آخرهم السيسي.. لماذا يستدعي العسكر “الفقر” فى خطبهم؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
آخرهم السيسي .. لماذا يستدعي العسكر "الفقر" فى خطبهم؟


لماذا يستدعي العسكر “الفقر” فى خطبهم.jpg

كتبه سيد توكل

(26 يوليو 2018)

منذ انقلاب جمال عبد الناصر على الرئيس محمد نجيب في عام 1954، لم يطالب أحد جنرالات العسكر بتجديد خطاب الفقر الذي اشتهروا به، وفي طياته يطالبون الشعب بالتقشف وشد الحزام، والصبر على الحرمان، والغلاء والبلاء، بحجة بناء الوطن، ومتعللين بأن الخزانة خاوية وأن الموارد لا تسمن ولا تغني من جوع

حافظ على "خطاب الفقر" الرئيس الراحل السادات، ومن بعده المخلوع مبارك الذي أكثر من الحديث عن عنق الزجاجة، وتوقف خطاب الفقر عاماُ كاملا بوصول الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، ثم عاد مرة أخرى بانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي.

في بلدٍ كمصر يُرجع العسكر وإعلامهم أسباب تدهور الاقتصاد والأمن إلى ذريعتين، أولهما الزيادة السكانية الكبيرة التي تلتهم موارد البلاد المحدودة أو المنهوبة، وثانيهما هو التصدي للأخطار الداخلية والخارجية التي تهدد الأمن القومي للوطن، وبالتالي يتحتم الوقوف جميعاً في وجه "أهل الشر" الذين يتآمرون على مصالح البلاد والعباد، وبذلك يصرفون الأنظار عن القضية الرئيسية، وهي فساد جنرالاتهم وتآمرهم على مصالح الشعب.

ويخشى العسكر من أنه إذا ما نجح الشعب في اجتياز معركة الوعي، بإدراكه أن من يحكمه هو أصل المشكلة، ولن يكون الحل بحالٍ من الأحوال، ساعتها فقط سينفجر هذا الشعب من قاع الزجاجة، التي حبسوه فيها عقودٍا طويلة لنور الحياة والحرية والرخاء.

في ستينات القرن الماضي، وقف عبد الناصر، في أحد خطاباته، يتحدث عن المساعدات الأمريكية لمصر والتي كانت وقتها عشرات الملايين، وتدخل جيوب عسكر يوليو، مؤكدا أن المصريين قادرون على تقليل استهلاكهم من الشاي والسكر نكاية في أمريكا، وبعد 50 عاما وقف السفيه السيسي بمقولة جديدة عن استعداده لتناول وجبة واحدة فقط في اليوم لبقية عمره.

وقال السفيه السيسي إن :

"100 مليون إنسان عايزين يتعلموا ويبقى عندهم أمل وتعليم، ده ما بيتحققش بالأكل والشرب، قسمًا بالله لو كان الموضوع وجبة واحدة في اليوم لبناء أمة، أقسم بالله لأقعد بقية عمري آكل وجبة واحدة"، واعتبر مراقبون قسم السفيه "تمهيدا لمزيد من قرارات التقشف ورفع الأسعار وتجويع الشعب"، مؤكدين أنه إشارة "لأذرعه الإعلامية بالحديث عن الاكتفاء بوجبة واحدة كي تحيا مصر.

ومنذ حرب أكتوبر والشعب المصري يقبع في عنق زجاجة ضيقة خانقة، أو هكذا أوهمهم جنرالات العسكر المستبدون بأن موقع مصر في عنق الزجاجة لن يستمر طويلاً ، وعلى المصريين الصبر على القهر والجوع ، أما الجنرالات وأولادهم وعشيرتهم فلهم نعيم السلطة والجاه، حتى يعبر الوطن إلى بر الأمان، ويخرج إلى أنهار العسل والمن والسلوى التي تنظره خارج الزجاجة عما قريب.

وما هي إلا حجج واهية بطبيعة الحال هروباً من المسؤولية، وتبريراً لفشل جنرالات العسكر الذريع في التعاطي مع مشكلات البلاد الحقيقية؛ ليبقى الوضع على ما هو عليه ، حيث تمر الأيام والأسابيع والشهور والسنوات الطويلة ولا يحدث شيء ملموس على أرض الواقع، اللهم إلا مزيداً من القهر والفقر والمعاناة.

أكثر من أربعة عقود عاشها المصريون، وما زالوا يعيشون على وهم الخروج من عنق الزجاجة ولم يخرجوا بعد، بل والمطلوب منهم الآن أن يعيشوا على هذا الأملن وعلى هذا الوهم سنوات وسنوات حباً في مصر، وتفانياً في الانتماء للوطن العزيز، ومطلوب منهم أيضاً أن يُحسنوا الظن بقيادة العسكر الحكيمة التي تكفيهم عناء التفكير ومؤنة البحث عن الحل، فقط عليهم تحمل العناء والألم بنفوس راضية ووجوه ضاحكة، حتى لو أكلوا ورق الشجر جزاء ثقتهم العمياء في السفيه الملهم، وكله عشان مصر تبقى أد الدنيا!

سمع المصريون مصطلح "عنق الزجاجة" أواخر حكم الرئيس أنور السادات نهاية سبعينيات القرن الماضي، وخلفه المخلوع مبارك في الطنطنة على ذات النغمة على طريقة " العين بصيرة والأيدي قصيرة "، وحكم بموجبها ثلاثين عاماً ، وعندما أطل الشعب برأسه خارج القمقم بعد 25 يناير، سرعان ما دفعوه ليقبع في القاع بمجيء السفيه السيسي الذي أكمل مشوار بيع الأوهام وتسويق الأحلام، وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان.

وحيث يلعبون على نفس الوتر الخبيث بأن مصر خرجت من أربعة حروب طاحنة، سيظل المصريون في دفع فاتورة تأثيراتها وتبعاتها أبد الدهر، وكأننا بدعة من الأمم والشعوب التي بُعثت من جديد من تحت ركام الدمار والهزائم، وصعدت من الحضيض إلى الصعيد بالجهد والعمل، والنزاهة والشفافية والعدالة، وتبوأت مقعدها في القمة بين الكبار ، ولم يمن عليها حكامها الأشاوس بخوض حروب، كانوا هم سبب اشتعالها فضلاً عن خسارتها في نفس الوقت.

الحقيقة الساطعة أن المصريين لم يعودوا في عنق الزجاجة، كما أوهمهم العسكر لسنوات طويلة على أمل الخروج سريعاً ليكسبوا مزيداً من الوقت ، ويتفننوا في اختراع الأكاذيب والمُسكنات لإسكات الشعب وتثبيط عزائمه، بل سقط المصريون إلى قاع الزجاجة اللعينة، بمرور الوقت كلما صبروا أكثر على وهم يبيعه لهم السفيه السيسي، وصدّقوا وعود العسكر التي لن تتحقق أبداً ما داموا يدهسون الحرية والكرامة والعدالة بجنازير انقلاب 30 يونيو.

المصدر