نماذج من حركات الجهاد الإسلامية الحديثة (السنوسية - الباديسية - القسامية)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٢:٢٧، ١١ نوفمبر ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نماذج من حركات الجهاد الإسلامية الحديثة
السنوسية - الباديسية - القسامية

بقلم: صفوت منصور

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

(لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسني وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) ( سورة النساء / 95 -96)

(قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم إخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب أليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين,, ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ) ( من سورة التوبة / 24 , 25, 26)

(انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ( سورة التوبة / 41 )

بين يدي الحديث

الجهاد .. ذلك المصطلح القرآني للقتال , المتميز عن غيره من المصطلحات الأرضية السابقة عليه واللاحقة من نحو الصراع أو النضال أو الكفاح يوحي بأبعاد نفسية هائلة تجعله متفردا بخصائص عدة نذكر منها :

1- الجهاد من المجاهدة أى بذل الطاقة قدر الممكن لاستفاد شئ ما قد يكون فضيلة طمست , أو نفسا جنحت , أو حقوقا افتقدت , أو أرضا اغتصبت, أو عقبات منعت , أو هوية مسخت , وقس على ذلك ما شئت إن شئت .

2- والمجاهدة تحتاج إلى مجالدة ومصابرة وجهاد أصغر أو أكبر قد يراق من أجل بلوغها دماء الشهداء أو مفاصلة الأصدقاء غير الأتقياء أو الخروج عن المألوف الموروث عن الآباء إلى ضرورة الامتثال لمنهاج السماء ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون )

3- وأنعم بهذه الغايات التي من أجلها نجاهد , ومن ثم فالمجاهدة لابد أن تمضي مصونة بالهدي القرآني مترسمة خطي الهدي النبوي حتى تتحقق لها شرف الوسيلة التي هي من شرف الغاية ومن أجلها يهون كل شئ حتى نفوسنا التي بين جوانحنا ( إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفور العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين )

4- وإذا كانت المجاهدة هي بذل أقصي ما في الجهد فذلك هو المراد ان نبذل قدر المستطاع غير ناظرين إلى النتيجة فهي من تدبير الله وتصريفه وغير طامعين في دنيا نصيبها , فالرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة ... لكن الذي يقاتل كي تكون كلمة الله هي العليا فذلك في سبيل الله كما صرح بذلك نبينا المعصوم عليه صلاة الله وسلامه .

5- وما دام الجهاد حسبه لله أولا وقبل كل شئ فلتكن وجهتنا إلى الذات العلية تضرع إليها في خشوع وتطلب في دعاء وتبتل ويقين أن يلهمنا الله الرشد وأن يمدنا بسبب من عنده وأن يحقق لنا الغايات التي من أجها نجاهد في سبيلها نموت وأن يرزقنا مثوبة المجاهدين وفي وجداننا وحواسنا , أن لا مدد إلا من الله , ولا عوت إلا من الله , ولا نصر إلا من عند الله , فنلجأ إليه واثقين , ونقف على بابه شاكين وطالبين ومرددين قوله سبحانه ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون إ ن الله يعمل ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم , وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )

6- ومع المجاهدة والجهاد وطلب العون والرجاء من المولي سبحانه لابد أن تتحقق فينا أهلية الأداء وحسن الاقتداء والانصياع لشرع السماء لأن القانون الإلهي لا يتغير ولا يتبدل .

( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم , والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم . ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم )

7- وإذا بلغت المجاهدة حد القتال فلا نستكثر عدة ولا عددا ولا نرتكن على قوتنا وذخيرتنا ولكن علينا أن نكون مستوعبين تماما للدرس المستفاد من مجابهة طالوت وجنوده .... لجالوت وجنوده فنثبت ونسمع ونطيع وننفذ وندعو ونلح في الدعاء .

( ولما برزوا لجالوت وجنوده . قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما شاء يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين )

وبعد فتلك أبعاد نفسية توحي بها كلمة الجهاد كمصطلح إسلامي متفرد للقتال أردت أن أقدمها بين يدي هذا البحث عن بعض ( الحركات الجهادية الإسلامية الحديث ) لا مضي في الكتابة من هذه المنطلقات بحثا عن الحافز الإيماني لهذه الحركات التي أقشت مضاجع المحتلين البغاة ورسمت الطريق إلى الاستقلال ومجابهة الأعداء وأكدت أن الطريق الوحيد لاستخلاص الحق السليب إنما هو الجهاد بالنفسي والمال وبكل مرتخص وغال .... وحينئذ يتحقق المحال ونبلغ الآمال .

ولقد انتظمت البلاد العربية الإسلامية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حركات إسلامية إصلاحية تدعو إلى العودة إلى جوهر الإسلام والتمسك بتعاليمه , المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وتجديد دعوة التوحيد وتحرير العقيدة الإسلامية مما لحقها من خرافات وبدع لا تمت للإسلام بصلة والدعوة إلى إقامة دولة إسلامية يسود فيها العدل وتحكم بالكتاب والسنة وتستهدي بالشوري وترنو إلى الوحدة الإسلامية الكبرى .

وقد بدأت هذه الحركات بالحركة الوهابية والحركة السنوسية والحركة المهدية في كل من نجد والحجاز وليبيا والسودان على التوالي .

وما لبثت أن أسهمت هذه الحركات في ظهور يقظة فكرية شاملة في أرجاء الوطن العربي والإسلامي أخذت بأسلوب الجهاد سبيلا لمواجهة العدو الغاصب فضلا عن فكرة الجامعة الإسلامية التي برزت إلى الوجود من جديد على يد جمال الدين الأفغاني..

ومن هذه الحركات الإسلامية الجهادية الحديثة , نأخذ النماذج التالية :

1- الحركة السنوسية في مواجهة الاحتلال الإيطالي لليبيا .

2- جماعة العلماء المسلمين التي أسسها عبد الحميد بن باديس لتواجه السياسة الفرنسية بالجزائر وللحفاظ على اللغة العربية والدين الإسلامي.

3- عصبة عز الدين القسام في فلسطين التي فجرت العمل الفدائي سنة 1935م 1354 هـ ضد الانتداب البريطاني بفلسطين .

والحديث عن هذه الحركات الإسلامية يحتاج إلى خلفية تاريخية توضح كيف كانت الوحدة الإسلامية زمن الخلافة العثمانية ثم كيف مزق المحتل الأوروبي البغيض هذه الوحدة وفرض عليها التجزئة والتخلف ثم كيف بزغت بنور هذه الثورات الجهادية من منطلق إسلامي وأخيرا تكون الوقفة مع عرض مفصل لمسار هذه لحركات الثلاث .

هذا مقصودنا من هذا البحث إن شاء الله .... ومنه وحده نستمد العون وعلى الله قصد السبيل

الباحث

الفصل الأول: الخلفية التاريخية للحركات الإسلامية الجهادية الحديثة

ويشمل :

أ‌- حالة العالم الإسلامي في مطلع القرن السادس عشر الميلادي وتوحيده على يد العثمانيين .

ب‌- ضعف العثمانيين منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وبداية الأطماع الاستعمارية الأوربية .

ت‌- وقوع الوطن العربي فريسة للاحتلال الأوروبي في القرن التاسع عشر والعشرين .

ث‌- مساوئ الاحتلال الأوربي في الوطن العربي.

الحديث عن الحركات الإسلامية الجهادية لا يبدأ من فراغ ولا يمكن أن يتم في معزل عن الجذور التاريخية التي أفرزتها إذ أن الواقع المريض للوطن العربي قبل بزوغها وما فرضه الاحتلال الأجنبي عليه من تجزئه وتخلف ( وفرنسة ونجلزة وطلينة) ونهب ومساوئ هي التي أيقظت أولي الأبصار لخطورة ما حاق بأوطانهم فنبتت هذه الحركات تستهدف أولا وقبل كل شئ المحافظة على الشخصية الإسلامية للأوطان والتمسك باللغة العربية لغة القرآن , والمطالبة بالإصلاح ثم تطورت إلى الجهاد من أجل الاستقلال في مواجهة العدو المحل البغيض واستشرفت الآمال ما هو أبعد من ذلك إذ تطلعوا إلى وحدة إسلامية لتصحيح الوضع إلى ما كان عليه قبل اصطناع الحواجز الجغرافية بفعل الاحتلال فدعت إلى الوحدة الإسلامية أو ما يعرف بالجامعة الإسلامية تحت راية الخلافة العثمانية دعما لها وتوحيدا للجهود .

وهذا الكلام مجمل لكنه ضروري للدخول في الموضوع لذلك يحسن بنا أن نلقي عليه الأضواء التي تزيد الإجمال تفصيلا والإبهام توضيحا , وأول ما نبدأ به ذلك المدخل التاريخي هو :

حالة العالم الإسلامي في مطلع القرن السادس عشر الميلادي وتوحيده على يد الدول العثمانية :

ليس من المستغرب أن يكون بدء الحديث انطلاقا من القرن السادس عشر الميلادي ذلك أن العالم الإسلامي كان يمر بعاصفة هوجاء ضده تعرف باسم حركة الاسترداد المسيحي التي أعقبت سقوط غرناطة بالأندلس سنة 1492م آخر معاقل المسلمين بذلك الفردوس المفقود , ثم أعقب ذلك حركة استعمارية بغيضة تستهدف ديار المسلمين في المغرب العربي ومنطقة الخليج العربي والبحث عن طريق جديد لقوافل الغرب التجارية إلى الشرق غير الطريق المعهود لقرون طويلة والذي كان يقع في ديار المسلمين عبر بلاد الشام ونهري دجلة والفرات ثم الخليج العربي .

وقد وجدوا ضالتهم فعلا على يد فاسكو د جاما الذي اكتشف طريق رأس رجاء الصالح سنة 1498 م جنوب إفريقيا وسارت السفن من المحيط الأطلسي بمحاذاة الشواطئ الغربية لإفريقيا واتجهت إلى جنوبها مجتازة ما كان يعرف قبلا باسم رأس العواصف فأسموه هم طريق رأس الرجاء الصالح تفاؤلا ثم واجهوا ناحية الشمال الشرقي عبر المحيط الهندي حتى وصلوا إلى الهند واستعمروا أجزاء كبيرة من الشواطئ الشرقية لإفريقيا فضلا عن سبقهم إلى بلاد الهند والوصول إلى جزر الهند الشرقية ففقد المسلمون بذلك أهم مواردهم الاقتصادية حيث كانوا يحصلون المكوس على التجارة المارة في بلادهم .

ولقد تعرض العالم الإسلامي آنذاك لهجمة شرسة من البرتغاليين حتى إنهم كانوا يقطعون آذان المسلمين وأنوفهم ويسلمون عيونهم كما حدث في منطقة الخليج العربي بعد احتلالهم لمسقط سنة 1507 م وغيرها مما جعل أهل المنطقة يستنجدون بالعثمانيين الذين خفوا لنجدتهم لكنهم لم يستطيعوا حسم الصراع مع البرتغاليين نهائيا لأسباب نذكر منها :

1- ضعف المماليك الذين كانوا يحكمون مصر والشام والحجاز والذين هزموا أمام البرتغاليين في موقعة ديو البحرية 1509م.

وكان هذا الضعف سببا في أن يتولي العثمانيون مهمة المواجهة مع البرتغاليين بعد توحيد العالم الإسلامي , وهذا ما حدث في عهد السلطان سليم الأول منذ 1516م حيث أدخل الشام ومصر في نطاق العثمانيين ثم قدم له خادم الحرمين الشريفين آنذاك مفتاحي الحرمين وأعلن دخول الحجاز سلما تحت راية العثمانيين.

2- الخلاف المذهبي بين العثمانيين والصفويين الذين أسسوا دولة ناشئة لهم في إيران والعراق حيث كان العثمانيون سنة والصفويون شيعة فدب الخلاف بينهما فدارت رحي الحرب بينهما في نفس التوقيت أى في مطلع القرن السادس الميلادي وانتصر العثمانيون عليهم في موقعة شهيرة تعرف باسم موقعة جالديران 1514م قرب تبريز دخل على إثرها شمال العراق في حوزة العثمانيين .

3- هكذا نري تفكك الجبهة الإسلامية , وتازع أمرائها ومراكز الثقل بها وهم العثمانيون الذين كانوا في عنفوان قوتهم وشباب دولتهم والصفويون الشيعة الدول الناشئة والمناوئة للعثمانيين والمماليك بمصر والشام الذين كانوا يمرون بمرحلة الضعف والاضمحلال الذين كانوا يبتهجون لانتصارات العثمانيين ويمدونهم بأخشاب السفن لمعونتهم على بناء الأسطول الإسلامي ضد الغزو البرتغالي الذي كان يهدد شواطئ البحر الأحمر ومنطقة الخليج حتي إن البركيرك – خليفة فاسكودي جاما في رحلته الكشفية غلبت عليه الروح الصليبية الحاقدة على المسلمين فوضع مشروعا كان يتمني تحقيقه من شقين هما :

الشق الأول: تحويل مياه نهر النيل إلى البحر الأحمر ليحرم مصر من ري أراضيها ويخرب شبكة الري بها .

الشق الثاني: هدم المدينة المنورة ونبش قبر الرسول صلي الله عليه وسلم وسرقة جثمانه الشريف ويجعلها رهينة حتى يتخلي المسلمون عن الأماكن المقدسة ( المسيحية ) في فلسطين .

وحين استولي على ( مالاقا ) بالملايو سنة 1511 م قال في خطابه :

( سنقدم خدمة كبري للرب حين نطرد المسلمين من هذه البلاد وإذا استطعنا ذلك فسوف تنهار القاهرة وستنهار بعدها مكة ).

كلمة حق :

ومع ذلك الهوان فالحق يقال إن العثمانيين قد حملوا لواء الإسلام لعدة قرون ففي الوقت الذي كان المسلمون يخرجون من الأندلس في المغرب الإسلامي كانوا هم يدخلون قلب أوروبا من الشرق إذ أقاموا دولتهم في شبه جزيرة البلقان منذ عهد السلطان مراد بن أورخان حيث فتح أدرنه صليبيا ضم الألبان والبلغار والمجربين في معركة الطيور السود الظافرة والمنتصرة سنة 792 هـ / 1389م والتي سقط فيها شهيدا وبعده جاء ابنه بايزيد الأول الذي يسمي في كتب التاريخ بالصاعقة وواصل هزيمة القوات الأوربية التي جاءت للنجدة وتهيأ الطريق للمسلمين العثمانيين لفتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الثاني البيزنطي قسطنطين الرابع مصرعه في القتال وتوجه القائد الفاتح إلى كنيسة آيا صوفيا وصلي بها ركعتي النصر شكرا لله على ما أنعم به من فتح وكان ذلك إيذانا بتحويلها النصر شكرا لله على ما أنعم به من فتح وكان ذلك إيذانا بتحويلها إلى مسجد جامع ثم أطلق على اسم العاصمة البيزنطية سم " اسم بول " أى مدينة الإسلام بدلا من القسطنطينية وهي التي تحرفت إلى اسم " استامبول " المعروفة حاليا .

في عهده تم للعثمانيين سيطرتهم على آسيا الصغرى , وحولوا البحر الأسود إلى بحيرة إسلامية وبلغت الدولة أقصي امتدادها غربا حتى وصلت إلى أسوار فينا وسهول المجر و تهيأت الظروف لتوحيد الجبهة الإسلامية مع مطلع القرن السادس عشر والاتجاه بفتوحاتهم إلى المشرق العربي الإسلامي وقد تم ذلك بسهولة ويسر في عهد السلطان سليم الأول , ومن بعده السلطان سليمان القانوني الذي سمي بذلك لجهوده في تنظيم الدولة وتقنينها.

ويمكن تبسط هذه الجهود في توحيد الجبهة الإسلامية كما يلي :

1- تم فتح الشام بعد معركة مرج دابق سنة 1516, وفتح مصر بعد معركة الريدانية سنة 1517م وانتهي بذلك دور المماليك وانتقلت الخلافة إلى ( إسلام بول ) بدلا من القاهرة .

2- اعترف شريف مكة بسلطان العثمانيين واعتبر نفسه تابعا لهم وسلمهم مفاتيح الحرمين .

3- استنجد أهل اليمن بالعثمانيين لإنقاذهم من الخطر البرتغالي , فخف لنجدتهم السلطان سليمان القانوني سنة 945هـ/ 1538م في حملة بحرية استطاع بها الاستيلاء على عدن وطرد البرتغاليين منها ثم امتد النفوذ العثماني بعد ذلك إلى بقية الأراضي اليمنية .

4- بدخول مصر في حوزة العثمانيين , تبع ذلك إقليم برقة في ليبيا حيث كان تابعا للمماليك .

5- تخليصا لأهله من ويلات الحرب الصليبية التي شنها الأسبان والبرتغاليون على سواحل المغرب العربي أثناء تتبعهم للمسلمين الفارين من اضطهاد نصارى الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين بها سنة 898هـ 1492م وقد برز في ذلك الوقت رجلان مجاهدان هما: بابا عروج وأخوه خير الدن بربروسا الملقب بذي اللحية الحمراء اللذان استنجدا بالسلطان العثماني الذي أمدهما بالجيش والعتاد واستطاع أن يحرز الانتصار على الأسبان والبرتغاليين , وأن يوحد معظم أقطار المغرب العربي تحت الحكم العثماني الجزائر سنة 1518 م, وتونس 1534 , وطرابلس بليبيا سنة 1551م.

6- أما ضم العثمانيين للعراق فبعد أن تحقق لهم شمال العراق في عهد السلطان سليم الأول سنة 1514م بعد موقعة جالديران , استطاه السلطان سليمان القانوني أن يدخل بغداد سنة 941هـ /1534ماستجابة لنجدة أهلها لتخلصهم من اضطهاد الصفويين المذهبي وفي عهد السلطان مراد الرابع سنة 1048هـ / 1648 م خضع العراق للعثمانيين وذلك حتى الحرب العالمية الأولى .

وهكذا توحدت الجبهة الإسلامية تحت راية العثمانيين فشملت دولة الإسلام ماسحة ممتدة في قلب أوروبا تشمل شبه جزيرة البلقان التي تضم اليوم دولا عديدة مثل ( المجر – تشيكو سلوفاكيا - ألبانيا – رومانيا – يوغوسلافيا – بلغاريا – اليونان – قبرص وغيرها ) كما شملت آسيا الصغرى والعراق وبلاد الشام ومصر وبلاد المغرب العربي شمال إفريقيا وبلاد الحجاز واليمن ومنطقة الخليج .

ومنذ ذلك اليوم وقف العثمانيون ماردا وحاجزا ضد الأطماع الاستعمارية الصليبية في البلاد العربية واستطاعوا أن يحولوا البحر الأحمر إلى بحيرة إسلامية للأماكن المقدسة بمكة والمدينة , كما استطاعوا من قبل تحويل البحر الأسود بآسيا لصغري إلى بحيرة إسلامية , وأذلوه أوروبا ووصلوا بفتوحاتهم في قلبها إلى فينا التي حاصروها وهي عاصمة النمسا فأوقفوا بذلك الزحف النصراني في شبه جزيرة البلقان لعدة قرون كما تصدوا للزحف الصليبي الثاني المتمثل في البرتغاليين والأسبان ضد البلاد الإسلامية .

وبهذا نري أن وحدة العالم الإسلامي على يد العثمانيين كانت فتحا عظيما أعاد للأمة الإسلامية هيبتها لعدة قرون , امتدت من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر الميلادي حتي دب فيها الوهن وعوامل الضعف وتعرضت إلى الهجمة الاستعمارية الأوروبية الحديثة وتقسيم ممتلكاتها والنظر إليها على أنها رجل أوروبا المريض .

ضعف العثمانيين منذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية الأطماع الاستعمارية الأروبية :

من جملة ما سبق يتضح بجلاء در العثمانيين في العالم الإسلامي والذي يمكن تلخيصه فيما يلي :

1- توحيد العالم الإسلاميي وإعادة الهيبة للدولة الإسلامية طوال ثلاثة قرون من الخامس عشر إلى الثامن عشر الميلادي .

2- جمل العثمانيون راية الخلافة الإسلامية التي كانت قد سقطت على يد المغول سنة 656/ 1258م, والتي كانت صورية في عهد سلاطين المماليك حيث نصبوا بعض أبناء البيت العباسي خلفاء إلى جوارهم بالقاهرة ليعطوا سلطنتهم المملوكة صفة الشرعية دون أن يكون لها أثر يذكر في شئون الخلافة وكان آخرهم المتوكل على الله في عهد السلطان ( قانصوه الغوري ) المملوكي الذي اصطحبه معه إلى معركة مرج دابق التي أنهت حكم المماليك بالشام ووقع في يد السلطان سليم الأول العثماني أسيرا فحمله معه إلى ( إسلام بول ) لكنه انصرف إلى متعته وملذاته فأعاد السلطان القانوني إلى مصر حيث مات هناك , فلم يعين بعده حدا من البيت العباسي , فانتقلت الخلاقة الإسلامية إليهم .

3- حمل العثمانيون عبء الجهاد الإسلامي ضدا لصليبيين في شبه جزيرة البلقان وحاربوا باسم الإسلام وتصدوا للصليبية الجديد في القرن الخامس عشر والسادس عشر المتمثلة في البرتغاليين والأسبان .

4- نعم الوطن الإسلامي بحياة أمن واستقرار لعدة قرون زادت على الثلاثة كان فيها متفوقا على أوروبا وبلغ من قوتهم أن اصدر السلطان العثماني سنة 1779 م فرمانا قرر فيه الآتي :

( إن الاحترام الواجب للأماكن المقدسة الإسلامية في الحجاز لا يجيز للسفن غير الإسلامية الملاحة في البحر الأحمر لأن بحر السويس مكروس للحج إلى مكة وثغره هو ميناء المدينتين اللتين يشع منهما نور الهدي وشريعة الرسول صلي الله عليه وسلم – مكة المكرمة والمدينة المنور – وأن السماح للسفن بالملاحة أو مساعدتها أو عدم منعها خيانة للدين والسلطان والمسلمين قاطبة عقابه الخزي في الحياة الدنيا والآخرة ).

ومضي العثمانيون يمثلون أقوي قوة لعدة قرون نتيجة لتفوقهما العسكري وامتدادها في قلب أوروبا وشرقها وانتشارها في العالم الإسلامي وتوحيده لكن ذلك لم ينعها من أن تتعرض لعوامل الوهن وتدخل في مرحلة الضعف الذي استثمره الأوروبيون ليثأروا لنفسهم وليستعيدوا مجدهم.

وقوع الوطن العربي فريسة للاستعمار الأوروبي :

فما إن لاحت الفرصة لهم حتى بدءوا يوجهون إليها سهامهم بدءا من إذكاء نار القوميات العصبية المتمثلة في الحركة الطورانية في مواجهة القومية العربية ومرورا بمساندة يهود الدونمة الذين أخفوا حقدهم على الإسلام وتظاهروا بالعمل على تحديث تركيا من خلال جماعة الاتحاد والترقي , والتي أفرزت في النهاية , الذئب الأغبر مصطفي كمال الذي قام بثورته سنة 1341هـ / 1922م وعمل على إسقاط الخلافة 1343هـ / 1924م وحول تركيا الفتاة – كما أصبحت تسميتها – إلى الاتجاه العلماني تماما .

ولم يكن هذا فقط دور أوروبا تجاه العثمانيين في مرحلة ضعفها وإنما باركت الحركات الانفصالية المتمثلة في الانسلاخ عن تبعية الدولة الإسلامية العثمانية .

ولما كانت تركيا حينئذ قد بلغت حدا من الضعف الذي أفقدها القدرة على المقاومة وحماية البلدان الإسلامية الممتدة في ثلاث قارات .

أعمل الأوربيون خطتهم الاستعمارية وما لبث أن وقع الوطن العربي فريسة للإحلال الانجليزي والفرنسي والإيطالي على النحو التالي مع مطلع القرن التاسع عشر :

أ‌- في النصف الأول من القرن التاسع عشر :

استطاعت انجلترا أن تحتل جزيرة بريم في مدخل البحر الأحمر سنة 1799م, وأن تحتل عدن سنة 1839م.

واستطاعت فرنسا أن تحتل الجزائر سنة 1830م.

ب‌- في النصف الثاني من القرن التاسع عشر :

استطاعت انجلترا أن تفرض حمايتها على مسقط والبحرين سنة 1863م, وأن تحتل مصر سنة 1882 م وأن تفرض سيطرتها على السودان سنة م وأن تعقد اتفاقية الحماية البريطانية مع الكويت سنة 1899م أيضا .

كما استطاعت فرنسا أن تحتل تونس سنة 1881م واحتلت جيبوتي من الصومال سنة 1884م

وبرزت إيطاليا في ميدان التسابق الاستعماري للوطن العربي فاحتلت أرتيريا بالقوة سنة 1885م ثم انتزعت أجزاء أخري من الصومال سنة 1892 م.

جـ - في الربع الأول من القرن العشرين :

نفذت انجلترا اتفاق سان ريمو الذي قرر وضع العراق وفلسطين وشرق الأردن سنة 1920 م تحت الانتداب البريطاني .

ووضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي كما كانت فرنسا قد أحكمت قبضتها سنة 1905م على موريتانيا واحتلتها , كما احتلت المغرب سنة 1912م.

- أما إيطاليا – فقد سارعت باحتلال ليبيا سنة 1911م وهكذا وقع الوطن العربي كله ما عدا – اليمن والحجاز نجد تحت نير الاستعمار الأوربي .

مساوئ الاحتلال الأوروبي في الوطن العربي :

كما إن استقرت أقدام المحتلين الأجانب في ديار الإسلام العربية إلا وبدأت مخططاته التدميرية تتشعب في كل المجالات , خاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والثقافية .

وإن الإشارة إلى هذه المساوئ مدخل ضروري عند الحديث عن الحركات الجهادية الإسلامية الحديثة ,التي نرجو أن نعرضها مفصلة ذلك أن تلك المساوئ على تنوعها وآثارها التخريبية قد مست الهوية الإسلامية للبلاد العربية واعتدت على اللغة العربية تحاول أن تحل محلها اللغات الأوروبية بل وعملت على صبغ تلك البلاد العربية بالعادات والتقاليد الأوربية التي تتنافي مع شريعة الإسلام وآدابه . لذلك كان منطلق هذه الحركات الجهادية الوازع الديني الذي استنفر الهمم وأيقظ القلوب لتواجه تلك التحديات ولنضرب لتلك المساوئ التي نزلت بالعالم العربي الإسلامي أمثلة توضيحية بإيجاز غير محل إن شاء الله وسنجد الآتي :

سياسيا :

فرق المحتلون وحدة العالم العربي التي كانت تنضوي تحت الخلافة العثمانية والتي كانت امتدادا لوحدة الدولة الإسلامية منذ أعلن قيامها الرسول محمد صلي الله عليه وسلم عقب تكوين المجتمع المسلم بالمدينة المنورة والتي ثبت جذورها الخلفاء الراشدون بمحاربة المرتدين ووضع اللبنات الأول في تنظيم شئونها والتي امتدت أطرافها لتشمل بلاد كشاغر بالصين شرقا إلى الأندلس وفرنسا غربا . ومن آسيا الصغرى شمالا إلى وسط إفريقيا جنوبا في العهد الأموي ثم جاء العهد العباسي الذي امتد لأكثر من خمسة قرون ليحافظ على هذه الرقعة الإسلامية وليضيف إليها في عهده على يد محمود العزنوي الملقب بيمين الدولة مساحات شاسعة من الهند وعلى يد الغالبة بقيادة القائد والقاضي أسد بن الفرات صقلية وجنوب إيطاليا ثم جاء العهد العثماني الذي أعاد الوحدة الإسلامية وسار بها إلى أن أجهز عليها الأوروبيون وفصلوا عنها البلاد العربية بموجب معاهدة سيفر سنة 1339هـ / 1920 م التي فرضت عليها في أعقاب هزيمتها إلى جوار ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ثم عمل الغرب على اصطناع تلك الحواجز الجغرافية بين أقطار الوطن العربي على النحو الذي نراه الآن .

وكانت تلك المعاهدة المريرة – معاهدة سيفر – أسوأ ما مني به العالم الإسلامي في المجال السياسي إذ أعقبها إتمام عملية الإجهاز على الخلافة العثمانية بعد قيام ثورة الكماليين وإعلان الجمهورية التركية سنة 1341هـ / 1922م ثم الخلافة الإسلامية العثمانية نهائيا في 3/3/1924 / 1343هـ.

وبالطبع هناك مساوئ سياسية أخري من مثل تعميق الروح الإقليمية بين أجزاء الوطن العربي وتشجيع النعرات الطائفية لدي الأقليات وخلق مشكلات الحدود بين الدول العربية وذلك باقتطاع عربستان من العراق ومنحها لإيران واقتطاع لواء الإسكندرية من سوريا ومنحه لتركيا وزرع اليهود في فلسطين وإنشاء وطن قومي لهم بها بموجب وعد بلفور البريطاني سنة 1917م.

اقتصاديا:

لقد فتت المحتلون وحدة العالم العربي الاقتصادية وعملوا على ربط اقتصادياته باقتصادهم فوجهوا موارد الوطن العربي لمصلحتهم وفرضوا عليه التبعية الاقتصادية في كل احتياجاتهم الصناعية إذ إنهم حاربوا الصناعات الوطنية وفرضوا عليهم الإقطاع الزراعي لسد حاجاتهم منها ولم يلق الوطن العربي إلا التخلف .

اجتماعيا :

لقد نشر المحتلون ما يمكن أن نسميه بالآفات الاجتماعية التي تنافي الإسلام وهديه مثل عملهم على إيجاد طابور خامس يروج لهم ويحسن وجههم أمام الأهالي وزرعوا نتيجة لذلك : النفاق الاجتماعي وفقدان الثقة في الواقع العربي كما شجعوا الرذائل التي ينهي عنها الإسلام مثل الخمر ولعب الميسر والسفور والاختلاط والرشوة وغيرها حتى أصبح معظم العالم العربي مفسخا ومترهلا لا يكاد يحظي لا بعروبة ولا بإسلام .

ثقافيا :

فرض المحتلون كذلك على الوطن العربي المحتل سياسة التجهيل فلم يحاربوا الأمية التي كانت مستعرة آنذاك وحاربوا التعليم الفني والمهني وأوهمونا أنا بلادنا زراعية وليست صناعية وفرضت فرنسا لغتها في بلاد المغرب العربي التي احتلتها والأخطر من ذلك ما عمله أولئك الغزاة من نشر المبادئ والأفكار والمذاهب الهدامة والضالة والمضلة بين أنحاء الوطن العربي حتى أعتنقها عدد من أبناء المسلمين فكادوا ينفصلون عن الإسلام ويحاربون كل ما هو إسلامي ومن ذلك أنهم روجوا في بلادنا العربية للإلحاد والإباحية التي تنادي بها الماسونية والشيوعية كما شجعوا وتبنوا فرقا دينية ضالة كالقاديانية والبهائية اللتين قامتا بالدعوة لمحاربة روح الجهاد بين المسلمين ونشر الفوضي الفكرية بين المسلمين لزحزحتهم عن الإسلام والدعوة لخضوعهم للمحتل البغيض .

وهكذا نري مدي ضراوة هذه الآثار السيئة لتلك المساوئ والتي عششت في ديار العرب وزمنا ليس بالقليل حتى باضت وأفرخت ما تتقذي منه عيون الغيورين على إسلامهم وعلى أوطانهم مما حدا بهم التفكير في عمل أى شئ للخلاص من هذا المحتل البغيض وإزالة آثاره وكانت هذه المساوئ فعلا البذرة الحقيقية التي ولدت حركات الإصلاح الإسلامية التي نهجت طريق المجاهد والجهاد على نحو ما سنفصل إن شاء الله .

لكن يبقي أن نضع أمام الأذهان ... أنماطا من السياسة الاستعمارية التي كانت سببا آخر رئيسيا من أسباب قيام تلك الحركات الجهادية وحتى تكتمل الصورة لفحش وضراوة الاحتلال وخطورته والعرض هنا لا يحتمل التفصيل لذلك سنجمل القول فيما يلي :

الحق أن من يسترجع تلك المساوئ التي أشرنا إليها يدرك لا محالة سياسة المحتلين عامة فهي لا تخرج عن ذلك الإطار الشامل في التخريب الاقتصادي والتدمير الأخلاقي والإفساد الديني والتبعية السياسية وغير ذلك من السياسة العامة للمحتلين غير أننا نود أن نبرز فروقا تميز بها كل هؤلاء الأوربيون في سياستهم الاحتلالية .

ومن ذلك أن إيطاليا مثلا علاوة على ما تقوم من قاسم مشترك بينها وبين انجلترا أو فرنسا في مساوئهما فإنها اتبعت في الصومال التي احتلتها سياسية التمييز العنصري وأصدرت قوانين لحماية الأقلية الإيطالية وطبق الإيطاليون نظام العقوبة الجماعية على القبائل التي يرتكب أحد أفرادها عملا يؤاخذ عليه .

أما فرنسا فقد رسمت سياستها في الجزائر على النحو التالي :

دمج الجزائر في فرنسا واعتبارها فرنسا فيما وراء البحار وفتح أبواب الهجر للفرنسيين إليها . – محو كل ما يربط الجزائر بالإسلام والعروبة وفرض سياسة الفرنسة عليها وفرض لغتها لكنها في المغرب التي احتلتها سنة 1912 م لم تأخذ بطريقة الدمج والحكم المباشر في مراكش ومع ذلك استحدثت أساليب أخر منها ما أصدرته سنة 1349هـ / 1930 من قانون يعرف باسم قانون الظهير البربري الذي يميز بين العرب والبربر الذي يعطي هؤلاء محاكم خاصة ومدارس خاصة لتعليمهم اللغة الفرنسية والتبشير فيهم بالمسيحية.

أما انجلترا: فقد تنوعت أساليب الانجليز في سياستهم الاحتلالية ففي الوقت الذي كانوا لا يتدخلون بالقوة في توجيه السياسة أو الاقتصاد للبلد المحتل بما يمك تسميته بسياسة الاحتكار والباب المغلق إلا أنها كانت في سياسة فق سد , وسياسة مشكلت الحدود وسياسة التحذير والتشويف ومن ذلك ما أصدرته في السودان سنة 1341هـ / 1922من قانون عرف باسم ( قانون المناطق المغلقة الذي عزل جنوب السودان عن شماله وفتحه لأعمال التبشير النصراني وما أصدرته في مواجهة توارث الشعب الفلسطيني 1339هـ / 1920م وسنة 1348هـ / 1929م وسنة 1355هـ / 1936م وسنة 1341هـ / 1922 م ما عرف باسم ( الكتاب الأبيض الأول ) لتهدئة ثائرة الفلسطينيين وخداعهم بالوعد بإنشاء مجلس تشريعي منتخب , وتحديد الهجرة اليهودية إلى فلسطين في حدود الطاقة الاستيعابية لها . وفي سنة 1349هـ / 1930م ولمواجهة الثورة الفلسطينية التي قامت سنة 1348هـ / 1929م أصدرت ما عرف باسم ( الكتاب الأبيض الثاني ) وفيه تعهدت انجلترا للعرب بمراعاة قدرة البلاد على الاستيعاب عند هجرة اليهود .

ولمواجهة ثورة سنة 1354هـ / 1935م حاولت أن تحسم القضية فأرسلت لجنة إلى فلسطين أصدرت تقريرا في 7/ 7/ 1937م / 1356هـ بمشروع تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام والتخلي عن الانتداب لكن هذا المشروع فشل فأصدرت في سنة 1358هـ / 1939م ما يعرف باسم ( الكتاب الأبيض الثالث ) الذي يتضمن وقف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات وتقييد بيع الأراضي العربية إلى اليهود .

وفي مصر أيضا اتبعت أساليب مختلفة ومتنوعة فأعلنت فرض الحماية البريطانية عليها سنة 1914 م لعزلها عن تركيا ولتضمن وقوفها إلى جوارها في الحرب العالمية الأولى وبعد قيام ثورة سنة 1919 م هدأت الشعب المصري بما عرف باسم ( تصريح 28 فبراير سنة 1922م ) الذي أعلنت فيه إلغاء الحماية على مصر وإعلان استقلالها مع وجود تحفظات أربعة أضاعت مضمون هذا الاستقلال .

وهكذا نري أن السياسات الاستعمارية للدول العربية رغم ما كان بينها من تشابه في الأسلوب إلا أنها تميزت بخصائص شيطانية لكل من إنجلترا وفرنسا وإيطاليا وهم الذين ابتلعوا العالم العربي وإزاء ذلك تفجرت الثورات كرد فعل طبيعي .

الفصل الثاني: رد الفعل العربي في مواجهة الاحتلال الأوروبي

ويتضمن .

- نمو اليقظة وأثر الإسلام في إذكائها.

- نشأة الحركات الإسلامية الجهادية .

- الملامح المشتركة بين هذه الحركات الإسلامية .


نمو اليقظة الفكرية وأثر الإسلام في إذكائها :

كما يقولوا ( لكل فعل له رد فعل يساويه في القوة ويضاده في الاتجاه) ويمكن تطبيق ذلك على الوطن العربي خلال القرن التاسع عشر الميلاد , فإذا كان هذا القرن هو قرن الاحتلال الأوروبي للوطن العربي على نحو ما أسلفنا فإنه في الوقت نفسه كان القرن الذي ولدت فيه اليقظة العربية ونمت وتبلورت في أهداف محددة تناد بالاستقلال وطرد المحتلين المغتصبين .

ورب قائل يقول : وهل تنجح الفكرة في إقالة العثرة ؟ وهل تكفي اليقظة الفكرية والأهداف النبيلة في مواجهة الاحتلال العسكرية البغيض ؟

ثم يمضي متسائلا ؟ وهل نجحت فعلا هذه اليقظة التي اشتعلت وبلغت مرادها ؟

وتقول نعم لكن بتحفظ !! ذلك أن اليقظة الفكرية كانت وقود الثورات والحركات الجهادية !! وأن تلك اليقظة كانت مرحلة ضرورية للبعث والفكاك من قيود الاحتلال !! وكانت النداءات القوية التي أيقظت الغافلين عن حقوقهم ونبهت الشعب إلى ضراوة المعركة التي يشنها المحتلون على الوطن العربي نهبا لخيراته وسلبا لإرادته وتمزيقا لوحدته وإفسادا لبنيه, وفرضا لتبعية ذليلة في ركابه وكان من نتيجة هذه اليقظة الفكرية كذلك أ ن ظهرت طلائعها في شكل الحركات الإصلاحية الإسلامية منذ أواسط القرن الثامن عشر تمثلت في الحركة التي نادي بها محمد بن عبد الوهاب في نجد بقلب شبه الجزيرة العربية والحركة التي نادي بها محمد بن علي السنوسي في شمال إفريقيا واستقر بها المقام في ليبيا واتخذت من الزوايا دورا للعيادة والجهاد ضد الإيطاليين والحركة التي تنسب إلى محمد أحمد المهدي في السودان والتي تحولت إلى حركة جهادية قاومت الانجليز لمدة سبعة عشر عاما وانتصرت عليهم في مواقع كثيرة والحركة الزيدية باليمن .

كل هذه الحركات الإصلاحية كانت ذاتية المولد إسلامية المضمون , فلم تؤثر فيها عوامل خارجية واستندت إلى الإسلام الذي حاد عنه الكثيرون ألحقوا به الخرافات والبدع وحادوا عن التوحيد الصحيح وزلوا إلى الشرك الأصغر وابتعدوا عن أوامر الإسلام ونواهيه ورضوا بالاستسلام الهوان الذي يأباه الإسلام على بنيه .

لذلك نادت هذه الدعوات أول ما نادت بالآتي :

- التمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة ومحاربة البدع والخرافات .

- نبذ التواكل والكسل تمجيد العمل الصالح وإقامة المجتمع على منهاج الإسلام

- مهاجمة تعدد المذاهب واختلاف الملل وكثرة الشروح في المسائل الدينية .

- التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم

- الدعوة إلى التوحيد الخالص الذي هو لب العقيدة الدينية .

- الحض على الجهاد في سبيل الله .

ومما لا شك فيه أن هذه الحركات الإصلاحية الإسلامية قد أوجدت نوعا من اليقظة الفكرية في العالم العربي والإسلامي بعد فترة طويلة من الجمود الفكري بما أثارته من جدل واسع بين أنصارها وخصومها .

كما كانت هذه الحركات هي المنبع الذي استقي منه عدد كبير من المصلحين من اليقظة الفكري في العالم العربي والإسلامي بعد فترة طويلة من الجمود الفكري بما أثارته من جدل واسع بين أنصارها وخصومها .

كما كانت هذه الحركات هي المنبع الذي استقي منه عدد كبير من المصلحين الإسلاميين في العالم العربي أهدافهم ومراميهم .

كما أدت المناداة بإحياء الجهاد إلى التفكير في مواجهة قوات الاحتلال واستغلال الثورات التي تنادي بالاستقلال السياسي .

ومن هذا العرض يمكن لنا أن نقرر أن تاريخ البلاد العربية الحديث والمعاصر قد مر بعدة مراحل جهادية لكل مرحلة طابعها الخاص وهذه المراحل هي :

أ‌- مرحلة اليقظة الفكرية والتي تمتد من منتصف القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين .

ب‌- مرحلة الجهاد ضد لاحتلال الأوروبي وتشمل فترة ما بين الحربين العالميتين.

ت‌- مرحلة الاستقلال : والتي تمتد من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الوقت الحاضر .

وفي هذا المراحل ظهرت شخصيات جهادية مرموقة وحركات أخري إصلاحية على نحو جمعية العلماء الجزائر التي أسسها عبد الحميد بن باديس وعصبة القسام بفلسطين على يد عز الدين القسام وغيرهما .

مثلما بدأ عبد القادر الجزائري مبكرا ليجاهد الفرنسيين منذ بداية احتلالهم للجزائر سنة 1830 هـ واستمرت ثورته ضدهم حتي سنة 1847م.

وقد لمعت أسماء أخري كثيرة في الوطن العربي مجاهدة ضد المحتلين ففي مصر مصطفى كامل وفي السودان علي دينار وفي الصومال محمد عبد الله حسن وفي موريتانيا ماء العينين وفي ليبيا عمر المختار وفي المغرب عبد الكريم الخطابي وفي سوريا يوسف العظمة , وغير هؤلاء كثير مما ينبغي إعداد دراسة خاصة عن أولئك المجاهدين الثوريين ليس في أنحاء الوطن لعربي فحسب وإنما في العالم الإسلامي بأسره ليكون سجل فخار نهديه للناشئة لكي يصلوا الحاضر بالماضي ولكي يعلموا أن الجهاد هو طريق الخلاص من كل قيد كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إن الجهاد سنة الله الماضية إلى يوم القيامة " فيشبوا على روح الجهاد حتى إذا نادي المنادي يا خيل الله اركبي قالوا حي على الجهاد , بلا تلكوء أو إبطاء .

وليعلم الناشئة كذلك أن الذي أهال على تاريخ هؤلاء الأبطال التراب هو المتحل الغاصب الذي أخلي مناهج التعليم في بلاد المسلمين من الإشارة إلى الجهاد من قريب أو من بعيد بل عض بعض الدعوات الضالة التي تنادي بنبذ الجهاد في الإسلام وتحبب المسلمين في المحتلين كالقاديانية والبهائية على نحو ما اشرنا سلفا عند الحديث عن الاحتلال الأوروبي للوطن العربي ..

وإني لأعلم أنه مشروع طموح يحتاج إلى جهد عصبة مؤمنة حتى ينجز في فترة وجيزة ويكون بين أيدي الناشئة قريبا وعلي الله قصد السبيل وإنها لأمنية أرجو أن تتحقق بعون الله تعالي .

أما الآن . وفي هذه العجالة فيكفي أن نقدم الشخصيات التالية :

1- عبد الحميد بن باديس .

2- عز الدين القسام

3- محمد بن علي السنوسي والإشارة إلى السنوسية الأربعة القادة .

على أننا لابد أن تشير إلى أثر آخر في إشعال هذه اليقظة الفكرية تضعه هنا أمانة للتاريخ وتحذيرا وتنبيها .

ذلك أنه من المسلم به المؤرخين المنصفين أن هذه اليقظة الفكرية التي أفرزت الحركات الجهادية كانت ذات جذور إسلامية ومع ذلك التسليم الذي نقره ونؤيده والذي سنعززه بعد قليل بقرائن عديدة نعترف أيضا أن هذه الفترة منن التاريخ الحديث المعاصر ومع مطلع القرن العشرين بالذات وثبت جماع الاتحاد والترفي إلى الحكم في تركيا وظلوا يخططون على هدم الخلافة الإسلامية فبدءوا بإسقاط السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1328هـ/ 1909 م وهو الذي أيد فكرة الجامعة الإسلامية التي نادي بها جمال الدين الأفغاني وتلميذه الوفي الشيخ محمد عبده .

ثم عمدت جماعة الاتحاد والترقي إلى إذكاء نار القومية العنصرية البغيضة الذي وصفها رسول الله صلي الله عليه وسلم بأنها منتنة فتعصبوا للجنس التركي واعتقدوا بسمو عنصرهم ونادوا بما أسموه ( القومية الطوارنية) وتعصبوا للغتهم وتاريخهم تعصبا شديدا أدي إلى الإساءة إلى العرب وتحطيم رابطة الإخوة الإسلامية بين الطرفين إذ أثار حفيظة العرب ( سياسة التتريك) التي اتبعتها تلك الجماعة المشبوهة – جماعة الاتحاد والترقي بتركيا مما أثار ردة فعل عربية عنيفة ذات نزعة قومية ألهب حماسها نصاري الشام من أمثال بطرس البستاني وناصيف اليازخي والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم ينفخ في رمادها تلاميذ ميشييل عفلق وأمثاله .

ومع ذلك نعود فنؤكد أن الأزهر الشريف قد أسهم في نشر الوعي الثقافي واليقظة الفكرية على أساس إسلامي إذا عاد الناس إلى الأصالة العربية ودرسوا علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية , والأدب والتاريخ الإسلامي يستلهمون منه أسس الإيمان وروح الجهاد وقد ظهر عدد كثير من الرواد الأزهريين الذين قادوا حركة اليقظة الفكرية هذه . من أمثال الشيخ علي يوسف وعبد الله النديم ومحمود سامي البارودي والشيخ محمد عبده في مصر ومن قبلهم الشيخ رفاعة الطهطاوي .

أما في غير مصر فقد ظهر جيل متأثر بالثقافة الإسلامية كذلك فقد ظهر في تونس خير الدين باشا التونسي الذي جمع بين الثقافة الإسلامية والغربية وحاول وضع خطة للنهضة الإسلامية في كتابه ( الإصلاحات الضرورية للدولة الإسلامية ) .

وفي العراق ظهر العالم النابغه محمود شكري الألوسي صاحب كتاب ( بلوع الأرب في أحول العرب ) والذي ساهم في إصدار أول صحيفة ظهرت في العراق وكانت تسمي ( الزوراء ) .

وفي الشام ظهر الشيخ ظاهر الجزائري مؤسس ( دار الكتب الظاهرية ) والشيخ محمد رشيد رضا الذي أيد فكرة الجامعة الإسلامية التي نادي بها الأفغاني وكذلك الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الحلبي الذي نادي بفكرة الخلافة الإسلامية للنهوض بالدول الإسلامية وقد كتب آراءه في كتاب ( أم القري ) والدولة الإسلامية ) لكن الكواكبي كان متأثرا بتيار القومية العربية التي ظهرت في وقته فقد ميز العرب من بين الشعوب الإسلامية الأخرى واعتبرهم الوسيلة الوحيدة لجمع كلمة المسلمين ودعا إلى إقامة خلافة إسلامية عربية في مكة بدلا من الخلافة الإسلامية العثمانية .

وهكذا تري رتلا من السادة المشايخ الكرام قد غذوا بذور اليقظة الفكرية من منطلق الإسلام فكانت الوقود الذي أشعل الحركات الجهادية ضد المحتلين الأجانب .

لكن ويا للأسف تحاول معظم كتب التاريخ إخفاء هذه الحقيقة وإرجاع هذه اليقظة الفكرية ويا للعجب إلى الإرساليات النصرانية التبشيرية واتصال الشرق بالغرب من خلال الحملة الفرنسية على مصر والشام والبعثات العلمية إلى أوروبا وحركة الإصلاح الداخلية في الدول العثمانية التي كانت وراءها انجلترا لتقويها في مواجهة أطماع روسيا في الشرق العربي للحفاظ على مكانتها وإلى مبادئ الثورة الفرنسية التي نادت بالحرية والمساواة والإخاء ومع استبدال كلمة الإخاء بالعدالة علما بأن هذه المبادئ عريقة وأصيلة في الإسلام .

وتناسي هؤلاء ما للإسلام من اثر في رفض الظلم والمناداة بالتغيير ومواجهة الباطل والحرص على العزة والسيادة ناهيكم عن الحث على العلم الذي كانت أول آية نزلت على رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم هي ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ). العلق

لكنها القزامة النفسية في عصور الانحطاط حيث يكون المغلوب مولعا بتقليد الغالب والوطن العربي آنذاك كان محتلا فضلا عن التأثير الاستشراقي في مناهج التعليم التي تضخم السلبيات وتؤكد عراقة الأوروبيين وأنهم السبب في تحضير الإنسانية ورقيها فهل أن لنا أن نفهم تاريخنا وننادي بإعادة كتابته نقيا من المفتريات وأسلوب الإحباط من بين سطوره أرجو ذلك والله المستعان .

نشأة الحركات الإسلامية الجهادية :

مما لاشك فيه أن دراسة تاريخ الحركات الجهادية الإسلامية الحديثة ليس ترفا ذهنيا ولا مجرد عرض لسيرة أبطال أو الاكتفاء بالسرد لتعاقب الأحداث سلبا أو إيجابا وليست كذلك بحثا عن أعلام مجهولين نريد أن ننتقل بهم إلى دائرة الضوء كلا ثم كلا وإنما الهدف الذي أرتجيه من هذا الحديث عن تلك الحركات ابعد من ذلك بكثير وأخص بالذكر بعضا منها لتكون محل دراسة مع القراءة المتأنية الفاحصة لا القراءة العاجلة المستظهرة وهاكم هي :

أولا : في هذا الوقت بالذات من تاريخنا الإسلامي المعاصر تعصف الأحداث بالأمة الإسلامية في كل مكان فما بين دول تابعة لإحدى القوتين العظميين وما بين أخر محتلة يدور على ثراها الجهاد وما بين مجموعة ثالثة أصبح الإسلام فيها هامشيا في حياة المسلمين ولحق بحياتهم أنماط عديدة من موجات التغريب والعلمانية والافتئات على شرع الله وما بين أقليات مضطهدة لا تجد النصير الكافي لمد يد العون إليها .

وكيف السبيل إذن لاستنهاض الهمم لكي يستعيد المسلمون مكانتهم على خريطة العالم السياسية ؟ ليس إلا الجهاد سبيلا للخلاص والإنقاذ وقد يتصور البعض أن الأمر يكاد يكون شبه مستحيل لذلك نعرض هنا نماذج من الحركات الإسلامية الجهادية الحديثة على اختلاف أساليبها وطرقها فمنها من جمع بين الشريعة والحقيقة والجهاد كما سنري في الحركة السنوسية ومنها من أخذ بأسلوب تأصيل الهوية الإسلامية والعربية في مواجهة عملية الفرنسة التي كانت تنخر في عظام الجزائر كما في حركة علماء المسلمين التي تأسست على يد عبد الحميد بن باديس ومنها من اتخذت الثورة والقتال سبيلا لمواجهة العدو المتربص كما سنري في عصبة عز الدين القسام على ثري فلسطين .

ثانيا : لله سبحانه وتعالي في كونه ومع خلقه سنن كونية لا تتخلف ولا تتبدل ومن يقرأ التاريخ يمكنه الوقوف عليها ففي دروس الماضي عبر وخطوات سبقت على الطريق النظر فيها بالنقد النزيه يثري العمل ويقوده بخطوات بصيرة إلى لمستقبل وفق خطط مدروسة وقمين بالذين يحملون هموم الإسلام والمسلمين في مجال الدعوة إلى الله وفي إطار ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) وفي ضوء معطيات العصر الإيديولوجية والحركية التي صبغت عصرنا هذا بأنه عصر التحديات ينبغي عليهم أن يعوا التاريخ جيدا حتى ر يبدءوا من الصفر ولا يقعوا في أخطاء من سبقهم أو يدوروا في حسابات لخطط تقليدية لا تواكب روح العصر بما فيه من تقنية هائلة وحتي لا يكون عملهم صورة مكررة لمن سبق .

ولهذا أقدم نماذج من تلك الحركات الجهادية بصورة مجردة تجردا محضا يسجل مالها وما عليها لتعين على رؤية مستقبلية مستهدية باستقرار الماضي بما فيه من دروس وعبر .

ثالثا : جاء في مقدمة الموسوعة الحركية بإشراف الأستاذ فتحي يكن التي رجعت إليها في إتمام هذا البحث عبارة أراها معبرة تماما عما يجيش في صدري تجيب بصراحة عن السؤال الذي أجيب عليه الآن وه ( لماذا أكتب هذا البحث ) ؟

تقول العبارة :

( إن تقويم الرجال بما لهم وما عليهم أمر يطلبه الشرع ومصلحة إسلامية تستبين من خلالها المسالك والرؤي وبالتالي فهو سبيل الاستفادة والإفادة لمن هم على درب الإسلام سائرون  : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) سورة الأنبياء الآية : 105 .

لهذا أرجوا أن يكون التعامل مع هذا البحث دراسة تحليلية تعتمد على الربط والتحليل والاستنتاج والتقويم والتخطيط في ضوء ما يستلهم من هذه الدراسة من دروس مستفادة .

رابعا : ونحن نمضي مع سطور هذه العجالة سيبدو أمام أنظارنا نماذج للبطولة العسكرية الجهادية !! وهنا أجدني متعجلا لأوضح ما مفهوم البطولة بمعيار الإسلام حتى لا تضيق الواسع أو ننغلق على معني واحد ينحصر في الجهاد بالسيف !! كلا , فإن معني البطولة في الإسلام يتسع ليشمل كل عمل جاد مخلص يحقق هدفا سواء كان قتاليا أو فكريا أو علميا بشرط أن يكون ذلك الهدف في دائرة الإسلام وضوابطه لأن شرف الوسيلة من شرف الغاية ولقد أعجبني وأنا أتجول في بطون الكتب تعريف أكثر دقة وشمولا ذلك الذي ذكره الأستاذ أنور الجندي في كتابه ( الإعلام الإسلام ) الجزء الثالث حيث يقول : ( يجمع الإسلام في معني البطولة قطاعات عدة : بطولة المفكر والمصلح , وبطولة القائد المحارب , وبطولة بناء الدول ومؤسس الحضارة والبطل في الإسلام خادم لقضية وهدف ولا يقل عمل المصلح الذي يصحح المفاهيم عن المحارب الذي يرد العدو في ميدان القتال فهو أيضا يرده في مجال الفكر ويتساوي مداد العلماء مع دماء الشهداء ) .

ثم يضيف قائلا :

( .... وكل الأبطال الذين عرضهم القرآن الكريم أبطال مقاومة لا يستسلمون أما الظلم ولا يحنون رءوسهم للعدوان ولا يخافون بل يقفون دائما موقف الصمود والمقاومة مرفوعي الرءوس فقد كانت رسالتهم دائما هي رسالة التقديم والبناء على طريق الله تعالي .

ومن هنا عجزت دائما قوي العدوان عن أن تبتلعهم أو تنتصر عليهم وكانت المقاومة عندهم إيمانا في أعماق النفس وسلاحا في اليد وكانوا يعملون دائما باقتناع كامل أنهم أصحاب رسالة .

وقد كان البطل دائما في مفهوم الإسلام استجابة لحاجة الأمة والمجتمع يظهره الله تعالي في وقت الأزمة , ثم هو بعد ذلك يصنع الأحداث ويقود أتباعه إلى مرحلة جديدة من مراحل العمل ) .

وبعد فإنني لأرجو من القراء الأعزاء أن يقفوا عند هذه النظرات طويلا ففيها عظة بالغة وحقائق ينبغي ألا تغيب عنا ونحن نقرأ لسيرة علم من أعلام المسلمين أو نكتب عنه أو نتحدث ليكن المعيار الإسلامي للبطولة مائلا , والعامل الحاكم في لموازين وحينئذ يسقط من على الساحة خلق كثير عاشوا في وهم أمسه البطولة والبطل لكنهم حادوا عن الطريق السوي وسبحوا في اتجاه مضاد الإسلام والمسلمين الملتزمين ولهذا لزم التنويه الذي أراه قد طال بعض الشئ لكنه مدخل ضروري قبل الحديث عن الحركات الجهادية الإسلامية التي اخترناها كنماذج للعرض هنا .

ويقيني أن الوقوف عند هذه الخواطر الأربعة جديرة بتصويب المسار مسار الحياة ومسار البحث .

والله أسأل أن يؤتي الثمرة طيبة مباركة ,,,

مع النشأة :

ونعود إلى جذور هذه الحركات الإسلامية الجهادية فنجد أنها من حيث النشأة , نعود إلى أواخر القرن الثامن عشر واستمرت حتى طلائع القرن العشرين وأن الحركة الدائرة التي يعتبرها المؤرخون أساس ما أعقبها من حركات هي الدعوة الوهابية التي ظهرت في إقليم نجد بشبه الجزيرة العربية بزعامة الشيخ محمد عبد الوهاب التميمي الذي ولد في سنة 1703م وطالت حياته حتي سنة 1791م.

ويعتبرها المؤرخون كذلك أول رد فعل ديني في مواجهة مفاسد وانحلال المجتمع العربي الإسلامي في العصر الحديث ذلك أنه انتقل بدعوته من حركة الإحياء الديني والبعث الإسلامي إلى سيرته الأولي الصافية النقية إلى مرحلة الإصلاح الشامل وبعث الأمة الإسلامية والنهوض بها من العثرات ورأي أن الحكمة تقتضي الاستعانة بحاكم قوي لدعمه ومساعدته في نشر أفكاره فاتصل بحاكم الدرعية الأمير محمد بن سعود , ووجد فيه خير حليف لتحقيق الأهداف التي كان ينشرها ويتعاون الشيخ والأمير والتقت العقيدة بالقوة ونجح الاثنان في إيجاد نظام إسلامي للحكم تطبق فيه الشريعة الإسلامية على نهج الشيخ الوهابي وقامت الدولة السعودية الأولي ومضت الأحداث بما لا يسمح مجال هذا البحث الإفاضة فيها لكن الذي نود الإشارة إليه أن تاريخ دعوة محمد بن عبد الوهاب صار هو تاريخ المملكة العربية السعودية .

ثم كانت الحركة السنوسية على يد مؤسسها الشيخ محمد بن علي السنوسي الجزائري المولد في عام 1787م الذي نشأ وتربي على العلوم الشرعية وتأثر بالحركة الوهابية لذا نراه يبدأ نشاطه الدعوي في الحجاز ثم ينتقل به إلى ليبيا معلما ومرشدا ثم في تأسيس الزوايا بليبيا لتكون مقرا للعبادة والتدريب العسكري والإعداد النفسي والبدني والتداول في كافة المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تهم جماعتهم ومجتمعهم دينية ودنيوية .

وظل الأمر كذلك إلى أن توفي الشيخ السنوسي الكبير سنة 1859م بعد أن انتشرت دعوته في شمال إفريقيا وغربها وخلف في زعامة الحركة ابنه محمد المهدي السنوسي ( 1859- 1902م) الذي بلغت الدعوة والحركة السنوسية في عهده ذروة نشاطها وانتشارها .

أما الحركة المهدية في السودان فقد ظهرت في الربع الأخير من القرن التاسع عشر في عام 1881 م بزعامة الشيخ محمد أحمد المهدي وكانت امتدادا للحركات الإصلاحية الإسلامية السابقة .

وبالنظر إلى تاريخ الشيخ نجد أنه ولد سنة 1944 م ودرس القرآن والتوحيد ثم مال إلى التصوف واشتهر بالزهد والتقشف ثم تبلورت أفكاره وأخذ يدعو إليها ثم ثم اقتنع بأن الجهاد هو السبيل لمواجهة الأوضاع المتدهورة في السودان , فرفع ذلك الشعار وتمكن من تحقيق انتصارات عسكرية في مواجهة القوات المصرية بقيادة هكس باشا الإنجليزي ثم تمكن من فتح الخروم سنة 1885 م وقتل الجنرال غرودن حاكم عام السودان الإنجليزي , وإجلاء الإنجليز من السودان وتحريره من الحكم الأجنبي .

وبالمثل فإن تعاقب الأحداث في تاريخ الحركة الممهدة يحمل تفصيل كثيرة لكن حسبنا هنا ما ألمحنا إليه من النشأة والهدف وبلوغ الغاية .

والجامعة الإسلامية التي دعا إليها السيد / جمال الدين الأفغاني ( 1839-1897) بهدف تخليص الإسلام من الشوائب التي لحقت به تحرير الشعوب الإسلامية من سيطرة الدول الأجنبية التي احتلتها ونهب ثروتها لا سيما بريطانيا التي كانت تحكم معظم الدول الإسلامية واستنكر الأفغاني انقسامات المسلمين إلى فرق وطوائف متعددة وأخذ يدعو إلى وحدة الشعوب الإسلامية وتحريرها بالثورة على الاحتلال الغربي الصليبي .

وكان يري أن تحرير عقول المسلمين من الشعوذة والخرافات التي طفت على تفكيرهن من العوامل الهامة المؤدية إلى النهوض بالأمة الإسلامية ولهذا دعا الأفغاني إلى تحرير الفكر من التقليد المغلق وفتح باب الاجتهاد والتوفيق بين العلم والإيمان وأخذ يدافع عن الإسلام والحضارة الإسلامية ويتصدي للمفكرين الغربيين الذين يتهجمون على الإسلام مدعين أنه يرفض العلم والتجديد وكان يقول دائما ( إن الدين الصحيح لا يصح أن يخالف الحقائق العلمية , فإن كان ظاهرة المخالفة وجب تأويله ) .

وبالجملة كانت حياة الأفغاني ونهجه الإسلامي التجديدي ونشاطه السياسي الثوري تجسيدا للوحدة الإسلامية التي ظل يدعو لها طوال حياته .

وهكذا نري أن نشأة الحركات الإسلامية الجهادية الحديثة قد بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بدءا من الحركة الوهابية التي كانت المنبع لها أعقبها من حركات تعددت وتنوعت لكنها جميعها اتخذت الإسلام منهجا في مسيرتها .. ولقد رأينا ذلك في الحركات السنوسية والمهدية وكذلك الجامعة الإسلامية حتى جاء القرن العشرون ورأينا حركات أخري جهادية كالقسام في فلسطين وابن باديس بالجزائر والسنوسيين في مواجهة الإيطاليين .

الملامح المشتركة للحركات الإسلامية الجهادية :

مرة أخري نعود إلى تلك الحركات ننظر في أهدافها وغاياتها ومسيرتها لعلنا نجد ملامح مشتركة تجمع بينها في خط واحد وسنجد الإسلام منطلقا أصيلا لها وقاسما مشتركا أعظم بينها ويمكن تلخيصها فيما يلي :

1- العمق الديني لهذه الحركات المرتكزة على العودة للقرآن والسنة .

2- عدم الاكتفاء بالوعظ والإرشاد وإنما التقت العقيدة مع القوة .

3- بدأت الحركات بالإصلاح الديني ثم تطورت إلى الجهاد في مواجهة المحتلين !!

4- هذه الحركات الأربع ( الوهابية – السنوسية – المهدية والجامعة الإسلامية ) وإن اختلفت في أساليب عملها وجهادها إلا أنها اتفقت في المنظور الشمولي للإسلام وأهمية الوحدة الإسلامية في مواجهة التخلف ومحاربة الأعداء .

5- يلاحظ كذلك أن تلك الحركات ظهرت منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وه الفترة التي بدأ الضعف يصيب جسد العثمانيين بفعل ميكروبات النزعة القومية التي أثارها الاتحاديون والكماليون والدور التخريبي الذي لعبه يهود الدونمة في فصل العرب عن الأتراك العثمانيين وإسقاط الخلافة الإسلامية ولمزيد من الإيضاح يمكن إثبات أهداف كل حركة كما سجلتها كتب التاريخ وسنجد الآتي :

أولا : تقوم الدعوة الوهابية على المبادئ التالية :

1- الرجوع بالإسلام إلى سيرته الأولي وتعميق التوحيد الذي هو لب الإسلام .

2- فتح باب الاجتهاد وتحرير الفكر الديني عند المسلمين لكل قادر عليه ومستوف لشروطه .

3- الحض على الجهاد في سبيل الله .

ثانيا : وتتلخص أهداف الحركة السنوسية فيما لي :

1- التمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة ومحاربة البدع والخرافات.

2- نبذ التواكل والكسل وتمجيد العمل الصالح إقامة المجتمع على أساس الإنتاج والتنظيم .

3- محاربة الانحلال الاجتماعي والفساد الإداري والسياسي وإحياء الشريعة الإسلامية .

4- الانضواء تحت لواء الخلافة العثمانية .

ثالثا: أما تعاليم الحركة المهدية فتتلخص في الآتي :

1- التمسك بالكتاب والسنة والعمل بمقتضاهما .

2- مهاجمة تعدد المذاهب واختلاف الملل وكثرة الشروح في المسائل الفرعية الدينية .

3- محاربة الشرك والإكثار من كلمة التوحيد وتلاوة القرآن الكريم .

4- التأكيد على صلاة الجماعة في سبيل الله .

5- الدعوة إلى البساطة في الملبس والمأكل واحتفالات الزواج والجنازة .

رابعا: والجامعة الإسلامية كان لب دعوتها ما يلي :

1- تخليص الإسلام من الشوائب التي علقت به .

2- تحرير الشعوب الإسلامية من سيطرة الدول الأجنبية .

3- الدعوة إلى وحدة الشعوب الإسلامية وقيام الجامعة الإسلامية في مواجهة التحديات الصليبية .

4- تحرير الفكر الديني من القيود والتقليد وفتح باب الاجتهاد .

5- الدفاع عن الإسلام والحضارة الإسلامية والتصدي للمفكرين الغربيين

هذه هي الأهداف عرضناها إلى جوار بعضها البعض ليتبين بسهولة الملامح المشتركة بينها في الغايات والأهداف ومنها نؤكد:

1- أن التمسك بالإسلام هو طريق التغير الأمثل .

2- أن العود إلى الإسلام هو أول خطوة في طريق الإصلاح .

3-أن الحق لابد أن تسنده القوة لتؤازره وتحميه .

4- أن الجهاد هو سنة الله الماضية إلى يوم القيامة , ولا خلاص للشعوب الإسلامية إلا إذا استروحت نسمات الجهاد وجعلته واقعا ملموسا بين بنيها .

5- أن الكيانات الصغيرة , لا مكان لها في عصر التحديات لذلك فالدعوة إلى الوحدة الإسلامية فريضة وضرورة, لتعود الأمة الإسلامية كما كانت دولة واحدة ممتدة عبر الزمن , ضاربة جذورها إلى رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم الذي أعلن قيامها وإلى أن سقطت ف سنة 1343هـ / 1924 م فمن يعيدها الآن ؟

الفصل الثالث: نماذج من تاريخ الحركات الإسلامية الجهادية الحديثة

ويتناول :

1- الحركة السنوسية, والتصدي للاحتلال الإيطالي لليبيا .

2- جمعية علماء المسلمين بالجزائر , ومنهاجها في مجابهة الاحتلال الفرنسي .

3- عصبة القسام , والجهاد الإسلامي ضد الانتداب البريطاني بفلسطين .


الحركة السنوسية :

عند الحديث عن نشأة الحركات الإسلامية الجهادية تناولنا بالإشارة الحركة السنوسية ذلك أن مؤسسها الشريف محمد بن علي السنوسي , قد ولد في عام 1787 م توفي في عام 1859م.

كما أننا أشرنا إلى أهدافها ومنهاجها الإصلاحي بتركيز مختصر لكننا مع الدراسة التاريخية لمسار هذه الحركة وجدنا أنها امتدت إلى القرن العشرين لتواجه ببسالة قوات الاحتلال الإيطالي لليبيا في عهد أحد زعماء الحركة الأربعة المشهورين وهو الإمام أحمد الشريف السنوسي ( 1867م1933م) .

وحول هذه المواجهة سيكون لنا جولة هنا بما يتناسب مع أهداف هذا البحث التربوي .

خصائص ومميزات الحركة السنوسية :

وفي البداية نود أن نشي إلى عدة حقائق في هذه الحركة نعرضها فيما يلي :

1- أراد مؤسس الحركة السيد / محمد بن علي السنوسي أن يوجد دعاة تتوفر فيهم روح التضحية في سبيل انتشار الإسلام والنهوض بالمسلمين ووجد السنوسي أن الوسائل التي تتبعها الصوفية وسائل ناجحة في تحقيق هذه الغاية مع تجنب ما في الطرق الصوفية من مظاهر لا تتصل بهدفها الأصلي والتي فيها كثير من التجاوزات .

لذلك أنشأ الزوايا وجعل فيها مراكز للتعليم وموطنا لإعداد دعاة ومرشدين كما جعلها مركزا لأعمال أتباعه الزراعية والتجارية كي يعولوا أنفسهم وملجأ يأوي إليه المسافرون كما جعل لها مهمة عسكرية فأحاطها بسور تعلوه الحصون والأبراج فكانت هذه الزوايا مراكز انبعاث حضاري , وميدان نهضة جديدة ربما افتقرت إليها غيرها من الحركات التي سبقتها أو جاءت في أعقابها .

2- نجحت الزوايا في تأدية دورها , حيث تخرج فيها العديد من الدعاة الذين قاموا بنشر الإسلام بكفاءة عالية ومحاربة البدع والخرافات التي سادت أرجاء القارة الإفريقية .

ومما يجدر ذكره حقا أن السنوسيين إلى جانب ذلك قد ساهموا في شراء الرقيق الأفارقة وعتقهم وتحريرهم ثم تعليمهم وتربيتهم على الإسلام حتي إذا عادوا إلى بلادهم كانوا نعم الدعاة إلى الله .

3- امتازت الحركة السنوسية بسلوك طريق علمي منظم بتبين في الملامح التالية :

أ‌- دراسة أسباب تأخر المسلمين وحصرها في الجهل ونقص الدعاة .

ب‌- تحري الأماكن التي يسهل بها الاتصال بسكان الأقطار الإسلامية وعلى الأخص مكة ومراكز طرق القوافل التجارية .

ت‌- إنشاء مدرسة للثقافة الإسلامية والتعليم لمحاربة الجهل وإعداد الدعاة .

ث‌- الحرص على القدوة الحسنة والتخلق بالعقيدة الراسخة وفضائل الأخلاق وحب الجهاد .

ج‌- حملت الحركة السنوسية لواء نشر الإسلام في إفريقيا إلى بلاد تشاد , ودار فور , ووادي وغيرها من أقطار بوسط إفريقيا .

4- كان انتشار الدعوة السنوسية مصدر خوف وقلق للفرنسيين المحتلين فقاوموا هذه الدعوة وحاربوها ونكلوا بدعاتها في البلاد التي سيطروا عليها وحاربوها ونكلوا بها بدعاتها في البلاد التي سيطروا عليها ذلك لأن السنوسين أخذوا بأسلوب الجهاد وحاربوا الفرنسيين عندما دخلوا تونس سنة 1881 ثم حاربوا الإيطاليين في ليبيا لمدة عشرين عاما , جهادا يذكر بالإعجاب والتقدير وجهاد البطل عمر بن المختار أحد زعمائهم يذكر بكل فخر واعتزاز .

5- تميزت هذه الدعوة أو الحركة السنوسية بأنها كانت دعوة شعبية عنيفة تمثل فيها الجهاد الإسلامي وحب الوطن في أجلي صوره لذلك اتبعت إيطاليا في قمعها أقسي الأساليب وأكثرها وحشية من تعذيب وسجن ونفي وتدمير وإحراق للقري وعقوبات جماعية ورمي للثوار من الطائرات و انتقام من النساء والشيوخ والأطفال ومع ذلك استمرت مقاومة السنوسيين للإيطاليين ما ضعفت وما لانت .

6- كانت السنوسية ذات طابع خاص فهي تشترك مع الحركة الوهابية والجامعية الإسلامية في البعث الثقافي لكنها لها وسائلها وأهدافها المتميزة ومن ذلك الزوايا التي كانت مراكز دينية ثقافية اجتماعية عسكرية وهي عبارة عن فناء واسع تحيط به مرافق هي :

أ- مسكن الشيخ

ب- المسجد

ت- مكان للضيافة

ث- حجرات لسكني الطلبة

ج- محل لإيواء اللاجئين للزاوية

ح- بوسط الفناء بئ للسقيا ومخزن للمتاع وتنشأ الزاوية في مكان حصين على مكان مرتفع لتكون أشبه بالقلعة ويختار مكانها في مفترق الطرق حتي تكون على صلة بالزوايا الأخرى وحولها أرض زراعية يقوم الإخوان السنوسيون بزراعتها للاعتماد على أنفسهم .

خ- تميزت السنوسية بالاسم الذي اختارته لإتباعها وهو – الإخوان – في حين عرف إتباع الحركة الوهابية بالموحدين , وإتباع الحركة المهدية عرفوا بالأبصار ثم الدراويش .

نبذة تاريخية عن الحركة :

وإذا أردنا أن نعرف نبذة تاريخية عن هذه الحركة السنوسية , فإننا نعرض ما يلي :

يعتبر السيد محمد بن علي السنوسي الذي ينتهي نسبه إلى الدراسة المؤسس الأول لهذه الحركة وهو من مواليد قرية متسغانم بالجزائر سنة 1798م.

بدأ دعوته بمكة المكرمة حيث أنشأ الزاوية الأولي في ( أبي قبيس ) قرب مكة ثم أدرك أن إفريقيا أولي بدعوته فغادر الحجاز إلى مصر ثم إلى طرابلس وفي سنة 1843 م أنشأ الزاوية البيضاء في الجبل الأخضر ثم نقل الدعوة إلى واحة جغبوب سنة 1856 م

توفي مؤسس الحركة سنة 1859م فتولي ابنه السيد / المهدي قيادة الحركة بواسطة مجلس وصاية أولا ثم بنفسه حتى وفاته سنة 1902م فتولي قيادتها السيد / أحمد الشريف السنوسي الذي دخل في حرب طاحنة ضد فرنسا وإيطاليا حتى اعتزل سنة 1918م.

تولي القيادة بعده السيد / محمد إدريس السنوسي الذي أصبح ملكا لليبيا بعد ذلك وهو يعتبر زعيم السنوسية الأخير لكن مسئوليات الملك شغلته عن الدعوة .

وهنا يذكر الدكتور أحمد شلبي في موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية جـ4 عبارة لها دلالاتها ننقلها بنصها لأهميتها ولأخذ العبرة منها : يقول : ( لكن الرجل الذي ضحي بالدعوة من أجل التاج و فقد التاج أيضا في أول سبتمبر سنة 1969م عندما قام الجيش بثورته بقيادة معمر القذافي ).

نموذج من جهاد السنوسيين ضد الإيطاليين :

حمل السنوسيون راية الجهاد في سبيل الله وتصدوا ببسالة للمحتلين الأجانب من فرنسيين في تونس وإيطاليين في ليبيا , ورغم ضراوة الصراع , وعدم تكافؤ القوي إلا أن عقيدة الجهاد كانت عدتهم وحبهم للاستشهاد كان سلاحهم ورغبتهم في الموت كتبت لهم الحياة ولشعبهم الاستقلال وصدق ربي حيث يقول : ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) سورة البقرة الآية 249.

معركة يوم الجمعة سنة 1332هـ / 1913 م:

ومن النماذج المشرفة الجهاد السنوسيين ضد الإيطاليين المعركة – التي عرفت باسم معركة ( يوم الجمعة ) سنة 1332هـ / 1913 م قرب درنة إذ جاهد السيد / أحمد الشريف السنوسي والمجاهدون جهادا عنيفا وأبلوا بلاء حسنا رغم عدم التكافؤ حسب موازين القوي – لكن الله سبحانه كتب النصر لهم في هذه الموقعة في الوقت الذي كان سلاحهم ما يعرف باسم ( السلاح الأبيض ) كالسيف والخناجر وغيرها أما سلاح الأعداء فالمدافع والبنادق مع تفاوت كبير في العدد والعدة حتي ( اعتقد الكثيرون أن النصر جاء كرامة للسيد الشريف السنوسي ) . الموسوعة الحركية جـ 156.

ومما يجدر ذكره – وهو خاصية تميزت بها الحركة السنوسية أيضا إضافة لما سبق أن راية الجهاد كانت مرفوعة ضد الإيطاليين تحت لواء العثمانيين وبدون الخروج عليهم كغيرها من الحركات مثل ( الوهابية والمهدية ) وهو ما يعطيها بعدا آخر في شمولية نظرتها الإستراتيجية نحو التجمع تحت راية الخلافة الإسلامية القائمة والعمل على إصلاحها من الداخل وتقويتها في مجابهة الأعداء خاصة وأن العثمانيين كانوا في ذلك الوقت يمرون بمرحلة الاضمحلال والانتهاء .

ثورة الشيخ عمر المختار :

في خلال الحرب العالمية الأولى ( 1914م1918م) اجتمع زعماء طرابلس في ( مؤتمر غريان سنة 1341هـ / 1922م) وقرروا توحيد ليبيا تحت زعامة الأمير إدريس السنوسي تمهيدا لاستئناف الجهاد لكن الأمور كانت قد تغيرت في إيطاليا ووصل موسوليني إلى حكم إيطاليا في نفس السنة وأعلن أن ليبيا إيطالية وستظل إيطالية وألغي اتفاقيات سنة 1339هـ / 1920 م ( صلح بنيادم ) الذي ينص على وقف القتال ومنح طرابلس قانونا أساسيا يضمن المساواة والحرية السياسية والدينية والشخصية ) .

وهنا وضع الليبيون والسنوسيون أمام الاختيار الوحيد وهو المقاومة المسلحة فانسحب الأمير إدريس السنوسي غلى مصر كلاجئ سياسي , وبدأت المقاومة تتصاعد في القوة والإعداد, بقيادة وحكمة المجاهد الشيخ عمر المختار رغم شيخوخته , واستمرت المقاومة على عنفها لمدة تسع سنوات حتي تبين أن قوة إيطاليا الفاشية قد بلغت ذروتها في أوروبا وأغلقت الحدود كاملة بين ليبيا ومصر واستطاع الجيش الإيطالي في أوائل سنة 1351هـ / 1932 أن يدمر بالتطويق والذبح والطائرات الواحة الكبرى التي يتجمع فيها السنوسيون والمسماة ( بالكفرة ) حتى تشرد سكانها بالآلاف في الصحراء وقضي على معظمهم الجوع والعطش ثم وقع المجاهد عمر المختار وهو جريح في الأسر وأعدمه الإيطاليون المتوحشون رغم جراحه وشيخوخته سنة 1351هـ / 1932 وهو في الثمانين من عمره مع عدد من أتباعه شنقا حيث قضوا نحبهم شهداء أبطالا .

ومما يجدر ذكره أن الإيطاليين قد شكلوا محكمة تسمي ( المحكمة الطائرة ) تستخدم طائرة تحل في مكان ما يقبض فيه على المجاهدين لتقضي بإعدامه دون دفاع ولا دليل وذلك بإسقاطه من الطائرة .

وإلى هنا نتوقف عن الحديث عن الحركة السنوسية لنطل بأبصارنا إلى حركة أخري .

جمعية العلماء المسلمين بالجزائر وعبد الحميد بن باديس

الحديث عن جمعية العلماء المسلمين بالجزائر لا ينفك كطلقا عن الحديث عن مؤسسها عبد الحميد بن باديس والحديث عن كليهما يرتبط بالاحتلال الفرنسي للجزائر الذي كان قد مضي عليه قرابة مائة عام .

ومن هنا أري من المفيد أن نلخص بإيجاز غير مخل ما سبق أن أشرنا إليه فنتحدث عن السياسة الاستعمارية الفرنسية بالجزائر لندرك الأبعاد الهائلة الجمعية العلماء وجهود الشيخ عبد الحميد بن باديس التي أتت بأطيب الثمرات وهي تجابه بالسياسة التي رسمتها على نحو ما سنفضل بإذن الله – ما أراده الفرنسيون للجزائر من فرنسة وامتلاك .

نعم لقد كانت الجزائر أول قطر عربي , احتله الفرنسيون خاصة وتعرض للاحتلال الأوروبي عامة , وكان ذلك عام 1830 م وطال الاحتلال البغيض إلى عام 1382هـ / 1962م, حين وقع الطرفان ما يعرف باسم معاهدة إيفيان التي حصل بها الجزائريون على استقلالهم بعد ثورة عارمة اشتعلت سنة 1954م وهي التي أجبرت المحتل الغاصب على توقيع والانسحاب من الأراضي الجزائرية والتي كانت جمعية العلماء المسلمين التي أسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس في أواخر حياته المباركة سنة 1928م والتي استمر يجاهد من أجل إيجاد نخبة متميزة من العلماء الإيجابيين حتى وفاته سنة 1359 هـ / 1940 م هي الزاد القوي الذي تربي عليه المجاهدون سنة 1374هـ / 1954م.

ونعود فنقول , إن فرنسا اتبعت في حكمها للجزائر منذ عام 1349هـ / 1830 مسياسة رهيبة تعتبر بحق نموذجا لسياسة الاحتلال البشع حيث ارتكزت دعائمها على الأسس التالية :

1- دمج الجزائر في فرنسا دمجا كاملا , وتحويلها إلى أرض فرنسية .

2- تحويل الجزائر في لغتها وثقافتها وهويتها إلى الفرنسية وهو ما يعرف باسم الفرنسية أى فرنسة الجزائر .

3- عدم النهوض بمستوي الشعب الجزائري وفرض سياسة التخلف عليه .

4- التفرقة العنصرية بين الشعب الجزائري من عرب وبربر و إشعال الفتن بينهم .

5- إتباع سياسة الاقتصاد المغلق لحساب الاقتصاد الفرنسي من حيث استثمار كافة الموارد والثروات الطبيعية والأراضي وموارد الرزق بيد فرنسا .

6- ضرب أى حركة وطنية بالقوة وقمع الثورات بمنتهي الوحشية ومن ذلك ما رواه المؤرخون من أن ( قبيلة جزائرية فرت مرة من ظلم وقسوة الفرنسيين إلى كهوف الجبال فما كان من الجيش الفرنسي إلا أن ملأ الكهوف أولا بالدخان ثم سد مداخلها ببناء الجدران عليها ) !!!

ويتميز شعب الجزائر بروح المقاومة الجهادية لذلك ورغم الاضطهاد اللعين م المحتل الغاصب إلا أن المقاومة بدأت منذ وطئت أقدام الفرنسيين أرض الجزائر الذين اتخذوا من قصة المروحة الشهيرة ذريعة لاحتلال وغزوها عسكريا , غذ ادعت أن الداعي حاكم الجزائر قد أهان قنصل فرنسا سنة 1827م حين طالبه بدفع ثمن الحبوب والخيول والجلود والقروض المادية التي مضي على المماطلة في دفع ثمنها خمس وثلاثون سنة وزعمت أن الداي رمي القنصل بمروحة كانت في يده , فردت على هذه الإهانة المزعومة بتحريك الأسطول الفرنسي وفرض الحصار على الشواطئ الجزائرية ثم قامت بضرب مدينة الجزائر , وإنزال الجنود لحصارها من البر والبحر حتى اضطر الداي رغم المقاومة الباسلة إلى التسليم في 5 يوليو سنة 1830م .

ومع ذلك القهر المسلح لشعب الجزائر فقد قاد المقاومة المسلحة منذ أول يوم الأمير عبد القادر الجزائري ولمدة سبعة عشر عاما حتى اضطر إلى التسليم وقبول النفي الاختياري فاختار دمشق وظل بها حتى مات سنة 1883 م ولم تنقطع سلسلة المقاومة ومجاهدة العدو الغاصب وتوالت الثورات التي قادها نساء ورجال برزوا في تاريخ الجزائر الجهادي مثل الشهيدة المجاهدة لالا فاطمة سنة 1856م ومحمد المعتراني سنة 1290هـ / 1871م وثورة أولاد سيدي الشيخ سنة 1300هـ / 1881م ثم فترت إلى حين وحتى قبيل الحرب العالمية الأول وفي أعقابها استأنف الجهاد عدد من المثقفين والضباط وأسسوا اللجان الوطنية لتنظيم الجهاد وشكلوا وفدا لعرض القضية على مؤتمر الصلح بباريس وتأسست جمعة ( نجمة شمال إفريقيا ) سنة 1345هـ /1926م بزعامة مصالي الحاج , التي نادت بحق الجزائريين في تمل أراضهم ووجود برلمان يمثلهم واستخدام اللغة العربية في مناهج التعليم والدوائر الحكومية لكن قوة البطش المحتلة عملت على حل هذه الجمعية .

وهنا نصل إلى جمعية علماء المسلمين التي أنشأها الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1347هـ / 1928 م التي حافظت على هوية الجزائر الإسلامية ولغتها العربية وهي موضوع تفصيلنا ومن ثم فلنا معها وقفة ومع مؤسسها وقفات لنستلهم الدرس المستفاد ونقدمه كهدف تربوي يفيدفي بعث روح الجهاد بين الأجيال .

ولنبدأ في تحديد أهداف هذه الجمعية فنري الآتي :

1- بعث الروح الإسلامية وحمل لواء الجهاد ضد المحتلين الفرنسين .

2- توحيد جهود المسلمين في المغرب العربي تحت راية الإسلام لمقاومة المحتلين الفرنسين في الجزائر وتونس والإيطاليين في ليبيا والأسبان في المغرب .

3- نشر الوعي الديني والثقافي والسياسي بإنشاء المدارس الخاصة والاهتمام بتعليم اللغة العربي وإصدار الصحف وعقد الندوات وإلقاء المحاضرات.

4- تحريض الجزائريين على رفض الجنسية الفرنسية التي كانت تهدف فرنسا من ورائها إلى عزلهم عن أصول دينهم وثقافتهم .

5- وإذا أردنا أن نعرف المزيد عن جمعية علماء المسلمين بالجزائر ومنهاجها في مقاومة المحتل الغاصب , فلابد أن نقرأ سيرة مؤسسها بشئ من التأمل – ذلكم الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي ولد في قسطنطينة سنة1306هـ / 1887م وعاش حتى توفاه الله سنة 1359هـ 1940 م ويصل نسبه إلى المعز بن باديس الصنهاجي وإلى القيروان من قبل الفاطميين وسنجد أن نشأة الرجل القائد كانت نشأة دينية صحيحة فقد أتم دراسته في جامع الزيتونة بتونس ثم رحل عبد الحميد بن باديس إلى الحجاز الذي كانت الدعوة السلفية التي بثها الشيخ محمد بن عبد الوهاب قد ذاعت في شبه الجزيرة العربية فتشبع بأفكارها حين اتصل بشيوخها من أمثال الشيخ حمدان الونيسي المهاجر الجزائري والشيخ أحمد حسين الهندي وقد أشار عليه الشيخ الهندي بالعودة إلى وطنه الجزائر وخدمة الإسلام فيه قدر الجهد وخدمة اللغة العربية كذلك , وهنا يقول الشيخ ابن باديس :

( ورجعنا إلى الوطن بقصد خدمته فنحن لا نهاجر نحن حراس الإسلام والعربية والقومية في هذا الوطن ) ويعقب الدكتور محمد فتحي عثمان في كتابه : ( عبد الحميد بن باديس رائد الحركة الإسلامية في الجزائر المعاصرة ) على كلمة القومية بقوله ص 38( ولم تكن القومية في رأي ابن باديس إلا الحفاظ على شخصية الشعب الجزائري الإسلامية العربية أمام المحاولات الدائبة لفرنسته ) وهذا تعقيب هام حتى لا يظن القارئ المتعجل أن الشيخ رحمه الله أن يأخذ بمفهوم القومية العنصري وهو الذي تربي على الإسلام الذي ينبذ القومية العنصرية وهو الذي تربي على الإسلام الذي ينبذ القومية العرقية , والتي ذمها رسول الإسلام سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قائلا :" دعوها فإنها منتنة ".

ثم عاد ابن باديس إلى الجزائر سنة 1912 م وبدأ نشاطه بمفرده أول الأمر يعلم ويثقف ويخطب ويكتب في الصحف ويوثق علاقاته بذوي المكانة والعلم والرأي على مر السنوات وانتظم يلقي دروسه في الجامع الأخضر بقسطنطينية حتى تجمع حوله عدد كبير واستطاع أن يؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ( وقد حاول وأد تلك الجهود الدائبة في مستهل قيامها المفتي المولود بن موهوب الذي سعي لمنعه من التدريس بالجامع الكبير ولكن تمكن والد عبد الحميد بمكانته أن يستصدر إذنا لولده بالتعليم في الجامع الأخضر بقسطنطينية "

كما لم يغفل الشيخ عبد الحميد وسائل العصر في نشر دعوته وفي مقدمتها الصحافة فأصدر جريدة ( المنتقد) سنة 1345هـ / 1926م وشن فيها حملة على الأوضاع المخالفة للكتاب والسنة وعلى الطرق الصوفية الضالة لكنه لم يصدر منها سوي ثمانية عشر عددا.

كما كان قد شارك من قبل في تأسيس جريدة ( النجاح) لكنه تركها ليستقل بصحيفة يحررها دون مشاركة من أحد قد تحول بين تحقيق أهدافه أو تزحزحه عنها حتى إن سلطات الاحتلال تنبهت إلى خطورة أسلوبه المتميز في الكتابة والذي لم تعهد أن تقرأ مثل أفكاره التي ينشرها فمن عرفت من شيوخ الدين ولذلك قررت تعطيل ( المنتقد) بعد صدور ثمانية عشر عددا منها فأصدر مجلة الشهاب لتعبر عن أهدافه ومقاصده بأسلوب الحكمة التي يضمن لها الاستمرار , ويحميها من المصادرة والإيقاف .

هذا وقد اتخذ الشيخ عبد الحميد بن باديس القرآن الكريم والسنة المطهرة أساس للانطلاق بدعوته وكان ينشر في مجلة الشهاب دروس التفسير تحت عنوان ( مجالس التذكير في تفسير كلام العليم الخبير ) وفي ذلك يشهد له الشيخ محمد البشير الإبراهيمي خليفته على رئاسة جمعية العلماء فيقول عنه في مقدمة تفسير ابن باديس .

.... انتهت إمامة التفسير – بعد موت الشيخ محمد رشيد رضا تلميذ الشيخ محمد عبده وترجمان أفكاره – في العالم الإسلامي كله , إلى أخينا وصديقنا ومنشئ النهضة الإصلاحية العلية بالجزائر بل وبالشمال الإفريقي ( عبد الحميد بن باديس ) .

ومما يجدر ذكره أن جمعية المسلمين بالجزائر قد واكب إنشاؤها الاحتفال بمضي قرن على احتلال الجزائر ( فكان ذلك ردا عمليا على المحتفلين الذين كانت أصواتهم تردد ( الجزائر فرنسية ) وكان شعار العلماء المصلحين : ( الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا )

ولقد صور الأستاذ مسعود الندوي في مقال كتبه بالإنجليزية سنة 1371 هـ / 1951 م بعنوان :( الحركات الإسلامية المعاصرة ) جاء فيه :

عبد الحميد بن باديس دارس متعمق للقرآن والسنة , وباحث وكاتب بالعربية له موهبة الرأي المتزن وذو نزعة سلفية في الفقه والدين وهو من نفس المستوى والنوع الذي يدرج فيهما محمد عبده ورشيد رضا وعالما الشام عبد الرزاق البيطار وجمال الدين القاسمي .

وقد شق طريقه على نهج قويم وأصدر مجلة الشهاب أسبوعية أخري ( الصراط – الشريعة – السنة) وقد درست أى مسعود الندوي – بعضا من هذه الصحف وأقرر بلا تردد أنه بالنسبة لهذا اللون من الصحافة يمكن أن نضع صحف الجزائر الإسلامية الصادرة في ذلك الوقت في مصاف أرقي مجلاتنا وإلى جانب الكتابة عمل ابن باديس على افتتاح شبكة من المدارس الابتدائية وكان هو بنفسه يقوم بالتدريس في قسطنطينة وقد حمل إخوانه وتلاميذ دعوته إلى كل زاوية وركن من البلاد وإن كان المتصوفة والعلماء المفسدون لم يألوا جهدا في وضع العراقيل وتعويق تقدمه وتأسست ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ) لتسير على هذا النهج ومن يوم مولدها والحكومة الاستعمارية الفرنسية لا تطيق وجودها وكذلك جهلة المتصوفة واستمرت دسائس الخصوم جني وفاة ذلك المجاهد العظيم في 1359هـ 1940 م ولكن غياب جسده عن مسرح الأحداث في الجزائر لم يكن يعني توقف الحركة التي بدأها فقد سارت في طريقها ( انتهي )

ومما يذكر أن ابن باديس وجماعته قد تعرضوا لسلسلة من مكائد أصحاب الطرق وحماتهم من المحتلين ومثال ذلك تلفيق التهم وإلصاق كل فتنة بدعاة الإصلاح بل ومحاولات الاغتيال مثل التي حدثت للشيخ ابن باديس نفسه وهو عائد من درس التفسير ليلا إذ هم أحد الجناة باغتياله لكنه شعر به فاستغاث وتجمع الناس حوله وتمكن من إلقاء القبض عليه قبل إتمام الجريمة فسجل الشعراء ذلك الموقف المشرف له .

حمتك يد المولي وكنت بها أولي
فيالك من شخ حمته يد المولي

وقد أدركت فرنسا خطورة ابن باديس , والجمعية التي أسسها والخط الفكري الذي ينشره في مجلته الشهاب حيث ينادي بمقاومة التغريب والتجزية والتجنيس ومطاردة الاحتلال ورأت أن ذلك سيعجل في يقظة الأمة الجزائرية إن لم تكن قد استيقظت بعد لذلك ظلت تنظر إلى ابن باديس في قلق بالغ وكانت تستدعيه لتحقق معه بين آن وآخر كما تحول بينه بين التنقل بين القري والمدن ولكنه كان لا يلبث أن يردد كلمته الخالدة : ( إن لنا فكرة معروفة ولن نحيد عنها ) .

ومما يؤكد صلابة ابن باديس ورسوخ دعوته قوله ( تستطيع الظروف أن تكفينا ولكنها لا تستطيع أن تقهرنا ) ومن مواقف ابن باديس الشجاعة أن دعا لمقاطعة الاحتفال الفرنسي بمرور مائة عام على احتلال فرنسا للجزائر وأصدر بيانا أعلن فيه صراحة وبكل جرأة أن هذا العمل خيانة للبلاد وحينئذ عجزت فرنسا من أن تجد من يعاونها في هذا العمل فانصرفت عنه .

وعاش ابن باديس حياته شبيها بجمال الدين الأفغاني , فلم ينجب أولادا , ولم يشغل نفسه بشئون الأسرة فقد كانت دعوته تملك عليه كل وقته وقلبه وقد عبر عن ذلك بقوله : ( إنني لن أنجب أودا ومع ذلك فأنا أب لأن كل الجزائريين أبنائي ) !!

ولعل أصدق صورة لدعوته ال تحرك بها من خلال جمعية العلماء ما أفصح عنه بقوله : ( إننا نريد نهضة شعبية قوية تجلي شخصية الشعب الجزائري وتكشف له عن مجد الماضي بما نير له طريق الحياة من جديد ..

نريد انقلابا جزائريا يرتكز على إعداد نشء صالح تتمثل فيه عبقرية الجدود فتنهض نهضة إسلامية عربية تأخذ من عظمة الماضي ويقظة الحاضر ما يعصمها من الزلل والانحراف وهي تسير في طريق المستقبل الباسم )

وكذلك قوله : ( لمن أعيس ؟ أعيس للإسلام والجزائر )!!

أما خطابه التاريخي في جمعية العلماء سنة 1356هـ / 1937م فيمثل الأبعاد الحقيقية لدعوته :

إذ يقول : ( جوربت فيكم العروبة : حتى ظن أنه قد مات منكم عرقها ومسخ فيكم نطقها فجئتم بعد قرن تصدح بلا بلكم بأشعارها ويهدر خطباؤكم بشقاشيقها فتدك الحصون والمعاقل ويهز كتابكم أقلامها فتصيب المفاصل .

وحورب فيكم الإسلام حتى ظن أنه قد طمست أمامكم معالمه وانتزعت عقائده ومكارمه فجئتم بعد قرن ترفعون علم التوحيد وتنشرون من الإصلاح لواء التجديد وتدعون إلى الإسلام كما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم وكما يرضي الله لا كما حرفه الجاهلون وشوهه الدجالون ورضه أعداؤه .

وحورب فيكم العلم حتى ظن أن قد رضيتم بالجهالة وأخلدتم للنذالة ونسيتم كل علم إلا بما يخرج لكم بما هو أضر من الجهل عليكم فجئتم بعد قرن ترفعون للعلم بناء شامخا وتشيدون له صرحا سامقا .

فأسستم على قواعد الإسلام والعروبة والعلم والفضيلة جمعيتكم ( جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ) .

وحوربت فيكم الفضيلة ورميتم بالصغار حتى ظن أن قد زالت منكم المروءة أو النجدة وفارقتم العزة والكرامة فارتضيتم الضيم , ورضيتم الخسف .. فجئتم بعد قرن تنفضون غبار الذل وتهزهرون أسس الظلم وتهمهمون همهمة الكريم المحنق وتزمجرون زمجرة العزيز المهان , وتطالبون مطالبة من يعرف أن له حقا لابد أن يعطاه ويأخذه .

نهضنا بعد أن صهرتنا نار الفتنة وآلمتنا حوادث الزمان وقارعتنا الخطوب ودافعتنا الأيام ودافعنها ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) هكذا في الأصل – ( وفي سورة الحج الآية 40)

( ولولا دفع الله الناس بعضهم بعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز )

نعم نهضتنا بعد قرن : بعد ما متتنا وقبرنا وأحيينا وبعثنا سنة كونية فقهناها من القرآن ونعمة ربانية تلقيناها من الملك الديان ( ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم ) ( أو كالذي مر على قرية ) .

نعم نهضتنا نهضة بنينا على الدين أركانها فكانت سلاما على البشرية لا يخشاها والله النصراني لنصرانيته ولا اليهودي ليهوديته ولا المجوسي لمجوسيته ولكن يجب أن يخشاها الظالم لظلمه والخائن لخيانته .

والعروبة والإسلام والعلم والفضيلة هذه أركان نهضتنا وأركان جمعية العلماء التي هي مبعث حياتنا ورمز نهضتنا فما زالت هذه الجمعية منذ كانت تفقهنا في الدين وتعلمنا اللغة وتنبرنا بالعلم تحلينا بالأخلاق الإسلامية وتحفظ علينا جنسيتنا وقوميتنا وتربطنا بوطننا الإسلامي الصادق ولم يزل كذلك بإذن الله .

عرفت الأمم من تاريخها لا تنهض إلا على صوت علمائها فهو الذي يحل الأفكار من عقالها ويزيل عن الأبصار غشاوتها ويبعث الهمم من مراقدها ويدفع بالأمم إلى التقدم في جميع نواحي الحياة..!!

وما كانت جمعية العلماء حتى العلماء القرآنيون الذين فقهوا الدين بفقه القرآن وعرفوا الدين الأقوم بمعرفة سنة محمد صلي الله عليه وسلم وهدوا واهتدوا بما كان عليه السلف الصالح ورجال الدين العظام ..

إن الإسلام عقد اجتماعي عام فيه جميع ما يحتاج إليه الإنسان في جميع نواحي الحياة لسعادته ورقية وقد دلت تجارب الحياة كثيرا من علماء الأمم المتمدنة على أن لا نجاة للعالم مما هو فيه إلا بإصلاح عام على مبادئ الإسلام فالمسلم الفقيه في الإسلام غني به عن كل مذهب من مذاهب الحياة .

فليس للجمعية إذن نسبة إلا الإسلام وبالإسلام وحده تبقي سائرة في طريق سعادة الجزائر لا نوالي الأحزاب ولكنا ننصر الحق والعدل والخير ونقاوم الباطل والظلم والشر محتفظين بشخصيتنا ومبادئنا ) ( انتهي ) نقلا عن : تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلاميأنور الجندي ) .

والحق أن تطلعات ابن باديس السياسية كانت مرتبطة ومرتكزة على الإصلاح العقيدي الفكري المتمثل في الحفاظ على شخصية الجزائر الإسلامية العربية وتنمية هذه الشخصية وإنهاضها حتى تأخذ مكانها في العالم الحر المعاصر .

وقد أجاد الدكتور محمد فتحي عثمان وهو يتحدث عن ابن باديس في ضوء المقارنة بينه وبين محمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا وجمال الدين الأفغاني فيأتي بالنشابه ونقاط الالتقاء ويقف عند الخصائص المميزة لكل مصلح وداعية منهم فيقول عن ابن باديس في كتابه المسمي باسمه ..

( وقد استعان ابن باديس – في حكمة وتوفيق – بأدوات عصره لتحقيق أهدافه الجليلة من ( الصحافة ) إلى ( الجماعة *) إلى ( المدرسة ) مستندا إلى الذخيرة التي لا تنفذ ولا تنقطع ثمارها وآثارها ( القرآن الكريم ) من جهة ( والمسجد ) من جهة أخري .

ولقد كانت خطة بان باديس في إصلاحه الثقافي التعليمي الاجتماعي بحق " عملا وطنيا سياسيا " عميق الجذور واسع النطاق طويل المدى .

ويمضي قائلا :

( وعي ابن باديس أراه دعاة الإصلاح الذين سبقوه ولا سيما جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأيقن أن طبيعة الواقع الجزائري وتسلط الاستعمار الفرنسي القاهر سوف يجعله في نهجه أقرب إلى ما آثره محمد عبده من الفكر والإرشاد والتربية والتعليم ... لكن ابن باديس كان ( حركيا شعبيا ) في دعوته الإصلاحية يؤثر العمل بين الجماهير الأمية الساذجة , ويحدثهم بما يفهمون في المساجد والمجامع وبينما يخاطب المتعلمين بقلمه في صحافته وينشئ المدارس متطلع إلى جيل قادم ومؤمن مستنير في المستقبل نراه لا يغفل الحاضر القائم ويحرض على عدم الانجراف في تيارات السياسة الغاتية في صراع غير متكافئ أو في وقت غير موات لكنه لا يتقوقع ولا ينكل إذا كان لابد من مواجهة الأعاصير الهوج وكان ذلك ضروريا وممكنا وكان يري في جهوده البناءة في تدعيم الشخصية الجزائرية العربية خير ظهير للمطالبة بحقوقه السياسية ويري في العمل لنيل هذه الحقوق السياسية المهضومة وتأييد الساسة العاملين لذلك خير تأكيد للمقومات الإسلامية العربية لهذا الشعب .

هذا ويمكن لنا أن نلحظ حرص ابن باديس على بلورة مفهوم ( الشخصية الجزائرية ) المتميزة على أساس أصوله الإسلامية العربية في ذلك الشعار الذي جعله لصحيفة ( المنتقد) التي أشرنا إليها سابقا إذ هو ( الحق فوق كل أحد , والوطن قبل كل شئ ) وكان يردد دائما ( نحن الجزائر وما الجزائر إلا الجزائريون ) و( العروبة والعربية ) عنده ملتحمتان مع الإسلام لا تنفكان عنه وحاجز متين يحول دون التذويب الثقافي الذي نستخدمه فرنسا ليظاهر الإدماج السياسي .

وكان إصرار ابن باديس كبيرا في نشر التعليم الإسلامي اللغة العربية كسبيل أكيد ووحيد للحفاظ على الشخصية الجزائرية وقد أدركت ذلك فرنسا فأصدرت ( قانونا في مارس 1357هـ /1939م يقضي بإلزام كل معلم باستصدار ترخيص بذلك وإلا تعرض للغرامة والسجن ) .

وقد ندد بهم ابن باديس وكشف خطتهم الشيطانية في عزل الجزائر عن هويتها الإسلامية وعروبتها فكتب مقالا بعد شهر من صدور هذا القانون الظالم نشر في مجلة البصائر سنة 1357هـ / 1938 م جاء فيه ( ... أعداء الأمة الجزائرية يجمعون أمرهم , ويدبرون كيدهم فيستصدرون من الحكومة قرارا وزاريا بعقوبات صارمة على التعليم , ليهدموا الشخصية الإسلامية من أصلها , وليقضوا عليها بالقضاء على مادة حياتها , .... علموا أن لا بقاء للإسلام إلا بتعليم عقائده وأخلاقه وآدابه وأحكامه , وأن لا تعليم له إلا بتعليم لغته فناصبوا تعليمها العداء وتعرضوا لمن يتعاطي تعليمها بالمكروه والبلاء فمضت سنوات في غلق المكاتب القرآنية ومكاتب التعليم الديني العربي والضن بالرخص واسترجاع بعضها حتى لم يبقوا منها إلا على أقل القليل ولما رأوا تصميم الأمة على تعلم قرآنها ودينها ولغة دينها واستبسال كثير من المعلمين في القيام بواجبهم واستمرارهم على التعليم رغم التهديد والوعيد ورغم الزجر والتغريم – لما رأوا هذا كله سعوا سعيهم حتى استصدروا قانون العقاب الرهيب ..

فهمت الأمة هذا الكيد والشر المدبر لدينها وقرآنها ولغة قرآنها ودينها والناطقة في الدفاع عنها في هذه الناحية بلسانها والمعاهدة لله وللأمة على ذلك الدفاع إلى آخر رمق من حياتها وسنمضي بعون الله في طريق تعليم ديننا ولغتنا رغم كل ما يصيبنا ... وإننا على يقين من أن العاقبة وإن طال البلاء لنا وإن النصر سيكون حيلفنا لأننا قد عرفنا إيمانا وشاهدنا عيانا أن الإسلام والعربية قد قضي الله بخلودهما ولو اجتمع كلهم على محاربتنا ) .

ولعل من أبرز ما التفت إليه ابن باديس في حركته الإصلاحية الإسلامية التعليمية السياسية الاجتماعية أنه حرص على وحدة الشعب الجزائري من عرب وبربر . فقد كانت توقيعات مقالاته تحمل اسم ( الصنهاجي ) فكتب ذات مرة مقالا بعنوان : ( ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان ) .

ومن أقواله في هذا المجال: ( إن أبناء العرب وأبناء مازيغ قد وحد بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنا, ثم دأبت تلك القرون تمزج بينهم في الشدة والرخاء حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا وأمة الجزائر وأبوه الإسلام .

وقد كتب أبناء يعرب , وأبناء مازيغ آيات اتحادهم على صفحات هذه القرون بما أراقوا من دمائهم لإعلاء كلمة الله وما أسالوا من محابرهم لخدمة العلم فأى قوة في العالم تستطيع أن تفرقهم لولا الظنون الكواذب والأماني الخوادع؟

يا عجبا لم يتفرقوا وهم الأقوياء فكيف يتفرقون وغيرهم القوي ؟ كلا والله بل لا تزيد كل محاول للتفريق بينهم إلا شدة في اتحادهم وقوة رابطتهم – ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم الإسلام له حارس والله عليه وكيل ) .

كما لم يفته أن يحرص على تأكيد العلاقات الطيبة بين المسلمين وغيرهم في الوطن الجزائري قولا وعملا .

وبعد فلعلنا نكون قد أوضحنا شيئا عن جماعة العلماء المسلمين بالجزائر من خلال شخصية الشيخ عبد الحميد بن باديس مؤسسها ومنشئها ولسان حالها .

ولعل أفضل ما نختم به هذا البحث هو قطوف من أقواله التي سرت بين الناس مضرب الأمثال والتي كان لها أكبر الأثر في استمرارها وبذر بذور روح الجهاد التي بزغت مع سنة 1954م هذه الثورة التي عرفت باسم ثورة المليون شهيد والتي ما توقفت حتي حصلت الجزائر الخالية من الأخطار لا تساوي شيئا .

( من رام أن يحول بيننا وبين فكرتنا التي نؤمن بها فقد حاول عبثا قلب الحقائق فلن نتزحزح عن الفكرة قيد شعره مهما طال سيل الكوارث على أمة لها ما لشعب الجزائر من الصفات المرغوبة فيها الكامنة كمون النور في الكهرباء ).

( أنا أحارب الاستعمار بالعلم ومتى انتشر التعليم في أرض أجدبت على الاستعمار وشعر في النهاية بسوء المصير ) وكان يردد دائما ( اللغة هي القوة ) .

( إن هذه الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا ولا يمكن أن تكون فرنسا ولا تريد أن تصير فرنسا ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها وفي أخلاقها وفي عنصرها وفي دينها ولا تريد أن تندمج ولها وطن محدود معين هو الوطن الجزائري )

( إن لنا فكرة معروفة ولن نحيد عنها )

( السعادة هي التضحية , هذه أمة – يقصد الجزائريين أخذت تقدم الضحايا في سبيل سعادتها )

( تستطيع الظروف أن تكفينا لكنها لا تستطيع أن تقهرنا )

(ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان ) ( سنن الكون نافذة , لا تخلف , والويل لمن قعد أو تقاعس )

وإن الدارس لشخصية ابن باديس ليجد فيها مواهب متعددة وطاقات هائلة وظفها جميعها في سبيل نشر دعوته حتى فجرت طاقات الثورة بعد ذلك وأكدت الهوية الإسلامية واللغة العربية بين أرجاء محاولات الفرنسية الملحة والضاغطة والذي لم نكشف عنه حتى الآن رغم اقتباسنا الكثير من أقواله التي تحدد ملامح شخصيته ومنهاج دعوته فيقول :

شعب الجزائر مسلم
وإلي العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله ؟
أو قال مات فقد كذب
أو رام إدماجا لأه
وخض الخطوب ولا تهب
وأذق نفوس الظالمين
السم يمزج بالرهب
واخلع جذور الخائنين
فمنهم كل العطب
واهزز نفوس اليائسين
فلربما حيا الخشب
من كان يبغي ودنا
فعلي الكرامة والرحب
أو كان يبغي ذلنا
فله المهانة والحرب
هذا نظام حياتنا
بالنور خط وباللهب
حتي يعود لشعبنا
من مجده ما قد ذهب
هذا لكم عهدي به
حتى أوسد في التراب
فإذا هلكت فصحيتي
تحيا الجزائر والعرب !!

خاتمة :

هذه هي جمعية علماء المسلمين الجزائريين وهذا هو الشيخ عبد الحميد بن باديس مريبها ومرشدها عرضنا الكثير من الأفكار والمبادئ من بين ثنايا الأقوال والكلمات فلعلها تكون قادرة على تبيان ما كنت حريصا عليه من تبيان معالم هذه الشخصية المضيئة في حياة الجزائر بل وفي حياة الوطن العربي وضمير العالم الإسلامي وما ذاك إلا لأن كثيرا من الأعلام المسلمين المعاصري قد لحقهم النسيان وراج حولهم التعتيم عن قصد لأنهم بحق كانوا منارات هدي يستضاء بنورهم في مسيرة الحياة ومحاولة البعض الإسلامي المرتقب .

فمع بان باديس الداعية المصلح والسياسي الناجح عشنا بعض الوقت آملين أن تكون قد حلفنا حول سيرته الذاتية بما يفيد وينفع إن شاء الله .

وسوف نعيش كذلك مع بطل مجاهد هو عز الدين القسام أبو الفدائيين في فلسطين في الصفحات التالية من هذا البحث إن شاء الله . ( تبصرة وذكري لكل عبد منيب ).

عز الدين القسام والثورة ضد الانتداب البريطاني بفلسطين ( الحركة الجهادية )

" هذا جهاد ... نصر أو استشهاد "

" القساميون "

القسام هذا الفلاح الذكي والشيخ الوقور النبيل والمقاتل المفكر النموذج فهو يغني عن كل تكريم أو تكريس يكفي أنه في العشرينات من هذا القرن .

استطاع أن يكرس الدين ثورة على الظلم والقهر الاستبداد كما كان في الأصل ويكفيه في تلك الأيام الغوابر أنه استطاع أن يؤكد حقيقة الثورة العربية الناصعة وبشكل عفوي وصادق .

ويوم ضمت جماعته السوري والمصري والفلسطيني ويوم ضمت أناسا من كافة الطوائف الدينية دون تفريق ... أناس لا يجمع بينهم إلا الإيمان بالحق والعدل والثورة على الظلم والطغيان .

القسام , الثائر النموذج ... حبذا لو نهتدي بهديه ونتأثر بخطاه نجعله نبراسا ومنارة لنا في الربع الأخير من القرن العشرين هذا .. خصوصا والثورة العربية تتمخض عن آفاق جديدة ومعالم جديدة وصورة قشيبة للمستقبل العربي ) .

هذه السطور هي آخر ما جاء بكتاب ( أبطال العرب – العدد 17 – عن عز الدين القسام – أبو الفدائيين العرب )

ومهما يكن من أمر ملاحظاتنا على ما جاء بهذه السطور حول ضرورة التمايز في الصفوف ورفع راية الإسلام تظلل الجهاد ضد الظلم وليست راية العروبة !!

فإن هذه الطور تبقي شهادة طيبة للرجل صيغت كأنها صورة قلميه للشيخ الشهيد وهي اعتراف صريح بما للإسلام من قوة هائلة في بعض روح التضحية والفداء بين بنيه .

لذلك أردت أن أجعلها في مقدمة السيرة الذاتية للقسام حتي لا تتواري بين السطور نظرا لأهمية محتواها ودلالتها .

وعز الدين القسام سوري المولد مصري النشاة فلسطيني الجهاد ولد سنة 1290هـ / 1871 م واستشهد في معركة غير متكافئة برصاص الانجليز في نوفمبر سنة 1354هـ / 1934 م وهو اسم لا مع في تاريخ الجهاد الفلسطيني وهو الشيخ الأزهري الذي استطاع أن ينظم العمل الجهادي وأن يقود حركة المقاومة المسلحة ضد الانجليز على أرض فلسطين المباركة بل واستطاع أن يرسم الخطط غاية الدقة في تشكيل ما يمكن أن نسميه تنظيما سريا بالغ الإحكام ليقود العمل الجهادي ضد الأعداء وكان من سريته أنه لم يطلق هو نفسه على أنفسهم أى جماعتهم اسما بذاته لذلك تعددت الأسماء حول هذه الفئة المؤمنة فمن قائل بأنها ( عصبة القسام , وآخر يسميهم بالقساميين , وفريق ثالث يصفهم بالجهاديين ) ... وأيا كانت هذه المسميات فهي لا تفيد إلا في تميزهم عن غيرهم إذا ما كان الحديث مشتركا بين عدد من الحركات الجهادية على نحو ما عرضنا من قبل في هذا البحث وذكرنا منهم ( الموحدين ) الأنصار , الدراويش , جماعة العلماء , وهؤلاء بالمجاهدين ) وهو الاسم الأقرب لأن يوصف به القساميون , إن شعارهم هو : ( هذا جهاد... نصر أو استشهاد)

وكم هو قريب ذلك الشعار من الفهم القرآني لقوله تعالي : " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون , قل هل تربصون بنا إلا احدي الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأدينا فتربصوا إنا معكم متربصون ) ( التوبة الآيات : 51-52)

ولم لا وهو الطالب الأزهري الذي درس في الأزهر الشريف وكان من تلاميذ الشيخ محمد عبده وهو سليل أسرة في جبلة الأدهمية من اللاذقية وكان والده شيخ الزاوية في مدينته معلما ومربيا ومرشدا وفي هذه البيئة الإسلامية ترعرع عز الدين القسام ونشأ ولما عاد من القاهرة إلى بلدة عمل مدرسا حتى انتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1337هـ / 1918م فإذا بالفرنسيين ينزلون بسوريا محتلين بعد أن وجه الجنرال غور والقائد الفرنسي إنذار شديد اللهجة إلى فيصل بن الشريف حسين أمير مكة الذي كان قد قاد الثورة العربية سنة 1325هـ / 1916 ضد العثمانيين ودخل دمشق منتصرا سنة 1337هـ / 1918 وذلك تأييدا – للأسف – للحلفاء في حربهم العالمية الأولي ( 1323هـ 1914م – 1337هـ /1918 م ضد الأتراك تحت وعود الإنجليز البراقة والتي عرفت في التاريخ باسم ( رسائل حسين / مكماهون سنة 1334هـ /1915م) لكن ما أن وضعت الحرب العالمية أوزارها – إلا ونكثت إنجلترا بوعودها للعرب بل وإمعانا ف يخطها المعادي للعرب والإسلام أصدرت قرارها المشئوم في سان ريمو سنة 1339هـ/ 1339هـ بالانتداب الانجليزي على العراق وفلسطين والأردن والانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان والأسوأ من ذلك الأفدح أصدر وزير خارجية بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين .

ونعود إلى القسام بعد هذه الاستطرادة التاريخية التي نعتقد أنها ضرورية لتوضيح مسار الحديث سيما وأننا انتقلنا إلى ثورة السوريين ضد الفرنسيين واليت شارك فيها عز الدين القسام سنة 1339 هـ / 1920 مع المجاهد صالح العلي ف يجيل العلويين .

ولعل فرنسا أدركت من خلال أجهزتها الاستطلاعية مدي ما يمكن أن يكون للقسام من نفوذ وتأثير لى غيره فحاولت عزلة عن حركة المجتمع السوري الغاضبة على الاحتلال الفرنسي الذي داهمهم على غير توقع وفرضت عليه منصب القضاء لكنه رفض ذلك وأعلن أن الجهاد أصبح واجبا – أى فرض عين – ضد الفرنسيين وجاهد كذلك إلى جوار الثوار الذين تزعمهم عمر البيطار .

ومما هو جدير بالذكر أن المعارك الجهادية الثورية قد استمرت على أرض سوريا وفي كافة أنحائها عاما ونصف عام ظهر فيها أبطال من مثل إبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش في جبل الدروز ومن قبل روي يوسف العظمة ثري سوريا بدمائه حيث سقط شهيدا في معركة ميسولون الشهيرة غداة تصديه لقوات الاحتلال الفرنسي الزاحفة نحو دمشق .

وكان جزاء عز الدين القسام الذي ألهب الحماس الجهادي وشارك فيه وجزاء رفضه منصب القضاء الذي عرضه عليه الفرنسيون أن صدر ضده حكم الإعدام من قبل الديوان العرفي !!

وهنا غادر القسام دمشق إلى حيفا التي وصلها في 1341هـ /5/2/ 1922 م ومعه عدد من إخوة الجهاد وشاءت الأقدار أن يكون القسام أبو الفدائيين العرب في فلسطين والداعي إلى الجهاد المسلح لتحرير فلسطين .

وواتته الفرصة , إذ عمل بمدرسة حيفا الإسلامية وخطيبا في جامع الاستقلال بها , ولم تمض فترة طويلة إلا وأصبح القسام رئيسا لجمعية الشباب المسلمين العرب فيها .

ولم يقف أمره عند الدعوة إلى الجهاد بل حمل اللواء وشارك مع من آمن بدعوته الجهادية حتى ظفر بالشهادة بطلا بعد أن رفض التسليم للقوة الإنجليزية التي حاصرته بعد إرشاد أحد الخونة عن مكانه وكان معه ثمانية من زملاء الجهاد في نوفمبر سنة 1353 هـ / 1934م وفي كل زمان خونة وجواسيس وما أخطر أن يحترق أى تنظيم بتسلل أحد الأشقياء ممن يبيعون أنفسهم للشيطان – إلى صفوفه وعادة لا يكون ذلك إلا بخطأ تنظيم مثل التساهل في التوثيق أو العجلة في التكوين , أو الرغبة في الكم أو حسن الظن عندما نقبل من يخدعنا بالله دون تمحيص وتثبيت ولا تبين وهذا ما ينبغي أن يلتفت إليه .

تأسيس عصبة القسام الجهادية

والحق أن دراسة تاريخ هذه الحركة الجهادية ونظمها وكيفية تأسيسها ليجعلنا نقف باحترام وإدراك لذلك الدور التنظيمي الذكي الذي قام به القسام لذلك سنفصل فيها بعض القول التماسا للعبرة وإدراكا للهدف ومحاولة للمقارنة لنستخرج القسمات المتشابهة بين الحركات الجهادية المعاصرة !!

أعتقد القسام بأنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا عن طريق الجهاد الإسلامي وهو اعتقاد نؤمن به ونوافقه عليه إذ لا مجال للحل السلمي على ما رحل وحول الموائد المستديرة أو المؤتمر الدولي الذي يلهث الكثيرون خلفه ولا حتى باللقاء المباشر بين العدو الصهيوني ومنظمة التحرير الفلسطينية فذلك كله ضياع للوقت والجهد وإعطاء إسرائيل الفرصة في إحكام قبضتها وإنماء استعداداتها والويل كل الويل لمن يخون الجهاد أو يغيبه عن الساحة فهو سنة الله الماضية إلى يوم القيامة وهو السبيل الوحيد والأمثل لإنقاذ الأقصي السليب وتحرير الأرض المباركة في فلسطين واستنفاذ أفغانستان المسلمة وغيرها .

نقول إن القسام قد اعتقد الجهاد الإسلامي هو السبيل لإخراج الانجليز من فلسطين لذلك نجده يضع مخططا تنظيميا من وحي إسلامه لتنظيم يقود العمل الجهادي ويختار أعضاءه من بين من كان مستعدا لأن يموت في سبيل الله من أجل تحرير بلد الأقصي ومن بين من هم مستعدون لأن ينفقوا من أموالهم تبرعا لشراء السلاح .

وصدق ربي حيث يقول : "انفروا خفافا وثقالا , وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون , لو كان عرضا قريبا أو سفرا قاصدا لأتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ) ( التوبة : 41-42)

الآن تمضي في التعريف بهذه العصبة الجهادية القسامية فنجد الآتي :

تثبت الشواهد أن القسام قد استمد أصول تنظيمه الجهادي من أعرق الحركات السرية في تاريخ المسلمين .

فقد قسم المجموعة إلى حلقات كل حلقة مؤلفة من أربعة أعضاء يقودهم نقيب يتصل مباشرة بالقيادة العليا .

كان أعضاء كل حلقة لا يعرفون بعضهم إلا بأسماء مستعارة حركية – وكان لقب الشيخ هو الغالب على تلك الجماعات التي بدأت تتكون في شمال فلسطين .

ما إن جاء عام 1349 هـ / 1930 م حتي بلغ أعضاء ( القساميون ) مائة عضو بخلاف الأنصار .

على العضو الذي ينتسب أن يمر بمراحل عدة في التدريب والتوجيه تمتد إلى ثلاث سنوات حتي يتم إعداده فكريا ونفسيا وعسكريا ثم يوقع بعد ذلك بأصابعه العشرة على قبول التضحية بروحه في سبيل القضية وأن يكتب وصيته سلفا – انتظارا للشهادة – ثم يقتني سلاحه على حسابه الخاص إذا لم تستطع الجماعة أن توفره له مع التأكيد على الانضباط الحركي واللفظي والأخلاق الكريمة إنها أساس الانتظام ودليل الالتزام .

كانت هذه العصبة الجهادية أو ذلك التنظيم يتشكل من أقسام خمسة أو وحدات خمس هي :

1- وحدة التسليح :

ومهمتها تأمين الأسلحة والذخائر بكل الوسائل الممكنة والتي لا تتعارض وأخلاقية الجماعة – وهنا نلاحظ الالتزام بالقاعدة الذهبية الغاية لشريفة تحققها وسيلة شريفة – ويرأسها الشيخ حسن الباير من قرية ( برقين ) والشيخ نمر لسعدي من ( غابة شفا عمرو) .

2- وحدة التدريب :

ويشرف عليها ضابط في الجيش العثماني لم يعرف عنه إلا اسمه الأول وكان ينادي بالشيخ جلادت .

3- وحدة المعلومات :

وكانت تهتم بأخبار الصهاينة في المستعمرات وخططهم السرية والاتفاقات التي تتم بينهم وبين السلطة الانجليزية الحاكمة وقد تمتعت هذه الوحدة بصلاحيات خاصة تخولها زج أعضائها - بعد تدريب وتمرين طويل في صفوف الصهاينة والبوليس وكل مكان يمكن أن يجمعوا منه معلومات تفيد الجماعة وكان يرأسها أحد أعوان القسام الموثوقين هو الشيخ ناجي أبو زيد .

4- وحدة الاتصالات السياسية :

ويشرف عليها اثنان الشيخ كامل القصاب والشيخ محمود سالم المخزومي .

5- وحدة الدعوة للثورة والتهيئة لها :

6- فكان يشرف عليها الشيخ عز الدين القسام بنفسه .

نظرات تحليلية من واقع تكوين عصبة القسام الجهادية :

1- كان رأي القسام أن الفقراء أكثر قدرة على المجالدة من المترفين وأنهم أكثر صبرا وقدرة على تحمل مشاق الثورة إذ أنه أكتوي بنار المترفين في الثورة السورية ورأي كيف أنهم – برغم منطلقاتهم الوطنية – سريعا ما يقبلون بمنطق المساومة وأنصاف الحلول أما الفقراء فيدفعون الثمن من قوتهم وحياتهم .

2- استثمر القسام حالة الأوضاع المتردية آنذاك للبدء في عمل ثوري جهادي فلا حقوق نقابية للعمال والأجور منخفضة والعيش في ضيق والاضطهاد مستمر فكان الحقد والنقمة والمرارة غذاءهم اليومي الذي لا يجدون له متنفسا إلى أن جاء القسام يحمل في خطبه وعظاته , توجيهات البشارة لهم بثورة قادمة تعيد الحق إلى نصابه وتطرد الإنجليز المحتلين .

3- كان القسام شديد الحذر في اختيار جماعته التي أطلق عليها فيما بعد اسم ( الجهادية )

4- اتبع فيه تنظيما هرميا على غاية الدقة يبدو أنهم استمدوا أصولهم من أعرق الحركات السرية عبر تاريخ المسلمين الطويل .

5- كان أهم ما يلاقيه القسام من عقبات , منذ بداياته , تأتيه عن طريق رجال الدين التقليديين إذ كانوا يخشون من اشتداد نفوذه من قدرته على تحويل مبادئ الدين النظرية إلى حقائق ناصعة تنقذ الوطن وتضئ للفقراء سبل الحق والعدل والثورة فينكشف قصورهم وينفض الناس من حولهم .

6- لم يشأ أن يقطع الصلة بعلماء الإسلام – خاصة التقليديين منهم – ولطالما حثهم على ترك محاربتهم أو تحويل تلك المحاريب إلى منابر للثورة والدعوة إلى طرد اليهود والإنجليز كما نادي بعدم تجويف الدين وجعله هياكل لا تمت إلى حقيقة الإسلام بصلة وأكثر ما كان يضايقه من رجال التقليديين إغراقهم في الحياة الدنيا , والتنعم بالملبس والمأكل والمشرب دون إحساس بما يجري حولهم من أحداث أو جرائم ترتكب في حق المسلمين ولم يكونوا يعيشون هموم المسلمين .

7- الجديد في ثورة القسام , أنه لم يقف عند الصالحين من أبناء الطبقة الفقيرة ,وإنما كان يؤمن أن جرأة المنحرف أو السارق أو القاتل , من الممكن أن تتحول إلى شجاعة وإلى ثورة حقيقية في نفسه إذا آمن بالله إيمانا صحيحا , وآمن بالجهاد في سبيل الله ومن هؤلاء حسين الباير الذي كان مسئولا عن وحدة التسليح وقد اعترف هو نفسه بأن مهنته السابقة كانت السرقة لكنه تاب وحسن سلوكه وصار من ابرز المجاهدين .

8- آمن القسام بالقيادة الجماعية , ولم يستأثر بالقيادة الفردية خشية الديكتاتورية وطلبا للمشورة فكانت قيادة جماعته من اثني عشر عضوا يشار إليهم باسم أعضاء الجمعية , وكان هؤلاء يتخذون جميع القرارات العليا بما فيها اغتيال الجواسيس والخونة إلا أن هذه القرارات الأخيرة كان لابد لها من أن ترفع إلى عالم ديني كي تصدر منه تحرزا .

9- أخذ القسام بالأسلوب التربوي على نمط الأرقم ابن أبي الأرقم فقسم الجماعة إلى مجموعات لا يزيد عدد كل منها على خمس ولكل منها نقيب .

10- اعتقد القسام بأن الأحزاب السياسية عبث ما لم تقم على الإيمان الصحيح وهو لم ينضم يوما إلى حزب ما ولم يكن محبا للزعامة أو الرئاسة ولا متلهفا على شهرة أو مجد بل كان ثائرا حقيقا وسيرة حياته تشهد بذلك .

أما أخلافه فقد كان حسن السلوك عف الذيل طاهر السيرة يأخذ نفسه بالشدة اللازمة .

القسام في ميدان الجهاد : عملية " يعبد ":

لم تكن عملية المجابهة المسلحة في يبعد العملية الفعلية الأولي لعصبة القسام إذ هي العملية الخامسة سبقتها أربع عمليات سرية أقضت مضاجع الإنجليز والصهاينة وتعرف العملية الأولي السرية بعملية ( نحلال) وكان ذلك في ليلة 22/ 12/ 1932 م 1351 هـ إذ ألقي القساميون قنبلة على منزل اليهودي ( يوسف يعقوبي ) وقد ثار اليهود لهذه الحادثة – وحولوها إلى موقف سياسي مضاد للقساميين إذ قتل اليعقوبي وابنه من جراء القنبلة وقاموا بمظاهرة سياسية يقودها رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية آنذاك ( آرلوزورف ) وأعلنت حكومة الانتداب عن مبلغ خمسمائة جنيه لمن يرشد عن مقترفي عملية ( نحلال ) ولكنهم لم يظفروا بأحد يدلهم عليهم .

وبعد ذلك قام ( الجهاديون ) بثلاث عمليات سرية أخري مماثلة فتوجهت أنظار البوليس إلى عز الدين القسام وزملائه وحينئذ كان القرار الشجاع إذ أعلن القسام عن ثورته وقرر الاعتصام بالجبال , وشن حرب فدائية على الانجليز والصهاينة في خريف سنة 1935م . ولكنها للأسف لم يقدر لها أن تستمر طويلا غذ انتهت بعملية يعبد الشهيرة التي استشهد فيها القسام وثلاثة من المجاهدين العشرة الذين كانوا معه وكم كان رائعا ومعبرا عن شخصية القسام ذلك الشيخ الشهيد , إذ وجدوه بعد المعركة مدرجا بدمائه بملابسه ومعه مصحف شريف ولم يعثروا معه على دفتر شيكات خاص بتمويل المنظمة , أو رقم حساب خاص بأحد المصارف السرية بإحدى دول أوروبا أو ولايات أمريكا ولكنهم وجدوا معه فقط أربعة عشر جنيها ومسدسا كبيرا كما ألقي البوليس القبض على أربعة من المجاهدين , ولرب قائل يقول إن عملية يعبد تلك التي راح ضحيتها الشيخ القسام وثلاثة من المجاهدين كانت عملية انتحارية إذ إن القوتين غير متكافئتين لا عددا ولا عدة فالمجاهدون عشرة بقيادة الشيخ وأسلحتهم بسيطة لا تزيد عن المسدسات والبنادق الأولية وبعض القنابل الحارقة أما العدو المتربص فيملك الطائرات التي يطلقها تبحث عن مواقعهم وكشفهم والعدد حدث عنه ولا حرج فهم يستطيعون أن يجندوا المئات من الأفراد الإنجليز بل واليهود والمعدات ما أكثرها عددا وتطورا ومع ذلك قرر الشيخ الثورة المسلمة, عندما وافق الجميع على الخروج من ضاحية ( الياجور ) مهما كانت النتائج ولم ينسحب من الحضور أحد بل إنهم استنكروا مجرد التفكير في الانسحاب عندما خيرهم الشيخ بين الانسحاب أو البدء في الثورة رغم علمهم بأن فرص النجاح ضئيلة وقبل أن نمضي فلابد أن يكون لنا وقفة عند هذا الموقف الصحيح .

فالرجال قد أعدوا ما استطاعوا من عدة وعقدوا النية على الجهاد والظفر بالشهادة وما عليهم أن تكون النتيجة التي هي من صنع الله وما أعظم الاستدلال من القرآن الكريم ولنقرأ سويا قول الحق تبارك وتعالي :

( فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اعترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلم جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ) البقرة 249-251

وفي المقابل علينا أن نتدبر قول الحق تبارك وتعالي في سورة التوبة :

( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله على المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين )التوبة 25 – 26

نعم ليس النصر بقلة ولا كثرة , ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) أل عمران : 126

والآيات في هذا الموضع كثيرة بما يمكن أن نستنتج منها مقومات النصر ضد العدو . ومن ذلك :

أولا : الإيمان والالتزام ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ( محمد : 7 )

ثانيا : النصرة من الله وحده ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ) ( أل عمران : 160)

ثالثا : اليقين بنصر الله ( من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ ) الحج 15)

رابعا : الدعاء وطلب النصر من الله ( ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) ( البقرة 250)

(رب انصرني بما كذبون ) (المؤمنون 39)

( رب انصرني على القوم المفسدين ) ( العنكبوت : 30)

خامسا : عدم البغي والعدوان ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) ( الشوري : 41 – 43)

وقوله سبحانه ( وما للظالمين من أنصار ) ( البقرة 270 ) وقوله ( والله أعلم بأعدائكم وكفي بالله وليا وكفي بالله نصيرا ) ( النساء : 45 )

سادسا : القتال تحت راية لا إله إلا الله ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ) ( الصافات : 171 -173 )

سابعا : الشكر على النصر , بلا خيلاء أو استعلاء ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) ( سورة النصر )

وبعد نعود إلى موضوعنا وهو القسام وعشرة من المجاهدين معه حين قرروا المواجهة المسلحة ضد الانجليز والصهاينة في خريف سنة 1935 م 1354 هـ وقاموا بعملية " يعبد" الشهيرة وهي تكاد تكن حالة فريدة في تاريخ الثورات المسلحة ضد الأعداء المحتلين والغاصبين .

ووضع الخطة بإحكام حيث يتم الزحف من القرى والجبال على حيفا على أن تبدأ بإلقاء الرعب في نفوس الانجليز وأعوانهم وذلك بأن يتولي شخص فدائي وضع إصبع ديناميت في سفينة إنجليزية تكون راسية على الميناء ثم القيام بعملية انقضاض على بيوت الانجليز لتأمين قدر ممكن من المتاع والمال والسلاح . ثم بداية المواجهة التي حدد ساعة البدء فيها ساعة من يوم 18 نوفمبر سنة 1354هـ / 1935 م مؤكدا لمن معه ( أنهم مقدمون على عملية فدائية فإن نجحت فذلك غاية ما يرتجون , وإلا كان لهم فضل تحريك وضع البلاد الراكد وإشعال نار الثورة والصمود مع جماهير الشعب التي أمست يائسة من أساليب الاحتجاج والإضراب وتوقيع العرائض .

واجتمع الرجال العشرة حول القسام في الزمان والمكان المحددين وكانت البداية تبادل الوصايا يقينا منهم أنهم سيلقون ربهم ظافرين بالشهادة ولنعرض هنا بعضا منها لأهمية دلالاتها :

أوصي أحدهم وكان من صعيد مصر ويدعي محمد حنفي فقال ( إذا كان لنا شرف الاستشهاد أرجو ألا ترسلوا جسدي إلى مصر ,وصيتي أن تواروا جثماني في ( الياجور ) ففلسطين هي وطني الآن , ولا فرق بين الصعيد والياجور ) .

وبالرغم من أن القسام كان يوصيهم بالحذر والسير فرادي متباعدين وألا يطلقوا النار إلا إذا اضطروا وليتحاشوا الجنود العرب ويسددوا رميتهم ضد الانجليز والصهاينة إلا أن عين الجاسوس أحمد عارف كانت ترقبهم فأسرع إلى المخابرات الإنجليزية وأخبرهم بتحريك الأبطال فأرسلوا في أثرهم قوة مؤلفة من خمسمائة 500 جندي محمولين على عربات مصفحة وجيب ومسلحين بالمدافع الرشاشة والهاون وترافقهم طائرة استكشاف من الجو .. وبعد مقدمات اضطرا فيها أحد الأبطال مناوشة دورية إنجليزية فأردي منهم جنديا انجليزيا قتيلا إذ ذاع خبر هذه المعركة الجانبية وبدأت المعركة البطولية وطلب القسام من جنده أن يقاتلوا حتى الشهادة ومن عجب أن البطل محمد الحنفي الذي قرأنا وصيته قبل قليل قد ظفر بالشهادة التي كان يتمناها وكان أول شهيد في المعركة الحاسمة .

وعندما نادي البوليس على الأبطال بالاستسلام رد عليهم القسام قائلا ( خسئتم إننا لن نستسلم .. إن هذا جهاد في سبيل الله والوطن ) وقال ( لو أردت المساومة لما غادرت سوريا ) !!

وكانت المعركة قصيرة إذ دامت ساعتين فقط , وحين انتهائها أسفرت المعركة عن استشهاد المجاهد الشهيد عز الدين القسام وثلاثة من المجاهدين معه , كما ألقي البوليس القبض على أربعة منهم .

وبعد استشهادهم بيومين , خرجت جنازتهم في حيفا 12 / 11/1935م / 1354وقد أعلن الإضراب العام في كل فلسطين وأصر الجهاديون ( القساميون) أن يدفن شهداؤهم الأربعة بثياب المعركة الملطخة بالدماء وهو هدي نبوي كريم يلق بأبعادا على إسلامية هذه العصبة المجاهدة , وقد شارك في وداعهم الحزين أكثر من عشرين ألفا . وكان ذلك اليوم بداية حقيقية للثورة التي انتفضت عام 1355هـ / 1936 م والتي شهدت فيها فلسطين أطول إضراب عرفه التاريخ إذ استمر لمدة ستة أشهر .

وهكذا فرض القسام باستشهاده هو ومن معه امتداد الثورة لا نهايتها فقد استمر القساميون عمليات أخري لم يكشف عنها في حينها بسبب السرية التي التزموا بها إلا أنهم فيما بعد اعترفوا بها واعترف بها التاريخ .

وهنا أتذكر عبارة تقوي هذا الاتجاه قالها الشهيد الشيخ سيد قطب ( إن كلماتنا تظل كعرائس الشمع , حتى إذا متنا في سبيلها وضحينا من أجلها دبت فيها الحياة وكتب لها الخلود ).

رحم الله القسام و( القساميون ) والشهداء في كل عصر وفي كل مكان وهكذا يكون الجهاد تحت راية لا إله إلا الله سبيلا للتحرير .


خاتمة

وبعد فهذه نماذج لثلاث حركات إسلامية جهادية حديثة تزامن في العمل واتحدت في الهدف وإن اختلفت في الوسيلة قدمناها في سرد تاريخي لأحداثها مع وقفات على محطات إجبارية وقفا عندها لنقدم العبرة منها , ونعقب عليها بما ينبغي التعقيب حتى تكون دراسة تاريخية تحليلية هادفة تفيد في مجال التربية والإعداد والتكوين وإقتداء واهتداء !!

والله أسأل أن أكون قد وقفت في العرض وأن يجد المربون فيها بعض ما يعينهم على صياغة أبناء هذا الجل صياغة جادة ترتفع إلى مستوي المسئولية الملقاة على كاهل ( أولي البقية ) التي تنهي عن الفساد والإفساد وتريد لشرع الله أن يحكم ولراية لا إله إلا الله أن ترتفع .... والله ولي التوفيق

صفوت منصور