ضرورة التكامل التربوي عند المسلم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٤٩، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ضرورة التكامل التربوي عند المسلم ، ومكانة التربية الإيمانية منه

بقلم / أ. مجدي الهلالي


المكونات الأربعة

الدكتور مجدي الهلالي

خلق الله عز وجل الإنسان بتكوين يشمل أربعة جوانب رئيسية هي : العقل ، والقلب ، والنفس ، والجسد .

وعندما يبدأ الإنسان رحلته على الأرض منذ نزوله من بطن أمه ، فإنما يبدأها بهذه المكونات الأربعة وهي غير مكتملة النمو ، فقد جعلها – سبحانه – تبدأ صغيرة محدودة الإمكانات ، وأودع فيها خاصية النماء : ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل/78] .

هذه الجوانب الأربعة تحتاج إلى دوام تعاهد وإمداد يترك فيها أثره الدائم في اتجاه تحقيق الهدف من وجود الإنسان على الأرض ألا وهو : تحقيق العبودية الصحيحة لله عز وجل .

ولكي يظهر الأثر الإيجابي الدائم في كل من هذه الجوانب كان من الضروري سلوك طريق التربية .

فالتربية كما يقول الإمام البيضاوي : هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا [1] ، ويمكن تعريفها كذلك بأنها الأداة التي تقوم بإحداث تغيير أو أثر دائم في الشيء .

لذلك فإن من أهم أهداف التربية الإسلامية الصحيحة هو : إحداث أثر إيجابي دائم في المكونات الأربعة للإنسان ، ينتج عنه تغيير حقيقي في ذاته ليشمل : المفاهيم والتصورات في العقل ، وإصلاح الإيمان في القلب ، وتزكية النفس وترويضها على لزوم الصدق والإخلاص والتواضع ونكران الذات .

ويشمل كذلك ضبط حركة المرء والتعود على بذل الجهد في سبيل الله عز وجل ، لتكون ثمرة هذا التغيير - في هذه المحاور – تنشئة المسلم الصالح المصلح الذي تتأسس عليه الأسرة المسلمة ، فالمجتمع المسلم ...


ضوابط التربية

هناك عدة أمور ينبغي مراعاتها عند الحديث عن « التربية » . وضرورتها في تغيير الفرد والأمة. أولًا : أن يتم تبنِّيها كثابت رئيسي ومتفرد للتغيير الحقيقي ، فلئن كان تغيير وضع الفرد أو الأمة من السيئ للأحسن مرتبط بتغيير ما بالنفس كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد/11] .

فإن حدوث هذا التغيير يستلزم سلوك طريق « التربية » ... تأمل معي ما قاله الإمام المجدد حسن البنا ، وهو يحكي عن تجربته في الدعوة حتى أيقن بضرورة التوجه نحو التربية لتغيير الفرد والأمة على منهج الإسلام ، فيقول :

طالعت كثيرًا ، وجربت كثيرًا ، وخالطت أوساطًا كثيرة وشهدت حوادث عدة ، فخرجت من هذه السياحة القصيرة بعقيدة ثابتة لا تتزلزل ، هي أن السعادة التي ينشدها الناس جميعا إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم ، ولا تأتيهم من خارج هذه القلوب أبدا ، وأن الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه إنما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك ، وإن القرآن يؤيد هذا المعنى ، ويوضح ذلك قول الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد/11] .

.. اعتقدتُ هذا ، واعتقدتُ إلى جانبه أنه ليس هناك نُظُم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية ، وتهدي الناس إلى الطرق العملية الواضحة لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة العملية ..

لهذا وقَفْتُ نفسي منذ نشأت على غاية واحدة ، هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقة وعملًا ..

ظلت هذه الخواطر حديثًا نفسانيًّا ، ومناجاة روحية ، أتحدث بها في نفسي لنفسي ، وقد أُفْضِي بها إلى كثير ممن حولي ، وقد تظهر في شكل دعوة فردية ، أو خطابة وعظية ، أو درس في المساجد إذا سنحت فرصة التدريس ، أو حثّ لبعض الأصدقاء من العلماء على بذل الهمة ومضاعفة المجهود في إنقاذ الناس وإرشادهم إلى ما في الإسلام من خير .

ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث عدة ألهبت نفسي ، وأهاجت كوامن الشجن في قلبي ، ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل ، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه ، والتأسيس بعد التدريس [2] .

و في موضع آخر يقول رحمه الله :

إن الخطب والأقوال والمكاتبات والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء .. كل ذلك وحده لا يُجدي نفعًا ، ولا يُحقق غاية ، ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف ؛ ولكن للدعوات وسائل لابد من الأخذ بها والعمل لها . والوسائل العامة للدعوات لا تتغير ولا تتبدل ولا تعدو هذه الأمور الثلاثة :

1- الإيمان العميق

2- التكوين الدقيق

3- العمل المتواصل [3].

ثانيًا : أن تستمر التربية ولا تنقطع أو تتوقف عند فترة معينة ، لأن الأمر الذي استوجبها دائم لا ينقطع ولا يتوقف حتى الموت : ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر/99] .

.. تأمل قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ...﴾ [النساء/136] .

يقول محمد قطب معلقًا على هذه الآية : أي حافظوا على إيمانكم ، استمروا فيه ، لا تغفلوا عن المحافظة عليه .. لا تفتُروا عن معاهدته ورعايته وتغذيته وتقويته والحرص عليه[4] .

ومما يؤكد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : « إن الإيمان يَخْلَق في القلوب كما يخلق الثوب ، فجددوا إيمانكم » [5] .

فمهما تقدم عمْر المرء ، ومهما ارتقى في سلم المسئولية ، فلابد له من الاستمرار في التربية حتى يستمر قيامه بحقوق العبودية لله عز وجل .

( إن القلب البشري سريع التقلب ، سريع النسيان ، وهو يَشِفّ ويُشرق فيفيض بالنور .. فإذا طال عليه الأمل بلا تذكير ولا تذكُّر ، تبلَّد وقَسَا ، وانطمست إشراقته ، وأظلم وأعتم ، فلا بد من تذكير هذا القلب .. ولابد من اليقظة الدائمة كي لا يصيبه التبلد والقساوة ) [6] .

وأما النفس فهي كالأسير الذي يُحاول مقاومة الأسر ، فإن أسَرْتَه فلابد من اليقظة الدائمة معه حتى لا يفلت منك ويأسرك ويجعلك طوع أمره .

والعقل أيضًا يحتاج باستمرار إلى تزويده بالعلم النافع حتى تتسع مداركه ، وتُفتح نوافذه ، فتزداد معرفته بربه ، وما يُقربه إليه ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه : 114] .

ثالثا : ومن الضوابط الحاكمة للعملية التربوية كذلك ضرورة أن تشمل التربية الجوانب الأربعة للشخصية ، فأي إهمال لجانب منها يؤدي إلى عدم ظهور ثمرة التربية الصحيحة (فعندما يحصل اهتمام بتحصيل العلم ، دون الاهتمام بزيادة الإيمان ، فستكون النتيجة المتوقعة : شخص كثير التنظير ، حافظًا للنصوص ، كثير الحديث عن القيم والمبادئ ، والمعاني العظيمة ، لكنك قد تجد في المقابل واقعًا يختلف عن الأقوال ، فهو يتحدث عن العدل والمساواة ، بينما لا يتعامل مع الآخرين بهذه القيم ، وبخاصة مع من يرأسهم .. يتحدث عن الزهد في الدنيا وأهمية العمل للآخرة ، في حين تجده يحرص على جمع المال ، وينفق منه بحساب شديد ، ويدقق في كل شيء مهما كان صغيرًا .

.. كل هذا وغيره بسبب عدم الاهتمام بالإيمان بنفس درجة الاهتمام بالعلم ، فالذي يُقرب المسافة بين القول والفعل ، ويُترجم العلم إلى سلوك هو : « الطاقة والقوة الروحية المتولدة من الإيمان » . أما عندما يتم الاهتمام بالإيمان دون العلم فستجد أمامك شخصًا جاهلًا ، يتشدد فيما لا ينبغي التشدد فيه ، ويترخص فيما لا ينبغي الترخص فيه .. ستجد شخصًا ضيق الأُفق لا يستطيع أن يتعامل مع فقه الواقع ومستجدات العصر .

وفي حالة الاهتمام بالعلم والإيمان مع عدم الانتباه للنفس ، وإهمال تزكيتها ، فسيكون النتاج : شخصًا كثير العبادة ، كثير المعلومات ، سبَّاق لفعل الخير وبذل الجهد ، لكنه متورم الذات ، يرى نفسه بعدسة مكبِّرة ، ويرى غيره بعكس ذلك ، لأن عبادته وأوراده وبَذْله – في الغالب – ستغذي إيمانه بنفسه وبقدراته ، وأنه أفضل من غيره ، فيتمكن منه – بمرور الأيام واستمرار الإنجازات و النجاحات – داء العُجْب ، ومن وراءه الغرور والكبر والعياذ بالله ، فيُعرِّض نفسه لمقت ربه وحبوط عمله .

ومع ضرورة الاهتمام بالتربية المعرفية والإيمانية والنفسية تأتي كذلك أهمية التعود على بذل الجهد في سبيل الله ، وفي دعوة الناس إليه ، فلو لم يتحرك المسلم ، ويُعلّم الناس ما تعَلّمه ، ويأخذ بأيديهم لتغيير ما بأنفسهم – بإذن الله – فإنه سيصاب بالفتور والخمول والكسل، ولن يدرك أسرار الكثير من المعاني التي يتعلمها ، وقبل ذلك فإن الواجب الشرعي والواقع الأليم الذي تحياه أمتنا يُحتِّمان عليه فعل ذلك .

وفي المقابل ، فإن الحركة وبذل الجهد في سبيل الله إن لم يكن وراءها زاد متجدد ، فإن عواقب وخيمة ستلحق بصاحبها ، ويكفيك في بيان هذه الخطورة قوله صلى الله عليه وسلم : «مثل الذي يُعلِّم الناس الخير وينسى نفسه ، مثل الفتيلة ، تُضيء للناس وتحرق نفسها » [7] .

فلابد من الأمرين معًا : لابد من الزاد ، ولابد من التحرك بهذا الزاد [8].


بأي الجوانب نبدأ ؟([9])

بعد أن تعرفنا – باختصار – على الاحتياجات التربوية الأساسية لكل مسلم وأهمية كل جانب منها ؛ يبقى السؤال : بأي الجوانب نبدأ ؟

بلا شك أن العلم هو البداية : ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد/19] ، فالعلم أساس العمل ، ومع ذلك فليس المطلوب علمًا نظريًّا ، يُعمق الفجوة بين القول والفعل ، بل نريده علمًا نافعًا راسخًا ، يزيد القلب خشية وإيمانًا .

لذلك فعلينا الاجتهاد بتحصيل أصل العلوم وأنفعها ، ألا وهو : « العلم بالله عز وجل » ، والاجتهاد في تحويل هذه المعرفة إلى إيمان .

ولأن التربية الإيمانية بمفهومها الصحيح الشامل تُركز على معرفة الله عز وجل ، وتُركز كذلك على ترجمة هذه المعرفة إلى معانٍ يرسخ مدلولها في القلب – أي أنها قد جمعت بين الخيرين – كان من المناسب البدء بجانب « التربية الإيمانية ».


من فوائد البدء بالتربية الإيمانية : [10]

هناك حلقة مفقودة بين الأقوال والأفعال ، والسبب الرئيسي في ذلك هو ضعف الإيمان ، فعندما يُهيمن الإيمان الحي على القلب ، فإنه يُولِّد في قلب صاحبه طاقة عظيمة ، وقوة روحية هائلة تدفعه للقيام بالأفعال التي تناسب المواقف المختلفة من سرَّاء أو ضرَّاء .. لذلك فلو تجاوزنا البدء بالتربية الإيمانية فإن الفجوة ستزداد بين الواجب والواقع ، وبين العلم والعمل .

فعلى سبيل المثال :

لو بدأنا بالتربية النفسية فإننا قد نقتنع أن بداخلنا أصنامًا ينبغي أن تُزال ، وأننا مصابون بداء العُجْب ، واستعظام النفس ، ولكننا لن نستطيع مقاومة هذا المرض ، والوقوف له بالمرصاد ، لضعف القوة الروحية اللازمة لذلك .

ونفس الأمر لو بدأنا بالتركيز على التربية الحركية وبذل الجهد في سبيل الله ، فسيتحول الأمر بمرور الوقت إلى أداء شكلي روتيني بلا روح ، وسيزحف إلى من يفعل ذلك الشعور بالفتور والوحشة وضيق الصدر ، وسيفقد تأثيره على الآخرين شيئًا فشيئًا .

من هنا تظهر الحاجة إلى البدء بالتربية الإيمانية بمفهومها الصحيح والذي يعمل باستمرار على توليد القوة الروحية ، وتنمية الدافع الذاتي ، وتقوية الوازع الداخلي ، وبث الروح في الأقوال والأفعال ، ومن ثَمَّ يسهل على المرء بعد ذلك القيام بالأعمال المطلوبة لتحقيق أهداف التربية النفسية والحركية : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون/57-61] .