أيها الأحباب.. كيف نستقبل شهر رمضان؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أيها الأحباب.. كيف نستقبل شهر رمضان؟!

07-08-2010

بقلم: الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب

في كل عام بعد انتهاء رمضان نسمع عن استعدادات لرمضان المقبل، استعدادات بالمسلسلات والمسرحيات والأفلام، ولو كانت هذه الأشياء وغيرها تؤدَّى بطريقة سليمة في التأليف والتمثيل والإخراج لهان الأمر؛ لكن العجيب في هذا الأمر هو الهبوط المقصود في كل هذه الأعمال.

أهكذا يُعامل شهر الصيام والقرآن وليلة القدر وغزوة بدر الكبرى وفتح مكة الفتح الأعظم والنصر في عين جالوت، وانتصارات المسلمين على مدار التاريخ التي كان أعظمها في رمضان.

يُعامل رمضان بطريقة تكاد تجعل المسلمين ينسونه ويغفلون عنه، أهكذا يُعامل ويُستقبل الشهر العظيم الذي أنزل الله فيه القرآن هدًى للناس وبينات من الهدى الفرقان؟

أهكذا نحيي شهر الذكريات والانتصارات والرحمات والفيوضات الربانية على عباد الله؟ هل هذا يليق؟ وهل هذا مقبول؟ أبدًا.. لا.

عن شهر رمضان أعظم وأكرم وأجلِّ عند الله وعند المؤمنين من هذا الاستقبال التافه، الذي ينم عن نية يُقصد منها حجب رمضان وإبعاد شهر القرآن عن المسلمين.

إن الشهر العظيم الذي وصفه الله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: من الآية 185).

يستحيل أن يتحوَّل عند المسلمين إلى تمثيليات مضحكة هازلة تضر ولا تنفع، إنه شهر العبودية الكاملة لله رب العالمين وشهر الاستقامة، وكان صلى الله عليه وسلم يشدُّ المئزر ويوقظ أهله ويقول: "إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب الجحيم، وسُلسلت الشياطين، ونادى منادٍ من قبل الحق سبحانه وتعالى: يا باغي الخير، أقبل، ويا باغي الشرِّ، أقصر".

إنه شهر التراويح، وشهر المؤمنين، يصومون نهاره، ويقومون ليله، ينطلقون إلى المساجد، يقفون صفًّا واحدًا كصفوف الملائكة في السماء، يستمعون من إمامهم الدستور السماوي الخالد الذي يجب أن يسود، فقد قال الله فيه ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)﴾ (آل عمران).

أيها المسلمون في كل مكان..

يجب علينا أن ننفض أيدينا من هذا الهزل المقصود، ومن هذه المؤامرة التي تُدبَّر لرمضان في كل سنة تحت اسم الترفيه والتهريج والفوضى، وتُخرِج الكثيرين من رمضان صفر اليدين، لم يعرفوا شيئًا عن رمضان، ولم يذوقوا طعم الصيام، ولا عظمة القرآن، كيف هانت هذه الأمة إلى هذا الحد؟ فأصبح للتهريج سوق في الوطن العربي والإسلامي، في شهر الجهاد- بالذات- في شهر الغزوات والانتصارات، في شهر الإيمان والصدق واليقين، وذكر الله عزَّ وجلَّ.

أيها المسلمون..

مرةً أخرى استيقظوا قبل أن يضيع رمضان، وقبل أن تُنسخ آثاره، ويُطوى تاريخه ويُسنى.. استيقظوا وتوبوا إلى الله، وأغلقوا كل منافذ الشر، فقد سُئل أحد فلاسفة الشيوعية (كيف نُنسي الناس الله؟ فقال: بالمسرح)، ونحن زدنا عليه الاهتمام بالرياضة المبالغ فيها خاصة الكرة، وزدنا عليه الأغاني، وزدنا عليه كل ما نسمعه في رمضان، ويزحف بشكل واضح لإخراج الناس من العبودية لله وحده إلى التلهِّي بأمور ما أغنانا عنها، وما أبعدنا عنها.

يجب أن نصوم عن كل هذه الأشياء، صومًا حقيقيًّا يجعلنا ننساها، بل ونمقت ما يؤدِّي إليها، فهذا الفيلسوف الروسي الذي قال هذا الكلام إنما هو من دولة شيوعية مهرِّجة صنعها الصهيونيون؛ ليحاربوا بها الإسلام والمسلمين، وقد استطاعوا أن يعطِّلوا المدَّ الإسلامي تقريبًا في ثلث الكرة الأرضية، أو أن يحاصروا المسلمين ويدمروهم والعالم كله ساكت.

أيها المسلمون.. صوموا بحق، وقوموا الليل بصدق، وارفعوا أيديكم بالدعاء لعل الله ينقذ المسلمين الحيارى من هذا الوباء، ومن هذا السعي الخبيث الذي يقوده أبالسة الفن المزعوم لتدمير الإسلام والمسلمين، وإبعادهم عن مقدساتهم وعن أمجادهم وعن تاريخهم، وعن مصدر قوتهم، وأخيرًا.. عن شريعة الله الخالدة التي أنزلها الله لهم، يريدون حجبهم عن سرِّ الحياة فيهم وعن إيمانهم وتبديد طاقاتهم وطاقات أبنائهم وبناتهم بهذا الهزل المقصود، ووضع السم في العسل، فاحذروا وفوِّتوا الفرصة على إبليس وأعوانه من أن ينجحوا في حَجْبِكم عن سر حياتكم وسر وجودكم، وعن شهركم الكريم الذي يطهركم الله فيه، وتتقربون إليه وتعيشون في ظلاله، تفتَّح بينكم وبين السماء طاقات، ويتقبل فيها الدعاء ويصعد فيه العمل الصالح والكلم الطيب ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَـٰئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ (فاطر: من الآية10).

فكيف يكون الاستقبال الحقيقي لرمضان بعيدًا عن هذه الخزعبلات والشطحات التي تعوِّق المسلم عن سلوك الطريق السليم؟

استقباله يكون بإحياء النظام الروحي الذي جاء به الإسلام، وصنع به الرجال الأبرار الذين استطاعوا بأخلاقهم أن يقوِّموا البشرية وأن يؤدبوها، وأن ينقلوها من ميدان التفاهات إلى مستوى الملائكة الكرام البررة.

إن النظام الروحي في الإسلام هو النظام الوحيد الذي يربِّي الإنسان على الرجولة ويصنعه ويزكيه ويطهره ويحفظه ويصونه ويرقى به إلى المستوى العالي من الجهاد والعدل والصدق مع الله ومع النفس ومع الناس.

ومن الضروري لهذا النظام من أساس أصيل قوي يرتكز عليه وينطلق منه، وهذا الأساس هو العقيدة وعن طريقها يكون الإيمان الصادق الذي يصقِّل النفس البشرية ويهذبها، ويرفع من شأنها ويزكيها، وكلما قوي هذا الأساس وتأصَّل وضرب بجذوره في القلب، وسرى مسرى الدم في العروق، استطاع الإنسان أن يربط مصيره ومستقبله بهذا الدين، بل يربط حياته كلها بالله وحده.

إن منهج الإسلام الذي ننادي به ونذكِّر به هو المنهج الرباني الفريد الذي أصلح ويصلح البشرية كلها على جميع مستوياتها.

والبعد عنه في التربية والتزكية، والتماس مناهج بشرية قاصرة؛ هو طريق الضياع، وتقصير مهين في حقِّ البشرية.

وأول الواجبات علينا هو العمل مع أنفسنا، فيصوم المسلم في النهار ويقوم في الليل، ويقرأ القرآن، ويكف النفس عن الهوى والشر ويجاهدها على تطبيق أوامر الله وأحكام شريعته ويصل قلبه ومشاعره بالله الذي له ملك السماوات والأرض.

ونتعلم في رمضان هذا الدرس: وهو أن قوة الأمم لا تقاس أبدًا بمقدار ما عندها من علم أو مال أو سلطان، أو التمكُّن من أسباب الانتصار على الآخرين والاستعلاء في الأرض، ولكنها تقاس بقوة السرِّ المستكن في الضمائر والقلوب، وقوة الصلابة، وروح المقاومة في الأنفس التي تثبتها عند الشدائد والأزمات والمحن، وروح المقاومة التي تحفظها عند الفتنة، وتمسكها بخلائق الأحرار والتعفف وخصال البر وشرف الحياة، وتقوى الله، ولو كلَّفها ذلك الضيق بعد السعة، والفقر بعد الغنى، والحرمان بعد العطاء وصبر النفس على ما تكره في تحمُّل هذا المكروه، والقيام بالحق والوفاء للخلق والطاعة والإنابة إلى الله وحده.

هؤلاء هم الذين قال الله فيهم بعد التمكين: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)﴾ (الحج)، وقال عزَّ وجلَّ فيهم أيضًا: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)﴾ (القصص).

وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا في كل شيء حتى لا يطغى أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد".

رمضان مهرجان للطاعات تشترك فيه جميع الأمة الرجال والنساء والأطفال، إنه عيدهم الذي يفرحون فيه ويحبون فيه الطاعات، ويقرءون فيه القرآن الذي نزل على قلب سيد المرسلين بلسان عربي مبين؛ لينذر من كان حيًّا ويحقَّ القول على الكافرين.

إنه مهرجان في الأرض وفي السماء، إنه عيد الأعياد، إنه الدرَّة في جبين هذه الأمة، إنه علامة مميزة من علاماتها الكبرى، ويجب أن تتطلع فيه الأمة كلها إلى عودة جديدة إلى سرِّ قوتها، وليس أمامها إلا أن تُعرض عن السفاسف، وتولي وجهها بحزم وإخلاص وعزم إلى منهج الله عزَّ وجلَّ، وتُعلن في صدق وصراحة ما قاله الله عزَّ وجلَّ لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم ولها من بعده: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)﴾ (الأنعام).

كما يجب على الأمة دائمًا أن تتزود من عطر الإيمان، من الرحيق المختوم والعسل المصفَّى، وأن تعشق الورود والرياحين في كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، وفي تاريخ أسلافها من الغرِّ الميامين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

كما يجب عليها أن تتزود من النور الذي أفاضه الله عليها في رمضان، عسى أن تنجلي هذه القلوب، وتصوم عن إغراقها في الدنيا وكراهية الموت.

إن الفترات المقفرة من النصر التي تمر بتاريخ الأمة لا يمكن أن تطمس حقيقة الإسلام الكبرى، تلك الحقيقة التي تقول إن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وهي الجديرة بحمل الأمانة والأمينة على ركب الإنسانية، ولن تجتمع على ضلالة أبدًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "سألت الله ألا تجتمع أمتي على ضلالة فأعطانيها"، وهي التي يجب عليها دائمًا أن تقدِّم أعزَّ ما تملك إلى ساحات الجهاد والبذل والعطاء، وهي التي تحمل المنهج الرباني لهذه الدنيا من جديد.

استقبلوا رمضان لا بالتمثيليات والتواشيح لكن استقبلوه على أنه دفعة كاملة للإيمان، ودفعة قوية للروح، إنه منهج حياة، ودرب سعي وركوض إلى الله عزَّ وجلَّ.

إن رمضان مِنهاج عجيب في التربية والتزكية، منهاج معجز فريد، يحتاج منَّا إلى وقفات متأنية وتأملات، إنه أسلوب فذ في الأخذ بيد البشرية الحائرة إلى الطريق الصحيح، أسلوب فذ في تخليص المسلم من المعوِّقات والمثبطات.

ويتجه الصيام إلى تغيير الزمان الذي يتغير خلاله الإنسان تغييرًا كاملاً مباشرًا، فمواعيد النوم والطعام والشراب والعمل وكل حركات الإنسان تتحول في رمضان إلى مسار آخر، فيعتاد المسجد الذي يجب أن يعتاده طوال حياته، ويكثر من ذكر الله وتلاوة القرآن، ويحرص على صلاة الفجر ويحافظ على سنة التراويح.

إن شهر رمضان الذي نستقبله- بما يحب ربنا ويرضى- يجب أن نجعله علامةً مضيئةً لهذا المجتمع الإسلامي، لا يشاركه فيه أي مجتمع آخر لأنه لا يملكه، أفنسمح لبعض المرتزقة أن يحولوه إلى مسارح ولهو وتهريج؟! إنها غفلة من المسلمين يجب أن تنتهي، وأن يقاطعوا في رمضان وغيره كل أدوات اللهو المخالفة لشرع الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي قال لنا وبصراحة ووضوح "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجز، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، والمراد بالمحدثات هنا: كل أمر يخالف شرع الله ويناقض ما قاله القرآن، ويهدم ما بناه الإسلام ويحوِّل الإنسان إلى دمية تافهة لا قيمة لها ولا ثمن ولا غاية ولا هدف؛ لأنه صُنع بعيدًا عن منهج الله عزَّ وجلَّ، وتلقَّى من غيره.

إن رمضان تحلو فيه الطاعات والقرب من الله عزَّ وجل والمناجاة، ويجب أن ينتهي المجاهرون بالإفطار في رمضان، الذين نُزع منهم الحياء والأدب والأخلاق، فعلى الأقل "إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا".

لكن المجاهرة بالمعصية والسكوت عليها شيء لا يليق بالمجتمع الإسلامي، ويجب ألا تقدَّم أي معونة أو طعام إلى مفطر، بل يعامل بما يستحق أن يعامل به من تجرَّأ على ربه وجاهر بالمعصية ونزع منه الحياء.

ولا يوجد في الإسلام شيء اسمه الحرية الشخصية، فإنها كلمة يتستَّر وراءها البعض؛ ليفعلوا ما شاء لهم وفق هواهم وشياطينهم، فلا حرية في معصية الله، ولا حرية في الاستخفاف بدين الله ولا حرية في الخروج على أمر الله.. بل الحرية في هذا وغيره في الاستجابة لأمر الله عزَّ وجلَّ.

إن سهرات رمضان جميعها يجب أن تنبع من منبع روحي أصيل، وهي تؤكد التزام الصائم في ليله ونهاره، فهو عابد لله عزَّ وجلَّ في كل حال من الأحوال.

اللهم إنا نضرع إليك أن تطهر بلاد المسلمين من اللغو والعبث والاستهتار، اللهم إنا نضرع إليك أن تتقبل رجالاً صوَّامًا قُوَّامًا، أفلتوا من جاذبية الأرض ومن همزات الشياطين، وثقلة اللحم والدم وشهوة البطن والفرج، واستعلوا بإيمانهم، وصاموا طاعةً لله، واجعلهم أئمة واجعلهم الوارثين ومكن لهم في الأرض.. اللهم آمين.


المصدر

اخوان اون لاين