أخر ما تحدث به الإمام البنا في جموع الإخوان بمناسبة مرور عشرين عامًا على تأسيس الجماعة
مقدمة
(الْحَمْدُ للهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43].
أيها الإخوة الفضلاء الأعزة الأحبة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من عند الله مباركة طيبة
فإنى أنتهز فرصة هذه الذكرى العزيزة الغالية فأتقدم إليكم جميعًا مهنئًا بما كتب الله لكم من توفيق، وما أجراه على أيديكم من خير، وما اختصكم به من ثبات على كلمة الحق مهما تقلبت الحوادث وطالت الأعوام (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ)[إبراهيم: 27].
كما أتقدم إليكم بعد ذلك مذكرًا بخصائص دعوتكم بين الدعوات، وعظيم تبعتكم فى هذه الأوقات لعل فى هذه التذكرة توجيهًا وتبصرة، والذكرى تنفع المؤمنين.
فاذكروا -أيها الإخوان- دائمًا أنكم الكتيبة المؤمنة التى انتهى إليها فى هذا العصر المادى المظلم بالشهوات والأهواء والمطامع واجب الدفاع عن كلمات الله ورسالاته، والمحافظة على أحكام شريعته وآياته، ودعوة الإنسانية التائهة فى بيداء الحيرة إلى الصراط المستقيم من هدى الله وكلماته، فأنتم بذلك تهتفون بأكرم دعوة، وتنادون بأقدس منهاج، وصدق الله العظيم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ*صِرَاطِ اللهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُور)[الشورى: 52-53].
أيها الإخوة الفضلاء الأعزة،
إن العالم الآن تتجاذبه شيوعية روسيا من جانب، وديمقراطية أمريكا من جانب آخر، وهو بينهما مذبذب حائر لن يصل عن طريق إحداهما إلى ما يريد من استقرار وسلام، وفى أيديكم أنتم قارورة الدواء من وحى السماء، فمن الواجب علينا أن نعلن هذه الحقيقة فى وضوح، وأن ندعو إلى منهاجنا الإسلامى فى قوة، ولن يضيرنا أن ليس لنا دولة ولا صولة؛ فإن قوة الدعوات فى ذاتها، ثم فى قلوب المؤمنين بها، ثم فى حاجة العالم إليها، ثم فى تأييد الله لها متى شاء الله أن تكون مظهر إرادته وأثر قدرته ورحمته (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ)[القصص: 5-6].
وهذا هو واجبكم الأول فاعلموه، واثبتوا عليه، وجاهدوا فى سبيله، ولكم النصر -إن شاء الله. وإن الأربعمائة مليون من المسلمين الذين تمتد مواطنهم من المحيط الهادى شرقًا إلى المحيط الأطلسى غربًا لن يظلوا أبدًا عبيد الاستعمار الغربى الذى ضرب عليهم فى غفلة من الزمن، وترادف من المحن، بعد أن أبصرت عيونهم النور، وتطورت الأوضاع العالمية هذا التطور الكبير، وإن كل شبر أرض فيه مسلم يقول:
"لا إله إلا الله محمد رسول الله" هو جزء عزيز من وطننا، ونطلب له الحرية والتخلص من نير الاستعباد الأجنبى الظالم، ونكافح فى سبيل ذلك بكل ما أوتينا من قوة، وإن هذا الوطن من حدود إندونيسيا شرقًا إلى حدود الدار البيضاء غربًا يجب أن ينعم بالحرية والوحدة والإسلام فى ظلال الروابط والنظم والأوضاع التى قررها له القرآن الكريم، وهداه إليها الإسلام الحنيف، دينه وعقيدته ونظامه وشريعته.
ولقد كان من حسن حظنا أن نشهد ذلك العصر الذى تقف فيه اليهودية العالمية متحدية الأمم العربية والإسلامية.
معتدية على مقدساتها بالحديد والنار. وإنا لنقبل هذا التحدى معتقدين أن الله تبارك وتعالى قد ادخر لنا فضل مقاومة هذا العدوان والقضاء عليه، وتطهير العالم كله من شروره وآثامه بإذن الله.
وهذا هو واجبنا الثانى، النضال للقضاء على الاستعمار الغربى واليهودية العالمية، فاثبتوا عليه -أيها الإخوان- وناضلوا فى سبيله حتى يفتح الله بينكم وبين الناس بالحق وهو خير الفاتحين.
أيها الإخوان الأعزة الفضلاء:
إذا كان الكثير من ساسة الأمم العربية والإسلامية وقادتها من تلامذة هذه المدرسة الاستعمارية قد أضاع علينا كل ما أتاحته الحرب الماضية لنا فى فرص ومناسبات؛ لما طبعتهم عليه عوامل البيئة الاستعمارية التى عاشوا فى ظلها من:
فقر فى المواهب، وخوف من الغاصب، وفقدان للثقة بالنفس وبالله وبقوة الشعب، وحرص على الاستفادة والتزيد من الجاه والمال والمنصب، وحقد وحسد واختلاف وتردد وإحجام عن أداء الواجب، وفرار من الجهاد، إلى إعطاء الدنية وإيثار أساليب الدعة والاستسلام، فإن عليكم أنتم -وقد استروحتم نسمات العزة من الإيمان بالله، واستمددتم أرفع معانى القوة من تأييده ونصره- أن تتداركوا ما فات، وأن تصلحوا ما أفسد البشوات والخواجات، والله معكم وهو لأعدائكم بالمرصاد،
(وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[البقرة: 143]، وإنا لا نجهل ما بين أيدينا من صعاب، ولا ما أمامنا من عقبات، ولكنا نعلم كذلك أن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ومهزوم من يحارب الله ويغالب القدر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
لقد تحدثت فى البيان الصحفى عن كثير من الحوادث والمواقف والآراء فارجعوا إلى ذلك إن شئتم، ففيه إيضاح لرأى الإخوان فى كثير مما يشغل الأذهان الآن.
وفى ختام هذه الكلمة أذكركم بأن الله ميزكم بالانتساب إلى الدعوة، فاحرصوا على التميز بآدابها وشعائرها بين الناس، وأصلحوا سرائركم، وأحسنوا أعمالكم، وكونوا مثال التآخى والتعاون والتآزر فيما بينكم، واستقيموا على أمر الله تبارك وتعالى، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وتوجهوا بالنصيحة فى رفق ولين إلى الناس أجمعين، واستعدوا للبذل والاحتمال والجهاد بالنفس والمال، وأكثروا من تلاوة القرآن الكريم، وحافظوا على الصلوات فى الجماعات، واعرضوا عمن تولى عن ذكر الله ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ولا تشغلوا أنفسكم بالجدل والمراء مع الخصوم أو الأصدقاء، ولكن حاولوا أن تصلوا بهم إلى الحقيقة فى تلطف وهدوء، واعملوا لوجه الله تبارك وتعالى مخلصين له الدين حنفاء، وانتظروا بعد ذلك تأييد الله وتوفيقه ونصره
(وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِىٌّ عَزِيز)[الحج: 40].
وإن أخص ما أوصيكم به بهذه المناسبة أن يكون شعارنا دائمًا:
"النظافة" النظافة فى: الضمير، والتفكير، وفى اللسان، وفى اليد، وفى الثوب، وفى البدن، وفى المطعم، والمشرب، والمظهر، والمسكن، والتعامل، والمسلك، والقول، والعمل. وإن مما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته:
"تنظفوا حتى تكونوا كالشامة بين الأمم"، و"بنى الدين على النظافة".
وما أجملها إشارة وأرقها عبارة أن يكون أول فقهنا فى العبادات الطهارة، وفى الحديث الصحيح: "مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الطهور"، وصدق الله العظيم:
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222]
أيها الإخوة الفضلاء الأعزة:
على رأس عشرين عامًا كاملة نقف لنحيى الماضى ونطالع المستقبل، ثم نتابع خطوات الجهاد فى سبيل الغاية المقدسة حتى يأتى أمر الله فإلى الأمام دائمًا، مرحلة بعد مرحلة فى توفيق وسداد بإذن الله، والله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا، والله أكبر والله الحمد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر:جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (720)، السنة الثالثة، 3 ذو القعدة 1367ه- 6 سبتمبر 1948م
موضوعات ذات صلة
موضوعات ذات أهمية عن الإمام البنا
الإصلاح الإجتماعي عند البنا
قضايا المرأة والأسرة
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (قضايا المرأة والأسرة- الحلقة الأولى)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (قضايا المرأة والأسرة- الحلقة الثانية)
محاربة الفساد
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الأولى)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الثانية)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الثالثة)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الرابعة)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (محاربة الفساد- الحلقة الخامسة)
نظرات في التربية والتعليم
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الأولى)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الثانية)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الثالثة)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الرابعة)
- الإصلاح الاجتماعي عند البنا (نظرات في التربية والتعليم- الحلقة الخامسة)
الإصلاح السياسي عند البنا
الإخوان بين الدين والسياسة
- الإصلاح السياسي عند البنا (الإخوان بين الدين والسياسة- الحلقة الأولى)
- الإصلاح السياسي عند البنا (الإخوان بين الدين والسياسة- الحلقة الثانية)
الإخوان ووحدة الأمة
- الإصلاح السياسي عند البنا (الإخوان ووحدة الأمة- الحلقة الأولى)
- الإصلاح السياسي عند البنا (الإخوان ووحدة الأمة- الحلقة الثانية)
قضايا سياسية
- الإصلاح السياسي عند البنا (قضايا سياسية- الحلقة الأولى)
- الإصلاح السياسي عند البنا (قضايا سياسية- الحلقة الثانية)
مطالب الإخوان بتطبيق الشريعة
محاربة الاحتلال
- الإصلاح السياسي عند البنا (محاربة الاحتلال- الحلقة الأولى)
- الإصلاح السياسي عند البنا (محاربة الاحتلال- الحلقة الثانية)
- الإصلاح السياسي عند البنا (محاربة الاحتلال- الحلقة الثالثة)
الإمام البنا والقضية الفلسطينية
- البنا والقضية الفلسطينية (الحلقة الأولى)
- البنا والقضية الفلسطينية (الحلقة الثانية)
- البنا والقضية الفلسطينية (الحلقة الثالثة)
- البنا والقضية الفلسطينية (الحلقة الرابعة)
تراث الإمام البنا في موسم الحج
موضوعات متنوعة عن الإمام البنا
- الإمام الشهيد حسن البنا وعليم الله الصديق (الهندي) وسعد الوليلي
- الإمام البنا بعد العملية الجراحية عام 1947م
- أخر صورة للإمام حسن البنا
- الإمام البنا في معسكر حلوان
- الإمام البنا وأدب الخلاف وفقه الاختلاف
- الإمام البنا والمشروع الإسلامي
- الإمام البنا ورحلات الإخوان للحج
- الإمام البنا يدعو إلى مقاطعة اقتصادية من أجل فلسطين
- الإمام البنا يكتب عن الكعبة والحج والعيد
- الإمام البنا يكتب عن: الحج والعمرة في الإسلام
- الإمام البنا يكتب عن: المولد النبوي الشريف وفلسطين
- الإمام البنا يكتب للفلسطينيين عن صناعة الموت
- الإمام البنا يكتب: "أنواع الربا وأحكامه"
- الإمام البنا يكتب: حول محاولات تقسيم الأمة إلى طوائف
- الإمام البنا يكتب: لماذا يشترك الإخوان في انتخابات مجلس النواب
- الإمام البنا.. إلى حجاج بيت الله الحرام
- الإمام البنَّا والأبعاد الاقتصادية في فكر الإخوان المسلمين
- الإمام الشهيد يكتب: هبي ريح الجنة
- الإمام حسن البنا في رؤية الشيخ محمد الغزالي
- الإمام حسن البنا في عيون معاصريه
- جهود الإمام البنا في إصلاح وتطوير التعليم
- جهود الإمام البنا في إعداد وتربية الأشبال
- حديث الإمام البنا عن فريضة الحج والعمرة
- ولدي الشهيد..
- وقفة مع نموذج مواجهة الإمام الشهيد للغزو الأجنبي (1)
- معالم وآثار دعوية : قبر الإمام الشهيد حسن البنا
- معالم وآثار دعوية : منزل الإمام الشهيد حسن البنا بالمحمودية
- مع الإمام "البنا" في الإسماعيلية
- حديث الإمام الشهيد عن النبي العظيم
- رحلة الإمام البنا إلى فلسطين
- مولد الإمام "حسن البنا"
- علي نويتو وذكريات عن الإمام الشهيد "حسن البنا"
- حسن البنا في دمنهور
- الشيخ البنا.. ومعالم منهج الجماعة
- الشيخ الشهيد.. وعشرة دروس للدعاة
- اغتيال الإمام البنا