أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي


بقلم : الأستاذ فتحي يكن

المقدمة

مقدمة المؤلف

تشهد الساحة الإسلامية أنماطًا شتى من التفكير والتصور لطبيعة العمل الإسلامي .. بعض هذه التصورات سليم وأصيل وبعضها الآخر منحرف وعليل .

والحقيقة أن الحاجة باتت ملحة لوضع التصور الحركي للعمل الإسلامي ضمن قواعد وأبجديات ثابتة وواضحة وموثقة ، كيما تكون الميزان الذي يحاكم على أساسه كل عمل إسلامي ، وكيما تستنقذ ساحة العمل الإسلامي من كثير من الاتجاهات المشوهة ، ومن كثير من الفرق المشبوهة ، وكيما يتميز الطريق القويم من المعوج ، فلا ينخدع الناس ، ولا تضيع طاقات إسلامية هائلة وراء آمال من سراب ، وشعارات من كلام ، وحتى لا تبقى الساحة الإسلامية مسرحًا لتجارب المجربين ، دونما استفادة ممن سبقهم بإحسان إلى يوم الدين .

ولهذا .. كانت هذه المحاولة المتواضعة ( أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي ) إسهامًا في وضع قواعد حركية ثابتة وأصيلة للعمل الإسلامي تساعد العاملين في كل مكان على تقييم توجهاتهم وتفحص خطواتهم وتسديد منطلقاتهم في الخط الصحيح والاتجاه السليم .

وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم .

فتحي يكن
7 شعبان 1401 هـ
9 حزيران 1981 م

موضوعات البحث

  • • وجوب التنظيم في العمل الإسلامي .
  • • وجوب التكامل في العمل الإسلامي .
  • • وجوب التوازن في العمل الإسلامي .
  • • وجوب وحدة العمل الإسلامي .
  • • وجوب عالمية العمل الإسلامي .
  • • وجوب التربية الجهادية في العمل الإسلامي .
  • • وجوب التربية الأمنية في العمل الإسلامي .
  • • العمل الإسلامي بين المبدئية والمرحلية .
  • • موضوعات حركية وتنظيمية مختلفة :

ـ تخلف العقلية التنظيمية .

ـ كيف ندير اجتماعًا تنظيميًّا ؟ .

ـ كيف يكون النقد بناء ؟ .

ـ كيف يحافظ الداعية على نفسه ؟ .

الحلقة الأولى - وجوب التنظيم في العمل الإسلامي

ليس البديل عن التنظيم إلا الفوضى

من الشعارات التي أخذت تطرح أخيرًا في ساحة العمل الإسلامي الشعار القائل بعدم ضرورة التنظيم في العمل الإسلامي ، وبعدم جدوى العمل التنظيمي الحزبي ، وبضرورة بلورة العمل الإسلامي من خلال إيجاد ( تيار إسلامي ثوري جهادي ) يجمعه جامع واحد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .

هذا القول إن تناولناه بشكل تجريدي فإنه يقضي بالحكم على قائليه بأحد أمرين :

الأمر الأول : جهلهم بالإسلام جملة وتفصيلاً ..

الأمر الثاني : أو تآمرهم عليه جملة وتفصيلاً ..

أما طرحهم شعار إيجاد ( تيار إسلامي ثوري جهادي ) يجمعه جامع واحد ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فهو ليس طرحًا لبديل متناقض مع التنظيم ، وإنما هو طرح للهدف الذي لا يمكن أن يحققه إلا العمل الإسلامي المنظم نفسه .

ليس البديل عن التنظيم إلا الفوضى :

إن الذي يرفض فكرة التنظيم في العمل الإسلامي كأنه بالتالي يدعو ويحرض على فوضوية العمل الإسلامي .. والفوضوية لم تكن يومًا مبدأ من مبادئ الإسلام أو شعارًا من شعاراته ، وإنما هي أحد شعارات الحركة اليسارية ، بل اسم فرقة من الفرق اليسارية المتطرفة التي عرفها تاريخ الحركة الشيوعية في الأربعينيات والخمسينيات .. ( راجع كتاب : اعرف مذهبك ، لمارتن دودج ـ باب الفوضوية ) .

رفض التنظيم يعني رفض التخطيط واعتماد العفوية

ثم إن الدعوة إلى رفض فكرة التنظيم في العمل الإسلامي هي بالتالي دعوة إلى رفض مبدأ التخطيط ، وبالتالي إلى العفوية والارتجال ، وهو نهاية الارتكاس الذي يمكن أن يصل إليه المسلمون ويتلهف إليه أعداء الإسلام والمتربصون به والمكيدون له .

الفوضوية والعفوية نقيض القوة

والدعوة إلى رفض فكرة التنظيم في العمل الإسلامي هي بالتالي دعوة إلى استمرار حالة الضعف لدى المسلمين ؛ لأن القوة لم تكن ولا يمكن أن تكون إلا نتيجة التنظيم لا الفوضى ، ومحصلة التخطيط لا العفوية

الفوضوية والعفوية نقيض الوحدة

والدعوة إلى رفض فكرة التنظيم في العمل الإسلامي هي بالتالي دفع المسلمين إلى مزيد من التفكك والتشرذم والخلاف ، وإجازة شرعية لتعددية الاتجاهات والمدارس والحركات الإسلامية ؛ لأن وحدة المسلمين ووحدة العمل الإسلامي ـ وهما مطلبان شرعيان ـ لا يمكن تحقيقهما إلا بالتنظيم .. فالوحدة وليدة التنظيم وليست وليدة الفوضى، ووليدة التخطيط وليست وليدة العفوية .

الفوضى والعفوية نقيض النواميس الكونية

إن كل شيء في هذا الكون قائم ـ بأمر الله تعالى ـ على التنظيم والنظام .. من الكواكب والمجرات السابحة في الفضاء ، إلى تعاقب الليل والنهار ، وتتابع الفصول ، وعملية التلاقح والتناسل لدى الإنسان والحيوان ، إلى سريان الحياة في جسم الكائن البشري عبر أجهزته المختلفة الدقيقة والمعقدة ، إلى ما لا نهاية له من النواميس الإلهية في الكون والإنسان والحياة ، إنها جميعًا تقوم على النظام ، واختلال النظام فيها هو اختلال لعملها وتعطيل لأدوارها ووظائفها .. { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب } ( آل عمران : 190 ) ، { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم . والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم . لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون } ( يس : 38 ، 39 ، 40 ) .

النظام والتخطيط أساس كل عمل ناجح

إن أي عمل مهما كان صغيرًا ومتواضعًا لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يكن منظمًا .. وكثير من الطاقات قد تهدر وتضيع في غياب التنظيم ، بينما تفعل قلة منظمة فعل الأعاجيب .

فإن كان مشروع بناء بيت ، أو فتح دكان ، أو زراعة بستان ، أو إنشاء مدرسة أو مستشفى ، أو ما شاكل ذلك من أعمال بسيطة يحتاج إلى تنظيم ( كوضع خرائط ،وتنظيم حساب ، وتحديد مسئوليات ، واختيار منفذين ومشرفين ، وإلى تسوق مواد ، إلخ .. ) أفلا يحتاج العمل الإسلامي ذو الآفاق المتعددة والمجالات المختلفة ، وذو الأهداف الكبيرة ، وحيال المؤامرات الكثيرة إلى التنظيم ؟! .

التنظيم أساس المنهج الإسلامي

والمنهج الإسلامي نفسه يقوم على النظام والتنظيم ، على التكامل والتناسق ، فهل يعقل أن تكون الدعوة إليه ، والعمل لاستئناف الحياة على أساسه ، وإيجاد المجتمع الذي يؤمن به ، وإقامة الدولة التي تحتكم إلى شرعته من غير تنظيم ؟! .

إن النظام العبادي ـ من صلاة وصوم وزكاة وحج ـ قائم في كل جزئياته وتفصيلاته على أصول وقواعد تنظيمية صارمة ..

إن النظام الاجتماعي ، قانون الزواج ، القوانين التي تحكم الأسرة المسلمة وتنظم العلاقات الاجتماعية .. إلخ ، قائم في كل جوانبه على أسس تنظيمية ثابتة ..

وهكذا دواليك تقوم سائر النظم التي يتشكل منها المنهج الإسلامي على قواعد تنظيمية دقيقة .

التنظيم عنوان الهدي القرآني

والقرآن الكريم ـ دستور المسلمين وحجة الله على الناس أجمعين ـ يؤكد في كثير من آياته ـ تصريحًا وتلميحًا ـ على اعتماد التنظيم وملاحظته وعدم إغفاله ..

ففي نطاق دعوة المسلمين إلى أن تكون لهم ( قيادة ) يحتكمون إليها وينزلون عند حكمها ، يقول الله ـ تعالى ـ : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .. } ( النساء : 58 ) ، وبديهي أن القيادة والطاعة شئون تنظيمية صميمة .

وفي معرض وصفه لعلاقة الجندية بالقيادة ، يقول الله ـ تعالى ـ : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، وإذا كانوا على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله . فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ، إن الله غفور رحيم } ( النور : 62 ) .

وفي معرض وصفه لتواثق المسلمين وتلاحمهم ، وبخاصة في مواجهة أعدائهم يقول : { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص } والبنيان المرصوص يكون نتيجة التنظيم والانضباط وليس العكس إطلاقًا .

وهكذا تتكاثر الآيات وتتناثر في كل جانب من جوانب التوجيه والتشريع القرآنيين مؤكدة أهمية التنظيم ومكانته في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .

التنظيم عنوان الهدي النبوي

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة المسلمين وإمامهم ـ كان اهتمامه بالتنظيم اهتمامًا بالغًا ..

وحرص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على التنظيم يبدو من خلال دعوته الصريحة إلى إقامة أمير أو اختيار قائد على رأس كل مجموعة أو فريق عمل ولو كانوا ثلاثة ، فيقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم ) رواه الطبراني بإسناد حسن .

هذا الحرص من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على إناطة أمر المسلمين إلى أمير أو قائد ، هو حرص بالتالي على أن تكون أمور المسلمين وشئونهم منتظمة منضبطة ، سواء كانوا في سلم أو حرب ، وفي تجارة أو على سفر ، وسواء كانت هذه الشئون صغيرة أم كبيرة .

فكيف يحسم خلاف ـ إن وقع ـ إن لم يكن في المجموعة من يسمع له ويطاع ؟! .

وكيف تحدد وجهة سير ـ إن تعددت الوجهات ـ إن لم تمنح سلطة ما حق الاختيار والتحديد ؟! .

ثم من يحدد لكل إنسان عمله ، ومن يتابع الأعمال كلها بالتوجيه والتسديد إن لم يكن في فريق العمل هذا جندية وقيادة وطاعة ونظام ؟! .

هذا كله في نطاق أبسط الأمور وأيسرها ، فكيف إذا كبرت وتضخمت وتشعبت ؟ .

ثم إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتابع توجيهه النبوي مؤكدًا على ضرورة السمع والطاعة للقيادة كائنًا من كانت ما دامت هي القيادة الشرعية ، فيقول : ( اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) رواه البخاري .

وحتى لا تكون طاعة المسلمين للقيادة فيما أحبوا ووافق هواهم فحسب ، فينجم عن ذلك خلل كبير وشر مستطير وفوضى وضياع ، يتابع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ توجيهه النبوي فيقول : ( عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ) رواه مسلم .

وتحذيرًا من الفتنة ، وشق صف المسلمين ، مما يوهنهم ويغري الأعداء بهم ويجرئهم عليهم ، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم .

أليس هذا كله من مقومات التنظيم ومن مبادئه وأصوله ؟ .

التنظيم أساس عمل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ

وعمل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مراحل النبوة كلها .. في غير مكة والمدينة .. في نطاق التربية أو نشر الدعوة أو الحرب أو غير ذلك ، إنما يقوم على نظرة أصيلة إلى التنظيم وعلى اهتمام بالغ به ..

ـ ففي بيعة العقبة الأولى :

بايع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أهل المدينة ـ عند العقبة ـ اثنا عشر رجلاً .. يقول ابن إسحاق : ( فلما انصرف عنه القوم ، بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ، وأمره أن يقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فكان يسمى المقرئ بالمدينة ) .

ـ وفي بيعة العقبة الثانية :

بايع رسول الله من أهل المدينة عند العقبة كذلك ـ وسرًّا دون أن تعلم قريش ـ ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتان ، ثم قال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيبًا ليكونوا على قومهم بما فيهم ، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا ، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس ، فأما نقباء الخزرج فهم : أسعد بن زرارة ، وسعد بن الربيع ، وعبد الله بن رواحة ، ورافع بن مالك ، والبراء ابن معرور ، وعبد الله بن عمرو بن حرام ، وعبادة بن الصامت ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وأما نقباء الأوس فهم : أسيد بن حضير ، وسعد بن خيثمة ، ورفاعة بن المنذر .. ) .

ـ وفي هجرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبدو طائفة من اللفتات التنظيمية الجديرة بالدراسة والتأمل ، والتي من شأنها أن تدحض مزاعم القائلين برفض المنطق التنظيمي في العمل الإسلامي ، منها :

1 ـ طلبه إلى علي بن أبي طالب المبيت في سريره لتضليل المشركين ريثما يكون هو قد غادر مكة وبلغ غار ثور .

2 ـ اختياره غار ثور الذي يقع في اتجاه معاكس لطريق المدينة زيادة وإمعانًا في تضليل المشركين الذين كانوا يدركون أنه سيهاجر إلى المدينة لا محالة .

3 ـ تكليفه عبد الله بن أبي بكر بنقل ما يجري في مكة من أخبار ليكون على اطلاع على ما يجري حوله .

4 ـ تكليفه أسماء بنت أبي بكر بتأمين ما يلزمهم من طعام وشراب .

5 ـ تكليفه عامر بن فهيرة ، أن يمر بغنمه مساء عليهما ليأخذا حظهما من اللبن ، ولتطمس الأغنام بحوافرها آثار الأقدام التي تتردد على الغار ، حتى لا ينكشف مخبؤه للمشركين ، وزيادة في تضليلهم .

فإذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المؤيد بالوحي المسدد بهدى العليم الخبير ـ قد اتخذ ( جملة ترتيبات ومجموعة إجراءات ) في حادثة واحدة من عشرات الحوادث .. فما بال هؤلاء ( المعطلة ) الذين يزعمون الغيرة على الإسلام والمسلمين ـ وقد انقطع الوحي ، وأشكلت الأمور ، وادلهمت الخطوب بكيد الأعداء ـ يدعون المسلمين للخروج على العمل الإسلامي المنظم ، ولا يستنيرون بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتكون لهم أعين يبصرون بها ، وآذان يسمعون بها ؟ .

أهداف الإسلام الكبرى تفرض التنظيم

ثم إن العمل للإسلام في غيبة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله يجب أن يكون هدفه تغييريًّا ، أي تغيير الواقع بالإسلام ، وليس عملاً وعظيًّا يتعايش مع الواقع ويصبح جزءًا منه .

والتغيير الإسلامي للواقع الجاهلي ، لأفكاره ومعتقداته ، لنظمه وتشريعاته ، لسلوكه وعاداته ، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التنظيم والتنظيم الدقيق ..

فهو لا يتحقق من خلال موعظة في مسجد أو حديث في منتدى بل لا بد له من تحضير على كل صعيد ..

لا بد له من تحضير الإنسان المؤمن بالتغيير الإسلامي ، المستعد لتقديم متطلبات التغيير الإسلامي المادية والمعنوية ..

ولا بد له من تحضير برامج التغيير وخططه ومناهجه ..

ثم لا بد له من تهيئة أدوات التغيير وأسبابه ووسائله البشرية والمادية والتقنية .

إن كل هذه المتطلبات وغيرها لا يمكن توفرها وتوافرها بغير التنظيم ، وعدم توفر التنظيم يجعل العمل الإسلامي عملاً وعظيًّا أو ثقافيًّا يعيش على هامش حياة الناس يدغدغ بعض أحلامهم ، ويحرك بعض مشاعرهم ، ثم لا يلبث أن يخبو ويخمد دون أن يخلف وراءه أي أثر أو نتيجة .

ضخامة التحدي للإسلام تفرض التنظيم

وإذا أضيف إلى ما سبق ضخامة التحدي الذي يواجهه الإسلام من قبل أعدائه على الصعيدين المحلي والعالمي ، لأصبح التنظيم في العمل الإسلامي واجبًا بالضرورة إن لم يكن واجبًا شرعًا .

فأعداء الإسلام لهم عشرات التنظيمات والحركات والواجهات التي يتآمرون من خلالها على الإسلام وأهله .

وأعداء الإسلام يملكون من الأسباب المادية ما لا يحصى كمًّا ونوعًا .

وأعداء الإسلام يسخرون كل التقنيات الحديثة في حربهم على الإسلام تخطيطًا وتنفيذًا .

وأعداء الإسلام فوق هذا كله يتحركون ويتآمرون ويخططون من مواقع عالمية ومن معسكرات دولية .

فهل بعد هذا كله يعقل أن تكون المواجهة الإسلامية قاصرة عاجزة غير منظمة وغير مخططة ؟ .

وبعد هذا كله يبرز سؤال كبير ومهم : أين يصب شعار الدعوة إلى عدم التنظيم في العمل الإسلامي ؟ ومن المستفيد منه والخاسر ؟ .

إننا في ختام كلامنا هذا ندعو المتقولين على الإسلام بغير حق إلى أمرين اثنين :

1 ـ أن يفهموا الإسلام حق فهمه قبل أن يتصدروا الدعوة إليه .

2 ـ وأن يتقوا الله حق تقاته ، متذكرين دائمًا قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يلقي إليها بالاً ، فتهوي به سبعين خريفًا في جهنم ) .

{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الحلقة الثانية - وجوب التكامل في العمل الإسلامي

معنى التكامل في العمل الإسلامي

ومن أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي وجوب تكامله وكليته وعدم جواز جزئيته إلى أن يتحقق التغيير الإسلامي المنشود ، وتقوم الدولة التي تطبق شريعة الله .. وعند ذلك يمكن أن تقوم اهتمامات تخصصية في هذا الجانب أو ذاك ، طالما أن الخطوة الأساسية قد تحققت والإنجاز الأكبر قد تم .

معنى التكامل في العمل الإسلامي :

ونعني بالتكامل في العمل الإسلامي قيامه على أساس الاهتمام والإعداد الكليين في نطاق التحضير لمواجهة الواقع الجاهلي وتحقيق التغيير الإسلامي .

ونعني به : عدم جواز انحصاره في جانب من جوانب العمل أو جزئية من جزئياته ، إلا أن تكون هذه الجزئية وهذا الجانب واقعة في مكانها الطبيعي من مخطط العمل المتكامل .

وبهذا يكون التكامل الإطار العام الذي يوجه جزئيات العمل واختصاصاته المختلفة بما يخدم الهدف المطلوب والغاية المنشودة .

الجزئية في العمل الإسلامي

أما الجزئية في العمل الإسلامي فالمقصود بها كل عمل يقتصر على جانب من جوانب العمل الإسلامي ، يلتزمه ولا يتعداه ، ويؤمن به وحده ويرفض ما عداه ، ويرى أنه هو طريق البناء والإصلاح لا سواه .

ـ فمن الجزئية في العمل الإسلامي : اعتبار ( التربية الروحية والخلقية ) مناط التكليف الرباني ، ووظيفة الدعوة والدعاة الوحيدة ، من غير اهتمام بما عدا ذلك من جوانب اجتماعية أو حركية أو سياسية أو جهادية ، ومن غير تقدير لمدى نجاح ( عملية التربية ) في ظل أنظمة وضعية وحياة غير إسلامية .. وبذلك يصبح العمل التربوي هذا ـ المقطوع عن غايته الكبرى ـ جزء من تركيبة المجتمع الجاهلي ، وواحدًا من النشاطات الدائرة في فلكه .

ـ ومن الجزئية في العمل الإسلامي : اعتبار ( التوعية الفكرية ونشر الثقافة الإسلامية ) غاية العمل الإسلامي ومبرر قيامه ، بحيث يغطي مساحة النشاط والعمل كلها ، ويصبح هدفًا لا أداة ، وبذلك يصبح واحدًا من التيارات الفكرية في المجتمع ليس إلا ، وبذلك تنعدم في المدارس الفكرية الإسلامية تطلعات التغيير فضلاً عن إمكانية التغيير .

ـ ومن الجزئية في العمل الإسلامي : اعتبار ( الإعداد العسكري ) أو ( النشاط السياسي ) أو أي جانب من جوانب العمل الأخرى هو الأهم والأساسي بل الوحيد .

وبذلك تطغى الجزئية على الكلية ، بل تصبح الجزئية هي الكلية ، فتنعدم بذلك الرؤيا وتختلط الأمور ، وتتعطل إمكانيات ضخمة ، كان يمكن أن تصب في مصلحة التغيير الإسلامي .

تكامل المنهج الإسلامي يفرض تكامل العمل الحركي

من خصائص المنهج الإسلامي أنه متكامل وكلي .. ويتضمن من الأنظمة ما يغطي مختلف الاحتياجات البشرية .

ـ ففيه نظام عبادي : ينظم علاقة الإنسان بخالقه مما يعتبر منهجًا للتربية الروحية ، قادرًا على حفظ الأفراد والمجتمعات من غوائل الانحراف المختلفة .

ـ وفيه نظام اقتصادي : يضع القواعد والأصول لحياة اقتصادية سليمة تتحقق فيها العدالة وتنتفي منها كل أسباب التحكم والسطوة والاستغلال وما شاكل ذلك من معضلات وأمراض اجتماعية .

ـ وفيه نظام اجتماعي : يبني العلاقات الاجتماعية على أسس عقائدية وأخلاقية وليس على أساس المصالح الشخصية والاعتبارات المادية والعشائرية .

ـ وفيه نظام سياسي : يضع الأسس السليمة لقيام الدولة وأجهزتها المختلفة ، محددًا حقوق المواطنية وواجباتها ، وعلاقات الدولة داخليًّا وخارجيًّا إلى غير ذلك من أمور .

ـ وفيه نظام عسكري : يعرض للقواعد الأساسية التي تقوم عليها الحياة العسكرية والاحتياجات الأهم التي تتطلبها ميادين القتال والجهاد .

إن هذه النظم وغيرها مما يتضمنه المنهج الإسلامي ، والتي تقوم على أساس العقيدة الإسلامية وتصورها للكون والإنسان والحياة ، تفرض قيام عمل إسلامي متكامل قادر على استيعاب وتغطية هذه الجوانب المختلفة من المنهج الإسلامي .

مضار ( الجزئية ) في العمل الإسلامي

إن قوة الإسلام وعظمته وأثره إنما تكمن في الدعوة إليه والتزامه وتطبيقه ككل .. وحين تفكك أجزاؤه ويصار إلى الاهتمام بجانب من جوانبه دون الجانب الآخر يفقد هذه القوة والعظمة والأثر .

إن من المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل الإسلامي تشويهها للشخصية الإسلامية ، التي تكون قد تكونت من خلال منهج غير متكامل ونظرة محددة للأمور .

ومن المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل الإسلامي تشويه صورة الإسلام بين الناس مما ينفرهم به ويبعدهم عنه .

ومن المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل الإسلامي تبديدها وإضاعتها لكثير من الطاقات الإسلامية التي لو وضعت في الطريق الصحيح لعجلت من خطوات التغيير الإسلامي .

ومن المضار التي تخلفها ( الجزئية ) في العمل تسببها بمرض ( التعددية ) والتشرذم الذي أحدث شروخات بين العاملين للإسلام في كل مكان .

والحقيقة إن الجزئية هذه جريمة نكراء ترتكب بحق الإسلام ـ شريعة الله ـ الذي أراده الله متكاملاً ، واصطفى محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليدعو إليه كاملاً ، ومن ثم ليطبقه كاملاً .. وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا } ( المائدة : 3) .

وهذا هو القرآن الكريم ينكر على بني إسرائيل ( البعضية ) التي كانوا عليها فيقول : { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب } ( البقرة : 85 ) .

إن مثل تجزئة الإسلام وتفكيكه ـ عن طريق أخذ جانب دون آخر ـ كمثل تفكيك أي جهاز متكامل الأجزاء ، مصيره التعطل مباشرة ..

فما قيمة اليد أو الرجل أو الفم أو الأذن أو غيرها من أعضاء الجسم الإنساني إن بترت عنه ولم تبق في موقعها الذي تستمد منه الحياة والحيوية ؟ .

وما قيمة أي جزء من أجزاء ساعة أو سيارة إن لم يعد في موقعه من تصميم الآلة الذي حدد له ؟ .

والآن ما قيمة العمل السياسي إن لم يأخذ مكانه وحجمه اللازمين في بنية الحركة الإسلامية ؟ بل ما قيمة العمل التربوي إن كان منفصلاً عن أهداف الحركة الإسلامية ومنهجها في التغيير ؟ .

إن قيمة هذه الأعمال ستبقى فردية جزئية مؤقتة معرضة للتآكل والزوال حيال الاجتياح ـ الفكري والنفسي والحسي ـ والذي لا قبل لها به ، إن لم تكن متراصة متحدة مع سائر الجوانب والأجزاء ، من أجل تحقيق التغيير الإسلامي ، وإيجاد البيئة التي تتوافر فيها مقومات حياة ونماء هذه الجوانب التخصصية .

إن غاية كل عمل إسلامي يجب أن تصب اليوم ـ وحيال انعدام وجود الكيان القائم على شرع الله ـ في بوتقة التحضير والإعداد من أجل إيجاد هذا الكيان أولاً .

إن الأعمال الجزئية المختلفة ـ من فكرية وتربوية وسياسية وحركية وعسكرية وغيرها ـ يجب أن يحدوها هدف واحد ، هو إقامة حكم الله في الأرض ، وإلا فستبقى نشاطات دائرة في رحى الواقع الجاهلي وكياناته المختلفة ، بل وواحدة من فولكلورياته ليس إلا !.

تكامل التحدي يفرض تكامل المواجهة

ويضاف إلى مبدأ وجوب التكامل في العمل الإسلامي ، وجوبه كذلك كضرورة بل حتمية مثلية في مواجهة تكامل التحدي الجاهلي وكليته .

فالإسلام اليوم ـ فكرًا وحركة ـ يواجه تحديات على كل صعيد ..

ـ فعلى نطاق التخريب الفكري والتربوي تنشط أجهزة ومؤسسات ، وتوضع مناهج ومؤلفات ، ضمن مخطط الغارة على الإسلام .

ـ وعلى نطاق التخريب السياسي والاجتماعي تنشط أحزاب وحركات ، تدعمها دول ومعسكرات بالمال والعتاد ، لتكون صاحبة القرار وسيدة الموقف في طول الساحة الإسلامية وعرضها ، جاهدة لإخراج الإسلام من معترك الصراع ، عاملة على حشر الاتجاه الإسلامي في الزاوية .

ـ وعلى نطاق التآمر الحسي على الإسلام الذي يستهدف استئصاله عن طريق استئصال وتصفية دعاته ، تنشط حملات وتتكون فصائل وتنظيمات مدربة ومسلحة ومعبأة النفس بالحقد على كل ما هو إسلامي أو يمت إلى الإسلام بأدنى صلة .

إن أعداء الإسلام يتسللون إلى المواقع المتقدمة عبر كل الجبهات ومن مختلف الجوانب والجهات .. إنهم يتسللون عبر الحركات والنشاطات : الطلابية والعمالية ، التعليمية والإعلامية ، الشبابية والنسوية .. وغيرها .

فهل يجوز بعد ذلك أن تكون المواجهة في النطاق الإسلامي جزئية فردية غير متكاملة ولا كلية ؟ .

إن منطق المواجهة يفرض التكافؤ ويفرض المقابلة بالمثل ، فكيف إذا أضيف إلى ذلك منطق الشرع الذي لا يرضى لأتباعه الدنية في دينهم ، والهزيمة من أعدائهم ، والذلة في حياتهم ..

إن منطق الشرع يقول في كتاب الله : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ، { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ، { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين } ، { ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا } .

كما أن منطق الشرع يقول على لسان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) ، ( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه ) ، ( الحرب خدعة ) ، ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) .

التكامل في العمل الإسلامي الأول

ثم إن نظرة متفحصة للعمل الإسلامي في عصر النبوة تؤكد لنا تكامله وكليته على نطاق الفرد والجماعة ، وفي إطار تنظيم واحد وقيادة واحدة .

فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يرعى ويتابع العمل الإسلامي من شتى جوانبه .. ففي نطاق التربية كان مربيًا ، وفي نطاق التعليم كان معلمًا ، وفي نطاق الجهاد كان قائدًا ، وفي نطاق التخطيط والتنظيم كان رائدًا ، وهكذا في كل جانب من جوانب الحياة .

فمن منهجه التربوي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به ، حذرًا مما به بأس ) رواه الترمذي .

وقوله : ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا ) متفق عليه .

وقوله : ( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ، وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي .

وقوله : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على ما سواه ) رواه مسلم .

ومن منهجه العسكري قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل ) .

وقوله : ( ألا إن القوة الرمي ) .

وقوله : ( من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق ) .

وقوله : ( من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة ) الترمذي .

ومن منهجه الاجتماعي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) متفق عليه .

وقوله : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) متفق عليه .

وقوله : ( من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) .

وقوله : ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالقائم الذي لا يفتر ، وكالصائم الذي لا يفطر ) متفق عليه .

وقوله : ( خير الأصحاب عند الله ـ تعالى ـ خيرهم لصاحبه ، ومن الجيران عند الله ـ تعالى ـ خيرهم لجاره ) رواه الترمذي .

ومن منهجه الاقتصادي قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الناس شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ والنار ) رواه أحمد وأبو داود .

وقوله : ( من كان له أرض فليزرعها ، أو ليمنحها أخاه ولا يكريها ) .

وقوله : ( من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ له منزل ، أو ليست له زوجة فليتزوج ، أو ليس له دابة فليتخذ دابة ) رواه أحمد .

وقد ذهب الإمام ابن حزم ( أنه إذا مات رجل جوعًا في بلد اعتبر أهله قتلة ، وأخذت منهم دية القتيل ) الإسلام وأوضاعنا الاقتصادية ، للشيخ محمد الغزالي .

وهكذا نجد أن عمل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقتصر على جانب من جوانب الحياة ، ولم ينحصر في شأن من شئونها ، وإنما امتد هنا وهناك وهنالك حتى شمل كل جانب وتعرض لكل شأن .

والعمل الإسلامي في أي زمان ومكان ملزم بأن يقفو أثر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس له خيار في أن يتبع هذا الطريق أو ذاك .

إن العمل الإسلامي اليوم يجب أن يكون عملاً متكاملاً ، مربوطًا في كل جزئياته بالهدف المنشود ، وهو إقامة شرع الله في الأرض ، سواء كان هذا العمل ، رياضيًّا ، أو كشفيًّا ، أو خيريًّا ، أو توجيهيًّا ، أو تربويًّا ، أو فكريًّا ، أو سياسيًّا ، أو اقتصاديًّا ، أو عسكريًّا ، وكل عمل في أي مجال من هذه المجالات لا يرتبط بالهدف ، ولا يتصل بالغاية ، يفقد قيمته الإسلامية ، بل يفقد مبرر وجوده .

إن الاهتمامات ( التربوية ) جانب مهم في العمل الإسلامي شريطة ارتباطها بالهدف ، وتلازمها مع الاهتمامات الأخرى .

وإن الاهتمامات ( الفكرية والعلمية والثقافية ) جانب مهم كذلك في العمل الإسلامي شريطة توافقها وتكاملها مع سائر الاهتمامات .

كذلك فإن الاهتمامات الأحرى ( السياسية والعسكرية والحركية والتنظيمية والاجتماعية والخيرية وغيرها ) هي جوانب مهمة شريطة أن تأخذ موضعها وحجمها في العمل الإسلامي المتكامل .

إن قيمة العمل وقوته وعمقه وأصالته إنما هي نتائج ( تكامله وشموله النوعيين ) ولهذا كان التكامل في العمل الإسلامي فريضة شرعية وضرورة حركية .

التكامل في الحركة الإسلامية المعاصرة

ولقد أكد الإمام الشهيد ـ حسن البنا ـ على ضرورة التكامل في العمل الإسلامي ، بقوله : ( كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عندنا أن شملت فكرتنا كل نواحي الإصلاح في الأمة .. وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك : إن دعوتنا :

1 ـ دعوة سلفية : لأنها تدعو إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله .

2ـ وطريقة سنية : لأنها تحمل أصحابها على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء ، وبخاصة في العقائد والعبادات ، وما وجدوا إلى ذلك سبيلاً .

3 ـ وحقيقة صوفية : لأن أصحابها يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ونقاء القلب والمواظبة على العمل ، والإعراض عن الخلق ، والحب في الله ، والارتباط على الخير .

4 ـ وهيئة سياسية : لأن أصحابها يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل ، وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج ،وتربية الشعب على العزة والكرامة .

5 ـ وجماعة رياضية : لأن أصحابها يعنون بجسومهم ، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( إن لبدنك عليك حقًّا ) وأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدى كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي .

6 ـ ورابطة علمية ثقافية : لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، ولأن أندية الجماعة هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ، ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح .

7 ـ وشركة اقتصادية : لأن الإسلام يعنى بتدبير المال وكسبه من وجهه ، وهو الذي يقول لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ) ويقول : ( من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفورًا له ) ، ويقول :( إن الله يحب المؤمن المحترف) .

8 ـ وفكرة اجتماعية : لأن أصحابها يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها .

وهكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح ، ووجه نشاطنا إلى كل هذه النواحي ، ونحن في الوقت الذي يتجه فيه غيرنا إلى ناحية واحدة دون غيرها نتجه إليها جميعًا ، ونعلم أن الإسلام يطالبنا بها جميعًا ..) مجموعة الرسائل ، مع بعض التصرف .

الحلقة الثالثة - وجوب التوازن في العمل الإسلامي

قيمة التوازن في كل أمر

والتوازن في العمل الإٍسلامي أشبه بصمام الأمان فيه ، لأن عدم توازنه يؤدي حتمًا إلى فشله وتعثره .

وإذا كان التعامل يتعلق بمساحة العمل الإسلامي من حيث الشمول والكلية ، فإن التوازن يتعلق بنوعية هذا العمل من حيث مقاديره ومعاييره .

فالتوازن في العمل الإسلامي يعني إعطاء كل جانب من جوانب العمل وزنه ومعياره اللازمين من غير زيادة ولا نقصان ، وإلا أدى إلى وقوع الخلل .

قيمة التوازن في كل أمر :

التوازن هو تعادل الأوزان والمعايير وعدم تفاوتها بالنسبة لكافة الأمور المادية منها والمعنوية .

والتوازن قوام كل أمر مركب ، ومؤشر الصحة والعافية فيه ، وإليك بعض الأمثلة :

ـ فالجنون مثلاً : نتيجة لعدم توازن القدرات العقلية والعصبية ، فيقال : إنسان غير موزون .

ـ والصرع : من أسبابه زيادة الكهرباء في دماغ الإنسان .

ـ وفقر الدم أو ضعفه : نتيجة عدم توازن الكريات البيضاء والحمراء في الدم .

ـ ثم إن زيادة سائل الأذن قد يتسبب بالإغماء لدى الإنسان ، كما يتسبب ضغط العين أو القلب بانعكاسات صحية خطيرة .

هذه بعض النتائج التي يخلفها عدم التوازن لدى الكائن البشري ، وهنالك عشرات الأمثلة الأخرى على ذلك ، أما نتائج عدم التوازن في الكون والحياة فأكثر من أن تحصى.

ـ إن تغير نسبة الأوكسجين في الهواء تجعله ملوثًا وقد تجعله سامًّا قاتلاً .

ـ إن تغير المعادلة المتوازنة في دوران الأرض والشمس والأفلاك ينتج عنه كثير من الأمور أقلها اختلال انتظام الليل والنهار وتعاقب الفصول ، وما يؤدي ذلك من أضرار على الإنسان والحيوان والحياة بكاملها .

ـ حتى فيما يصنعه الإنسان من ( آلات وماكينات ) ، وما يشيده من ( عمارات وجسور ) فجميعه محكوم بقاعدة التوازن ، وأي خلل في المقادير والمعايير يتسبب بنتائج خطيرة ومأسوية .

قيمة التوازن في العمل الإسلامي

والعمل الإسلامي الصحيح المعافى ، هو العمل القائم على منهج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، المتكامل في جوانبه وتوجهاته ، المتوازن في معاييره ومقاديره وأولوياته .

وعندما يطغى على العمل جانب من الجوانب ، أو يكون الاهتمام بجانب دون جانب يحدث الخلل سواء في ( تكوين الشخصية الإسلامية ) أو في ( توجه المسيرة الإسلامية ) وبالتالي تكون النتائج غير سليمة بنسبة الخلل الذي حدث .

فإذا كان من الواجب ( تكامل العمل الإسلامي وشموله ) ، فإن من الواجب كذلك ( توازنه ) بحسب موقع كل جانب وأهميته من العمل الإسلامي أو الشخصية الإسلامية .

منطق الأولويات مدخل إلى التوازن

ولتحقيق التوازن في ( الشخصية الإسلامية ) أو ( المسيرة الإسلامية ) أو ( التغيير الإسلامي ) لا بد من فهم صحيح ( للمنهج الإسلامي ) من خلال المبادئ والأسس والقواعد التي جاء بها ، ومن خلال التطبيق الذي قام به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسار عليه السلف الصالح ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ لمعرفة أولويات العمل واتجاهاته ومعاييره ومقاديره ..

فمن التوازن أن يكون الرأس الذي فيه الدماغ ـ لدى الإنسان ـ وموضعه أعلى الجسم هو الجهاز الذي ينظم الحركات والتصرفات ، وليس أي عضو آخر في جسم الإنسان ، ولهذا فهو في موقع متقدم من الجسم وسائر الأعضاء بحسب منطق الأولويات .. بل لا بد من التعامل معه كذلك وبحسب هذا الموقع .

ولكن هذا الموقع المتقدم ( للدماغ القائد ) في جسم الإنسان ، لا يلغي بالضرورة قيمة أي عضو من أعضاء الإنسان مهما كان بسيطًا ، فلكلٍّ دور ووظيفة مهمين في نطاقه وإطاره ..

هذا التكامل في جوانب البنية الجسدية للإنسان ، أشبه بالتكامل في البنية الحركية ، وما يفرضه منطق الأولويات من توازن في هذا يفرضه تمامًا في ذلك .

كيف تصنف الأولويات في العمل الإسلامي

إن العمل الإسلامي المتعدد الجوانب الشامل المقاصد يحتاج إلى تصنيف هذه الجوانب والمقاصد بحسب سُلَّم الأولويات في تصنيف الأعمال وتحديد مواقعها من حيث الأهمية ، وبما يشير كذلك إلى أهميتها جميعًا ...

الجانب العقيدي والتربوي :

إن منطق الأولويات يعتبر الجانب العقيدي أساسًا لكل عمل ، بل لا قيمة لأي عمل بدونه .. ولهذا كان في موقع متقدم معتبر في كتاب الله ـ تعالى ـ حيث يقول مقررًا : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ومن يشرك بالله فقد افترى إثمًا عظيمًا } ( النساء : 84 ) ، { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيدًا } ( النساء : 115 ) .

فقه العقيدة والشريعة :

مقدم على العلوم العامة والثقافات المختلفة ، وهو متقدم معتبر بحسب سُلَّم الأولويات ، ففي كتاب الله ـ تعالى ـ : { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } ( المجادلة : 11 ) .

وفي هدي النبوة : ( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ) متفق عليه .

وروي أن رجلاً جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : علمني من غرائب العلم ، فقال له : ( ما صنعت في رأس العلم ؟ ) فقال : وما رأس العلم ؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هل عرفت الرب ـ تعالى ـ ؟ ) ، قال : نعم ، قال : ( فما صنعت في حقه ؟ ) ، قال : ما شاء الله ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هل عرفت الموت ؟ ) ، قال : نعم ، قال : ( فما أعددت له ؟ ) قال : ما شاء الله ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :( اذهب فأحكم ما هناك ثم تعال نعلمك من غرائب العلم ) إحياء علوم الدين .

وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) .

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجوب الأخذ بمنطق الأولويات في كل شيء .. ففي العلم أولويات .. وفي العبادة أولويات .. وفي الجهاد أولويات .. وفي العمل الاجتماعي أولويات .. وفي العمل السياسي أولويات .. والسير من غير ملاحظة للأولويات سير على غير هدى وبدون وعي .

العبادة ومنطق التوازن :

ثم إن العبادة نفسها ـ بالرغم من عظيم قيمتها في شرع الله ـ فإنها تخضع في إطار التوازن ـ لمنطق الأولويات .. ففي قوله ـ تعالى ـ : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله } ( الجمعة : 10 ) دعوة بينة للتوازن بين الصلاة والعمل المعيشي ، لاعتبار أن العمل المعيشي نفسه في مفهوم الإسلام عبادة ، ومخالفة هذا المفهوم يؤدي إلى خلل في التوازن الإسلامي ، وهذا ما حدا بعمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى أن يضرب بعصاه رجلاً بقي في المسجد يهمهم بالقرآن بعد أن فرغ الناس من الصلاة والدعاء قائلاً : ( قم ، لا تمت علينا ديننا أماتك الله ) ، وروي أن رجلاً أتى جبلاً يتعبد فيه ، فجيء به إلى الرسول فقال له : ( لا تفعل أنت ولا أحد منكم ، لصبر أحدكم في بعض مواطن الإسلام خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عامًا ) .

القوة ومنطق التوازن :

ونعني بالقوة هنا القوة العسكرية ، وهذا الجانب له في الشرع موقع ومساحة معتبرين ، ولكن هذا الموقع والمساحة يتغيران ـ يكبران ولا يصغران ـ بحسب الظروف والأوضاع التي يعيشها الإسلام.

فإن كان الإسلام في ظروف طبيعية لم يكن القتال أساسًا في حياة المسلمين .. أما إن كان الإسلام في ظروف عصيبة ، معتدى عليه ، محارب العقيدة والأفكار ، مجتاح الأهل والأبناء والديار ، فإن الجهاد والقتال هنا يصبح فرض عين على المسلمين ، ويصبح كل عمل آخر ضربًا من اللهو والفرار من الزحف .. وصدق عبد الله بن المبارك حيث كتب رسالة إلى أحد أعز إخوانه وقد فضل الاعتكاف في المسجد الحرام على الجهاد ، قال فيها :

يا عابد الحرميـن لـو أبصرتـنـا

لوجدت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه

فـنحـورنا بدمـائنا تتـخضب

السياسة ومنطق التوازن :

والاهتمامات السياسية في العمل الإسلامي جانب مهم وخطير ، ولكنها تبقى في أهميتها وخطورتها دون الجانب العقائدي ، فالعقيدة أساس العمل السياسي وكل عمل ، وهي مُحصَّن العمل السياسي وصمام الأمان فيه .

ومن التوازن في العمل الإسلامي أن يأخذ العمل السياسي ـ كما العمل العسكري ـ حجمه وسمته المحددين له ، وإلا غدا العمل السياسي شعارًا بلا محتوى ، بل أصبح غاية لا وسيلة وأداة ، فضلاً عن وقوعه في منزلقات ومتاهات لا يعرف أولها من آخرها .

نماذج من التوازن في القرآن الكريم :

وفيما يلي نسوق طائفة من الآيات القرآنية التي تشير إلى ضرورة تحقيق التوازن في شتى المجالات والشئون والقضايا :

ـ ففي نطاق تحقيق التوازن بين متطلبات الدنيا والآخرة ، وبالرغم من الإقرار بضآلة قيمة الدنيا من الآخرة ، يقول ـ تعالى ـ : { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين } ( القصص : 77 ) .

ـ وفي نطاق تحقيق التوازن والتكامل في جوانب البر والخير ، وحتى لا يكون مفهوم الخير والبر قاصرًا على ضروب الصلاة والعبادة يقول ـ تعالى ـ : { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ، وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا ، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } ( البقرة : 177 ) .

ـ وفي نطاق تحقيق التوازن في الإنفاق يقول الله ـ تعالى ـ : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا } ( الإسراء : 29 ) .

ـ وفي نطاق تحقيق التوازن في الإعداد النفسي والحسي وفي مواجهة أعداء الإسلام يقول ـ تعالى ـ : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } ( الأنفال : 61 ) .

ويقول : { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون } ( آل عمران : 200 ) .

ويقول : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله لعلكم تفلحون } ( الأنفال : 46 ) .

ويقول : { يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا } ( النساء : 70 ) .

ويقول : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ، فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ، ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم ، وخذوا حذركم ، إن الله أعد للكافرين عذابًا مهينًا } ( النساء : 101 ) .

التوازن يحقق الاعتدال ويمنع الغلو

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرص على تحقيق التوازن والاعتدال ومنع الغلو والتشنج والتطرف في كل شأن ولو كان عباديًّا .. وفيما يلي مجموعة من الشواهد تؤكد نهج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتوازن :

ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها وعندها امرأة ، قال : ( من هذه ؟ ) ، قالت : هذه فلانة تذكر من صلاتها ، قال : ( مه ، عليكم بما تطيقون ، فوالله لا يمل الله حتى تملوا ) .

ـ وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( هلك المتنطعون .. ) قالها ثلاثًا ، ( رواه مسلم ) .

ـ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا ، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة .. ) رواه البخاري .

ـ وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يسألون عن عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، وقالوا : أين نحن من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ..

قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبدًا ..

وقال آخر : وأنا أصوم الدهر أبدًا ولا أفطر ..

وقال الآخر : وأنا اعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا ..

فجاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ( أنتم الذين قلتم : كذا وكذا ؟ أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) .

ـ وعن ابن ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي ـ أحد كتاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : لقيني أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟

قلت : نافق حنظلة ..

قال : سبحان الله ، ما تقول ؟

قلت : نكون عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا ..

فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : فوالله إنا لنلقى مثل هذا .. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله ..

فقلت : نافق حنظلة يا رسول الله ..

فقال : ( وما ذاك ؟ ) ..

قلت : يا رسول الله ، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا ..

فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( والذي نفسي بيده ، أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر ، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ) .

ـ وعن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : أُخبِر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أني أقول : والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت ..

فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أنت الذي تقول كذا ؟

فقلت له : قد قلته بأبي أنت وأمي يا رسول الله ..

قال : ( فإنك لا تستطيع ذلك ، فصم وأفطر ، ونم وقم ، وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ) ..

قلت : فإني أطيق أفضل من ذلك ..

قال : ( فصم يومًا وأفطر يومين ) ..

قلت : فإني أطيق أفضل من ذلك ..

قال : ( فصم يومًا وأفطر يومًا ، وذلك صيام داود ـ عليه السلام ـ ، وهو أعدل الصيام ) ..

قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( واقرأ القرآن في كل شهر ) ..

قلت : يا نبي الله ، إني أطيق أفضل من ذلك ..

قال : ( فاقرأه في كل عشرين ) ..

قلت : يا نبي الله ، إني أطيق أفضل من ذلك ..

قال : ( فاقرأه في كل سبع ، ولا تزد على ذلك ) ..

فشددت فشدد عليّ ، وقال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر ) .

قال : فصرت إلى الذي قال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ( رياض الصالحين ، باب الاقتصاد في الطاعة ) .

الدعاة وتحقيق التوازن بين الاهتمامات

ومن أبرز العوامل التي تساعد الداعية المسلم على العطاء الناضج المستمر ، تمكنه من تحقيق التوازن بين اهتماماته ، وقدرته على النهوض بكامل مسئولياته ، دونما تفريط أو إفراط ، ودونما تغليب جانب على آخر .

فالداعية أمام مسئوليات ثلاث :

1 ـ مسئوليته تجاه نفسه .
2 ـ مسئوليته تجاه أهله .
3 ـ مسئوليته تجاه مجتمعه .

والداعية الموفق الناجح ، هو الذي يحفظ معادلة التوازن هذه ، فيعطي كل جانب من هذه الجوانب حقه من الاهتمام ، تنفيذًا لتعاليم النبوة ، وامتثالاً لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن لنفسك عليك حقًّا ، وإن لزوجك عليك حقًّا ، وإن لربك عليك حقًّا ، فأعط كل ذي حق حقه ) .

والذين لا يتقيدون بهذه القاعدة ، ولا يعملون على تحقيق التوازن بين اهتماماتهم ، ويغالون في الاهتمام بجانب من مسئولياتهم على حساب الجوانب الأخرى .. إن هؤلاء في أكثر الأحيان يفقدون عنصر الاستقرار في حياتهم ، ولا يملكون القدرة على الاستمرار في دعوتهم .

وإذا كان الإسلام يفرض على الأخ المسلم أن يوازن بين اهتماماته تلك ، فلكي يتمكن من تحقيق قوامة الدعوة على جوانب حياته كلها ، وبذلك يكون رجل الدعوة في كل الميادين الخاصة والعامة .

ومن أخطر الأمراض التي تصيب الدعاة والعاملين للإسلام ، اهتمامهم بالإسلام خلال عمل الدعوة ، وانفصامهم عنه خارج هذا النطاق ، سواء في شئونهم الخاصة أو العائلية أو الوظيفية بمعنى أن هؤلاء يعيشون الإسلام من خلال أجواء التنظيم فقط ، ثم ينسلخون عنه فيما عدا ذلك من أجواء ، وبذلك يكون الإسلام في وادٍ وحياتهم الخاصة والعائلية في وادٍ آخر .

وإذا كان على الأخ المسلم تحقيق المعادلة بين مسئولياته المتعددة ، فإن عليه كذلك أن يعمل على تحقيق التوازن في نطاق كل مسئولية من هذه المسئوليات .

أولاً : مسئوليته تجاه نفسه :

كثير من الدعاة يسقطون بالكلية مسئوليتهم تجاه أنفسهم ويعتبرون ذلك من الإيثار ، علمًا بأن الإنسان في الإسلام مسئول في الدرجة الأولى عن نفسه : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا } ( التحريم : 6 ) ، { كل نفس بما كسبت رهينة } ( المدثر : 38 ) .

وحيال اهتمام الأخ المسلم بنفسه ، لا بد من تحقيق التوازن في ذلك كذلك .. فلا يكون اهتمامه ( بجسده ) على حساب ( عقله ) ، أو يكون اهتمامه ( بعقله ) على حساب ( روحه ) .. وإنما يجب أن يكون اهتمامه بهذه الجوانب جميعًا من خلال منهج الإسلام في تكوين الشخصية الإسلامية ..

أ ـ فهو مسئول حيال جسده أن يدفع عنه كل ما يضعفه ويرهقه ويؤذيه ، ويحفظه سليمًا قويًّا معافًا ، قادرًا على مواجهة الظروف الصعبة وتقلبات الأيام .
ب ـ وهو مسئول حيال عقله ، أن يحفظه رشيدًا متزنًا ، وأن يوفر له ما يوسع آفاقه وينمي قدراته .. والداعية مشرف على الإفلاس لا محالة إن كان حجم عطائه أكبر من حجم أخذه وتلقيه ( وفاقد الشيء لا يعطيه ) .
ج ـ وهو كذلك مسئول عن قلبه يصقله ويصلحه ويزكيه ، يعالج اضطرابه وهواجسه بالإكثار من ذكر الله ـ تعالى ـ وينمي شفافيته بالإقبال على طاعة الله ، وهو في كل ذلك يتبع المنهج الرباني الذي تربى عليه الجيل القرآني الأول .

ثانيًا : مسئوليته تجاه أهله :

وكما أن على الداعية مسئولية تجاه ( نفسه ) فإن عليه مثلها تجاه أهله ( زوجته وأولاده وبيته ) ، وتحقيق التوازن الذي يأمر به الإسلام يفرض إعطاء الأهل حقهم الكامل من هذه القسمة العادلة .

أ ـ فالداعية مسئول عن إقامة الإسلام في أهله وبيته وبين أفراد عائلته ، قبل أن يكون مسئولاً عن إقامته في مجتمعه ..

ومسئوليته في هذا النطاق أكبر وأخطر .. أو لم يسمع إلى قوله ـ تعالى ـ : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } .

إن علاقة الأخ بزوجته يجب أن تتعدى العلاقة الحسية لتصبح علاقة الشريكين المسئولين عن إرساء قواعد الإيمان في بناء بيتهما المسلم ، وعن تحقيق أجواء المودة والرحمة التي هي سر نجاح البيت المسلم .. كل ذلك من خلال الكلمة الطيبة ، والنصيحة الدافئة ، والقدوة الحسنة التي يجب أن يقدمها الأخ من نفسه قبل أن يطلبها من أهله ومن الآخرين .

إن بعض الإخوة يعمدون إلى ممارسة مبدأ ( القوامة ) ممارسة خاطئة ، ويظنون أن هذا المبدأ يفرض أن تكون علاقة الرجل بالمرأة كعلاقة الرئيس بالمرءوس ، وكعلاقة الضابط بالجندي ، مع أن هذا الفهم غريب على الإسلام ، فضلاً عن كونه يساعد على هدم الحياة الزوجية لا على بنائها ، وعلى تعاستها وشقائها وليس على سعادتها وهنائها .

إن هذا لا يعني ـ بحال ـ أن يكون الزوج أسير زوجته وأسير أهوائها ورغباتها ـ معاذ الله ـ ولكنه يعني أن مسئوليتها لا تقل عن مسئوليته في بناء الأسرة المسلمة ، وإنها إن كانت كذلك وجب أن تكون العلاقة بينهما علاقة مسئولية من طرفين لا من طرف واحد .

إن أخطر ما يصيب البيت المسلم ويتهدد الأبناء بالضياع والانحراف وبكثير من العقد النفسية ، ناجم أساسًا من سوء العلاقة بين الزوجين ، ومن دوام الخلاف والشجار ولواحقه المدمرة .

ب ـ والداعية مسئول عن تأمين الحقوق المادية لبيته ، فهو مسئول عن العمل والكسب ، وإذا كانت ضغوط الحياة دفعت اليوم بالنساء إلى خوض مجالات العمل المختلفة فهذا لا يعني أن عمل المرأة أصبح واجبًا ، أو مبررًا لتقصير الرجل عن القيام بمسئولياته في هذا الجانب .

وليس للزوج أن يكره زوجته على العمل خارج المنزل إلا أن يكون ذلك عن تفاهم بينهما ، وحاجة ضاغطة وملحة عليهما ، وإقبال ورضى من المرأة بذلك .

والحقيقة أن كثيرًا من المشاكل العائلية ما كانت لتحدث إلا بسبب عمل المرأة خارج المنزل ، مما يتسبب في أن تعيش العائلة على أعصابها ، وفي سباق من المسئوليات المتراكمة والأوقات الضاغطة ، وبذلك يتعذر قيام أي منهاج في البيت ينظم علائق الزوجين ببعضهما ، وعلائقهما بأولادهما ، ويؤمن الحاجات التربوية فضلاً عن الحاجات العضوية الأخرى بشكل مقبول من نوم وراحة وطعام وفسحة ونظافة .. إلخ .

والواجب يقتضي في حال اضطرار المرأة إلى العمل خارج البيت أن يكون التعاون بين أفراد العائلة على القيام بالواجبات اليومية على أعلى مستوى ، للتعويض عن الفراغ الذي يسببه غياب المرأة عن البيت ، ومنعًا لنشوء أسباب مثيرة للخلاف باعثة على تعاسة البيت وشقائه .

ثالثًا : مسئوليته تجاه دعوته :

إن واجب الأخ المسلم تجاه دعوته واجب مقدس وأساسي لا يجوز التفريط به أو التهاون فيه ، وعليه أن يفرد له من الجهد والوقت ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وأن يسعى إلى تحقيق وتطبيق المعادلة والتوازن اللذين أمر بهما الإسلام .

ثم إن عليه أن يحاول مضاعفة عطائه الدعوي دون أن يمس جوهر التوازن وحقيقته حتى يصبح التوجه الحياتي توجهًا دعويًّا في كافة مجالاته ، وحتى يتحقق فيه قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من جعل الهم همًّا واحدًا كفاه الله هم دنياه ، ومن تشعبته الهموم لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلك ) رواه الحاكم .

إن على الأخ المسلم أن يدرك أن الاستغراق في طلب الدنيا ليس شرطًا في تحقيق الغنى والثراء ، ولو حققه فليس شرطًا في تحقيق السعادة والهناء .

فكم من أناس سفحوا على حطام الدنيا جل عمرهم دون أن يدركوها وخسروا الآخرة ، ومنهم من أدركها ولم يدرك السعادة منها فباء بالشقاء .

وكم من أناس أداروا للدنيا ظهورهم ابتغاء أعمال الآخرة ، فأقبلت عليهم الدنيا ذليلة صاغرة ، وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : { ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب } ( الطلاق : 2،3 ) .

وواجب الأخ المسلم أن يكون عطاؤه للإسلام وللدعوة هو العطاء الأكمل والأوفر والأكثر ، وليس العكس ، كما هو شأن الذين يبخلون بأوقاتهم أن تذهب في الدعوة هدرًا ، ويبخلون بأرواحهم أن تزهق في سبيل الله غيلة وغدرًا ، ثم هم لا يتخلفون عن ركوب أعتى الأمواج خطرًا ومواجهة أشد الظروف ضررًا ، استزادة من الدنيا ونعيمها .. ألا { قتل الإنسان ما أكفره ، من أي شيء خلقه ، من نطفة خلقه فقدره ، ثم السبيل يسره ، ثم أماته فأقبره ، ثم إذا شاء أنشره ، كلا لما يقض ما أمره } ( عبس : 17 ـ 23 ) .

إن عمل الدعوة له ( لذة ) لا تدانيها لذة المال والنساء .. وإن له عند الله لقيمة وأجرًا دونهما قيمة الدنيا ونعيمها ..

إنها لذة الهداية : ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير من حمر النعم ) متفق عليه ..

لذة الشعور بالرضى : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ..

لذة الشعور باستعلاء الإيمان وانتصاره في النفس والمجتمع : { ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله } .

إن الإسلام يريد أصفياء لدعوته ، كرماء في سبيله ، يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار ، وبخاصة في عصر أكثر الناس في إدبار والقليل في إقبال ، وغلبة القلة المؤمنة مشروطة بكلية إقبالها على الله .

العمل الإسلامي المتكامل والمتوازن عمل صعب

كثيرًا ما تبرز في ساحة العمل الإسلامي اتجاهات ذات اهتمامات خاصة غير متكاملة ولا متوازنة ، هذه الاتجاهات قد تنمو نموًّا سريعًا ، وقد يكون نموها السريع هذا محل تساؤل لدى بعض العاملين في الاتجاه الإسلامي المتكامل والمتوازن ، وقد يصل الأمر ببعض هؤلاء حد التشكك في دعوتهم حيث تبدو لهم بطيئة في سيرها ونموها ، في حين يرون تلك تتنامى سرعة ، دون أن يفطنوا إلى السر والسبب ..

إن السبب في سرعة نمو الاتجاهات ذات الاختصاص أو الاهتمام الجزئي إنما يعود إلى سهولة العمل في الاتجاه الواحد ، وسهولة الإبداع في الاختصاص الواحد .

إن الحركات ذات الاهتمام السياسي مثلاً ستكون أقدر على النمو واكتساب الخبرة السياسية والتفوق في العمل السياسي من حركة ذات اهتمام كلي ونشاط شامل .

وإن الاتجاهات ذات الاختصاص بجانب من جوانب المنهج الإسلامي ـ كجانب العقيدة مثلاً أو الفقه ـ ستكون مساحة عملها في هذا الإطار أكبر من حركة متعددة جوانب الاختصاصات والاهتمامات .

ولكن المشكلة لا تكمن هنا ، إنما تكمن في عجز هذه الاتجاهات والحركات غير المتكاملة والمتوازنة عن تغطية أي جانب من جوانب العمل الإسلامي خارج إطار تخصصها ، في حين أن العمل الإسلامي المتكامل والمتوازن يملك من قدرة التحرك والعمل في كافة المجالات وإن بنسب أقل ، ولكن ليس دون المستوى المطلوب .

إن تكوين ذهنية ذات إلمام بعلم التوحيد وشئون العقيدة مثلاً ، أسهل بكثير من تكوين ذهنية ذات إلمام بكافة العلوم الشرعية المطلوبة ، كما أن تكوين ذهنية ملمة بالعمل الاجتماعي أو الخيري فقط ، سيكون أسهل من تكوين ذهنية ملمة بعمل الدعوة في كافة القطاعات والمجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية والحركية والطلابية ، وغيرها .

إن سهولة العمل الجزئي هي سبب تناميه السريع ، وهي بالتالي سبب ارتكاسه السريع كذلك ، أما صعوبة العمل الكلي المتوازن وما يحتاجه من معاناة فهي سبب نموه البطيء ، وهي بالتالي سبب ثباته ونجاحه ، وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( أحب الأعمال إلى الله ـ تعالى ـ أدومها وإن قل ) رواه الشيخان .

الحلقة الرابعة - وجوب وحدة العمل الإسلامي

مبررات التعددية عند أصحابها

تكاد تكون التعددية في العمل الإسلامي ظاهرة عالمية لم ينج منها قطر من الأقطار ، صغيرًا كان أم كبيرًا .. بل لم تنج منها أية مجموعة أو جالية إسلامية على امتداد العالم .

ففي كل مكان عشرات التنظيمات والهيئات والجماعات والمشيخات والأحزاب الإسلامية ..

في لبنان مثلاً ـ والذي لا يبلغ تعداد المسلمين فيه أكثر من مليون ونصف مليون نسمة ـ هناك عشرات التنظيمات الإسلامية ، منها : الجماعة الإسلامية ـ حزب التحرير ـ جماعة التبليغ ـ جماعة عباد الرحمن ـ جند الله ـ جمعيات مكارم الأخلاق الإسلامية ـ جمعية المقاصد الإسلامية ـ جمعية المحافظة على القرآن الكريم ـ جمعية التربية الإسلامية ـ جمعية التوجيه الإسلامي ـ جمعية الإصلاح الإسلامية ـ جمعية البر والإحسان ـ جمعية الشبان المسلمين ـ التجمع الإسلامي ـ حركة التجمع الإسلامي ـ المجلس الإسلامي ـ يضاف إلى ذلك المشيخات والفرق الصوفية الكثيرة والمختلفة ..! .

والغريب أن بعض العاملين في الحقل الإسلامي يعتبرون التعددية هذه ظاهرة صحية ، وأنها مدعاة إلى احتواء حجم أكبر من الناس ، وتغطية مساحة أوسع من العمل !! .. وكأن القضية قضية حجم وسعة في الأنصار والانتشار ، وليس في نوعية العمل وفاعليته في إحداث التغيير الإسلامي .

مبررات التعددية عند أصحابها :

وأصحاب القناعة بالتعددية ، والمسئولون عن تعددية العمل الإسلامي ، والذين تسببوا باستحداث تنظيمات وجماعات إسلامية بالرغم من وجود تنظيمات وجماعات إسلامية سابقة ، يعمدون إلى تقديم مبررات لفعلتهم هذه ولتصرفهم ذاك .. وتكاد تكون هذه المبررات واحدة ، منها :

( 1 ) أن التنظيمات الإسلامية السالفة استنفدت أغراضها ، ولم تعد قادرة على تحقيق الأهداف الإسلامية .

( 2 ) أن تلك التنظيمات والجماعات تهتم بجانب من جوانب العمل ، أو تغلِّب جانبًا من الجوانب .

( 3 ) أن تلك التنظيمات والجماعات عليها شبهات كثيرة ، وعلامات استفهام عريضة ، وأن إقامة تنظيم جديد يريح العاملين فيه من كل هذه الشبهات وعلامات الاستفهام .

( 4 ) أن تلك التنظيمات والجماعات وقعت في أخطاء كثيرة .

والآن ماهي النتيجة ؟

والآن لو جئنا نبحث ونفتش عن مآل هذه المبررات بعد توالد التنظيم الثاني والثالث والرابع ..

هل أن التنظيم الأول استنفد أغراضه ، وأن التنظيمات المتوالدة حققت أغراضًا لم يحققها هو ؟ .

وهل نجت هذه التنظيمات من الشبهات والأخطاء بعد قيامها على أرض الواقع ؟ .

إن الحقيقة المرة التي تطالعنا ، هي انهيار هذه المبررات وسقوطها دفعة واحدة بعد ولادة كل تنظيم جديد على الساحة الإسلامية :

( 1 ) فالتحديات والشبهات التي ظن تنظيم ما أنه سيكون في مأمن منها ومنجاة ، لحقته جملة وتفصيلاً .. ولقد غاب عن باله أن الإسلام هو المستهدف والمقصود في الأساس ، وأن العاملين للإسلام كائنًا ما كانت أسماؤهم ومسمياتهم أمام مصير مشترك .

( 2 ) وأن العيب الذي كان يراه في غيره أصبح متهمًا به هو ، وأن سابقة إجازته للتعدد قد فتحت الباب على مصراعيه أمام ما يسمى ( بالحركات التصحيحية ) وأكثرها من عمل الشيطان ؛ لأنها لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانشقاق والانقسام .

( 3 ) وفي النهاية لو جئنا إلى هذه التنظيمات التي توالدت ، وإلى هذه الحركات التصحيحية التي قامت ، لوجدنا أنها لم تتعد في أعمالها مجتمعة حجم ما حققه التنظيم الأول الذي توالدت عنه هذه التنظيمات .

فما الفائدة التي جناها الإسلام ـ إذن ـ من خلال التعددية ؟ وما المكاسب التي حققها التنظيم الثاني والثالث والرابع ولم يتمكن من تحقيقها التنظيم الأول ؟ .

آثار التعددية على الإسلام والمسلمين

مشكلة التعددية ليست في عدم تحقيقها فائدة ما في نطاق العمل الإسلامي فحسب ، وإنما فيما خلقته من آثار سيئة على الساحة الإسلامية ، من هذه الآثار على سبيل المثال :

( 1 ) أنها أعطت كثيرًا من المسلمين مبررات للهروب من الانتماء الحركي ، بسبب ذريعة التحير التي يبديها هؤلاء حيال كثرة الاتجاهات .

( 2 ) أنها فتتت القوى الإسلامية وأضعفتها ، ولم تكن بحال عاملاً في تطوير العمل الإسلامي وإغنائه ، وإنما كانت عاملاً في تشرذمه وتخلفه ، وعاملاً في التشكيك فيه .

( 3 ) أنها سهلت على أعداء الإسلام عملية تصفية الاتجاه الإسلامي باستفراد كل كيان على حدة ، ولم تكن باعث صمود أمام التحدي .

( 4 ) أفرزت حساسيات لدى أتباع كل تنظيم من التنظيمات الأخرى ، مما زاد في تشرذمها ، وأجج العصبية الحزبية الفئوية بين أفرادها ، وجعل بأسها بينها بدل أن يكون بينها وبين عدوها .

( 5 ) وهذا كله عمل على تأخرها وتخلفها وعدم وصول واحدة منها إلى أهدافها ، وبلوغها الغاية التي حددتها لنفسها .

آثار التعددية على المستوى الحركي

ولقد كان للتعددية آثار بالغة السوء والخطورة على العمل الإسلامي ، مما أدى إلى بروز كيانات إسلامية مشوهة ألحقت إساءات بالفكر الإسلامي وبالمنهج الإسلامي .. من هذه الآثار :

( 1 ) بروز ظاهرة الشخصانية والفردية والمشيخية بديلاً عن العمل المؤسسي المنظم .

( 2 ) بروز ظاهرة الإقليمية والمحلية في العمل الإسلامي بديلاً عن عالميته ووحدته ومركزيته .

( 3 ) بروز ظاهرة الولاء الحزبي بديلاً عن الولاء المبدئي والعقيدي .

( 4 ) بروز ظاهرة الجزئية في العمل الإسلامي بدل الكلية والشمولية .

( 5 ) وأبرز هذه الآثار ، هي أن كل فريق كان يقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها غيره ، لأنه كان يأبى الاستفادة من التجربة التي مر بها سواه ، وهذا ما يبقي الاتجاه الإسلامي في دوامة من التجارب على حساب الإسلام ، والذكي من اتعظ بغيره ، ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .

الخلفيات الحقيقية للتعددية

الحقيقة أن الأسباب التي يبرر بها هذا التنظيم أو ذاك وجوده وقيامه ـ وبالرغم من وجود تنظيم سابق له ـ غير مقبولة لكونها غير شرعية وغير منطقية ، وغير صحيحة !! .

الحقيقة الأخرى هي أن وراء التعددية أسبابًا وخلفيات كثيرة أخرى يمكن أن نستعرض منها ما يلي :

( 1 ) من الخلفيات الكامنة وراء التعددية في العمل الإسلامي ، خلفيات دولية ـ من هذا المعسكر أو ذاك ـ الهدف منها ضرب العمل الإسلامي الأصيل من قلب الساحة الإسلامية .. فالإنجليز مثلاً عندما أرادوا ضرب الحركة الإسلامية المتوثبة في شبه القارة الهندية بقيادة ( أحمد بن عرفان ) اصطنعوا حركة إسلامية أخرى منحرفة هي ( الحركة القاديانية أو الأحمدية ) .

( 2 ) ومن الخلفيات الكامنة وراء التعددية سلطان النزعة ( الزعامية ) والذي يحول في كثير من الأحيان دون وحدة العمل ، التي تتطلب تجردًا لله ، وتضحية في سبيله ، كما تتطلب نكران النفس والذات احتسابًا لوجه الله .

( 3 ) ومن الخلفيات الكامنة وراء بعض التعدديات ، سلطان النزعة المادية والحرص على المنافع الدنيوية .. فلقد ابتلي الإسلام في هذا العصر بأدعياء يتاجرون بالإسلام ، ويبتزون بالإسلام ، ويحققون من خلاله مصالحهم .. وهؤلاء لا شك يرفضون وحدة العمل الإسلامي لأن من شأنها أن تغلق ( دكاكينهم ) وتعطل مصالحهم وتفوت عليهم الثروات .

من المؤسف أن هنالك عشرات الجمعيات القائمة هنا وهناك وهنالك لها رحلة في الشتاء ورحلة في الصيف لجمع التبرعات من دول الخليج ، وهي في الواقع جمعيات وهمية لا وجود لها ولا أثر على ساحة العمل الإسلامي .

( 4 ) ومن الخلفيات الكامنة وراء التعددية ، الجهل بالإسلام ، أو بمقتضيات العمل الإسلامي في هذا العصر ، وهذا ما جعل ساحة العمل الإسلامي حقول تجارب لفئات شتى من العاملين ، من دون أن تعمد فئة من هذه الفئات إلى الاستفادة من تجارب غيرها .

ولكن كل هذا لا يعني ـ حصرًا ـ انعدام وجود مبررات شرعية وحركية لقيام أي تنظيم إسلامي في أعقاب تنظيم آخر أو على أنقاضه .

وحدة العمل الإسلامي فريضة شرعية

ومما لا شك فيه أن الأصل في الشريعة هو وحدة العمل الإسلامي وليس تعدده .. وأن هذه الوحدة تعتبر فريضة شرعية من عدة وجوه :

ـ الأصل وحدة المسلمين ووحدة الأمة لقوله ـ تعالى ـ : { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون } ( الأنبياء : 92 ) .

وقوله : { وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون } ( المؤمنون : 52 ) .

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ( لأحمد في مسنده ولمسلم ) .

ـ الأصل الحض على الوحدة والنهي عن الاختلاف لقوله ـ تعالى ـ : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ( آل عمران ).

{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } ( الأنعام : 159 ) .

وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من فرق فليس منا ) رواه الطبري .

ـ الأصل التزام جماعة لا جماعات ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع ، فاضربوه بالسيف كائنًا ما كان ) رواه مسلم ، وقوله : ( دعانا النبي فبايعناه ، فقال : فيما أخذ علينا ، أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان ) رواه البخاري .

وقوله : ( الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب ) زوائد المسند ( ض ) .

وقوله : ( يد الله على الجماعة ) رواه الترمذي .

جاء في هامش ( الجامع الصغير للإمام السيوطي ) تعليقًا على هذا الحديث : ( يد الله على الجماعة : أي حفظه ووقايته وكلاءته ، أي هم في كنفه ، ويد الله قوته ، وأوصى حكيم أولاده : ائتوني بعصي ، فجمعها وقال : اكسروها مجموعة ، فلم يقدروا ، ففرقها وقال : اكسروها ، ففعلوا ، فقال : لن تغلبوا ما اجتمعتم ، فإذا تفرقتم تمكن منكم العدو ) الجامع الصغير ( 2/ 370 ) .

وحدة العمل الإسلامي ضرورة حركية

وفضلاً عن كون وحدة العمل الإسلامي فريضة شرعية ، فإنها ـ كذلك ـ ضرورة حركية وبشرية لأسباب كثيرة ، منها :

( 1 ) إن التغيير الإسلامي المنشود يستلزم تضافر القوى الإسلامية جمعاء في مسيرة واحدة ، وضمن خطة واحدة ، وتشرذم هذه القوى وعدم توحدها من شأنه تعطيل هذه العملية وتأخير الانقلاب الإسلامي ، وبالتالي تمكين القوى الجاهلية من الاستمرار والاسترسال في قيادة المسلمين بشرًا وأقطارًا .

فالتغيير الإسلامي عملية شاقة ، ودحر القوى الجاهلية عن مواقعها ليس بالأمر السهل ، وتحقيق قوامة الإسلام على المجتمع ـ فكرًا وسلوكًا ونظامًا ـ يفرض تلاحم القوى ضمن إطار وحدة ( اندماجية ) لا تنسيقية .

( 2 ) والتواطؤ الدولي على الإسلام وعلى الحركة الإسلامية يفرض بالتالي وحدة المواجهة والتصدي .. فالدول الغربية يجمعها ( حلف شمال الأطلسي ) ، وأوروبا تتعاون فيما بينها ضمن إطار ( السوق الأوروبية المشتركة ) ، ودول المنظومة الاشتراكية يجمعها ( حلف فرصوفيا ) ، واليهود يلتقون ضمن ( المنظمة الصهيونية العالمية ) .

فإذا كانت القوى العالمية المعادية للإسلام المتآمرة على العالم الإسلامي تتعاون فيما بينها وتوحد جبهاتها ، أفلا يحسن بالقوى الإسلامية في العالم الإسلامي أن تتداعى إلى وحدة فيما بينها ، كي لا تكون لقمة سائغة ، وكي لا تسهل تصفيتها وسحقها ؟! .

فلو لم تكن وحدة العمل الإسلامي فريضة شرعية من حيث المبدأ ، لأصبحت كذلك حفاظًا على المصير الإسلامي ، وصونًا للمسيرة الإسلامية من التعطل والتنكيل والإبادة .

( 3 ) ثم إن القوى والأحزاب المحلية المعادية للإسلام باتت تجمعها اليوم جبهات على امتداد العالم الإسلامي ، هذه الجبهات لا تفتأ تدرس وترصد وتخطط وتستعد على كل صعيد ، أفيحسن بالقوى الإسلامية ـ حيال هذا الواقع ـ أن تبقى مشرذمة مفككة ؟ أم يجدر بها أن تتعالى فوق كل الاعتبارات والأسباب التي تحول دون وحدتها وتلاحمها ؟ .

إن مصيرًا مشتركًا رهيبًا ينتظر كل القوى الإسلامية ما لم تبادر إلى نسيان النفس والذات ، وتخرج من دوامة النفس والذات ، لتلتقي جميعًا على الله ، وعلى مصلحة الإسلام العليا .

والمطلوب من الجميع وقفة جريئة من النفس ، صادقة مع الله ، مجردة من الأنانية والعصبية والحزبية وحب الذات ..

وساعتئذ .. يفرح المؤمنون بنصر الله ، قل عسى أن يكون قريبًا .

الحلقة الخامسة - وجوب التربية الجهادية في العمل الإسلامي

الإسلام دعوة جهادية

تبعًا لبروز ظاهرة ( التعددية ) على الساحة الإسلامية ، برزت تصورات شتى حول ( التربية الجهادية ) واعتماد ( الخط الجهادي ) في العمل الإسلامي .

فهنالك اتجاهات إسلامية تتبنى ( الخط الجهادي ) سواء في تربية أفرادها ، أو في أسلوب عملها وتعاملها مع المجتمعات التي تعيش فيها ، ومع الأنظمة التي تحكم هذه المجتمعات .

وهنالك اتجاهات أخرى ترفض ( الخط الجهادي ) جملة وتفصيلاً ، مكتفية بما هو دون الجهاد الحسي من ( توجهات جهادية ) كمجاهدة النفس وتزكيتها ، ومجاهدة الناس بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة ، ومجاهدة الحكام بالتذكير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، دون أن يدخل في حسابها من قريب أو بعيد ، تبنيها للقوة أو للجهاد الحسي في تغيير المجتمعات ، وتحقيق الانقلاب الإسلامي .

وهنالك اتجاهات إسلامية كذلك لا ترفض الخط الجهادي ، ولكنها ترفض ممارسته ذاتيًّا وفي إطار التنظيم ، وترى أن الوسائل الجهادية وأسباب التغيير الحسية يمكن الاستحواذ عليها عبر مؤسسات الدولة نفسها ، أو من خلال طلب النصرة ، دونما حاجة إلى تكوينها وامتلاكها ، لما في ذلك من محاذير ، ولما يتطلبه من جهود ، وهي لذلك لا تكلف نفسها مسئولية ما ، سواء ( على مستوى تكوين الشخصية ) أو في ( إطار العمل الحركي ) تتصل بجانب الإعداد الجهادي .

هذه المفارقات والإشكالات التي أفرزها تعدد التصور الحركي للعمل الإسلامي ، ولطبيعته وسماته وقسماته ، جعل الساحة الإسلامية على مدار سنوات طويلة ، شبه خالية من ( المجاهدين ) بالرغم من ازدحامها بالعاملين والوعاظ والمرشدين والفلاسفة والمؤلفين والمنظرين .

وهنا يكمن سر سقوط أقطار العالم الإسلامي بأيدي أعداء الإسلام قطرًا قطرًا ، وذلك لخلو هذه الأقطار من حركات ( جهادية ) تقف في مواجهة التحدي والتصدي لأية محاولة تستهدف ضرب الإسلام واستئصال وجوده الحركي ، ومن ثم التحكم بمقدراته وسياسته ومصيره .

الإسلام دعوة جهادية :

من صفات الإسلام الرئيسية أنه دعوة جهادية ماضية في مواجهة الباطل وإحقاق الحق إلى أن تقوم الساعة ، وصدق الله ـ تعالى ـ حيث يقول : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحقها ، وحسابهم على الله ) رواه الشيخان .

فمن طبيعته عدم مهادنة الجاهلية أو التعايش معها أو مساومتها أو تقديم تنازلات لها :

{ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك الأقربين } ( الشعراء : 214 ) .

{ قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولي دين } ( سورة الكافرون ) .

{ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم } ( الشورى : 15 ) .

ومن طبيعته أنه يرفض كل الحلول المطروحة ويعتبرها مشكلات وليست بحلول ، فهو لا يقبل مع الإسلام منهجًا غير منهجه ، ولا دينًا غير دينه ، ولا شرعة غير شرعته :

{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا } ( المائدة 3 ) .

{ إن الدين عند الله الإسلام } .

{ ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران : 19 ) .

ومن طبيعته أنه يجعل التشريع حق الله وحده ، ولا يقبل بالاحتكام لغير شرع الله ، ولهذا فهو يرفض التشريعات الوضعية جميعًا ، سواء كانت أجنبية أم عربية ، شرقية أم غربية :

{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ، فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، وإن كثيرًا من الناس لفاسقون ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون } ( المائدة : 52 ) .

ومن طبيعته أنه لا يرضى لأتباعه الدنية في شيء ولا يقبل لهم الذل والهوان في أمر :

{ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } ( المنافقون : 8 ) .

{ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } ( المائدة 57 ) .

{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... } ( الفتح : 29 ) .

ثم إن الإسلام يعتبر الجهاد طريق المؤمنين إلى الجنة ، وسبيلهم إلى مرضاة الله ـ تعالى ـ ونعيم الآخرة ، وإن ترك الجهاد والتخلي عنه يورث الذل والخنوع والهوان ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) رواه الشيخان وأبو داود .

الجماعة المسلمة حركة جهادية

والإسلام يعتبر الجماعة المسلمة في أي مكان قامت وفي أي زمان كانت حركة جهادية هدفها الأصيل تعبيد الناس لله ـ تعالى ـ وجعل الحاكمية والقوامة لتشريعه .

فكتاب الله ـ تعالى ـ يصف الجماعة المسلمة بقوله :

{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، أولئك هم الصادقون } ( الحجرات : 15 ) .

{ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم } ( محمد : 31 ) .

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصف الجماعة المسلمة فيقول :

( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ) رواه الشيخان .

( لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها ) رواه ابن ماجة .

( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ) للحاكم في المستدرك .

والمسلمون الأولون عرفوا أنهم أمة جهاد وحركة جهاد فعاشوا مجاهدين بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ، يقولون الحق ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ويقيمون العدل ، ولا يخشون في الله لومة لائم .

لم يكونوا ليرهبوا سطوة حاكم ، وسوط جلاد ، وحبل مشنقة ، بل إنهم ليستعذبونه في سبيل الله ، ولسان حالهم جميعًا ما نطق به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قلب المحنة : ( إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي .. ) .

لم تكن الجماعة المسلمة التي رباها محمد بن عبد الله على عين الإسلام ( مدرسة فكرية أو فلسفية ) هدفها نشر الفكر والفلسفة بين الناس قبلوها أو رفضوها ، أو حتى تخريج مفكرين وفلاسفة ليس إلا .

كما لم تكن تلك الجماعة ( فرقة صوفية ) تعيش معزولة عن دنيا الناس وصراعاتهم في أجواء الرياضة الروحية ، لا تدري ما يجري حولها من كيد للإسلام ، وتآمر عليه وتشويه لشخصيته ، واستئصال لوجوده ، حسبه منها صلاة وصوم وإنشاد .

ولهذا غضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين جيء برجل أتى جبلاً يتعبد فيه ، وقال له : ( لا تفعل أنت ولا أحد منكم ، لصبر أحدكم في بعض مواطن الإسلام خير له من عبادة أحدكم وحده أربعين عامًا ) .

وفي رواية للترمذي ، قال : ( لا تفعل ، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة ، اغزوا في سبيل الله ، من قاتل في سبيل الله فوق ناقة وجبت له الجنة ) .

التغيير الإسلامي وحتمية الجهاد

ثم إن ( التغيير الإسلامي ) الذي هو الهدف الرئيسي من العمل الإسلامي لا يمكن تحقيقه من غير جهاد ، وبدون صياغة جيل مجاهد ، وإقامة تنظيم جهادي .

فالمهمة التغييرية مهمة شاقة ، بل إن الأيام تزيدها مشقة ؛ لأن الكيانات القائمة في العالم الإسلامي والقابضة على الزمام فيه تعمق لونها العقائدي المناهض للإسلام والمرتبط بأعدائه .

وزمن الحريات ، أو ما يسمى ( بالديمقراطيات ) ولى إلى غير رجعة وحل محله عصر ( الديكتاتوريات ) الذي أشار إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال : ( ألا إن رحى الإسلام دائرة ، فدوروا مع الإسلام حيث دار ، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان ، فلا تفارقوا الكتاب ، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يحكمون لأنفسهم ما لا يحكمون لكم ، إن عصيتموهم قتلوكم ، وإن أطعتموهم أضلوكم ) قالوا : وماذا نفعل يارسول الله ؟ قال : ( كما فعل أصحاب عيسى ـ عليه السلام ـ نشروا بالمناشير وحملوا على الخشب ، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية ) .

وقال : ( تكون نبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم تنقضي ، ثم تكون خلافة راشدة على منهج النبوة ما شاء الله لها أن تكون ثم تنقضي ، ثم يكون ملكًا عضودًا ( وراثيًّا ) ما شاء الله له أن يكون ثم ينقضي ، ثم تكون جبرية ( ديكتاتورية ) ما شاء الله لها أن تكون ثم تنقضي ، ثم تكون خلافة راشدة على منهج النبوة ، تعم الأرض ) .

إن القوى الظاهرة والخفية القابضة على الزمام في العالم الإسلامي قوى شريرة ، مغسولة الأدمغة ، قد هيأها أعداء الإسلام لهذا الدور منذ زمن بعيد ، هذه القوى لا يمكن قهرها والتغلب عليها بغير جهاد وبغير حركة جهادية وبغير تربية جهادية ، هذه القوى تمتلك كل أسباب القهر والتنكيل والإبادة ، ومعطى لها الضوء الأخضر من كل أعداء الإسلام في الداخل والخارج ، وعلى رأسهم القوى الدولية الثلاث ( الصهيونية والصليبية والشيوعية ) .

إن إزالة هذه القوى وإقامة الإسلام مكانها ليس بالأمر السهل الهين ، فهي ستتشبث بمواقعها حتى النفس الأخير ، وإن تحقيق ذلك يحتاج إلى حركة أعدت نفسها للجهاد الطويل والمرير ولكل أنواع المعاناة والمواجهات .

إن ذلك يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى ( تربية جهادية ) تخرج أنماطًا من المجاهدين ، يحبون الموت كما يحب الناس الحياة ، ويعيشون هم الإسلام وقضايا الإسلام ليلهم ونهارهم .

والتربية الجهادية ليست فقرة خاصة تضاف إلى منهج التربية في ظرف من الظروف أو في فترة من الفترات ، وإنما هي روح المنهج كله ، والسمة المشتركة بين جميع فقراته .

إن تحول حركات ( فكرية وتربوية ) علنية إلى حركات جهادية يحمل معه كثيرًا من المحاذير والأخطار ، في حين أن نشأة هذه الحركات على الأسس الجهادية ابتداء يجعلها أكثر أثرًا وأشد خطرًا على الكيانات الجاهلية ، وأقدر على اقتلاعها ، وإقامة البديل الإسلامي مكانها .

ماذا نعني بالتربية الجهادية ؟

التربية الجهادية لا تعني بحال إسقاط جوانب التربية الأخرى من الحساب ، لا تعني التفرغ للتربية العسكرية وشئون القتال ، لا تعني إهمال التربية الروحية والفكرية وإغفال التربية السياسية والحركية ، إنما تعني تأصيل الروح الجهادية لدى الفرد والجماعة ، وجعل هذه الروح وشيجة الربط بين سائر الاهتمامات والعنوان الرئيسي لها ، تعني إيجاد الإنسان الذي يعيش من أجل الإسلام .. الإنسان الذي يدرك عظمة دوره وخطورته ودقته ، فهو لا يتوانى يهيئ نفسه ويستعد للقيام بهذا الدور على أكمل وجه .. الإنسان المعلق قلبه بالله وبالآخرة ، فهو لا يعيش لدنياه مقدمًا فضول الوقت والجهد لآخرته ودعوته .. الإنسان المتلهف إلى الشهادة في سبيل الله ، والذي يعيش حقيقة الشعار الذي يردده : ( الموت في سبيل الله أسمى أمانينا ) .

إن التربية الجهادية هي التربية التي تجعل الإنسان كائنًا ما كان اختصاصه وعمله مجاهدًا في سبيل الله ، مسخرًا اختصاصه للجهاد في سبيل الله .. فهو عالم ومجاهد ، وهو طبيب ومجاهد ، وهو كاتب ومجاهد ، وهو مهندس ومجاهد ، وهو معلم ومجاهد ، وهكذا يكون الجهاد السمة المميزة والقاسم المشترك بين هؤلاء جميعًا .

إن التربية الجهادية توجب إعطاء مساحة أكبر من الاهتمام بأمرين أساسيين :

أولاً : الاهتمام بالنفس بربطها بالله والشوق إلى لقائه والموت في سبيله ، وبالتالي صونها عن كل ما يركن بها إلى الأرض وشهواتها ، ولو كان حلالاً طيبًا ، وبذلك تكون نفسًا مجاهدة .

ثانيًا : الاهتمام بالجسد ليكون معافى قويًّا يمتلك كل إمكانات الدفاع والهجوم وخبرات الدفاع والهجوم ، وبخاصة في عصر تعددت فيه هذه الخبرات والعلوم ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) .

الإسلام يحض على الجهاد

ومن استعراض سريع لعدد من الشواهد ( القرآنية والنبوية ) يتبين مدى اهتمام الإسلام بالجهاد ، الأمر الذي يكشف سر الانتصارات الباهرة التي حققها الجيل القرآني الأول ، والفتوحات التي تمت على يديه .. هذا السر هو أن الجيل القرآني الأول تربى على معاني الجهاد ورضع لبان الجهاد ساعة فساعة .

فمن كتاب الله نستعرض بعضًا من الآيات الحاضة على الجهاد ، يقول ـ تعالى ـ :

{ كتب عليكم القتال وهو كره لكم ، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون } ( البقرة : 216 ) .

{ فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة } ( النساء : 71 ) .

{ يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال .. } ( الأنفال ) .

{ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق .. } ( التوبة : 30 ) .

{ انفروا خفافًا وثقالاً ، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } ( التوبة : 42 ) .

ومن سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نقتطف بعضًا من الأحاديث الجهادية :

( من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة ) رواه الترمذي وابن ماجة .

( من مات ولم يغز ، ولم يحدث به نفسه ، مات على شعبة من النفاق ) رواه مسلم وأبو داود .

( وفد الله ثلاثة : الغازي ، والحاج ، والمعتمر ) رواه مسلم .

بين الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر

ومما التبس على المسلمين ، بل على العاملين في الحقل الإسلامي ، كون الجهاد القتالي هو جهاد أصغر ، بسبب شيوع رواية : ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ، قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : جهاد القلب ، أو جهاد النفس ) .

كتب الإمام حسن البنا حول هذه الرواية ما يلي :

( وبعضهم يحاول ـ بهذا ـ أن يصرف الناس عن أهمية القتال والاستعداد له ، ونية الجهاد والاخذ في سبيله .

فأما هذا الأثر فليس بحديث على الصحيح ، قال الحافظ ابن حجر في ( تسديد القوس ) : هو مشهور على الألسنة ، وهو من كلام إبراهيم بن عبلة ، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء : رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر ، ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر .

على أنه لو صح فليس يعطي أبدًا الانصراف عن الجهاد والاستعداد لإنقاذ بلاد المسلمين ، ورد عادية أهل الكفر عنها ، وإنما يكون معناه : وجوب مجاهدة النفس حتى تخلص لله في كل عملها .

وهناك أمور تلحق بالجهاد منها : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فقد جاء في الحديث : ( إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) .. ولكن شيئًا منها لا يوجب لصاحبه الشهادة الكبرى وثواب المجاهدين إلا أن يَقتُل أو يُقتَل في سبيل الله ) رسالة الجهاد للإمام البنا .

رسول الله المجاهد الأول

ولقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المثل الأعلى للمجاهد في سبيل الله ، وبذلك كان القدوة الحسنة للمسلمين ، الذين رأوا فيه الصورة المشرقة للقائد الذي يمارس الجهاد ويخوض الغمرات ، ويحقق في نفسه متطلبات الجهاد ومعانيه :

الشـجـاعـة :

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس ، وكان أجو الناس ، وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ليلة ، فانطلق ناس قِبَل الصوت ، فتلقاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ راجعًا ، وقد سبقهم إلى الصوت ، وهو على فرس لأبي طلحة عرى في عنقه السيف ، وهو يقول : لم تراعوا ، لم تراعوا ) صحيح مسلم .

الـقـوة :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله ـ عز وجل ـ من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز .. ) صحيح مسلم .

ولقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوة في قوته ، حتى أنه غلب ( ركانة ابن عبد يزيد ) وكان أشد شباب قريش ، ورماه على الأرض دون أن يملك لنفسه شيئًا . ( راجع سيرة ابن هشام ـ المرحلة المدنية ) .

الحض على صناعة السلاح :

عن عقبة ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه يحتسب في صنعه الخير ، والرامي به ، ومنبِّله ) رواه أبو داود ، والمنبِّل هو الذي يناول الرامي النبل ، وبلغة العصر : هو الذي يساعد الرامي بإملاء المخازن الفارغة بالذخيرة ( أي المذخر ) .

الحض على الرماية :

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعتبر الرماية من أبرز خصائص الجهاد ، ومن أهم أسباب القوة ..

عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو على المنبر يقول : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ) رواه مسلم وغيره .

وعن سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ قال : مر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قوم ينتصلون فقال : ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا ) رواه البخاري .

وعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( عليكم بالرمي ، فإنه خير ، أو من خير لهوكم ) رواه الطبراني .

التحذير من ترك الرماية أو نسيانها :

ولم يكتف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحض المسلمين عل تعلم الرماية ، بل إنه تشدد على ضرورة الاستمرار في ممارستها ، وحذر من تركها ونسيانها .

فعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من علم الرمي ثم تركه فليس منا ، أو فقد عصى ) رواه مسلم .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها ) ، وفي رواية : ( ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه ، فإنها نعمة تركها ، أو قال : كفرها ) رواه الطبراني في الصغير والأوسط .

قيمة الرماية قديمًا وحديثًا :

فحين يخصص الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( الرماية ) باهتمام يفوق الاهتمام بأي جانب آخر من جوانب الإعداد الجهادي الحسي ، فلكون الرماية العنصر الأساسي الذي يعتمد عليه في الجهاد والقتال والنزال قديمًأ وحديثًا وفي كل عصر من العصور .

فالرماية في الواقع تغطي المساحة الكبرى والأهم من الاحتياجات الجهادية القتالية ، وتعتبر الاحتياجات الأخرى ثانوية وتبعية بالنسبة إليها .

وسائل الرماية القديمة :

فقديمًا كانت وسائل الرماية هي التالية :

1 ـ رماية السهم : ويطلق عن طريق القوس .

2 ـ رماية الرمح : ويطلق بقوة الساعد .

3 ـ رماية المقلاع : ويعتمد على تحريك الساعد للحامل الجلدي الذي يحتوي القذيفة التي قد تكون قطعة حجرية أو حديدية .

4 ـ رماية المنجنيق : وهي عربات معدة خصيصًا لرمي المواد المشتعلة أو المياه المغلية أو الحجارة على العدو أو أماكن تجمعه .

وسائل الرماية الحديثة :

وإذا أردنا التعرف على وسائل الرماية الحديثة لوجدنا أوجهًا كثيرة من الشبه بينها وبين الوسائل القديمة ، من ذلك :

1 ـ رماية المسدس :

وهي أشبه برماية ( المقلاع ) حيث تعتمد على مهارة التصويب اليدوي التي تكتسب عن طريق الممارسة .

2 ـ رماية الرشيشات الخفيفة الفردية :

مثل ( الكلاشينكوف ) .

3 ـ رماية البنادق الآلية :

مثل ( بندقية إم 16 ) و ( الناتو أو الفال ) .

4 ـ رماية الرشاشات الخفيفة :

مثل ( الدكتريوف ) .

5 ـ رماية الرشاشات المتوسطة :

مثل ( الغرينوف ) ، أو ( رشاش 500 ) .

6 ـ رماية مدافع الهاون .

7 ـ رماية المدافع المباشرة أو الميدان .

8 ـ رماية الصواريخ المختلفة .

9 ـ رماية القذائف المضادة للدروع : ( قوازق آر ـ بي ـ جي ) .

10 ـ رماية القنابل اليدوية .

11 ـ رماية قاذفات القنابل الجوية .

وهكذا نرى أن الرماية تشمل أكثر المعدات والوسائل القتالية قديمًا وحديثًا ، وهذا ما يبين ويفسر سبب حض الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على تعلم الرماية .

الحلقة السادسة - وجوب التربية الأمنية في العمل الإسلامي

ماذا نقصد بالأمن هنا ؟

الأمن في الواقع يعني السلامة والاطمئنان والاستقرار ، وضده الخطورة والخوف والاضطراب ، والتربية الأمنية تعني تحقيق السلامة عن طريق الأخذ بكل أسبابها والتحوط من كل ما يعرضها للخطر .

وزيادة في تبيان معنى ( الأمن ) نقتطف بعض الآيات القرآنية التي تتضمن ذكر الأمن من زوايا مختلفة ..

يقول ـ تعالى ـ : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ، ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا ، يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } [1] .

{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } ( الأنعام : 82 ) .

{ وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً } ( النساء : 83 ) .

{ وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } ( إبراهيم 35 ) .

{ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا وهدى للعالمين ، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، ومن دخله كان آمنًا ، ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } ( آل عمران : 97 ) .

{ وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } ( النحل : 112 ) .

ماذا نقصد بالأمن هنا ؟ :

المقصود بالأمن ـ هنا ـ ضمان سلامة العمل الإسلامي من كل ما يسيء إليه ويؤذيه ويعرضه للخطر ، سواء كان ذلك من فرد أو من أفراد ، أو من جهة حزبية أو رسمية .

ويتبع هذا ويلحقه وضع كافة الإجراءات ـ النفسية والحسية ـ اللازمة والكافية لتحقيق هذه السلامة ، سواء بالنسبة للتنظيم أو أفراده أو ممتلكاته أو مستنداته .

كما يدخل ضمن هذا ويتلازم معه ، القيام برصد الجهات والحركات المنافسة والمناوئة والمعادية ، لمعرفة تحركاتها ، وكشف نواياها ، وبالتالي إحباط كل الخطط التي تستهدف سلامة العمل الإسلامي وسلامة العاملين فيه .

(1 ) النور :55 ، وجاء في تفسير { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا } قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( فوالذي نفسي بيده ، ليتمن الله هذا الأمر ، حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد .. ) يعني من استتباب الأمن .

الأمن لدى القوى المعادية

وإذا كنا اليوم بصدد الكلام عن الأمن ووجوب التربية الأمنية في العمل الإسلامي ، فقد سبقنا أعداء الإسلام إلى ذلك زمانًا وإمكانية .. بل إن هؤلاء يرصدون لأجهزتهم الأمنية التي تكيد وتتآمر على الإسلام وعلى العالم الإسلامي النصيب الأوفى والأكبر في ميزانياتهم .

ونكتفي هنا باستعراض بعض المعلومات عن ( جهاز المخابرات المركزية الأمريكية ) لندرك أية أهمية تعطى للجانب الأمني من خصومنا ..

نشأت ( وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية C. I. A. ) في أعقاب الضربة العسكرية المفاجئة التي وجهتها اليابان إلى الأسطول الأمريكي في الباسفيك في الأربعينيات ، والتي أدت إلى تدميره بالكلية ، وكان هذا الحادث حافزًا أساسيًّا لتكوين المخابرات الأمريكية المركزية ، حتى لا تبقى القوات الأمريكية عرضة للمفاجآت .

أما مبنى مكتب المخابرات هذه فيقع في واشنطن على رقعة أرض مساحتها ثلاثة هكتارات ، ويتألف من سبعة طوابق ، تضم أكثر من ألف غرفة ، حيث تتسع بعض الغرف لأكثر من خمسمائة شخص ، وقد أعدت في المبنى ساحات تتسع لثلاثة آلاف سيارة ، ولقد كلف بناء هذا المكتب أكثر من ستة وأربعين مليون دولار ، ويقدر عدد موظفي المخابرات ـ في واشنطن فقط ـ بعشرة آلاف موظف .

أما أجهزة المخابرات فإنها تضم : رجال التحري ، والعسكريين ، والخبراء ، والكيماويين ، ورجال قانون ، وعلماء نفس ، وعلماء ذرة ، وخبراء في السياسة والجغرافيا واللغات .

وأغلب هؤلاء يتكلم أربع لغات بسهولة بالغة ، وبعضهم يتقن ثلاثًا وعشرين لغة .

ولقد جهزت مكاتب المخابرات هذه بمصنفات وأرشيف وميكروفيلم وعقول إلكترونية وخرائط وآلات للترجمة الفورية بما يساعد على تنظيم تخزين المعلومات التي تصل من كل أنحاء العالم بواسطة العملاء والجواسيس.

وهكذا تقوم ( الولايات المتحدة ) الأمريكية ـ أو أية قوة معادية أخرى في العالم ـ سواء كانت صليبية أو صهيونية أو شيوعية ـ بالرصد والتجسس وجمع المعلومات ، ومن ثم التخطيط والتآمر على الإسلام وعلى الحركة الإسلامية وعلى شعوب العالم الإسلامي وقضاياه المصيرية ..

فهي تقوم بتغذية الثورات ، وقلب الحكومات ، وغسل الأدمغة ، واحتواء النظم والتنظيمات ، بما يحقق مصالحها هي ، ولو كان ذلك على حساب آلام الشعوب ودمائها وأشلائها .

الأمن ضرورة حتمية للعمل الإسلامي

ونحن حين نقول بحتمية التربية الأمنية في العمل الإسلامي وبضرورة الإعداد الأمني فإنما نستدرك أمرًا غفلناه ، ونستذكر واجبًا قصرنا طويلاً في القيام به وتحقيقه .فالعمل الإسلامي مع تناميه الفكري والتربوي ، ومع تزايد الوعي السياسي والحركي لدى أصحابه ، فإنه على الصعيدين الجهادي والأمني بالغ التقصير والتخلف .

وهذا ما يجعله سهل المنال من قبل الخصوم والأعداء ، سهل الاختراق ، سهل التصفية { كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ، اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً فصدوا عن سبيله ، إنهم ساء ما كانوا يعملون ، لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، وأولئك هم المعتدون } ( التوبة : 8 ـ 10 ) .

والإعداد الأمني ضرورة حتمية للعمل الإسلامي من جوانب كثيرة .. منها :

( 1 ) فهو يعينها على معرفة ما يجري حولها ، وما يخطط لها ، وبذلك لا تكون في غفلة ، أو تفاجأ بالنازلة وهي في سبات عميق .

( 2 ) ويساعدها على اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة كل أمر والتصرف حيال كل خطب ، فلا تروعها المفاجأة ، وتأتي على بنيانها من الأساس .

( 3 ) ويحفظها من اختراق ( الأفراد ) لصفها الداخلي ، فلا يتسلل إليها جاسوس أو عميل .

( 4 ) ويحفظها من اختراق ( الأفكار والسياسات ) لنهجها ، فلا يتسرب إليها فكر غير فكرها ، أو سياسة غير سياستها ، ولا تحكمها إلا الخطط التي ارتضتها لنفسها ، سواء كان هذا الاختراق مخطط له من قبل أعدائها ، أو ناتج عن مراكز قوى لديها أو لدى أصدقائها .

( 5 ) ثم هو يعين على حفظ أمنها عمومًا ، وأمن أفرادها ومستنداتها وممتلكاتها .. إلخ .

جوانب الأمن

جوانب الأمن كثيرة ومتعددة تبعًا لاتساع نطاق العمل أو التنظيم أو الحركة ، وتعدد جوانب نشاطها .. فما تحتاجه دولة كبيرة قد لا تحتاجه دولة صغيرة ، وما تحتاجه التنظيمات غير ما تحتاجه الدول ، وهكذا ..

ولكن يمكننا هنا استعراض أبرز الجوانب التي تحتاج إلى الأمن ، كائنًا ما كان حجم العمل أو التنظيم أو الحركة .. من ذلك :

1 ـ أمن الأفراد :

وهو السهر على سلامة الأفراد من كل ما يتهددهم أو يعرضهم لمكروه أو اختراق ، أو انتكاس عند وقوع المكروه ، وسنتناول ذلك بالتفصيل في سياق الكلام عن ( التربية الأمنية ) في نهاية هذه الحلقة ..

فالحركة مسئولة ـ إلى حد ـ عن الأخذ بكل الأسباب الآيلة إلى توفير سلامة أفرادها والحفاظ على دمائهم وأرواحهم ، وعدم تعريضهم إلى التهلكة ، أو التفريط بهم جزافًا .

إن هذا الكلام لا يتناقض مع ( التربية الجهادية ) التي سبق الكلام عنها ـ كما قد يبدو لأحد من الناس ـ ولكنه يتلازم معها ، بل هو الفاصل ما بين مجالي : التهلكة والجهاد .

فتحقيقًا لأمن ( القيادة ) اقترح سعد بن معاذ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بناء ( عريش ) أي مركز للقيادة ، وقال : ( يا نبي الله ، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه ، ونعد عندك ركائبك ، ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا ، كان ذلك ما أحببنا ، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك ، فلحقت بمن وراءنا .. إلخ ).

وتوفيرًا لسلامة ( الأفراد ) شرعت إقامة الصلاة في جماعتين على خطوط القتال ، كيما لا تتعطل الحراسة لحظة واحدة على ثغور الإسلام ، وفي هذا يقول الله ـ تعالى ـ : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، وإن الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا . وإذا كنت فيهم فأقمت الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة لم يصلوا فليصلوا معك ، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم ، فيميلون عليكم ميلة واحدة .. } ( النساء : 101 ) .

2 ـ أمن المستندات والأسرار :

ذلك أن لكل تنظيم وجهة مستنداتها ومخططاتها وأسرارها التي لا يجوز أن تقع في يد أعدائها .. والدول الكبرى تنفق أحيانًا الملايين لكشف خطة عسكرية أو تصميم عسكري ، أو مركب كيميائي ، أو سر من أسرار الطاقة ، أو غيرها ، من أجل صناعة ما يضاهيها ..

وهذا ما يجعل الدول والجهات والتنظيمات حريصة على ما عندها ، موفرة لها كل أسباب المنعة والحيطة والحماية .

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين عزم على فتح مكة بعد أن نقضت قريش عهدها ، تكتم على المسلمين وقال : ( اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها .. ) حتى أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ يدخل على ابنته عائشة ـ زوج الرسول ـ ويسألها عما إذا كانت تعرف شيئًا فتقول : ( لا والله ما أدري ) .

قال ابن إسحاق : ( ولما أجمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله ، ثم أعطاه امرأة ، وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشًا ، وأتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام في أثر المرأة ، فأدركاها ، وأتي بالكتاب إلى رسول الله ، فدعا حاطباً وقال له : ( ما حملك على هذا ؟ ) قال حاطب : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني امرؤ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم .

والحقيقة أن هذه الفعلة كانت تستحق الموت ، ولقد هم عمر بن الخطاب بتنفيذ ذلك ، وقال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( دعني فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق ) ولكن رسول الله كان له رأي آخر ، حيث رأى في سابقته للإسلام وللجهاد ما يشفع له ، فقال : ( وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أصحاب بدر يوم بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ولقد نزل في حاطب وفعلته قوله ـ تعالى ـ : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم بما جاءكم من الحق ، يخرجون الرسول وإياكم ، أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي ، تسرون إليهم بالمودة ، وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } ( الممتحنة : 1 ) .

3 ـ الأمن العسكري :

والأمن العسكري يعتبر من أشد الجوانب أهمية لما يتسببه فقدان الأمن فيه من هزائم وانتكاسات لا حد ولا حصر لخطورتها ..

ـ ففي موقعة ( أحد ) وحين ترك الرماة الخمسون الذين وكل إليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حماية ظهور المسلمين ـ مع تأكيد الرسول عليهم بعدم مبارحة موقعهم ( ولو رأوا الطير تتخطف العسكر ) ـ حينذاك انكشف المسلمون ، وخلص المشركون إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجرحوه جراحات بليغة ، وكسروا رباعيته ، وقتل عدد كبير من الصحابة .

ـ وبعد غزوة ذات الرقاع ، نزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجيش الإسلامي منزلاً يستريحون فيه ، ولاتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية الجند انتدب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجلاً من المهاجرين وهو عمار بن ياسر ، وآخر من الأنصار هو عباد بن بشر للحراسة .. فلما خرج الرجلان لأداء المهمة ، قال الأنصاري للمهاجري : أي الليل تحب أن أكفيكه ؟ أوله أم آخره ؟ قال : بل اكفني أوله .. فاضطجع المهاجري فنام ، وقام الأنصاري يصلي ، فأتى رجل من الأعداء فوجد عباد بن بشر يصلي ، فرماه بسهم ، فنزعه عباد واستمر في صلاته ، فرماه بسهم ثانٍ فنزعه فرماه ، فرماه بثالث ، فركع وسجد ثم أيقظ صاحبه .. ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء ، قال : سبحان الله ، أفلا أهببتني أول ما رماك ؟! فقال الأنصاري : كنت في سورة أقرؤها ، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها ، فلما تابع الرمي ركعت فأذنتك ، وايم الله ، لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحفظه ، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها.

أخطاء تعرض التنظيم للخطر

ومن خلال استقرائنا للواقع الحركي ، ولتاريخ العمل الإسلامي ، يتبين لنا أن هنالك مجموعة من الأخطاء ، والتي تتكرر هنا وهناك معرضة الحركة الإسلامية للخطر .. ومن هذه الأخطاء :

1 ـ التصرفات الفردية غير المنضبطة :

كأن يقوم فرد ما من أفراد التنظيم أو مجموعة بتصرف فردي يتسبب بكارثة حركية ، وهنالك عشرات الأمثلة يمكن أن تساق على هذه الظاهرة من واقع العمل الإسلامي المعاصر ، والتي تسببت في أكثر الأحيان بتعريض التنظيم برمته إلى محن أخرت العمل الإسلامي عشرات السنين إلى الوراء ، وأوقعت فيه جراحات ثخينة على كل صعيد ، كل ذلك بدون ثمن ومن غير أن تتحقق للإسلام والحركة مصلحة ما .

ـ فهناك أفراد يرتبط تصرفهم بمشاعرهم وعواطفهم وليس بسياسة الحركة ومناهجها ، فهم متطرفون حيال كل قضية ، يفسرون الحكمة والتعقل على أنه جبن ، وينظرون إلى التخطيط والأخذ بالأسباب على أنه ضعف في الإيمان ، وهكذا .. هؤلاء خطرهم على العمل الإسلامي والحركة كبير ، ولذلك كان لا بد من التحفظ حيالهم .

ـ وهنالك أفراد يرتبط تصرفهم ـ إلى حد كبير ـ بمصالحهم ، فهم مع الدعوة ما دامت موافقة لمصالحهم ، وقد ينقلبوا أعداء لها متآمرين عليها مكيدين لها ، إذا ما تصادمت مع هذه المصالح ، وفي كثير من الأحيان يلجأ هؤلاء إلى تلمس أسباب ومبررات شرعية يخفون بها حقيقة الأمر .

ـ وهنالك أيضًا أفراد يوضعون في موضع المسئولية قبل نضجهم واكتمال جوانب شخصيتهم ، وقبل أن يوضعوا على المحك والتجربة التي لا تضر بالحركة ..

إن مثل هؤلاء يكون نموهم غير طبيعي ، ويكبرون في الدعوة دون أن تكبر الدعوة فيهم وعليهم ..

إن هؤلاء مآلهم أحد أمرين :

1 ـ إما أن يعمدوا إلى تسخير الدعوة وفق أهوائهم وتبعًا لمصالحهم .
2 ـ وإما أن يتركوا الدعوة ويبيعوها بثمن بخس مشترين بذلك عرضًا من الحياة الدنيا زائلاً .

ـ ثم إن هناك أفرادًا يفكرون دائمًا بصوت مرتفع ، لا يحفظون سرًّا ، ولا يكتمون أمرًا ، ولا يفرقون بين ما يجوز طرحه هنا وما لا يجوز ، وبين ما يمكن أن يقال هنا ولا يقال هناك ! .

إن هؤلاء لا يمكن أن يوصف مدى أثرهم وخطرهم على العمل والدعوة ؛ لأن ذلك مرتبط ( باللسان ) الذي تكب حصائده الناس على مناخرهم في النار يوم القيامة .

ولقد أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نمسك علينا ألسنتنا ؛ لأنها قد تكون سببًا في هلكتنا في دنيانا وآخرتنا .

2 ـ الانشقاقات الداخلية :

والانشقاقات الداخلية يمكن اعتبارها من الأسباب المدمرة للحركات ، الماحقة لها ، إن لم تتمكن من تطويقها وتحسن الاستفادة منها .

فالانشقاقات باعث على تفتيت الصف وتشتيت الكلمة .

والانشقاقات باعث على إضعاف الحركة وإنهاكها .

والانشقاقات باعث على إغراء الخصوم باختراقها وضربها وتصفيتها .

والانشقاقات ـ فوق هذا كله ـ باب كبير يلج منه الشيطان إلى النفوس ، فيشوه إيمانها ، ويفسد أخلاقها ، ويعبث بكل قيمها .

حادث بسيط وقع في العهد النبوي ، وهو مقاطعة المسلمين لثلاثة رجال تخلفوا عن الخروج مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إلى تبوك ) .. هذا الحادث أغرى ( ملك الغساسنة ) بمحاولة اختراق الصف لأنه وجد الفرصة مواتية وعليه أن يهتبلها .. فأرسل كتابًا مع رسول إلى أحد الثلاثة وهو ( كعب بن مالك ) ، فماذا حصل ؟ ..

يقول كعب : ( فبينما أنا أمشي بالسوق ، إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ، يقول : من يدل على كعب بن مالك ؟ قال : فجعل الناس يشيرون له إليَّ ، حتى جاءني ، فدفع إليَّ كتابًا من ( ملك غسان ) وكتب كتابًا في سرقة ( قطعة ) من حرير ، فإذا فيه : أما بعد ، فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك .. قال كعب : قلت حين قرأتها : وهذا من البلاء أيضًا ، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع فيَّ رجل من أهل الشرك .. فعمدت إلى تنور فسجرته ( أحرقته ) بها ) .

إن ما يمكن أن تسببه الانشقاقات من سوء وإيذاء ومخاطر للإسلام والدعوة فضلاً عن غضب الله وسخطه ، هي الباعث لتكرار الوعيد والتهديد ـ قرآنًا وسنة ـ من مغبة الاختلاف والتفرق ، حتى أن الأمر ليصل برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن يقول : ( إنه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع ، فاضربوه بالسيف ، كائنًا من كان ) .

ولنعلم أن أعداء الإسلام وأجهزتهم الأمنية ومراصدهم تتابع بنهم ما يجري على الساحة الإسلامية ، مهتبلة كل فرصة من فرص الاختراق والاحتواء والتخريب .

وأود أن أسوق هنا مثالاً من كتاب ( الجاسوسية الأمريكية ) كصورة من صور تصيد الظروف والمناسبات بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي ..

وخلاصة الحادث أن ( المخابرات الأمريكية ) في واشنطن تلقت من أحد عملائها السريين في موسكو أن موظفًا سوفييتيًّا من موظفي ( الكريملين ) يدعى ( أندريه ) على استياء من الحكومة والقادة السوفييت بسبب رفض ترقيته مرتين متتاليتين ، بالرغم من كونه صاحب حق في هذه الترقيات .. فوجدت المخابرات الأمريكية أن الفرصة سانحة من أجل تصيد هذا الموظف ليكون جاسوسًا لها في قلب الكريملين .. وبالفعل بدأت المخابرات خطة محكمة أدت بالنتيجة إلى تكريس ( أندريه ) عميلاً للمخابرات الأمريكية في الجهاز القيادي المركزي للحزب الشيوعي !!.

3 ـ الوقوع في أيدي الأعداء والبوح بأسرار التنظيم :

فهنالك نوعيات معينة من الأفراد تستهين بالإجراءات الأمنية ولا تكلف نفسها الأخذ بأسباب الحيطة والحذر ، وقد يقدر الله أن يسقط هؤلاء بيد جهة عدوة ، فإذا بهم ينهارون ويتلاشون ، وكأنه لم يكن بحسبانهم أن يتعرضوا لأية فتنة أو ابتلاء ، وسرعان ما يبوحون بكل شيء ، ويكشفون كل شيء ! نسأل الله ـ تعالى ـ الثبات والسلامة .

ومن هنا كان على العاملين في الحقل الإسلامي أن يؤمنوا ( بحتمية المحنة ) ، { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين } ، كما أن عليهم أن يأخذوا من أسباب الحيطة والحذر ما وسعوا ، وليتوكلوا بعد ذلك على الله .. فإذا قدر الله عليهم المحنة كان عليهم أن يتماسكوا ويثبتوا كما ثبت الذين آمنوا من قبل ، وليذكروا آيات الله ـ تعالى ـ في مثل هذه الظروف الصعبة ، وهي تحكي قصة الصامدين في وجه الباطل ، الذين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله .

ليذكروا أن طريق الإسلام هو طريق الجهاد وطريق ( ذات الشوكة ) وأنهم ليسوا أول الممتحنين ولن يكونوا آخرهم ، وإنما هي مواكب { فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً .. } .

وليدركوا أن نعيم الآخرة هو النعيم ، وأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وأن فرحة المؤمن بلقاء الله لا تعدلها فرحة ، وإن الله ـ تعالى ـ قال في الحديث القدسي : ( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين ، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة ) .

ثم إن مما يعرض العمل الإسلامي والدعوة لخطر شديد في حال وقوع الأفراد في أيدي أعداء الإسلام يتعلق بمدى ما لديهم من معلومات ، وكلما كثرت معلوماتهم اشتد خطرهم ، ولهذا كان من مصلحة الدعوة أن يعطى الفرد بحسب الحاجة ؛ لأن فضول المعلومات سينقلب بلاء عليه وعلى دعوته .

اختراق العمل الإسلامي وأنواعه

والعمل الإسلامي معرض ـ كتنظيم وحركة ـ لأنواع شتى من الاختراقات ، وهو مستهدف من خصومه ـ وما أكثر خصوم الإسلام ـ لعمليات الرصد والمراقبة ، مما يفرض عليه مزيدًا من الوعي والتنبه والحذر والحيطة .

واختراق العمل الإسلامي من قبل خصوم الإسلام قد يكون من طرق وجوانب متعددة ، منها :

1 ـ الاختراق بواسطة الأشخاص :

كأن يكلف شخص أو أكثر بالانخراط في التنظيم والتسلل إلى المواقع المتقدمة فيه ، وهذا ما يفرض على التنظيم ـ وبخاصة في الظروف الصعبة ـ أن يعتمد قاعدة ( التضعيف ثم التوثيق ) في التعامل مع الناس وقبول عضويتهم ، فلا تكون الأبواب مشرعة لكل وافد كائنًا ما كانت ثقافته ومركزه الاجتماعي ، ولا بد من اختبار الفرد طويلاً ووضعه في دائرة الضوء قبل أن يتم التواثق والتعاون والتكليف .

2 ـ الاختراق بواسطة الأفكار :

كأن يكلف فرد أو مجموعة بحمل أفكار معينة وغريبة وطرحها مع أفراد التنظيم ، لحمل التنظيم ـ مع الزمن ـ على تبنيها تحت ضغط المعجبين بها ، أو بقصد إحداث البلبلة والتشتت بين أفراد التنظيم الواحد .

وقد يكون هذا الاختراق من أشدها أذى ، حيث يمكن أن يعرض المسار كله للانحراف عن الخط الأصيل .. وأذكر هنا أن تنظيمًا إسلاميًّا لبنانيًّا معروفًا تعرض لهذا النوع من الاختراق والضغط ، وتحول مع الأيام إلى تيار ( ناصري ) بسبب من اختراق الفكر الناصري له .

ولهذا كان لا بد من مناعة في التربية الفكرية والحركية ، ولا بد من وضوح لفكر الدعوة وأهدافها وخصائصها ، ليسهل على أفراد التنظيم التمييز بين الغث والسمين ، بين الصحيح والغلط ، بين الحق والباطل ، بين ما هو من الإسلام وما هو مرفوض منه .

3 ـ الاختراق أو الاحتواء بواسطة الدعم :

وقد يكون الاختراق أحيانًا مخبوءًا غير مكشوف ، وقد لا يتضح وينكشف بسهولة وبسرعة ، وهذا النوع من الاختراق أو الاحتواء قد يحدث في أكثر الأحيان عن طريق سيطرة ( رأس المال أو النافذين ماليًّا ) سواء كانوا أفرادًا في التنظيم أو أصدقاء له .

وهذا ما يفرض على الدعوة أن تراجع نفسها باستمرار وتراقب خطها وتصرفها وسلوكها لمعرفة ما إذا كان محكومًا بشرع الله ومصلحة الإسلام ، أم متأثرًا ـ ولو إلى حد ـ باعتبار من هذه الاعتبارات .

التربية الأمنية ومواجهة الظروف الصعبة

أما عن كيفية مواجهة دعاة الإسلام للظروف الصعبة فقد أرشد إليها القرآن الكريم وبينها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتركنا فيها على المحجة البيضاء ، ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية :

أولاً : الثبات والصمود :

إن أول صفة ينبغي أن يتحلى بها العاملون للإسلام ، وبخاصة في الظروف الصعبة هي ( الثبات ) كائنًا ما كان الثمن ، لأن مجرد التفكير في النكوص خيانة لله وللرسول وللمؤمنين ، وتفريط في جنب الله ـ تعالى ـ فكيف بالوقوع فيها .. والشيطان له على النفس مداخل من هذا الباب لا تحصى ، فهو لا يفتأ يذكر بالأهل والولد والدنيا { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه ، فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } ( آل عمران : 75 ) .

إن على الدعاة أن يدركوا أن نعيم الآخرة هو النعيم ، وأن هذه الدنيا بكل أطايبها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، وعليهم أن يدركوا أنهم ميتون شاءوا أم أبوا ، فليحرصوا على الشهادة ، لأنها طريقهم إلى الجنة ، وهذا نزلهم الكريم عند الله .

ويكفي عزاء لأهل الإيمان وهم على طريق الشهادة أن يذكروا أنهم جزء من القافلة المؤمنة الممتدة في عمق التاريخ منذ الخليقة ، والمعنية بقوله ـ تعالى ـ : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً } ( الأحزاب : 23 ) .

هذه القافلة لم يكن من شيمتها الجبن والخوف والهروب ؛ لأنها كانت مستعلية بإيمانها فوق الظروف ، لقد استجابت لنداء ربها حين قال : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون } ( الأنفال : 46 ) ، { يا أيها يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار } ( الأنفال : 15 ) .

وحتى يتمكن المجاهدون من الثبات والاستمرار في الثبات كان عليهم أن يفروا إلى الله ، بالعبادة الخالصة ، والذكر الخالي ، والدعاء الواثق ، وأن يتقربوا إليه بالمجاهدة والمراقبة والإخلاص ، ( فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب ) .

كما أن عليهم أن يكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منهم من عدوهم ، ( فإن ذنوب الدعاة أخوف عليهم من عدوهم .. ) ، من وصية عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص .

إن النفوس المربوطة بالملأ الأعلى ، التي تعيش مع الله ، مستمدة منه العون والقوة والعزيمة والمضاء والعزة والإباء ، هي نفوس ثابتة راسخة ، تستعذب الموت في سبيل الله ، وإليها أشار القرآن الكريم في كثير من آياته : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ، تتنزل عليهم الملائكة ، ألا تخافوا ولا تحزنوا ، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } ( فصلت : 31 ) .

وفي معرض التوجيه القرآني للمجاهدين ، وللأسباب والخصال التي يجب أن يستكملوها في أنفسهم وفي جماعتهم ، ليتمكنوا من الثبات في مواقعهم ، والغلبة على عدوهم ، وبعد أن يقول ـ تعالى ـ : { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون } يتابع توجيهاته وتوصياته فيقول : { وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، واصبروا إن الله مع الصابرين ، ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله ، والله بما يعملون محيط } ( الأنفال : 47 ) .

وتطرح هذه الآيات الأسباب الحقيقية الكامنة وراء النصر والغلبة على العدو ، والتي لا يمكن لجماعة مؤمنة أن تنتصر بدونها ، وهي :

1 ـ طاعة الله ورسوله :

فالجماعة المؤمنة يجب أن تكون حريصة على طاعة ربها وطاعة رسولها ، تتحرى الحلال الطيب في كل شيء ، وتجتنب الحرام الخبيث ، وتلتزم في كل شئونها وأحوالها بشرع الله ، دون أن تقدم بين يديه شرائع الهوى والطاغوت .

إن هذه الجماعة هي المعنية بقوله ـ تعالى ـ : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا } ( الأحزاب : 36 ) .

2 ـ وحدة الصف :

والجماعة المؤمنة بقدر ما تكون حريصة على طاعة الله ورسوله ، بقدر ما تكون حريصة على وحدة الصف وتماسك كيانها ، ولحمة أفرادها ، إذ إن وهن النفوس وانحرافها هو السبب المباشر لوهن الصفوف وانفراطها .

والجماعة المؤمنة تبقى مستعصية على مؤامرات أعدائها ، في مواجهتهم ، كائنًا ما كانت شراستهم وضراوتهم ، ما لم يتشقق صفها وتتفرق كلمتها ، ويصبح بأسها بينها .. وعند ذلك فقط تكون الطامة الكبرى التي يحذر رب العالمين منها حين يقول : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } .

3 ـ الصبر :

وإذا كان الشرط الأول لثبات الجماعة المجاهدة هو الإيمان ، فإن الصبر شطر الإيمان ، وإن الصبر بالنسبة للمجاهدين معراجهم إلى الله وسبيلهم إلى النصر على أعداء الله .

فطريق المؤمنين شائك وعر ، بل هو رهيب وخطير ، لا يمكن تجاوزه من غير صبر .

وما يتعرض له المؤمنون فيه من بلاء حسي لا يخففه إلا الصبر .

وما يصيب المؤمن فيه من نقص في الأموال والأنفس والثمرات لا يعوضه إلا الصبر .

وما ينال المؤمن فيه من ضغوط نفسية وعائلية واجتماعية لا يخففها ويدفعها إلا الصبر والاحتساب ، وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( عجبًا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ) رواه أحمد في مسنده .

ثانيًا : الإعداد :

وإذا كان القرآن الكريم قد حفل بكثير من الآيات التي تحض المؤمنين المجاهدين على الثبات والاعتصام والتوكل والصبر ووحدة الصف ، فقد جاء الحض في آية جامعة مانعة صريحة وواضحة على الإعداد بكل أشكاله ومستوياته وأدواته ، حيث قال ـ تعالى ـ : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ، ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ، وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون } ( الأنفال : 59 ) .

والذين لا يقيمون وزنًا للإعداد الحسي واهمين بأن النصر يهبط من السماء ، من غير تملك للأسباب وأخذ بالمسببات ، هؤلاء أحد فريقين : إما أنهم جهلة ضالون يهرفون بما لا يعرفون ، أو منافقون مضلون متآمرون على الإسلام والمسلمين ، وبخاصة حين لا يكون التحدي بالكلمة والمنطق ، وإنما بالقوة والعربدة !! .

ثالثًا : التربية الأمنية :

كثير من الإسلاميين يعتقدون خطأ أن الإسلام لم يعط ( الناحية الأمنية ) أي’ أهمية سواء في منهجه التربوي وفي تشريعاته التنظيمية .. ويفسر هؤلاء ( الربانية والتوكل ) تفسيرًا غريبًا ، إذ يعرونهما من الوسائط والأسباب التي يجب اتخاذها ابتداء ، بصرف النظر عن النتائج والاحتمالات .. وكأن الربانية والتوكل لها مفهوم ( العفوية والتواكل ) عند هؤلاء الذين لم يتعلموا شيئًا من تجارب المكر بالإسلام على مدار التاريخ القديم والحديث .

والذي يتتبع التشريعات والتوجيهات الإسلامية عبر الكتاب والسنة ، ومن ثم السلوك الإسلامي من خلال السيرة النبوية ، سترتسم أمامه صورة واضحة للجانب الأمني في الإسلام .

ما المقصود بالأمن هنا ؟

ونقصد بالأمن ( السياسة ) التي ترسمها جهة من الجهات وحركة من الحركات في سبيل المحافظة على أمنها وأمن أفرادها وأجهزتها .. ويدخل ضمن هذا ويتلازم معه قيامها برصد الجهات والحركات الأخرى المناوئة لها ، لمعرفة تحركاتها ، وكشف نواياها ، وبالتالي لتتمكن هذه الجهة والحركة من إحباط كل خطة مبيتة ضدها .

موقف الإسلام من حيث المبدأ :

والإسلام من حيث المبدأ يحرض على الأخذ بأسباب الحيطة والحذر وعلى عدم إلقاء النفس إلى التهلكة .

ـ ففي معرض تربية المؤمنين على الحذر يقول الله ـ تعالى ـ : { هم العدو فاحذرهم } ( المنافقون : 4 ) ، ويقول : { واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } ( المائدة ) ويقول : { يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعًا } ( النساء : 70 ) .

ـ وفي معرض لفت المؤمنين إلى ضرورة كشف مكر أعدائهم يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) .

ـ وفي معرض تحذير المؤمنين من استدراج العدو لهم ، واستغلال سلامة القلب عندهم يكشف القرآن أساليب الأعداء فيقول : { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون } ( التوبة : 57 ) .

ـ وفي معرض تربية المؤمنين على حفظ أسرارهم وعدم كشف أوراقهم يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان ) .

ولقد كان سلوكه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك في كل الأعمال والمهمات الكبيرة والخطيرة .. فعندما عقد العزم على فتح مكة ، أمر الناس بالاستعداد واستعان على أمره بالكتمان ، وقال : ( اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ) ابن هشام .

أبرز عناصر التربية الأمنية

ومن خلال استقراء سريع لمقولات الإسلام وممارسات أتباعه يمكن إثبات أبرز الملامح الأمنية التي يفرضها الإسلام في بناء الشخصية المسلمة .. من ذلك :

1 ـ السرية والتكتم :

فالإسلام يدرك أن مكر أعدائه ليس بهين ولا بسيط { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } ( إبراهيم : 46 ) ، وهو ـ حفاظًا على سلامة أتباعه وضمانًا لاستمرار رسالته ـ يعلمهم السرية ويربيهم عليها حتى لا يؤخذوا بسهولة ، ويبطش بهم بعفوية وبساطة .

ـ فعند بدء الدعوة كان المسلمون يجتمعون في ( دار الأرقم ) دون أن يعرف بهم المشركون ، وكانت هذه ( سياسة ) معتمدة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تلك المرحلة .

ـ ويوم عزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الهجرة إلى المدينة ، خرج مع صاحبه أبي بكر بتكتم شديد ودون أن يعلم بخروجهما ووجهتهما إلا من وكلت إليه مهمة تتعلق بهذا الأمر كما سنرى .

2 ـ التخفي والتمويه :

وليس أدل على مشروعية التخفي والتمويه في الإسلام مما فعله رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هجرته .. ولو لم يكن غير هذا الحادث لكفى .

ويستفاد من هذه الرحلة القصيرة ـ بين مكة والمدينة ـ حسبما ورد في كتب السيرة جملة دروس ( أمنية ) منها :

أولاً : إن ( القيادة ) في الحالات القصوى يمكن ـ بل يجب ـ أن تتخفى وتتوارى عن العيون والأنظار .

ثانيًا : كان اختيار ( غار ثور ) بالذات غاية في التمويه على قريش ، حيث أنه لا يقع على طريق المدينة التي كان ينتظر أن يسلكها رسول الله وصاحبه .

ثالثًا : إن الترتيبات الأمنية التي اتخذت خلال بقاء رسول الله وصاحبه في الغار كانت بينة التكامل والدقة :

أ ـ فقد تم تكليف ( عبد الله بن أبي بكر ) برصد الأخبار يوميًّا ونقلها إلى الغار .
ب ـ وتكليف ( أسماء بنت أبي بكر ) بنقل حاجاتهما من الطعام والشراب .
ج ـ وتكليف ( عامر بن فهيرة ) بأن يمر بغنمه مساء كل يوم ليأخذا حاجاتهما من اللبن ، وليطمس بحوافر غنمه آثار الأقدام التي تتردد على الغار زيادة وإمعانًا في تضليل قريش .
د ـ واستئجار عبد الله بن أريقط الليثي ليكون دليلهما خلال سفرهما إلى المدينة .

3 ـ الرصد :

لم يكن انتداب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن أبي بكر ، لرصد أخبار قريش وما يدور في مجالسهم ويتردد على ألسنتهم ، إجراء خاصًّا بمرحلة استثنائية من مراحل الدعوة ، أو ذا دلالة خاصة .. بل إن الرصد كان سياسة متبعة في كافة الظروف والأحوال .فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كقائد للجماعة المسلمة كان يريد أن يعرف ويكشف كل ما يجري حوله ، وما يعد له ولدعوته وللمسلمين ، ليأخذ كل احتياط ويحبط كل كيد ، بالرغم من تأييد الله له وكشف ( جبريل ) لكثير من خطط المشركين ، وبخاصة مؤامرة اغتياله التي حكاها القرآن الكريم بكل وضوح { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } ( الأنفال : 30 ) .

إذا كان شأن المؤيد بالوحي ، أن يأخذ بأسباب الوقاية كلها ، فكيف بمن لا نبي فيهم ، ولا وحي يتنزل عليهم .

كانت سياسة الرصد لدى رسول الله تقضي أن يتفرغ لها أكفاؤها وأهل الخبرة فيها ، وذلك لأهميتها في الحفاظ على كيان الجماعة وأمنها وسلامتها ، ممن يكيدون لها بليل أو نهار .

ويدخل في إجراءات الرصد ما يفرضه الإسلام من حراسة ورباط على ثغور الإسلام ومواقعه ( الاستراتيجية ) حتى لا تؤتى على حين غرة .

فأثناء تأدية فريضة الصلاة على جبهات القتال ، أو في المواقع الساخنة أو الحساسة ، يقضي التشريع الإسلامي بفرز مجموعة للمراقبة والحراسة ، تؤدي صلاتها بعد انتهاء الجماعة .. جاء في سورة النساء : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، إن الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا ، وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ، فلتقم طائفة منهم معك ، وليأخذوا أسلحتهم ، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ، ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ... } ( النساء : 111 ) .

4 ـ التربية الجهادية :

والإسلام فضلاً عن الأسباب العامة التي يأمر الجماعة المسلمة بأن تأخذ بها حفاظًا على أمنها وسلامتها ، فإنه يسلك في تربية أفراد هذه الجماعة مسلكًا جهاديًّا يجعلها أقوى على معاول الهدم وأصلب في مواجهة المكر ، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي :

أ ـ تعويد النفس على تحمل الظروف الصعبة قبل وقوعها ، كالتعود على خشونة الطعام والمنام والملبس والمعاملة ، يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( تخوشنوا فإن النعم لا تدوم ) ، ( لا تنظروا إلى من هو أعلى منكم بل انظروا إلى من هو أدنى منكم ، حتى لا تزدروا نعمة الله عليكم ) .
ب ـ التعود على كسر ( روتين ) العادات اليومية من ذهاب وإياب ولباس وركوب ، تمويهًا وتعطيلاً لرصد الراصدين ومكر الماكرين .
ج ـ التعود على أن تكون المعرفة بقدر الحاجة فيما يتعلق بشئون الحركة والتنظيم .
د ـ التعود على الدقة في الأعمال والمواعيد ؛ لأن اختلال ذلك من شأنه أن يحبط أعمال الدعوة ويوقعها في إشكالات ومخاطر هي بغنى عنها .

احتياطات أمنية

نقتطف هنا بعضًا من الإجراءات الأمنية الواردة في ( نشرة بعنوان الأمن ) إصدار منظمة التحرير الفلسطينية ، لنرى كيف تتم تربية الفدائيين الأمنية في مواجهة العدو والمتربص بهم سواء في فلسطين أو خارجها ..

تقول النشرة تحت عنوان ( أمن الأفراد ) الفقرة السادسة ، ما يلي :

يجب إجراء كشف للمراقبة عند أداء كل مهمة ، وهذه الاختبارات ليست محدودة ، بل تتوقف على المكان والزمان والقدرة .. ونكتفي بأمثلة عليها :

ـ السير في شارع مغلق وملاحظة من يسير خلفك .

ـ العودة إلى نقطة البدء أثناء السير ، ومعرفة من يسير خلفك .

ـ السير في شارع قليل الازدحام واستعراض من هم خلفك بطريقة طبيعية غير ملفتة .

ـ إسقاط شيء من الجيب أثناء السير بطريقة عفوية كمحاولة لكشف من يسير خلفك .

ـ الإسراع والإبطاء أثناء السير بمبرر أو ساتر لكل حركة ، والتوقف ، مع ملاحظة من يتأثر بذلك .

ـ استعمال ( فاترينات ) المحلات لمراقبة من يقف وراءك أو يسير خلفك ، إلخ .

ـ الابتعاد عن العناصر المضادة عند أداء أية مهمة ، فلا تجري مقابلة في مقهى مزدحم بالناس مثلاً .

ـ الابتعاد عن المشاكل ، سواء في الحي الذي تسكن فيه ، أو في مركز العمل ، أو أثناء أداء المهمة ، حتى لا تلفت النظر إليك ، حيث يهتم الناس بمعرفة مثير المشاكل ومراقبته ولو من باب الفضول .. وقد يؤدي الوقوع في مشكلة أثناء أداء المهمة إلى كشفها وتعطيلها .

ـ الابتعاد عن الممنوعات الأمنية ( كالتصوير في أماكن ممنوع فيها التصوير ) أو ( السير في أماكن ممنوع فيها السير ) ولا تقف طويلاً عند ثكنات عسكرية أو غير ذلك .

ـ لا تكن أسير عادة معينة .. كأن تتعود طريقًا معينًا عند العودة إلى البيت أو الخروج منه ، أو تتعود قضاء الحوائج من مكان واحد لا يتغير ، أو تتعود وسيلة واحدة من وسائل الانتقال .ز أو تتعود على ارتداء زي ولباس واحد .. إلخ .

ـ حمل الإثبات الشخصي والمستند المؤيد باستمرار .

ـ لا تحمل أوراقًا تتعلق بالعمل في جيبك إلا عند لزومها ، وتأكد عند كل مساء من الأوراق التي في جيبك .

ـ لا تكتب أسماء رفاقك وزملائك ، وحاول أن تكون كتابتك في المفكرة الخاصة مشفرة .

مـتـفـرقـات

تـخـلـف الـعقـلـيـة الـتـنـظـيـمـيـة

من المشكلات الخطيرة التي ابتلي بها العمل الإسلامي المعاصر ، تخلف العقلية التنظيمية عن المستوى الذي يفرضه الشرع ويتطلبه العصر ، وكثير ممن ابتلوا بهذا المرض الخطير يحاولون تلمس مبررات شرعية لارتكاسهم التنظيمي هذا .

والمقصود بتخلف ( العقلية التنظيمية ) عدم استيعابها للأصول والقواعد التنظيمية ، وبالتالي خروجها على هذه القواعد والأصول .

والمقصود بتخلف ( العقلية التنظيمية ) كذلك ، خروجها على ( منطق الأولويات ) فيما هو كائن وفيما ينبغي أن يكون ، وبالتالي قيامها بالممارسات الكيفية التي قد تكون متصادمة مع أبسط ( أبجديات ) التنظيم .

والمقصود بتخلف العقلية التنظيمية أيضًا ، عدم قدرتها على تصنيف وتوزيع التراكمات الحركية والمقولات الفكرية ضمن أطرها وحدودها ، سواء في التصور والتفكير ، أو في التخطيط والتنفيذ ، مما يجعلها متداخلة مهتزة ، وغير واضحة أو مفهومة .

والمقصود بتخلف العقلية التنظيمية ، عدم تمكنها من تحديد الكيف والكم ، والتوفيق بين الكيف والكم ، سواء في مجال العمل أو مجال القول ، مما يحدث بالنتيجة خللاً بالغًا وضررًا أكيدًا .

والمقصود بتخلف العقلية الحركية ـ فوق هذا وذاك ـ عدم تقديرها للوقت ، وبالتالي عدم استفادتها منه الاستفادة الصحية ، مما يجعل الوقت والزمن يمشي لغير مصلحة الإسلام ، ويصب في غير مصلحة الإسلام ، إذ إن أعداء الإسلام لا يفترون لحظة عن الإعداد وتنمية القدرات وتصيد السوانح والمناسبات للإيقاع بالإسلام وأهله .

كل ذلك يعني أن ارتكاس العقلية التنظيمية معناه ارتكاس العمل الإسلامي ، وبالتالي ارتكاس الحركة الإسلامية ، ذلك أن العمل الإسلامي لا يمكن أن يبلغ المستوى المطلوب ويحقق الهدف المنشود ما لم يقم على قواعد تنظيمية محكمة في شتى ميادينه التربوية والحركية والسياسية والجهادية ، وما لم تتعهده وترعاه ذهنيات منظمة قادرة على وضع الأمور في مواضعها ، مكلوءة فوق ذلك بتوفيق الله وهداه .

إن المستقرئ لسيرة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لكل خطرة من خطراته ، ولكل خطوة من خطواته ، تتبين له معالم التنظيم في أسمى وأدق صورة ، فمثالاً على ذلك أنه في هجرته ـ عليه السلام ـ مع أبي بكر تبدو طائفة من اللفتات التنظيمية الجديرة بالدراسة والتأمل والتأسي ، من ذلك :

1 ـ طلبه إلى علي بن أبي طالب المبيت في سريره لتضليل المشركين ريثما يكون قد غادر مكة وبلغ غار ثور .
2 ـ اختياره غار ثور الذي يقع في اتجاه معاكس لطريق المدينة ، زيادة وإمعانًا في تضليل المشركين الذين كانوا يدركون أنه نهاجر إلى المدينة لا محالة .
3 ـ تكليفه عبد الله بن أبي بكر بنقل ما يجري في مكة من أخبار .
4 ـ تكليفه أسماء بنت أبي بكر بتأمين الطعام .
5 ـ تكليفه عامر بن فهيرة ، أن يرعى غنمه نهارًا ، ويريحها عليهما ليلاً ليأخذا حظهما من اللبن ، ولتُطمس بحوافر الأغنام آثار الأقدام التي تتردد على الغار .
6 ـ استئجاره رجلاً من المشركين ليكون دليلاً لهما على طريق المدينة .

فإذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المؤيد بالوحي ، المسدد بهدي العليم الخبير ، قد اتخذ جملة ترتيبات ومجموعة إجراءات في واحدة من عشرات الحوادث ، فما بال العاملين للإسلام اليوم ـ وقد انقطع الوحي وأشكلت الأمور ، وادلهمت الأجواء بكيد الأعداء ـ لا يستنيرون بسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يقتفون أثره ، فتكون لهم أعين يبصرون بها ، وآذان يسمعون بها !! بل ما بالهم لا يتعلمون من عدوهم دقة التنظيم وحسن التنظيم والقدرة على التنظيم !!! .

إن الإسلام يريدنا أن نكون قمة في كل شيء ، في أمور ديننا وفي أمور دنيانا ، فالدنيا مطية الآخرة ، إن لم نحسن امتطاءها وتسخيرها في مصلحة الإسلام ، سخرها أعداؤنا ضدنا ونالوا بها منا ومن إسلامنا ، كما هو حاصل اليوم .

إن الأخذ بأسباب القوة الحسية ـ والتنظيم أهم هذه الأسباب ـ فريضة شرعية ، لا يجوز تعطيلها أو إهمالها بدليل قول الله ـ تعالى ـ : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة } ثم بدليل نص نبوي لا مجال لتأويله ، وهو قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه ) ، والحقيقة أنه لا إتقان من غير تنظيم ، بالغ ما بلغت الطاقات والإمكانات ، إذ العبرة بالكيف لا بالكم ، والتنظيم جوهر الكيف ومادته الأولى والأهم .

إن العاملين في الحقل الإسلامي مطالبون بتنمية قدراتهم التنظيمية مثلما هم مطالبون بتنمية قدراتهم الإيمانية والفكرية ، ومطالبون بالاستفادة من كل ما تفتقت عنه العقول من وسائل ونظريات وتقنيات في فن التنظيم والإدارة والبرمجة والأرشيف امتثالاً لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق بها ) ، وقوله : ( خذوا الحكمة من أي وعاء خرجت ) .

الـنـقـد وأصـولـه الـشـرعـيـة

من المسلمات والبديهيات أن الناس يتفاوتون في عقولهم ومداركهم وقدراتهم ، وأن اختلاف الرأي بينهم أمر طبيعي .

ومن يستقرئ التاريخ الإسلامي منذ البعثة النبوية حتى اليوم ، يتأكد له بما لا يحتمل الشك أن المسلمين بصورة عامة ، وأهل الحل والعقد منهم بصورة خاصة ، كانوا يتفاوتون في الحكم على القضية الواحدة ، وإن جاءت اجتهاداتهم كلها ضمن دائرة الشرع وفي إطار الإسلام .

وتبعًا لاختلاف الآراء وتباين الاجتهادات حول ما يستجد من أمور وأحداث ، تبرز ظاهرة ما يسمى بلغة العصر ( النقد ) وبما يسمى بلغة القرآن ( التواصي بالحق ) .

والتواصي بالحق ( أو النقد ) من الواجبات الشرعية الراتبة على كل مسلم رأى عيبًا أو انحرافًا من فرد أو جماعة أو دولة أو حكام ، امتثالاً لأمر الله ـ تعالى ـ : { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون } ، وعملاً بقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان ) وفي رواية : ( وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان ) ، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( الساكت عن الحق شيطان أخرس ) .

وعلى هذا انطلقت مسيرة الإسلام عبر التاريخ ، يعصمها من الانحراف صدق التوجه إلى الله ، وشديد المراقبة له ، فضلاً عن حسن التواصي بالحق بين المسلمين ، يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( المؤمن أخو المؤمن لا يدع نصيحته على كل حال ) وجاء في الأثر : ( حق المؤمن على أخيه : أن يبين له الحق إذا احتاج ، ويشد عزمه إذا أصاب ، وأن يشكر له إذا أحسن ، ويذكِّره إذا نسي ، ويرشده إذا ذل ، ويصحح له إذا أخطأ ، ويجامله في الحق ، ولا يسايره على الباطل ، المؤمن هادٍ ودليل ومعين وأمين ) .

شـروط النـقـد :

والإسلام حين يوجب على المسلمين أن يتواصوا بالحق ، فإنه يضع لذلك شروطًا محددة ويوجب التقيد بها واعتمادها ، من ذلك :

1 ـ تحري الصدق :

وذلك بأن يتحرى الأخ المسلم الصدق لدى ممارسته للنقد ، وأن يتبين الأمور ، ويستطلع صحة الشائعات والمقولات ، فكم من شائعات لم يكن لها في الحقيقة أصل ، وكم من مقولات صاغها وضخمها كثرة تناقل الألسنة لها من غير تحرٍّ لحقيقتها ، وحسبنا أن نسمع في هذا السياق حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك مصدق وأنت له كاذب ) رواه البخاري .

فلا يجوز أن يبنى النقد على الظن والشك ، بل لا بد لذلك من قرائن ثابتة ، وأدلة قطعية بدليل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) رواه البخاري .

2 ـ تحري القصد :

بمعنى أن يستطلع الأخ البواعث التي تدفعه إلى توجيه النقد ، خوفًا من أن يخالطها شيء من هوى النفس ، كحب التشفي والانتقام والتحقير ، أو ما شاكل ذلك من مقاصد ذميمة .

إن على الأخ المسلم أن يتوقف عن النقد فورًا إن لم تكن البواعث واضحة في نفسه ، وإن لم يطمئن إلى أنه مدفوع إلى ذلك ابتغاء وجه الله ، ومصلحة الإسلام والغيرة على الآخرين ، { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا } .

3 ـ تحري الأسلوب :

فالأخ المسلم مدعو إلى أن يتحرى الأسلوب الأقوم ، والتعبير الأكرم ، في إسداء النصح ، فشرط التواصي أن يكون بالحق لا بالباطل ، { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } .

ـ يحسن بالأخ الناصح أن يسدي النصح لأخيه على انفراد ؛ لأن ذلك أوقع في نفسه ، وأحوط من دخول الشيطان إليه ، وصدق علي بن أبي طالب حيث يقول : ( النصح بين الملأ تقريع ) .

ـ ويحسن بالأخ الناصح أن يسدي النصح لأخيه بأدب واستحياء وخفض جناح ، وأن يتخير الكلمة الطيبة والعبارة الكريمة التي يوجهها لأخيه ، فكم من كلمة لم يُلق الإنسان إليها بالاً أورثت أحقادًا وعداوات ، وتسببت بانفصام عرى أخوة إلى الأبد ، فليحاذر الإخوة سقطات اللسان ، وليذكروا قول نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) رواه أحمد .

ـ ويحسن بالأخ أن يكون رفيقًا رقيقًا مع أخيه { ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك } ، والغلظة والفظاظة في النقد وإسداء النصح مدعاة إلى إغلاق القلوب وصم الآذان ، بينما الرفق يفتح النفوس لسماع النصيحة والتأثر بها ، وبالتالي يحقق الخير الذي من أجله شرع النصح ، وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث يقول : ( إن الله ـ عز وجل ـ ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق ـ الحمق ـ وإذا أحب الله عبدًا أعطاه الرفق ) رواه الطبراني .

4 ـ تحري الموضوعية :

وعلى الأخ الناصح أن يقدم بين يدي نصيحته الدليل الشرعي الذي يثبت رأيه ووجهة نظره ، وأن يكون في نقاشه مع أخيه موضوعيًّا معتدلاً ، بعيدًا عن التطرف والغلو ، حتى لا يتحول الأمر إلى مراء وجدال ، تتحكم فيه الأهواء والأمزجة ، وتحركه أصابع الشيطان حيث تتمزق وشائج القربى في الله ، وتقع الطامة الكبرى والعياذ بالله ، وإلى هذا أشارت الآية الكريمة : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله } .

5 ـ رحابة الصدر :

وأخيرًا فإن المطلوب من الأخ المسلم ـ ناصحًا ومنصوحًا ـ أن يتحلى بالصبر ورحابة الصدر ، وأن يكون رائد الفريقين مرضاة الله رب العالمين ، فضلاً عن التماس الحق ، والالتزام به ، وليس ـ أبدًا ـ غلبة فريق على فريق واستعلاء واحد على آخر .

وليسمع الجميع ما كان يردده عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : ( أحب الناس إليَّ من أهدى إليَّ عيبي ) .

كـيـف نـديـر اجـتـمـاعـًا تـنـظـيـمـيـًّا

قد يستغرب البعض تناولنا لهذه الموضوعات وأمثالها بالدرس والتحليل ، ويظنون أنها أمور ثانوية وبديهية ولا تحتاج إلى هذا الجهد والعناء ، والحقيقة أنني أخالف الذين يذهبون مذهب التبسيط للأمور التنظيمية ، ولا يولونها كبير اهتمام ، فكل عمل من الأعمال ـ مهما كان بسيطًا ـ لا يمكن أن يكون ناجحًا وذا فائدة ما لم ينفّذ بإتقان .

ثم إننا في عصر الأحداث فيه تسابق الزمن ، وأعداء الإسلام يخططون بدقة متناهية ، وكل تخلف في التخطيط ، وتخبط في التنظيم ، وقصور في التصور ، سيؤدي حتمًا إلى تعثر في التنفيذ ، وتبديد للطاقات وضياع للأوقات .

إن انتظام أعمال الجماعات يبدأ من انتظام اجتماعاتها الصغيرة ، وإتقان مشروعاتها المحدودة ، كما أن الفشل يمكن أن يبدأ من الفوضى في هذه أو تلك .

إننا يمكن أن نحكم على مستوى جماعة من الجماعات من خلال مجرى جلسة واحدة من جلساتها ، أو تنفيذ مشروع من مشروعاتها ، فإذا كانت البداية جيدة فما بعدها سيكون أكثر جودة ، أما إذا كانت سيئة فما بعدها سيكون حتمًا أكثر سوءًا .

والاجتماعات التنظيمية يمكن اعتبارها بحق مفتاح النجاح أو الفشل لأعمال الجماعات ، وهذا ما يفرض توفر عدة عوامل لنجاحها ، من هذه العوامل :

1 ـ التقيد بموعد الاجتماع :

إن أول معول في هدم الاجتماع تأخره عن الموعد المحدد له ، ولو كان هذا التأخر دقائق معدودات !! والعقلية التي تستهتر بالدقيقة يمكن أن تستهتر بالساعة أو بحساب الزمن كله ، وإن العقلية التي لا تتقيد بدقائق الزمن لا تتقيد بدقائق الشرع ، أو قد تتعود الخروج على كل القيود تباعًا .

والوقت في حكم الشرع والعرف كالعهد ينبغي المحافظة عليه والوفاء به وعدم الاستهانة به أو نقضه { وأوفوا بالعهد ، إن العهد كان مسئولاً } ( الإسراء : 34 ) .

ويصف القرآن الكريم المؤمنين بقوله : { والموفون بعهدهم إذا عاهدوا } ( البقرة : 176 ) ، { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } ( المؤمنون : 8 ) .

وحين يصف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المنافق يقول : ( إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان ) .

2 ـ رحمانية الاجتماع :

إن الحرص على رحمانية الاجتماعات يمنحها ـ بدون أدنى شك ـ بركة من الله وتوفيقًا وسدادًا منه ، وعدم تحقق الرحمانية من شأنه أن يجعل الاجتماعات على كف شيطان ، لا تكاد تنتهي إلى خير أو تحقق خيرًا .

ولذلك وجب تحضير النفوس للاجتماع ، حتى لا تنعقد الجلسة وفي النفوس هاجس من هواجس إبليس يمكن أن يفسد الأجواء ويحقق البلاء .

فبدء الاجتماع بالاستعاذة من الشيطان الرجيم ، وتلاوة شيء من القرآن الكريم ، والتوجه إلى الله بالدعاء ، من شأنه أن يجعله محفوفًا بتوفيق الله ، كما يجعله لقاء تتنزل فيه السكينة ، وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة ، ويذكره الله فيمن عنده .

وليس عبثًا أو جزافًا أن يقرر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن كل عمل لم يبدأ ببسم الله فهو أقطع أو أبتر ) .

3 ـ موضوعية المناقشات :

ومما يساعد على نجاح الاجتماعات وفاعلية المناقشات ، غلبة الموضوعية عليها ، وبعدها عن المزاجية والانفعالية ، وهذا يفرض ملاحظة عدة أمور :

الأول : تحديد جدول بالموضوعات المراد بحثها ومناقشتها في بدء الجلسة .

الثاني : عدم الانتقال من موضوع إلى آخر قبل الانتهاء منه بقرار .

الثالث : عدم العودة إلى بحث موضوع انتهي منه ، إلا إذا اقتضت ذلك مبررات وضرورات .

الرابع : تأجيل مناقشة كل موضوع لم يتحقق تمحيص جوانبه .

الخامس : اعتماد أسلوب تقديم الآراء المكتوبة ، وبخاصة لدى مناقشة الموضوعات الهامة والخطيرة .

السادس : اعتماد أسلوب توزيع البحوث مكتوبة على الأعضاء قبل الاجتماع بفترة كافية لدراستها ووضع الملحوظات عليها .

4 ـ أدب المناقشة :

إن المناقشة حتى تحقق إغناء الموضوع بالآراء السليمة ، وحتى تحقق كشف سلبياته وإيجابياته ، وصولاً إلى اتخاذ القرار السليم بشأنه ، لا بد لها من عدة عوامل :

أولها : تحاشي استخدام العبارات الساخرة ، والمحقرة للرأي ، والمبادرة إلى الاعتذار إذا وقع ما يسيء .

ثانيها : الإصغاء إلى كل رأي يطرح ، مهما كان خاطئًا ، وعم مقاطعة صاحبه .

ثالثها : أن لا تتسم بطابع المساجلات الشخصية ، وغلبة فريق على فريق .

رابعها : ملاحظة ضرورة خفض الأصوات ما أمكن .

خامسها : أن لا يعتد كل واحد برأيه ، وإنما بتواضع الجميع ، وباستعدادهم للتنازل عن آرائهم للرأي الأمثل والأصوب ، يرفعهم الله ، ويوفقهم لاختيار الأمثل والأصوب .

سادسها : تنزيه الاجتماعات والمناقشات عن أساليب الغمز واللمز والغيبة والنميمة والمناورات ، وغيرها من الصفات المرذولة .

هذه بعض عوامل إن توفرت كان الاجتماع ناجحًا معطاء ، وكانت أجواؤه مشبعة بالبشر والأمل ، وإن لم تتوفر كان بؤرة سم لا يفرز إلا العقم والشؤم ، والعياذ بالله من الشيطان الرجيم .

الـمـحـاسـبـة الـيـومـيـة وأصـولـهـا

ومن واجبات الأخ الداعية أن يتابع نفسه وروحه بما يصلحها ويزكيها ، وعليه أن لا يتساهل أو يلين في مراقبتها ومحاسبتها ؛ لأن النفس أمارة بالسوء ، ومداخل الشيطان إليها أكثر من أن تحصى ، ( الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) .

ومن وصايا عمر بن الخطاب في هذا المعنى قوله : ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا وتهيئوا للعرض الأكبر ) .

إن ضغوط الجاهلية التي يواجهها الداعية في حياته كثيرة ومتعددة ، فهو يشعر بغربته وشذوذ المجتمع من حوله ، وهو يحس بأن كل مظاهر المدنية الحديثة ليس لها إلا هدف الإغواء والإغراء ، وتقويض القيم والمثل العليا ، وتدمير الأخلاق والمكارم ، وإشاعة الرذائل والفواحش في المجتمع .

وهو لذلك بحاجة ماسة إلى ( صيانة ) نفسه من التأثر والانحراف ، ليقوى على المضي في الطريق الذي يرضي الله ، وليتمكن من مكافحة الجاهلية وتسديد الضربات القاضية إليها على كل صعيد .

ومسألة الصيانة هذه إن لم تتخذ في حياة الأخ شكلاً جديًّا فستبقى ـ لا محالة ـ كلمة فارغة ليس لها في وجوده أدنى مدلول أو تأثير .

من أجل ذلك أقترح على الإخوة ، سواء كانوا أفرادًا مبتدئين ، أو دعاة لامعين ، أو قادة ومسئولين ، أن يكون لهم مع أنفسهم موعد يومي للمحاسبة والصيانة ، وأقترح أن تجري المحاسبة يوميًّا على الأمور التالية ومدى التزام الأخ بها :

1 ـ إن قيام الليل ( مدرسة روحية ) لا تفوّت ، ومولد للطاقة الإيمانية لا يعدله آخر ، ولا غنى عنه بسواه ، وهذا سر قول الله ـ تعالى ـ فيه : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلاً } .. فهل قمت شيئًا من ليلتك الفائتة ، نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا ؟ أم أنك كنت من الغافلين النائمين ، ساعة ينزل ربنا ـ تبارك وتعالى ـ في ثلث الليل الأخير فيقول : ( هل من مستغفر فأغفر له ؟ من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ ) .

ثم أين أنت يا أخي من الذين وصفهم الله ـ تعالى ـ بقوله : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع } ، { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } ، { أمَّن هو قانت آناء الليل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكر أولو الألباب } .

روى الطبراني في الكبير ، عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة لكم إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم ، ومطردة للداء عن الجسد .. ) .

2 ـ ثم هل تعلم يا أخي بأن لله ملائكة يتعاقبون فينا بالليل والنهار ، وأنهم يجتمعون في صلاة الفجر والعصر ، ثم يعرجون إلى السماء ، فيسألهم الله ـ وهو أعلم بهم ـ : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون .. فهل أديت صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة ، فكنت من الذين قال فيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فانظر يا ابن آدم ، لا يطلبنك الله من ذمته شيء ) رواه مسلم .

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة ، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ) .

3 ـ واعلم يا أخي أن قلبك بحاجة إلى عذب من معين القرآن ، يمنحه السكينة والطمأنينة ويكسبه الشفافية والإرهاف ، وإن المؤمنين هم الذين لهم قلوب حية نابضة مرهفة ، { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم } .. فهل قرأت وردًا من القرآن بعد صلاة الفجر وذكرت الله خاليًا متضرعًا حتى فاضت عيناك ؟؟ أم أنك من الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم فهي كالحجارة ؟!! .

ألم تسمع يا أخي بقول الله ـ تعالى ـ : { إن قرآن الفجر كان مشهودًا } ، وبقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب ) رواه الترمذي ، وقوله : ( من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه ، غير أنه لا يوحى إليه ، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يجد ـ أي أن يغضب ـ مع من وجد ، ولا يجهل مع من جهل ، وفي جوفه كلام الله ) رواه الحاكم ، ثم لا تنسى أن تقرأ القرآن وكأنه يتنزل عليك لأول مرة .

4 ـ وحين تجلس على مائدة الطعام فهلا فكرت قليلاً في الغاية التي من أجلها تأكل ، وفي هذه النعم والطيبات التي هيأها لك الله لتكون غذاء وقوة تعينك على شكره وطاعته ، وتمدك بالقوة للجهاد في سبيله ؟ .

ثم هل دققت في المصادر التي حصلت منها على هذه الأطعمة والأشربة وتحريت عن الحلال الطيب منها وتعففت عن الحرام الخبيث ؟ .

5 ـ وحين تخرج من بيتك .. ينبغي أن تدرك أن الإسلام دين عمل لا كسل ، ودين سعي لا بطالة ، وإن من واجبك كمسلم أن تنتشر في الأرض وتبتغي من فضل الله متاجرًا عاملاً مكتسبًا ، فهل قمت اليوم بقسطك من هذا الجهاد ، وأديته بإتقان وإخلاص ، عملاً بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الله يحب من أحدكم إذا عمل العمل أن يتقنه ) ، ثم هل طهرت مالك بالإنفاق على الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات ، وأديت الزكاة المفروضة فيه عليك ، وكنت بذلك من الشاكرين ؟ .

روى البخاري عن المقداد بن يكرب عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : ( ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود ـ عليه السلام ـ كان لا يأكل إلا من عمل يده ) .

6 ـ وفي الشوارع التي تمر بها ، وفي المجتمعات التي تغشاها ، هل كنت دائم المراقبة لله ؟؟ ..

ـ هل وقع بصرك على حرام فغضضته واستغفرت الله ، لعلمك بأن النظرة الأولى لك والثانية عليك ، وأن النظرة سهم من سهام إبليس ؟.

ـ هل دعتك امرأة ذات منصب وجمال فأعرضت وقلت : إنني أخاف الله ، ثم رددت بينك وبين نفسك : { ربِّ السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ، وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين } ؟ .

ـ هل تحريت في تجارتك الحلال من الرزق ، وإن كان قليلاً ؟ .

ـ هل فرط منك ما تعتبره مخالفة شرعية ؟ .

ـ هل استشعرت في كل عمل رقابة الله ، ووزنته بميزان الإسلام ، وتورعت عن الشبهات ، وكنت من المتقين الذين عناهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس ) رواه الترمذي .

7 ـ والآن اسأل نفسك عن مدى استفادة الإسلام من ظروف عملك ، هل يشعر زملاؤك بأثرك الإسلامي فيهم ؟ هل قمت بزيارتهم في منازلهم لتوثيق الصلة بهم ومحاولة اجتذابهم إلى الفكرة وإلى الحركة ؟ .

إن من واجبك أن تتحرك في كل ميدان ، وأن تترك وراءك أثرًا إسلاميًّا في كل مكان ، واذكر دائمًا قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها ) وفي رواية : ( .. من حُمر النعم ) .

إن لديك يا أخي متسعًا من الوقت خارج وقت عملك ، وإن من واجبك أن تقدم منه قسطًا وافرًا لدعوتك ، والوقت كالسكين إن لم تقطعه قطعك ، ووصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا قوله : ( نعم العطية كلمة حق تسمعها ثم تحملها إلى أخ لك مسلم فتعلمها إياه ) رواه الطبراني .

روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا ) .

8 ـ ثم لا تنسى أن تسأل نفسك عن الأوقات التي توفرها وتنظمها لتنمية ثقافتك الإسلامية والعامة ، فأنت تعيش في مجتمع تشعبت ثقافاته ، وتعددت اتجاهاته ، وتباينت أفكاره وتصوراته ، وهذا مما يفرض عليك الإحاطة بما حولك من أفكار وتصورات لتتمكن من التحليل والتشخيص والمناقشة والنقد والإصلاح .

ـ فهل طالعت شيئًا عن الإسلام طيلة هذا اليوم ؟ .

ـ هل قرأت شيئًا تعتبره مفيدًا لثقافتك العامة الفكرية والسياسية ؟ .

روى ابن عبد البر في كتاب ( العلم ) عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( تعلموا العلم ، فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح ، والبحث عنه جهاد ، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة ، وبذله لأهله قربة ؛ لأنه معالم الحلال والحرام ، ومنار سبل أهل الجنة ، وهو الأنيس في الوحشة ، والصاحب في الغربة ، والمحدِّث في الخلوة ، والدليل على السراء والضراء ، والسلاح على الأعداء ، والزين عند الأخلاء ، يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتفى آثارهم ، ويقتدى بفعالهم ، وينتهى إلى رأيهم .. ) .

والآن اسأل نفسك عن مدى استعدادها للبذل والتضحية في سبيل الله .. إن أثقالاً كثيرة تشدك إلى الحطام وتمرغك في الرغام ، فهل حاولت أن تتخفف من هذه الأثقال وتتحرر من سلطانها عليك ؟ .

ـ إن الخوف على الحياة ثقل يقعد بك عن الجهاد في سبيل الله .. ينبغي أن تتحرر منه .

ـ وإن الخوف على المصلحة المادية ثقل يحول بينك وبين التفرغ لدعوتك وإسلامك يجب أن تتخلص منه .

ـ وإن التعلق بالزوجة والولد والأهل والعشيرة أثقال تعيق عن الانطلاق يجب التفلت من سلطانها .

إن عليك في كل الأحوال أن تغلب مصلحة الإسلام على كل مصلحة ، وتخضع أهواءك لما جاء به الشرع ، وتكون مستعدًّا دائمًا وأبدًا للموت في سبيل الله .

روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ) ، وروى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو على المنبر يقول : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة .. ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ، ألا إن القوة الرمي ) .

وروى الترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة ) .

10 ـ وأخيرًا لا آخرًا .. هل فكرت في هذا الجسد ، في حقه عليك ، وفيما ينبغي أن توفره له ليكون قويًّا جلدًا قادرًا على تحمل أعباء السفر الطويل والجهاد المرير ؟ ينبغي أن تدرك أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف .

ـ فهل أديت بعض التمارين الرياضية ( المنظمة ) هذا الصباح .

ـ هل مارست شيئًا من الرماية والسباحة ، وركوب الخيل والدراجة والسيارة ، والسير ؟ .

ـ هل حاولت الامتناع عن كل ما يرهق البدن ويتعبه ، فاقتصدت في السهر والأكل والشراب ، وامتنعت تمامًا عن التدخين وتناول القهوة والشاي ؟ .

إن عليك يا أخي أن تعد نفسك لتكون جنديًّا في معركة الإسلام ، بكل ما تتضمنه كلمة الجندية من معنى ، والله يتولى الصالحين ، ويهدينا جميعًا سواء السبيل .