"نواف القديمي": ننطلق من رؤية إسلامية للإصلاح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"نواف القديمي": ننطلق من رؤية إسلامية للإصلاح

[28-02-2004]

مقدمة

حوارات73.jpg

ننطلق من رؤية إسلامية، ونسعى لمواجهة الجمود المجتمعي.

الرَّدع الفكري يحكم العلاقة بين التيارات الثقافية في المجتمع السعودي.

هناك إجماع على ضرورة فكِّ الارتباط بين السلطة السياسية والفهم السلفي للدين.

أي دعوة للإصلاح لا تنبع من رؤية إسلامية لن تُكْتَب لها الحياة في المجتمع السعودي.. جميع التيارات الفكرية والسياسية داخل السعودية تتفق على رفض التدخل الأجنبي، تيار (التنوير الإسلامي) يتبنى قضايا الإصلاح الديني وتكوين رؤية إسلامية حضارية تستطيع التعايش مع العالم المفتوح وقادرة على إدارة المجتمع وتنميته، وتسهم في تكوين مجتمع مدني تعدُّدي يؤمن بالحريات والديمقراطية والتنوع السياسي والفكري والمذهبي، ويكرس أولويات النهضة وإقامة مجتمع متقدم لا يعيش بالضرورة حالة خصومة مع الغرب الاجتماعي والثقافي، وإن كان يختلف عنه بشكلٍ جذري في موقفه من بعض القضايا".

هذا ما يؤكده الأستاذ "نواف القديمي"- أحد الناشطين في التيار الإصلاحي الثقافي أو مَن يُطلق عليهم في المجتمع السعودي (تيار التنوير الإسلامي)- في حواره مع موقع (إخوان أون لاين)، الذي مثل فرصة للاقتراب أكثر من قراءة أفكار تيارات الإصلاح السعودية الجديدة، ومنها هذا التيار، لاسيما بعد تزايد الدعوات المطالبة بالإصلاح في (المملكة العريبة السعودية) سواء كانت برغبة داخلية أو بضغوط خارجية، وعلى المستويات الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية كافةً، خاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، وما تُطْلِق عليه هذه الأخيرة اسم (الحرب على الإرهاب).


نص الحوار

  • بدايةً: كيف ترى الواقع السعودي، خاصةً الثقافي والديني؟
المجتمع السعودي مجتمع ظلَّ فيه التيار الديني بعيدًا عن التواصل مع العالم المفتوح، وسادته حالة من الانغلاق والانكفاء، والتيار الديني في السعودية- في غالبه- تيارٌ سلفيٌّ يشكِّل نتاجًا للمدرسة الوهابية، وحدثت عليه مجموعة من التنوعات خلال فترة الستينيات من القرن العشرين الميلادي بسبب حضور (الإخوان المسلمون) في الوسط السعودي، وهو ما أدَّى إلى ظهور تيارات وتجمعات فكرية ودعوية تأثرت بالمنحى الحركي لـ(الإخوان المسلمون)، فنشأت تيارات حركية بعضها كان امتدادًا لـ(الإخوان المسلمون) والبعض الآخر حافظ- برغم حركيته- على السقف والمرجعية السلفية في الرؤية والمنهج والتفكير، وهو الاتجاه الذي يُطْلِق عليه خصومه مسمَّى (السرورية).
ويمكن تقسيم المشهد الديني في المملكة إلى:
أولاً: تيارات سلفية تقليدية هي بدورها تنقسم إلى سلفية رسمية ممثلة في (هيئة كبار العلماء) ولها امتدادات علمية وجماهيرية محدودة، وسلفية تميل للبعد التكفيري والجهادي، وتتسم بالحدَّة والصرامة مع المخالفين، وبموقف صارم وعنيف من السلطة السياسية، وبسلفية ذات نزعة إرجائية، وبطاعة مطلقة لولي الأمر، وهي قريبة نسبيًّا لخط الشيخ "الألباني" ويطلق عليها خصومها مسمَّى (الجامية).
ثانيًا: السلفية الحركية، ويمثلها تيار حركي يُطْلِق عليه خصومه مسمَّى (السرورية)، كما أن هناك تيارًا حركيًّا آخر هم (الإخوان المسلمون)، وهذا التيار لا يُصنَّف- إجرائيًّا- داخل إطار التيار السلفي.
وقبل سنوات قليلة بدأ يتشَّكل في السعودية تيار ثقافي يؤمن بالإسلام كسقف ومرجعية بروح تجديدية تنطلق من رؤية مقاصدية للشريعة تضع مصالح الناس الدنيوية والدينية كمسائل محورية في الحكم والرؤية والفتوى، إضافةً إلى إيمانهم بنقد التراث والاهتمام بقضايا النهضة والحضارة وضرورة التنمية والانفتاح والتعددية والاعتراف بالآخر الفكري والسياسي والمذهبي والديني والتواصل معه، وبناء قاعدة أخلاقية وفكرية مشتركة ترتكز على المصالح الوطنية، وحفظ الهوية وإقالة المجتمعات العربية والإسلامية من حالة التخلف الحضاري المخيف الذي تعيشه.
هذا التيار عبارة عن مجموعة من النخب المهتمة بالشأن الثقافي والسياسي وحضورهم في المجتمع السعودي بدأ يتزايد، ويُطْلَق على هذا التيار مسمَّى (التيار العقلاني) أو (التنويري).
  • هل الضغوط الأمريكية على السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر تمثل سببًا رئيسًا لنشأة هذا التيار؟
لا.. لأنه برز في الوسط الثقافي السعودي قبل الضغوط الأمريكية التي أتت بعد 11 سبتمبر 2001م، فقد بدأ بالظهور منذ ما يزيد على 5 سنوات، وأسباب نشأته الطبيعية هو أن المجتمع السعودي اجتاحته رياح الانفتاح الفكري والثقافي والسياسي بعد انتشار الأطباق الفضائية والإنترنت، وتزايد المعرفة بالتمايزات الفكرية والسياسية السائدة الرائجة في العالم اليوم، وهو ما شكَّل أزمة للاتجاه السلفي المحلي؛ لكونه لم يكن مؤهلاً للتعامل مع هذا التطور المعرفي الهائل في العالم والذي بدأ يكسر حواجز الانغلاق في مجتمعنا، ويصل إلى كل فئات المجتمع لهذا وقف هذا التيار عاجزًا عن أن يقدم إجابات عن كثير من الأسئلة الحضارية الناتجة عن انفتاح المجتمع السعودي، فكان هذا إيذانًا ببروز تيار إسلامي يستطيع التفاعل مع تلك التطورات الجديدة.


أجندتنا ثقافية

حوارات75.jpg
  • ولكن ما مدى قبول المجتمع والنظام السعودي لهذا التيار؟
هذا التيار أجندته ليست سياسية؛ لكنها ثقافية في المقام الأول، تقوم على نقد التيار السلفي، وتفكيك بنيته التقليدية، ومنظومته في التفكير، والتعامل لتجاوز التأزمات التي أنتجها في المجتمع، والتي أسهمت في إعاقة مشروعات النهضة والتطور الحضاري.
إذن فهو تيار فكري ثقافي أكثر منه سياسي؛ لذلك فهو- إلى الآن- غيرُ معنيٍّ بشكلٍ مباشر بالإصلاح السياسي بقدر عنايته بالإصلاح الثقافي، لذا لا توجد له مشكلة مع السلطة السياسية.
  • والمجتمع السعودي الذي ما زالت بنيته سلفية.. ما موقفه من تلك الأفكار التي قد تصطدم مع ثوابت نشأ عليها؟
ربما كانت في بعض المراحل حالة من المواجهة؛ لكنها تضاءلت بعض الشيء، إضافةً إلى أن هذا التيار لا يتقاطع مع ثوابت الإسلام الحقيقية؛ بل يؤمن بها، ولا يرفض النصَّ الشرعي بقدر ما يفك الارتباط بينه وبين الفهم السلفي له الذي نشأ في سياقات تاريخية كانت مكتنزة بالتأزُّم والصراعات السياسية والحِدَّة في التعامل مع المختلف الفكري والمذهبي والسياسي.
  • لكن البعض يرى أن هذه الافكار أقرب إلى أفكار المعتزلة في التاريخ الإسلامي؟
المعتزلة حركة تاريخية ليس لها حضور وامتداد حقيقي اليوم سوى على صعيد قلة من المتخصصين والباحثين، ولأوضح الأمر أكثر، فإن أفكارنا تقترب من رؤى بعض الباحثين الإسلاميين في مصر مثل الدكتور "محمد سليم العوَّا" والمستشار "طارق البِشري" والدكتور "محمد عمارة" والأستاذ "فهمي هويدي".
  • لكن هؤلاء المفكرين يتعرضون لهجوم شديد في السعودية؟
هذا أمرٌ طبيعي، وهو ما يفسر الهجوم الذي تعرض له (التيار التنويري) لكون القيادات الدينية في السعودية ما زالت لا تحتمل هذا القدر من الانفتاح؛ لكن هذا الأمر بدأ يتضاءل والمستقبل ينبئ بالمزيد من الانفتاح.


الاستجابة والمعادلة

  • وهل حدثت استجابة للدعوات الإصلاحية أو التنويرية؟
الحديث عن التيار الإصلاحي يستلزم الحديث عن مجموعات متعددة تمارس نشاطًا إصلاحيًّا بأبعاد مختلفة، كالبعد السياسي أو الثقافي أو الديني، أما إن كنتَ تتحدث عن التيار الذي يتبنى إصلاح الثقافة الدينية والذي تُطْلَق عليه صفة (التنوير) فلا نستطيع الحديث عن "استجابة" لكون النقد والإصلاح الثقافي لا ينصبُّ نحو جهة لها صفتها التنظيمية والكيانية بقدر ما ينصبُّ على فكر سائد يحتاج إلى ممارسة نقدية طويلة حتى يشهد حراكًا ملموسًا، وهذا الحراك بدأ بالظهور بفعل عوامل متعددة ربما كان منها النقد القائم للثقافة الدينية الذي يمارسه تيار (التنوير).
  • هل يعني ذلك أنه من الممكن أن نرى في السعودية أحزابًا ونقابات؟
الصعيد السياسي يستلزم حديثًا مختلفًا؛ لكن الحديث عن أحزاب قد لا يكون واردًا على الإطلاق في المرحلة الحالية على أقل تقدير، أما مسألة النقابات والتكتلات المهنية فقد بدأ بالفعل شيء من ذلك إذ تأسست جمعية للصحفيين، وهناك حديث عن تجمعات مماثلة سيشهدها الوسط السعودي قريبًا.
  • كيف ترى ردَّ فعل التيار السلفي على دعوات التيار الذي يُطْلَق عليه اصطلاحًا (التيار التنويري)؟
كانت متفاوتة؛ لكن- في عمومها- كانت هناك حالة من الرفض، وربما المواجهة لهذه الأطروحات الجديدة تجلت في أبرز صورها في المنتديات الحوارية على الإنترنت، وكذلك بشكل محدود في الصحف، ربما مورست لعبة كسر العظم؛ ولكنها في النهاية لم تنجح، وأصبح هناك حالة من التعايش الإجباري لكون كلا الطرفين يملك قدرًا من مقومات القوة التي تجعل القضاء عليه- ثقافيًّا- أمرًا صعبًا.
ثم يضيف مبتسمًا: قد تُسَمِّيها حالة من الرَّدع الفكري المتبادل، المهم أن المجتمع بدأ يشهد حراكًا على صعيد الفكر الديني ليس مسبوقًا، وهو يتجه لا شك نحو الانفتاح، أما التيار السلفي بأطيافه وتنوعاته فهو يشهد قدرًا من التضاؤل، ربما سيتزايد- التضاؤل- مع الأيام.
  • لكن المعادلة التي تقوم عليها السعودية هي التحالف بين التيار السلفي والسلطة السياسية، ألا يمكن أن يتفكك هذا التحالف إذا سار المجتمع أو السلطة أو أي منهما نحو ذلك الانفتاح الذي تتحدث عنه؟
لا.. ليس الموضوع بهذه الصرامة، مشروعية السلطة في أساسها قائمة على المرجعية الإسلامية على وجه العموم، وليس هناك بين التيارات الفاعلة في المشهد الثقافي أو السياسي، من يُطالب بتجاوز هذه المرجعية- على الأقل في العلن- لذا قد لا تشكل هذه المسألة مشكلة سياسية بالحجم الذي تتحدث عنه، أما فك الارتباط بين السلطة السياسية والفهم السلفي للدين الذي تمثله التيارات السلفية فهو أمر تدعو له كثير من التيارات الفكرية في السعودية.


العلاقة بالضغوط الخارجية

حوارات76.jpg
  • لكن البعض يربط بين تلك الدعوات للإصلاح الديني والعامل الخارجي الضاغط على النظام؟
المجتمع السعودي يتميز بأن لديه حالة رفض لكل ما هو أجنبي، وهذا واضح لدى كل التيارات الفكرية والسياسية السعودية بدءًا من السلفية وانتهاء بالليبراليين؛ لكن لا يمكننا إنكار- من رؤية محايدة- أن هذه الضغوط الخارجية قد تمثل جزءًا من دوافع السلطة باتجاه قدر من الإصلاحات في مناحٍ عدة، مع العلم أن الجهود الإصلاحية كانت موجودة وفاعلة قبل 11سبتمبر، وقبل الضغوط الأمريكية، ومازالت في نفس الاتجاه؛ بل ربما شكلت الضغوط الأمريكية قدرًا من الإعاقة لهذه الجهود لكون المجتمع يرفض وبشكل صارم التدخل الأجنبي والإصلاح النابع من الأجندة الأمريكية، فربما شكَّلت هذه الضغوط حالة من الخوف والتوجس عن قطاعات من المجتمع تجاه الجهود الإصلاحية بدعوى أنها تنبع من الرؤية الأمريكية.
  • قضية إصلاح المناهج المطروحة حاليًا والتي هي في الوقت نفسه أحد البنود في أجندة الإصلاحيين أو التنويريين، ألا تلتقي أيضًا مع المطالب الأمريكية بتطوير وتعديل مناهج التعليم العربية؟
قضية التقاء المصالح أو المطالبات بين تيارات أو اتجاهات مختلفة ومتمايزة، ظاهرة طبيعية في الحراك الاجتماعي، وهذا لا يستدعي إطلاقًا هذا الكم من القلق أو الرفض لتلك المطالب إذا كانت في نهاية الأمر تصب في صالح قضايانا وأهدافنا الوطنية، فقضية تطوير المناهج وإصلاحها كانت فاعلة وحاضرة قبل الضغوط الأمريكية التي- لا شك- زادت من نسبة الرفض الشعبي لها بسبب توافقها مع المطالبة الأمريكية.
المطالبة الأمريكية أسهمت- لا شك- في تأزُّم المجتمع تجاه قضية تطوير المناهج برغم أن هذه المطالبة لم تكن قبل سبتمبر تأخذ كل هذا الاهتمام والمتابعة من قطاعات المجتمع، وهناك دراسة تفصيلية رائعة قام بها اثنان من الباحثين درسا كل المناهج السعودية، وخرجت الدراسة برؤية تحليلية عميقة لهذه المناهج واتجاهاتها في التعامل مع القضايا المختلفة، مثل: العلاقة بالآخر، والقبول بالتعددية، وتربية الفرد الحضاري، وهل تُسهم هذه المناهج في إيجاد الفرد (المأزوم) من العالم والمتبني للعنف والتشدد، أم أنها تنتج إنسانًا حيويًّا يسهم في تنمية المجتمع والعمل الحضاري، ووصلت الدراسة إلى أن المناهج ليست مسئولة عن التطرف ولا تصنع متطرفين؛ لكن هذه المناهج تحوي مجموعة من الإشكالات وتكرِّس عددًا من الأولويات المأزومة، وتصنع حالة من الشدة في التعامل مع المخالف، وقد تخلق قابلية أو أرضية للعنف قد تشكل خطرًا إذا ما استغلت بشكل سلبي؛ لكنها- في حد ذاتها- ليست هي الصانعة للاتجاهات العنفية في السعودية، وليست مسئولة وحدها عن إيجاد متشددين.


برنامج التنويريين

  • ما مدى تبلور تيار (الإصلاح الديني- الثقافي) أو ما يُطلق عليه (التنوير الاسلامي
التيار الذي تتحدث عنه عبارة عن مجموعة من الشخصيات كانت لها خلفيات ثقافية مختلفة؛ ولكنها تقاربت بسبب الاشتراك في مجموعة من القناعات والرؤى وتوافقها في الممارسة النقدية للفكر السلفي؛ لذا هم لا يعملون وفق أجندة مشتركة بقدر ما يصب نشاطهم الثقافي غالبًا في اتجاه واحد، ولا شك أن بين هذه الشخصيات فروقات واختلافات- عميقة أحيانًا- في كثير من القضايا.
  • أخيرًا: ما أهم معالم أجندة التيار التنويري الإسلامي ووسائله؟
يعتمد التيار بشكل مباشر على الإعلام والنشر والحضور في الصحافة والإنترنت والفضائيات، كما أن هناك مشروعًا لإنشاء مجلة تُسَمَّى (التنوير الإسلامي) قد تُشكِّل إضافةً لهذا الاتجاه.
أما أجندته الثقافية فتقوم على قضايا مثل:
الإصلاح الديني، وتكوين رؤية إسلامية حضارية تستطيع التعايش مع العالم المفتوح وقادرة على إدارة المجتمع وتنميته، وتسهم في تكوين مجتمع مدني تعددي يؤمن بالحريات والديمقراطية والتنوع السياسي والفكري والمذهبي، ويكرس أولويات النهضة وإقامة مجتمع حضاري متقدم لا يعيش بالضرورة حالة خصومة مع الغرب الاجتماعي والثقافي، وإن كان يختلف عنه بشكل جذري أحيانًا في موقفه من بعض القضايا لكونه- أي التيار- ينبع في النهاية من رؤية إسلامية قد تشترك مع المنظومة الغربية في كثير من جوانبها الإنسانية.

المصدر