الفرق بين المراجعتين لصفحة: «تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري»
(أنشأ الصفحة ب''''<center><font color="blue"><font size=5>تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري</font></font></center>''' '''د. الس...') |
ط (حمى "تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))) |
(لا فرق)
|
مراجعة ٠٧:٤٤، ١٩ نوفمبر ٢٠١٢
د. السيد عبد الستار
مقدمة الناشر
بقلم: أحمد رائف
هذا هو عنوان الكتاب الذي بين يديك أيها القارئ العزيز ... وهو أيضا عنوان المقدمة التي شرفني الدكتور السيد بكتابتها لكتابه النفيس الذي اقتضى منه لقدر غير يسير من التجرد والأمانة والشجاعة لكتابته.
ونحن نأمل الخير والثواب من الله ونرجوه، وندعو أن يكون هذا جهد في سبيله، يغفر الله لنا به ذنوبنا، ويتجاوز عن سيئاتنا، ويكون بإذنه تعالى سببا من أسباب تصحيح المسيرة للمسلمين العاملين من أجل رفعة الإسلام.
ويكون تنبيها لأولئك الذين جعلوا الدين مغنما وسببا في تحصيل المال وجمعه والوجاهة في الدنيا، والتطاول على رقاب العباد، في تجهم يفترض تقوى لا وجود لها، مع حمل الألقاب العظيمة، والتي كانت من نصيب آخرين ظلما وعلوا واستكبارا في الأرض ومكر السيئ.
والدكتور السيد عبد الستار إنما يريد بكتابه هذا أن يساهم في مسيرة تصحيح الإخوان المسلمين ذلك الجمهور العريض المخلص، والذي أسلم قياده إلى صفوة منها قلة جاهلة من الناس تريد مغنما وتطلب دينارا أو درهما، وتبحث عن مكسب رخيص على حساب شباب صغير حسن النية ومنهم من لا يجد قوت يومه.
وكثير من الشباب الإخواني مخلص ومستقيم، ولا يتردد في تنفيذ أوامر لقيادة هي في بعض الأحيان جاهلة وقد تكون أيضا مغرضة، ولكنه يثق بهم ويظن بهم الخير، ويرى أنهم يأخذونه إلى طريق الآخرة الصحيح، ونحن لا شك نجد من بين هذه القيادة من هو على الخير، فهي ليست كلها فاسدة، وإن كان فيهم من على هذه الصفة فإن فيهم من ليس كذلك، وتعرفهم بسيماهم وفي لحن القول.
وعندما يغلب الهوى والشح وحب المال تكون الدعوة والجماعة مشروعا استثماريا جذابا، يحصد من خلاله المال الكثير، وهذا لم يكن في الماضي، بل هو الآن.
وقد يظن القارئ الكريم حين يمر على هذه السطور أن الكتاب سب وشتم، هذا غير صحيح، فالسب والشتم شيء، والنقد والتصحيح شيء آخر، وكاتب الكتاب وكاتب المقدمة من ذؤابة الإخوان المسلمين، وقد يظن أحد أنني من "المكفرة" فأكفر الملأ من الإخوان وأنا لا أفعل فالله أعلم بالنفوس وما تكنه الصدور، وإن لم يرض ذلك بعض الصبية المهازيل ومعهم بعض الشيوخ الحمقى، صار الجهاد عندهم أن يأمروا الناس فيطيعوهم، وأن يأخذوا منهم فيعطوهم. والكل داخر لهم ينتظر منهم ما يطلبون.
الدكتور السيد عبد الستار له تجربة عريضة في عالم الإخوان المسلمين، وقد سجل تجربته بأمانة وصدق، وله ملاحظات ينبغي الانتباه إليها والالتفات لها، فقد انتبه الرجل إلى النظام السري يحاول العودة لكي يدير الحركة في داخل جماعة الإخوان المسلمين، وقد بين ذلك بصورة لا تدع مجالا للشك والالتباس، وهو ما يعرض الجماعة للدمار.
ولقد قدر لي أن أكون مشاهدا لنشأة النظام السري الحديث وقد كان أثناء وجودي في المعتقل عندما قام على إنشاء هذه السرية الحديثة الأستاذ مصطفي مشهور، وهو الذي جعلها وسيلة وغاية وفلسفة وسلوكا.
وقد نجح السريون بالفعل في الاستيلاء على الجماعة في يناير 1996 بوصول مصطفي مشهور إلى موقع المرشد، والرجل مجبول عليها وعاش حياته في الجماعة قياديا في التنظيم السري القديم أو الأول الذي كان يرأسه عبد الرحمن السندي والذي أمر بإنشائه حسن البنا في عام 1938 بناء على نصيحة عزيز المصري باشا؛
وكان الغرض منه مقاومة الإنجليز ومحاربة اليهود في فلسطين، وتشعبت أعماله إلى اغتيال الخازندار والنقراشي باشا.. وحدثت حوادث أقلقت الرأي العام وأثارت شغبا كبيرا في مصر .. مثل حادث السيارة الجيب وحادثة المحكمة.
وقد ناقش الدكتور عبد الستار حادثة السيارة الجيب عرضا داخل صفحات الكتاب، ليبين لهم ما هم فيه من ضياع وضلال.
وهذا الحادث من الحوادث العجيبة التي كان ينبغي أن يكون نبراسا لمن يعمل في جماعة الإخوان بعد ذلك أو يتجه إلى العمل السري بها، فمن خلال هذا الدرس كان ينبغي أن يتعلموا ويفهموا، ولكنهم لم يفعلوا.
الذي لم يذكره الدكتور عبد الستار في تحليله القيم عن حادث السيارة الجيب أن الدكتور حازم النهري أحد أعضاء التنظيم السري والذي من الطريف ذكره أنه كان أحد أصدقاء جمال عبد الناصر المقربين وذلك لم يمنعه من الحكم عليه بالسجن ولكنه ممن أطلق سراحه مبكرا؛
والشاهد في هذه القصة أنه طلب من المسئول في الجهاز السري نقل جميع محتويات الشقة المؤجرة التي كان يستخدمها الجهاز السري لتخزين متفجرات وبعض الأسلحة ويخبأ فيها وثائق وخرائط وخطط استراتيجية وما إلى ذلك بسبب اضطراره لتسليمها إلى صاحبها في خلال شهرين في موعد غايته 15/ 11/ 1948
وحيث إن اليوم أزف ولم يتم نقل أي من المحتويات ساد الارتباك، وتطوع إبراهيم محمود بأن تنقل المحتويات إلى العباسية، وتم البحث عن سيارة لنقل هذه الأشياء، وتطوع كمال عبد المجيد بسيارة جيب بدون نمر كان قد اشتراها من متعهدين يشترون الأشياء من الجيش الإنجليزي، وبطبيعة الحال عندما انكشفت القضية تم اعتقالهم وسؤالهم، ونجوا من القضية بعد لأي.
والقصة معروفة بعد ذلك، فقد اشتبه في السيارة الجيب مخبر سري كان يسكن في نفس بناية إبراهيم محمود، وقد تعطلت وهي محملة بالممنوعات السياسية رافضة التحرك إلى الأمام إلى الخلف.
وارتبك الفريق الذي صاحب السيارة (أحمد عادل كمال، طاهر عماد الدين، ومصطفى كمال عبد المجيد، وإبراهيم محمود، وأظن أن كان هناك آخرون)، وأطلق كل من الجميع ساقيه للريح وأمسكوا بهم وأودعوهم في قسم الوايلي.
وفي موقع آخر قريب من الحادثة كان مصطفي مشهور يرتدي نفس الملابس التي يرتديها من قبض عليهم من باب الصدفة المحضة، ويحمل في يده حقيبة بها أوراق مهمة جدا من أوراق النظام الخاص؛
حيث كان من المفترض أن يجتمع قادة النظام في بيته، وكان قد أوصى أهله باستبقاء من يأتي ريثما يجد مكانا يواري فيه هذه الأوراق ويعود لهذا الاجتماع، وقد صدق حدسه، وجاءت الشرطة وقبضت على قادة النظام، وجاء عبد الرحمن السندي يسعى وهو يخشى فوجد البيت وقد أحاطت به الشرطة من كل جانب، فانصرف ولكنه قبض عليه فيما بعد.
لقد أطلقت حادثة الجيب العنان لخيال الكثير من البسطاء في مصر يضخمون ويعظمون من أمرها.
لقد كنت في حوالي الثامنة منه العمر في ذلك الوقت وأذكر أن أحد أعيان شبين القناطر والموثوق بهم كان يتحدث لوالدي عن ما كان في السيارة الجيب من قدرات هائلة حيث كان زر يوصلك مباشرة للتهاتف مع الملك في قصر عابدين وأزرار أخرى إذا ضغطت عليها أرسلت صاروخا إلى فلسطين وأن هذه السيارة الجيب مصفحة ضد الرصاص وقد قام على صناعتها الألمان خدمة للإخوان الذين يحاربون اليهود.
قد تكون هذه القصة مضحكة لنا الآن ولكنها مبكية أيضا لطالما اشتاق الشعب المصري والأمة الإسلامية جمعاء إلى بطولات ترد لها كرامتها ولطالما وضعوا ثقتهم وأمالهم فيمن يرفعون كتاب الله شعارا ومنهاجا لتكون العزة بالله ولكن أدعو القارئ العزيز ليتأمل معي الحقائق بعد أن عرفت.
هل هذا العمل وأقصد به حادثة السيارة الجيب يمكن اعتباره من مفاخر الجهاز السري كما هو متداول عند الكثير وإلى الآن ما هي تبعاته وأبعاده وكيف أثرت على مسيرة الإخوان؟ أؤكد أنني لا أشك في النوايا حينئذ فأغلب من قاموا بهذه الحادثة من الشباب المنفعل الذي باع نفسه لخدمة الله، ولكن أين القيادة وبعد النظر والاستفادة مما جرى فيما تلا؟
مصطفي مشهور هو الذي بقي من النظام السري متمسكا به وبسياسة العمل السري، وظل على ولائه للشرعية الإخوانية المتمثلة في المرشد العام، وفي مكتب الإرشاد، وكان مسئولا عن الإخوان في أوقات كثيرة.
ومن طريف ما يروى عنه، وهناك طرائف كثيرة أنه عندما كان مسئولا في سجن جناح بالواحات عن الإخوان هو كان هناك عدد كبير من الشيوعيين مسجونين معهم أصدر أوامر بعدم الاختلاط بالشيوعيين، وناقشه في هذا المفكرون من أمثال عبد الحليم خفاجي ويوسف كمال؛
ولكن الأوامر هي الأوامر فكانوا يتحايلون عليها، ويلتقون سرا بالشيوعيين، كان هناك شخص يسمى محمد شلبي من شعبة العباسية رفض تنفيذ هذا الأمر وتحداه علنا، فصدر ضده قرار بالفصل من الجماعة ومن الدعوة ومن التكافل، والذي أصدره هو مصطفي مشهور، وقد راجعه البعض في هذا القرار، ولكنه أصر عليه.
والمتأمل في قرار الفصل وهو قرار مشهور ومعروف يجد أنه تجاوز الفصل من الجماعة إلى الدعوة، ولا أدري كيف يفصل إنسان من دعوة!! ثم الفصل من التكافل ... يعني لا يعطي من الطعام الذي يتكافلون به بينهم ... وهذا غاية في القسوة! فالكلاب في الواحات كانوا يتكافلون معها ... فكيف يحرمون الأخ محمد شلبي؟!
عرفت مصطفي مشهور في معتقل أبي زعبل بعد عودتي إليه من معتقل القلعة عبر رحلة طويلة، وهناك رأيت مكانته بين الإخوان القدامى من إخوان "العشرات" وهم الذين قضوا عشر سنوات في السجن دون أن يؤيدوا الحكومة، وكنا في أوقات ما قبل هزيمة يونيو ألحظ اعتبارا له من بين الإخوان، وبعد هزيمة يونيو زاد هذا الاعتبار إلى ما يشبه المسئولية، وهذا كلام لا دليل عليه إنما هي ملاحظات للمراقب شديدة الوضوح.
وعندما انتقلت إلى معتقل طرة السياسي ومكثنا فيه حتى تم الإفراج عنا صار من الواضح للمراقب أن تنظيما سريا يدير الجماعة داخل المعتقل وهو على رأسه وربما كان من الطبيعي أن يكون هذا في مكان مثل الذي كنا فيه.
وقد عرفت من بعض الأصدقاء في ذلك الوقت أن هناك شبه تنظيم وأن هناك تحديد للمسئولين في البلدان المختلفة، وقلت إن هذا أمر طبيعي لأناس قضوا حياتهم في السجون والمعتقلات، وقد مات عدوهم الأكبر جمال عبد الناصر فمن الطبيعي أنهم يتهيئون ليخرجوا إلى النور وهم في حالة منظمة.
ومن الطريف أنني اشتركت في هذا التنظيم السري دون أن أدري لتحقيق عملية محددة وهي إخراج كتاب "دعاة لا قضاة" من إعداد المرحوم حسن الهضيبي، وكان الكتاب يذهب إلى المستشفى نصا مكتوبا به الأحاديث الصحيحة والآيات بأرقامها من المصحف فتذهب للأستاذ المرشد ليعمل على إعداد الصيغة النهائية للكتاب، وقد أخذ هذا وقتا طويلا، واشترك فيه عدد من علماء الجماعة وفقهائها والذين قل عددهم في هذه الأيام.
وبعد الانتهاء من الكتاب وإعداده بالصورة النهائية وكان مكتوبا في كشكول من الكشاكيل التي يتعامل بها التلاميذ، صارت عملية تمرير هذا الكشكول على مجموعة من المعتقلين الذين انفردوا بفكر خاص بهم، وكان على رأسهم الأستاذ محمد قطب وشكري مصطفي وعلي عبده إسماعيل، وكثير مما يسمون "بالقطبيين"، أصحاب الفكر الجديد في عالم الإخوان المسلمين.
وطلب محمد قطب ترتيب جلسة مع الأستاذ الهضيبي ليستفسر منه على بعض النقاط، واشتركت مع المرحوم مأمون الهضيبي والأستاذ طاهر أبو سعدة لترتيب هذه الجلسة في المسجد القديم الموجود في فناء المعتقل، في ساعة قائظة من ساعات الصيف حيث يهرب الجميع إلى الظل.
وانتهى الاجتماع بين الاثنين على عدم وفاق واقتناع من ردود الأستاذ الهضيبي، وهي التي لم يقبلها محمد قطب.وبعد هذه المقابلة كانت الثانية مع الأستاذ علي إسماعيل وكانت مقابلة ناجحة، انتهت بمبايعة للمرشد العام.
وسبق أصحاب هذا الفكر القطبي من قبل منهم بيعة المرشد إلى المسجد القديم حيث بايعوا الأستاذ، وبقي نفر لم يفعل هذا منهم شكري مصطفي.ولذلك تفصيل سوف أتناوله في كتابي القادم عن تاريخ الإخوان المسلمين.
التنظيم السري في داخل جماعة الإخوان انقطع لأقل من عامين ثم عاود العمل من جديد واشتد عوده في سنة 1969 وأصبح هو الذي يدير الإخوان في المعتقل، ويقبل في الجماعة من يشاء ويستبعد من يشاء بشكل قد لا يخلو من الهوى، وكان يقوم بهذا الحاج حسني عبد الباقي ومعه أحمد الملط وأيضا مصطفي مشهور الذي سرعان ما صار هو في المقدمة، وأصبح يستخدم زميليه في حل المشكلات، ويرسلهم هنا وهناك للكلام أو التفاهم، أو لأخذ البيعة.
وكان النشاط واضحا للمدقق والمراقب، ولكن خفي عن أعين المباحث، والعملاء الذين يقومون بتبليغ الأخبار.لا شك أن الذي قام بهذا العمل السري يتمتع ببراعة شديدة، وقام بدور عظيم في محنة قاسية، ولكن أن تستمر الجماعة على نفس المنوال بعد تغير الظروف والأحوال فيكون هذا سبب في مفاسد لا يعلم آخرها إلا الله.
لقد استطاع الدكتور السيد عبد الستار أن يكشف باقتدار كيف تجزر هذا التنظيم السري حتى الآن ووصل إلى نخاع الجماعة وأصبح هو العمود الفقري لها مما يهدد شمسها للأفول.فليس من المعقول أن تقيم جماعة مثل الإخوان تنظيما سريا داخلها يديرها وهي جماعة قد حرم القانون عملها.
والأصوب والأقرب للتقوى وللفائدة أن يتم التفاهم مع الدولة من أجل أن تكون خطوات الجماعة ونشاطاتها في النور وتحت رقابة الجميع، فلا يأتي من يتأول ويقول إن المرشد يتقاضى خمسين ألفا أو أربعين، وعضو المكتب يأخذ ثلاثين وهذا يأخذ كذا وذاك يأخذ كذا ... هذا يسيء لجماعة الإخوان وإن لم يظهر هذا اليوم فقد يدمرها غدا.
ولا شك أن مسؤولية الخلل مشتركة فكيف تكون جماعة كالإخوان المسلمين محظورة قانونا؟ إن في ذلك انتقاص لقدرة النظام الحاكم من استيعاب والتعامل مع شريحة كبيرة من المجتمع، الذي هو قائم ومسئول عن أمنه وحمايته!
لقد ولدت سياسة الحظر واقع السرية، وولدت السرية واقعا أمنيا أوجدته سياسة الحظر وجعلته شرعيا وأصبحنا ندور في ساقية تدمي أيدينا وأرجلنا، ويظل المواطن المصري لا يدري لماذا وإلى أين؟ فلا يمكن لجماعة بحجم الإخوان أن تمارس نشاطها في المجتمع المصري، والقانون يحظر عليها ذلك بهذا التوسع والحجم الكبير، والانتشار الظاهر في كل مكان.
الآن الآن وليس غدا هو الوقت المناسب لنخرج من هذه الدوامة ونأخذ خطوات شجاعة نصحح فيها المسار، تكون غايتنا التعايش السلمي الذي لا بديل له، لنصل إلى المجتمع المسلم والأسرة المسلمة والفرد المسلم، أليست هذه مقاصدنا؟ فمن يربي الآن ومن يوجه ومن يعلم؟ والقادة والأتباع مشغولون بمواجهات وانتخابات وصفقات!
وربما يكون من المناسب أن نعرض لحديث مبادرة نسبت إلي، وهي قصة عميت على الإخوان، وذكرت محرفة ثم أنكرت، وكان فضيلة المرشد حفظه الله هو الذي أفشى سرها، وجعل هذا وذاك يسألونني عنها، ثم بعد عدة تصريحات هنا وهناك أنكر القصة بكاملها؛
وزاد في الشعر بيتا بأن أنكر معرفته بي، وربما يكون هذا نوع من الشتم ينبغي لمثلي أن يتسامح فيه ويغفر كما تعلمنا في مدرسة الإخوان على يد الأساتذة القدامى الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فقضي نحبهم وليس منهم من ينتظر.
ذهبت إلى 20 ش المنيل بعد تحديد موعد مع الأستاذ مهدي عاكف في العاشرة صباحا من يوم الإثنين التاسع من يونيو عام 2008، وجلست إليه وكان معه د. محمد حبيب ود. رشاد البيومي ود. محمد مرسي، والأستاذ مسعود السبحي، وعدد آخر حوالي ثلاثة أو أربعة لا أعرفهم.
وكان حديثي إليهم أنني أريد أن أساعد في رفع الإصر والأغلال عن الذين يذهبون كل أسبوع للحبس بسبب أو بغير سبب، ونريد أن ننظر في أحوال المسجونين والأموال المصادرة والحرب التي تدور بين الحكومة وبين الإخوان في احتقان يضر الناس والمواطنين ولا داعي له ولا فائدة منه ... أو هذا على الأقل هو رأيي ... يعني نريد تهدئة بين الإخوان وبين الحكومة تستدعيها الظروف وتمليها تبعات الدعوة لقوم يعلمون.
وقلت إن هناك من يستطيع تدبير هذا الصلح بشرط أن يترك الإخوان الانتخابات لفترة لا تقل عن عشر سنوات، وكنت أنا الذي اقترح عليه هذا البند، ورحب به ترحيبا كبيرا.
وطلب مهدي عاكف أن يزوره حسني مبارك في المنيل لتحقيق هذا الهدف، وقلت له: هذا لن يتم، فهو يزور رؤساء الدول، واقتنع، وقد كتبتها الآن لأنه أنكرها وما كان ينبغي له ذلك، وجلست معهم ثلاث ساعات نناقش هذه القصة، وقلت لهم ضمن ما قلت إننا لن نذهب في الغد الشهر العقاري لتسجيل شيء بين الحكومة وبين الإخوان، ولكننا سنبدأ التفاوض وقد يأخذ هذا التفاوض سنة، وسوف تهدأ الأمور بين الجانبين.
وأخبرني المرشد أنه سيرد علي بعد الاجتماع مع مكتب الإرشاد بعد أسبوع، وقلت لهم هذه لا تستحق الانتظار أسبوع بل العمل عليها على الفور، وقالوا: لا بد من مكتب الإرشاد.
المهم أن الدكتور رشاد البيومي لم يتصل بعد أسبوع كما قال المرشد بل أنا الذي اتصلت عدة مرات حتى علمت أنهم قد رفضوا هذه المبادرة دون فحصها لحاجة في أنفسهم وأنهم يرون المصلحة في هذا.
وكان يمكن أن ينتهي الموضوع عند هذا الحد، ولكني فوجئت بالمرشد يقول في اجتماع بالجيزة للإخوان وتنقله الفضائيات إنني ذهبت إليه وأنه رحب بالمبادرة ووافق عليها وأنني الذي لم أذهب إليه ثانية، وهذا لم يحدث وهو غير الحقيقة، وكررها في أماكن مختلفة ووسائل الإعلام تطلب مني التعليق، وأنا أهرب منها حتى لا أحرج المرشد.
وطلبت الأستاذ رشاد البيومي تليفونيا وقلت له:
- إنه من غير اللائق أن يقول المرشد غير الحقيقة وأنت من الشهود على ما دار، وربما لا يكون من المناسب أن أقول إن المرشد يكذب.
وفي هذه الليلة كرر المرشد كلامه بأنه وافق على ما قلت وأنا الذي ذهبت ولم أعد إليه.وجاءني الأستاذ جمال عنايت وسجل برنامجا تليفزيونيا لمحطة الأوربت وذكرت فيه حقيقة ما جرى.
والذي جرى أن الإخوان قد جاءتهم فرصة ذهبية من الحكومة وأنا شاهد على ذلك، فرفضوها ولم يفكروا حتى في فحصها ولهم في هذا الباب باع طويل وحكايات لا تنقضي، وقلة وعي بالسياسة وما ينبغي أن يقال ويفعل، وهذا بسبب سيطرة النظام السري على الجماعة وشئونها، والذي يمنع الجماعة من الانهيار بسبب هذا النظام السري هو حجم الجماعة وضخامتها وحيويتها والشباب الصاعد فيها.
الأستاذ الدكتور السيد عبد الستار بكتابه القيم الذي بين يدينا "تجربتي مع الإخوان من الدعوة إلى التنظيم السري" يقدم عملا عظيما يسعى لأن يساعد في تصحيح أوضاع تحتاج إلى تصحيح، وهو في نظري جندي من جنود الدعوة الأوفياء، ولو كان الأمر بيدي لوضعته في مكانه المناسب بين صفوة القادة من الجماعة، لأنه يمكن أن يقدم لها الفائدة المرجوة ويجتاز بها المحن والمخاضات التي هي لا بد قادمة.
الدكتور السيد عبد الستار من إخوان السبعينات الذين قاموا بشأن الجماعة، وعملوا على وجودها من جديد في المجتمع المصري والعالم، أتساءل إذا لم يمكن السيد عبد الستار من الأخذ بنصاب الأمور في الجماعة هو ومن مثله ممن أخلصوا لله وجاهدوا في الله حق جهاده فلمن يترك صف القيادة؟
أخشى أن لا يتبقى لنا مع الزمن إلا الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وأنا أقصد أحدا من الموجودين الآن، ولكن أخشى أن الذي يأتي بعدها يكون كذلك ممن سيلحقون بالغ الضرر لمكانة الجماعة بين الناس ويفقدونها قيمتها التي صنعتها آلام الذين اعتقلوا وسجنوا وضحوا في سبيلها بكل مرتخص وغال، وسوف تضيع الأمانة، وسنسأل جميعا عن ضياع هذه الأمانة.
اقرأ هذا الكتاب أيها القارئ العزيز ولتكن قراءته دافعا لتعديل مسار جماعة الإخوان المسلمين فهي في النهاية شأن وطني وإسلامي. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كلمة لا بد منها
كل التقدير والاحترام للإخوان الذين وردت أسماؤهم في هذه الدراسة، وإيماني الراسخ أنهم جميعا اجتهدوا فأصابوا أحيانا وأخطأوا أحيانا، ومن جانبي فالحب في الله موصول لهم جميعا والدعاء لمن توفاه الله منهم بالمغفرة والرحمة والقبول واجب لا ينفك عني ولا أنفك عنه.
(والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم) (الحشر: 10)
وإني لأرجو الله أن تكون هذه المراجعات مقبولة لدى إخواني وأحبتي وأبنائهم وأقاربهم ومحبيهم، وعليهم أن يدركوا أن المجتمع له الحق في مساءلة كل من تعرض للعمل العام ومصالح المسلمين موظفا أو متطوعا محتسبا.
وما ورد في هذا الكتاب من انتقادات للبعض فهو من باب (كل الناس يؤخذ من كلامه ويترك إلا رسول الله) وأول من تطبق عليه هذه القاعدة هو الكاتب نفسه، كما أن ما ورد في هذه الدراسة في مجموعه لا يبرر تعديات الأنظمة الحاكمة على حريات المواطنين وفي مقدمتهم الإخوان وعلى الجميع (الأنظمة والمواطنين ومنهم الإخوان) الالتزام بالدستور والقانون؛
بل ما يجب لفت الأنظار إليه أن مصادرة الحريات والعسف بالدستور والتدخل في شئون القضاء وغير ذلك من أخطاء النظم الحاكمة المتعاقبة هي التي أعطت مبرر لنفر من الإخوان أن يضلوا عن المنهج القويم والطريق المستقيم فكريا وتنظيميا فينقلبوا على الأغلبية ويشكلوا تنظيما سريا فيما بينهم ويزجوا بالغالبية العاقلة من الإخوان في حروب خاسرة لم يكن للإخوان فيها ناقة ولا جمل وما تزال هذه الأوضاع الخاطئة قائمة حتى كتابة هذه الشهادة في مارس 2009.
مقدمة الطبعة الأولى
دمعات على الإخوان
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، والحمد لله ولي الصالحين، لا عز إلا في طاعته ولا غنى إلا في الافتقار إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، و تركنا على المحاجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك، المبعوث رحمة للعالمين وشفيعنا يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم... وبعد ..
في العشرينات من عمري اقتنعت بأن جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي أفضل الجماعات الإسلامية المصرية، وذلك على أساس أنها تختلف عن جماعات التكفير وهجرة المجتمع حيث لا تعتبر نفسها جماعة المسلمين ولا تعتبر الخارج عنها كافرا؛
وتعتقد أن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر، وتعتقد أن أحكام الشريعة الإسلامية هي الأفضل لحياة البشر، وأن الشريعة الإسلامية كاملة وبكمالها تمت على المسلمين نعمة الله السابغة، ورأيتها أفضل التنظيمات الإسلامية المعاصرة العاملة على ساحة الدعوة وذلك لأنها تؤمن أن التنظيم وسيلة وليس غاية وأن الحب في الله بين الأفراد أقوى من الروابط التنظيمية؛
فهي جماعة ومجتمع وملاذ آمن وليست معسكرا من ضباط وعساكر أو بارونات يأمرون وعبيد يسمعون ويطيعون، ورأيتها أفضل الأحزاب السياسية التي تحاول الوصول إلى الحكم وذلك لإيمانها أن القيادة الناصحة سباقة بالعمل وقدوة في الميدان، وأن أمير القوم خادمهم وأن المال العام له حرمة لا تمس ومن هنا ولأسباب أخرى كان اختياري لها لتكون الفريق الذي أعمل معه طيلة عمري؛
ومن يومها وأنا مستغرق في أداء ما أنا مكلف به من الأعمال، لم أنظر قط إلى داخل الإخوان المسلمين طيلة عشرين سنة من العمل المتواصل (1975–1995)، كل جهدي كان توجيه العمل الإصلاحي ناحية المجتمع وإخواني يحمون ظهري، وبينما أنا منهمك في أداء واجباتي شعرت بآلام جراح نازفة؟ طعنات في ظهري؟ الطعنات تتكاثر وأنا أقاوم آلامها؟!
يبدو أنني مجبور على أن ألتفت إلى الخلف، وعندما التفت اكتشفت ..؟! أنه المرض القديم العضال يتجدد ... السريون عادوا من جديد لعادتهم اللعينة؟ كنت أعتقد أنهم تابوا بعدما خابوا لمرات عدة؟!
وتحت شدة آلام الطعنات التي وجهت لي ممن كنت أعتبرهم إخواني، اكتشفت أننا جماعة من البشر ومنا الصالحون ومنا دون ذلك وأننا طرائق قددا، واكتشفت الأسس التي اجتمعنا عليها لم تأخذ حظها من الفهم والتطبيق وأننا في حاجة ماسة لإدارة حوار داخلي أخوي لتصحيح الأخطاء؛
فبادرت بلقاء المسئول الأول المرشد العام، ونقلني بدوره إلى مكتب الإرشاد فسمعوا تفاصيل وجهة نظري بكل شفافية من جانبي، وانتظرت الرد ولكنه تأخر، ثم مارسوا الرد عمليا، فانطلقت حملة داخلية لتشويه سمعتي، رسائل إلى كل مكان تأمر بمحاصرتي وانخرطوا يبنون سدا عازلا بيني وبين إخواني الذين جندت حياتي للتواصل معهم، ولم أجد وسيلة غير الكتابة والتواصل بالمراسلة فكانت رسائلي إلى مكتب الإرشاد ليصححوا أنفسهم ومن حولهم، وكان الرد مزيدا من التعنت وسوء المعاملة؛
وتأكدت ساعتها أن الأمور فيها شيء مختبئ غير الذي أرى وأسمع وتبين بالدراسة والبحث أن الانحراف عن الأصول قد بلغ الذروة، ولا بد قبل الموت من شهادة، لا بد من إبلاغ الصادقين من الإخوان والأخوات، وتنبيه الغافلين إلى الأخطار المحدقة بنا جميعا.
إن الإخوان المسلمين جماعة عريقة في المجتمع المصري، وهي جزء أصيل من التاريخ المعاصر لا يمكن إغفاله أو إهماله من باحث منصف أو داعية مخلص، وهي ميراث قومي للمجتمع المصري والعربي والإسلامي الذي تأثر بها إيجابا أو سلبا وخاصة أولئك الذين التفوا حولها وشاركوا في وجودها وساهموا في استمرارها ولو بدفع اشتراك من خمس قروش في الماضي البعيد أيام الشعب المفتوحة أو بدفع العمر كله حركة وسكونا وحرية وسجونا وإقامة وسفرا في سبيل نهضتها وتحقيق حلمها في نصرة الإسلام وسيادته على سائر المذاهب الأرضية؛
نحن جماعة ملك لأمتها ويجب أن تؤدي لأمتها هذا الحق ومن الخطأ البين أن يتصرف بعضنا على أنهم ملاك الإخوان المسلمين وحدهم دون غيرهم ورسم سياسات حركتها من خلال همساتهم الثنائية في أوكارهم المظلمة أو بلغة الصم والبكم التي لا يفهمها الذين يسمعون ويبصرون ويتكلمون، إن زمان اعتبار الإخوان شأنا خاصا بعدد من أعضائها دون كوادرها المعروفة وأعضائها وجمهورها يجب أن ينتهي؛
لو أضفنا إلى ذلك أننا في زمان الفضائيات التي غزت كل بيت بوجهة نظرها حول الإخوان في الماضي والحاضر والمستقبل فإن الواقع يفرض علينا نحن الإخوان أن نضع المعلومات الصحيحة عنا وبأنفسنا أمام الرأي العام وفي مقدمته جمهور الإخوان والمحبين لها في مصر والعالم.
إن الحياة داخل الإخوان ومعها وتولي المسئولية فيها وعنها وتحمل أعباء الدفاع عن وجودها وإنفاق كل غال وثمين في سبيل نهضتها يحملنا نحن قادة الإخوان المسئولية عن مراجعة أعمالنا ومدى انضباطنا على الإسلام ثم على المنطلقات العقدية التي أعلناها وتعاهدنا على نصرتها ومدى نجاحنا في ذلك؛
ويحملنا المسئولية عن الأجيال المقبلة وتوعيتهم بما وفقنا الله فيه حتى يهتدوا بنوره وا وقع منا من أخطاء حتى يتجنبوها، وهذا الكتاب محاولة للقيام بهذا الدور، إنني أدرك أن ما أقوم به يخشاه الكثيرون لأسباب يبدون بعضها ويخفون أكثرها؛
وأوضح هذه الأسباب ما يتصورونه خصوصيات وأسرار وهو في الواقع معلوم بتفاصيله لدى البسطاء في أجهزة الأمن حسب اعتراف الأستاذ المرشد محمد عاكف في جريدة الشروق حيث قال أنا لا أعرف عدد الإخوان والأم يعرف كل شيء، هذه الأزمة المعلوماتية سهلت انتشار الشائعات بيننا وسهلت مهمة السريين الجدد في النيل من إخوانهم ومعارضيهم والنيل من تماسكنا والانقضاض على من يختلفون معهم في الرأي واستبعاد الكثيرين من أهل الفضل وترتب على ذلك إدخالنا في مشكلات كنا في غنى عنها؛
نحن جماعة قامت على التعارف والتفاهم والتكافل والشفافية ولم ولن تقم على الظلاميات والغيبة والنميمة والتدابر والتحاسد والقطيعة بأي حال، إنني أجري تجربة للشهادة على نفسي وإخواني الذين عايشتهم وعايشوني في الدنيا قبل أن أدلي بها بين يدي ربي يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والهدف هو تبصرة نفسي وإخواني والأمة التي وثقت فينا بما يجب أن تكون عليه أي جماعة إسلامية تتحمل مسئولية النصح والتغيير.
ولا يفوتني في هذه المقدمة أن أذكر الجميع بأن هذه شهادة مبنية على وقائع ومعايشات ومكابدات وحوارات وليس على إشاعات، وليس مطلوب من المسلم في شهادته إلا أن يشهد أمام الله والتاريخ بما يرى ويعلم والله قبل ذلك وبعده هو الأعلم وهو يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، وأفوض أعمري إلى الله إن الله بصير بالعباد، والله أكبر ولله الحمد.
اللهم هذا الجهد وعليك التوفيق، وهذا الدعاء وعليك الإجابة اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم آمين.
ملخص الكتاب
كعادتنا في البحوث العلمية البحتة والتطبيقية نطالب صاحب البحث بتصديره بملخص يعطي للقراء فكرة موجزة عن بحثه وما توصل إليه من نتائج وأهم ما يوصي به من توجيهات، وقد رأيت أن أستن بهذه السنة في كتابي هذا وأقدم للقارئ ملخصا للكتاب في هذه القصة القصيرة:
عودة أصحاب المناقير ...؟
في العشرين من عمري بدأت أبحث عن الحرية والعدالة والمساواة، ليس لنفسي ولكن لكل الذين أعرفهم ولكل المجتمع الذي أنتمي إليه، ووجدت في سوق الحياة مجموعات كثيرة تقول إنها تقدم هذه الأشياء النادرة، الحرية والعدالة والمساواة؛
تفرست في الوجوه طويلا ثم اخترت هذه المجموعة، سألتهم من أنتم قالوا نحن الإخوان المسلمون، سألتهم عن وقبل أن أسمي ما أبحث عنه قالوا عندنا كل شيء، تحب عدل ... عندنا، تحب سياسة ... عندنا، تحب جهاد ... عندنا، تحب تشتغل وبس .. عندنا، تحب الحرية ... عندنا تحب تدخل السجن ... عندنا، تحب ما تحبش حاجة خالص ... عندنا ... تحب فول وعدس وطعمية ... عندنا، تحب كباب وكفتة ومهلبية ... عندنا، ولو عايز تستفيد وتفيد اتفضل عندنا وارفع اليافطة زينا؟
مالك يا بني حيران ليه؟! هكذا أفاقني أكبرهم سنا وهو يناديني ... تعال يا بني ... أنا عمك أبو هاني ..! كانت العروض التي انهالت على سمعي تأتي من جهات عدة وأفواه عدة، وأحيانا كانت الأصوات تتقاطع، والآن ... الآن يتحدث واحد فقط، إنه أبو هاني ... أنت الآن يا ولدي في أمان تام ... كانت يده تمسك بيدي ... أحسست ساعتها أننا جميعا فوق سطح الماء ... نحن نمشي على الماء ... نحن إذا أولياء الله الصالحون ...
أمامي حملة اللافتات الجميلة ... اللافتات مسطر بها كل أحلامي ... المسلمون قادمون ... الفرد المسلم .. البيت المسلم ... الأسرة المسلمة ... الحكومة المسلمة ... أستاذية العالم ... صلاح الدين قادم ... تحرير فلسطين مهمتنا ... الدولة الإسلامية العالمية ... دولة الخلافة قادمة ..
أبو هاني يضمني ضمة اختلفت لها أضلاعي ثم أرسلني ... ناديت بأعلى صوتي ... خذوني معكم .. أنا بادور عليكو من زمااااااان، أغيب عن كل ما حولي .. أنسى زوجتي، أنسى أولادي ... أنسى أهلي، أنسى أبي وأمي أنسى زملائي ..
اليوم لا شيء في حياتي غير أبو هاني والذين معه ... أنطلق مع أبو هاني إلى ما يريد ... أحسست أن الماء تحت أقدامي يتحول إلى دوامة .. الدوامة تشتد وأنا أغوص في الماء، أغيب عن المكان وأغيب عن الزمان .. عالم جديد تحت الماء ...
أنفي يتحول إلى خياشيم .. أطرافي تتحول إلى زعانف ... سباحة لا تنتهي مهما طالت ساعات النهار ... كانت طبقات الماء تحجب الشمس عنا ... كلما غصنا نحو القاع قلت الإضاءة وانعدمت الرؤية حتى صارت الحياة من حولنا ضبابية بامتياز؛
لم نعد نتعرف على أنفسنا بسهولة كما كنا فوق الماء ... حوارات ومناقشات لا تنتهي مهما طالت ساعات الليل، تحت الماء لا فرق بين الصيف والشتاء ... الكل يغوص ويسبح ويدور وينساب هنا وهناك ...
فجأة تشدني يد عنيفة قوية ... ترفعني على سطح الماء ... لحظة خانقة أمر بها حتى أستعيد القدرة على التنفس بالرئتين ... يأتيني متعجلا شخص متوحش يبادرني بلكمات قاضية في مواضع قاتلة ... أدخل في غيبوبة أفيق فأجدني معصوب العينين وأصوات متداخلة تلف المكان ورائحة كريهة تزكم أنفي .. صوت جهوري يصخ أذني ...
أنت مع مين يا بن ... (كلمة نابية على أبي) .. استجمعت ما بقي لي من قوة ورددت عليه ... رد علي سريعا .. بعشرين كرباج ... فقدت الوعي بعد الخامس على الأكثر ... أفقت في زنزانة مكتظة بأمثالي ... تسمعت أصواتهم .. كان كل شيء في جسدي متورم وعيوني مغلقة؛
تحسست وجوههم لأتأكد أنهم بشر ... كانوا جميعا متورمين مثلي ... تكررت أيام الكرابيج ... مضى على وجودي في العذاب المقيم عشرة أشهر .. سمعت صوتا آتيا من بعيد .. إفراج إفراج ... باب الزنزانة يفتح ويد تجرني خارجها وتلقي بي في الطريق العام ...
مرة أخرى على الأسفلت .. جريت بهمة وتسرع مبتعدا عن المكان الكريه ولساني يردد الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين ... مررت بالبحر الذي غصت فيه من قبل ... نفس الناس ما زالوا في نفس المكان .. الشعارات هي هي .. كل شيء عندنا .. الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والخلافة والسجن والتعذيب وصلاح الدين وفلسطين والتمكين وأستاذية العالم ...
الحق نفسك يا سيد ... القطار يتحرك يا تركب يا متركبش .. اركب يا سيد ... اجري يا سيد ... اشبط يا سيد ... لاحظت هذه المرة أن الوجود تغيرت ... المنادي هذه المرة ليس أبو هاني إنه أبو عابد ... لغة لطيفة وصورة جميلة .. بادرني بالقول .. أنت فين يا سيد .. إنه يعرفني!!
أجبته بفخر .. كنت مع أبو هاني .. أعرف ذلك يا ولدي .. هكذا بادرني ... اليوم أنت في أمان تام فلا تخف وا تحزن .. وضمني ضمة اختلفت لها أضلاعي ...
ثم رفعني بكل قوته فانطلقت في السماء بسرعة الصاروخ ... لم يترك يدي هذه المرة ... لا توجد دوامة ... لا يوجد ماء .. أتنفس بالرئتين وأسبح في الفضاء بقوة دفع محسوسة ... كل من معي أراهم رأي العين .. دائما حولي .. يتنفسون بالرئتين مثلي ...
لسنا في حاجة إلى خياشيم وزعانف .. بقينا على حالتنا البيولوجية المعتادة ... نظرت تحت قدمي فوجدت بساط سحريا يحملني والكل عليه قد استوى ... أبو عابد في المقدمة يشير بيده نحو هدف ... نتجه جميعا ناحيته بكل قوة وعزيمة .. آيات القرآن تتلى وتملأ الآفاق ... الملائكة تحفنا من كل ناحية ... نستشعر وجودها ... نكاد نصافح الملائكة .. رائحة الحب في الله لها عبق وتأثير منعش ...
من حين لآخر تأتينا طيور غريبة لها مناقير حادة ... تنقرنا ... تؤلمنا ... ندفعها برفق ... نحاول الحفاظ على ما نحن فيه من نعيم الأخوة في الله ... الطيور الجارحة ذات المناقير الحادة تتجمع فوق بساط من نار .. ترقبنا ... تتوعدنا .. أبو عابد يثبتنا بالقول الطيب ويبشرنا بقرب الوصول ويوصينا بالصبر والمثابرة .. الطيور الغريبة تتكاثر على بساط أبو عابد وتنقره بقسوة .. يجرح ... ينزف دما أحمر زعفرانيا له رائحة المسك .. يتألم قليلا ثم يموت مبتسما .. يهبط فجأة بساطنا السحري .. نرسوا في المكان الذي انطلقنا منه ... يظهر أبو هاني .. يناديني ..
أرد عليه: لن أعود إلى الدوامة .. يطاردني .. لا يدركني يرسل خلفي من يأتي بخبري .. لا يتمكن، مخابرات أبو هاني تكتب تقريرا تكذب فيه .. يقول التقرير: إني مفقود .. تمضي الأيام ويأتي الرجل المتوحش .. يشد وثاقي ... يعزلني عن كل العالم ... الزنزانة ليست كالزنزانة .. في النزلاء طيور النقر الموجع .. من أين أتوا؟؟ ولماذا يأتون هنا؟!
صوت من خلف السور العالي يجيب سؤالي .. جاءوا في أثرك .. أنت لديهم مطلوب الرأس .. كتبوا عنك كتابا أسود .. قالوا فيه .. قامتك صارت عشرة سنتيمترات .. أنفك قدر البقلة ... عينك سارت أضيق من ثقب الإبرة .. أذنيك توارت حتى إنك لا تسمع شيئا بالمرة .. قالوا إنك صرت نحيلا .. عند خروجك من محبسك يمكن حبسك في منديل .. أولادك قالوا ... لا !!
نحن رأيناه قريبا .. لم يتغير .. والدنا أفضل مما كان .. والدنا يتلوا القرآن .. والدنا يكتب شعرا يرفع قدر الإنسان .. والدنا أكمل ديوانا أسماه (أسير الأوطان) ... والدنا في محبسه أكمل سفرا علميا أسماه (نباتات القرآن) .. صوت الشخص المتوحش يوقظني .. إنذار إنذار .. لا تكتب أشعار .. لا تحلم بالدار .. الدار مصادرة ممن يجرح بالمنقار .. الشخص المتوحش نادى .. يفرج عنه ويذهب حيث يشاء .. وأين سيذهب؟! أين الدار؟! .. الدار اشتعلت فيها النار .. هل يعني هذا نهاية مشوار؟! ..
هل ضاعت آمالي في الحرية .. هل خلت الأرض من الأخيار..؟! .. أبدا أبدا ... من سلك دروب الخير وجب عليه الاستمرار .. من أتقن فن الزرع وجب عليه الصبر مع الأشجار .. حتى تنبثق الأزهار، ويأتي يوم الإثمار.
وقصيدة زجلية:
- البنا شايل سبحته ... وعلى القهاوي بهمته ... ومهمته الإنسان
يحكي حكاوي النبي .. للشامي والمغربي ... والصحب والخلان
- كانت سعادة وفرح ... والحب وياه طرح ... عطر وزهور وحنان
شرع الكريم مذهبه .. حب النبي مطلبه .. أرضك يا مصر أمان
- يا مرحبة بالصحابة .. يا مطبطبة ع الغلابة .. ولا أبرهة ولا خان
أعوذ بالله العظيم
- من وسوسة شيطان
ركب دماغ الغلابة .. لازم تكونوا ديابة ... ومكشرين أسنان
- سرق الغنا والربابة .. سرق النبي والصحابة ... زرع الفتن ألوان
نسي الجميع البداية ... وراح زمان الهداية ... وغوينا أرض الجان
- أعوذ بالله العظيم
- من وسوسة شيطان
قسم الفريق نصين ... أيقظ غراب البين ... واتمكن الشيطان
- نص الهدى والدين .. ونص تحت الطين ... دولة ديدان ستان
دبحونا بالسكين ... قطعت وريد الدين ... صبح الجهاد عدوان
- جعلوا حياة النور ... ظلمة وعليها سور .. والكل صار حيران
من يزرع الآلام؟ .. من يسرق الأحلام؟ .. ومين من الإخوان؟
أعوذ بالله العظيم
- من وسوسة شيطان
غير قاموس الحياة ... والفقر طلبوا الجاه ... وكبيرنا بيزنس مان
- جعل الجنون مفاهيم .. وزعيم يزق زعيم ... ومحكمة وحرمان
ولا نصر ولا تمكين .. تنظيم من المساجين ... واتفرقوا الإخوان
- يا شمس يا شموسة .. يا مدورة يا عروسة ... يا منورة الأكوان