أمينة قطب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أمينة قطب


النشأة

الشهيد كمال السنانيري زوج السيدة أمينة قطب

يمكننا أن نختصر تعريفنا بالسيدة الأديبة "أمينة قطب" أنها أخت عملاقين من عمالقة الفكر الإسلامي الحديث، هما: الأستاذ الشهيد سيد قطب، والأستاذ محمد قطب، وقد جرى في دمها من الأدب ما جعلها قاصة وشاعرة متميزة، وهي كذلك زوجة الداعية المسلم الشهيد كمال السنانيري الذي استشهد في 8 نوفمبر 1981م بمصر داخل معتقله.


ولدت "أمينة قطب" عام 1927م بقرية "موشة"، وهي من قرى محافظة أسيوط بصعيد مصر، ونشأت نشأة مباركة يحيطها الإيمان ويرعاها الرحمن برعايته، وكان للوالد الكريم الحاج "قطب إبراهيم" نصيب من التدين والمعرفة والوجاهة، انعكس على أولاده: "سيد"، و"محمد"، و"أمينة"، و"حميدة".


وكانت الأم كذلك ذات دين وخلق وفضل، وقد أحاطت بيتها بأحسن رعاية، وانتقلت "أمينة" بعد وفاة الوالد الحاج "إبراهيم" مع باقي أفراد أسرتها من أسيوط إلى القاهرة؛ حيث بدأت فصول أخرى جديدة من حياتها.


ملحمة الوفاء

إنَّ قصة زواج "أمينة" من الشهيد "السنانيري" لتبعث على الإجلال والعجب معاً، فقد تمَّ الرباط بينهما حين كان الشهيد كمال السنانيري داخل السجن. تقول السيدة أمينة: كان هذا الرباط قمة التحدي للحاكم الفرد الطاغية الذي قرر أن يقضي على دعاة الإسلام بالقتل أو الإهلاك بقضاء الأعمار داخل السجون.. لقد سجن الداعية الشهيد كمال السنانيري في عام 1954م، وقُدِّم إلى محاكمة صورية مع إخوانه لأنهم يقولون ربنا الله.. وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة (25 عاماً) ثم يعاد بعدها إلى المعتقل.

بعد أن قضى خمس سنوات من المدة، وفي أثناء ذهابه إلى مستشفى سجن ليمان طرة للعلاج، التقى هناك أخاها الشهيد سيد قطب، وطلب منه يد أخته "أمينة"، وعرض الشهيد الأمر على أخته أمر ذلك العريس الذي يقضي عقوبة المؤبد، وباق منها عشرون سنة، فما كان من الأخت إلا أن وافقت بلا تردد، على هذه الخطبة التي ربما تمتد فترتها لتستمر عشرين عامًا، هي الفترة الباقية لهذا الخطيب المجاهد حتى يخرج من محبسه الظالم،وأخذت عنوان الأخ وزارته في السجن وتمت الرؤية ثم عقد الزواج. وقويت الرابطة بينها وبين من خطبها من وراء الأسوار، وكانت زيارتها ورسائلها له تقوي من أزره وأزر إخوانه.

وتم العقد بعد ذلك، على الرغم من بقاء العريس خلف الأسوار المظلمة، وكأن "أمينة" بذلك تعلمنا معاني كثيرة؛ تعلمنا التضحية الفريدة، فقد كانت شابة ولم يفرض عليها أحد هذا الاختيار، إنها عشرون عامًا، ليست عشرين يومًا أو حتى عشرين شهرًا!!

وكأنها كذلك تذكر أولئك المجاهدين المحبوسين عن نور الشمس بالأمل والثقة في وعد الله واختياره، فمعنى أنها توافق على مثل هذا الارتباط بهذه الكيفية أنها ترى من النور في نهاية الظلمة ما يعينها على الصبر والتحمل، ولا ضير في ذلك، فهي شاعرة وقبل ذلك مؤمنة بالله، ربما بنت في خيالاتها أحلامها، ورسمت شمسها ونجومها، وهواءها ونسيمها، ولحظات سعادتها، فملأت عليها نفسها في عالم الروح قبل عالم الحقيقة.

وعندما زارته ذات مرة في سجن "قنا"، وكانت ترافقها شقيقته، حكت الشقيقة لأخيها ما تكبدتاه من عناء حتى وصلتا إليه منذ أن ركبتا القطار من القاهرة إلى "قنا" ثم إلى السجن، فقال لها: "لقد طال الأمد وأنا مشفق عليكم من هذا العناء، ومثل ما قلت لك في بدء ارتباطنا قد أخرج غداً وقد أمضي العشرين سنة الباقية، وقد ينقضي الأجل وأنا هنا، فلك الآن مطلق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحاً في أمر مستقبلك.. ولا أريد ولا أرتضي لنفسي أن أكون عقبة في طريق سعادتك، إنهم يفاوضوننا في تأييد الطاغية ثمناً للإفراج عنا، ولن ينالوا مني بإذن الله ما يريدون حتى ولو مزقوني إرباً. فلكِ الخيار من الآن، واكتبي لي ما يستقر رأيك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير.

وأرادت أمينة أن تُجيب خطيبها المجاهد، إلا أنَّ السجَّان أمرها بالانصراف، فقد انتهى وقت الزيارة. وعادت إلى البيت لتكتب له رسالة كانت قصيدة نظمتها له لتعلن فيها أنها اختارت طريق الجهاد.. طريق الجنَّة.. وقالت له: "دعني أشاركك هذا الطريق" .. وقالت له في بدايتها: "لقد اخترت يا أملاً أرتقبه طريق الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم"، فأي امتحان لصدق المودة والحب أكبر من هذا؟!. وكان لهذه القصيدة أثر كبير في نفس المجاهد.

ومرت السنوات الطويلة سبعة عشر عامًا، خرج الزوج بعد أن أفرج عنه عام 1973م، ليواصل مع "أمينة" الأمينة رحلة الوفاء والكفاح، وتمَّ الزواج، وعاشت أمينة معه أحلى سنوات العمر. وفي الرابع من سبتمبر سنة 1981م اختُطف منها مرة أخرى ليودع في السجن، ويبقى فيه إلى أن يلقى الله شهيداً في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وسُلِّمت جثته إلى ذويه شريطة أن يوارى التراب دون إقامة عزاء.. وأذاعت السلطات القاتلة الظالمة أنَّه انتحر!! ونشرت الصحف سبب استشهاده، فعزت ذلك إلى إسراف سلطات التحقيق في تعذيبه.

رحلتها مع الشعر

الموهبة أساس في أكثر الفنون، ولا سيما الشعر، وكما يقولون فالشاعر يولد ولا يصنع، وقد كانت "أمينة" من هذا النوع من الشعراء الذين يولدون ولا يصنعون، وبالإضافة إلى الموهبة الفطرية فقد كان لأحداث حياتها المختلفة انعكاسها على اهتمامها الأدبي، فنجدها قاصة متميزة، وإن غلبت كتابتها للقصة على كتابتها للشعر؛ حيث أبدعت أكثر من مجموعة قصصية، وقد نشرت عددًا من قصصها في المجلات المصرية، مثل: مجلة (الأديب)، ومجلة (العالم العربي)، ومجلة (الآداب)، وبالنسبة لإنتاجها الشعري فلها ديوانها: (رسائل إلى شهيد)، وقد كتبت أكثره في زوجها الشهيد "السنانيري"- رحمه الله.

وكانت "أمينة" قد بدأت كتابة الشعر منذ سن مبكرة، وكان الناقد الكبير والشقيق الأكبر سيد قطب يوجهها ويقوِّم إنتاجها، غير أنها انشغلت بكتابة القصة أكثر إلى أن كان ارتباطها بالشهيد كمال السنانيري، فتفجرت قريحتها عن ينابيع من الرسائل الشاعرية والشعرية.

أدبها مرآة لمأساتها

قالوا: إن الأدب مرآة للحياة، وربما صدقوا في جانب من هذا القول؛ لأننا لن نطلب من الأديب أن يؤرخ لحياته ومجتمعه في أدبه، ولكن متناثرات هذه الحياة في الأدب والإبداع تساعدنا في الكشف عن عناصر الغياب أو الرموز التي هي عماد من أعمدة الاستمتاع بالعمل الأدبي؛ سواء كان رواية، أو قصة قصيره ، أو غير ذلك من أجناس الإبداع، وهذا الأمر في الشعر له أهميته الخاصة لما للشعر من سمات إذا فقدها فقد الكثير، مثل: التصوير والتكثيف والرمز، وغير ذلك من الأدوات الفنية الخاصة بجنس الشعر، و"أمينة قطب" لا ينفصل أدبها عن أحداث حياتها، لكن هذه الأحداث في شعرها لا تتراءى صورًا تسجيلية متتابعة، بل هي بمثابة الوقود الذي يؤجج المشاعر، فتفيض بما أراد الله لها أن تفيض به من إبداع، ولا تدعي الشاعرة "أمينة قطب" أنها بلغت منازل الشعراء المفلقين أو النابغين الملهمين في الشعر، بل تعتبر ديوانها الذي كتبته تعبيرًا عن مشاعرها ظهر في صورة قول منظوم.

تقول: "ووجدتني فجأةً أعبر عن ابتلائي فيه- زوجها الشهيد كمال السنانيري- بهذه القصائد، بلا قصد ولا تدبير، ولم أملك في نفسي وسيلةً أخرى طوال عام كامل للتعبير عن فقده إلا بهذا القول المنظوم، هل لأن النثر لا يملك أن يواكب حرارة المشاعر وانطلاقها في مقابلة حادث شديد الوقع عميق الأثر في القلب والشعور؟ أم هي تلك الجذور للرغبة القديمة في أن أعبر عن مشاعري بكلام منظوم؟ أم هو ذلك الأثر الذي تركته في نفسه تلك القصيدة التي كتبتها له وهو في سجنه البعيد؟ أم هي محاولة ضعيفة للوفاء بوعدي له بأن أكتب وأبدأ بأي عطاء للطريق؟ لست أدري، ولكن هكذا كان .. وعلى أية حال، فأنا لا أعتبر هذه القصائد القليلة شعرًا في مجال الشعر الواسع المليء بالإبداع، ولكنها صورة من صور التعبير المنظوم أبت إلا أن تخرج على هذه الصورة ولونًا من ألوان المعاناة في حادث هائل في حياة قلب".

كانت هذه كلماتها، ومن حقها أن ترى شعرها كما شاءت، ومن حقنا كذلك أن نتحدث عن هذا الشعر من وجهة نظرنا كوننا نجتهد في تقييمه وبيان مثالبه أو جمالياته، ونلحظ في شعرها أنه يدور في أكثره حول موضوع واحد أو إنسان واحد هو زوجها الذي سبق، وإن ذكرنا أنها ضحت من أجله بالكثير ولاسيما سنوات انتظارها له.

حادث هائل في حياة قلب

هكذا يمكننا أن نقتبس من كلامها في الحديث عن ديوانها وقصائده المتنوعة، والتي تدور حول زوجها الشهيد ومعاناته في سجنه هو وأهل الحق، وصبرهم على الإيذاء والتعذيب، والصراخ في وجه الظالمين المتجبرين الذين لا يعرفون للإنسان أي قيمة وينتهكون كرامته، ونلحظ أنها لا تستسلم أبدًا لليأس أو القنوط من رحمة الله؛ لأنها ترى في استشهاد زوجها مكسبًا تتمنى أن تنال مثله, وترى في ذلك قربانًا من أجل دعوة الله، وضريبة يجب دفعها حتى تشرق شمس الحرية. إن استشهاد زوجها لا يمثل قضية ذاتية فقط؛ لأنها هي التي فقدته، وقلبها هو الذي يحترق، لم يكن الأمر كذلك دائمًا، بل استشهاد زوجها هو قضية أمة؛ لأنه مات من أجل هذه الأمة تمامًا، مثلما استشهد أخوها الشهيد "سيد" من قبل، ومثلما استشهد الكثيرون من إخوانه في عهد مظلم متجبر.

من نماذج شعرها المتميزة

مراثيها لزوجها

عرف الأدب العربي مراثي الأزواج لزوجاتهم، وهي تفيض ألمًا وحزنًا على فراق أحبتهم،غير أن رثاء الزوجات لأزواجهن نادر في الشعر العربي، وقد رثت "أمينة قطب" زوجها في أكثر من قصيدة في ديوانها "رسائل إلى شهيد" والذى يمثل صرخة استنهاض في وجه من تسميهم بـ"الخانغين" أو "القطيع"، أولئك الذين رضوا بالذلة والهوان .. وفيه مجموعة من القصائد جاءت كأنها رسائل وجهتها إلى الزوج الشهيد، وإلى السائرين على درب الحق رغم أشواك الطريق.. ففي قصيدة "في دجى الحادثات" تصف لقاء كيانين ألّفت بينهما العقيدة ووحَّد بينهما الإحساس المسؤول بثقل الرسالة وجسامتها ليتحركا في صبر الأباة المجاهدين صوب الهدف الذي أملاه الواجب الشرعي، تقول

هل ترانا نلتـــــــــــــــــقي أم أنها

كانت اللقيـــــــــــا على أرض السراب

ثم ولت وتــــــــــــــــــــلاشى ظلها

واستحالت ذكريــــــــــــــــات للعذاب

هكذا يســـــــــــــــــــــــــأل قلبي كلما

طالت الأيام من بعد الغيـــــــــــــــاب

فإذا طيفك يرنو باســـــــــــــــــــماً

وكأني في استمــــــــــــــــــاع للجواب

أولم نمضي على الحق معاً

كي يعود الخيــر للأرض اليباب

فمضيـــــــــــــنا في طريق شائك

نتخلى فيه عن كل الرغـــــــــــــــــــاب

ودفنا الشوق في أعمـــــــــــاقنا

ومضينا في رضــــــــاء واحتساب

قد تعاهدنا على الســـــير معاً

ثم آجلت مجيــــــــــــــــــباً للذهـــــــــــاب

حين نادني رب منــــــــــــــــــــــــعم

لي حياتي في جنــــــــــــان ورحاب

ولقاء في نعيـــــــــــــــــــــــــــــم دائم

بجنـــــود الله مرحا للصحــــــــــــاب

قدموا الأرواح والعمـــــــــر فدا

مستجيبين على غير ارتيـــــــــــــــاب

فليعد قلبك من غفـــــــــــــــــــلاته

فلقاء الخلد في تلك الرحــــــــــــــــاب

أيها الراحل عذراً في شكاتي

فإلى طيفــــــك أنات عتـــــــــــــــــــــــــــاب

قد تركت القلب يدمي مثــــقلاً

تائهاً في الليل في عمق الضباب

وإذا أطوي وحيداً حائـــــــــــــراً

أقطع الدرب طويـــــــلاً في اكتئاب

وإذا الليـــــــــل خضم موحـــش

تتــــــــــلاقى فيه أمــــــــــــــواج العذاب

لم يعد يبرق في ليــــــلي سنا

قد توارت كل أنـوار الشــــــــــــــــهاب

غير أني سوف أمضي مثلما

كنت تلقاني في وجه الصـــــــعاب

سوف يمضي الرأس مرفوعاً فلا

يرتضي ضعفاً بقول أو جـــوابي

سوف تحدوني دماء عابقات

قد أنــــــــارت كل فـــــج للذهـــــــــــــــاب

ولنستمع إليها في مناجاتها لزوجها بعد استشهاده، وهي تقول:

أنا في العذاب هنا وأنت بعالم

فيه الجــــــــــــــــــــــــــــزاء بجنَّة الديَّان

مارست من أجل الوصول عبادة

فيها عجائـــــــــــــــــــب طاقة الإنسان

كانت جهاداً في الطريق لدعوة

هي للأنـــــــــــــــــام هدى وخير أمان

إلى أن تقول:

هلّا دعوت الله لي كي ألتــــــــقي

بركابــــــــــــــــكم في جـــنَّة الرضوان

هلّا دعوتم في سماء خلودكم

عند المليــــــــــــــــــــــــــك القادر الرحمن

أن يجعل الهمّ الثقيل بــــــــــراءة

لي في الحساب فقد بقيت أعاني

هل ترانا نلتقي أم أنها كانت اللقيا علي ارض السراب ؟؟!! بهذه الكلمات التي خضبتها الدموع ودعت زوجها وشريك حياتها تلك الدموع التي وصفتها بأنها:("لم تكن قط دموع حسرة أو ندم، فحاشا لله أن تندم نفس مؤمنة على ما قدَّمت، أو على ما قدَّم الأحباب من عمل نال به صاحبه ـ بإذن الله ـ الكرامة بالشهادة في دين الله، ولكنه الفراق الطويل ومعاناة الخطو المفرد بقية الرحلة المكتوبة").

إنها امرأة مسلمة ، وهي مع إسلامها لا تخفي إنسانيتها بقوتها وضعفها ، ولا تكتم مشاعرها وأحاسيسها ، تستعلي على الواقع المؤلم حينا ، ويثقل كاهلها تحت الحمل المضني ، فتجأر بالشكوى ، ولكنها لا تسقط أرضا ، إذ تأتيها رافعةُ الإيمان التي تنتشلها من كبوة اليأس ، وتحصنها من عتمة القنوط .

وقفت "أمينة" ديوانها على زوجها، فهو إذًا أشبه برثائية كبيرة؛ وهو ما يذكرنا بـ"الخنساء" في رثائها لأخيها "صخر"؛ حيث رثته بأكثر أشعارها التي أبدعتها...

ولرثاء "أمينة قطب" لزوجها مذاقه الخاص الذي ينبع من كونها شاعرة وزوجة ومسلمة، ولها فكرتها التي تؤمن بها في الإصلاح والدعوة إلى الله

فهو رثاء للحبيب الذي استأثر بقلبها:

شاقني صوتك الحبيب على الها تف يدعو ألا يطول غيابي

شاقني أن تقول لي: طال شوقي قد غدا البيت موحشًا كاليباب

شاقني ذلك النـــداء حـنونًا فلتعودي لعالم الأحباب

شاقني أن تقول: حبك بـعــدًا لا تعيدي بواعث الأسباب

وهو الزوج المسلم الذي يعرف جيدًا كيف يعامل زوجته وفق منهج الله، فلا يخطئ في حقها أو يكدر عيشها، بل يفيض عليها من الود والرحمة:

قلبت في صفحات عمرك علني ألقى من الأخطاء ما ينسيني

إشراقة الوجه الحبيب على المدى منذ التقينا من عديد سنين

فتشت على الذكريات تصدني عنها وتهجرني دموع أنيني

فبحثت في عهد الشباب فلم أجد عملاً معيبًا مخجلاً لجبين

عف اللسان وعن حديث هابط تنأى وتبعد مؤثرًا لسكون

وهو المجاهد الذي بذل روحه من أجل مجد الدين الحنيف:

ما تخيلت عالمي وحــياتي قد تغشاهما صقـيع المــنون

غير أن الرحـيل كان سريعًا لا يبالي بما بـدا فـي ظنوني

وإذا القلب والديــار خـواء يبعث الليل في دجـاها شجوني

وطيوف الذكرى تروح وتغدو في حريق للقلـب يدمي جفوني

أتعزى بالـذكــر أن "كمالاً" قد شرى بالحياة مجــدًا لديني

لم يمت ميتة الضعيف فيمسي كل ذكـر لمــوته يخــزيني

غير أن الفراغ من كل شـيء كان لابد ثـقـلـــه يـضنيني

تلك نماذج من صفات الزوج الحبيب، وللشاعرة في ديوانها الكثير من الصفات الطيبة التي اتسم بها هذا الزوج الوفي، وتصب كلها في معاني الشجاعة والبسالة، والصبر والإيمان، والجهاد والتفاني.

وإذا فتشنا في شعرها عن أثر فقدها لزوجها وجدنا منه الكثير، ويتراءى هذا الفقد في مخيلتها طوال الوقت، ويملأ جنبات نفسها كذلك، وأحيانًا ينعكس على ما حولها من موجودات، حتى الجمادات أحست مع الشاعرة وتأثرت بهذا الفقد؛ وهو ما يوحي بشدة الأثر الذي خلفه غياب الزوج الحبيب عن زوجته.

فهي في عذاب بسبب بعد زوجها عنها، لقد كان معينها في رحلة الجهاد، وكان الأمل الذي يهون عليها مشاقها، لكنه الآن في عالم آخر:

أنا في العذاب هنا وأنت بعالم فيه الجزاء بجنة الديان

وتأتي ليلة القدر فتتذكر الشاعرة زوجها، وقد قلبت هذه الليلة المباركة عليها المواجع؛ وهو ما يوحي بذكريات كانت لهما معًا في طاعة الله، ثارت مشاعر الزوجة تحنانًا لها:

ليلة القدر خبريني بمـــاذا سوف ألقاك.. كيف أخفي شجوني

كيف أخفي الهموم والقلب باك وغـزير الـدمــوع ملء جفوني
وطيوف الذكرى تُعيد الليـالي في خيـــالي وعالـمي المحزون

وفي قصيدتها: "الباب المغلق" تتحدث الشاعرة عن باب بيته الذي أخذ منه ولم يعد:

طـال شوق المفتاح والباب يرنو ويعاني صمتًا مـريرًا كئيبا

في انتـظار قد طـال منذ شهور لم ير الطارق الـودود الحبيبا

كلما طـاف بالمـكان أنــاس راح يرنو مـعذبـًا مكـروبا

عل فيـهم ذاك الـذي كان يغدو أو يـرى ذلك الحـبيب مجيبا

مراثيها لإخوها الشهيدسيد قطب

أخوها الشهيد سيد قطب

قالت تناجى أخاها الشهيد سيد قطب فى ذكرى استشهاده فقالت :

فأهتف يا ليتنا نلتقي كما كان بالأمس قبل الأفول

لأحكي إليك شجوني وهمي فكم من تباريح هم ثقيل

ولكنها أمنيات الحنين فما عاد من عاد بعد الرحيل

ولكنني رغم هذي الهموم ورغم التأرجح وسط العباب

ورغم الطغاة وما يمكرون وما عندهم من صنوف العذاب

فان المعالم تبدي الطريق وتكشف ما حوله من ضباب

وألمح أضواء فجر جديد يزلزل أركان جمع الضلال

وتوقظ أضواؤه النائمين وتنقذ أرواحهم من كلال

وتورق أغصان نبت جديد يعم البطاح ندي الظلال

فنم هانئا يا شقيقي الحبيب فلن يملك الظلم وقف المسير

فرغم العناء سيمضي الجميع بدرب الكفاح الطويل العسير

فعزم الأباة يزيح الطغاة بعون الإله العلي القدير

رأي في ديوانها

جاءت قصائد الديوان في موضوعاتها معبرة عن حالة من حالات الفقد المستمر الذي لم ينقطع طوال حياة الشاعرة؛ سواء فقد المعتقل أو الموت بعد ذلك، فهو كما سبق أشبه برثائية كبيرة لزوجها، والذي استأثر بأغلب قصائد الديوان.

والشاعرة في أوزانها وقوافيها ملتزمة بالشكل التقليدي الأصيل، أو ما يطلق عليه "القصيدة العمودية"، ونرى لديها بعض القصائد التي تعتمد التنويع في القوافي بعد كل عدد معين من الأبيات.

وفي الديوان العديد من الصور المتميزة، وتغلب عليه الروح الرومانسية، خاصةً في تدفق الأبحر وهدوئها؛ وهو ما يذكرنا بأشعار الشهيد سيد قطب عليه رحمة الله، ويبدو تأثرها به واضحًا في العديد من ألفاظ المعجم اللغوي الذي كان يستخدمه الشاعر الشهيد "سيد قطب"، ولا ضير في ذلك، فللشاعرة تميزها روحها الخاصة بها في شعرها.

ويوجد في الديوان عدد من القصائد كذلك هي أشبه بقصائد البدايات؛ حيث لا نجد التصوير المتميز أو الروح الشاعرية المتدفقة المتوافرة في نماذج أخرى لدى الشاعرة، وربما يرجع هذا الأمر إلى أن الشاعرة لم تجعل الشعر اهتمامها الأول، كما نفهم من كلامها السابق.

خاتمة

كانت تسأل الله تعالى الثبات والمغفرة، وأن لا يطول عيشها في دنيا الفناء، فهناك نعيم الله أبقى، وهناك العيش السعيد مع الأتقياء والمجاهدين، فتقول:

فاغفر الأمنيات يا ربّ عفواً

وأعنّي دوماً ببــــرد العزاء

لا تدعني للحزن يطمس قلبي

لا تدعني أعيش دنيا الفناء

واجعل الحبّ للبقـاء المرجّى

في نعـــــــيم بعالم الأتقــياء

برضــاء أناله مـــــنك يا ربّ

وأحيا في فيضــــه بالسماء

وقد استجاب الله دعائها فرحلت عن عالمنا إلى جنات الخلد إن شاء الله لتلتقي هناك بزوجها وأخيها الشهيد رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته

وفاتها

  • رحلت عن عالمنا بعدما قدمت لدينها ودعوتها الكثير وكانث مثالا تركت في نفوس الجميع بصمات حيث توفيت في 8/ 11/ 2007م الموافق 27 شوال 1428هـ،

وصلات داخلية

أ. كمال الدين السنانيري.. الداعية المجاهد

خواطر الى (سيد) في ذكرى استشهاده ..قصيده بقلم. امينة قطب

"أمينة قطب".. شاعرة تجرعت ألم الفراق

أمينة قطب.. شاعرة الشهادة والمعتقل!!

الأديبة: أمينة قطب

زوجات الاخوان دروس فى التضحية والثبات

ذكريات تلميذة البنا مع الأخوات الأوائل

محمد كمال الدين السنانيري


للمزيد عن الإخوان المسلمون والمرأة

من أعلام الأخوات المسلمات

.

.

أقرأ-أيضًا.png

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات أخرى

وصلات فيديو

.