قضية الفنية العسكرية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٧:٣٨، ١٤ يوليو ٢٠١٨ بواسطة Man89 (نقاش | مساهمات) (←‏الخلاصة)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قضية الفنية العسكرية 1974م حقيقتها.. صلة الإخوان بها

موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)


باحث تاريخي

الإخوان والعنف

الإخوان المسلمون جماعة إسلامية إصلاحية شاملة حيث تعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، تهدف إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل.

وأن منهج الإخوان يعتمد الدعوة والتربية والتزكية للأفراد والإصلاح الشامل للمجتمعات والنصح للحكومات والنضال الدستوري من أجل التغيير وتداول السلطة عبر صناديق الانتخابات، ولا يعتمد العنف كمنهج في التغيير.

يقول الأستاذ البنا:

" ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصون إلى أعماقها، ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها ويراد بها، فهم يعلمون أن أول درجات القوة قوة العقيدة والإيمان ويلي ذلك قوة الوحدة والارتباط ثم بعدها قوة الساعد والسلاح".

ويضيف

"ونظرة أخرى: هل أوصى الإسلام و القوة شعاره باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال، أم حدد لذلك حدوداً، واشترط شروطاً، ووجّه القوة توجيهاً محدوداً.

ويضيف في رسالة المؤتمر الخامس قوله:

أيها الإخوان المسلمون، وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم اسمعوها منى كلمة عالية داوية من فوق هذا المنبر فى مؤتمركم هذا الجامع إن طريقكم هذا مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، ولست مخالفًا هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقًا طويلة، ولكن ليس هناك غيرها، وإنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات.
ومن صبر معى حتى تنمو البذرة وتثبت الشجرة وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره فى ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة. (1)

ويقول الأستاذ محمد حامد أبو النصر:

"الإخوان قاموا لتحقيق الإسلام الصحيح بين الناس، والإسلام لا يقر الإرهاب كوسيلة لتحقيق اهدافه، ولا يتصور عاقل أن الإخوان يتحملون ما يتحملون من سجن وتعذيب وتقتيل، ويواصلون سيرهم رغم ذلك في سبيل الإسلام ودولته ثم يخالفون نهج الإسلام الذي لا يقر الإسلام.(2)

ويقول المستشار مأمون الهضيبي:

إن فكر الإخوان المسلمون يحرم الاعتداء على النفس البشرية ومن ثم فإن هذا الفكر المعتدل القائم على الوسطية لا بمكن أن يؤدي إلى تطرف، أو أن يخرج منه جماعات عنف أو إرهاب، كما يدعي البعض، والإخوان يحترمون ويعتقدون حرمة دم المسلم وغير المسلم ويعتبرونها حرمة ضخمة أمام الله سبحانه وتعالى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) (المائدة: 32).(3)

ولقد أصدر الإخوان المسلمين بيانات تدين العنف دائما، فقد أصدرت بيانا بشأن أحداث الكشح عام 2000م، كما أدانوا في بيان محاولة الاعتداء على الرئيس مبارك في إبريل 1995م.

بل أدنو موجات العنف في العالم حيث أدانوا استهداف الكنائس في العراق في أغسطس 2004م، كما أدانوا التفجيرات التي تعرضت لها أمريكا في سبتمبر 2005م، وأيضا تفجيرات الحسين في إبريل 2005م وغيرها من التفجيرات.

كما لا أجد خير من تصريح الرئيس مبارك نفسه لصحيفة لوموند الفرنسية أثناء زيارته لفرنسا عام 1993م، ونقلت الحديث صحيفة الأهرام المصرية في صفحتها الأولى في العدد رقم 39046 السنة 118 بتاريخ 1 نوفمبر 1993م الموافق 16 جمادى الأول 1414هـ حيث جاء في كلامه أن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسي على العنف وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات بعض النقابات مثل الأطباء والمهندسين والمحامين ...إلخ.

وهناك الكثير من الشهادات من غبر الإخوان تؤكد انتهاج جماعة الإخوان مبدأ التسامح في الدعوة، مثل الكاتب صلاح عيسى في جريدة الشروق القطرية في 7 مارس 1999م، وأيضا الصحفي القبطي موسى صبري في صحيفة الأخبار 28/ 5/ 1986م، والأستاذ مصطفى أمين في الأخبار 1987م وغيرهم.

العنف السياسي

في ظل تنامي التنافس بين مراكز قوى النظام وأجهزة الدولة الأمنية، أطلقت الشرطة العسكرية بتوجيه من مكتب عبد الحكيم عامر حملة موسعة النطاق لملاحقة نشاطات الإخوان المسلمين.

فوجئ الشعب المصري عام 1965م بحملة مداهمات من قبل البوليس والشرطة العسكرية تدق بيوت المصريين لتنتزع من أحضانها أحد رجالها أو شبابها أو نساءها دون معرفة سبب لذلك، غير أنهم علموا أن الاتهام الانضمام لتنظيم الإخوان المسلمين ومحاولة إحياءه مرة أخرى.

غير انه هذه المرة اعتقل عدد كبير من غير الإخوان، لأن القرار الذي اصدر عبدالناصر اعتقال كل من سبق اعتقاله.

زج بهؤلاء المعتقلين في السجون حيث زادوا عن الآلاف ولقوا من التعذيب ما لم يتخيله بشر، حتى أن أحد قادة الضباط الأحرار وهو حسين كمال الدين يرسل برسالة استغاثة لعبد الناصر يقول له فيها (اتق الله) من جراء ما علمه وسمعه من تعذيب.

شملت الاعتقالات الآلاف من الإخوان وأسرهم، وحوكموا أمام محكمة عسكرية ترأسها الفريق الدجوي والذي حكم على البعض بالإعدام والبعض بالسجن المشدد.

كانت هذه الأحكام قاسية خاصة أنها جاءت بعد فترة كبيرة من التعذيب وانتهاك الحرمات والأعراض داخل السجون والمعتقلات، فزاد من حنك وغضب الشباب خاصة الذين كانوا يتوسمون الخير ولا يدركون انه على وجه من يفعل ذلك.

تأثر بعض الشباب بما جرى لهم من تعذيب، وازداد الأمر سواء بعد هزيمة مصر على يدي الصهاينة في حرب يونيو عام 1967م، حيث كانت هزيمة على كل المستويات، هزيمة عسكرية ومعنوية طالت إحساس العرب بالكرامة، بعدها أطلق الشباب العنان لفكرهم فكفروا من قاموا بتعذيبهم وبدأت الدائرة تتسع شيئا فشيئا حتى كفروا المجتمع.

تصدى الإخوان داخل السجون لهذا الفكر المعوج، مما اضطر بعض الشباب للبعد عن الإخوان ومجالسهم وبدأوا يكونون مجموعات خاصة بهم.

بعدما رحل عبدالناصر وحكم السادات واجه منذ توليه مجموعة يسارية في جسم النظام المصري حاولت تحويله إلى رهينة لديها، حتى تخلص منهم في مايو 1971م.(4)

تحرك شباب الجماعات ليكونوا الحركات الإسلامية سواء الوسطية أو المتطرفة، فظهر تنظيم الجهاد بقيادة علوي مصطفى عام 1973م، وانضم له الرائد عصام القمري (الذي اشترك في اغتيال السادات عام 1981م).

كما نشأ تنظيم صالح سرية (الفنية العسكرية) وانضم له حسن الهلاوي وذلك عام 1973م.

نشا تنظيم يقوده يحيي هاشم (وكيل نيابة) عام 1975م حيث حاولوا اقتحام السجن الموجود به صالح سرية.

في عام 1977م ظهر تنظيم التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى، كما نشأ جماعة الجهاد الإسلامي عام 1979م من ثلاث مجموعات الأولى بقيادة محمد عبدالسلام فرج وعبود الزمر والثانية بقيادة ناجح إبراهيم وكرم زهدي وفؤاد الدواليبي والثالثة بقيادة سالم الرحال وتولى كمال حبيب القيادة خلفا له.(5)

صالح سرية

صالح عبد الله سرية, أردني من أصل فلسطيني, ولد فى حيفا, وأكمل دراسته الابتدائية بها, وبعد نكبة 1948 هاجر مع أسرته إلى العراق, وأكمل دراسته الثانوية هناك, ودخل كلية الشريعة بجامعة بغداد بوساطة مباشرة من مرشد جماعة الإخوان المسلمين في العراق والتي كان قد انتمى إليها, وكان من العناصر النشطة فيها.

وأسس مجموعة فلسطينية بالعراق سماها"جبهة التحرير الفلسطينية" واستمر نشاطه متصاعدا حتى قيام ثورة 1958 بقيادة عبد الكريم قاسم, وبعد حدوث خلاف بين قاسم والإخوان لجأ إلى العمل السري, وقام بعدة عمليات ضد اليهود, وحاول التقرب من عبد السلام عارف بعد انقلابه على قاسم.

وبعد أن أتهم بالاشتراك فى محاولة اغتيال أحمد حسن البكر , فرّ إلى سوريا, فالأردن وأرتبط بحزب التحرير الإسلامي بعض الوقت الذى أسسه "تقى الدين النبهانى عام 1950, ثم جاء إلى مصر عام 1971 وحصل على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس عام 1972, وعمل بمنظمة التربية والثقافة والعلوم(الأونيسكو) بجامعة الدول العربية بالقاهرة.

تعرف على الحاجة زينب الغزالي غير انه سرعان ما أدرك صالح سرية أن الإخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهة مع نظام السادات , وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام, وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالي والسيد سابق، فعمل علي تأسيس تنظيم مستقل يهدف للخروج علي السادات.

كون مجموعة الفنية العسكرية حيث جمعت قادة المجموعات الشبابية الجهادية في ذلك الوقت ، فمنهم من كان اتجاهه سلفيا مثل "إسماعيل الطنطاوي" ومنهم من يرفض فكرة الانقلاب العسكري ويدعو الى حرب عصابات طويلة الأجل مثل "يحيى هاشم".

وصفه أيمن الظواهري بقوله: إن صالح سرية كان محدثاً جذاباً ومثقفاً على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متطلعاً في علي (العلوم الشرعية)، وانه إلتقاه مرة واحدة أثناء احد المعسكرات الإسلامية في كلية الطب حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر إلى إلقاء كلمة في الشباب.

و«بمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت إن لكلامه وقعاً آخر، وانه يحمل معاني أوسع في وجوب نصرة الإسلام. وقررت أن أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح».

قاد صالح سرية وثمانية عشر من أنصاره محاولة السيطرة على الفنية العسكرية بالسكاكين في يوم الخميس الثامن عشر من شهر إبريل للعام 1974م غير أن الأمر فشل.

قبض بعدها على صالح سرية وبعض رفاقه حيث قدموا للمحاكمة وأعدموا عام 1975م.(6)

رؤية صالح سرية للحكم

إن فكر التكفير ليس مصري المنشأ، بل صنيعة التأثر بتيار ظهر فى شبه القارة الهندية، وقضية الحكم تعتبر من أهم القضايا التي ركز عليها صالح سرية، بل كانت من القضايا التي تشغل تيار الجهاد الإسلامي.

ولو نظرنا لوثائق صالح سرية التي تركها خاصة رسالة الإيمان يقول فيها: إن الحكم القائم في جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر ولاشك في ذلك" مستندا في ذلك إلى غياب "الحكم بما أنزل الله" ويرى أن كل من والى الحكومات والأحزاب والجماعات الكافرة فهو كافر.

(إن المجتمعات كلها جاهلية، والمظاهر العامة للنساء والرجال والرقص ... وسب الدين ووجود الخمر والزنا والقِمار عَلناً ، ونشر الكذب والفسق والخِداع والرذيلة ، كل ذلك يجعلنا نقول ونحنُ مطمئنين إن هذه المجتمعات جاهلية كافرة ، فهل تكون دولة إسلامية تحمي المنكر ، بل هي التي تُقيم هذا المنكر).

ويُقرر صالح سرية لجماعته وجوب التغيير بالسلاح ، بل هو واجب عيني على كل مسلم، إذ يقول:

(والجهاد باليد لتغيير هذه الحكومات، وإقامة شرع الله فرض على كل مسلم ومسلمة؛ وذلك لان الجهاد باق إلى يوم القيامة ، وإذا كان الجهاد واجب لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافراً ، كما فعل الحُسين بن علي (رضى الله عنه) وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(خيرُ الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمرهُ ونهاهُ فقتلهُ)، فان جهاد الكُفر لا يختلف عليه اثنان من المسلمين، بل هو افرض الفرائض، وذروة سنام الإسلام قال (صلى الله عليه وسلم): (من مات ولم يُحث نفسهُ بالغزو مات ميتةً جاهلية ً).

لم يكفر صالح سرية كل الناس لكنه استثنى البعض قال فيهم:

  1. أن يكون واضحا في عقيدته مصرحا بأنه يعمل لإقامة دولة إسلامية
  2. إذا كان أمر العلن غير ممكن يجوز له الدخول في هيئات الدولة بأمر الجماعة المسلمة ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة
  3. إذا لم يكن منضما لاى جماعة ولكنه عقد النية على الانضمام لتلك الجماعة حين يجدها"(7)

التحرك للسيطرة

نجح سرّية فى تكوين تنظيم واسع ومتنوع جغرافيا من مجموعة متحمسة من الشباب, قسمهم الى مجموعات صغيرة على رأس مجموعة الإسكندرية "كامل عبد القادر (طب) وطلال الأنصاري (هندسة), ومجموعة "بور سعيد "بقيادة أحمد صالح, ومجموعة "القاهرة والجيزة" وعلى رأسها حسن الهلاوي ومصطفى يسري, ومجموعة" قنا" بقيادة محمد شاكر الشريف, وأبقى مجموعة "الفنية العسكرية" بقيادة كارم الأناضولي وباقي الكليات العسكرية تحت قيادته المباشرة.

أمام ضغط الشباب المتحمس المتكرر والمستمر على سرعة لتحرك, واستعجال العمل, والإلحاح الدائم, إضطّر للتسرع بوضع الخطة الأولى وهي اغتيال الرئيس السادات مع كبار قياداته بالمطار عند عودته من زيارة خارجية ليوغوسلافيا, وتم تكليف مجموعة القاهرة والجيزة بقيادة "حسن الهلاوي" برسم خريطة تفصيلية للمطار.

ولكن لعدم قيام المجموعة بما كلفت به تم إلغاء الخطة. تم تكليف مجموعة الإسكندرية بإعداد رسم كروكي عن مكانين محتملين للهجوم الأول مجلس الشعب والثانى مبنى الاتحاد الاشتراكي على "كورنيش النيل", وقد حضرت مجموعة من ستة أفراد من الإسكندرية منهم محمد على خليفة وهانى الفرانوني وأنجزوا المطلوب.

تم وضع الخطة البديلة بواسطة سرّية وكارم الأناضولي, وتعتمد على الاستيلاء على الفنية العسكرية بمهاجمة حرس بوابة الكلية في صمت لإدخال عدد كبير من الشباب إلى الكلية، ثم بعد ذلك الاستيلاء على الأسلحة والسيارات والمدرعات من الكلية الفنية العسكرية بمساعدة إخوانهم الطلبة داخل الكلية مستغلين صلاحياتهم كقادة مناوبين أثناء الليل، ثم التوجه بما حصلوا عليه إلى مقر الاتحاد الاشتراكي لمهاجمة السادات وأركان حكمه أثناء اجتماعهم.

وكبروفة للأحداث طلب سرّية من مجموعة الإسكندرية الحضور إلى القاهرة, والتوجه إلى موقع العملية قبل بدء التحرك بيوم واحد وبعد حضورهم طلب منهم العودة والحضور في اليوم التالي. وأعد صالح سرية بيان الانقلاب بخطه, ويدعوا إلى قيام نظام جديد فى مصر يقضى على الفساد, ويدعم الإيمان والأخلاق والفضيلة, ويضمن الحريّات, وتم تذييل البيان بتوقيع د/ صالح سرية رئيس الجمهورية.

ومع بداية التحرك تسلل اثنين من التنظيم, أحدهما توجه إلى وزارة الداخلية والثاني إلى رئاسة الجمهورية, وقاما بالإبلاغ عن الخطة.

ففي فجر يوم الخميس الثامن عشر من شهر إبريل للعام 1974 بينما كان يعد لاجتماع يضم أركان النظام المصري وعلى رأسهم أنور السادات في قاعة اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي على شاطئ النيل صباحا, لمناقشة خطة العمل التنفيذية لورقة أكتوبر, كان هناك تحرك يبدأ في مكان آخر.

كانت تدور معركة شرسة على أبواب كلية الفنية العسكرية بين فريقين غير متكافئين تماما, ما يقرب من ثمانية عشرة شابا يافعا في مقتبل العمر, مسلحين بمجموعة من السكاكين والمطاوي, وقوات عسكرية مجهزة من حراسة الكلية, ليختلط الحابل بالنابل ويسقط ثلاثة عشرة قتيلا, ستة من المهاجمين, وسبعة من الحراس, لتنتهي العملية سريعا, ويحاول المهاجمين سحب أنفسهم فى محاولة للفرار.

على الجانب الآخر من سور الكلية, وفى الداخل تحاول مجموعة أخرى من طلبة الكلية الاستيلاء على مخزن سلاح لواء الحراسة, لكنهم فشلوا في ذلك أمام دفاع سرية الحراسة, فتوجهوا إلى كابينة الإنارة وعمدوا إلى قطع الكهرباء, لتدور معركة داخل الكلية, تنتهي سريعا مخلفة وراءها إحدى عشر قتيلا, وسبعة وعشرين مصابا.(8)

يقول صالح سرية في تحقيقات النيابة عن تفاصيل خطة الاقتحام: «كان المقرر خروجنا من مبني الكلية العسكرية صباح الخميس ١٨ إبريل ١٩٧٤ لنستقل سيارات أوتوبيس الكلية المخصصة لنقل الخبراء الأجانب العاملين بها بقيادة بعض أعضاء التنظيم الذين يجيدون القيادة، ونتوجه إلي قاعة اجتماع اللجنة المركزية بالاتحاد الاشتراكي وتقف بنا السيارات أمام الباب الخارجي الذي يفتح علي كورنيش النيل، ثم ننزل منها، ويقول بعض أعضاء التنظيم للحرس الموجودين علي الباب بأن هناك متفجرات بالقاعة مكان الاجتماع.

وأنهم قدموا لإزالة هذه المتفجرات،وفي أثناء هذا يكون الباقون قد اندفعوا بسرعة إلي القاعة معتمدين علي أمرين، أولهما ذهول المفاجأة، وثانيهما خشية الحراس من إطلاق النار علينا في وجود الرئيس السادات، ومادمنا قد دخلنا القاعة يسهل علينا السيطرة عليها، وكان الترتيب الذي خططت أنا شخصيا له.

أنه بمجرد دخولنا القاعة تسرع مجموعتان إلي منصة رئيس الجمهورية ونعتقله علي الفور. وفي هذا التوقيت، سيكون هناك مجموعتان أخري ان تتجه إحداهما إلي يمين القاعة والأخري إلي يسارها لتأمين المنصة والسيطرة علي القاعة ومجموعة علي باب القاعة وبقية المجموعات علي الأبواب الخارجية.

ثم أتقدم إلي الرئيس بمطلب التنازل عن الرئاسة بالقوة المسلحة، وأن يذيع بنفسه علي الشعب بيانًا بالتخلي عن الرئاسة فإن رفض، أمرنا وزير الإعلام أو غيره من المختصين في الإذاعة تحت ضغط القوة المسلحة بإعلان وقوع ثورة مسلحة استولت علي الحكم في البلد، وسيطرت علي الموقف واعتقلت كل المسؤولين وعلي رأسهم رئيس الجمهورية، وكنت أعددت هذا البيان فعلاً ومزقته في الصباح الباكر في يوم الخميس ١٨ إبريل ١٩٧٤ بعد أن فشلت العملية».(9)

إعدام صالح سرية

قبض على صالح سرية وأنصاره وقدموا للمحاكمة التي حملت رقم 2687 لسنة 74 الوايلي ورقم 169 لسنة 74 كلي.

يحكي نجله طريقة القبض عليه فيقول:

كنت وأشقائي ننتظر عودة أبينا من العمل، وفي هذا اليوم لاحظنا أنه يحمل هموم الدنيا كلها وحزين، وتركنا وجلس بمفرده ، ولم يداعبنا كما كان يفعل عادة .
وفجأة شاهدنا قوات أمن كثيرة جدا تداهم شقتنا ، وعدد لا حصر له من الذين يرتدون ملابس مدنية ، وقد وضعوا كل من البيت في غرفة وبدأت حالة من البكاء تنتاب والدتي وأشقائي، أما أبي فقال : لا أريد أن تبكوا علي .
كانت أمي تثير الشفقة فهي تعيش ببلد غريب، وقد قبضوا على زوجها وتركوها وسط أبنائها التسعة. وأذكر أن أمن الدولة حاصرت البيت لمدة ثلاثة أيام ، وقطعت المياه والكهرباء ومنعت الدخول والخروج من وإلي البيت ، وكدنا نموت حقا ولا توجد وسائل للتواصل مع الناس.(10)

كانت أول جلسة علنية عقدت في 3 من ذي القعدة عام 1394 الموافق 16/ نوفمبر سنة 1974م، حيث انعقدت الدائرة الجنائية برئاسة المستشار/ برهان الدين العبد وبعضوية السيدين عبد اللطيف المراغي ومحمد وجدي عبد الصمد المستشارين بمحكمة استئناف القاهرة وتمثلت النيابة بالأساتذة " مصطفى طاهر " رئيس النيابة و " عدلي حسين " وهو بدرجة وكيل نيابة أيضاً و " صهيب حافظ " وهو بدرجة وكيل نيابة أيضاً.

وضمت القضية عدد كبير من الأسماء أكثرهم من الطلبة والعمال على رأسهم صالح سرية وغيره(11) تعرض المتهمين للتعذيب الشديد ليقروا بكل شئ، وبعدها صدر الحكم بإعدام صالح سرية، وكارم الأناضولي، وطلال الأنصاري (قرر السادات تخفيف الحكم الصادر عليه بالإعدام إلي المؤبد، نتيجة وساطة والده الشاعر السكندري عبد المنعم الأنصاري)، وبأحكام بالسجن علي عشرات منهم، وطويت صفحة من تاريخ أول تنظيم إسلامي جهادي انقلابي في مصر.

مع انتهاء العملية بالفشل، وإعدام القيادات، حاول أحد قيادات التنظيم "أحمد صالح" والذي صدر حكم ببراءته، إعادة تجميع من تبقي والاستمرار في الحركة، ولكن تم القبض علي معظم من تبقي منهم عام 1977 فيما عرف بتنظيم الجهاد، ليعود مرة أخري "د. مصطفي يسري" إلي محاولة الاستمرار بالباقين منهم.

علاقة الإخوان بالقضية

احتوت تحقيقات النيابة اعترافات لصالح سرية بعلاقته بالإخوان، حيث ذكر في التحقيقات هذه العلاقة بقوله:

أول اتصال كان بزينب الغزالي في أواخر 1971 أو بداية 1972 وكانت جايه لزيارة الشيخ " الحافظ التيجاني " وهو زوجها السابق وقابلتها عنده وأنا كنت عاوزه باعتباره شيخاً للطريقة الصوفية وكان شيخ بلدنا اخبرهم في فلسطين من أتباعه وكنت أنا عند ترزي اسمه " عبد السلام حامد عبس " في شارع القاضي الفاضل المتفرع من شارع قصر النيل لزيارته لأني عرفته عن طريق أحد العراقيين أثناء وجودي هناك واسمه " لقمان السامراني " واتصل الترزي ده الشيخ ب" الحافظ التيجاني " أثناء وجودي عنده فطلبت منه أن يعرفني به ورحنا له سوا وعرفته بنفسي.

وبدأنا نتناقش في علم الإسلام وخاصة علم الحديث وتوطدت العلاقة بيننا وكنت باتردد عليه باستمرار في زاوية عنده وفي أحد الأيام كنت عنده في تاريخ لا أذكره كله في أواخر 1971 أو أوائل 1972 وجت " زينب الغزالي " لزيارته فأحببت أن أتعرف عليها لأني كنت أعرف إنها من زعماء الإخوان وكنت معجباً بشخصيتها وبدأت تتحدث عن ذكرياتها في السجن وأنها عذبت في السجن وأن الإسلام مظلوم في مصر لأن الناس الذين كانوا يدعون إليه وتقصد الإخوان المسلمين كانوا يوضعون في السجون.(12)

ويضيف أيضا: قابلت أيضاً " عبد الرحمن البنا " و الشيخ " محمد الغزالي " مدير إدارة الدعوة بالأوقاف و" سيد سابق " و " صالح أبو رقيق" و" هارون المجددي " وهو إخواني ومسئول الإخوان خارج مصر ومقره بيروت ولكني قابلته في مصر وقد سعيت للتعرف بهم وكنت أقابلهم في منازلهم أو مكاتب عملهم وكانت زيارات تعارف فقط وكنت أتبادل الزيارات مع " صالح أبو رقيق " باعتباره زميل عمل في الجامعة العربية وآخر مرة شفته فيها قبل القبض عليّ بأسبوعين ولكني لم أتحدث مع أي منهم إطلاقاً في أي أمور تنظيمية عن التنظيم اللي أنشأته ولكن كانت أحاديثي معهم عن الإخوان بصفة عامة وكنا نتكلم عن أوضاعهم لكن لم نتفق على شيء نقوم به في سبيل إصلاح حالهم وكنت من جانبي أعزمت القيام منفرداً بواسطة التنظيم الذي شكلته بقلب نظام الحكم الحالي والاستيلاء عليه بالقوة لتطبيق مبادئ الإسلام.

ومما جاء في أسئلة المحقق:

س/ هل معنى ذلك إنك قمت بإنشاء التنظيم وإجراء المحاولة التي قمت بها لقلب الحكم بالقوة كبديل عن قيام الإخوان المسلمين بهذه العملية ؟

ج/ أيوه .

س/ هل معنى ذلك أيضاً إنك قمت بهذا العمل انطلاقاً من رغبتك في إعادة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وتمكينهم بالقوة من من الاستيلاء على الحكم ؟

ج/ لأ مش كده بالضبط إنما أنا أنشأت التنظيم ومحاولة قلب نظام بالقوة لإقامة الدولة الإسلامية بصرف النظر عن موافقة هذا الإخوان أو عدم موافقته لها.(13)

يقول رياض حسن محرم:تعرف على الحاجة زينب الغزالي وزارها أكثر من مرة في منزلها، وسرعان ما عرفته بالمرشد العام المستشار "حسن الهضيبي" وتعريفه بمجموعات الشباب الجديد ومنهم "طلال الأنصاري" و"إسماعيل طنطاوى"و"يحيى هاشم".

سرعان ما أدرك صالح سرية أن الإخوان المسلمين فى مصر غير راغبين أو قادرين على المواجهة, وذلك بعد لقائه ببعض قادتهم وعلى رأسهم المرشد العام, وكذلك لقاءاته مع كثير من قياداتهم أمثال الشيخين محمد الغزالي والسيد سابق.

ويمكن التماس العذر لهؤلاء القادة الذين كان يهمهم فى الأساس الأول بقاء الدعوة واستمرارها, وحماية أعضائها, وهم ليسوا بعيدين من محنة قاسية ألمت بهم فى العام 1965, وما زالوا يرممون نتائجها, ويضمدون جراحها.(14)

الخلاصة

ربما تكون قضية "الفنية العسكرية" هي القضية الأولي التي يستخدم فيها "فريق يتبني فكر الجهاد" الأسلحة ومحاولة السيطرة على الحكم بالقوة، وقد نتج هذا الفكر من خلال تواجد رأس المجموعة (صالح سرية) لحزب التحرير بفلسطين، كما زاد من الأمر متابعته لما حدث للشباب في مصر من تعذيب وقتل للعلماء، فترسخت فكرة الانتقام لدى سرية.

ساعد سرية أيضا خبرته العسكرية والتي أهلته للتدريب على جميع فنون القتال ونقل هذه الخبرة للشباب الطيب، حيث كان من الواضح أن عنصر الطلبة هم أكثر عنصر في جماعة صالح سريه حيث استطاع بأسلوبه أن يقنعهم بفكره المتطرف.

كان واضح أن صالح سرية يعرف جماعة الإخوان المسلمين جيدا، وزاد من معرفته لهم حينما تعرف على الحاجة زينب الغزالي حيث احتوته وأسرته وتولت رعايتهم بصفة شخصية، وعرفته على بعض الشباب الذين سعوا أيضا للتعرف عليها كمعرفة شخصية ككونها أمراءه تحدت الطاغوت داخل المعتقل في عهد عبدالناصر، كما عرفت صالح سرية بالأستاذ الهضيبي والذي كان في أواخر حياته حيث شرح منهج وفكر الإخوان جيدا لسرية، وحينما عرض عليه استخدام القوة رفض المستشار الهضيبي هذا الكلام وهذا الفكر، واخبره بحقيقة دعوة الإخوان الذين تحملوا من اجلها عشرين سنة اعتقال للحفاظ على سلميتها ومتهجي التدريجي السلمي في التغيير.

أدرك صالح سرية أن جماعة الإخوان لن تنصفه في قضيته ومن ثم ملك على وجدانه فكرة حمل السلاح، فاندفع لها دون تخطيط، ودون تقدير للقوة التي أمامه، ودون تخطيط استراتيجي على أرض الواقع حيث تصور أنه ومعه 18 عضو يستطيعون أن يسيطروا على مقاليد حكم بلد كبيرة بأجهزتها.

نؤكد أن الإخوان ينبذون العنف وليس في منهجهم ولا مبادئهم استخدام العنف في التغيير لكن منهجهم سلمي يعتمد على التدريج في تغيير المجتمع.

المراجع

  1. حسن البنا: رسالة المؤتمر الخامس
  2. عامر شماخ: الإخوان والعنف، السعد للنشر والتوزيع، ط 1، 2006، ص 161.
  3. المرجع السابق: ص 162
  4. بشير موسى نافع: الإسلاميون، مركز الجزيرة للدراسات، ط1، 2010م
  5. حسن بكر: العنف السياسي في مصر أسيوط بؤرة التوتر 1977- 1993م، مكتبة الأسرة، 2005م
  6. رياض حسن محرم: الجماعات السلفية الجهادية.. وفقه التكفير (1)، موقع الإمام الشيرازي
  7. رفعت سيد أحمد: وثائق تنظيمات الغضب الإسلامي في الإسلامي، مكتبة مدبولي القاهرة، ص 60 – 63.
  8. رياض حسن محرم: مرجع سابق، مختار نوح: قضية الفنية العسكرية 1974م، مركز المحروسة، 2006م
  9. مختار نوح: مرجع سابق
  10. حوار مع نجل صالح سرية: موقع محيط، للصحفي عمرو عبدالمنعم، الخميس 13/ 10/ 2011م.
  11. انظر أسماء المتهمين في كتاب قضية الفنية العسكرية لمختار نوح
  12. مختار نوح: مرجع سابق، 104
  13. المرجع السابق: 106
  14. رياض حسن محرم، مرجع سابق