أماني أبو الفضل: المرأة عبر التاريخ الإسلامي مارست السياسة
مقدمة
- المجلس القومي لم يساند جيهان الحلفاوي لأنها إسلامية
- خروج المرأة للعمل السياسي محكومٌ بضوابط أخلاقية وشرعية
- العملية السياسية عندنا فاسدة لأن فئةً معينةً تحتكرها
- الوعي السياسي لدى المرأة عملية تراكمية تبدأ من سن الطفولة
تتعالى الصيحات المطالِبة بإعطاء المرأة المصرية حقَّها الدستوري، الذي كفله لها الدستور منذ العام 1957، وهو حقُّها في المشاركة السياسية، سواءٌ كانت ناخبةً أو نائبةً أو وزيرةً، ورغم تلك الصيحات إلا أنه عندما تمَّ ترشيح السيدة جيهان الحلفاوي كأول مرشحة إسلامية بالبرلمان المصري تنكَّرت الأصوات التي تدَّعي الدفاع عن حقوق المرأة لـ"جيهان"، رغم المضايقات الأمنية التي وصلت إلى حد اعتقال زوجها ومساومته.
ولعل هذا الموقف السلبي لجمعيات المرأة في مصر يضعُنا أمام تساؤلاتٍ عدة، منها: هل هذه الأصوات تبغي مشاركةً حقيقيةً للمرأة المصرية في الحياة السياسية؟ أم أنهم يريدون مشاركةً شكليةً؟ والدليل أنهم لم يتفاعلوا مع قضية منع الحلفاوي من الوصول لقبة البرلمان بكل الطرق وأخسها!!
ولذلك كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة أماني أبو الفضل- الأستاذة بجامعة القاهرة والناشطة في مجال العمل النسائي- لتٌميطَ اللثام عن خبايا قضية مشاركة المرأة المصرية في الحياة السياسية ومناطق صنع القرار السياسي على كافة الأصعدة.
- بدايةً ما جدوى مشاركة المرأة في العمل السياسي؟
- مشاركة المرأة في العمل السياسي حيويٌّ وضروريٌّ؛ لأن المرأة نصفُ المجتمع، فمن يمثِّل هذا النصف إن لم تقم المرأة بتمثيل نفسها؟! علمًا بأن الرجل لا يملك الحساسيةَ الكافية ليستشعرَ احتياجات النساء عمومًا، سواءٌ كانت أمًا أو فتاةً أو امرأةً عاملةً، بالإضافة إلى أن تمثيل المرأة لنفسها في الحياة السياسية فيه تفجيرٌ لإمكاناتها، ومما لاشك فيه أن هناك نساءً مبدعاتٍ في هذا المجال، كما يوجد رجالٌ مبدعون.. فلماذا يُحرَم المجتمع من هذه الطاقات السياسية في حالة منع النساء من العمل السياسي؟!
- هناك بعض الحركات الإسلامية تحرِّم العمل السياسي على المرأة وتُقصِر دور المرأة داخل البيت.. ما رأيك في ذلك؟
- لا شك اأن دور المرأة داخل البيت مهمٌّ للغاية؛ لأنها المدرسة التي يتعلم فيها الأطفال المبادئ الأولى في الحياة، فاهتمام المرأة ببيتها وزوجها يعتبر عاملاً من العوامل التي تساعدها في العمل السياسي، أما الذين ينادون بحصر المرأة في هذا الميدان (البيت) فهذا اختيارٌ خاصٌّ بأصحابه، أما نحن فنؤمن بأن المرأة المسلمة عبر التاريخ الإسلامي كانت تمارس العمل السياسي، ودليل ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها ومشاركتها في العمل السياسي.
- وعلينا أن ننتبه إلى تلك التيارات التي تحرِّم ممارسة العمل السياسي على المرأة، ونحاول فهمَ مآربِها، والتي نعتقد أنها تبغي من وراء ذلك حرمان الرجل أيضًا من هذه المشاركة، وهذه الفئة تخدم مصالح الديكتاتوريات التي تريد أن تنحِّي الناس عن العمل السياسي باسم الدين، والذي لا يعرفه هؤلاء هو أن مشاركة المرأة في أي عمل خدمي داخل المجتمع يعدُّ مشاركةً سياسيةً.
ضوابط المشاركة
- هل معنى ذلك أن المرأة تشارك في العمل السياسي داخل المجتمع بقدر ما يناسبها؟
- نعم.. فالعمل السياسي مجالاتُه كثيرة، فالاشتراك في أنشطة الأحزاب والجمعيات الأهلية
- والتصعيد والترقِّي داخل الوظائف كل ذلك يُعدُّ عملاً سياسيًّا، بالإضافة إلى الترشيح للمجالس الأهلية الاجتماعية التي تعمل على محاربة الفقر أو مساعدة الشباب على الزواج.. كل هذه الأعمال تساعد على الحراك السياسي للبلد؛ ولذلك تُعد نشاطًا سياسيًّا.
- ونحن هنا عندما نقول بمشاركة المرأة في العمل السياسي لا نعني ألا تكون هناك ضوابطٌ شرعيةٌ تحكم تحركاتها، فنحن لا نطالب بإحداث فوضى أخلاقية كما يدَّعي أصحاب مذاهب المنع، فخروج المرأة للعمل السياسي محكومٌ بضوابط أخلاقية وشرعية، التي منها احترام الزي الشرعي، ومنع الخلوة، ومراعاة الآداب الإسلامية.
- ما المعوِّقات التي تَحُول بين المرأة وبين الممارسة السياسية؟
- أعتقد أن العقبة الرئيسة التي تقف أمام المرأة والرجل على السواء فيما يخص العمل السياسي هي غياب الحرية والديمقراطية، فالعملية السياسية عندنا فاسدةٌ؛ حيث تحتكرها فئةٌ معينةٌ تحاول بكل الطُرُق صدَّ الناسِ عن العمل بالسياسة؛ ولذلك فإن الكثير من النَشِطات في مجالات العمل النسائي يتعرضن لاضطهاد شديد، ولا يجدْن من يساعدهن لاقتحام هذا الميدان؛ ولعلَّ نموذج جيهان الحلفاوي وما تعرضت له من إيذاءٍ خيرُ دليلٍ على ذلك.
وعود واهية
- ما تقييمكِ لتجربة جيهان الحلفاوي؟
- السيدة جيهان الحلفاوي أقامت الحجة، وردَّت على القائلين بأن المرأة تُحجَم عن العمل السياسي نظرًا لعجزِها وعدم وعيِها بالحياة السياسية، ولكنَّ الواقعَ قال عكسَ ذلك، فقد اكتسَحَت جيهان الحلفاوي الانتخابات ونالت أصواتَ دائرتها رغم اعتقال زوجها وإلقاء القبض على كل من كان يقف بجوارها.
- أين وعود المجلس القومي للمرأة بتقديم الدعم لكل النساء المرشحات للبرلمان؟
- المجلس لم يقدم دعمًا إلا للمرشحات المرضيِّ عنهن، وخاصةً من الحزب الوطني، أما جيهان الحلفاوي فنظرًا لتوجهها الإسلامي فإنها لم تلقَ دعمًا من هذا المجلس أو غيره، وأعتقد أن المرأة المشارِكة في الحياة السياسية لا تحتاج إلى دعمٍ، ولكنها تحتاج لديمقراطية حقيقية لا تَحُول بينها وبين ممارسة حقوقها الدستورية، فلو تحققت الديمقراطية بهذا المعنى لرأينا مشاركةً واسعةً للمرأة في هذا المجال.
- البعض يرى أن النساء اللاتي دخلن البرلمان لم يقدمن النموذج المشجِّع للمشاركة الفاعلة.. فما ردكم على هذا الادعاء؟
- نعم.. التجربة السياسية للمرأة تحتاج إلى مراجعة، فقد بدأت هذه التجربة مع ثورة يوليو، وعلى مدى 50 عامًا نجد القليل جدًّا من التجارب النسائية الناجحة في العمل السياسي، سواءٌ في العمل داخل دوائرهم أو في البرلمان أو في مراكز اتخاذ القرار السياسي على مستوى الوزارات؛ لأن الأكثرية للأسف جاءت بالتعيين بنظام الحصص النسبية؛ ولذلك لا تجد لهم صوتًا داخل البرلمان.
- وكذلك قد تُختار المرأة لتتبوأَ بعض المناصب المهمة في الدولة، وأغلب هذه التجارب اتسمت بعدم النضج، ولكنَّ هذا لا يمنع أنه كان هناك نسبةٌ ضئيلةٌ من البرلمانيات اللاتي يتمتعن بحسٍّ سياسي كامل ومشاركة فعَّالةٍ في المجتمع تدل على نضج سياسي حقيقي، وأنا شخصيًّا أتذكر السيدة راوية عطية عن دائرة الدقي، وكانت رغم كبر سنها نشيطةً نشاطًا غير طبيعي؛ حيث كنا نجدها وسط الحي تحاور الناس وتتكلم عن المشاكل وطريقة حلها.
التدرج
- كلامك هذا يجعلنا نتساءل عن السن المناسبة لممارسة المرأة العمل السياسي؟
- راوية عطية التي تكلمت عنها ظلت تمارس العمل السياسي إلى 70 سنة، وظلت يراها الناس وتراهم، وهذا يؤكد أن ممارسة العمل السياسي لا سنَّ له، ولكني أعتقد أن السنَّ المناسبة لممارسة كل أنواع العمل التي تأخذ المرأة خارج بيتها والتي تحتاج إلى التركيز هي المرحلة من الثلاثينيات والأربعينيات، وهذا هو سنُّ النضج السياسي؛ لذلك فإن شرط الترشح للبرلمان ألا يقل عمر الفرد عن 30 سنة، وأعتقد أن ذلك مناسب للمرأة؛ ولذلك أدعو جميع النساء إلى التدرج في العمل السياسي، فلنبدأ بنشاط محدود في الجمعيات الأهلية داخل الحي، ثم لننطلق بعد ذلك إلى ساحة أكبر؛ حتى نأخذ الخبرة التدريجية للممارسة السياسية.
- هل مشاركة المرأة في الحياة السياسية يترك انطباعاتٍ معينةً على شخصيتها سلبًا أو إيجابًا؟
- العمل السياسي مثل جميع الأعمال، عندما يختل فقه الأولويات لدى المرأة تقع المشاكل؛ ولذلك يجب أن تسأل نفسها أولاً أين يقع زوجُها وأطفالُها من خريطة حياتها، فإذا كانت الإجابة بالسلب فإن ذلك سيؤثر عليها ولن يعطيَها فرصةً للإبداع في الممارسة السياسية، أما إذا كانت الإجابة بالإيجاب وحرصت على إيجاد توازن بين حياتها الأسرية والأنشطة المتعددة لها في المجتمع فإن ذلك سيضيف إليها قوةً في الشخصية، وقدرةً على مواجهة المشكلات، إضافةً الى عمقٍ في الشخصية والتفكير.
التربية السياسية
- هل المرأة بحاجة لإعداد خاص حتى تكون قادرةً على ممارسة العمل السياسي؟
- عملية زيادة الوعي السياسي لدى المرأة عملية تراكمية تبدأ من سن الطفولة، فالطفلة يجب أن ترى انتخاباتٍ نزيهةً داخل المدارس وأن تشارك؛ لأنها عندما ترى مثل هذه الانتخابات ستُرسِّخ عندها ضمنًا المشاركة السياسية، وكذلك الطفلة عندما ترى الأب له مرشح مفضل، ويتحدث إلى إلام بصوتٍ عال عن أسباب تفضيله لهذا المرشح دون غيره، فهذا نوعٌ من التربية السياسية.
- التزوير في بلادنا رائحته تزكم أنوفنا منذ الصغر.. ألا يلعب ذلك دورًا سلبيًّا في التنشئة السياسية؟!
- إنني كأستاذة جامعية أرى بنفسي عملياتِ تزويرٍ فاضحةً داخل أسوار الجامعة، وهذا يؤدي بدوره إلى عزوف الطلبة عن ممارسة السياسة وخلق حالة من اللامبالاة السياسية، سواءٌ عند النساء أو الرجال، وأعتقد أن بعض الدوائر السياسية تريد أن تحتكر الممارسة السياسية عمومًا؛ لذلك تقوم بشطب جميع الطلبة المرشحين، سواءٌ كانوا طلبةً أم طالباتٍ، وهذا لا يساعد على إيجاد أفراد لديهم الخبرة السياسية التي تؤهِّلهم لقيادة المجتمع بعد ذلك.
- بعض الجمعيات النسائية تنادي بالمشاركة السياسية للمرأة، ولكنَّ هاجسَ اتصالِها بجهاتٍ غربية يبقى معوقًا أمام تفاعل المرأة معها.. فمع مَن تتعامل المرأة المصرية؟
- مطلبُ إعطاء المرأة نسبةً عادلةً مطلبُ الجميع، فهو مطلبٌ عامٌ من الداخل والخارج، ولكن هناك فئةٌ معينةٌ من الجمعيات الأهلية فرضت أجندةً مصنوعةً ومنقولةً، ومن ضمنها قضية تمثيل المرأة، والتي هي جزءٌ من سلسة مطالب لهذه الجمعيات تتجاوز قيمنا الإسلامية، فمسألة إعطاء المرأة نسبةً عادلةً في العملية السياسية هو مبدأٌ محلُ اتفاقِ الجميع، ولكننا نرفض الطريق الذي تسلكه هذه الجمعيات؛ ولذلك أدعو لإنشاء جمعيات نابعة من المجتمع، وتعبر عن قضاياه بشكل يتناسب مع قيمنا.
المصدر
- مقال:أماني أبو الفضل: المرأة عبر التاريخ الإسلامي مارست السياسةإخوان أون لاين