أوقفوا هذه الهستيريا وافهموا معنى حق الدفاع أمام القضاء الجنائى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أوقفوا هذه الهستيريا وافهموا معنى حق الدفاع أمام القضاء الجنائى
٢٧/ ٢/ ٢٠١١

بقلم :فريد الديب

أوقفوا هذه الهيستيريا

وسط حالة الفوضى، السائدة حالياً، نسمع أصواتاً تندد بكل من يوجَّه إليه اتهام، وتطالب بإدانته، والحكم عليه بأغلظ العقوبات دون محاكمة. وتمادى البعض ممن تملّكتهم مشاعر الانتقام - ومنهم محامون بكل أسف - فهاجموا أى محام يتولى الدفاع عن أحد أو بعض المتهمين فى القضايا العديدة التى يجرى التحقيق فيها حالياً بمعرفة النيابة العامة، أو التى تمت إحالتها للمحاكمة أمام المحاكم الجنائية المختصة، واعتبروا - تجنياً أو جهلاً - أن المحامى الذى يقبل الدفاع عن متهم من هؤلاء «أياً كانت تهمة هذا المتهم» هو مجرم أثيم، فصبوا عليه جام غضبهم، ولعنوه، وهددوه، ونالوا منه، ونعتوه بأحط وأزرى الصفات، وهم بذلك يخلطون بين المتهم والمحامى.

إن المحامى يا سادة لا يدافع عن الفساد أو عن الجريمة، لكنه يدافع عن متهم بفساد أو بارتكاب جريمة على ضوء الأدلة التى جمعتها النيابة العامة من خلال تحقيقاتها وتعرضها على المحكمة المختصة لمحاكمة مثل هذا المتهم محاكمة عادلة.

لقد قامت ثورة ٢٥ يناير لإعلاء سيادة القانون، وتكريس الحقوق والحريات، ولم تقم لإهدار القانون وهدم النظام القضائى، والفتك بحقوق الناس وحرياتهم.

إننا نحن المحامين ينبغى ألا نتخاذل عن أداء دورنا فى الدفاع تملقاً لرأى عام منفعل، أو خوفاً من بطش أو تهديد، فلطالما دافعنا عن متهمين فى قضايا لفقتها لهم السلطة وهى فى أوج قوتها، مثل قضية الدكتور أيمن نور، وقضية الدكتور سعدالدين إبراهيم، وقضايا الإخوان المسلمين، وغيرها. فلماذا نخاف اليوم ونحن فى عهد ينادى فيه الجميع بالذود عن الحقوق والحريات؟!

لقد كان العدل - كما كتب القاضى الدكتور سرى صيام، رئيس محكمة النقض فى مؤلفه القيْم المعنون: «الحماية القضائية لحقوق المتهم الإجرائية» - مبتغى الإنسان منذ كان، إليه كان دائماً سعيه، ومن أجله كان وسيظل كفاحه، وأشد الناس حاجة إلى عدالة القضاء من يوضع منهم فى موقف الاتهام، لما يحيط بنفسه فيه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية.

والدفاع عن المتهم رسالة سامية جليلة، خصوصاً فى ساحة القضاء، عندما يكون المتهم حبيساً فى قفص الاتهام لا يملك حراكاً.

وتحرص التشريعات المتحضرة - ومنها التشريع المصرى - على كفالة حق الدفاع على أقوى صورة. ومن هنا كان الهدف الأوحد لأى قانون إجرائى هو ضمان الوصول بسفينة الدعوى الجنائية إلى بر الأمان رغم ما قد يحيط بها من عواصف التضليل والبهتان، وما يتهددها من عوامل العثار أو الطغيان.

وذلك لا يتأتى إلا من خلال تحقيق محايد، ومحاكمة عادلة تظهر الحق من الباطل، وتقوم على دفاع حقيقى يساعد المحقق والقاضى لا المتهم وحده، ويلعب دوراً فعالاً فى تبيان الحقائق، وتبديد ظلمات كثيفة لو تُركت على حالها لدفعت بسفينة الدعوى الجنائية - ومن فيها - إلى الغرق، ولأساءت أبلغ إساءة إلى جلال القضاء وسمعة العدالة.

وضوابط كفالة حق الدفاع تمثل فى الواقع دستوراً حقيقياً للعدل القضائى، وأى تخاذل فيها أو اضطراب يمس مساساً مباشراً دعائم هذا العدل، كما ظفرت بها الإنسانية بعد طول نضال، وهى تمثل صرحاً قضائياً قبل كل شىء، ولذلك تلغى محكمة النقض العديد من أحكام الإدانة إذا شابها أو شاب إجراءات المحاكمة أى إخلال بحق الدفاع.

ودور المحاكمة هو أخطر أدوار الدعوى الجنائية، وهو يتميز بإجراءات دقيقة متعددة هدفها الوصول بسفينة العدل إلى بر الأمان وسط الأخطار التى قد تتهددها، ومنها خطر احتمال تسرع القاضى فى اقتناعه بالثبوت أو بالنفى بأدلة خادعة.

ذلك أنه إذا كان دور الدفاع فى التحقيق الابتدائى مقصوراً على التقدم بالدفوع والطلبات فإن دوره فى المحاكمة أخطر بكثير، إذ يصبح عليه فيها عبء ضخم جديد، هو مناقشة الأدلة المطروحة بعد إذ تم جمعها وتعزيزها قبل المتهم، مناقشة غالباً ما تكون عسيرة لأنها تتطلب منتهى الصبر والفطنة لإظهار أوجه الضعف أو التناقض التى قد تشوبها، فضلا عن أخطاء المبالغة والتسرع، بالإضافة إلى تعمد الكذب والتلفيق أحياناً «نقلاً بتصرف عن كتاب (المشكلات العملية المهمة فى الإجراءات الجنائية) للدكتور رؤوف عبيد -الجزء الأول - الطبعة الثالثة سنة ١٩٨٠ - ص ٥٠٥ وما بعدها».

وقد أرست محكمة النقض مبادئ قانونية عديدة فى هذا المجال، ووصفت حق المتهم فى الدفاع بأنه حق مقدس يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية.

ومن أعظم ما أرسته من مبادئ، فى هذا الصدد، قولها إن: الأصل أنه.... متى عهد المتهم إلى محام بمهمة الدفاع فإنه يتعين على المحكمة أن تستمع إلى مرافعته أو أن تتيح له الفرصة للقيام بمهمته.

وأن الأصل هو أن المتهم حر فى اختيار من يتولى الدفاع عنه. وحقه فى ذلك مقدم على حق المحكمة فى تعيين المدافع.

فإذا اختار المتهم محامياً فليس للقاضى أن يعين له محامياً آخر ليتولى الدفاع عنه، بل إن قضاء محكمة النقض ذهب إلى أبعد مدى فى تقديس حق الدفاع عن المتهم أمام المحكمة الجنائية، فاشترطت أن يكون هذا الدفاع الذى يبديه المحامى الحاضر مع المتهم دفاعاً حقيقياً وجدياً وكافياً يعين المتهم فى محنته، وكم من أحكام إدانة نقضتها محكمتنا العليا لمجرد أن الدفاع عن المتهم كان تافهاً أو لم يكن سوى دفاع شكلى يقصر عن بلوغ غايته، كما اشترطت أن يكون المحامى الذى يتولى الدفاع عن المتهم قادراً على هذا الدفاع، وأن يكون قد حضر بشخصه أو بمن ينوب عنه جميع إجراءات محاكمة المتهم من أولها حتى نهايتها.

وقد جزعت - مثلما جزع كثير من العقلاء - من مشهد الاعتداءات التى وقعت على بعض المتهمين لدى نقلهم إلى محكمة شمال القاهرة يوم الأربعاء الماضى، ومحاصرة المحامين المدافعين عنهم، ومحاولة إرهابهم وتخويفهم من جانب بعض المتجمهرين أمام مبنى المحكمة وحولها، ومن هنا أناشد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وزارة الداخلية اتخاذ أقصى درجات الحيطة والأمن لكفالة الأمن فى مثل هذه الأحوال، وكف الأذى عن المتهمين وعن المحامين المدافعين عنهم، حتى تتهيأ الأجواء المناسبة للمحاكمات العادلة. وحبذا لو أصدر السيد وزير العدل- وهذا جائز قانوناً - قراراً بنقل مقار تلك المحاكمات إلى مكان قصّى بعيد عن الزحام والاحتشاد.

وأناشد المتربصين والمهيجين ومن لا يلوون على شىء سوى التشفى والانتقام على حساب العدالة والقانون: اتقوا الله واهدأوا، ودعوا القضاء يعمل فى سكينة، حتى يأخذ العدل مجراه، واعلموا أنه إذا اتهم أحدكم بتهمة أياً كانت فلابد من محامين يدافعون عنه، وأعدكم بأن أكون أحد هؤلاء المحامين.

المصدر