سبل مواجهة الأزمة الإقتصادية العالمية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٣١، ١٨ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

مؤتمر الثمانية الكبار عودة إلى مسارات التيه ... لعلهم يضرعون

الدول الثمانية الصناعية الكبري

وللمرة التي لم يعد أحد يحصي ما سبقها من أعداد، انعقد هذا الأسبوع مؤتمر الثمانية الكبار (أكبر ثمانية دول اقتصاديا في العالم) للبحث في سبل مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بدولهم وبالدوائر العالمية التي تحيط بهم بعد أن أصبح واضحا أن هذه الدوائر تتسع وتدفع بعضها بعضا لتشمل الكرة الأرضية كلها ضاغطة بشكل أكثر تأثيرا على هؤلاء الكبار ثم الذين يلونهم حتى إذا وصلت إلى مساحات الفقر في العالم فقدت تأثيرها لافتقادها أصلا لما يمكن أن تؤثر فيها اهتزازات البورصات ومكافأت رؤساء البنوك ومدرائها وارتفاع أسعار النفط أو انخفاضه وتأثر وسائل الانتقالات والمواصلات وتقلص موازنات التعليم والصحة والإسكان التي ينعم بها شعوب الكبار ثم أشباه الكبار ثم من يحتكر موارده الكبار ثم من باع استقلاله ورهن إرادته نظير ما يجود به عليه هؤلاء الكبار.


وكما لم يعد أحد يحصي لقاءات هؤلاء، فإنه لم يعد أحد يستعصي عليه الإحاطة بأن هناك أزمة معيشة وحياة بسبب الانهيار الاقتصادي المعاش الذي لا يدري الكثيرون تعقيدات أسبابه التي تتجلى يوميا وتظهرها عناوين الأخبار لتؤكد أن هؤلاء الكبار بمعاهدهم ومراكز دراساتهم وعلمائهم قد ضلوا طويلا الطريق الصحيح لإدارة شؤون المال والاقتصاد وثروات الأرض وكنوزها، وقادهم ربا المال والإمعان في المتعة الحرام والإسراف في الحلال منها إلى إيجاد فقاعة كبيرة من الأوراق المالية خدعهم حجمها فخُيل إليهم كالسكارى أنها حقيقة وأن التلة قد أصبحت جبلا وأن بركة المال الصغيرة هي بحر لجّي ..حتى إذا جاءت الأزمة بأمر الله وظهر خداع أرقام الفائدة البنكية وطارت أرصدة البورصات العالمية التي ارتفعت إلى السماء بلا عمد وتوالت فضائح النصب والاحتيال من بيوت المال الكبيرة وأربابها، وتتابع تكدس السلع الاستهلاكية فتتابعت معها أرقام الدعم الجديدة التي تجاوزت مئات المليارات .. لتأتي اللقاءات وليعود القوم إلى نفس الطريق وإلى العلاج بنفس أسباب الداء، وهو تلمس كل السبل التي يعرفوها إلا سبيلا واحدا هو سبيل الله عز وجل وشرعه وسنته في ما سبقنا من الأمم.


نعود إلى تذكير الناس عامة وأمتنا على وجه الأخص التي تركت زمام قيادتها لغيرها طويلا وأعرضت عما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من هدى في كلام الله وأمامها ما جاء في سورة الأعراف وتفيأ ظلاله الشهيد سيد قطب، وفي هذا الأسبوع نقف أمام هذا المقطع من السورة الكريمة:


(وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ (97) أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)) (الأعراف).


هذه وقفة في سياق السورة للتعقيب على ما مضى من قصص قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب .. وقفة لبيان سنة الله التي جرت بها مشيئته وحققها قدره بالمكذبين في كل قرية – والقرية هي المدينة الكبيرة أو الحاضرة المركزية – وهي سنة واحدة يأخذ الله بها المكذبين، ويتشكل بها تاريخ الإنسان في جانب منه أصيل .. أن يأخذ الله المكذبين بالبأساء والضراء، لعل قلوبهم ترق وتلين وتتجه إلى الله، وتعرف حقيقة ألوهيته وحقيقة عبودية البشر لهذه الألوهية القاهرة. فإذا لم يستجيبوا أخذهم بالنعماء والسراء، وفتح عليهم الأبواب، وتركهم ينمون ويكثرون ويستمتعون .. كل ذلك للابتلاء .. حتى إذا انتهى بهم اليسر والعافية إلى الاستهتار والترخص، وإلى الغفلة وقلة المبالاة، وحسبوا أن الأمور تمضي جزافا بلا قصد ولا غاية، وأن السراء تعقب الضراء من غير حكمة ولا ابتلاء، وأنه إنما أصابهم ما أصاب آباءهم من قبل لأن الأمور تمضي هكذا بلا تدبير: (وقالوا: قد مس آباءنا الضراء والسراء)! أخذهم الله بغتة، وهم سادرون في هذه الغفلة. لم يدركوا حكمة الله في الابتلاء بالضراء والسراء، ولم يتدبروا حكمته في تقلب الأمور بالعباد، ولم يتقوا غضبه على المستهترين الغافلين، وعاشوا كالأنعام بل أضل حتى جاءهم بأس الله .. ولو أنهم آمنوا بالله واتقوه لتبدلت الحال، ولحلت عليهم البركات، ولأفاض الله عليهم من رزقه في السماء والأرض، ولأنعم عليهم نعيمه المبارك الذي تطمئن به الحياة، ولا يعقبه النكال والبوار.


ثم يحذر الله الذين يرثون الأرض من بعد أهلها .. يحذرهم الغفلة والغرة، ويدعوهم إلى اليقظة والتقوى، ويلفتهم إلى العبرة في مصارع الغابرين الذين ورثوا هم الأرض من بعدهم، فإنما تنتظرهم سنة الله التي لا تتبدل، والتي يتكيف بها تاريخ البشر على مدارج القرون ..


وتنتهي الوقفة بتوجيه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: (تلك القرى نقص عليك من أنبائها ...) لإظهاره على سنة الله فيها، وعلى حقيقة هذه القرى وأهلها: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) .. فهذا الرسول الأخير وأمته هم الوارثون لحصيلة رسالة الله كلها، وهم الذين يفيدون من أنبائها وعظاتها.


إن السياق القرآني هنا لا يروي حادثة، إنما يكشف عن سنة. ولا يعرض سيرة قوم إنما يعلن عن خطوات قدر .. ومن ثم يتكشف أن هناك ناموساً تجري عليه الأمور، وتتم وفقه الأحداث، ويتحرك به تاريخ "الإنسان" في هذه الأرض. وأن الرسالة ذاتها - على عظم قدرها - هي وسيلة من وسائل تحقيق الناموس - وهو أكبر من الرسالة وأشمل - وأن الأمور لا تمضي جزافا، وأن الإنسان لا يقوم وحده في هذه الأرض - كما يزعم الملحدون بالله في هذا الزمان! - وأن كل ما يقع في هذا الكون إنما يقع عن تدبير، ويصدر عن حكمة، ويتجه إلى غاية. وأن هنالك في النهاية سنة ماضية وفق المشيئة الطليقة، التي وضعت السنة، وارتضت الناموس .. ووفقا لسنة الله الجارية وفق مشيئته الطليقة كان من أمر تلك القرى ما كان، مما حكاه السياق. ويكون من أمر غيرها ما يكون!


إن إرادة الإنسان وحركته - في التصور الإسلامي - عامل مهم في حركة تاريخه وفي تفسير هذا التاريخ أيضا. ولكن إرادة الإنسان وحركته إنما يقعان في إطار من مشيئة الله الطليقة وقدره الفاعل ... والله بكل شىء محيط .. وإرادة الإنسان وحركته - في إطار المشيئة الطليقة والقدر الفاعل - يتعاملان مع الوجود كله، ويتأثران ويؤثران في هذا الوجود أيضا .. فهناك زحمة من العوامل والعوالم المحركة للتاريخ الإنساني، وهناك سعة وعمق في مجال هذه الحركة، مما يبدو إلى جانبه "التفسير الاقتصادي للتاريخ" و"التفسير البيولوجي للتاريخ"، و"التفسير الجغرافي للتاريخ" .. بقعا صغيرة في الرقعة الكبيرة. وعبثا صغيرا من عبث الإنسان الصغير!


(وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون) ..

فليس للعبث - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - يأخذ الله عباده بالشدة في أنفسهم وأبدانهم وأرزاقهم وأموالهم. وليس لإرواء غلة ولا شفاء إحنة - كما كانت أساطير الوثنيات تقول عن آلهتها العابثة الحاقدة! إنما يأخذ الله المكذبين برسله بالبأساء والضراء، لأن من طبيعة الابتلاء بالشدة أن يوقظ الفطرة التي ما يزال فيها خير يرجى، وأن يرقق القلوب التي طال عليها الأمد متى كانت فيها بقية، وأن يتجه بالبشر الضعاف إلى خالقهم القهار، يتضرعون إليه، ويطلبون رحمته وعفوه، ويعلنون بهذا التضرع عن عبوديتهم له - والعبودية لله غاية الوجود الإنساني - وما بالله سبحانه من حاجة إلى تضرع العباد وإعلان العبودية: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).


ولو اجتمع الإنس والجن - على قلب رجل واحد - على طاعة الله ما زاد هذا في ملكه شيئاً. ولو اجتمع الإنس والجن - على قلب رجل واحد - على معصيته - سبحانه - ما نقصوا في ملكه شيئاً (كما جاء في الحديث القدسي) .. ولكن تضرع العباد وإعلان عبوديتهم لله إنما يصلحهم هم، ويصلح حياتهم ومعاشهم كذلك .. فمتى أعلن الناس عبوديتهم لله تحرروا من العبودية لسواه .. تحرروا من العبودية للشيطان الذي يريد ليغويهم - كما جاء في أوائل السورة - وتحرروا من شهواتهم وأهوائهم. وتحرروا من العبودية للعبيد من أمثالهم، واستحيوا أن يتبعوا خطوات الشيطان، واستحيوا أن يغضبوا الله بعمل أو نية وهم يتجهون إليه في الشدة ويتضرعون، واستقاموا على الطريقة التي تحررهم وتطهرهم وتزكيهم، وترفعهم من العبودية للهوى والعبودية للعبيد!


لذلك اقتضت مشيئة الله أن يأخذ أهل كل قرية يرسل إليها نبياً فتكذبه، بالبأساء في أنفسهم وأرواحهم، وبالضراء في أبدانهموأموالهم، استحياء لقلوبهم بالألم. والألم خير مهذب، وخير مفجر لينابيع الخير المستكنة، وخير مرهف للحساسية في الضمائر الحية، وخير موجه إلى ظلال الرحمة التي تنسم على الضعاف المكروبين نسمات الراحة والعافية في ساعات العسرة والضيق .. (لعلهم يضرعون).


المصدر : مجلة رسالة الإخوان إصدار: المركز الإعلامي للإخوان المسلمين 20 فبراير 2009م/ 24 صفر 1430 هـ العدد 582