أيها الإخوان ...... صبراً

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٢:٠١، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٥ بواسطة Man89 (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أيها الإخوان .. صبراً


بقلم: أحمدى قاسم

السحابة القاتمة التي تعبر أجواء مصر اليوم، من نفس طينة السحابة السوداء التي أظلت سماء مصر عام 1954، الشبه كبير بينهما، فسلطة اليوم ابن أحمق لسلطة الأمس، كلاهما اختار موقفاً غاشماً ضد قطاع أصيل وعريض من أبناء الوطن، وكلاهما شمر لتغييب الهوية وطمس معالمها، والله غالب على أمره.

وكلاهما يرتكب نفس الجريمة، يوطد لسلطانه على حساب المصلحة الوطنية، والحقوق المواطنية، بصياغة القهر والنفي كدستور لمصر .ولكن للإخوان خيار آخر، تبايعوا عليه، ونذروا أنفسهم له، وهم على الدرب ماضون بخطى الواثق بمعية الله تعالى، المطمئن بنصره رغم مكر الماكرين.

وعند الشدائد تأتي الإشارات القرآنية لتجلي البصائر، وتعلي الهمم، وتتعالى بالنفوس فوق الدنيا وما فيها. وإلا فلم عرضها الله تعالى في القرآن الكريم؟! لم جاء الأمر المتواتر للرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالصبر؟! ومن هذه الأوامر الإلهية ما ورد في خواتيم سورة القلم... "فاصبر" ... فالأمر بالصبر، والصبر لا يكون إلا على ما تكرهه النفس، وتضيق به الصدور.

"لحكم ربك" ... أي تحمل واصبر لقدر الله تعالى النازل بك. يقول القرطبي ـ رحمه الله ـ (فاصبر لحكم ربك) أي لقضاء ربك. والحكم هنا القضاء. وقيل: فأصبر على ما حكم به عليك ربك من تبليغ الرسالة. وقال ابن بحر: فأصبر لنصر ربك.

قال قتادة: (أي لا تعجل ولا تغاضب فلا بد من نصرك) ويقول الإمام الرازي ـ رحمه الله ـ ("فاصبر لِحُكْمِ رَبّكَ" وفيه وجهان):

الأول: فاصبر لحكم ربك في إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم.
والثاني: فاصبر لحكم ربك في أن أوجب عليك التبليغ والوحي وأداء الرسالة ، وتحمل ما يحصل بسبب ذلك من الأذى والمحنة

فالأمر بالصبر لحامل الدعوة الذي بايع على حملها مختاراً وبكامل وعيه وإرادته، لتكون قدره وشرفه معاً. ولتدعيم النفس المؤمنة، ومساعدتها على تحمل الصبر معالجة مرارته، يقدم الله تعالى المثال بكيفية الصبر الذي يجب على الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكون عليه.

يقول الشهيد صاحب الظلال ـ رحمه الله : إن مشقة الدعوة الحقيقية هي مشقة الصبر لحكم الله ، حتى يأتي موعده ، في الوقت الذي يريده بحكمته . في الطريق مشقات كثيرة . مشقات التكذيب والتعذيب . ومشقات الالتواء والعناد . ومشقات انتفاش الباطل وانتفاخه . ومشقات افتتان الناس بالباطل المزهو المنتصر فيما تراه العيون . ثم مشقات إمساك النفس على هذا كله راضية مستقرة مطمئنة إلى وعد الله الحق ، لا ترتاب ولا تتردد في قطع الطريق ، مهما تكن مشقات الطريق في ظلال القرآن

ومن هنا كان استدعاء قصة يونس بن متى - عليه السلام . "وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ" فالله تعالى ينهى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يكون كيونس ـ عليه السلام ـ في غضبه من قومه، أو استعجاله عليهم الاستجابة والطاعة، فكل شئ بقدر، وما على الداعي إلا أن يقوم بوظيفته متحلياً بكامل الخضوع والاستسلام، مع كامل الرضا.

والمكظوم هو المغموم الذي غلبه الهم، وأثقله الغم، فأصبح مكظوماً تكاد جوانبه أن تنفجر. وللإمام الماوردي ـ رحمه الله ـ لفتة مثيرة في التفريق بين الغم والكرب: (والفرق بينهما أن الغم في القلب، والكرب في الأنفاس)

ونداء يونس ـ عليه السلام ـ وهو في محاصر في ضيق وظلمات بطن الحوت له مغزاه ومرماه. "لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين" براءة مما كان منه بإعلان الألوهية لله تعالى، وتنزيهه عن كل نقص، وهو ما يعني أنه وحده صاحب الحق في القضاء والإبرام، وعلى المخلوقين الطاعة والاستسلام.

ثم الاعتراف بالذنب والتقصير، فالمحن منح إلهية لانطراح الأولياء ببابه، وإعلان الفقر لجنابه، وبذل العبودية على أعتابه، وهذا في ذاته هو غاية خلقهم. فعلى الجماعة المؤمنة أن تغتنم فرص البلاء للتطهر والاقتراب. أما النصر فهو وعد الله تعالى الذي لن يخلف، ويكفي لقلب المؤمن أن يعي الدرس من قصة يونس ـ عليه السلام ـ. فالذي أخرج يونس من ضيق وظلمات بطن الحوت، قادر على إخراجنا من ضيق وظلمات قبضة الطغاة.

" إِنّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" يس (82) ولهذا يعقب الله تعالى على حال يونس ـ عليه السلام ـ وهو في كربه ومحنته، برحمته به. " وْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رّبّهِ" وتداركه أو تداركته نعمة ربه، أو رحمة ربه، ففرج كربه، وأزال غمه، وأخرجه إلى السعة بعد الضيق.

ويوحي لفظ "تداركه" لمدى الشدة والبلاء الذي كان فيه يونس ـ عليه السلام ـ وتدارك الشئ فأقامه قبل أن يقع ويسقط. فالمعنى يحمل البشارة. الله لن يتخلى عنا، لن يتركنا لأنفسنا الضعيفة، لن يدعنا نسقط بعد أن أقامنا لحمل دعوته. "لَنُبِذَ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ"

رحمة الله تعالى تأبى لأن تترك أولياءه في العراء بلا غطاء، وفي الوحشة والوحدة بلا تأييد وتثبيت " فَاجْتَبَاهُ رَبّهُ" فبعد المحنة والضيق، وبعد الغم والكرب، وبعد البراءة والإنابة، وبعد التطهر والانسلاخ من كل ما سواه ـ عز وجل ـ يتحقق الاختيار الإلهي، يصبح الداعية أهلاً لحمل الرسالة، وتبليغ الأمانة، مخلصاً لخالقه وحده، مجرداً من حط نفسه.

وهذا هو ما يريده الله تعالى من أوليائه. " فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ" فجائزة الصابرين أن يكونوا من الصالحين. والمعنى يثلج صدر كل مغموم مكروب، إذا صبرت فسيختارك ربك، سيصلحك بمعاييره هو، فتأمل كيف ستكون روعة نفسك التي بين جنبيك حينئذ.

"وَإِن يَكَادُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمّا سَمِعُواْ الذّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنّهُ لَمَجْنُونٌ" انتقال رائع لفضح نفوس المعاندين، فهي أيضاً مملوءة بالغيظ والغم، فعيونهم تكاد تقتلك وأنت تسمعهم القرآن الكريم.

ثبات المؤمنين يغيظ الكافرين ويحرق نفوسهم، فيسقطون في السباب الرخيص، ويتخلى عنهم العقل والمنطق فيلقون التهم جزافاً، ويتورطون في القذف الرخيص. " وَمَا هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ"هذا القص والعرض ذكر وتبيان للسالكين حتى يروا الحقيقة ناصعة فلا يرهبهم انتفاش الباطل، ولا يقعدهم أراجيف المبطلون.والموعظة ليست قاصرة على فئة دون أخرى، أو زمن دون زمن آخر، بل هي لعامة المكلفين بالعباة، المخاطبن بالقرآن، وخاصة للسالكين خلف محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ

المصدر