"فهمى هويدي" يكتب:فى إعادة تعريف "الشرف"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"فهمى هويدي" يكتب : فى إعادة تعريف "الشرف"


(9 مايو 2016)

حين وقعت الواقعة، واقتحمت الشرطة مقر نقابة الصحفيين المصريين تحدث العنوان الرئيسى لصحيفة "الشروق" عن "الأحد الأسود" وعن انتفاضة الصحفيين "لحماية قلعة الحريات". فى نفس اليوم (الثلاثاء ٣ مايو) أبرز العنوان الرئيسى لـ"المصرى اليوم" أن "الصحافة تحت الحصار" وأن "نقابة الصحفيين محبوسة" ــ أما جريدة "الأهرام" فقد كان عنوان صفحتها الأولى كالتالى: "مصر تحتفل بشم النسيم" ــ إقبال كثيف على الحدائق العامة والشواطئ (!)

الصحيفتان الأوليان اعتبرتا الحدث خبرا مهما وكان لهما موقف واضح وشجاع نقلتاه إلى القارئ. أما صحيفتنا العريقة فقد تجاهلت الخبر وتعمدت تجاهله وطمسه، وبدا انحيازها واضحا إلى الداخلية. وحين اضطرت إلى التطرق إلى الموضوع فإنها تحدثت فى يوم ٤ مايو عن فشل اجتماع الصحفيين، وعن شروخ فى جدار الجماعة الصحفية.

وفى اليوم التالى صار الانحياز أكثر وضوحا، وكانت تلك مقدمة لانطلاق الحملة المضادة التى عمدت إلى تحويل النقابة ومجلسها من مجنى عليهم وضحايا لقمع الداخلية إلى جناة دعوا إلى الفتنة وشقوا الصف الصحفى وتطاولوا على المقامات العليا.

تلك كانت الفضيحة الثانية فيما جرى. الأولى كانت الاقتحام الذى تحدثت عنه أمس، الثانية تمثلت فى قلب المشهد والتشكيك فى وقائعه وتوجيه أصابع الاتهام للصحفيين وفى الوقت نفسه تبرير موقف الداخلية وأعذارها. وقد قام بالمهمة صحفيو الموالاة ومن لف لفهم من "الأمنجية" الذين ظهروا تباعا على صفحات الصحف وفى بعض البرامج التليفزيونية، وبطبيعة الحال فإن التعبير عن ذلك الموقف تم بأساليب مختلفة تراوحت بين الاحتشام والبذاءة.

من المفارقات التى أثارت الانتباه فى هذا الصدد أن جريدتنا العريقة التى شوهت الاجتماع ونددت به وأثارت الشكوك والأكاذيب من حوله، هى ذاتها التى دعت لاحقا إلى اجتماع لبحث الموضوع تحت عنوان "تصحيح المسار"، وهو عنوان منحاز ابتداء لأنه انطلق من اعتبار ما عبرت عنه جموع الصحفيين كان انحرافا ومروقا، وبات يحتاج إلى تصحيح.

ورغم أن الحدث تم فى مقر نقابة الصحفيين، وأن مجلس النقابة وحده المخول بالتعامل مع الأزمة، فإنه لم يكن مفهوما أن تتبنى الأهرام تلك الدعوة، التى ذكرتنى بنموذج إجراء المحاكمات السياسية داخل معسكر الأمن المركزى وذلك تصرف غير مفهوم، وأرجو ألا يكون تجاهل النقابة فى مساعى الحل، موقفا مقصودا عبرت عنه جريدة الأهرام فى البداية حين تجاهلت الحدث عقب اقتحام النقابة، كما تكرر تجاهل القضية برمتها فى الخطاب الرسمى بعد ذلك.

الطريف أنه فى الوقت الذى ندد فيه صحفيو الموالاة بقرارات مجلس النقابة التى دعت إلى إقالة وزير الداخلية والاعتذار الرئاسى عن اقتحام الشرطة للنقابة، فإن المجموعات التى تم حشدها أمام مبنى نقابة الصحفيين رفعت شعارات تبنت نفس الفكرة مشيرة إلى أنه "لا إقالة ولا اعتذار" ــ وقد وصفت بعض منابر السلطة تلك المجموعات بأنها تمثل "المواطنين الشرفاء" فى تعبير له دلالته فى إدانة الآخرين والطعن فى وطنيتهم.

المهم أن محررى "الشروق" و"المصرى اليوم" بذلوا جدها مثيرا للإعجاب للتعرف على أولئك الشرفاء والتحقق من هوياتهم. ورغم أننا لم نشك يوما ما فى أن هؤلاء ليسوا سوى عناصر تستعين بها الداخلية تضم خليطا من البلطجية وأرباب السوابق والمسجلين ضمن العناصر الخطرة، إلا أن زملاءنا الشبان وثقوا تلك المعلومة.

فذكر تقرير الزميل أحمد شلبى فى المصرى اليوم أن بعض هؤلاء الذين رددوا الهتافات وتحرشوا بالصحفيين أمام النقابة تم استقدامهم من أحياء الموسكى والسيدة زينب وعابدين بالقاهرة فى ٣ باصات و٥ ميكروباصات. وأنهم وقفوا يهللون ويرقصون خلف الحواجز على أنغام الـ"دى جى" الذى كان محملا على سيارة ربع نقل التقط أرقامها، وحين استعلم عنها من ضابط بإدارة مرور القاهرة تبين أنها مبلغ بسرقتها منذ ١٢ مارس الماضى.

سجل الزميل المحرر أيضا جانبا من حوارات "الشرفاء" عن الفلوس التى قبضوها والطعام الذى انتظروه بعدما طالت بهم الوقفة. جريدة "الشروق" تخيرت عنوانا للتقرير الذى كتبه الزميل إسماعيل الأشول وكانت كلماته كالتالى: "حين يكون الشرف وصمة عار"، وتضمن التقرير نفس المعلومات المتعلقة بهوية المجموعات التى تم استدعاؤها، مضيفة أن أصحاب المحلات التجارية فى المنطقة التى تكررت فيها التظاهرات أصبحوا يحفظون وجوه العاطلين وأرباب السوابق الذين أصبحوا يستدعون لإفشال أو التشويش على مختلف التظاهرات.

وذكر زميل ثالث هو أحمد عويس أن البلطجية الذين كانوا يشحنون إلى المكان مسجلون فى قوائم محفوظة، وأعطى كل واحد منهم مستلزمات القيام بمهمته من صور ولافتات. أما المصورون فقد استخرجوا من ملفاتهم صور بعض المتظاهرين الذين تكرر وجودهم فى أكثر من مناسبة بترتيب من الجهاز الأمنى.

البديع والمفرح فيما جرى كان الحضور الكثيف لأعداد غفيرة من الصحفيين الشبان الغيورين على كرامة مهنتهم ونقابتهم ــ أما المحزن فى الأمر فكان اكتشافنا لوجود شريحة من الصحفيين "الشرفاء" من نفس طينة المتظاهرين سابقى الذكر. الأمر الذى بات يدعونا إلى إعادة تعريف الشرف والتعامل مع المصطلح بما يستحقه من حذر.

المصدر