادوا من كل مكانٍ للحرب غير المقدسة على الإسلام والمسلمين تحت راياتٍ شتى أبرزها ما وصفوا به الإسلام بالإرهاب.. وصارت المعركة اسمًا على الإرهاب، ولكن فعلاً وحقيقةً على الإسلام وشريعته ونظامه ومنهجه وأخلاقه وقيمه وموازينه في واقع حياة المسلمين، ومما زاد الأمر صعوبةً وأكسب المعركة غير المتكافئة ماديًّا وعورةً وشراسةً أن أغلب المسلمين في بلاد الإسلام وكل مَن بيدهم سلطات المال والقوة.. كل هؤلاء وغيرهم قد انحازوا للنموذج العدائي المقوي لتوجهات الغرب ومخططاته.

3- وننتصر على أنفسنا في رمضان بأن نتزود فيه بزاد التقوى، وهي خير الزاد، وهي كذلك الغاية الكبرى للصوم، فهي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة طاعةً لله وإيثارًا لرضاه.. وهي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية ولو تلك التي تهجس في النفس أو البال.

وبعد..

فهل لنا أن نُشمِّر عن ساعد الجد، ونستعد لمقدم رمضان، وننهل من معينه العذب، ونغترف من فيوضاته الشفافة الرقراقة.. ونتزود منه بكل زاد يقوينا على أعباء الطريق.. وننتصر فيه على أنفسنا.. وننصر الله.. فينصرنا الله.

وما ذلك على الله بعزيز،،

المصدر