حكايات من داخل الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بداية جديدة

بوابة زرقاء عملاقة .. مظهرها لا يخلو من كآبة .. ولكن كآبتها ليست هي سرها الوحيد فالسر الأكبر .. أنها تبدو كالبوابات التى تربط الأزمنة .. أو فجوة بين الأبعاد الزمنية والمكانية .. فهى تفصل عالمنا عن عالم آخر .. أسود كئيب .. مرعب .. فيه بشر يعيشون مثلنا .. البشر هم الذين مثلنا .. ولكن معيشتهم لا تشبه حياة البشر بأى حال .. عذاب شديد .. معاملة قاسية .. وحياة أهون منها الموت .. الداخل فيها مفقود .. والخارج منها مفقود .. تحركت البوابة العملاقة .. ليخرج منها مجموعة من الرجال .. ندقق فى ملامحهم تلك الوجوه نعرفها .. نعم .. رأيناها منذ فترة ليست بالطويلة منذ ثلاث سنوات ... كانوا هناك .. فى فلسطين .. يرتدون بدلاً عسكرية .. يحملون المدافع والقنابل .. يقاتلون اليهود ويطردوهم ..إنهم الإخوان المسلمون .. ألقوا فى السجون جزاء لهم على بذلهم وتضحيتهم .. على جدهم وجهادهم .. نظروا إلى العالم لم يروه منذ سنين .. وجوههم لا تخلو من إشراقة رغم الحزن .. وهممهم لا تخلوا من حماسة رغم التعب .. نظر بعضهم إلى بعض .. ماذا يفعلون؟؟ قتلوا مرشدهم .. قتلوا معلمهم .. قتلوا روحهم وحبيبهم .. وكأنهم نزعوا قلبهم من صدورهم .. قتلوا حسن البنا .. ويا ليتهم ما فعلوا، كل منهم كان يود لو يفديه بروحه ليموت ويبقى هو .. بوجهه المشرق .. وابتسامته الحنون وهمته التى لا تضعف .. ولكن هذه هى سنة الحياة والدعوة لا تقف على أشخاص .. فلا بقاء لشخص .. ولكن الدعوة باقية ما بقى الدهر إن شاء الله .. تلاقت عيونهم .. عيون ملئى بالدموع .. ولكن يشع منها بريق الإصرار والتصميم .. وكأنها بيعة جديدة .. على أن يكملوا مسيرة مرشدهم الأول .. أن يحملوا الخير لكل الناس .. يبينون شمولية الإسلام .. ويحاربون الظلم أينما كان وبدأ الإخوان من جديد .


انفـــجـــــار

رفرف العلم الإنجليزى فوق أحد المعسكرات الإنجليزية فى أطراف القاهرة .. وخيم عليه صمت شديد من تلك الساعة المتأخرة من الليل، وعلى بعد مئات الأمتار من المعسكر يقف أربعة شباب وقد علق كل منهم على صدره ذلك الشعار المميز للإخوان المسلمين .. يتهامسون وقد بدا على وجوههم كثير من الجدية .. ظلوا على هذا الحال بضع دقائق .. ثم تشابكت أيديهم .. وانطلقت السنتهم فى صوت واحد .. بإيقاع مهيب ( أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) ومشوا بخطوات حذرة فى اتجاه المعسكر .. تفرقوا عند نقطة معلومة .. وأخذ كل واحد منهم طريق مختلف .. اتجه أحدهم فى ناحية الشرق نحو غرفة القيادة والثانى ناحية الغرب .. أما الشابان الأخران فقد اتجها إلى وسط المعسكر .. حاولا أن يتسلقا تلك الأسلاك الشائكة .. ولكن فجأة انطلقت صافرة الإنذار تهز أرجاء المعسكر .. وسلطت الكشافات القوية على الشابين .. وتجمع عليهما جنود المعسكر من الإنجليز .. نظر الشابان إلى بعضهما البعض وانطلقا نحو الجنود وهما يصيحان فى وقت واحد : الله أكبر .. الله أكبر .. قاتلا بشراسة وقتلوا وأصابوا العشرات حتى سقطا فى دمائهما شهداء لله عز وجل .. ولكن استطاع أحد الشباب من الوصول إلى مخزن الذخيرة .. ولم يتردد من تفجير نفسه .. وتفجر المخزن ومعه تحول المعسكر إلى كتلة من اللهب .. وأضاء الليل من النيران .. أما الرابع فقد أسروه .. وحكم عليه بالإعدام .. لتكتب الصحف فى اليوم الثانى : ( محاولة ناجحة فى اقتحام وتفجير معسكر انجليزى فى غرب المدينة بواسطة أربعة شبان من الإخوان المسلمين وقد استشهدوا جميعاً ) .


الإخوان..يوليو 52

تحركات غير عادية تسود الشوارع .. مدرعت ودبابات تملأ الطرقات .. آلاف الجنود يأخذون اماكنهم .. آلاف الرجال والشباب من الإخوان المسلمين يتحركون والقلق يرتسم على وجوههم .. سؤال واحد يدور فى أذهانهم هل سينجحون؟؟.. هل سيتحقق حلمهم الذى طالما حلموا بالحرية؟؟.. حلموا بالخلاص من هذا النظام الظالم ومن هذا الاحتلال الجاثم على صدوهم منذ أعوام طويلة، فمنهم من يحرس الكبارى .. وأخرون يقفون عند مبانى الوزارات والهيئات .. الضباط الأحرار بالاتفاق مع الإخوان أكبر كتلة شعبية فى ذلك الوقت .. يمضون فى مخططهم لإقامة الثورة الكبيرة 23 يوليو 1952 اتفقوا على تحكيم شرع الله وإقامة دولة ديمقراطية .. يكون حكمها جمهوريا .. أحد الضباط الأحرار اتجه إلى مبنى الإذاعة لإذاعة بيان الثورة .. وأخر إلى البرلمان .. الكل تحرك فى دقة شديدة من الإسكندرية حتى أسوان .. مصر كلها يغمرها ثورة عارمة .. وغضب شديد .. واتجه اللواء عبد المنعم عبد الرؤوف أحد الضباط الأحرار وأحد أبرز الإخوان المسلمين إلى القصر الملكى وأرغم الملك فاروق على مغادرة البلاد وقام بالسيطرة على القصر .. وتحريز كل ممتلكاته .. واصطحب الملك إلى ميناء الإسكندرية حيث استقل الملك إحدى السفن متجها إلى أوروبا .. تاركا البلاد وراءه .. لتبدأ عهداً جديداً .. فى ظل حكم جمهورى .. لم تعرفه البلاد من قبل ..


سيد من الشهداء

بسمة صغيرة ترتسم على شفتيه .. تبدو فى عينيه الواسعتين نظرة الواثق .. نظرة لا تخفى على أحد .. يمشى بخطى واثقة .. ويتمتم بكلمات لا يسمعها أحد الكل ينظر إليه ويتعجب، بماذا يشعر هذا الرجل ؟؟! من أين له كل هذه السكينة ؟! كل من جاء فى هذا المكان كانت خطاه ثقيلة .. عينه مفتوحة .. وجسده يرتعش .. معظمهم كان يغشى عليه .. ومنهم من توقف قلبه عن النبض عندما رأى الحلقة .. أما هو .. رأها فتبسم .. رأها معلقة .. تتدلى من سقف الحجرة .. تنتظر أن يدخل رقبته .. رأها تنسم ريح الشهادة .. وشعر بقربه الشديد من ربه تنسم ريح آل ياسر .. تنسم ريح سمية أم عمار .. وريح شهداء بدر وأحد .

كان هذا الرجل هو : سيد قطب .. الذى أفنى عمره فى الدعوة إلى الله .. وخلف وراءه كنوزاً من المؤلفات .. على رأسها "فى ظلال القرآن" التفسير الشهير .. ارتفع رأسه .. وشعر بفخر شديد .. شعر بقربه الشديد إلى نبيه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم .. الذى رأه فى منامه ذلك اليوم وهو يقول له ستفطر معنا اليوم ... وقد كان صائماً ..

توقف المشهد فجأة .. أوقفوه قبل المشنقة بقليل .. يرتفع صوت خطوات تأتى من بعيد .. جمع من الحرس .. يتوسطهم رجل يبدو عليه أنه ذو مكانة كبيرة .. ورغم ذلك يبدو الزيغ فى نظراته .. والارتباك فى حركاته .. دخل الغرفة .. وقعت عيناه على الشيخ سيد قطب وهو يحيطه ظلال من الرهبة والجلال رغم البدلة الحمراء الكئيبة التى يرتديها .. أشاح ببصره سريعاً .. وكاد صوته لا يخرج وهو يقول : خذ هذا القلم واكتب على هذه الورقة اعتذار عما فعلت وتأييد للرئيس جمال عبد الناصر .. اكتب هذه الكلمات وسوف تنجو من حبل المشنقة.

قال سيد قطب : إن الأصبع الذى يشهد بالوحدانية يرفض أن يكتب كلمة تأييد لحاكم ظالم مثل عبد الناصر .. فى هذه الأثناء تلقى الرئيس جمال عبد الناصر مكالمة فى مكتبه من الملك عبد العزيز ملك السعودية فى ذلك الوقت وعرض عليه فيها الملك أن يعفو عن الشيخ سيد على أن يستضيفه على أراضى المملكة .. ولكن عبد الناصر قال له لقد أعدمت سيد قطب وهو لا زال حياً يرزق ... وضعوا حبل المشنقة حول رقبة سيد قطب فقال كلمته الشهيرة: "إن كلماتنا عرائس من شمع فإذا رويناها بدمائنا دبت فيها الحياة .. لا إله إلا الله محمد رسول الله" ... وصعدت روحه إلى بارئها .


صبر ... وفداء

رمال ساخنة على امتداد البصر .. شمس حارقة تتوسط السماء .. عرق غزير يغمر الوجوه والأجساد .. ليس هذا يوم القيامة .. إنه ساحة سجن مزرعة طره .. وسط هذا كله .. يقف صف من الرجال الشرفاء من الإخوان المسلمين .. شيوخ .. شباب .. جاء بهم الرئيس جمال عبد الناصر إلى هذا العالم المخيف .. المرعب .. عالم سجن طره .. واقفين لا تصدر منهم أى حركة .. فى مدة تتجاوز الأربع ساعات .. والويل كل الويل لمن .. يهمس همسة .. أو يتحرك سنتيمتر واحداً .. استمر الحال على ما هم عليه .. حتى وقعت الجريمة .. جريمة بشعة .. هكذا يراها الظالمون .

التفت ( الشاويش ) كأنه لدغه عقرب .. وصرخ فى صوت هائل: من الذى عطس؟!

لم ينطق أحد .. لأنه لو نطق أحدهم سيناله عقاب أليم قال وقد أحمر وجهه : اللي عطس يتقدم خطوة إلى الأمام وعندما أيقن صاحب ( العطسة ) أنه لا مفر .. وإلا سيعذب إخوانه جميعاً .. تحرك خطوة إلى الأمام .. ولكن العجيب أنه وجد كل الصف يتحرك معه .. خطر لهم جميعاً نفس الخاطر .. خاطر التضحية من أجل أخيهم فتحركوا جميعاً .. رسموا لوحة بديعة من الإيثار والفداء الذى يحيا به الإخوان حتى داخل السجون نظر إليهم (الشاويش) فى غضب ..

وهتف : ماشى باولاد الـ ..........

وتحركوا خطوة أخرى .. ولكن خطوة من القهر والتعذيب.



لأول مــــرة

كلية الطب جامعة الإسكندرية.. شاب طويل القامة .. ذو وجه أبيض مشرب بالحمرة .. يقف فى ساحة الكلية فى هدوء .. ينظر حوله إلى جموع الطلبة المارين فى ساحة الكلية أو الجالسين فى جنباتها ... ينظر فى ساعته .. تمر دقيقة وهو يرقب عقارب ساعته .. ثم يرفع يديه جوار أذنيه ثم ينطلق صوته عالياً : الله أكبر الله أكبر .. الله أكبر الله أكبر .. أشهد ألا إله إلا الله

ما هذا ؟! إنه يؤذن .. أمجنون هذا .. ما الذى يفعله .. أيؤذن .. وفي الكلية ؟؟!!

ولمن يؤذن إن كان أحد لا يصلى ؟ وأين سيصلى إن كان لا يوجد فى الكلية مسجد؟ تجمع الطلبة حوله فى دهشة يراقبون ما يفعل فى استغراب .. أنهى الأذان ثم أخرج من حقيبته سجادة الصلاة الشخصية وفرشها على الأرض ثم أخذ يصلى السنة .. ثم انتصب واقفاً وأقام الصلاة ثم صلى الفريضة..السلام عليكم ورحمة الله .. السلام عليكم ورحمة الله .. وأنهى صلاته .. وانطلق الطلاب بالتصفيق وكأنهم يشاهدون عرضاً للساحر .

وفى اليوم التالى تكرر المشهد .. وتكرر التصفيق .. وفى اليوم الذى يليه تكرر المشهد لكن الجديد أن طالباً وقف بجوار ذلك الشاب .. ثم صاروا ثلاثة ثم أربعة خمسة وعشرة ثم عشرون وبدأ العدد يتزايد حتى اضطرت الكلية إلي إنشاء مسجد .. وكانت هذه هى قصة إنشاء أول مسجد فى كلية الطب كان بطلها وقتها الطالب إبراهيم الزعفرانى عضو جماعة الإخوان المسلمين والذى صار فيما بعد الأمين العام لنقابة الأطباء والناشط السياسى المعروف.