تاريخ حركة الإصلاح في الصومال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٠:٢٣، ٢٠ يوليو ٢٠١١ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تاريخ حركة الإصلاح في الصومال

بقلم: أ. عبد الرحمن باديو


مقدمة

حركة الاصلاح في الصومال.jpg

إنَّ نمو الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي ثم انتشارها في العالم حيث الجاليات المسلمة، قد جلب اهتماما كبيراً على مدى العقود الثلاثة الماضية وخصوصاً بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر على أهدافٍ في أمريكا، وما أعقب ذلك من إعلان حربٍ كونية على ما يسمى بالإرهاب. كما أن هناك عدة عوامل ساهمت في هذا النمو والانتشار، إلا أن أحد الأسباب الرئيسة في ذلك هو فشل الحكومات التي أعقبت الاستعمار- في كثير من الدول الإسلامية- وجاذبية المنهج الإسلامي المعارض بديلا عن هذه الحكومات.

لقد اتخذت هذه الحركات طرقاً مختلفةً لتحقيق برامجها وابتكرت أساليب واستراتيجيات مختلفة بسبب الظروف والبيئات المختلفة التي نمت وعملت فيها هذه الحركات ([1]).

ومن الطبيعي –في الطبيعة البشرية- أن تلجأ إلى العنف -كسبيل وحيد متاح للتعبير السياسي- بعض الحركات التي تعمل في الأنظمة الدكتاتورية أو في مجتمعات إسلامية تخضع للاحتلال الأجنبي أو تلك التي تعيش كأقلية مهمشة. أما الحركات في البيئات الديمقراطية، فمن المألوف أن تشارك في العملية السياسية الديمقراطية وتنفذ برامج اجتماعية ناجحة ([2]).

في الحالة السياسية الصومالية، فإن الطلبة الصوماليين الذين درسوا في جامعات العالم العربي في الستينيات كانوا قد تفاعلوا مع مختلف الجماعات الإسلامية واعتنقوا أفكارها وكَوَّنُوا تدريجياً حركات مشابهة لها. ونذكر بالأخص منظمتين رئيستين أصبحتا أكثر شهرةً في الصومال منذ الثمانينيات هما: حركة الإصلاح المنتمية للإخوان المسلمين (1978) والسلفية المرتبطة بحركة الاتحاد المنتمية للفكر الوهابي (1980) وفروعها التي ظهرت بعد ذلك ([3]). وفي هذه الأثناء نشاط دعوي ملحوظ لجماعة الدعوة والتبليغ التي تنتمي إلى جذورها في شبه القارة الهندية.

إن الاعتدال هو سمة عامة للإسلام تسمى "الوسطية" وهي تتعارض مع كافة أنواع التطرف أو ما يسمى بالغلو (الإفراط) والتنطع (المبالغة و تجاوز الحد) والتشدد، فمفهومي "الاعتدال" و"التطرف" ليسا مفردتين ابتكرتا حديثاً وتستخدمان لتصنيف المسلمين منذ أحداث 11 سبتمبر وإعلان الحرب الدولية على ما يسمى بالإرهاب، ولكنهما بالأحرى عرفتا في أوائل التاريخ الإسلامي منذ أن تمرد "الخوارج" على السلطة الشرعية للإمام علي بن أبي طالب في عام 37هـ الموافق 658م حيث سلكوا مسلكاً انحرفوا به عن الاعتدال الإسلامي السائد. وفي الوقت الحاضر فإن جميع الجماعات الإسلامية المسلحة التي تقر وتؤيد عقيدة (أيديولوجية) "التكفير الجهادي" (الحكم على الفرد بأنه كافر على أساس الاختلاف في تطبيق الإسلام ومن ثم قتاله) يمكن أن يطلق عليها المتشددون، الغلاة، المتنطحون، المتطرفون ([4]).

نعنى بالاعتدال في هذه الورقة، ببساطة، الحالة الطبيعية لأغلبية المسلمين الذين هم متسامحون مع أنفسهم ومع الآخرين ويتجنبون التطرف إنْ كان في الاعتقاد أو في السلوك ([5]). ولذلك فإن الحركات الإسلامية المعتدلة هي مشروع جماعي يجمع أولئك الأفراد الذين يرفضون "العنف" كوسيلة سياسية و"التكفير" كإقناع ديني، ويسعون في الوقت نفسه إلى تطوير وتحديث مجتمعاتهم في إطار الأصالة الإسلامية.

إن الدراسات العلمية المتعلقة بالحركات الإسلامية في الصومال تظل سطحية إلى حدٍّ كبير، قائمة على التغطية الإعلامية المثيرة والدراسات المتصلة بالأمن في الفترة التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وزادت فضول الناس فيما يسمى من قبل بعض بالإسلام السياسي في منطقة القرن الأفريقي ([6]).

علاوة على ذلك لوحظ مزيد من الاهتمام بالحركات الإسلامية في الصومال عقب ظهور اتحاد المحاكم الإسلامية (UIC) في عام 2006 م والتدخل الأثيوبي بعد ذلك الذي سيطر على اهتمام العالم، إلا أن التغطية الإعلامية لهذا الحدث كانت تصف اتحاد المحاكم الإسلامية كتحالف يضم جميع ألوان الطيف الإسلامي في الصومال. علما بأن حركة الإصلاح نأت بنفسها رسمياً من أن تكون جزءاً من اتحاد المحاكم الإسلامية(UIC) وعند ما كانت المحاكم في أوج قوتها العسكرية، وأوضحت طبيعتها وبرامجها المميزة ([7]).

وبهذا فإن حركة الإصلاح تعيد تأكيد تمسكها القوي ببرنامج الإصلاح السلمي المستمر منذ إنشائها في 11 يوليو عام 1978م، واستمر هذا النهج المعتدل خلال الحكم الديكتاتوري القاسي (19691991) والحرب الأهلية الوحشية (19912010) وهي فترات تُغْرِي بشكلٍ كبير النهج العنيف. في 12 أغسطس 2008 أعلن الإصلاح بشكلٍ علني نتيجة انتخابه لفترة خمس سنوات، حيث تم فيه انتخاب رئيسه الرابع بواسطة مجلس الشورى، مما يبرهن على التزامه الصارم بإرث التشاور الداخلي حتى في هذه الأوقات المتسمة بالفتنة والشغب في الصومال ([8]).

وتنتمي حركة الإصلاح فكرياً (أيديولوجياً) إلى حركة الإخوان المسلمين وأخذت باستمرار تطور قدرتها التنظيمية وتصقل آراءها حول القضايا الرئيسة المعاصرة.

تستفيد هذه الورقة من فرصة كون كتابها من المشاركين في التطور التاريخي لحركة الإصلاح والذين عايشوا تلك الأحداث. كما تساهم في ملء الثغرات المعرفية في مجال الدراسات الإسلامية في القرن الأفريقي وتُلْقِي الضوء على الطبيعة المعتدلة لحركة الإصلاح وموقفها من القضايا الرئيسة المعاصرة.


خلفية تاريخية عن الصحوة الإسلامية في الصومال

في تاريخ الصومال الحديث، أُسْتُخْدِمَ الإسلام عقيدة قوية للتعبئة في أوائل رد الفعل على الاستعمار وكذلك في فترة الصراع الوطني التي أعقبت ذلك، وتصدر ذلك العلماء المسلمون ([9]). هذه التعبئة كانت تأخذ وتنتظم في أشكال مختلفة: فردية أو مجموعات صغيرة تفتقر إلى التنظيم، لهذا تُعد الرابطة الإسلامية الصومالية أول منظمة إسلامية فاعلة تأسست عام 1952 م في مقديشو كرد فعل على الدور المتزايد والمتعاظم للأنشطة التي تمارسها المنظمات التبشيرية المسيحية بعد عودة الحكم الإيطالي إلى إدارة البلاد وذلك بعد وضع البلد تحت وصاية الأمم المتحدة في عام 1950 م ([10]). وكانت هذه المنظمة التي تلقت دعم وتأييد رابطة الشباب الصومالي (SYL) تشجع بصورةٍ رئيسة على التعليم باللغة العربية، ولأجل الحصول على أدوات المنافسة الفعالة مع التعليم باللغات الأجنبية الوافد والذي يحظى بدعم الحكومات المستعمرة والمنظمات التبشيرية الناشطة، ضغطت الرابطة الإسلامية على مصر لفتح مدارس عربية لتنافس نظام التعليم باللغة الإيطالية ([11]).

وكما كان متوقعا لم تتأخر الاستجابة المصرية والتي كانت بالإيجاب حيث أرسلت البعثات وفتحت المدارس، كان أثر تلك المدارس فعالا جداً في خلق نخبة صومالية جديدة تربت على الثقافة العربية وأصبح لها فيما بعد انتماء وثيق بالعالم العربي. كذلك لعبت الرابطة الإسلامية دور تهيئة الأرضيات الثقافية التي قامت عليها فيما بعد الصحوة الإسلامية المعاصرة، حيث كان أغلب الشباب الأوائل للصحوة من المتأثرين بأنشطة الرابطة. بعد الاستقلال في عام 1960 م، حمل عدد قليل من الطلبة الذين تخرجوا من الجامعات العربية أفكار المنظمات الإسلامية المعاصرة وأدخلوها إلى الصومال([12).

هناك عدد من العوامل وفرت وقودا كافيا لانبعاث الوعي الإسلامي وتكوين منظمات اجتماعية جديدة يتزعمها العلماء المسلمون العصريون، ومن بين هذه العومل ولوع الكثير من العلماء المسلمين بنشاطات الإخوان المسلمين في مصر والحركة السلفية في السعودية، وظهور عدد لا يحصى من الموضوعات في الكتب الإسلامية المعاصرة، ووجود نظام فاسد لا يقبل التسامح مع الآخرين في الصومال([13]).

فتأسست النهضة في مقديشو عام 1967 م للترويج للقيم الإسلامية واللغة العربية ولتنادي مسائل وطنية أخرى ذات صلة بحياة الناس ([14]).

علاوة على ذلك، كانت هناك منظمات صغيرة أخرى مشابهة تنشط أيضاً في مدينتي هرجيسا ومقديشو مثل جمعية (حُماة الدين) وجمعية (إحياء السُنَّة). كما ظهرت إلى الوجود أحزاب سياسية أخرى وشخصيات ذات ميول إسلامية ([15]).

وبعد تولي النظام العسكري السلطة في عام 1969 م، تم حظر جميع المنظمات غير الحكومية حظراً تاماً بما في ذلك المنظمات الإسلامية الناشئة.

إلا أن العمل الإسلامي خطا خطوات واسعة في السبعينيات كرد فعل لإدخال الأيديولوجية الاشتراكية بواسطة النظام. وقد شكلت منظمة الطلبة المكونة حديثاً باسم (الأهلي) وعلماء جمعية النهضة المحظورة شكلتا تحدياً قوياً لأيديولوجية النظام حيث قامتا بمواجهة الأيديولوجية الاشتراكية بنشر الوعي الإسلامي من خلال إقامة العديد من الحلقات الدراسية الإسلامية التي انتشرت في كل ركن من أركان البلاد. من الطبيعي أن تكون بين المنظمات الإسلامية الناشئة وبين الأيديولوجية الاشتراكية المستوردة منافسة، وكانت هذه المنافسة جزءاً لا يتجزأ من موجة المنافسة الإسلامية التي وجدت قوة دفع في كل العالم الإسلامي عقب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967 م، حيث قام العلماء المسلمون الصوماليون بحمل الرؤية والإستراتيجية، وتدريجياً دعوا إلى شمولية الإسلام.

في البداية كانت أغلبية الحركات التجديدية الإسلامية في الصومال تدعي بأنها معتدلة في طريقة الدعوة إلى الإسلام أي أشبه بطريقة الإخوان المسلمين في مرحلة نضجها في السبعينيات ([16]) ومع ذلك فقد تغير ذلك الوضع بعد أن ضُرِبَتْ الحركة الإسلامية في مهدها عام 1975م عندما أعدم عشرة من علمائها البارزين وأدين مئات من النشطاء الإسلاميين ([17]) ونتيجة للاضطهاد والمحاكمات هرب كثير من النشطاء الإسلاميين إلى السودان ومصر ودول الخليج العربية حيث حصلوا على عمل هناك وعلى تعليم وبشكل أساسي في الجامعات الإسلامية في هذه الدول. كانت الدول العربية المحافظة في منطقة الخليج تدعم القوى المناهضة للأيديولوجية الاشتراكية في الصومال ولذلك سهلت للإسلاميين الصوماليين إجراءات الانضمام إلى الجامعات الإسلامية. وفي هذه الدول التقى الصوماليون بالعلماء المسلمين من جميع أنحاء العالم وبجميع جماعات الصحوة الإسلامية التي لها رؤى واستراتيجيات مختلفة. لذلك يمكن وصف الفترة من عام 1975-1978 بفترة النزوح الصومالي المكثف إلى المملكة العربية السعودية وظهور النزاعات الداخلية بين النشطاء الإسلاميين وهزيمة الجيش الصومالي في الحرب مع أثيوبيا. وهكذا فإن الإسلاميين الصوماليين الذين كانوا موحدين في السابق أصبحوا منقسمين فكرياً وجلبوا معهم هذه الخلافات الفكرية عند عودتهم إلى الصومال وقدموها إلى الجيل الشاب في الصومال وذلك في الفترة من 1976 إلى 1980 .

بالإضافة إلى حركة الإخوان المسلمين السلمية هناك بعض المجموعات الأكثر تطرقاً في فكرها أو في نشاطاتها كالسلفية الجهادية والتكفير (جماعة المسلمين) قد أوجدت لها موطئ قدم في الصومال.

يمكن وصف الحركات الإسلامية الصومالية في السبعينيات بأنها كانت حركات ذات ارتباطٍ غير ناضج وعاطفي بعقيدة الصحوة الإسلامية وذات قدرة تنظيمية ضعيفة جداً، وموارد اقتصادية قليلة ومنهج غير عملي تجاه الواقع الاجتماعي والسياسي. علاوة على ذلك، كانت جميع هذه المنظمات في مراحل تكوينها الأولي وتعمل في السر حيث كانت جميع طرق المشاركة الاجتماعية والسياسية قد أغلقت بإحكام من قبل النظام العسكري.


حركة الإصلاح: طبيعتها واستراتيجيتها

بعد فترة طويلة من الصحوة الإسلامية في الصومال، تكونت في الآخر حركة الإصلاح، وبشكلٍ أساسي بواسطة طلاب الجامعات الذين كانوا أعضاء فاعلين في جماعة الإخوان المسلمين في السودان والسعودية ([18]).

اسم الإصلاح مشتقٌ من الكلمة القرآنية " الصُلح" التي تحمل معاني مختلفة مثل: الإصلاح والتحسين والمصالحة والتصحيح ([19]). وحركة الإصلاح هي حركة إسلامية معتدلة، هدفها الرئيس أن تنادي وتضغط من أجل انسجام ومعايرة الثقافة الأصلية وقوانين وسياسات الدولة بالإطار الشرعي الإسلامي والقيم الإسلامية، كما تهدف أيضاً إلى نشر هذه القيم من أجل تحفيز الأفراد والمجتمع للتمسك بالدين وفقاً لمبادئ الاعتدال الإسلامي ([20]).

ومع ذلك يكافح الإصلاح جاهداً من أجل سيادة وتطور الشعب الصومالي لتمكينه من تبني القيم الإسلامية مثل:

الشورى والعدل والمساواة، بالإضافة إلى ذلك يكافح للإسهام في إعادة رسم منطقة القرن الأفريقي لتكون مكاناً آمناً خالياً من الصراعات المأساوية وعدم الاستقرار وذلك من خلال التعاون بين دوله. وأخيراً يهدف الإصلاح إلى المساهمة في السلام العالمي والعدل الاجتماعي وحرية الأمم والتسامح بين الديانات والأعراق المختلفة والاحترام المتبادل من أجل التعددية الثقافية وتنمية وتقدم جميع الأمم ([21]).

والإصلاح هو أيضاً حركة غير إقصائية وأن سياسته الشاملة وتعاونه في المتفق عليه مع المنظمات الإسلامية الأخرى، مثل: الطرق الصوفية والزعماء التقليديين والقوميين قد أكسبته موقعاً مركزياً ومتميزا بين النخبة. علاوة على ذلك، فإن تمسك الحركة القوي بالشورى الشاملة الخاصة باستعادة الدولة الصومالية قد نجح في ردم الهوة بين الجوانب الدنيوية والدينية للصوماليين الذين بدا منهم حتى الآن أنه لا يمكن التصالح فيما بينهم. والإصلاح ليس حركة ضد الغرب كأمة أو مقلدة لنماذج الثقافة الغربية التي تتعارض مع القيم الإسلامية. بل هو حركة صومالية واقعية ناضجة تكافح لإيجاد بيئة مساعدة للشعب الصومالي على أساس واقعه الاجتماعي والثقافي. وهي أيضاً ليست حركة متشددة (هذه العبارة المسيحية الأصل والغريبة على الثقافة الإسلامية والتي تستخدم سلبياً) ([22])، ولكن الإصلاح حركة إصلاحية، ويظهر ذلك من آرائها المعتدلة وبرامجها السلمية والتي أدانت بها جميع أنواع التطرف والعنف. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإصلاح يعتبر نفسه جزءاً من حركة المجتمع المدني الناشئة في الصومال. وتتمتع بسجل حافل في الترويج لقيم المجتمع المدني، مثل: حماية حقوق الإنسان وقيم الشورى والحقوق الاجتماعية والسياسية للمرأة إلخ.

إن جميع المبادئ والسياسات المذكورة أعلاه تحافظ عليها الحركة من خلال منهجٍ تعليمي وبرامج تدريبية لأعضائها وفي إطار التفسير المعتدل للقرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والفقه الإسلامي المعتدل والمتصف بالواقعية والذي يتماشى مع متطلبات البيئة المحلية.

والإصلاح ليس حزباً سياسياً يركز فقط على نيل السلطة السياسية وليس منظمة اجتماعية تركز على القضايا الاجتماعية البحتة. بل هو بالأحرى حركة من أجل إحياء العقيدة الإسلامية ونشر الوعي الاجتماعي في المجتمع الصومالي. وفي الواقع أن الإسلام يقدم دليلاً لجميع مناحي الحياة ويتطلب من المسلمين التقيد والالتزام ببعض القوانين والمبادئ المعينة. وهذا يعني أن حركة الإصلاح، خلافاً لتقسيم مناحي الحياة إلى اجتماعي وسياسي وعلمي وديني... تنظر إلى هذه المجالات كمجالات مُوَحَّدَة في المنهج الإسلامي ولذلك توصل عملها إليها جميعاً ([23])، وتؤدى حركة الإصلاح عملها كمنظمة شعبية لا مركزية ويشترك أعضاؤها في نفس الرؤية والرسالة والقيم والاستراتيجية المشتركة. وعضويته مفتوحة لكل الصوماليين الذين يستوفون متطلبات العضوية التي تتركز في الالتزام الديني للشخص والتمسك بغايات الحركة وأهدافها وسياساتها. ويُقاس المستوى الأدنى لالتزام الفرد بتسديده المنتظم للمساهمة المالية والمشاركة النشطة في برامج الحركة. يتلقى جميع الأعضاء نفس البرامج التعليمية والتدريبية التي توحد فهمهم للإسلام ولشؤون دولتهم وللشؤون الدولية بشكلٍ عام، ويتم تنسيق نشاطات الحركة من خلال مكتب الأمانة العامة لرئيس الحركة بمساعدة المكتب التنفيذي والمجلس الاستشاري.

إن الاستراتيجيات الخاصة ببلوغ الأهداف المذكورة أعلاه قد ترسخت من خلال تنفيذ برامج شاملة ومناهج إصلاح اجتماعي تهدف إلى إصلاح تدريجي للأفراد، والأسر والمجتمعات والمؤسسات العامة والخاصة.

وتشمل هذه المناهج والبرامج ما يلي:

(1) منهج تعليمي داخلي وبرنامج يستهدف أعضاء الإصلاح ويقام كحلقات تعليمية منتظمة وبرامج تدريبية وحلقات دراسية وندوات ومؤتمرات ومخيمات. كما أن هناك مستويات مختلفة لعضوية الإصلاح تؤهل إلى برامج مختلفة، حيث يتم الترفيع إلى القيادة بصورة هرمية، وتحتوي هذه على أقسام نظرية وعملية.

(2) مناهج دراسية وبرامج تستهدف المجتمع بغية زيادة الوعي الإسلامي للجمهور وتحسين ولائهم وتمسكهم بالمبادئ والقيم الإسلامية.

وتنفذ هذه البرامج عموماً في المساجد والحلقات الدراسية، وخطب الجمعة والنشاطات المجتمعية والمؤتمرات إلخ. بالإضافة إلى هذا فهناك المؤسسات الخيرية التابعة للإصلاح وهي تقدم مساعدتها إلى المجتمعات من خلال توزيع المساعدات الخيرية وأموال الزكاة وإنشاء المدارس وتشييد وتشغيل المستشفيات والمراكز الصحية وحفر واستصلاح الآبار السطحية والارتوازية... وتعمل هذه المؤسسات الخيرية أيضاً في برامج التنمية المستدامة في مختلف القطاعات مثل الزراعة والصحة والتوظيف والبرامج التعليمية وغيرها، كما تعمل كذلك في عمليات الإغاثة الإنسانية، ورعاية الأيتام والأرامل والفئات المستضعفة، وبعض من هذه المؤسسات الخيرية منظمات متخصصة في شؤون المرأة والشباب على سبيل المثال. إلى جانب ذلك يقوم أعضاء الإصلاح بالمشاركة في المناقشات والحوارات العامة، والعمل الاجتماعي السياسي ونشاطات المجتمع المدني. وكل هذه النشاطات والبرامج والأعمال تفيد في الوفاء بالواجبات الإسلامية والتعامل مع برامج الإصلاح الاجتماعي الشاملة.


التطور التاريخي لحركة الإصلاح فترة التكوين (19781992)

كان البرنامج الأول للإصلاح من عام 1978-1992، يهدف إلى وضع أساس قوي لمنظمةٍ إسلامية عصرية وذلك بجذب وتسجيل أعضاء أرفع تعليماً من خلال الحلقات التعليمية الفاعلة، ونشر الإسلام بصورة مكثفة في أوساط الشعب الصومالي. ومن الناحية السياسية تبنى الإصلاح سياسة الكفاح السلمي ضد نظام سياد بري القمعي ونأي بنفسه من الاشتراك في حركات المعارضة المسلحة التي نمت فجأةً وانتشرت بسرعة في فترة الثمانينيات ([24]). وبدلاً من ذلك اتبع الإصلاح وسائل سلمية للمعارضة مثل زيادة الوعي الشعبي بوحشية وفظاعة النظام وتعبئة الرأي العام ضده. وبحلول الثمانينيات، في الوقت الذي كانت فيه الحركة تعمل سراً، تم اكتشاف بعض قادتها في مقديشو، وحكم عليهم بالسجن في إطار حملة الملاحقة التي قام بها النظام ضد النشطاء الإسلاميين في الصومال.

إلا أن النظام أخذ تدريجياً يخفف من قبضته الحديدية وضعفت أجهزته الأمنية بصورة تامة. بل تلقى ضربة قوية بعد مواجهة كارثية مع قوات الحركة الوطنية الصومالية المسلحة (SNM) في هرجيسا في عام 1988 م وما أعقب ذلك من نزوح جماعي للشعب إلى مخيمات اللاجئين. وقد تسببت هذه الحادثة في تجفيف المساعدات الدولية بشكل كامل للنظام بسبب انتهاكاته الكبيرة لحقوق الإنسان وشنه حرباً على شعبه.

خلال الأعوام 1987 إلى 1990، رَكَّزَ الإصلاح على تقديم العمليات الإغاثية في مخيمات اللاجئين في الأقاليم الشمالية المتأثرة بالحرب، وفي ذات الوقت كان يتوسع في نشاطاته الإسلامية في حرم الجامعات الصومالية بالعاصمة مقديشو وغيرها ووسط الطلاب في دول الشتات.

كما أن الحركة اجتذبت إلى صفوفها أيضاً أعضاء أكثر خبرةً يستطيعون أن يقوموا بأدوار اجتماعية وسياسية أكثر فاعلية. وفي السنوات الأخيرة من عمر النظام قام الإصلاح بصورةٍ علنية بالتعبير عن برنامجه الاجتماعي السياسي ولعب دوراً مهماً في المظاهرات الدموية التي عرفت " بالجمعة السوداء " في 14 يوليو عام 1989 م. وكانت الحركة تصدر بيانات صحفية وترسل خطابات مفتوحة إلى زعماء النظام داعيةً إلى استقالة الرئيس وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية ([25]).

في 26 يناير 1991، بدأت صفحة جديدة في تاريخ الصومال كان لها أثر عميق ومستمر على المجتمع الصومالي في السنوات التالية. إنها نقطة تحول في تاريخ البلاد الذي تميز بفشل وسقوط الدولة في فترة ما بعد الاستعمار أي بعد 30 عاماً من الاستقلال.

الفرحة الأولية –عند البعض- باختفاء النظام القمعي ارتبطت في الوقت نفسه بمخاطر الحرب الأهلية التي لا يمكن تصورها، فحلت بالصوماليين في فترة سوداء جديدة أصبح فيها مصير الدولة الصومالية في أيدي الفصائل العشائرية الإقطاعية. وتوفرت كل أنواع الأسلحة للمليشيات الغاضبة التي مارست ثقافتها في العنف والنهب وتدمير رموز الحضارة بشكل كامل. وكانت النتيجة اندلاع حرب أهلية حمقاء في كل ركن من أركان البلاد تسببت في دمار لا مثيل له في الأرواح والممتلكات وهجرة أكثر من مليون صومالي إلى جميع قارات العالم وملايين آخرين إما قد توفوا أو نزحوا داخلياً أو أصبحوا لاجئين في دول الجوار.

وفي جنوب الصومال، في السنوات الأولي للحرب الأهلية سادت سياسة الرصاصة والبندقية، والتعصب العشائري، والنهب المنظم وإذلال العشائر الضعيفة. وانتشرت على نطاق واسع المجاعة والحزن والمعاناة الإنسانية التي لا مثيل لها في معظم الأقاليم. وللأسف، وخلال تلك السنوات فإن المجتمع الدولي قد اعترف بأمراء الحرب في الجنوب وبمليشياتهم المتوحشة كممثلين شرعيين وحيدين للبلاد. وفي الوقت نفسه قام فصيل الحركة الوطنية الصومالية (SNM) في الجزء الشمالي للصومال بإعلان دولة مستقلة باسم " أرض الصومال ". لقد ضاعت الرؤية الوطنية المتوارثة عن الأجداد، ضاعت بصورةٍ كاملة وحل محلها أجندة عشائرية قصيرة النظر في المجتمع الصومالي. في هذا الوقت المتسم بالتحدي، وبالرغم من عقبتها المتمثلة في إمكانياتها المحدودة، لم تتخلَ حركة الإصلاح عن برامجها ونشاطاتها ومشاركتها في شؤون البلاد.

كانت الحركة تحاول جاهدةً التعبير عن قلقها ومخاوفها وعن مواقفها بشأن القضايا الوطنية الرئيسة، واعتبرت الحركة أن ما حصل في الصومال ما هو إلا صراع عشائري أحمق وعنيف ومزلزل، لذلك منعت أعضاءها من أن يكونوا جزءاً من هذه الصراعات وحافظت على وحدتها الداخلية في بيئةٍ مضطربة.

وكانت الحركة تصدر التصريحات والبيانات الصحفية حول كل قضية مهمة. وكانت تنتقد أيضاً وبكل شجاعة وبصورةٍ علنية سياسة العنف والقتال التي تتميز بها حركة الاتحاد الإسلامي ومواجهتها المسلحة مع زعماء الفصائل في كيسمايو (1991)، وبونت لاند (1992) وجيدو (1996)([26])، كما أن الحركة في هذه الفترة الحرجة كانت تقدم النصيحة لجميع اللاعبين المتصارعين في الساحة الصومالية، منطلقة في ذلك من مبادئ الإسلام السامية حيث إن الدين النصيحة.

وبينما دمرت الحرب الأهلية البلاد بأكملها وتسببت خسائر فادحة قي الأرواح والممتلكات، فإن ضررها على حركة الإصلاح كان مؤلماً وهائلاً كذلك، حيث إنها فقدت في السنة الأولى لهذه الحرب، كثيراً من أعضائها النشطين والقادة الميدانين، وكان من بين ذلك نائب رئيس الحركة والمسئول السياسي في الحركة ([27]).

علاوة على ذلك، تسببت الحرب نزوحا كبيرا وسط أعضائها وقادتها وكانت عملية إعادة تجميعهم صعبة جداً حيث إن معظمهم لا يعرفون بعضهم البعض نظراً للطبيعة السرية للحركة في ذلك الوقت.

لقد كان حجم النزوح كبيراً جداً وشمل تقريباً جميع القرى والمحليات في الصومال وإلى الدول المجاورة مثل كينيا وأثيوبيا وجيبوتي. وفي ذلك الوقت بدأت الهجرة وبكثافة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا. علاوة على ذلك انقطعت الاتصالات بين القادة في الخارج (دول الشتات) والقادة الميدانيين داخل الصومال نظراً لتدمير منشآت الاتصالات. ولكن ربَّ ضارةٍ نافعة، فقد أوجد هذا الوضع فرصة عظيمة للعمل الاجتماعي الإسلامي أن يزدهر ويصل إلى المناطق النائية وإلى أماكن لا يمكن التفكير فيها. علاوة على ذلك، فإن أعضاء الإصلاح المهاجرين كانوا يصلون بصورةٍ نشطة إلى مجتمع الشتات ووسط الطلاب في الجامعات بالخارج، وينشرون رسالة الإسلام. وخلال السنوات الأولى للحرب الأهلية، كانت الحركة تعمل لتحقيق الأهداف الرئيسة الثلاثة التالية:

(1) المصالحة بين الأطراف المتحاربة "إصلاح ذات البين"

(2) تكثيف العمل الإسلامي "الدعوة والإرشاد"

(3) التركيز على عمليات الإغاثة والتعليم "الإغاثة والتعليم" دعماً للأسر المحتاجة والمستضعفة ولإعادة إحياء التعليم. وكانت السياسات المهمة الأخرى هي أيضاً إعادة التأكيد على عدم انتهاج العنف "الحياد السياسي"، وإقامة مؤسسات مجتمعية فعالة في الخارج ([28]).

عقد أول مؤتمر جامع لقيادة الإصلاح بعد اندلاع الحرب الأهلية في عام 1992. ويمكن وصف هذا المؤتمر بالولادة الثانية للحركة إذ تم فيه إعادة تقييم أداء الحركة، وتحديد رؤيتها وتطوير إستراتيجية جديدة وإكمال إعادة البناء الداخلي.

ومن ناحية تقييميه، فقد أصبح من الواضح أن الرؤية الجوهرية للحركة وقيمها وسياساتها العامة قد تم المحافظة عليها في كل مكان على الرغم من حالات النزوح الواسعة والهجرة التي كانت سائدة (آنئذٍ). فالأغلبية الغالبة من أعضاء حركة الإصلاح قد التزموا بسياسات الحركة مثل الحيادية، وعدم العنف والسلم ورفض الروح العسكرية العدوانية والحروب العشائرية.

لقد أجاز المؤتمر الأهداف الإستراتيجية الأساسية بما في ذلك تكثيف النشاطات الإسلامية واستنكار إضفاء الشرعية الإسلامية على الحروب الداخلية بين الجماعات. كما تضمن من بين أهدافه الوصول إلى النخبة الصومالية المثقفة وتحسين العلاقات مع النخب التقليدية كالعلماء وزعماء القبائل، والمحافظة على سياسة الحياد فيما يتعلق بالحروب العشائرية. وعلى الرغم من أن الخدمات الاجتماعية والمصالحة قد كانتا دائماً مجال التركيز منذ بداية الحرب الأهلية، إلا أن التعليم والمصالحة الوطنية قد أعطيتا في المؤتمر الأولوية الحاسمة بالنسبة للسنوات القادمة.


حركة الإصلاح خلال الحرب الأهلية (1992-2008)

إن مشاركة الإصلاح في الشؤون الاجتماعية السياسية للصومال بعد عام 1992م قد ازدادت بصورة كبيرة ومتطورة، حيث شاركت الحركة في المؤتمرات الدولية الخاصة بالصومال، وأقامت المؤسسات ذات الصلة، ونفذت برامج عامة محددة. فقد شاركت الحركة في مؤتمرين للمصالحة عقدا في أديس أبابا تحت رعاية قوة الأمم المتحدة في الصومال (UNOSOM) في يناير ومارس من عام 1993م وأصدرت بياناً وتصريحات صحفية في المؤتمر جرى توزيعها على نطاقٍ واسع ([29]). كذلك قام الإصلاح بتنظيم مؤتمرات في مختلف المناسبات الوطنية والدينية مثل يوم الاستقلال، والمولد النبوي الشريف والأعياد الدينية الأخرى.

لقد تمت الاستفادة من هذه المؤتمرات كوسيلة لإحياء الهوية الوطنية وتوضيح مبادئ الحركة. وفي دول الشتات قامت الحركة أيضاً بتنظيم مؤتمرات سنوية ولقاءات مجتمعية وملتقيات اجتماعية في مناسبات مختلفة. علاوة على ذلك تم تأسيس تنظيمات طلابية ومجتمعية بالإضافة إلى مجموعات دراسة وطنية. وخلال هذه السنوات، أنشأت الحركة مجلس المصالحة الوطنية (SRC) في عام 1994 كمنظمة غير حكومية (NGO) متخصصة وذلك للتشجيع على السلام وتحقيقه بين العشائر والمجتمعات، والأحزاب السياسية. وقامت فروعه في مناطق النزاع الرئيسة في جنوب الصومال بأداء دور حيوي في تعبئة النخب التقليدية للتوسط في النزاعات وحل الصراعات ([30]).

علاوة على ذلك، قام أعضاء الإصلاح بتكوين منظمات غير حكومية كثيرة في جميع أنحاء الصومال لتقديم مساعدات إنسانية للمحتاجين والأيتام والأرامل والشرائح المستضعفة في المجتمع. وركزت معظم هذه المنظمات غير الحكومية على التعليم والصحة وتوفير المياه الصالحة للشرب وبناء المساجد والمراكز الإسلامية.

وأصبحت هذه المنظمات بمثابة العمود الفقري لمؤسسات المجتمع المدني الصومالي الناشئة. وفي غياب المؤسسة الوطنية للدولة والأحزاب السياسية السلمية ومع تفوق الفصائل العشائرية المسلحة، فإن المشاركة في الشؤون السياسية لم تكن عملاً سهلاً لمنظمة إسلامية عصرية. وكما ذكر أعلاه فإن العزلة ليست حلاً مناسباً وأن المشاركة تعنى التعامل مع الحقائق والواقع العشائري. وبالتأكيد فإن العمل السياسي والاجتماعي الصومالي الحالي هو عمل منظم ومحرك ومدعوم عشائرياً؛ لذلك وفي بيئة عشائرية راديكالية وعدائية وثقافة سياسية سامة فكيف لمنظمة تضم كل العشائر مثل الإصلاح أن تشارك بفعالية في شؤون المجتمع دون التنازل عن قيمها الجوهرية في الوقت الذي تحافظ فيه على وحدتها الداخلية الأساسية؟ نظرياً، فإن المسألة أكثر تعقيداً مما تبدو من أول وهلة. ومع ذلك وبالعودة إلى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كانت هناك قبائل شبيهة بتلك الموجودة في الصومال اليوم، وباستعراض تاريخ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الدروس عن كيفية التعامل مع القبائل، فإن المسألة تصبح سهلة وبسيطة بل وأكثر سهولة طالما أن جميع العشائر الصومالية هي عشائر مسلمة.

من جهة أخرى، فإن المسألة تصبح أكثر تعقيداً، إذا أخذنا في الاعتبار ندرة الدراسات الحديثة حول هذا الموضوع والغياب التام للخلفية التاريخية في كتابات جماعة الإخوان المسلمين حول كيفية التعامل مع وضع لا توجد فيه دولة([31]).

علاوة على ذلك، فإن التعليم المستمر لأعضاء الإصلاح لكي يضعف فيهم الارتباط والسلوك القبلي، ومشاهدة وحشية العشائر خلال الحرب قد خلق مواقف سلبية وسط أعضاء الإصلاح في التعامل مع المؤسسات العشائرية.

ولإيجاد جو من الفهم المشترك، تم فتح حوار شامل ومناقشات مضنية في عام 1991 م حول موضوع كيفية التعامل مع المجتمعات القبلية وتم أخيراً تطوير تدريجي لسياسة عرفت بـ"التعامل مع الواقع " وذلك في عام 1993. [32]

منذ عام 1995 م، حدثت تطورات جديدة أضعفت سلطة زعماء الفصائل المسلحة في الصومال. وكان من ذلك إحياء نظام التعليم المحلي حتى المستوى الجامعي وتتويجه بتأسيس جامعة مقديشو في عام 1996 م ونشر مؤسسات المجتمع المدني المرتبطة ببعضها البعض.

بالإضافة إلى ذلك نشأ مجتمع تجاري عبر العشائر منافساً لزعماء الفصائل المسلحة في السياسات المحلية وشؤون المجتمع. ونتيجة لذلك تبنى الإصلاح برنامجاً سياسياً متطوراً في عام 1998 م يركز على العمل نحو المصالحة الوطنية. وإلى جانب تأييده لجهود المصالحة الوطنية في مقديشو، أرسل الإصلاح وفوداً إلى مختلف المناطق منادياً بإيجاد وسيلة للخروج من المأزق السياسي في الصومال([33]). وإذ ظهرت فرصة جديدة مع مبادرة جيبوتي للمصالحة في 22 ديسمبر 1999م، فإن الحركة لم تؤيد المبادرة فحسب بل شاركت بفاعلية أيضاً في المؤتمر واعتبرته بمثابة "أول مصالحة سياسية حقيقية في الصومال"([34]).

أثناء عملية المصالحة في عام 2000 م، قام أعضاء الإصلاح بدور مهم بين مختلف العشائر، وبعض أعضائه أصبحوا أعضاء في البرلمان الانتقالي وشغلوا مناصب وزارية. ومع ذلك فإن القدرة الضعيفة للقيادة وضعف المؤسسات الوطنية والمعارضة القوية من جانب الفصائل المسلحة التي أعادت أثيوبيا تنظيمها تحت مظلة مجلس المصالحة الوطنية وإعادة الاستقرار (SRRC)، شجعت على الدعوة الجديدة لمؤتمر المصالحة في كينيا عام 2002 م تحت رعاية الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (الإيغاد) IGAD.

إنَّ بروز الإصلاح في مؤتمر جيبوتي للسلام، وظهوره العالمي بعد 11/9 برهن على طبيعته الحقيقية كحركة معتدلة وبرهن على التزامه الصارم بتشكيل مؤسسات حكومية وطنية. علاوة على ذلك، فإن برامج "الإصلاح" في مجال التعليم، الصحة، ونشر السلام قد نمت بسرعة في جميع المناطق. إن الاعتدال الإسلامي الذي يمثله "الإصلاح" في الصومال احتل موقعاً مركزياً في كافة الملتقيات العامة ووسط مؤسسات المجتمع المدني. ونتيجة لذلك، ازدادت عضوية الإصلاح بصورةٍ ملحوظة، على الرغم من تقليص دوره السياسي فيما بعد في مؤتمر المصالحة الوطنية في كينيا (20022004) الذي هيمن عليه أمراء الحرب. ومع ذلك حافظ الإصلاح على استراتيجيته المتمثلة في السلم والمصالحة، في التعامل مع الحكومة الجديدة التي تم تكوينها في كينيا. فقد أعطى الإصلاح الأولوية المطلقة للمحافظة على المؤسسات الوطنية الانتقالية والتي بدونها سيتفكك الصومال إلى غيتوهات عشائرية، كما أعطى الأولوية أيضاً لكبح جماح العنف والاقتتال الداخلي. ولتعزيز المصالحة الوطنية أيَّدَ الإصلاح المصالحة بين فصيلي المؤسسات الفيدرالية الانتقالية اللذين اختلفا حول مسألة إعادة وضع مؤسسات الدولة التي تم الاتفاق عليها في كينيا، إما إلى مدينة جوهر أو إلى العاصمة مقديشو([35]). كما اقترح أيضاً خطة وطنية لإعادة بناء المؤسسات الوطنية وعرض دعمه لهذا المشروع.

وكان دور الإصلاح في المصالحة والبرامج التنموية والمساعدات الإغاثية واضحاً جداً عندما اندلع الصراع بين أمراء الحرب في مقديشو وإتحاد المحاكم الإسلامية (UIC) في عام 2006 م. فكانت فرقٌ من حركة الإصلاح تلتقي بصورةٍ مستمرة بالطرفين المتصارعين في محاولةٍ للتوصل إلى اتفاق سلام. ومع ذلك اندلعت الحرب وتم سحق زعماء الفصيل المشاكسين بسهولة. علاوة على ذلك استمرت المنظمات غير الحكومية المنتمية للإصلاح في تقديم المساعدات الإنسانية إلى السكان المشردين جراء الصراع. كما استمرت الهيئات الاجتماعية في تقديم التعليم والخدمات الصحية وزيادة الوعي وذلك في المساجد ووسائل الإعلام ومراكز خدمة المجتمع. وكثفت هذه البرامج عندما كانت الحرب بين قوات إتحاد المحاكم الإسلامية وقوات الحكومة الانتقالية المتحالفة مع أثيوبيا على وشك الوقوع، ولهذا الغرض أنشأ الإصلاح لجنة للمصالحة تقوم بإعداد مبادرات مصالحة بين الطرفين وتستمر في الدعوة إلى السلام والحوار([36]).

لقد نأت حركة الإصلاح بنفسها من أن تكون طرفاً في مجلس إتحاد المحاكم الإسلامية (UIC) ومنعت أعضاءها من الانضمام إلى أية مجموعة تستخدم العنف ضد الصوماليين، وعندما تحدى بعض أعضاء الإصلاح سياسة الحركة وشاركوا في إتحاد المحاكم الإسلامية، تم إلغاء عضويتهم علناً. ونتيجة لذلك ساءت العلاقات بين الإصلاح وإتحاد المحاكم الإسلامية (UIC) وتم حظر بعض نشاطات الإصلاح من قبل إتحاد المحاكم الإسلامية بما في ذلك الاحتفال السنوي بذكرى تأسيسه الـ 28([37]).

انعكس هذا الانقسام بصورة سلبية على جهود الإصلاح في المصالحة وفي علاقاته بإتحاد المحاكم الإسلامية. ومن جهةٍ أخرى فإن التدخل العسكري الأثيوبي بعد هزيمة إتحاد المحاكم الإسلامية وظهور الأعمال المسلحة مرة أخرى وما نشأ عنها من كارثة إنسانية أوجدت تحديات جديدة لبرامج الإصلاح وأنشطته.

إن فكرة الاعتدال بأكملها في السياسة والدين قد أُضْعِفَت أثناء وبعد ظهور إتحاد المحاكم الإسلامية وما تلاها من تدخل أثيوبي. ونتيجة لذلك تم تهميش مؤسسات المجتمع المدني، وتقلصت أنشطتها واستهدف قادتها وقتل كثير منهم.

ومع ذلك يتمسك الإصلاح بقوة بمبادئه واستراتيجيته السلمية والتزامه بالحوار والمصالحة وتقديم الخدمات الاجتماعية والمشاركة السياسية. كما أنه أدان بصورة متكررة التدخل الأثيوبي والقتل العشوائي للشعب الصومالي في خضم الاقتتال بين قوات المعارضة وقوات الحكومة الانتقالية المتحالفة مع القوات الأثيوبية. بالإضافة إلى ذلك، يرى الإصلاح أن المخرج الوحيد من المأزق الصومالي الحالي هو من خلال مصالحة حقيقية، وتحسين الأمن والامتناع عن العنف (والاستبداد)، وتجنب سيطرة التفسير الديني المتشدد وإجراء انتخابات شعبية لإنشاء مؤسسات حكومية شرعية في الصومال.


سياسات الإصلاح وآراؤه في القضايا المعاصرة

ثلاثون عاماً من العمل المتواصل بتحدياته الهائلة وخبراته، قد صقل حركة الإصلاح بطريقة هذبت رؤيتها المشتركة ورسالتها وحسنت وجهات نظرها واستراتيجياتها وعملياتها. وهذه الآراء مشتركة بين جميع الحركات المنتمية للإخوان المسلمين مع اختلافات بسيطة وفقاً لاختلاف الواقع الاجتماعي الذي تنتمي إليه هذه الحركات:

الانفتاح على المجتمع

تواجه المنظمات صعوبات في الفترة الانتقالية من حركة سرية إلى حركة علنية. وتتطلب هذه العملية تغييرات في المواقف والأعراف بل ووضع مجموعة واضحة من القوانين والسياسات. إن الواقع الاجتماعي والسياسي في الصومال قد تغير بصورة جذرية بعد سقوط الدولة في عام 1991م والانتقال من حكم الدولة إلى سيطرة العشيرة. وفي الحقيقة، فإن الإصلاح لم يكن مهيئاً بما يكفي للتعامل مع الأوضاع الجديدة خلال المراحل الأولية.

والسبب في ذلك هو أن برامجه التدريبية كانت مركزة بشكل رئيس على إصلاح المجتمع الخاضع لحكم مؤسسات الدولة وليس في مرحلة صراع ونزاع، بحيث لم تتطور في كتابات الإخوان المسلمين بَعْدُ نظريات للتعامل مع الصراعات العشائرية، وخصوصاً عند ما يكون مجال الصراع واسع النطاق ويتسبب في الانهيار الكامل لمؤسسات الدولة. علاوة على ذلك، فإن الفهم العام لأعضاء الإصلاح هو أن العشائر مرتبطة ارتباطاً شديداً بالقبلية التي منعها الإسلام وقضى عليها، أضف إلى ذلك أنه بعد سقوط الدولة، انتقلت قيادة المجتمع الصومالي من بيروقراطية الدولة إلى الزعماء التقليديين وإلى الفصائل السياسية المسلحة. وللتفاعل مع مثل هذا الوضع تم في عام 1995 قرار تبني سياسة "التعامل مع الواقع". والفلسفة الأساسية لهذه السياسة هي كسر عزلة الحركة وانفتاحها على المجتمع. وتضمنت أهداف هذه السياسة تشجيع أعضاء الإصلاح على المشاركة بصورة فاعلة في المنظمات الاجتماعية والسياسية الموجودة بشكل إيجابي وقوي.

إن أعراض العزلة عن المجتمع والانغماس في الثقافة العشائرية ليست أعراضاً صحية بالنسبة للعمل الإسلامي الحديث. وبدلاً من ذلك فإن الاشتراك الجرئ والإيجابي هو الوسيلة المثلى للمصلحين الإسلاميين. وفي الواقع أُدْرِكَ بعد تطبيق هذه السياسة بأن أعضاء الإصلاح يستطيعون أن يقوموا بكل مهارة بأداء وظيفة "الأسمنت، أو المادة اللاصقة" لتثبيت عناصر المجتمع الصومالي المجزأ ودفعه نحو القيم الإسلامية قدر المستطاع.

التركيز على النخب المثقفة

الإسلام دينٌ قائم على العلم والمعرفة ويكن احتراماً كبيراً للعلماء ([38])، فالآيات القليلة الأولى التي أنزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تشير إلى أهمية القراءة والقلم وتعليم الإنسان. يقول الله سبحانه وتعالى: " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون..." (39:9).

إن التغيير الاجتماعي لا يتطلب فقط نخباً مستنيرة ولكن يتطلب أيضاً فهم الفلسفة الأساسية للحركة، والشروع في ذلك التغيير، وتعليم الجماهير والقيام بدور قيادي. ومع أخذ هذه الأمور الأساسية في الاعتبار، فإن الإصلاح يجند بوجه عام في صفوفه شرائح شابة ومتعلمة في المجتمع. لماذا التركيز على العناصر الشابة؟ لأنهم مليئون بالحيوية ومنفتحون.. ولماذا المتعلمون؟ لأنهم يستوعبون الرسالة بسهولة، وينقلونها إلى الآخرين([39]). علاوة على ذلك اكتشف الإصلاح أن برنامجه الفكري واتصاله بالمثقفين الصوماليين كان ضعيفاً، لذلك فإن السياسة الجديدة التي تم اعتمادها قد اعتبرت هؤلاء المثقفين شركاء في الإصلاح وبحثت عن القواسم المشتركة بدلاً من البحث عن الانسجامية. وكانت ثمرة هذه السياسة كبيرة جداً وقد جلب تطبيقها في الميدان فوائد ملموسة للمجتمع الصومالي.

لقد كانت المسافة والتحفظات بين النشطاء الإسلاميين الحديثين والمثقفين الصوماليين ضيقة حيث إن كلاً من المثقفين الوطنيين والإسلاميين المعتدلين قد تم تهميشهم خلال الحرب الأهلية بواسطة أمراء الحرب ورافعي رايات العشائرية. أخيراً، يعتقد الإصلاح بأن إيجاد جبهة مشتركة وإقامة تحالف بين الوطنيين والإسلاميين المعتدلين هو السبيل الأمثل لإنهاء العشائرية والانحرافات الفكرية المتزمتة واستعادة حكومة صومالية فعالة.

احترام العلماء المسلمين التقليديين والتعاون معهم

يعتبر الإصلاح نفسه امتداداً لمساعي أجيال العلماء المسلمين التقليديين. وحقا كان العلماء المسلمون التقليديون هم المثقفون الوحيدون إلى أن خَرَّجَتْ المدارس الاستعمارية نخباً جديدة. فكان العلماء التقليديون يمثلون روح الإسلام وكانوا قادة ومعلمو المجتمعات وحُماة الدين ومنقذو الأمة من محاولات التنصير([40]). كذلك ظلوا المؤسسين والأعمدة الرئيسة للحركات الإسلامية المعاصرة ويقومون دائماً بدور مكمل وحيوي خصوصاً في المناطق الريفية ووسط الجماهير غير المتعلمة([13]). وبالرغم من وجود نظرة ضيقة وغير حكيمة لدى رؤى ومناهج بعض الحركات الإسلامية المعاصرة تجاه الطرق الصوفية من حيث الاجتهاد في تصيد وتكبير بعض الأخطاء الموجودة عند بعض أتباع الطرق الصوفية، إلا أن الإصلاح وسع رؤيته بحيث لم يتبنّ تلك النظرة غير الحكيمة تجاه الطرق الصوفية، وعلى العكس من ذلك اعتبرهم معلمين وآباء وقادة للمجتمعات وأعطاهم الاحترام الذي يستحقونه والتشجيع والدعم، وأما ما قد يوجد عند بعضهم من شطحات أو انحرافات، يحاول الإصلاح إزالتها بالتي هي أحسن متعاونا في ذلك مع أقطاب الطرق الصوفية الذين لا يجيزون ولا يشجعون على هذه الشطحات، وذلك في جو من الأخوة الإسلامية والاحترام المتبادل والتناصح والغيرة على الدين.

وهذا الفهم العميق للحيوية الاجتماعية للصومال هي ضمانة ضد الآراء المتسمة بالانعزالية والكراهية التي كانت ولا زالت سائدة في دوائر بعض الحركات الإسلامية. كانت هذه الآراء نتيجة لنفوذ وتأثير السلفية المعاصرة التي تنتهج التركز على محاربة العلماء التقليديين من الطرق الصوفية وتعتبرهم مبتدعين وعائقاً أمام إحياء الإسلام. وعلى العكس من ذلك، فإن حركة الإصلاح في الوقت الذي تقدم فيه التعاليم الإسلامية الأصيلة وتنشر العلم الأصيل في إطار الاعتدال الإسلامي، تحترم وتتعاون مع العلماء وقادة المجتمع التقليديين في الأعمال الإسلامية النافعة.

احترام قادة الحركة الوطنية

يجد قادة الحركة الوطنية من أجل الاستقلال والدولة في الصومال أيضاً احتراما وإعجاباً من الإصلاح. وبالتأكيد، ومع الأخذ في الاعتبار ندرة رأس المال البشري والقدرة التنظيمية المحدودة المتوفرة في فترة الأربعينيات وبعدها، فكان لهؤلاء القادة رؤية سامية من أجل الصومال. كانت رؤيتهم نحو الصومال هي إقامة حكومة صومالية قوية وجامعة في القرن الأفريقي يمكن أن يعيش فيها جميع الصوماليين بسلام وانسجام وعزة وكرامة. ولإعطائهم الاحترام المستحق فعلى المرء أن يتخيل (ببساطة) ماذا سيكون عليه الصومال دون تضحيتهم ونضالهم. إن النشطاء الإسلاميين للحركات الإسلامية هم خريجون من المدارس التي أقاموها واستفادوا من الفرص التي قدموها لهم. وبهذا الفهم، فإن الإصلاح فخور جداً بما حققه مؤسسو الدولة الأوائل بالرغم من قلة مواردهم وإمكانياتهم المحدودة. وهذا الفهم قائم على احترام التضحيات التي قدموها، بعيداً عن الرأي السائد وسط بعض دوائر الحركات الإسلامية التي تطلق على هؤلاء الزعماء بالأتباع العلمانيين أعداء الإسلام. إن الشمولية بدلاً من الطائفية، والتسامح والصبر والتركيز على القضايا الرئيسة المتفق عليها من قبل أغلبية الصوماليين، هي طريقة ناجعة لإعادة بناء الصومال برؤية جديدة تتضمن الاحترام المستحق لشخصياته التاريخية وتراثه المقدس، إلا إن ذلك لا يعني التخلي عن مراجعة جادة لماضينا من أجل أن نبني الصومال الجديد.

التقليل من أهمية المسائل الفرعية المختلف عليها في الدين

إن المرجع الأساس للإسلام هو القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ومع ذلك، فإن هذين المصدرين الأساسين قد تم تفسيرهما بصورةٍ مختلفة من قبل العلماء في مختلف المناطق والعهود الإسلامية؛ لذلك ظهرت اختلافات في التفسير في النواحي المذهبية والشرعية، مما أفرز (41) مذاهب سنية شرعية: هي الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي – ويتمسك الصوماليون تقريباً بالمذهب الشافعي- لذلك ولحماية تماسك المجتمع وتجنب المشاكل الدينية اختارت حركة الإصلاح تبني المذهب الشافعي في الشريعة، وتكون الحركة في الوقت نفسه منفتحةًً على آراء العلماء الآخرين. علاوة على ذلك، يرفض الإصلاح جميع الخطابات التفريقية والنزاعات حول المسائل الدينية الفرعية المفصلة ويركز على القضايا الأساسية المتفق عليها من قبل جميع المسلمين تقريباً. ويتعاون أيضاً مع المنظمات الدينية والجماعات والأفراد الآخرين للحفاظ على الوحدة الدينية للشعب الصومالي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الدراسات الحديثة للإسلام حول إقامة الدولة ومؤسساتها وما الذي يتفق مع المبادئ الإسلامية والذي لا يتفق معها، تظل خطابات ومحاضرات أكاديمية بعيدة عن العامة التي لم يصل مستواها العلمي إلى حد يسمح لها تناول مثل هذه المسائل التخصصية. ومن المؤكد أن السياسة هي أقل المجالات تطوراً في الفكر الإسلامي، لذلك هناك مساحة كبيرة للاجتهاد مما يوفر خيارات كثيرة لمختلف المنظمات.

رفض التطرف والعنف

الإسلام دين سلام ورحمة وإنسانية ويمنع أتباعه من اقتراف أي أعمال عنف ضد النفس الإنسانية البريئة. وبالتالي فإن الإصلاح يرفض هذا العنف وكافة أنواع الآراء المتطرفة مثل الرأي القائل بحتمية صراع الحضارات. وبدلاً من ذلك يشجع على التعاون والحوار والفهم والتعايش السلمي بين جميع الشعوب والأجناس والديانات. ويفهم الإصلاح أن التطرف والعنف هما نتاج الإحباط والإذلال والشعور بالظلم وعدم الفهم الصحيح للقيم السمحة للإسلام الحنيف؛ لذلك فإن الإصلاح مقتنع بأن احترام التعددية الثقافية، وممارسة قيم الشورى، وتضييق التهميش الاقتصادي والسياسي، والفهم الأفضل للتنوع الثقافي كل ذلك سيخلق في النهاية بيئةً من السلم والتعاون بين الأمم. ووفقاً لهذا الفهم، فإن الإصلاح قد شجب كافة أنواع العنف غير المبرر شرعا وعقلا الجاري في الوقت الحاضر في الصومال.

استعادة المؤسسات الوطنية

إن كثيراً من الدول الأفريقية في فترة ما بعد الاستعمار تدفع بنفسها إلى حافة الفشل نظراً لبرامجها الفاشلة الخاصة ببناء الدولة والتنمية الاقتصادية. والصومال هو مثال نموذجي للدولة المنهارة التي انقسم سكانها إلى طوائف عشائرية انقادت إلى قتال وصراعات قبلية متواصلة. إن إحياء الوعي العشائري وإضعاف الوعي الوطني كان واضحاً وجلياً خلال الحرب الأهلية. والإصلاح بوصفه مؤسسة وطنية إسلامية، يؤمن بقوة أن إحياء الوعي الوطني والتبرؤ من القبلية والعشائرية هي الطريقة المثلى لاستعادة الدولة الصومالية.

إن التدخل العشائري الانقسامي في شؤون الدولة والتنافس العشائري للفوز بالسلطة السياسة هو عنصر رئيس في تهديد وجود الصومال كدولة. ووفقاً لذلك ساهم الإصلاح في إعادة بناء الدولة الوطنية أثناء مؤتمر جيبوتي للمصالحة الوطنية في عام 2000م، وهو يدافع دائماً ويدعم وجود مؤسسات وطنية فاعلة. علما بإن السيناريو الأسوأ والكارثة الكبرى بالنسبة للصومال ستكون في غياب الدولة الوطنية، مما سيؤدي في النهاية إلى تفكك الأمة بشكلٍ كامل إلى أقفاص وغيتوهات عشائرية.

نشر منظمات المجتمع المدني

يؤمن الإصلاح بقوة بأنه بدون مؤسسات مجتمع وطني قوية وحيوية سيبقى الصومالة تحت رحمة مجموعات عشائرية انقسامية. ولمتابعة وجهة النظر هذه فمن عام 1994 إلى 1999م، عملت الحركة نحو الترويج لإقامة مؤسسات مجتمع مدني أكثر تنظيماً في الصومال. وشُجِّعَ أعضاء الإصلاح على إقامة مؤسسات يملكها المجتمع أو الانضمام إلى منظمات المجتمع الموجودة بالفعل، فظهرت مؤسسات اجتماعية ومهنية كثيرة خلال هذه السنوات وكان أعضاء الإصلاح جزءاً من هذه المؤسسات (42). ونجحت هذه المنظمات في توحيد صوت الجماهير تجاه قضايا السلام وحقوق الإنسان.

وفي مجال المصالحة أنشأت حركة الإصلاح مجلس المصالحة الصومالية في عام 1994م، ليقدم دعماً لوجيستياً لجهود المصالحة في الصومال. ونتيجة لهذه السياسات، فإن مئات المبادرات المجتمعية في مجالات التعليم والصحة والمصالحة والبرامج التنموية قد وجهت لفائدة المجتمعات. كما أن قيم المجتمع المدني مثل حماية حقوق الإنسان ونشر قيم الشورى والحكم الرشيد والتشجيع على السلام قد حظيت بمشاركة واسعة من جانب أعضاء الإصلاح. إن انتشار مؤسسات المجتمع المدني مثل الهيئات المهنية والمؤسسات الخيرية والمنظمات النسوية والمنظمات الشبابية، تلك التي تروج لحقوق الإنسان والأحزاب السياسية، هي طريقة مثلى للخروج من العشائرية السياسية المتسمة بالفوضى وعدم النظام.

التشجيع على قيم الشورى وآليات الديمقراطية المعاصرة

الديمقراطية كآلية هي مصطلح غربي ولكنها في الأساس كعملية ليست مختلفة عن المفهوم الإسلامي المعروف (بالشورى).(43) ويقول بعض العلماء إن الديمقراطية مشابهة للشورى التي طورت مؤسسات حديثة للأحزاب السياسية وأن الشورى هي مثل الديمقراطية التي تتقيد بالسقف الإسلامي وتنسجم مع مبادئ الإسلام العامة (44)

مفهوم الشورى في الإسلام لا يُوصف كقانون ضروري للمجتمعات المسلمة المعافاة والأسر فحسب ولكن أيضاً كقيمة مطلوبة للتقوى (45). ولتبسيط هذه الفكرة فإن الديمقراطية في شكلها المثالي هي مثل الماء النقي الذي لا لون له ولا شكل له إلا إنه يأخذ شكل ولون الإناء الذي يكون فيه. وبالمثل فإن الديمقراطية تأخذ لون وشكل المجتمع الذي تطبق فيه. ولذلك فإن الديمقراطية توجد بأشكال مختلفة وفقاً لإرادة واختيار الشعوب المختلفة.

وبما إن الأمم مختلفة في ثقافتها ودينها ونظام حكمها فإن تطبيقها للديمقراطية يأخذ في النهاية أشكالاً مختلفة. مما يعني أن الديمقراطية يمكن تطبيقها في جميع الأجناس والديانات والثقافات. فالديمقراطية الغربية ليست استثناء، فهي بالضرورة علمانية وتأخذ اللون والشكل وفقاً لثقافة المجتمع الغربي وقيمه ومعتقداته. ومن جهةٍ أخرى فإن الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية ينبغي أن تتقيد بالقيم الإسلامية وثقافة الشعب. وبهذا الفهم يقف بحزم ضد أي شكل من أشكال الحكم الديكتاتوري في أي مكان في العالم وتحت ذريعة الإسلام. أخيراً فإن الإصلاح يجري انتخابات داخلية على مدى السنوات الثلاثين الماضية.


حماية حقوق الإنسان

الصومال هو واحد من الدول الكثيرة التي تعاني من أسوأ أنواع انتهاكات حقوق الإنسان. وخلال السنوات الـ 21 من الحكم العسكري والـ20 من الحروب الأهلية المبيرة، فإن حقوق الإنسان الأساسية قد انتهكت بصورةٍ كبيرة جداً. فحماية حقوق الإنسان هي واجب ديني ومفهوم أمر به الله سبحانه وتعالى.

والإنسان مبجلٌ في الإسلام وأن الشريعة الإسلامية بأكملها قد أسست لحماية حقوق الإنسان.(46) وإلى حدٍّ ما فإن إعلان حقوق الإنسان غير الملزم في 10 ديسمبر عام 1948م والاتفاقيتين الدوليتين الأخريين في 19 ديسمبر 1966م حول الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تلبي قدرا معقولا من الحقوق الأساسية للإنسان التي يأمر بها الإسلام وطالما أن هذه الإعلانات ليست ملزمة فهناك مجموعات دينية مختلفة وحضارات مختلفة قد يكون لديها تحفظات معينة عليها، والمسلمون مثل ذلك. ففي الوقت الذي يتقيدون فيه بهذا الإعلان بوجه عام إلا إنهم قد لا يوافقون على بعض المسائل التي قد تتعارض مع المبادئ الإسلامية. ومع ذلك فإن الإصلاح يدعو بوجه عام إلى حماية حقوق الإنسان ويؤمن بقوة أنه بدونها لا يمكن إقامة المجتمع المتحضر.

الاهتمام بحقوق المرأة

حقوق المرأة وعلى الأخص حقوقها في المشاركة السياسية يساء فهمها على نطاق واسع بواسطة كثير من المسلمين وغير المسلمين في العالم الإسلامي وغيره. ويبدو أن الثقافة القديمة للمجتمعات والتفسيرات الدينية حول قضايا المرأة قد تم الالتباس فيها في العالم الإسلامي. ونتيجة لذلك، فإن المجتمعات التي تنتهك حقوق المرأة بسبب الثقافة تميل إلى تبرير تلك الممارسات من وجهة نظر دينية. ومع ذلك فإن أي تحقيق نزيه في تعاليم الإسلام أو في تاريخ الحضارة الإسلامية سيخرج بالتأكيد بدليل (47) واضح مدى احترام الإسلام للمرأة وإعطاء حقها الكامل والذي يتناسب معها في جميع القضايا السياسية والاجتماعية... أما المفاهيم والتفسيرات للبعض والتي تنال من قدرها إما بالانتقاص أو المبالغة فهذا ما لا يمكن أن يُنسب إلى الإسلام الذي جاء من لدن خبير عليم؛ لهذا يسعى الإصلاح جاهدا إلى الاهتمام بحقوق المرأة الاجتماعية والسياسية.

إن موقف الإصلاح واضح جداً في هذه النقطة. فهو ينادي علناً بتطور حقوق المرأة ويؤيد بقوة مشاركتها الاجتماعية والسياسية في شؤون المجتمع. علاوة على ذلك، فإن الإصلاح يدعو لتعليم المرأة في جميع برامجه الاجتماعية التنموية. وكان مردود هذه السياسات كبيراً جداً حيث إن المرأة الصومالية تؤدي الآن دوراً مهماً في السياسة والحياة الاجتماعية التي كان يُعْتَقَد في السابق أنها حِكْرٌ على الرجل.


الخاتمة

تهدف هذه الورقة أن تسد فجوة علمية معرفية في دراسة الحركات الإسلامية في القرن الأفريقي. وهي تتألف من خلفية موجزة عن الصحوة الإسلامية في الصومال عموما، والتطور التاريخي لحركة الإصلاح منذ عام 1978 م، ووجهات نظر الإصلاح الرئيسة في القضايا المعاصرة. إن ظهور حركة إسلامية حديثة في الصومال هو تتويج لعملية طويلة للصحوة الإسلامية منذ المقاومة ضد الاستعمار وتشكيل الرابطة الإسلامية الصومالية في عام 1952 م وما صحبها من ظاهرة مشابهة على نطاق العالم. ومنذ ذلك التاريخ حتى السبعينيات، فإن التعليم الإسلامي التقليدي والمدارس العربية الحديثة، والخريجين من الجامعات العربية كانوا يمهدون الطريق لظهور الحركة الإسلامية الحديثة.

إن النظام العسكري (19691991) ببرامجه الإشتراكية الشاملة قد استفز المشاعر الإسلامية بإعدامه للعلماء المسلمين في عام 1975 م وحظره للعمل الاجتماعي الإسلامي الذي نما واتسع في السبعينيات.

يمكن وصف السنوات الأولى للحركات الإسلامية بفترة عدم النضج والارتباط العاطفي بفكر (أيديولوجية) الصحوة، والقدرة التنظيمية الضعيفة جداً وبالنهج المثالي فيما يتعلق بالواقع الاجتماعي.

تأسست حركة الإصلاح في 11 يوليو 1978 م بهدف إحياء القيم الإسلامية في المجتمع والتشجيع على تناغم وانسجام الثقافة الصومالية وقوانين وسياسات الدولة مع الشريعة والقيم الإسلامية.

إن الإصلاح ليس مجرد حزب سياسي وليس منظمة اجتماعية بل هو حركة شاملة من أجل إحياء العقيدة الإسلامية ونشر الوعي الوطني في المجتمع الصومالي. وتعمل كمنظمة شعبية لا مركزية ذات رؤية ورسالة وقيم مشتركة وإستراتيجية واسعة. كما أن الإصلاح يركز أيضاً على التعليم والمصالحة ونشر السلام لتحقيق أهدافه. وتعد الفترة من عام 1978 إلى 1992 هي فترة تكوينية حيث واجهت الحركة تحديات التأسيس والمحاكمة والبقاء خلال الحرب الأهلية.

وفي الفترة من 1992 إلى 2008 م طبق الإصلاح سياسات مثل الانفتاح على المجتمع، التركيز على النخبة المتعلمة، احترام العلماء المسلمين التقليديين والتعاون معهم، الاحتفاء والاحتفال بمؤسسي الحركات الوطنية، التقليل من أهمية المسائل الدينية المتنازع عليها، رفض العنف والتطرف، استعادة المؤسسات الوطنية الخاصة بالدولة، الترويج لمؤسسات المجتمع المدني، الديمقراطية، حقوق المرأة، وحماية حقوق الإنسان.

إن التقيد بالسياسات المذكورة أعلاه والمرونة في الهياكل التنظيمية والممارسات الديمقراطية الداخلية، وضعت الإصلاح في مصاف الحركات الإسلامية المعتدلة.

أخيراً فإن برامج حركة الإصلاح التنموية المتواصلة ومشاركتها السياسية -وبطريقة حكيمة- تجنبها الصراعات مع المجموعات الأخرى وتُعطيها موقعاً فريداً في المجتمع الصومالي. ويشير الاتجاه المستقبلي للإصلاح بأنه سيعزز هذه البرامج الاجتماعية ويُسهم في الوقت نفسه إسهاماً أكبر في استعادة مؤسسات الدولة الصومالية. وستقوم الحركة بتنفيذ ذلك من خلال المشاركة بصورةٍ قوية في العملية السياسية.

وفي الختام، فإن المشاركة السياسية للإصلاح ستعزز في النهاية ثقافة الحكم الرشيد والتلاحم الاجتماعي والاعتدال الإسلامي في الصومال وفي القرن الأفريقي بوجه عام.


الهوامش

[1] معظم الدول الإسلامية حُكمت بواسطة أنظمة دكتاتورية كانت تنتهك حقوق الإنسان مما أوجد بيئة مساعدة لنمو وانتشار المنظمات العنيفة كرد فعل لأجهزة القمع التابعة للدولة.

[2] هناك أمثلة لحركات إسلامية مسلحة في كشمير وأفغانستان والشيشان وفلسطين والجزائر والصومال ... ونجد أمثلة لمنظمات سلمية في كلٍّ من الكويت والبحرين واليمن والأردن وتركيا والمغرب والجزائر والصومال ومصر...

[3] في البداية كانت حركة السلفية في الصومال تسمى بـ" الجماعة الإسلامية" (1980)، وبعد اتحادها مع منظمة وحدة الشباب الإسلامية، تغير الاسم إلى " الاتحاد الإسلامي" (1982) ثم تغير مرةً أخرى إلى " الاعتصام بالكتاب والسنة " (1990) بعد صراعاتها مع الفصائل المسلحة في كيسمايو (1991)، وبونت لاند (1992) وجيدو (1995-1996). وظهر أحدث اسم لهذه الحركة في عام 2008 وهو " جماعة الوفاق الإسلامي " في أعقاب هزيمة المحاكم الإسلامية بواسطة القوات المتحالفة بين الحكومة الصومالية وأثيوبيا. والاتحاد كان العمود الفقري لاتحاد المحاكم الإسلامية، ولا زال كذلك يشكل العمود الفقري للحركات المعارضة المسلحة الحالية وإن اختلفت المسميات (وفي فترة التسعينيات انشق عنها تبار السلفية الجديدة).

[4] هناك أسماء أخرى مثل المتشددين والمتطرفين والإرهابيين هي أسماء ابتكرت حديثاً وتستخدم بصورة إزدرائية على سبيل المثال تصنف القاعدة وفروعها ضمن هذه الفئة.

[5] هناك مظاهر رئيسة أربعة للتطرف: هي (1) التعصب الأعمى (الكراهية وعدم التسامح مع الآراء المختلفة)(2) الغلو والمحاولات المستمرة لإجبار الآخرين على التقليد (3) التأكيد المستمر على الغلو الديني الذي عفا عليه الزمن (4) القسوة: الخشونة والرعونة في دعوة الناس إلى الإسلام.

[6] يشمل هذا النوع من الكتابات في هذا الموضوع: تقارير مجموعة الأزمات الدولية حول الصومال. انظر www.crisisgroup.org وأيضاً مدهان تاديسي "التشدد الإسلامي في الصومال: طبيعته ونتائجه " انظر www.somaliawatch.org وكذلك مدهان تاديسي " الاتحاد " (أديس أبابا 2002) وانظر أيضاً شايوي شاول Shauy Shaul "الصومال بين الجهاد واستعادة الوضع السابق " (لندن: Transaction Press 2008) وتشمل الكتابات في هذا الموضوع التي ركزت على المخاوف الأمنية ما يلي: أندريه لوساغ André le Sage (الصومال والحرب على الإرهاب: الحركات الإسلامية السياسية والجهود الأمريكية على الإرهاب) (Dphil Thesis, Cambridge university /Jesus college 2005)، Menkhaus, Ken (الصومال: سقوط الدولة وتهديد الإرهاب ) (أكسفورد، نيويورك، Oxford University Press المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لندن، نيويورك، Routledge 2004).

[7] انظر بيان حركة الإصلاح المؤرخ في 21/6/2006 م بشأن إلغاء عضوية الدكتور محمد على إبراهيم ونفي أي اشتراك للحركة في اتحاد المحاكم الإسلامية.

[8] وفقاً للائحة الإصلاح، فيجب على الحركة أن تنتخب كل خمس سنوات مجلس الشورى الخاص بها والذي يقوم بانتخاب رئيس الحركة ونائبيه. وخلال السنوات الثلاثين الماضية تم انتخاب (4) رؤساء للحركة هم كلٌّ من:

الشيخ محمد جريرى (1978 -1990) والدكتور محمد على إبراهيم (19901999) والدكتور علي شيخ أحمد (19992008) والدكتور علي باشي عمر روريه (20082013). ويجوز انتخاب كل رئيس لفترتين فقط مدة كل فترة 5 سنوات. وقد تم إلغاء عضوية الدكتور محمد علي إبراهيم بعد أن انضم إلى اتحاد المحاكم الإسلامية (UIC) في عام 2006 م في تحدٍّ لقوانين وسياسات الحركة.

[9] 11 الفرق بين الحركات المناوئة للاستعمار والحركات المعاصرة هو أن تلك الحركات كان يقودها شيوخ الطرق الصوفية لذلك كانت تقليدية في طبيعتها بينما الحركات المعاصرة تتسم جميعها بخصائص المنظمات الحديثة مثل اللوائح الداخلية والبرامج والسياسات.

[10] تأسست أول منظمة إسلامية صومالية بواسطة فرح عمر في أيدين عام 1925 م. والثانية أسسها الشيخ شريف " معارضة " والشيخ زاهد تحت اسم الرابطة الإسلامية وكان ذلك في عام 1952 م. انظر عبد الله عبد الرحمن " اللاعبون غير الحكوميين في دولة الصومال الفاشلة: مسح لمنظمات المجتمع المدني في الصومال خلال الحرب الأهلية ". دراسات أفريقية، 31 (2004) ص 57 – 87.

[11] رابطة الشباب الصومالي (SYL) هي حركة وطنية رئيسة أرسلت خطاباً إلى رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس طلبت منه مساعدة تعليمية للصومال. انظر سيد عمر (2006). العلاقات الصومالية المصرية. رسالة ماجستير قدمت إلى معهد الدراسات الإسلامية واللغة العربية في القاهرة.

[12] تخرج العلماء المسلمون في الصومال في الغالب والأعم من الحلقات الدراسية داخل الصومال. ومع ذلك فقد بدأ علماء جدد يتخرجون من الجامعات الإسلامية المشهورة مثل الأزهر في مصر والجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية. ومن بين هؤلاء نجد الشيخ عبد الغني شيخ أحمد والشيخ محمد أحمد نور (جريري)، والشيخ محمد معلم وغيرهم، ولقد أسس هؤلاء العلماء جمعية النهضة في مقديشو. لمزيد من المعلومات المفصلة انظر عبد الرحمن عبد اللهِ : " الإسلام السياسي في الصومال " (Middle eastern Journal 1:3 (1993). [13] وهي نادٍ اجتماعي للشباب العائدين من الجامعات العربية.

[14] أكد الشيخ محمد أحمد نور (جريرى) نائب رئيس منظمة النهضة في المقابلة التي أجريتها معه عام 1992 في تورونتو (كندا) بأن هذه المنظمة قد أُسست في مقديشو عام 1967 م. وكان المؤسسون هم: الرئيس عبد الغني شيخ أحمد، ونائب الرئيس الشيخ محمد أحمد نور (جريرى) والسكرتير عبد الرحمن فرح، ونائب السكرتير عبد الله معلم وأمين الخزينة محمد عثمان جمعالي ونائب أمين الخزينة عبد الرحمن سماتار.

[15] ومن بين هذه الشخصيات الشيخ على إسماعيل، عضو البرلمان الذي كان يقوم بتفسير القرآن في المساجد وأحد المؤسسين لحزب الله الذي شارك في انتخابات عام 1969 م. انظر عبد الرحمن عبد اللهِ " الإسلام السياسي " ص 46 – 47.

[16] أنظر عبد الرحمن عبد الله "الإسلام السياسي في الصومال" ميديل إيست (1993).

[17] أعرب العلماء الصوماليون عن قلقهم من تدخل النظام في قانون الأسرة بإدخاله مواد تساوي بين الجنسين في الورثة (الميراث). فهذا القانون يخالف في صورة مباشرة الشريعة الإسلامية ويبين عدم احترام نظام الحكم للشريعة والقيم الإسلامية.

[18] مؤسسو حركة الإصلاح هم الأشخاص الخمسة التالية أسماؤهم: الشيخ محمد أحمد نور، الدكتور علي شيخ أحمد أبو بكر، والدكتور محمد يوسف عبدي، والشيخ أحمد رشيد حنفي، والشيخ عبد الله أحمد عبد الله. وجميعهم من مطلوبي القبض عليهم من قبل النظام السابق، وكانوا يعيشون في السعودية. وقد اختاروا الشيخ محمد أحمد نور كأول رئيس لحركة الإصلاح الإسلامية. انظر www.islaax.org/arabic/history.htm

[19] انظر الآية القرآنية رقم (11:88) والآيتين (8 -9: 49).

[20] الاعتدال الإسلامي هو مفهوم أساسي في الإسلام وهو ضد التطرف (الغلو، والتنطع والتشدد). ومعناه الرئيس مأخوذ من الآية القرآنية " وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً " البقرة: آية 143)

[21] انظر أهداف الإصلاح باللغتين الصومالية والعربية، وترجمة المؤلف. www.islaax.org/about.htm

[22] إن أصل كلمة متشدد تعود إلى حركة دينية أمريكية في أوائل القرن العشرين أخذت اسمها من 12 كتاباً نشرت ما بين عام 1910 و1915 م بواسطة مجموعة من العلمانيين البروتستانت بعنوان: " الأساسيات: شهادة الحق" وأصبحت تجسد كلاً من مبادئ التزمت الديني المطلق والممارسة الدينية (الإنجيلية) التي تدعو المؤمنين إلى مد العمل إلى أبعد من الدين أي إلى الحياة السياسية والاجتماعية واستخدم العلماء الغربيون والإعلام الغربي هذه الكلمة لتوضيح الحركات الإسلامية في العالم العربي.

[23] وبهذا العمل، تخلق الحركة مؤسسات متخصصة لكل جانب، مثلاً، منظمات غير حكومية (NGOs) لمختلف النشاطات الاجتماعية وأحزاب سياسية للنشاطات السياسية.

[24] في الثمانينيات أنشئت حركات معارضة مسلحة مثل (SSDF)، والحركة الوطنية الصومالية المسلحة (SNM)، و(USC)، و(SPM)، لإسقاط النظام بدعمٍ من أثيوبيا. وقد دُعي الإصلاح إلى الانضمام إلى هذه الحركات ولكنه رفض فعل ذلك لأنه يؤمن بأن النزاع العنيف والدعم الأثيوبي لن يحلا المشكلة الصومالية بل يفاقمانها. مقابلة أجريت مع الشيخ محمد جريري، أول رئيس للإصلاح، تورونتو (كندا) 25 أكتوبر 1999 م.

[25] في 14 يوليو نظمت مظاهرات من المساجد احتجاجاً على اعتقال زعماء مسلمين بارزين عقب مقتل الأسقف سلفاتور كولمبو مندوب الفاتيكان في الصومال. وهناك نحو 200 مواطن صومالي لقوا حتفهم في مظاهرات " الجمعة السوداء". كذلك أصدر الإصلاح فيما بعد بياناً بعنوان " صوت الحق " داعياً الرئيس إلى الاستقالة وصون البلاد من حرب أهلية وشيكة.

[26] أصدر الإصلاح بياناً شجب فيه إعلان الجهاد من قبل حركة الاتحاد في عام 1992 م في بونت لاند واعتبر جميع حروب الاتحاد ضد الفصائل المسلحة جزءاً من الحرب الأهلية.

[27] كان الشيخ على طيار نائب رئيس حركة الإصلاح في مقديشو والمهندس عيسي علي، المسئول السياسي الرئيسي في الحركة، وقد شاركا بفاعلية ونشاط في جهود منع الحرب الأهلية وقاما بتعبئة العلماء المسلمين للقيام بدور في هذا المسعى، استقينا هذه المعلومات من الدكتور إبراهيم الدسوقي والشيخ أحمد حسن القطبي اللذين عملا بشكل وثيق معهما. (مقديشو 20 ديسمبر 1999 ).

[28] انظر " تاريخ موجز عن حركة الإصلاح www.islaax.org/arabic/history.htm

[29]قامت إذاعة السلام في أديس أبابا في عام 1993م بإذاعة سلسلة من المحاضرات والمقابلات مع الدكتور إبراهيم الدسوقي عن حركة الإصلاح وموقفها من المصالحة الصومالية.

[30] انظر نشاطات مجلس المصالحة الوطنية (SRC) (1994-1998) والذي تم من خلاله عقد 18 مؤتمراً للمصالحة في مناطق مختلفة بجنوب الصومال.

[31] الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 م، وضع كيف يتم إصلاح المجتمعات الخاضعة لحكم دول علمانية وكيف يتم تحويلها تدريجياً إلى دولة إسلامية من خلال إصلاح الأفراد، والأسر، والمجتمعات ومؤسسات الدولة. وفي كتابات الإخوان المسلمين، لم يتم التصور حول وضع تنعدم فيه الدولة، لذلك كان لزاماً على حركة الإصلاح أن تملأ هذه الفجوة النظرية بدراسة واقعها الاجتماعي الذي يتطلب فترة من التفكير والتأمل والمناقشة والاستيعاب.

[32] مسألة كيف ينبغي للحركة أن تتعامل مع الواقع الجديد في الصومال قد نوقشت أولاً في تورونتو/كندا بعد سقوط النظام في يناير عام 1991 م. كانت نتيجة هذا البحث قد طبعت في مطوية داخلية. وشارك كاتب هذه الورقة في تلك المناقشات. ومع ذلك فإن السياسةالرسمية "للتعامل مع الواقع" التي تم إقرارها في عام 1995 م، كانت نقطة تحول في سياسات الإصلاح، في العمل مع المؤسسات التقليدية ومؤسسات المجتمع المدني. وكانت ثمرات ذلك أن سمح لأعضاء الإصلاح أن يكونوا جزءاً من البرلمان الانتقالي المنتخب بواسطة عشائرهم وكانت القيود الوحيدة التي فرضت على الأعضاء هي تلك الممنوعة والمحرمة في الإسلام.

[33] التقى وفد الإصلاح بقيادة الشيخ محمد جريري بالسيد عبد الله يوسف رئيس بونت لاند في ذلك الوقت في مدينة قرو (Growe) وبالسيد محمد إبراهيم عقال رئيس أرض الصومال" في هرجيسا عام 1999 م.

[34] جميع المؤتمرات الأخرى كانت مؤتمرات يسيطر عليها أمراء الحرب بالرغم من تسميتها مؤتمرات مصالحة وطنية.

[35] قام وفد من الإصلاح بزيارة مدينة بيدوا في فبراير 2006 والتقى بالرئيس عبد الله يوسف وبرئيس المجلس الانتقالي شريف حسن ورئيس الوزراء علي محمد قيدي. وكان الهدف من الزيارة هو تعزيز المصالحة والمساهمة في إعادة بناء المؤسسات الوطنية.

[36] انظر بيان الإصلاح بتاريخ 22/7/2006 الذي أعلن فيه تشكيل لجنة خاصة للمصالحة، وعين الكاتب لرئاسة هذه اللجنة. وللأمانة التاريخية فقد قبلت الحكومة الانتقالية مبادرة المصالحة، ولكن إتحاد المحاكم الإسلامية رفضها رفضاً تاماً وأرسل رسالة تحذير إلى حركة الإصلاح يحذرها من الاشتراك في أية مصالحة مستقبلية. وتوجد لدى سكرتارية الإصلاح صورة من هذه الرسالة الموقعة بواسطة شيخ شريف، رئيس إتحاد المحاكم الإسلامية.

[37] انظر بيان الإصلاح بتاريخ 17/8/2006 الذي عبر فيه عن استيائه من منعه من الاحتفال بالذكرى الـ28 لتأسيسه أنظر www.islaax.org/arabic/bayan

[38] استخدمت كلمة العلم ومشتقاتها في القرآن الكريم أكثر من 780 مرة.

[39] يظهر تاريخ الإسلام أن عُمْر الرسول صلى الله عليه وسلم كان 40 سنة عندما بعث رسولاً وكان معظم المصدقين الأوائل به هم أصغر منه سناً ما عدا زوجته خديجة رضي الله عنها.

[40] أسست البعثة الكاثوليكية الرومانية الفرنسية في عام 1891م في ديمور بالقرب من شيخ وأنهتها حركة الدراويش.

[41] لا تستطيع الحركة الإسلامية الحديثة أن تتقدم إلى الأمام دون أن يكون لديها آلاف من الطلبة الشباب المتعلمين المتخرجين من المدارس القرآنية وحلقات العلم في المساجد

[42] وهي كل من: شبكة السلام وحقوق الإنسان (PHRN)، وشبكة التعليم الأهلي والرسمي (FPEL)، ومنظمة المرأة (COGWO)، ورابطة الأطباء، ورابطة المحامين إلخ. وكان كاتب هذه الورقة رئيس جمعية السلام وحقوق الإنسان (PHRN) في عام 1999م.

[43] مراد هوفمان: الإسلام هو البديل (Maryland: Amana Publications 1999) ص 81-82. أيضاً فتحي عثمان " إسلاميو اليوم والديمقراطية " (Arabia, London, May 1986) ص6، أيضاً انظر عبد الحميد غزالي " حول أساسيات المشروع الإسلامي لنهضة الأمة). (القاهرة، دار التوثيق والنشر الإسلامية، 2000) ص 178-80

[44] الصادق المهدي "الشورى كأساس لنظام الحكم في العالم الإسلامي " ورقة لم تطبع بعد قُدمت في المؤتمر الخامس عشر للشؤون الإسلامية الذي عقد في القاهرة في مايو 2003م ) ص9-12.

[45] انظر الآية القرآنية "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرُهُم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" سورة الشورى- آية) 38 (

[46] هناك خمسة حقوق يبني الإسلام حكمه عليها دائماً وهي: حماية الدين، العقل، المال، والنفس والعرض.

[47] جمال بدوي" وضع المرأة في الإسلام(Plainfield AmericanTrust Publication,1979) أيضاً انظر عبد الحميد غزالي:" حول أساسيات المشروع الإسلامي لنهضة الأمة ( 23-24) .