شهر رمضان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٦:٤٩، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شهر رمضان

بقلم / الأستاذ صالح عشماوي .. الوكيل العام لجماعة الإخوان المسلمين فترة الإمام البنا

الأستاذ صالح عشماوي

شهر سما فوق الشهور، كرمه الله وميزه على مدى الأيام والعصور، فيه نزل القرآن معجزة الدهر، هدى ورحمة وسيبقى لشهر الصوم جلاله وستبقى لرمضان روعته ما بقي الإسلام وما حفظ القرآن وهو محفوظ إلى البعث والنشور.

شهر بين لياليه ليلة خير من ألف شهر، هي ليلة القدر، وبين أيامه يوم هو غرة جبين الدهر، ذلك هو يوم بدر، يوم التقى الجمعان، يوم اصطدم الكفر بالإيمان، يوم غلبت فئة قليلة فئة كبيرة بإذن الله..

شهر نهاره صيام وليله قيام وطابعه عفة وتقوى وإحسان، فيه شفاء للجسد وتطهير للنفس وغذاء للروح. تستريح أثناءه المعدة – وهي بيت الداء – لتستأنف نشاطها وتقوى على عملها طوال العام وتهذب في بحره النفس فتخفف من أهوائها ومطامعها وتحد من نزواتها وجموحها وتكسر من شهواتها وغرائزها وتصفو في مداه الروح فتتصل بالله، وتتلقى من الملأ الأعلى ما يفيض على الضمير حياة وعلى الناس صفاء وعلى القلب إيمانا.

شهر ينافس فيه الناس – وهم من طين – الملائكة الأبرار وهم من نور فلا يأكلون ولا يشربون ولا يقربون النساء، ولكن يصومون ويصلون ويسبحون بحمد الله وبالأسحار يستغفرون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

شهر في ثلثه الأخير يعتكف المسلم في بيت من بيوت الله، ويخلو المؤمن بربه، ويعبده حق عبادته. يرجوه ويستغفره وهو الغفور الرحيم. ويسأله ويستعطفه وهو الجواد الكريم، يتقرب إليه بالنوافل ويستعطفه وهو الجواد الكريم، يتقرب إليه بالنوافل ويسعى إليه بتلاوة القرآن حتى يفيض الحق تبارك وتعالى عليه بالرحمات والتجليات ويحبه الرحمن فيحبه من في الأرض والسموات.

شهر كله روعة وجلال وملئوه السمو والجمال لقدومه رهبة ولفراقه لوعة. وهو السحر الحلال..

عرف السلف الصالح قيمة هذا الشهر المبارك وقدروه حق قدره فأقبلوا فيه على الطاعة وتزودوا منه بالتقوى، كانوا إذا أقبل رمضان ودع بعضهم بعضًا على أن يلتقوا في صلاة العيد وأنفقوا أيامه في طاعة الله وقضوا لياليه في عبادة الرحمن ففازوا برضاء ربهم وكسبوا الدنيا والآخرة أما في الأولى فقد مكن لهم في الأرض وآتاهم الملك والسلطان وجعلهم أئمة الناس وقادة الأمم، وأما في الثانية فقد أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، جنة عرضها السموات والأرض خالدين فيها أبدًا.

واليوم يقبل رمضان على المسلمين فيجتمعون على معصية الله ويتعاونون على الإثم والعدوان، وقليل منهم الصائمون وأكثرهم مفطرون اعتنوا بالمظهر وتركوا الجوهر، فهموا من رمضان أنه حبس النفس عن الأكل والشرب ساعات معدودات وما عدا ذلك من المحرمات فهو مباح فالنظرة الزانية والنميمة والكذب والغيبة وغيرها من المحرمات، فهي حلال. صامت بطونهم ولم تصم بقية الجوارح عن الشهوات. وإذا حل ميعاد الإفطار زحموا الموائد بأصناف الطعام والشراب وملأوا البطون بما لذ وطاب، ثم قضوا ليلهم في عبث ولغو أو قضوه في مجون ولهو وما ذكروا الله ولا استغفروه ولا ركعوا له وسجدوا ووقروه في هذا الشهر الجليل، ما زالت بيوت الدعارة مفتوحة وصمة عار في جبين المسلمين وما زالت موائد الخمر والميسر ممدودة قذى في عيون المؤمنين. فماذا يغني الصيام؟

ولكن ما زالت في الدنيا بقية مؤمنة، هي الأمل المرتجى والرجاء المنشود، أولئك الذين لم ينسوا الله ولم يضلوا عن سبيله ولم تغرهم الدنيا ولم تخدعهم بزخرفها وما فيها من شهوات ولذات، (الذين يذكرون الله قياما وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار)، الركع السجود والمستغفرون بالأسحار، فعلى يد هؤلاء سيعود للإسلام مجده وستفرض شريعته ويقام على الناس حده.

أيها الإخوان المسلمون فلنحيي أثر السلف الصالح في رمضان المكرم وليكن لنا في زعيمنا ورسولنا قدوة وأسوة. لنقبل على الله، ولنصل أرواحنا بملائه الأعالي. لنقف بين يديه نجدد العهد والميثاق ونردد البيعة على الجهاد في هذا العام سنحيي ذكرى موقعة بدر أقوالاً فعسى أن نحييها في عامنا المقبل قتالا.

أيها الإخوان: اليوم تطهرون أنفسكم حتى تسموا ..

وغدًا تجاهدون في سبيل كلمة الله حتى تعلو ..

وإلى اللقاء في سبيل كلمة الله حتى تعلو .. وإلى اللقاء في ميدان الجهاد ..


المصدر : مجلة النذير – العدد (23) – 8 رمضان 1357هـ / 1938م.