أمة الفكر والعزم.. هل تتقدم المسيرة؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:٣٠، ١١ يونيو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (حمى "أمة الفكر والعزم.. هل تتقدم المسيرة؟!" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أمة الفكر والعزم.. هل تتقدم المسيرة؟!
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

يقرر العلماء والباحثون أن الحضارات هي نتاج عقل ذكي ملهم، وثمرة تفكيرعميق مشرق، فلولا اليقظة العقلية ما اهتدت الإنسانية إلى قوانين الحياة، وعلل الوجود وسنن الكون التي بثها الله فيه، وما ارتقت خطوةٌ واحدةٌ إلى التقدم العلمي، ولبَقيت على الحالة التي خُلِقت عليها دون أن تتغيَّر أو تتطور.

ولكن العقل الذكيَّ استطاع بمحاولاته المظفرة أن ينطلق من إساره ويحطم القيود التي فُرِضت عليه زمنًا طويلاً، فأمكنه أن يستخرج من الأرض كنوزها، ويتغلب على جدبها، ويزيد من إنتاجها، ويقرب مسافاتها البعيدة وأطرافها المترامية، ويخفف من أمراضها الفتاكة، ويكتشف الكثير من أسرارها في البر والبحر والجو، تلك التي فسرها قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ (فصلت: 53).

وكان كل هذا من وظائف العقل الذي من مهامه التفكر والتأمل والنظر فيما خلق الله- سبحانه وتعالى- فإذا بطلت وظائفه أو تعطلت أو ترهَّلت ضاعت كل هذه الثمار الطيبة، وجمدت كل هذه الآثار الكريمة، وتبع ذلك توقفُ نشاطِ الحياة؛ مما يتسبب عنه الجمود والموت والفناء: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ (يوسف: 105).

من أجل هذا أراد الإسلام للعقل أن ينهض من عقاله، ويفيق من سباته، فدعاه إلى النظر في الكون والتفكر في أسراره، بل دعاه واعتبر ذلك من عبادة الله سبحانه﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ (سبأ: 46)، ونقل ابن حبان عن علي- رضي الله عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا عبادة كالتفكير"، وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- "فكر ساعة خير من قيام ليلة".

فالأمة الإسلامية محفوظة بدينها وعقيدتها ودعوتها التي دعتها إلى النهوض والتفكر وفتح الآفاق العقلية والفكرية؛ لتغترف من أسرار الكون وآيات الله فيه؛ لتحيا حياةً حقيقيةً:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال:24).

والإسلام يإطلاقه الفكر يستخرج إبداعات الإنسان لتستفيد من إبداعات الله في الأكوان؛ ولهذا عند نزول قوله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران:190،191) قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ويل لمن قرأها ولم يفكر فيها".

وحذر الإسلام من المرور على الآيات والدلالات الإبداعية في الكون مرَّ الكرام، لا يفتحون لها عقلاً، ولا يُعمِلون فيها فكرًا، وجعلها من صفات الكافرين ﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ (الأنعام:4)، وتعطيل العقل عن وظيفته يهبط الإنسان إلى مستويات الحيوان، وذلك هو الذي حالَ بين الأقدمين وبين النفوذ إلى حقائق وأسرار الكون.

والذين يجحدون نعمة العقل ولا يستعملونه فيما خُلِق من أجله يغفلون دائمًا عن آيات الله، ويلاقون من ذلك الازدراء والتحقير في الحياة الدنيا وفي الآخرة، بل يكونون من وقود النار كما يعبِّر اللفظ القرآني، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ﴾ (الأعراف: 179).

حقيقةً لقد أعطى الإسلام أمتَه ما يجعلها خيرَ أمة أُخرجت للناس، ويجعلها تُمسك بمفاتيح الحضارة والإنسانية والتقدم العلمي والتقني، وحقيقةً أيضًا أعطاها الرسالة التي لا يوازيها بالإبهار والاتقان والإنجاز شيء، ولا تقف أمامها دعوة أو فكرة أو مذهب من المذاهب، واستطاعت بهذه الرسالة أن تبعث النور والضياء إلى العالمين، وأن يشعَّ نورها في الآفاق والدروب والقلوب، وقد ضربت المثل في ذلك بحضارتها الزاهرة، وعملها النابه، وثقافتها العظيمة، ولكن: أين هي الآن؟ وأين رجالها ودولتها ودعاتها ومكانتها؟! إنها أسئلة كثيرة تُطرح على مسامع الدنيا أين المسلمون.. أين المسلمون؟!

ينبغي أن تحمل الأمة مصحفَها من جديد، وتسير وراءَ رسولها كما سارت، وتحمل تراثها وتنهض به كما تعلمت، وتفتح آفاق فكرها وتشحذ أسلحة بصائرها، وتنبذ الغباء والكسل حتى يعلم الله منها الخير ويرى فيها الجد فيؤتيها الفلاح والرشاد، وإلا فالهلاك والدمار ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (الأنفال: 22-23).

وحياة القطيع لا تَبني مجدًا ولا تُبقي عزًا، ولا ترفع رأسًا، حياةُ القطيع تأكل وتشرب كما تأكل الأنعام وتشرب، وتتشابه المهمات، فلا تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا، يسوقها راعٍ بالعصا، ويقهرها الجلادون بالمقاطع، ولا تستطيع أن ترفع رأسًا، أو تفتح فمًا، وصدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم، فقد تودِّع منها".

إن أمتنا اليوم تحتاج إلى روح جديدة، وإلى عقل جديد، بعد أن أغلقت كل منافذ التفكير السليم والإحساس النابه، وتحتاج إلى عزم حديد وبأس شديد؛ حتى تلحق بالأمم الناهضة، وكل ذلك ميسور في إسلامها ودينها وعقيدتها، فهل تتقدم وتبدأ المسيرة؟! نسأل الله ذلك.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى