الدعوة إلى الله حب (الجزء الثالث)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدعوة إلى الله حب (الجزء الثالث)


بقلم/ الأستاذ عباس السيسي


الشيخ المجاهد سعيد حوي ي ذمة الله

تمنيت أن يكتب فضيلة الأستاذ الشيخ سعيد حوي مقدمة الجزء الثالث من رسالة "الدعوة إلى الله حب" كما سبق له أن توّج الرسالة الأولى والثانية بمقدمته الكريمة التي أضفت على الرسالتين روحا وريحانا، وأفسحت الطريق إلى قلوب الآلاف من شباب الصحوة الإسلامية في كل الأرجاء والذين كأنهم كانوا معها على ميعاد. فأشرقت بها نفوسهم وتفتحت بها أزاهير عواطفهم النبيلة ففاح عطرها وشذاها فجذب القلوب وأجج المشاعر.

ولكن فضيلة الشيخ سعيد حوي قد وافاه الأجل في مدينة عمان بالأردن في يوم أول من شعبان 1409 – الموافق 19 من مارس 1989 عن 55 عاما من عمره المبارك، قضاها منذ نشأته في مدينة حماه في أحضان الدعوة الإسلامية.

الذي جذبه إليها العالم الجليل الشيخ محمد الحامد (عليه رحمة الله) والذي لازم الشهيد [حسن البنا]] في المركز العام للإخوان المسلمون بالقاهرة حين كان يتم دراسته العالية بالجامع الأزهر حتى نهاية عام 1939.

إذ كان الشيخ محمد الحامد يُدرِّس التربية الإسلامية في الثانوية.

فانضم الشيخ سعيد عندما كان طالبا في الصف الأول الثانوي إلى حلقته العلمية الشهيرة التي كان يلقيها في جامع السلطان.

وكان الشيخ محمد الحامد يذكر أن شعب مدينة حماه في طليعة المجاهدين ضد المستعمر الفرنسي وضد الأنظمة الظالمة ولا يفوته أن يرد على كل من يعادي الإسلام وكان لا يخشى في الله لومة لائم.

وأشرقت الدعوة في قلب الشيخ سعيد بعد أن عرف غاية الدعوة وأهدافها وقال رحمه الله في ذلك (كان انقلابا في حياتي ونوعا من العثور على الأنا الجماعي والعثور على نفسي) وقال (كيف يعيش الناس دون هدف كبير يسعون لتحقيقه وكيف ينصرفون عما يورث الأمجاد).

وشارك الشيخ سعيد في الحركة الإسلامية وقاد المظاهرات ضد إعدام قادة الإخوان المسلمون في مصر عام 1954 – كما شارك في ثورة حماه 1964 حين فكر بعض وزراء سوريا في إلغاء الأوقاف وإلغاء تدريس مادة التربية الإسلامية في سوريا.

واستمر الإضراب في مدينة حماه 29 يوما وقد شارك في هذه الحركة الشهيد مروان حديد الذي اعتصم ورفاقه في مسجد السلطان الذي قصفته السلطة فهدمت مئذنته وبعض قبابه ودافع المحاصرون حتى نفذت الذخيرة فاقتحمت السلطة المسجد.

وحين قامت السلطة بالتضييق على الشيخ سعيد ورفاقه هاجر إلى السعودية من 1966 إلى 1971.

ولما مرض الشيخ سعيد (بالسكري) عاد إلى حماه بعد أن قطع وقته في السعودية في تأليف (جند الله ثقافة وأخلاقا) وكتاب (جند الله تخطيطا وتنظيما وتنفيذا).

وفي عام 1973 بدأ الصراع حول الدستور. وأصر الإخوان أن يكون (دين الدولة الإسلام) وعلى أثر مصادمات عنيفة وإصدار بيان العلماء ضد الدستور.

تم القبض على عدد من علماء سوريا على رأسهم الشيخ سعيد وقد مورس ضدهم التعذيب البدني والحبس الإنفرادي داخل سجن المزة – وحين أصدر – الأسد – عفوا عن الشيخ سعيد عام 1978 – انضم في الحال إلى الجهاد المسلح ضد نظام الأسد.

الذي مارس ضد الإخوان أبشع أنواع الاضطهاد. حتى كانت مذبحة (حماه) التي دوت في أسماع الدنيا وتجاوزت ما فعله نيرون في إيطاليا.

وختم المجاهد سعيد حوي حياته في ساحة الدفاع عن الإسلام بالكلمة والسنان.

تغمده الله بواسع رحمته وأدخله فسيح جناته.


المقدمة

حين بدأت أكتب "الدعوة إلى الله حب" كنت أتعامل بها كتابة ولم أتعامل بها كتبا – كنت أتهيب أن تخرج هذه المعاني على عامة الناس باعتبارها تيارا جديدا في عالم تعود على نوع من الحب المكشوف الذي عبأ كل الأجواء بريح صرصر عاتية من عواطف الحب الآثمة المدمرة التي تفشت في الشارع الإسلامي في النصف الأخير من القرن العشرين.

ومنذ أن صدرت رسالة الدعوة إلى الله حب وأنا أعيش في مشغلة نفسية عميقة حول المعاني التي برزت وتوهجت في قلوب أبناء الدعوة الإسلامية إذ كشفت الدعوة إلى الله حب عن طاقات وكنوز روحية هائلة من عواطف الحب الطهور المطمور في أعماق الضمائر وخفايا النفوس المؤمنة.

قد حجبها عن الظهور "الاستحياء" مما طغى واستعلن وشاع "من الحب الجاهلي" الذي استنفر عواطف الشباب والشابات إلى السفور وساحات الاختلاط التي أُستجلب لها المغنون والمغنيات وسخرت لها السينما والمسرح والفيديو والتلفزيون. هكذا أدرك أعداء الإسلام خطورة عواطف الحب الإسلامي فانحرفوا بها في مسارب الشياطين وأحلام العصافير وصرفوا العواطف وشتتوها في دروب كثيرة من الشهوات.

فاستهلكوا عواطف الشباب والشابات في حانات الخمور وإدمان المخدرات، ليقتلوا عوامل الرجولة والقوة والإنتاج.

وليسلموا هذا الشعب إلى فقدان الذاتية والحرية.

واستيقظ شباب الأمة الإسلامية وشاباتها على (الحب في الله) الذي هو الأصل الطاهر النظيف العفيف.

وكشف الغطاء عن هذا المخطط الخبيث الذي يعمل على تدنيس الحب وإفساد الأخلاق وإظلام القلوب وإطفاء نور الإيمان.

(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً).

وشاء الله تعالى أن تتفجر ينابيع الحب في الله تعالى من قلوب عامرة بالإيمان مدركة لسمو الغاية ونبل المقصد.

وطوى هذا الحب الشريف مساحات هائلة من قلوب الإخوة والأخوات في كل أقطار العالم الإسلامي.

وفقه المسلمون أن الحب في الله ليس متعة شخصية بل هو متعة جماعية وترغيب في شمولية الحب لكل الإخوة على وجه الأرض.

فهو سياسة إسلامية فطرية.

حتى إذا تحاب المسلمون بروح الله تعاونوا وتآلفوا وتوحدوا عقائديا وروحيا وثقافيا واقتصاديا.

فإذا توحدت الأمة وجاء نصر الله والفتح – التحمت جماهير الأمة الإسلامية الواحدة في عناق واشتياق.

وحب وإيثار. كما حدث بين المهاجرين والأنصار.

(والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة..).

فجذبوا القلوب إلى الدعوة بالحب.. إن الجهاد بالحب في الله هو الفرصة المتاحة والسياسة المباحة التي لا تعوقها حدود أو يصادرها قانون – لأنها نبض وهواتف ومشاعر وأحاسيس – والحب في الله تعالى هو السبيل الذي ليس له نظير ولا مثيل (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيزٌ حكيمٌ).

والجزء الثالث من رسائل الدعوة إلى الله حب يختلف عن الجزء الأول والثاني.

إذ كانا عبارة عن مقتطفات من مجموعة رسائل اختارها الشيخ سعيد حوى رحمه الله تعالى.

أما الجزء الثالث فقد اخترت له عدة رسائل رأيت أن أسجلها كاملة.

وخاصة تلك التي وردت إليَّ. وحرصت على أن تكون كما هي بعباراتها وأسلوبها كي تعطي صورة صادقة عن الأخ ثقافته وفهمه زمانه ومكانه – ويعتبر هذا تعريفا بكل منهم حتى يتعامل القارئ الكريم معهم بموازين منصفة (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).

الشهيد هاني أحمد رشيد

ولد على أرض فلسطين المباركة في بلدة عتيل من قرى طولكرم.

وهاجر مع أسرته إلى دولة الكويت المضيافة وسافر إلى باكستان طالبا بالجامعة الإسلامية في إسلام أباد واستشهد على أرض أفغانستان المجاهدة باعتبار أن وطن المسلم عقيدته.

عرفته الكويت في الثامنة عشرة من عمره وهو في الثانوية العامة شابا في ريعان الصبا والشباب مشرق الوجه وضاح الثنايا.

سمته الصمت ولباسه الحياء. كثر جلوسه معنا فلم أسمع له صوتا ولم يستفزه حديث – اقتربت منه ليقترب مني – صارحني أنه يخجل من الحديث معي.

وعدني بأن يخاطبني في رسالة. وجاءتني رسالته متوهجة مشرقة. فأدركت أن صمته كان في الاستغراق والاستيعاب.

وأنه كان لا يتحدث حتى لا يقطع روافد الفهم والتذوق.. وأعاد في سطور رسالته بعض ما استوعبه من معان في فقه الدعوة.

وذكر ما استبد بقلبه من حب عميق لأبنائها وما طرأ عليه من تغيير جديد في الأخلاق والسلوك. واهتمام بالغ بأمر الإسلام حاضره ومستقبله.

لا زلت أعيش مع كلمات رسائله التي سبق أن سجلت بعض كلماتها في رسائل الدعوة إلى الله حب. وأسجل هنا آخر كلماته في آخر رسالة.. حيث يقول "إنني يا حبيبي عباس أريد أن أعبر لك عن مدى حبي لك ولكن لا أستطيع أن أعبر عما في نفسي مهما قلت.. أحب أن أصارحك بكل شييء وأعرض عليك ما يدور في ذهني وأشكو أحيانا لأنني أعتبرك .. أبي وأمي وأخي".. وبعد ست سنوات قضاها مجاهدا في سبيل الله على جبال وفي وديان أفغانستان.. وفي "قندهار" الرعب انضم الأخ هاني "أبو زهير" إلى إخوانه الذين استقروا في مركز للشيوعيين بعد فتحه وذلك تمهيدا للمركز الذي يليه – ولم يبق أبو زهير مدة طويلة فيها ففي يوم الأربعاء السادس من ذي الحجة 1408 بينما كان الأخ هاني يصلي الظهر بجوار أخ أفغاني جاءهما رسول الشهادة يمتطي قذيفة دبابة وحطت القذيفة بجوار أبي زهير وهو في صلاته ويرحل هاني شهيدا في سبيل الله.

رحمك الله يا هاني كم أسعدتنا وأتعبتنا – وكم مثلك من الشباب الطاهر يغلف عواطفه ومشاعره بالصمت.. ولو تجاوبت القلوب وتنادت الأرواح بهواتف الحب في الله – لاندمجت القلوب وتعانقت الأرواح – وبين للإسلام صرح يشرق على الدنيا بنور الإيمان والقرآن.

ولن يعود للإسلام سالف مجده. إلاّ بالجهاد والبذل والعطاء والفداء.

الرسالة الأولى

أخي وابني الحبيب

للخطاب فرحة عند تلقيه وعند قراءته والانفراد به – وعند تملي معانيه ثم عند كتابة الرد.

وخطابك اللطيف أعطاني فرصة أوسع وأرحب كي أنفتح على قلبك الحبيب. إذ أن خطابي الأول لك كان على استحياء ورفق وإيجاز.

لأنه هكذا تكون الخطوة الأولى. وعلى قدر الاستجابة تكون الإجابة.

وقد لمست وآنست من كلماتك أنك لست جديدا في ساحة الحب ولا فريدا في نبض القلوب. فالنبع صاف والفهم عميق والخط جميل. كنت أخشى أن يطول بي الانتظار لرسالتك – فقد أرسلت عدة رسائل مشحونة بعواطف الحب لبعض من أحبهم فلم يستجيبوا لنداء قلبي استجابة الرد ولا أقول استجابة الرفض، هذه العادة في تصرف بعض الإخوة تكون لعدم قدرتهم على كتابة الرد بمستوى مناسب عاقهم عن الوفاء بالرد واللواذ بالصمت الذي يحتاج إلى تأويل وبسلوكهم هذا ينقطع التيار ويتوقف المدد والمداد أيضا. فالكتابة تولد الكتابة – فلولا رسالتك هذه ما وجدت من المعاني ما يبعث النشاط والانتعاش.

فالكتابة عن الحب الثابت الذي لا يتحرك ولا يتجدد دواما.

لا تشعر معه بالحياة. والكاتب في مثل هذه الحالة سوف يكرر نفسه.. حيث لا يجد جديداً يحرك مشاعره وعواطفه.

فكأنك تنظر في عشر مرايا حولك في لحظة واحدة.

فالكتابة المتجددة تبعث النشاط وتستنهض المعاني فالإنسان لا بد أن يجدد ذاته ونشاطه وعلاقاته كما يجدد رباط عنقه.

الرسالة الثانية

يا أبتاه .. لقد بهرني موضوع كتابك (الدعوة إلى الله حب) فكان رسالة لي إنه لابد من أن أدعو إلى الله بحب.

لقد أحببتك يا أبتاه حبا جديدا.. لقد قضيت معك وراء أسوار الظالمين تسع سنين، ولكني اليوم بعد كتابك هذا فكأني لم أقض معك يوما بل ساعة أين كنتُ منك خلال هذه السنين التسع؟ لست أدري!

لقد عرفتك وأنا ابن أربع وعشرين سنة.

واليوم أنا ابن سبع وأربعين أعرفك جيدا.. ويبدو أن الله تعالى سيجعلك جديدا دائما.. وحالك ياأبتي تنبئ عن أنه كلما كبرت سنك كبر وعظم قلبك.

فهنيئا لك هذا القلب الكبير. القلب الكبير الذي أحب كل من رأى ومن سمع.

موضوع كتابك جعلني أفكر كثيرا.. لقد شغلت نفسي بأن الدعوة إلى الله تكون بأسلوبين رئيسيين.. أسلوب الفقه.. وأسلوب منطق العقل، فكنت أقول إن من فقه واتسع فقهه أو عقل وأنصف لا محالة أن ذلك يسلمه إلى الانخراط في دعوة الإخوان المسلمين أو مثلها إن كان شغوفا حقا مهموما بالعمل على إعادة الإسلام إلى نفوس المسلمين.

وأيقنت أن من الحب في الله ما هو ركن من أركان الدين يضعف دين المرء بفقده. ومنه ما هو فريضة ومنه ما هو دون ذلك. ولكن الذي دون ذلك هذا.. هو بين الإخوان المسلمون عزيمة إن تخلوا عنها ضاعوا.

ومع ذلك كنت أرى أن العامل المؤثر القوي وحده هو أسلوب "الفقه ومنطق العقل" – على جفافهما – عند طرح دعوة الإخوان المسلمون بين الناس – وبين بعض الإخوان المسلمون أنفسهم.. ووجدت أن لذلك اعتباره الذي لا ينكر.

ولكني بعد اطلاعي على موضوع (الدعوة إلى الله حب) تبين لي أنه طريق فيه قوة التأثير. بل له من قوة التأثير مالا يملكه أسلوب الفقه ومنطق العقل.. فكم من مشكلات فقهية وشبهات حول الطريق وحيرة وتوقف في البت في الصواب والخطأ.. كم من مثيل ذلك يتوقف أمامها منطق العقل أو أسلوب الفقه. ولكنها تخضع وتتهاوى إذا جاءها الداعية والمدعو بسلاح الحب في الله تعالى.

وهو سلاح تحت ظلاله جنة القلوب والعقول وطمأنينة النفوس وسعادتها، ولا مراء أن هناك فرقا بين تلقي الدعوة من أفواه القلوب العامرة بحبها وتلقي الدعوة من الكتب. لذلك حرص الظالمون على الحيلولة بين شخص الداعية (الكيان الشاعر) وشخص المدعو ولم يحرصوا ذلك الحرص على الحيلولة بين الكتاب وشخص المدعو فليس للكتاب كيان شاعر.

روى ابن سعد: أن أحد الصحابة رضي الله عنهم "ذهب بصره" حزنا على وفاة النبي  .. فجاء أصحابه يعودونه فقال لهم: إنما كنت أريدهما لأنظر بهما إلى رسول الله ، فكم من عامل في هذه الجماعة جُذب إليها بحب القلوب الصادقة فأقام بين أحضانها وشمر وجد ووقف حياته على إبلاغ هذه الدعوة للظامئين وأنار سبيل الحياة للحائرين فأنتج وأثمر وضم إلى الصف رجالا وشبابا هم معالم نور ومشاعل هداية. وكان حبهم البصير العميق لدعوتهم ولبعضهم بعضا هو القوة التي جعلتهم لا يقيمون وزنا لخلاف فقهي أو شبهة.. فكل ذلك هبط إلى الدرجة الدنيا من التأثير.

وكم من عامل في هذه الجماعة جذبه إليها أسلوب فقه أو حصافة عقل ولم يقم لحجة مشاعر القلوب كركن في بناء هذه الدعوة.

فإذا به يتلكأ عند كل شبهة ويتوقف عن العمل أو ينصرف عند ظهور إشكالات لا يجد عند أسلوب الفقه الجاف جوابها فإما يفتن أو يتأخر – وإما ينكر أو يُنفر.. ورضاه يكفيه أن واحدا لم يخرج من الجماعة!

ونسي أنه مطالب أن يُدْخل الأرض بأسرها تحت لوائها.

الرد

أخي الحبيب

كانت رسالتك الكريمة. مفاجأة سارة. لم تكن لها سابقة من قبل. قرأتها في نشوة تختلف عن شعوري مع غيرها.

جلست أستمع بكل كلمة نطق بها قلبك واشتعل بها فؤادك وتحرك بها وجدانك. وأدركت قبل أن أتمها. أن يقظة في الوجدان والمشاعر قد تفجرت في كينونتك. أدركت ذلك من صداها في نفسي حيث أني انتفضت متهللا مسرورا.

أريد أن يحس ويقرأ هذا الشعور وتلك السطور كل الإخوة الذين كانوا معي وقتئذٍ. لولا أن في الرسالة إشارة إلى نفسي. منعتني من ذلك. تابعت السطور وغير المنظور فتكشفت لي أسرار الحب في الله تعالى. فالحب في الله يسبح بالإنسان في ملأ لا حدود له.

إن هذا الحب نور وشعور وزهور. عجبت أيها الحبيب كيف تفجرت هذه المعاني متدفقة بهذا السياق الرفيق. كيف كانت هذه المعاني كامنة ثم اشتعلت واندلعت فكانت هذه الأنشودة الحية الوفية.

إن توجهات الداعية إلى القلوب تكون ببواعث أحاسيس وعواطف مبهرة مثقفة – تشع بالنور والهداية والرحمة – وتلك أخص خصائص الداعية وأَلمع مواهبه ووسائله إلى القلوب.. ثم تخضع بعد ذلك الجوارح بتوفيق من الله تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون".

الرسالة الثالثة

أخي الحبيب

لا تزال كلمتك الرقيقة [إني أحبك في الله تعالى] ترن في أذني وتدق على قلبي لا تزال بروحها السمحة وعطرها الفواح وأريجها المنعش تعطر أجواء النفس وتريح القلب وتلهب أشواق الروح. إنها كلمات قلتها ولا تدري عمقها وسحرها. لقد تركت أثرا يدوي في أعماقي ويزيد لك من حبي وأشواقي، لقد شغفتني وشغلتني ولا قدرة للوفاء بحق شعورك الفياض وعاطفتك النبيلة.

لقد كان اللقاء الطيب واحة ظليلة ومرفأ لكل من يعاني أو يقاسي. فحين توجهت إلى هذا الحفل المبارك لم يكن في خاطري أن أتعرف عليك. ففي هذا الجمع الجامع كيف أصطفيك وما سعيت أقصدك أو أهدف إليك. ولكنك جئت إليَّ بقلب يحملك وعاطفة تدلني عليك، فما هي إلا لمحة عين حتى ألهمت حبك ورزقت قلبك. وما زاد حديثي معك عن كلمات معدودة. وتركت في قلبي بعد ذلك أحاديث كثيرة يعجز لساني وبياني عن سردها.

الحب نور يظل الظلم يرهبه

وما سوى الحب قهار ومنتصر


الرسالة الرابعة

إنني يا والدي. فتاة لا يتجاوز عمرها الثامنة عشرة. فرّت هاربة مع أهلها من الوطن الحبيب سوريا، أمام طغيان أسد الجارف منذ أحداث عام 1967 طموحة أنا متأملة أن تناطح آمالي أعنان السماء.

ولكن أملي هو الله وطموحي هي الآخرة وأمنية أماني الشهادة في سبيل الله. تلك التي أتمناها في كل صباح وأصيل مع مطلع الشمس وغروبها.

ولكني رغم ذلك لا أجد نفسي أهلاً لها ولا ما أديته لربي أستحق أن يتوج جبيني بهذا الإكليل الخالد.

لقد نويت أن أكتب هذه الكلمات بعد قرآءتي لرسالتك التي وجهتها إلى الشباب المسلم بعنوان "الدعوة إلى الله حب" بجزئيه.

فوصلتني رسالتك التي كنت أنتظر وحركت في نفسي مشاعر قد كانت كامنة وهيجت في نفسي ثورة أحاول جاهدة منعها من الهيجان.. لأني لا أجني من وراء ثورتها وزلزلتها سوى دموعا سخية لا تضن لها مقلتاي على آمال وهمية وأحلام خيالية تراود ذهني المتفتح على عالم مليء بالوحوش، وهو أشبه الآن بغابة كبيرة – القوي فيها يأكلُ الضعيف.

والضعيف يركن وينطوي ويستظل بظل القوي.

أبي الغالي: ما قدمت لرسالتي الأولى التي أخطها في حياتي لمن أشعر نحوه بعاطفة الأبوة بمزيج من الحب في الله. والذي ألتمس من ورائه تمهيدا لطريق الجهاد وقوة على طريق الدعوة وزادا أتقوى به في تكملة المسير أثناء رحلتي إلى الله تعالى.

والدي: أرجو من الله تعالى ألا تعدُ عيناك عن رسالتي لأنني فتاة فما أنا بالتي جعلت نفسها أنثى بل الله تعالى هو الذي أراد ذلك ولكن منْ حولي لا يزال يظهر فضل الذكر على الأنثى – ولولا تذكيري لنفسي دوما بوجوب الخضوع والاستسلام لأمر الله.

أبي.. أنا لا أريد أن أتكلم بهذا الصدد في رسالتي هذه.. وإنما يشغلني حقيقة ويعلق ببالي دَوْماً هو الحال التي آل إليها إخواني المسلمون في عصرنا الحاضر فأراضي المسلمين تُغتصب وإخواني المضطهدون في سجون العالم.

يستغيثون بالأحرار منا ذوي الشهامة والمروءة ذوي العقيدة والحمية – ولكنهم للأسف لا يسمعون صدى كلماتهم تتردد في جنبات السجون.

الرد

أختي الكريمة

لقد استقبلت رسالتك بشعور خاص وعاطفة جياشة – لقد استقبلت رسالتك بقوة شعورك النبيل الذي تأثرت به كثيرا وشحنت به قلبي وتألقت به روحي – قرأت كلماتك التي دلتني عليك وعرفتني بك من قريب.

بقلمك وروحك ومشاعرك – فلما يستطيع ذلك إلا قليل من الإخوة والأخوات فإن الكتابة قدرة والتعبير موهبة والعاطفة روح وكل هذا من فضل الله تعالى فإذا كان عمرك المبارك في الحدود التي ذكرت فهو أمر يزيد في نفسي من قدر شعورك وشخصك الكريم.

لقد قرأت سطور رسالتك وكأني معك في شعورك وتصوراتك بل كذلك آمالك وطموحاتك في رضاء الله والشهادة في سبيله – وأسأل الله تعالى أن يحقق لك تلك الآمال وأن يتوج جبينك بإكليل الشهادة.

وتأثرت كثيرا لقولك (أرجو من الله ألا تعدُ عيناك عن رسالتي لأنني فتاة – فما أنا بالتي جعلت نفسها أنثي بل الله تعالى أراد لي ذلك).

رجاء أن تباعدي بينك وبين هذا الشعور.. فإن هذا الدين قد وضع لنا شريعة تحدد منهجا للحياة الإنسانية ورسم لنا طريق التعامل في هذه الدنيا تجعل بين الذكر والأنثى درجة تهبط وترتفع بعوامل وظروف الحياة – (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم).

ولكننا للأسف الشديد قد تجاوزناها – بل فهمنا غير ما قصدت إليه وانحرفنا إلى عادات وتقاليد نقلناها عن غير المسلمين بل عن أعداء ثم أقول لك.. إن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى أمثالك ممن وهبهم الله الفهم الدقيق. والحماسة المرتبطة بمنهج واضح وخطوات مرسومة وأن المحيط الذي تعملين فيه هو محيط خصب لا تنقطع موارده، وأسلوب العمل في هذا المحيط في حاجة إلى عاطفتك الريانة ومشاعرك الحية النابضة بالإيمان. فإن الكلمة الطيبة لا تفنى والحركة معها لا تتوقف بل تظل تشق طريقها وتنتقل من مكان إلى آخر تؤثر وتبني وتشيد وتؤتي أكلها ولو بعد حين.

"لو أن القيامة قد قامت وكانت في يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن يغرسها فليغرسها فإن له بها أجرا" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.


الرسالة الخامسة

أخي الحبيب

لقد كنت أشعر بعاطفة جارفة ومشاعر متوقدة فلا أستطيع أن ينطق بها لساني – حتى فهمت وآمنت بهذه الدعوة فأدركت أنها لا تصطدم بفطرة الإنسان ولا تقتل فيه عواطفه بل هي تحييها وتزكيها وتعطيها صورة الحلال المباح فتكون الحب في الله الذي بروحه تراصت جيوش الإسلام على قلب رجل واحد يتدافعون للتضحية ويتسابقون للفداء. (إن الله يُحبُ الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانٌ مرصوص).

كثيرا ما تألقت في معانيك السامية مما أفضت به على حياتي سعادة وانشراحا. كم حدث هذا في صمت دونما تعبير، ذلك لأن القلوب قد بلغت من الوعي والإحساس درجة فاقت الخيال وتسامت حتى صارت من الشفافية ما يتراءى لها عمق الحقيقة ولطائف الروح.

لا أدري سوى أن هذه النعمة لا تقدر بأي قيمة مادية على وجه الأرض لقد أدركت أن الإفصاح عما في قلبي كما أستوعبه سوف لا يبقى لي بعده ما أدخره من هواتف قلبي وحفيف روحي – فكنت أعتمد مع من أحب على الإيماء أو الإرسال وواقع الحال من مظاهر موحية.

دلائل الحب لا تخفى على أحد كحامل المسك لا يخلو من العبق

لقد أدركت من خلال كلماتك المكتوبة مبلغ عواطفك الحية الندية. إن النفس التي بين جنبيك عالم كبير. فليس الذي تسمعه والذي تقرأه والذي تشاهده هو كل الحقيقة فالحقيقة الصادقة علمها عند ربي (والله يعلم وأنتم لا تعلمون).


الرسالة السادسة

أخي الحبيب

أنت في رسالتك هذه أتعبتني جدا.. جعلتني أبحث عنك كي أروي ظمأ قلبي وأرد نفسي إلى نفسي.. كلماتك مشحونة بالعاطفة وهي سر من أسرار حياة القلوب. فأنت أيها الكائن المجهول تعيش في عذاب وأي عذاب أشد من حبيب تحبه ولا يدري أنك تحبه تقترب منه ويبتعد هو لأن جهاز الاستقبال عنده معطل أو فاقد الإحساس. والمعاناة في هذا الحب قاسية. فليس لها إلا أن تبوح [إذا أحب أحدكم أحدا فليخبره] حديث.

كي تستريح – فليس لمثل ذلك إلا ذلك. فضياع الوقت يقتل العاطفة ويزيد من تفتت الشعور. فالحب دائما يسكن الأعماق ولا بد له من غواص ماهر. يتحسس السبيل برفق وصبر. حتى لا يخطئ الوسيلة ولا يرقى في غير هدف ولا يصطدم بالمجهول من الأخلاق والعادات، فالتوجه إلى الحب في الله له مقدمات وله أساليب وله خطوات، فالله تعالى يقول (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) فمن باب أولى أن يكون الوصول إلى القلوب له خطوات.

ولا تظن أنك الوحيد الذي يقاسي هذا الشعور. فكثير من الشباب يحترق شوقا إلى إخوانه – ولكنه لا يجد الإيجابية فتعيش عاطفته مقهورة داخل النفس حتى تجد "داعية دعوة" وليس داعية أشخاص بعينهم. داعية يؤمن بأن كل إنسان من كل الناس مطلوب ومأمول – فأنت لا تدري في أي الناس يكون الخير والإنقاذ. فلا تحبس الدعوة عمن لا ترضاه ولا تهواه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) – (عبس وتولى . أن جاءه الأعمى . وما يدريك لعله يزّكى) .. فإذا عجزت عن الشعور المتبادل بالإحجام والوجوم.. فإني أذكرك بقول الشاعر.


إذا المرء لا يلقاك إلاّ تكلفا

فدعه ولا تكثر عليه التأسُّف

ففي الناس أبدال وفي الترك راحة

وفي القلب صبرٌ عن حَبِببٍ إذا جفا

إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة

فلا خير في وُدٍ يجيء تكلفا


الرسالة السابعة

أخي الحبيب

سلام الله عليك ورحمته وبركاته – عليك كافة – كافة نفسك ظاهرك وباطنك سلام دائم ليلك ونهارك. في حركتك وسكونك..

إسمك إسم حبيب يجذب كل قلب قبل أن يراك. فإذا رآك تعطرت الصورة بأريج منعش وعاطفة تهز الوجدان – قد يخفي الإنسان هذه الجواذب وهذه الموصيات يخفيها حياءً ويكتفي بهواتفها ويبقى الشعور بالحب دفينا، يتناسى ولا ينسى – يغمض عينيه كأنه نائم وأنى له أن ينام، يتحدث ويكتب ويظنه الناس في شغل شاغل وما هو إلا طير سابح حول هذا القلب. فالحب طاقة فوق تصور الإنسان. إن أي تعبير مهما سما في معناه لن يحقق الهدف في مرماه.

عجبت لأمرك كيف التقطت كل هذه المعاني وتذوقت طعم النظرة والضربة.. كثير لم يدرك تلك اللمحات لأنهم يفقدون حاسة الاستشعار أعتقد أنه لا بد في أول الطريق إلى القلوب. أن نعمل على إيقاظ الحواس فإن ذلك يعين على فتح أبواب القلوب. ويكون بذلك المدعو في وضع الاستعداد للتلقي – تلقي الكلمة والهمسة والإشارة – (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا) وأعتقد أيضا أن هناك (أمية) في سلوك الحواس وثقافتها. فإن حضارة المسلم تتمثل في نبوغ القلب والحواس والعقل. (وإنك لعلى خلق عظيم).


الرسالة الثامنة

أخي الحبيب

وصلتني رسالتك تحمل أريج عاطفتك النبيلة. خط جميل. وكلمات مسطورة بين هوامش في ذوق رفيع. أسلوب متسق يغري بالمتابعة المشبعة. قرأتها بشغف ونهم، فقد ترقبتها بشوق ولهفة – لأستروح من كلماتها العذبة راحة لنفسي، أستشف من معانيها شفاء، فالبعد يزيد من الأشواق ويلهب المشاعر، فالبعد ينهض بكوامن القلوب وإشعالها وتحريك سكونها. وكما قيل فإن ركود الماء يفسده.. فكم قاسيت من الغربة وتعذبت بها.. ومع هذا فقد صنعتني صناعة جديدة وفريدة تعلمت من الغربة أن أعتمد على نفسي – واكتشفت أغواري المستكنة ومذخور طاقاتي المدفونة التي كنت أعتمد فيها على غيري. تعرفت على كثير من الناس. فتعلمت كيف أعايشهم وأدخل في قلوبهم – أقترب منهم بحلو الحديث – وأبتعد عنهم فيما لا يعنيني. عرفت الكثير وهم لا يزالون يعيشون في ذاكرتي بل في قلبي.


الرسالة التاسعة

أخي وابني الحبيب

ما وجدت في هذه الحياة أكرم ولا أعظم من الوفاء. فهو نادر، وقليل هؤلاء الذين سعدوا بهذه المنحة الربانية فأنعشوا القلوب وأثلجوا الصدور. عدت إلى منزلي متأخرا مجهدا فاستقبلتني رسالتك فتلهفت عليها بأشواق حارة. فلم أكن أتوقع ما وقع في قلبي. لقد جلست معك مرات وتحدثت إليك في مناح شتى وأنت صامت. ولكني كنت أستشعر في حديثي معك سعادة تضيء جوانبي. إنه شعور ينطق بالحق الذي يغمرني ويكسوني لولا هذا السياج الوهاج.

لماذا لا تفصح؟ لماذا لا تنطق؟ لماذا كل هذا الصمت والقلوب تشتعل والأرواح تحلق! هكذا جاءت رسالتك متوهجة.. لقد قرأت كل كلمة بإمعان وتدبر وأدركت من فقه الحواس مدى ما تتمتع به من صدق العواطف المتألفة. وما أعطيت من جمال التعبير وأدب اللغة. وأدركت من سمو تعبيراتك مستوى استقبالك لهواتف القلوب ورسائل العيون ودقة إحساسك بالهمسات الدقيقة.

لقد تعاملت مع رسالتك كأنك تجلس معي صامتا. ولكني لم أكن كذلك. كنت أتذوق كل هذه المعاني وأرتشف رحيقها. وإن كان الصمت أسلوبا بليغا راقيا ورائعا – كما تعايشت مع القلوب وتعذبت بها حين تناءت في أرض الله الواسعة ولا تزال تعذبني – لأن الحب في الله تعالى لا يتوقف عند حد بل تشتد وتزيد إنه فوق المقاييس التي يتعامل بها الناس في هذا الزمان. ترى لو أني صارحتك بما ذكرت في رسالتك من تلك النفحات الغالية – ترى لو أني ذكرت لك شعوري منذ سعدت بزيارتك الأولى. لو أني قلت لك ما دار في عقلي وقلبي – لو أنك سمعت دعواتي وتجسمت لك أشواقي.. لقد فتحت مغاليق كثيرة وكشفت بها عن منجم من القيم والفضائل. التي أرجو أن تحملك على الاستفادة بها في ميادين النفوس البشرية التي تتطلع إلى أمثالكم لتحملوها إلى ميادين الطهر والعفاف إلى ميدان الروح فإن العواطف الندية تتسرب إلى القلوب كما تتسرب المياه الجوفية في أعماق الأرض ثم تنبثق في أماكن أخرى فتكون الواحات الناضرة وتظهر آثارها بهجة للعيون ومتعة للأرواح.


الرسالة العاشرة

أخي وإبني الحبيب

ليس خطابك وحده هو الذي أسعدني وأشجاني. ولكن هناك بُعدٌ آخر له أثره الكبير في نفسي. ذلك أن الوفاء بالغ الأهمية والتأثير على النفس.. إن مجرد أن تذكرني بالمراسلة أو الدعاء. ثم تُذكرني بأول لقاء – ثم تزورني على بعد المسافات وفي مثل هذه الظروف التي تحيط بنا. كل هذا أجدُ له في ميزان قلبي قدرا هائلا من التقدير فضلا عن الحب الذي جمع الله به قلوبنا.. لقد فكرت في هذا المعنى طويلا. فوجدت أن الإنسان يمكن أن يتعرف على إنسان آخر.. فتكون جلسة أو لقاء ثم لا شيء بعد ذلك على الإطلاق. فتموت البذرة في تربة القلوب فلا تنبت لها جذور ولا تؤتي ثمارها.

فانظر أخي الحبيب كيف كانت نظرتك حين رأيتك لأول مرة فأفسحت لك مكانا في قلبي هفوت إليك بروحي، أحطتك بعواطفي ومشاعري. ولكن لم يأن لقلبك أن يتحرك ومشاعرك أن تصحو وأحاسيسك أن تتنبه!!

ولا يمكن أن تدرك أثر ذلك على نفسي.. ولكن ماذا يمكن أن أفعل في مثل تلك المواقف الحرجة، لابد أن أجمع شتات نفسي وألملم أحزان شعوري فربما أكون قد تجاوزت الحدود المناسبة دون أن أدري وأحاسب وانتبه.

وشاء الله تعالى أن يأتي الظرف والوقت المناسب. ففتح الله تعالى أمامي المغاليق والعوائق وأشرق في قلبينا نور الحب الذي أضاء لنا السبيل. لقد صحوت أخي الحبيب صحوة مشتعلة، أدركت بعدها الفرق بين الماضي والحاضر بين الموت والحياة – لقد صحوت بكل مشاعرك ثم بدأت تعاني مثلما كنت أعاني وفتحت لك تلك الحادثة آفاقا واسعة من أبواب الحب في الله تعالى. لقد قرأت لك بعدها كلمات نادرة حين قلت ( لقد كنت تخرج من المدرسة إلى مدرسة مجاورة كي تنظر إلى إخوانك فقط كما كنت تفعل ذلك حين تذهب إلى المسجد وانطلقت في ميدان الدعوة بقلب جديد ومشاعر فياضة بالحب والخير. وهكذا العاطفة الحية ترف ولا تجف.

الرسالة الحادية عشر

أخي الحبيب

كان لابد أن تكتب لي وكيف لا تكتب وهو أقل القليل بالنسبة لما تعلمه من حبي لك – وكيف ترضى أن تمضي هذه الأيام الطويلة دون أن تذكرني بكلمات وتعيد إلى قلبي حلو الذكريات. تبوح بما يكنه قلبك وتشدو بمعاني الحب. عساها تعوض علينا هذا البعاد وهذه الغربة – لا أنسى يوم كنت تستاك بالسواك وكان يجلس أمامك أخ يحجبني عنك يتحرك كبندول الساعة يمينا ويسارا – أنظر أخي الحبيب كيف أن لحظة واحدة يكون لها هذا التأثير الكبير الذي امتد سنوات وسيبقى ما شاء الله أن يكون ينمو ويزداد ويثمر في قلوب الآخرين.. لو أننا تدبرنا قيمة الوقت وقيمة الحركة والصدق في الكلمة والنظرة لأدركنا كنوز الحياة ونعيمها تري لو مرّت هذه اللحظة بلا فاعلية ولا التقاء أرواح هل يكون لها هذا الأثر القوي فيما بيننا وبين غيرنا.

تقول إنك أصبحت خفيفا وانقصت وزنك. وفعلا قد لاحظت عليك ذلك في زيارتي الأخيرة. وليس المهم هو الوزن الخفيف ولكن المهم هو اللقاء اللطيف والابتسامة الوضيئة وسلامة الصدر وجمال الروح.

والذي نفسه بغير جمال

لا يرى في الوجود شيئا جميلا


الرسالة الثانية عشر

أخي الحبيب حين أريد أن اكتب لأخ أحبه في الله. فإني قبل أن أبدأ الكتابة له لابد أن أتصوره وأستحضر معالمه وأخلاقه. أضعه أمامي كأني أتحدث إليه.. فإذا لم أكن أعرفه من قبل – فإني أرسم له في خاطري مجموعة من القيم الفاضلة لأن هذا هو الأصل في حبنا وإيلاف قلوبنا.

من هنا كانت قلوبنا هي التي تحب أرواحنا هي التي تهفو ومشاعرنا هي التي تسعد وتفرح. أما أشكالنا فهي وسائل إيضاح ومعالم على الطريق فإذا أدركنا ذلك كان دستور حبنا في الله واضحا حين تلتبس علينا الأمور. فنعود إلى جوهر الحب ولب الحب.فنلتقي على الصفاء والوفاء للدعوة التي هي سر جمعنا ودوافع حبنا (وما كان الله دام واتصل).

حاولت أن أرسم لك صورة أتلمس فيها سبيلا إلى قلبك فذكرت أن الأخ (.....) يذكرك بعاطفة من الحب العميق فتأثرت بك لأن حبيب الحبيب حبيب. والحب يجذب الأحباب إلى أوسع الساحات وأبعد المسافات.

الحبُ سِرٌ لدى الرحمن منبعه لا الجن تعرف ما يطوي ولا البشر

ورسولنا  يقول [ لو أن اثنين تحابا في الله تعالى وكان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب لجمع الله تعالى بينهما يوم القيامة وقال هذا الذي كنت تحبه فيَّ].

لهذا كانت صلة الأرواح لا تعوقها حواجز ولا يلزمها لقاء المسلم بأخيه المسلم.. إنما هو تعارف الإيمان بالإيمان. الأشجان بالأشجان والأحزان بالأحزان – كما يحدث بين الإخوة في مصر وفلسطين والأفغان.


الرسالة الثالثة عشر

أخي الحبيب

من القلب أبعث لك بتحية الإسلام – فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بكل ما تحمل الكلمات الشرفة من معان كبيرة وعميقة. في كل كلمة عشر حسنات. إنه ليس من السهولة أن يكتب الإنسان لأخ لم يسعد برؤيته رأي العين – ولم يكن قريبا من مكانه حتى يمكن أن يسعى إليه ويتحدث معه وتلك هي وسائل التعارف بين عامة الناس.

أما وقد تحدث عنك (....) بروح شفافة وعاطفة جياشة وقلب ودود لطَّفت الطريق إلى قلبك – فكان شعور الأخ الكريم نحوك سببا أتبع سببا. وأقف معك برهة نستمع إلى حديث رسول الله  وهو يقول [إن من الناس أناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم عند الله تعالى. قالوا يا رسول الله صفهم لنا لعلنا نحبهم....] وفي روح هذا الحديث أشواق غامرة إن أصحاب رسول الله  يحبون أن يسمعوا إلى دلائل ومعالم وموجبات الحب حتى ينجذبوا إليه. إنهم يتذوقون الحب على أنه طعام القلوب فهم يستلهمون الطريق إلى الحب (صفهم لنا لعلنا نحبهم) إن قلوب الصحابة رضوان الله عليهم تهفوا إلى أصحاب المثل والقيم فتأنس إليهم وتلتحم بهم (وألقيت عليك محبة مني).


الرسالة الرابعة عشر

أخي الحبيب

هاتف يتردد في شهر رمضان من كل عام فقد التقينا يوم تشييع جثمان أستاذنا الراحل عمر التلمساني في شهر رمضان 1406 هـ إلى رحمة الله تعالى.

حين رغبت في تحيتك بعد أن استمعت إلى كلمتك الصادقة المخلصة.

تلك التي روت عواطفنا وأججت مشاعرنا وأثلجت صدورنا وسكنت أعماق قلوبنا.

وهي تنبع من قلب شاب ولد في زمن المحنة والغربة، فما أشد وقعها وأعظم تأثيرها، لشدة وحشتنا وتشوقنا إلى هذه الروح وتلك المواقف التي أعادت إلى ذاكرتنا ذلك الماضي التليد للدعوة الإسلامية – يوم كانت الخطابة بالعربية الفصحى نبراس وأسلوب العصر – يوم كانت لسان المثقف والعامل والفلاح يوم أنطقت الدعوة كل شيء.

وشهدت مصر حضارة اللغة العربية وتوهج ألفاظها وجمال التعبير بها – ومنذ أن أغلقت دور الإخوان ومؤسساتهم العلمية والصحفية انحط أسلوب الكتابة والخطابة والشعر حين نزلت اللغة العربية إلى مستوى العامية التي لم يعرف غيرها حتى القادة والزعماء.

عشرات بل مئات من الشباب كانوا يغردون بالدعوة الإسلامية أدبا ونثراً وقصصا وشعراً في أنحاء مصر والعالم الإسلامي مدنها وقراها على منابر المساجد وأروقتها في الحفلات والندوات والمؤتمرات والمحافل في الأفراح والأتراح في كل ميدان وكل مكان كلمة الدعوة كانت تدوي كالرعد وتضيء كالبرق وتسري كالنور. لقد غابت هذه الروح طويلا – ولهذا كانت كلمات الخطباء في رثاء الأستاذ عمر التلمساني بشيرا بعودة الروح لجسد هذه الأمة وللغة القرآن الكريم.

لقد كنت أستمع إلى كلمتك بقلبي وكنت أشفق عليك وأنت تستلهم المعاني وتنادي الكلمات وتدق على القلوب بأحلى عبارة وأرق أسلوب في هذا الجمع الحاشد والموقف الخاشع والملأ الحزين.

رحم الله الفقيد الجليل الذي كانت حياته دعوة ومماته دعوة.

الرسالة الخامسة عشر

أخي الحبيب

دفعتني عاطفة مستكنة في أعماقي لتعلن عن نفسها – لتقول بلسان حالها ما لم تبده في حينها - حين رأيتك لأول مرة بقلبي رأيتك دون حديث سوى هواتف أبعثها إشارات كالشهب تخترق الحجب. إن لقاءنا الأول كان حديثا أنطِقهُ بل كان شوقا أبثُه إليكم وعاطفة أسربها إلى وجدانكم وأناجي بها مشاعركم. فحديثي إليك دعاء ومفاجأة وأمل. فأنا مشدود إليك من الداخل وحريص على أن تصلك أصداء هذا الشعور بنفس الإحساس ونفس الشعور.

إن الاختلاس حرام إلا في هذا المقام فاختلاس القلوب أمر محبوب [لأن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم] حديث شريف.


الرسالة السادسة عشر

أخي الحبيب

كأني بك كنت على موعد معي في معرض الكتاب ومنذ تلك اللحظة وأنت في قلبي. ولعلي أردت يومها أن أترك لنفسي مكانا في نفسك. أو رأيت أنها فرصة لا يجب أن تضيع فالوقت هو الحياة فتقدمت لك بكتاب هدية (تهادوا تحابوا).. حتى كان لقاءنا الثاني فأدركت أن المسافة بين قلبينا قد تقاربت وشعرت منك بعاطفة وانعطاف، رأيت ذلك في إقبالك وإشراقة وجهك ونظرات عينيك، ولما دار الحديث عن قرب قريب في تلطف إحساس وشديد حماس بكلمات ساكنة هادئة ولكنها قوية متأججة تتفاعل من الداخل كأنها أمواج متلاطمة. ثم ظلت هذه المشاعر تعيش في ضميري ووجداني.. حتى باعدت بيننا الأيام وأصبح كل منا في مكان والأرواح تهيم والحنين يزيد وليس لنا والله إلا الصبر والدعاء.

تلمست حبي في كل درب

وعانقت قلبي لأنك فيه


الرسالة السابعة عشر

عمي الحاج عباس

بعد أن هبت علينا نسائمكم الطيبة وريحكم العبقة كالحلم الجميل وملأت قلوبنا بشرا برؤيتكم وهناءً بقربكم، إستيقظنا والجميع علم الله غير مصدق بأنه كان حلماً مر سريعا وإن كان قد ترك بصماتٍ لا نستطيع أن ننكرها.

عمي الحاج – كلما جلست معك أحسست أنني في عالم آخر هل للكلام دور؟ أم للبساطة أم للأدب؟ أم للشكل الحلو الجميل الذي حباك الله به؟ أم لكل هذا؟

إنني علم الله أحس عند الجلوس معكم كما كنت أحس مع والدي رحمه الله بالسكينة والطمأنينة كما أحس بتلاقي المعاني والأفكار...


الرد

أخي وابني الحبيب

كانت مفاجأة طيبة أسعدتني وأشرقت بنورها على قلبي، رسالتك اللطيفة المهذبة إنها قوية جذابة – تقول فيها يرحمنا ويرحمك الله – كلما جلست معك أحسست أنني في عالم آخر – هل للكلام دور؟ أم للبساطة؟ أم للأدب أم للشكل الحلو الجميل الذي حباك الله به؟؟

إسمع أيها الحبيب اللبيب. إنني اعتزُّ بهذه الكلمات الكريمة التي ذكرت، من ناحية أنك تُعبر عن صدق شعورك وتصارحني بما يجول في خاطرك، وأعتقد أننا في حاجة إلى هذا الوضوح وهذا الإجتلاء – كم من أخ تسكن هذه الأسئلة في ضميره ولا يبوح بها تقلقه ولا يصارح بها – أقول لك إن الكلام الذي تنطقه أو تكتبه هو بالنسبة للكلام المستور والمكنون قليل (يوم تُبلى السرائرُ) سوف تنكشف حقائق نفسية مذهلة – حجبها عن الظهور ظروف غير مرئية ..

وساعة يلبس الحديث تمام الصدق.. وصدق النية وعطر الأنفاس تكون البساطة في الحقيقة فطرة لا صناعة. إذ أن البساطة أسلوب حياة تنبثق من العقيدة ويُسر الإسلام.

وكل تغيير أو تقليد في أسلوب الفطرة سوف يعكر صفو السامعين. المتذوقين الذين تسمو نفوسهم عن الصناعة والصباغة. فالعين اللماحة المستبصرة تكون مشدودة دائما إلى الفطرة.. وهكذا يستوي الفهم على خط استواء مع المشاعر والأحاسيس. وتلك عظمة التربية وهي عبارة عن تجانس متقارب في الفهم والعاطفة والسلوك تقع بينها فوارق هامشية لا تضر.

أما قولك للشكل الحلو الجميل الذي حباك الله به؟؟

أقول أخي الحبيب. إن هذه أول مرة أسمع هذه النعوت الجميلة! إنني معجب بما تقول مجازا، لأن هذا المعني صدر عن نفس جميلة ترى في إخوانها صدى ما يدور في حسها. فكل إناءٍ بما فيه ينضح.. وكم أتمنى أن نخرج عوالج قلوبنا ومضامين أفئدتنا. فعند كل منا كنز من الأسرار النفسية العميقة. وأصارحك أن الإنسان حين يحب أخا من إخوانه.. إنما تجذبه إليه بعض الخصائص والمميزات. فإذا كشفها له أخجله، فهو يحب فيه قيمة من القيم. أو حاسة من حواسه المضيئة.. بعضنا يظن أنه بذلك قد استحوذ على من يحبه (كله) طبعا. لا. لأنه يحب فيه جزءا من كل.. فالأخ الذي يظن أنه استحوذ على الحبيب بسلطان الحب. فإنه بعد قليل يفتقد هذا الحب فلا يجده لأن دوام الحب يكون في تقدير مشاعر الأحباب واحترام حريتهم.

أنا أحب الجمال – وكل صاحب كبد رطبة يحب الجمال، ولكن المقاييس والنظرات تختلف.

جمالُ الوجه مع قُبح النفوس

كقنديل على قبر المجوس

فإذا قال الأخ لأخيه إني أحبك لأنك جميل. فإن هذا الحب سوف تنطفيء شمعته وتخمد جذوته وتموت غايته. إني لا أستطيع أن أصارح كل من أحب بكل ما أحببته فيه فيخفيه فتتعطل إمدادات الروح بسفه العقل. فالجمال ومضةٌ تضيء الوجه بجلال السكينة والإيمان وهو عند المحبين للجمال موصول بمحاسن الأخلاق ورقة الأحاسيس والمشاعر فإذا لمُ يحطْ هذا الجمال بسياج الإيمان والتقوى. كان غاية في ذاته.

أخي الحبيب.. لقد فتحت رسالتك لي مجالا للإفصاح عن واقع يعيش في الأعماق، تحجبه عن الحديث فيه ظلال من الخجل. وإن كان لا يمنعه الإحساس به والحياة معه كمن يعيش في حديقة. وليس من داع ليقول أنها حديقة.


الرسالة الثامنة عشر

أخي الحبيب

أعود إليك هذه المرة تتنازعني عوامل كثيرة وتتخطفني أراء شتى أراني أغوص في أعماقها تارة وأطفو على سطحها تارة أخرى لأتبين طريقي وأعرف سبيلي. فإن الطريق شاق الخطى شديد الوعورة. مع هذا فقد تعجب حين ترى هذا الشباب الغض وهو في ريعان الصبا في نشوة الحياة وزينتها والمستقبل الزاهر يفتح له ذراعيه والمنفعة سهلة بين يديه – ثم هو تجاه كل ذلك يفطم نفسه عن كل شهوة ويستعلي على كل منفعة في عزة المؤمن وكرامة المجاهد (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) إن هذا الشباب المؤمن قد استيقظ على صحوة قلبية ومتعة روحية وسلعة غالية (هي الجنة) لم يعد هذا الإنسان الجديد في خاطري شكلا أو صورة. لقد أصبح في عقلي وقلبي – عقيدة – روح وريحان خلق وسلوك وعي وحركة. قلب صادق ودود روح هفهافة ولسان رطب – عين فيها بريق الإيمان والأمل والحياة.

أخي هذا ما كنت أنشده قد ولد من جديد، أراه قد انتفض واستنهض من نكسة وانتشل من غرق وأفاق من غفوة وغفلة. وتنبه للحياة الحق فوقف في أعلى قمة في الوجود يهتف [ لا إله إلا الله محمد رسول الله].

أخي الحبيب.. أعود إليك مرفوع الرأس مدفوعا بالأمل الذي لن يخبو في نفسي أبداً محصناً باليقين الذي تزيده المحن رسوخاً وقوة – لقد رأينا من الآيات الربانية ما ثبت الله به أفئدة المؤمنين (ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) آيات أبلج من الشمس في رابعة النهار. لقد رأينا قدرة الله تعمل معنا في غير حول لنا ولا قوة من جار يأوينا ولا سلطان يحمينا.

(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق).


الرسالة التاسعة عشر

أخي وإبني الحبيب

والبنوة هنا ليست بنوة نسب وإن كان ما بيننا من نسب يضاعف من قيمة الصلة التي تربطنا، والحقيقة أن الصلة التي أستشعرها نحوك هي فوق كل هذا بل أعمق لأنها صلة العقيدة ورابطة الإسلام والعقيدة أغلى شيء في الوجود.

"يابن آدم جعلتم نسبا وجعلت نسبا فقلتم فلان ابن فلان وقلت إن أكرمكم عند الله أتقاكم. فاليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم" حديث قدسي.

ولعل هذه أول رسالة أسطرها لك.. كنت أود أن أوجهها لك حديثا تسمعه مني كلمات. غير أني أحسست بل خشيت أن تغلبني عاطفتي في هذا الموقف الحزين الأليم الذي يدرك فيه الإنسان فداحة المصيبة – فالحزن عندما يكون على قيم فقدت وأشواق وعواطف انطفأت فلا تعود فالحزن لا يسكن ولا يهدأ. إنها مصيبة غيث انقطع ونور انطفأ ونفس طاهرة لن تعود إلينا في هذه الدنيا.


الرسالة العشرون

إبني الحبيب

رغم ما أحسه من حزن يخيم بالصمت وعدم الانشراح، رغم ما أجد من ضيق وألم رغم هذه المشاعر المتألمة، فإني أسعى إليك كاتبا وإلى قلبك مخاطبا فإني أعلم أخوتنا لم تكن ملكا لأحدنا دون الآخر. بل هي في الواقع ملكٌ لهذا الدين الذي آمنا به بعقيدة صادقة وفهم وإدراك. لهذا فلن أدعك مخاصما ولا أتركك مجافيا ولا أبتعد عنك. وليس ما قد وصلني عنك يُغير من قلبي نحوك ولا يضعف من صلتي بك – فلست بالذي لا يدرك الحياة والأمور على حقيقتها لست هذا الإنسان الجاف الجامد.

وإنما أنا قلب يحترق وضمير يتأرق ونفس تهفو إلى أسمى ما تزكو به النفس وتتطهر به الروح وترقى به المشاعر. فكلما ارتفعت أنت في هذا النور شأنا كان ذلك انتصاراً للحق وإنصافا للدعوة والتماسا للشباب أن يجدوا فيك القدوة ويحمدوا للدعوة أن صنعت رجالا وحققت أحلاما، ويكون لك بهذا أجر لنفسك إن استقامت على الحق والهدى، على أن تكون شمعة تضيء لغيرك سبيل الحق والاستقامة.

( أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على صراط مستقيم).


الرسالة الواحدة والعشرون

أخي الحبيب

فرحتي لا ترى بالعين وإن كانت قد حركت كل جوانبي وهزت كل مشاعري وأيقظت مني كل ساكن. إن فرحتي فوق تصورك مهما حاولت أن تتذوقها من جانبك إذ أن العثور على قلب مؤمن في هذه الحياة أمر شاق وعسير. فإذا أكرمنا الله تعالى بهذا القلب فهناك زينات وأفراح تقام في أعماق قلوبنا وأنوار مشرقة تضيء في جوانب نفوسنا وحياة منعشة تجدد شبابنا.. صورتك اللطيفة المهذبة روحك الهفهافة المؤنسة نظراتك العطوفة الحانية وعواطفك النقية التقية، كلماتك التي تكاد تتحرك على القرطاس والتي تكاد تسمع صوتها كأنين الثكلى ودموعك الحارة الساخنة التي أحسها تسقط على قلبي فتشعله نورا وتضيء جوانبه بالفرحة والسعادة. قلبي الذي تخاف أن يفلت من يديك ويسرقه غيرك. إن هذا القلب غاص في المحيط – محيط الدعوة الواسع الفسيح – مذاقه حلو عذب رقراق.


الرسالة الثانية والعشرون

أخي الحبيب

إن الكتابة رغبة والأسلوب موهبة والتعبير حركة انفعال، وبقدر هذا الشعور بقدر ما يلتحم العقل بالقلب، فقلما يتصل بالقلب إلا في الحب، والقلب هو مستودع الحقائق الظاهرة والباطنة وأروع ما في خزائن القلوب هو الإيمان والحب، وكثيرا ما يخجل المحب من الحب، فترتعش الشفاه وتبرق العيون وتصمت الكلمات.

لهذا كانت النظرات ملحمة أرواح وعواطف سريعة كلمح البصر أو هي أقرب. والقلوب تتذوق من خلال تألق الروح أو ومضة من قبساتها.

وكلمة الحب في الله تعالى لها منازل ولها مواقف. فهي اليوم في ظروف ما أصابك في حادث السيارة – ألذ شراب وأشهى طعام وأمتع متعة وأنعم نعمة. فكلما رقت القلوب من محنة الألم توهجت معاني الحب وقويت روابط القلوب وتساقطت الذنوب واستجاب الله الدعاء (ودعوة المريض حتى يبرأ) وصار الحب في الله تعالى في وحدة الغاية والهدف والأمل بعيدا عن رغبات النفس والهدى – لهذا كانت فتنة الاعتقال والسَّجن والتعذيب في منطق الأعداء هي القاصمة ولكنها في منطق الحب في الله تعالى هي التي تجمع وتربي وتزكي.

إن الظروف التي تعايشك وتعايشها قد أشعلت قلبك وأطلقت مخزون عواطفك وحصدت بها رصيد النظرات والابتسامات والكلمات والخطوات المخلصة التي أحاطت بك. فرأيت بقلبك أضعاف ما تراه بعينك. وكان الألم المقدور محطة على الطريق، حقيقة جديدة في عالم الدعوة التي هي في الواقع (أحداث ومواقف)، (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) فمن خلال المواقف والأقدار تتكون معادن الرجال وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.


الرسالة الثالثة والعشرون

أخي الحبيب (إلى الدكتور الحبر يوسف الدايم – الأستاذ بجامعة الخرطوم)

أكتب لك هذه الرسالة بعاطفة تفيض حبا لشخصك الكريم الذي أحببته منذ رأيته لأول مرة في مطار فرانكفورت وكان يوما بهيجا مشرقا متلألئ ثناياه واضحات بينات كاللؤلؤ المكنون. وناهيك عما حدث وكان. مما ظل أثره في كل لقاء وفي كل مكان.

أخي الحبيب – صدقني أنني معجب بشخصك لأسباب كثيرة تتجاوب فيها معي بلا قيد ولا مقدمات – ذلك هو تفاهم تام واتصال كامل بين قلبينا وتعانق حار بين روحينا. وأعظم من ذلك تلك السماحة السمحة اللطيفة في تقبل حديثي معك بما لا يغضبك. ولعلك تكون قد أدركت أنني (سيسي) ولا عتاب على الأحباب!؟.

والحقيقة أقول لك. أنني أحب الإخوان (السمر) ولا أدري أهي فضيلة أم لأنني من نفس الفصيلة!.

فإذا كنت أسمر بنضارة وأيضا تلبس نظارة فتلك من دوافع الحب ومؤهلاته وتلك نعمة (والطيور على أشكالها تقع) أين كنت من زمان وعايش لوحدك في السودان في غربة هذا الزمان.. ولكن لا غربة بين المسلمين – (وطني الإسلام لا أفدي سواه – وبنوه أين كانوا يا إخوتي).


الرسالة الرابعة والعشرون

أخي

قرأت رسالتك المسطورة، تشكو فيها العواطف التي تبدلت وحرارة الحب التي بردت والمشاعر التي خبت وتبكي الأيام التي خلت – حيث كان نعيم الحب يكسو الحياة بالمتعة والسعادة – ويضفي عليها البهجة – وكان الشوق إلى اللقاء يتوقد وعلى الدوام يتجدد – كانت النظرات في حياء وصفاء لا يحجبها غبش ولا يردها أسف – وكانت الكلمات تنساب في جداول القلوب لا يعوقها ظن ولا تعكرها شبهة.

كانت أحلى النظرات وأطايب الكلمات دستور تعاملنا وضمير علاقاتنا واليوم تئن القلوب أنين الثكلى بأشواق محزونة وعواطف مهزومة لأسباب مجهولة لا تريد أن تفصح عنها – ولو كنت أجلس وأستمع منك – لقرأت ذلك على صفحة وجهك ونبرات صوتك واستحياء كلماتك – ولكن أنى لي ذلك والبعد البعيد لا يعطي الإنسان ما يريد.

فالحب ما كان لله دام واتصل حيث لا يعكره إثم ولا يعوقه ذنب. كما يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي (أحب ولكن في ضميري عقيدتي وديني). فالعواطف أمواج تحرك الأحاسيس والمشاعر فلا تدعها تموت من فتور أو ركود – وأحيانا تنقلب العواطف إلى عواطف تخلع ثوابت الحب وتزلزل قواعد الثقة وتباعد بين القلوب – فقد ورد عن رسول الله  " والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرقُ بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما"، والله تعالى يحذرنا في قوله (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعضٍ عدوٌ إلا المتقين)، فانضباط العواطف على قواعد الشرع يحفظ موازين الحب في الله ويديمه مدي الحياة.


الرسالة الخامسة والعشرون

أخي الحبيب

لقد عشت مع نفسي على انفراد فترة طويلة – عشت بعضها مع بعض الكتب وبعضها مع الخواطر.. فرأيت أن أتحدث إليك بهذه الرسالة استشعارا مني بوجودك معي حين طال غيابك عني، وشعوري هذا هو الحقيقة التي قد تغيب عنك وعن بعض من أحب. أتمني لو تتكشف لهم حتى يتذوقوها – وهو شعور يتيم بعد أن تركت ورائي هذه القلوب الحبيبة. لقد بدأت أحس بالوحشة وأتنسم على البعد عبير هذه المشاعر الندية التي عشت في رحابها ونعمت في ظلال حبها.. إنني أتحسس طريقي على صدى هذا النغم الحلو وهذا النشيد العذب عساي أجد الواحة الظليلة والقلوب الكبيرة التي تضمد الجراح وتخفف الآلام وتواسي الأحزان وتمسح على جبين المعاناة. لأن القلوب المؤمنة ترى من صميم العقيدة أن تسعد الناس بالسعادة التي منَّ الله تعالى بها عليها، فلا يستريح له بال ولا يطمئن له خاطر حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه – إنه يتمنى أن يتذوق الناس جميعا طعم هذه الحلاوة. فهو يتلطف في حديثهم ويتودد بقلبه إليهم ويبذل من ذاته وجهده ووقته ليصل إلى قلب تزداد به كتيبة الإسلام قلبا جديدا.


الرسالة السادسة والعشرون

أخي الحبيب

في رسالتك الكريمة تسألني سؤالا وتطلب مني أن أجيبك عنه في صراحة ووضوح لأنك تعلم يقينا أهمية هذا الموضوع ولزوم صدق التعبير عن مكنون نفسي وشعوري وتذوقي حين إجابتي عن هذا السؤال.

وحين قرأتك وأنت تسأل [ أيهما أولي بحبك من تحبه أو من يحبك؟] شعرت في الحال كأني في لجنة امتحان آخر العالم.

فالسؤال مفاجأة لم أكن أتوقعها ولكني استجمعت قواي الروحية لتواجه تلك المفاجأة التي أدهشتني كي أرد عليها بنفس العاطفة ونفس الشعور.

إذ أن هذا السؤال وارد ولكنه مستور في أعماق النفس والشعور، حيث أن فلسفة الحب في الله لم تكشف أسرارها وأغوارها النفسية بالبحث والصراحة في حركة الدعوة الإسلامية التي تأسست على العقيدة واشتعلت بالحب وانتصرت بالجهاد والصبر.

فالإجابة على سؤالك ليست سهلة لأنها ليست عملية حسابية تنضبط بأرقام ولكنها في الصميم عملية قلبية تتعامل بالأحاسيس والعواطف والمشاعر فإذا كان حبك ينصب على الشخص الذي تحبه دون سواه، فهو حب ذاتي لا يرقى إلى مستوى الحب في الله – لأن الحب في الله حب جماعي – (إنما المؤمنون إخوة) صحيح أن الحب يبدأ بالفرد على أساس دعوة.

فالواجب أن تحب على مستوى الطرفين ثم على مستوى جذب الأفراد من تحبه ومن يحبك. وأن تحب من لا يبدي لك حبه حتى يحبك (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودةً والله قديرٌ والله غفورٌ رحيمٌ) لأن دعوتنا تجمع وتبني. فمن أجل نصرة الدعوة يكون حبيبُ الحبيبِ حبيبا – ومع هذا فقد تحب إنسانا بصدق الحب ولكنك لا تدري موقعك في قلبه!

"أنت الحبيبُ ولكني أعوذ به

من أن أكون محباً غير محبوب"

ولهذا فإن رسول الله (ص) حث على تبادل الحب فقال في حديثه الشريف "لو تحاب اثنان في الله تعالى كان أقربهما لله تعالى أشَّدهما حبا لصاحبه"، فإذا حكمنا العقل والمنطق فإن من يحبني هو أولى بحبي – وإذا حكمنا العاطفة دون العقل فإن من أحبه هو أولي بحبي.

وأما سعة الحب في الله تعالى وعالميته فإنها تدعونا أن نحب كل من يحب الله ورسوله ودعوته والحب على هذا المستوى يشمل مساحة لا حدود لها من قلوب وعواطف وأشواق كل المسلمين على وجه الأرض.

الرسالة السابعة والعشرون

أخي الحبيب

منذ تسلمت رسالتك وأنا معك على الدوام أعود إليها كثيرا لأخفف عن نفسي الكثير من المتاعب التي نعايشها في هذه الحياة والتي أعتقد أنها من طبيعة الأشياء ومن هنا كانت الكلمات الصادقة إيناسا للنفس وراحة للقلب وحياة للروح، وكانت تلك العاطفة المشرقة كالماء البارد في صيف شديد الحرارة.

ولا تنس أخي أن تلك المشاعر والإيناس هو شعور بقيمة الإنسان وذاته ووجوده الحي على وجه هذه الدنيا.

فالإنسان الذي لا يجد قلبا يؤويه أو روحا تسري فيه فتسري عنه همومه وتأخذ بيده إلى الحق والصواب.

إنسان يعيش في تيه لا ساحل له ولا مرفأ يستقر عليه، لهذا كانت صلتنا وود قلوبنا سعادة ورحمة مهداة من الله تعالى – ولعلك أدركت ذلك من الواقع الذي نعيشه.. ومن فضل الله أنك قد أدركت ذلك من زمن بعيد – يوم كنت لا أدري نفسي ولا أعرف لي غاية ولا هدف ولا مصير اللهم إلا متاع الحياة الدنيا وزينتها.

فلما أدركني الله تعالى برحمته وهداني إلى واحته، تغيرت حياتي وكأني قد ولدت من جديد لهذا فأنت أيها الحبيب سعيد ومسعود بما حباك الله من فضل حيث وفقت إلى هذا الطريق وتلك نعمة تحتاج إلى الشكر وتحتاج إلى تدعيم الشكر بالعمل المتصل والصبر الجميل.

الرسالة الثامنة والعشرون (الرسالة إلى أخ فلسطيني في المدارس الثانوية)

إبني الحبيب

إن هناك غذاء لا يتوفر في الأسواق مهما بحثت عنه لا تجده إلا في نفحات القلوب ورقة المشاعر وصدق الحب في الله، تستطيع أن تغذي جسدك وتملأ معدتك بأي أنواع الطعام! ولكنك لا تستطيع أن تملأ روحك وتغذي قلبك إلا بأعطر المعاني وأزكى الكلمات وأطهر العبارات ولا يتأتى ذلك أيها الحبيب إلا من هواتف قلوب متحابة غاية الحب في الله تعالى – إذا رأيتها أيقظتك وإذا غابت عنك تلمست السبيل إليها بهواتف القلوب. يعيش معها وتعيش معه لا يفرط في حقها ولا تخدعه ظروف الحياة عن الوفاء لها.

إن الحمام ينوح من ألم النوى

وأنا أنوح مخافة الديان

نوح الحمام على الغصون شجاني

وَرَأى العذول صبابتي فبكاني

هذا حال الحمام فما بالك بحال القلوب الذواقة المشتاقة.

عيون للسماء تبوح سرا

وقد تغني العون عن البيان

أحاسيس تبدت في نفوس

فأيدتها العيون بلا لسان

حين تعرفت بك وأحببتك كنت على يقين من أنك مذخور بهذه المعاني ومشحون بهذه العاطفة – وكنت ولا زلتْ أقصدك منبعا يفيض بهذه المشاعر على من حولك وأن يفتح الله بك سبيلا لحياة القلوب والأرواح.

الرسالة التاسعة والعشرون (رداً على خطاب إحدى الأخوات الكريمات في مصر)

الأخت الكريمة

رسالتك اللطيفة أعود إليها أكثر من مرة.

رغبة مني في استنشاق عبيرها واسترواح مناخها والعيش في رحابها.

فقد نقلتني هذه العاطفة من خمود إلى حركة وحيوية وهذا شأن الصدق في التعبير والاتجاه، وهو رد فعل صنعته دوافع روحية عميقة، فكان لابد له أن يصل إلى القلوب بقوة هذا الدفع الرائع فإن قوة الروح المدعومة بعاطفة الإخلاص هي أقوى المداخل إلى نفوس الناس ومفاتيح قلوبهم وأفكارهم.

فإن رجال الرياضة البدنية يتعاملون بقوتهم البدنية والعضلية – أما رجال الدعوة الإسلامية فإنهم يتعاملون من منابع أرواحهم وأريج قلوبهم (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسنُ) من هذا المنطلق الذي وهبك الله تعالى.

أرجو أن يكون له شأن في تدعيم روح الحب والأخوة بين من تعيشين بينهن من الزميلات – اللواتي هن في حاجة ملحة إلى تلك العاطفة المشرقة.

التي تهدهد من المعاناة من عذاب تلك الحياة فالنفس البشرية تميل بطبعها إلى من يخفف عنها ويلطف الجو حولها.

قرأت فيما قرأت لك [ لست أدري كيف أشكرك على اهتمامك البالغ بتلميذة صغيرة جدا.. ] صدقيني إنها رسالة رائعة بل رسالة قلب وليس للقلوب سن بل الإنسان بقلبه وإيمانه.. صدقيني أنني أرحب بكل رسائل الإخوة والأخوات وأسعد بالرد في الحال.

لأن هذا كما تشعرين فيه حياة وأنس وسعادة وتجديد لمعلومات ومفهومات. فضلا عن أن الكتابة تفجر ينابيع وتلهم المعاني وترقق القلب وتعين على الصبر وتؤدي رسالة الدعوة بأحسن ما تكون الوسيلة، أو الوسيلة التي هي أحسن.

وتقولين [ ولا سبيل إلى تجافينا بعد هذا الارتباط الحميم] وكيف أجافي من بدأني بالسلام وصاحب السبق له فضل.. كيف أجافي قلبا سعى إلى قلبي كيف أجافي سر وجودي وحفيف روحي – كيف يعيش أمثالي بلا قلوب تتعانق وأرواح تهفو على البعد البعيد.

الرسالة الثلاثون (إلى أخ كريم طيب في لندن)

أخي الحبيب

لا تزال أعماق الروح وهواتف القلب ومنابع الروحانية مجهولة عند البشر ويوم يتذوقونها ويستشعرونها سوف تتغير سلوك وأخلاق وعادات تنقلت بها الموازين البشرية (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم)، (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) ولهذا أخي الحبيب إنني حين قرأت رسالتك شعرت بالتجاوب العميق والتقابل الوثيق والاتفاق فيما يجمع بيننا من شعور ومشاعر وهواتف، هي أسمى ما بلغته الإنسانية من رقي في الذوق واللياقة والحضارة والأدب، وسلوك الحواس بل وثقافة الحواس، تلك أعظم معالم شخصية المسلم، فإنها بتحركها الحية المشرقة المضيئة تعلن عن حسن الخلق، وأدب الكلمة وخشوع النظرة وحسن اللقاء والاستماع، والرحمة والتواضع، وخفض الصوت، ورقة الابتسامة، وخفض الجناح – كل ذلك إنما هو حركة الحواس ويقظة في الوجدان والمشاعر.. والإنسان الذي لم يستخدم حواسه كما أرادها الله تعالى.

فستبقي مظلمة معتمة جافة – وهذا هو الإنسان (الميت) (أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).

خطابك هذا ينطق بتلك المعالم المتوهجة وتلك المعاني التي تعبر عن مكنون صادق كريم فإذا أضفت إلى كل ذلك، القلب الفتي والعقل الذكي والروح النقي فقد تربعت على قمة من الحب في الله تعالى.

الرسالة الواحدة والثلاثون

أخي وإبني الحبيب

تلقيت اليوم رسالتك المشحونة بالعواطف والتي تشكو فيها نفسك لما تحسه من شعور جارف بالحب نحو أخ شغل عليك تفكيرك وملك منك الجوارح حتى أنك لا تطيق أن تبتعد عنه ساعة من نهار أو ليل، وتحس بضيق وغضب واكتئاب نفسي إذا رأيته يمشي مع أحد غيرك فلا يطيب لك طعام أو شراب بالرغم من أنه يحبك أكثر من الآخرين.

وقبل أن أسرد عليك ما أحسه نحوك بما جاء في رسالتك أرجو أن تعتبرني أخا كبيرا – أقدم لك النصيحة وخاصة أن مثل هذه الحالات تحتاج أن يتغلب العقل على شرود العاطفة. فالحب في الله تعالى مشروط بقواعد شرعية وآداب إسلامية. فلا يتعداها سواء إلى التفريط أو الإفراط – فالحب في الله ارتقاء بالعواطف والمشاعر إلى مستوى الانتساب إلى الحب "في الله" وهو الحب على مستوى الطرفين بميزان بعيد عن الذاتية والأنانية – فليس الحب في الله أن تذيب نفسك في نفس من تحب وحدك. فالحب في الله هو رباط كل القلوب بكل القلوب لينشأ من هذا الحب صرح الوحدة الإسلامية، فأنت تستأثر وتحجب روح الحب عن القلوب وتجعل من تحب أسير حبك وحدك، وهذا طغيان عاطفة وقصور عقلي. تجعل عند وجودك ضياع لوجوده وتقليل من حقوقه وتعطيل قدراته، وتعوقه عن حرية الحب في بساتين القلوب وتعطل مواهبه الروحية والجمالية والأخلاقية من أن تنطلق وتعمل في محيط الدعوة الممتد الفسيح لتكون أداة محببة وجاذبة تجمع على الدعوة كل مسلم أشرق في قلبه نور الإيمان.

[تحبب فإن الحب داعية الحب

وكم من بعيد الدار مستوجب القرب]

ولتعلم أن الأخ الذي تحبه كنز مفتاحه الحب فضعه في مكانه اللائق الكريم.

وكل من يعايش ظروفكما ويرى سلوككما ليس بأعمى ولا غافل. فينقلب الأمر إلى مشكلة أخرى كما يقال في المثل (إللي يحب نفسه تكرهه الناس) (ومن لم تكن في الله خلته... فخليله منه على خطر).

والغريب أخي الكريم.. أنك تغضب وتتألم حين يمشي أخوك مع أحد غيرك. فأنت بهذا الشعور وهذا السلوك قد اعتبرت الأخ الكريم (أسير) حبك تتحكم في شخصيته بما تراه وتهواه – وكيف تكون أنت حر في تصورك وتصرفك ولا تدعه هو كذلك!!

إن الحب في الله أن ترقى بمن تحب إلى مستوى التقدير والاحترام حتى يحس أنه شخص على مستوى يحبه كل الناس. فتشعر أنت بالفخر والاعتزاز أنك تحب أخا يضعك في مقام كريم.

والأخ الذي تحبه لا يمكن في كل مناسبة أن يتحدث ويكرر أنه يحبك إن ذلك شأنه أن يفرغ كلمات الحب من قاموس العواطف وتكون بذلك قد استنفذت رصيدها – ولا قيمة لكلمة الحب إذا قيلت لفظا فإنها ستكون نغما يشجي لحظة وينطفئ. إن أجمل وأنقى كلمات الحب تلك التي تسمعها بقلبك.

وختاما أخي أقول لك، إنك قد جاوزت حد الاعتدال في قول الرسول  (أحبب حبيبك هونا ما) فشعورك هذا الذي وصفته بصدق وأمانة لا يمكن أن يبقى مشتعلا على هذه الصورة الملتهبة. فإن الأيام والظروف سوف تعمل عملها حتى تستقيم وتستقر العواطف على طبيعتها. فمن المحال أن يدوم هذا الحال إذ لا بد من مجالات وتغييرات مختلفة قادمة على حياة كل منكما سوف تغير من هذه الثوابت المؤقتة. حتى تستوي العواطف على الجودي.


الرسالة الثانية والثلاثون (من أخ مصري طبيب)

أبي الحبيب

إنه لا يُطفئ الشوق إلا اللقاء. لقد تعب قلبي من الانفعال العاطفي الذي يشعلني.. الحقيقة أنني عندما بدأت هذه الرسالة كنت في حيرة قبل أن أخاطبك (يأبي الحبيب) ولكنني لم أجد غيره في قلبي كي أعبر به عن شعوري نحوك – فإن شعور التلميذ تجاه معلمه محدود بالدراسة وفضل تعلمه على يديه، وإذا خاطبتك بلفظ "أخي" فإني أجد في ذلك خجلا من شخصكم الكريم.. ولكني أناديك بأبي لأني وجدت لديك عاطفة ورحمة وروح المعلم الحريص على ابنه، أنت أخ كبير سقى بذرة الحب التي غرسها الله سبحانه وتعالى في قلوبنا لتنمو وتصبح شجرة باسقة صحيح أنني لم أمكث معك فترة ولكن ما تعلمته منك كان عظيما.

لقد قرأت الجزء الأول من الدعوة إلى الله حب. وبكيت حين وصلت إلى قصة "كوب الشاي" التي كانت سببا في تعارفنا، فكانت ساعة ميلادي ويقظة قلبي – وقرأت الجزء الثاني لأجد كلمات من رسالتي إليك فجرت الدموع من عيني مرة أخرى. تذوقت كل كلمة فيها على لساني ومن صميم قلبي وتجولت بين معاني الكلمات كمل ترفرف النحلة على الزهور تمتص رحيقها، فكانت كلماتك الصادقة غذاءً لقلبي وإنعاشاً لروحي – تعبيرات جميلة وأسلوب عذب.

أبي الحبيب.. قد يتعب الإنسان حتى يصل إلى الإرهاق الشديد – ثم يلتقي بمن يحب من إخوانه فتمسح نظراته وكلماته تلك المعاناة وتذيب هذا العناء، وهكذا كان اللقاء والحديث وكانت الرحلة والسياحة وكانت الكتابة من العوامل التي تخفف وطأة متاعب الحياة، فلا أستطيع أن أعبر عن مدى سعادتي وأنا أسطر إليك خطابي – فمنذ قليل كنت في غاية الإرهاق والآن أنا في غاية السعادة.


الرسالة الثالثة والثلاثون (من أخ كريم من سوريا)

والدي الحبيب

فقد قرأت رسالتك وتأملتها مليا وقد سكنت قلبي دفئاً وأنساً وأضافت إلى فهمي مفاهيم جديدة فجزاك الله خير الجزاء.. وقد خجلت من نفسي أيما خجل عندما وجدت هذا الاهتمام الذي لا أستحقه وهذا الإصرار على رؤيتي ولقائي وأنا أقابلك بالإعراض والإدبار. فكنت كالإبن العاق الذي قاطع أباه، وأحسست في قلبي جفافا وقسوة تجاهك وهذا يصفني به الأخ (....) بأني جاف العاطفة.

أخي الكريم.. لقد وجدت فيك نموذج الأخ الكبير الذي تسمع عنه ولا تراه وأعجبت بخلقك المتواضع وبساطتك اللطيفة مع إخوانك وأبنائك وكم أود لو اندرجتّ هذه الصفة على بقية الإخوة لزادت الأواصر أكثر فأكثر.

أخي الكريم أصارحك أني في بداية الأمر ومن أول لقاء معك عندما وجدت منك هذا الاهتمام بي. تساءلت في نفسي. هل هذا الاهتمام وهذه العواطف هي فقط لمساعدتك في أداء مهمتك أم هي حقيقة! واعذرني على هذه الخواطر فقد مررت بتجارب جعلتني أشك في حقيقة البسمة والكلمات الطيبة، وجعلتني لا أفتح قلبي بسهولة حتى أستيقن من حقيقة ما يقابلني به الشخص. وأنا أظنها صفة سلبية وأرجو زوالها مع الزمن. كما أنتظر منك الرد ووصفة العلاج أطال الله في بقائك.


الرسالة الرابعة والثلاثون (من أخ فلسطيني طالب بالصف الثالث الثانوي)

أبي أبي الحبيب

منذ عدة أيام خلت ودعت قلبا عزيزا عليَّ جد عزيز وكان وداعا من نوع خاص وعجيب!! لقد كان وداعا لا لقاء بعده.. عاش معي مع كل نبضة سعادة وفرحا.. وشاركني في كل نبضة ألم وأسى.. كان منبع عاطفتي وأريجها ومصدر أحاسيسها وأزاهيرها. منه انبثقت عاطفة صادقة.. ومشاعر أمينة وأحاسيس حارة إلا أن حوادث الدهر أتعبته وآلمته. ومستنقعات الغيرة وحب الملكية الآثمة عكرت صفوة وقتلت صدق عاطفته، وكتمت حرارة حبه ووجده. فلا أشواق يزودني بها ولا أحاسيس يمدني بحيويتها، وشَرَع يلفظ أنفاسه الأخيرة. وهو ينزف ألم الأيام ومكابدة الليالي – ثم فقدته فلم أجده.. إنه قلبي. حقا لقد فقد عنصر التجديد فلم يعد قادرا على مواصلة السير في هذا الطريق.

أسمعت عن فتى عاش فترة من الزمن بلا قلب؟ بلا أحاسيس وأشواق من طبعي أن أحب التجديد والتغيير.. لا أحب أن أعتاد على شيء فأفقد وطفقت أبحث عن عالم حب في الله جديد – وأخذت أبحث عن قلب نقي طاهر وأحاسيس ربانية عفة.. أتدري لماذا يا أبي الحبيب؟ حتى أخاطبك (يأبي الحبيب) أكون مدركا لمعنى هاتين الكلمتين.. حتى أخرجهما بصدق وشوق وحنين. وما احتجابي واحتجاب رسائلي عنك إلا لفقدان هذه الأمور.


الرسالة الخامسة والثلاثون (من أخ سوري طالب جامعي)

والدي الحبيب

لقد زرعت في قلبي بذورا أثمرت وستبقى إن شاء الله ما حييت مثمرة وإن تلك الأيام التي قضيتها معنا في النمسا قد أعادت إليَّ ما كنت فقدته بعد خروجي من سوريا – إن ما أجده من معاملتك للإخوة ومراعاة لشعورهم والسؤال عنهم ما أجده بالمقارنة لحالنا شيئا جديدا.. ولكن أحزن عندما أرى هذا النموذج المثالي وأرى بعض الإخوة الذين تؤتى الجماعة من قبلهم بتصرفاتهم وسلوكهم ولا أعرف كيف أتصرف معهم.

فهذه الرابطة وما تعطيه من شحنات ربانية تدفعني مراحل وخطوات إلى الأمام ومن حين لآخر أعاود قراءة رسائلك التي عندي فأستشعر ما بها من معان عميقة صادقة – وكل مرة أكتشف معاني أخرى وتتضح لي الرؤية من خلال تلك المعاني فقد استشعرت بحق حين قلت لي إن الفرق بين الداعية ورجل الدعوة كبير فكن رجل دعوة.

وكذلك عرفت منك كيف يسعى الأخ إلى قلب أخيه بكل مشاعره وأحاسيسه إنها معان لا يكسبها الإنسان إلا بالتجربة والعمل والأيام وهي وسيلة للعلم وكسب والدي الحبيب.. لقد أحسست بعد اتصالك بالهاتف برغبة في الكتابة إليك وقلت في نفسي إن شاء الله غدا صباحا أخط لك رسالة – ولكن الرابطة التي ربطتني بها جعلتني أحس في أول النوم بصوتك وكلامك فقمت في الحال وحررت لك هذه الكلمات.. فقد أخبرتك في الرسالة الأولى أن قلبي فتح لكلامك دون إرادتي.

فأجبتني بأن ذلك سببه الصدق والإخلاص في المحبة. فعرفت أن ذلك لا يتجلى إلا بالحب المتبادل بين الإخوان وفي إسعاد كل أخ للآخر وذلك بعمل ما يحبه ويحرك إحساسه. فهل يمكن أن تتجلى هذه المحبة على حقيقتها بين أخوين لا يراعي أحدهما شعور الأخر؟ وللأسف أقول لك والدي أن الإخوة في المركز الإسلامي لا يراعي أحدهم شعور الآخر، لذلك ضعفت الرابطة بينهم عن الواقع الإسلامي المطلوب منهم.

وحتى يعطي الإنسان كل طاقاته وحبه للدعوة والناس يجب عليه أن يشعر بهذه العاطفة مع باقي الإخوة – وكيف يشعر بذلك وغيره لا يراعي شعوره ولا يعطيه حقه من العاطفة والحب – وحتى هذا الشعور الجاف يقابل به بعض الزائرين الوافدين من خارج دائرة المركز الإسلامي في صورة معاملة جافة.. مع أن دعوتنا دعوة تربية وجذب لقلوب عامة الناس ونحن نقرأ في كتاب الله تعالى (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) ورسولنا  يقول "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه".

لقد تأكد لي من خلال عملك ورسائلك ما قاله (فضيلة الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة) وكرر (أن الإٍسلام ذوق).

وختاما إن عاطفة الأبوة التي حرمت منها في هذه الغربة قد حصلت على أضعافها بعطفك وحنانك وإنني والله لأضعك في مرتبة والدي.

الرسالة السادسة والثلاثون (من طالب فلسطيني بإحدى جامعات ألمانيا)

والدي وأخي في الله

وصلتني رسالتك الكريمة تفوح شذى ومحبة – كسابقتها – لا أدري يا أخي ماذا أقول بعد ما قرأتها عدة مرات – إذا كنت تحتار كيف ترد على كلماتي فكيف لا أحتار أنا أمام ما تكتبه لي من معاني الأخوة والحب.

كنت أظن أن هذه الأيام التي سأقضيها في مدينة (كولونيا) في ألمانيا سوف تمر كسابقتها ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يرزق كل منا أخاً جديدا من حيث لا يدري فالله تعالى يرزق من يشاء بغير حساب. ولا زلت أذكرك عندما كنت أنت والأخ علي في المطبخ ثم سألتني عن اسمي بابتسامتك.. ثم عندما سألتني ماذا أعمل. فقلت لك أعمل طالبا. فقلت عندها – يا طالب يا مطلوب – كثيرة هي المواقف التي تأبى مغادرة الذاكرة – إن لقائي بك وبالتالي التعارف الذي حدث وإن كان قصيرا فقد أحدث الكثير من التغيير من ناحيتي إن شاء الله نحو الأحسن، وأستطيع أن أقول لك إنك أفدتني بدروس كثيرة أشكرك عليها.. فقد رأيت فيك ما ينبغي أن يكون عليه الداعية مع من يدعو من صفاء ومحبة وصراحة، ترى ما الذي كان مقدرا لو أنك لم ترسل لي الرسالة الأولى. لا شك أن الحالة كانت ستكون على غير ما هي عليه الآن ولكن الله قدر غير ذلك.

كذلك لاحظت من رسائلك أنك تستعمل التاريخ الهجري. فقلت لنفسي مادامت الهجرة حدثا إسلاميا كبيرا غير تاريخ البشرية فلماذا لا تتخذه تاريخا.

وأريد أن أقول بأنك وفقت بحمد الله في رسائلك فكانت كلمات صادقة لها حرارتها، فكما كنت تخاطب في رسائلك وكأنك في مشهد حي، كذلك استمعنا لحديثك العذب النابض بالحياة في "مدينة ميونخ" والذي أبى إلا اختراق حصون القلوب وفتح أبوابها بكل سرور لاستقبال هذا الفيض من الحرارة الروحية.

وقبل أن اختم رسالتي أود أن أخبرك بأنَّ هناك أخا كريما من بلدي "اليامون" في الضفة الغربية يدرس في كلية الدعوة وأصول الدين في مدينة "القدس" فقد كان عنده كتابك (حسن البنا مواقف في الدعوة والتربية) وعندما رأيت الكتاب وعليه اسمك أخبرته عن بعض الأشياء عنك ويبدو أن الشعلة قد جذبته – فالضوء في الظلام يؤنس ويجذب وقد بعث برسالتين فيهما سلام لك وأرجو أن أكون قد بلغت الأمانة.


الرسالة السابعة والثلاثون (من طالب بالصف الثاني الثانوي)

أبي ومعلمي وحبيبي

عندما تقابلنا عدة مرات كنت أنتعش بسماع صوتك وحديثك وفي المرة الأخيرة وعدتك بأن أكتب لك رسالة وها أنا أوفي لك لأنني أحبك في الله حبا شديدا لأنك من تلامذة الإمام حسن البنا. وهأنذا أقول لك ردا على ما قلته لي ( أحبك الله الذي أحببتني من أجله) وفي رسالتك لي عتاب لأنني قلت لك عندما سألتني لماذا لا تتكلم؟ وأجبتك (أنك قد أحرجتني) ما كنت أود أن أقولها لو أعلم أنك تأثرت كثيرا بهذه الكلمة، وأنني كنت صامتا معك فها تقبل أسفي!!

أبي ومعلمي وحبيبي.. إن الأخوة شيء عظيم ولولا الأخوة ما أحسست بلذة الحياة.. وأن ترابط القلوب بعضها ببعض شيء عظيم في حياتنا وأن الأخوة التي بيننا ليست أخوة زائفة. بدليل أنني عندما أكون وحدي أحس بضيق كبير وحزن في قلبي ما لم يكن معي أحد من الإخوة لدرجة أنني في يوم من الأيام هربت من المدرسة وذهبت إلى مدرسة الفحاحيل الثانوية كي أرى بعض الشباب – هذه المعاني العظيمة التي نحس بها هي سر من أسرار سعادتنا.

ولقد تأثرت بحديثك عن الثلاثة الذين خلفوا عن رسول الله (ص) في غزوة تبوك – حين ذهب كعب بن مالك من الذين تخلفوا، إلى المسجد وكان فيه الرسول (ص)، فكان كعب بن مالك يسارق رسول الله النظرة وكان رسول الله (ص) يبادله نفس الشعور دون حديث أو كلام؟

هذه الكلمات كان لها تأثير كبير على نفسي – وكل هذا لأنني عرفت حقيقة الأخوة – وأنها ليست دروسا تلقى. ولكنها أرواح وقلوب ومشاعر.. إنني آسف حيث كنت صامتا معك – أتمنى أن أجلس معك بعض الوقت ومعذرة لتقصيري، ومنذ اللحظة فتح الله قلبي لكل إخواني.

أبي الحبيب.. لقد جلست معك عدة مرات – وفي مرة كنت تراني أبتسم فتقول للإخوة إن الأخ (....) قد فقه .. ولقد حدث هذا معي بالفعل، إنني يوما كنت أصلي في المسجد وبعد الانتهاء راقبت أحد الإخوة فابتسم لي وبادلته نفس الشعور فابتسمت له ثم صليت السنة وبعد الانتهاء لم أجد هذا الأخ ولكنني وجدته في صلاة العشاء فقلت له يا أخي لماذا لم تكلمني ولم تصافحني فقال لي – لقد فعلت ذلك – فقلت له؟ كيف؟ فقال لي بنظرتي الأولى لك فكأنني كلمتك – فدهشت لقول هذا الأخ كيف وصل إلى هذا المستوى ولكني أقول إنها دعوة حب وقلوب لا تقتصر على الأفكار والعقول.


الرسالة الثامنة والثلاثون (من أخ فلسطيني طالب بالمدارس الثانوية)

الأخ الوالد ..

إن هذه الرسالة هي أول رسالة مني إليك فأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يشرح لي صدري ويحلل عقدة من لساني كي أعبر عما في نفسي وما يجول في خاطري من حب صادق عميق تجاه أخي الحبيب حفظه الله.

إني لم أعرف قيمة هذا الحب ولا معناه إلا في ظل الإخوان الذين تعرفت عليهم فدخلوا قلبي وإليك قصتي في هذه السطور.

في أحد الأيام وكنت أتردد على مسجد (البيدان) فصليت العصر وخرجت وصليت المغرب وخرجت – وذلك بعد أن سمعت درسا من والدتي عن عقوبة تارك الصلاة – وبعد صلاة العشاء وأنا خارج من المسجد، فإذا بأحد الشباب يسلم ويتعرف عليَّ ثم يعرفني على معظم الشباب في المسجد. فصرت أتردد على المسجد لمدة طويلة وأزداد حبا لإخواني على مر الأيام. وتمضي الأيام وأذهب مع الشباب في زيارة للأخ الفاضل (.....) وهناك أسمعه يتكلم عن دعوة الإخوان المسلمون! وهناك في تلك اللحظة أندهش وأكاد أصعق.. فأنا إذن مع شباب من الإخوان المسلمين- الذين طالما سمعت عنهم من الأهل وغيرهم، فكنت أخاف منهم كما كان يخاف الناس – ولكني تمالكت نفسي وصبرت على هذا الموقف وتمضي الأيام وأزداد حبا لهؤلاء الإخوان الذين وجدت عندهم من الحب ما لم أجده في أهلي وأسرتي.

وهأنذا اليوم أعتبر نفسي جزءاً منهم وهم في نفسي وقلبي، وأصبحت أعتقد تمام الاعتقاد أن هذا الطريق هو الطريق الوحيد لسعادتنا وسعادة البشرية جميعا – فيه نصرة الإسلام وعزته فأزداد تمسكا بإخواني وأمضي أدعو غيري من التائهين الحيارى إلى هذا الطريق وأحزن عليهم إذا ابتعدوا عنه.

ولا زلت أذكر لقاءك الأول في المسجد (العلبان) عند الشيخ أحمد القطان وجئت يومها معكم بالسيارة.

لقد كانت كل نظرة – كل حركة – كل لمسةِ منك لها معنى ومقصد وكل كلمة كنت أسمعها منك كانت تزيدني ثباتا وتدفعني إلى العمل بجد ونشاط لقد حضرت لك بعض الزيارات في الديوانيات.. فكنت أخرج من الدرس وأشعر أني مقصر لأنني لم أدع غيري على هذا الطريق كنت تقول لنا فيما تقول.. إنكم قد جئتم إلى هذه الدعوة بابتسامة وسلام ونظرة وكلمة طيبة. فلا تبخلوا بهذه المشاعر وتلك الأحاسيس فإنها وسائلنا إلى قلوب المسلمين.


الرسالة التاسعة والثلاثون (من أخ فلسطيني طالب بالثانوية)

أبي عباس

أبي أكتب لك هذه الرسالة بعد ما غادرت بيتك يوم الجمعة فوصلت إلى منزلي متأخرا أي في حدود العاشرة مساءً – حيث فوجئت بالضرب على جسمي في كل مكان. وأبي يسألني عن سبب تأخيري؟ وأنا أجيب إني ذهبت عند شخص قد جاء من مكان بعيد وكنت أنتظره على شوق – ولم تعجبهم هذه الإجابة – فقالوا لا زيارات ولا شباب مسجد فدمعت عيناي على ما أجد وألاقي – ولكن صدقني إنني ما حزنت من ضرب أبي.. بل حزنت عندما تذكرتك وتذكرت الشباب وإلى متى سأظل بعيدا عنكم أيها الأحباب؟

ولا أدري إن كان هذا القلب الكبير الصغير سيسع هذا الحب كله أم لا ؟ وكل ما حدث لي إنما يدل على مدى حبي لإخواني وتعلقي وتمسكي بهم.

أبي عباس.. صحيح أنني ضربتُ من أبي.. ولكن كل هذا الألم زال وخف بعد ما تذكرتك وتذكرت إبتسامتك الجميلة.

أبي.. أرجو أن لا تنساني بالدعاء في السجود وبعد كل صلاة وأن أحصل على الدرجة التي أريدها وهي 80% في الثانوية العامة وذلك كي أرضي أبي وأمي وأهلي وأكون بعدها سعيدا وحرا.

يا حبيبي. كتبت هذه الرسالة لك والعين تدمع وهي تذكرك فلا تخش شيئا فإني سأظل ملتزما بهذه الجماعة الطيبة وهذه الدعوة الصالحة في كل زمان ومكان وسأصبر الصبر الجميل. (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).


الرسالة الأربعون

أستاذي وأخي الفاضل

إنني لست من هواة المراسلة – بل إنني كما يعهدني أهلي كسلان – والذي دعاني إلى مراسلتك هو حبي في التعبير عن مشاعري وعما في قلبي من حب وتقدير لك، وإنني أجد نفسي وقلمي عاجزا عن التعبير الجيد عن كل المعاني التي نبتت في قلبي بعد قراءة كتابك (الدعوة إلى الله حب).

ولكني قلت لأكتب لأن الشيخ عباس واسع الصدر، قلبه كبير كما عرفته من خلال الكتاب، وهو يحبني وسيستر عليَّ أخطائي.. نعم إنني الآن واثق بأن هناك شخص لا أعرفه ولم أره ولكنه يحبني رغم بعد المسافات وفارق السن وإنني أرجو الله أن يثبتني على طريق الدعوة حتى أظل ضمن من تحبهم.

إنني استشعرت العاطفة الحارة القوية لكاتب كلمات وسطور كتاب الدعوة إلى الله حب – التي كنت وأنا أطالعها أستشف قلباً متدفقاً بالعاطفة الجياشة والقلب الكبير لكل أخ في الله على أي أرض كانت – لمستُ روحا شفافة وعرفت الأسلوب اللين الرقيق في المخاطبة – ثم خرجت بتصور تخيلت فيه شخصيتك من خلال قراءتي لكتابك، وإنني أعتبرها أمنية من أمنياتي وهي أن أرى شخصك الكريم وأن أحظى بسماع كلماتك العذبة عن قرب، إننا في حاجة إلى هذه المعاني التي ذكرتها في رسالتك – وإني أعتقد أن من استقرت في قلبه معاني الحب والأخوة في الله كما ورد في كتابك – فإن قلبه سوف لا يعرف الحقد والحسد والأنانية، وسيكون وجوده في أي مكان رحمة بحيث يفيض قلبه عليهم بالود والحب والصدق والحنان، وما أحوجنا في هذه الأيام لمثل هذه القلوب التي تجمع حولها النفوس وتشدها إلى الله تعالى.

أستاذي الفاضل – أريد أن أصارحك وأطرح عليك مشكلة تواجهني هنا وأرجو منك الحل إن سمح وقتك، إذ أنني أرى بعض الأخوة لا يبادلني نفس الشعور الأخوي الذي أبديه تجاههم، أزور البعض وأظهر لهم ما استطعت من محبة وود وتقرب ولكن لا يزورونني ولا أرى أنهم يتفاعلون معي كما أتفاعل معهم!! أحيانا تراودني فكرة أن أقاطعهم وأن أجافيهم حتى يشعروا بأنّ عليهم حقا وواجبا نهو أخيهم وأحيانا تراودني أفكار أخرى سرعان ما أتخلى عنها.

فلا أدري هل السبب والخلل فيَّ أم فيهم، ولا أدري ما هو الأسلوب الناجح في معالجة مثل هؤلاء الأخوة الفاترين، أرجو الإفادة وبارك الله فيكم.


الرسالة الواحدة والأربعون (من طالب في كلية الهندسة من أبناء الإسكندرية)

والدي الحبيب

كان لي والد رحيم طيب القلب، كان يصارع في هذه الدنيا من أجلنا، وكنت أحبه – ما أحببت أحدا من الناس كما أحببته، وقد توفاه الله ليلة الجمعة من شهر رمضان – ولما قيل أنه قد مات، أحسست أن مسراتي قد ماتت لأنه تركنا ونحن في أمس الحاجة إليه، وقضيت بعده سنة وأنا ممزق القلب شارد النفس أعاني آلام الفراق وقسوة الشوق. وتخيلت أن الله سبحانه وتعالى قد كتب عليَّ الشقاء، وجاءتني الكآبة سافرة الوجه وكان الصبح يطلع عليَّ صبحا فاترا وما أحسست قط أني في يوم جديد كنت أدعو الله وأتوسل إليه أن ينزل علي غيثا من عنده فتحيا به نفسي بعد موتها.

أقول يا والدي.. أني لما علمت بموت أبي – استرجعت من فوري لهذه المصيبة. كما علمنا رسول الله ، فإن من يسترجع يبدله الله خيرا مما فقد ولكني لا أخفي عليك قد شاب نفسي ما شاب نفس أم سلمة رضي الله عنها من قبل عندما مات عنها زوجها واسترجعت وقالت في نفسها: ومن خير من أبي سلمة؟ ولكنه لم يمض وقت طويل حتى كانت معرفتي بك، وقتها أدركت أنك ستكون بإذن الله عوضا عن أبي، ستكون لي أباً آخر..


الرسالة الثانية والأربعون (من أخ كريم من أبناء مدينة رشيد –طالب بالثانوية العامة)

الأب الفاضل

الحمد لله الذي عرفني بك وجمعني معك على الخير وأدعو الله ألا يفرق بيننا. ذلك التعارف الذي غير وسيغير من حياتي – إذ أن حياتي إلى وقت قريب كانت الدعوة فيها شيئا كماليا، إذ كنت أعيش كي آكل وأعمل وأنام وإذا بقي وقت جعلته للصلاة – ولكن بعد أن تعرفت بكم وخرجت من رشيد، آمنت وأيقنت أن الإنسان لم يخلق إلا للدعوة الإسلامية.

أيها الأب العطوف.. أنا أكتب إليك تلك الرسالة وبنفسي من الأشواق والعاطفة ما تمتلئ به نفسي، ولكني ظللت أكتم عنك أشواقي وولعي برؤياك، وكنت أتقابل معك كثيرا فلا تساورني نفسي مرة أن أخرج لك ما في قلبي، فالحب لا يظهر إلا في أوقات الفراق، ولا أنسى يوم تعرفت عليك وكانت السماء ممطرة ملبدة بالغيوم وكانت الحجرة التي تقابلنا فيها مظلمة لانقطاع التيار، وعندما دخلت أنت الحجرة وجلست إلينا ما كنت لأرى منك إلا بريق العينين وبياض الشعر، هاتان العينان اللتان تضيئان في الظلام، والنور ينبعث منهما سحرا يجذب إليه القلوب – وفي تلك الليلة ما رفعت عينيَّ عنك لحظة لأنني كنت أحس أن شيئا غريبا يشدني إليك.


الرسالة الثالثة والأربعون

والدي الحبيب

أطلب من هذا القلم الأصم أن يكتب ولكنه يقف عاجزا أمام تلك الدموع ليرسم ما في قلبي من عواصف عاطفية تجتاحني بين الحين والآخر، فأطير في شرود في نعيم الحب في الله تعالى، ثم أحلق في السماء عاليا لأبحث عن عش ألجأ إليه فلا أجد نفسي إلا وأنا بين قلوب إخواني المسلمين حفظهم الله تعالى.

نعم تلك هي الساعة الوحيدة التي أشعر فيها بنفسي وبأننا نعيش وحدنا في هذه الدنيا الغرور، وأن غيرنا جسد بلا روح يأكل ويشرب وينام. لا يعي ولا يحس وبذلك يبقى في غمرة وسبات عميق. إننا بحمد الله بأرواحنا نتقابل ونتناجى في ظل إسلامنا العظيم الذي كرمنا وشرفنا وأحيانا بهذه الأخوة الخارقة التي أنارت للبشرية طريقها إلى العلياء وتنال ما ترجوه من النعماء.

كم أشعر يا والدي بفرح شديد يغمرني وراحة نفسية تملأني وصفاء ذهني ينسيني هموم الدنيا.. كل ذلك عندما ألتقي بك وأجلس إلى جوارك وأناجيك بروحي وأخاطبك بقلبي وعيني، فأتركك وقد شحنتني بذلك الحماس الإيماني الذي يكفيني لمدة حتى ألقاك مرة أخرى، ونبض كلماتك ترن في أذني تذكرني وترشدني إلى كل خير، فأذكرك بكل خير وأدعو الله لك بدوام الصحة والعافية كي تبقي لنا "أترجة" تمدنا بطعم الإيمان وتنعشنا برائحتها الزكية التي تملأ جونا بالحب والرحمة والأخوة.


الرسالة الرابعة والأربعون (من أستاذ دكتور مصري يعمل بإحدى ولايات أمريكا)

الأخ والأستاذ

بالأمس سعدت بتسلم رسالتكم الكريمة.. وردا على رسالتكم. أحب أن أؤكد أن زيارتي لشخصكم الكريم أمر لا أستحق عليه الشكر لأنه واجب ولمسة وفاء نحو أخ فاضل له في قلوب كل من عرفوه مكان وحب كبير، إنك بذلت الكثير نحونا حينما كنا صغارا لا نتجاوز الرابعة عشر من العمر وغرست فينا من الأخلاق الفاضلة التي نعتز بها – ومن أبرز ما ركزت آنذاك رابطة الحب في الله وكيف أنها ضرورية جدا في المجتمع المسلم الذي أراده الله أن يكون متلاحما وأن يكون كالجسد الواحد، وما أظن أن مثلي في حاجة إلى إيضاح لهذه العاطفة الإسلامية.. إن أي مدقق في فهم روح الإسلام العظيم يستطيع دون عناء أن يدرك أن وحدة الجماعة أمر يسبق غيره من الأهمية – وما أظن أن هناك جماعة تتقدم إلا على أساس الحب. فالجماعة غير المتحابة لا يمكن أن تقوى على مواجهة الصعاب.

أقول ذلك عرفانا لعملاق الجيل الإمام الشهيد حسن البنا الذي حقق رابطة الحب في الله وجعلها حية بين الناس يعيشونها في كل لحظة من حياتهم اليومية، ولم يقتصر على بيانها بالكتابة أو الخطابة، وكون بذلك جيلا من المسلمين المتماسكين الذين أصبح اسمهم في كل مكان على هذه الأرض.. تلك هي روح الإمام الشهيد التي قل من يدركها في أيامنا هذه. فانفرط العقد وتباعد الإخوة وأصبح لقاؤهم عزيزا وتزاورهم نادرا، إلا في حالات المجاملة التي هي إلى الدبلوماسية أقرب منها إلى الإخوة الصادقة، وانشغل أكثرنا بحياته الخاصة حتى أصبح لقاؤهم أصعب من لقاء كبار المسئولين أو كبار رجال الأعمال، فأصبحنا كمن يملك أجمل مصباح ولكن بدون تيار كهربائي فهو لا يضيء، فهو إلى المتاحف أنسب – يراه الزائرون جميلا ولا يجدون له نورا. ومن هذا المنطلق أجد أنّ عليَّ التزاما بمحاولة زيارة أي أخ أعرفه في أي بلد أزورها لعلي أُؤدي جزءا من واجب حتمه الشرع الحنيف، ثم بعد ذلك يا أستاذنا الفاضل تشكرني على زيارتكم؟ إنني أنا الذي أشكرك على ما علمتني من سالف الأيام الكثير عن الحب في الله ورابطة الأخوة.


الرسالة الخامسة والأربعون (من طالب فلسطيني بالصف الثالث الثانوي)

أبي

جزاك الله خيرا على الرسالة وعلى التشجيع للكتابة – ولكني أقول لنفسي إنني ليس عندي كلام أقوله، ولكن إن شاء الله يفتح عليَّ.

إني أكتب هذه الرسالة وأنا في الصف الثالث الثانوي حيث قرأت رسالتك العزيزة في الصق أيضا لشدة حبي أن أقرأها.. فأرجو منك يا أبي إذا بعثت لي رسالة أن تكتب فيها نصائح لاحتياجي لها مع هذا المجتمع – وفي الصف أعامل الطلاب كأني منهم ومعهم – وفي أحد الأيام سألني أحدهم إذا كنت من الإخوان أم لا؟ فقلت له اتق الله، ثم جاء أحد الطلاب وقال له. إن سليمان ليس من الإخوان حقيقة.. ولكني لا أدري هل أنا أسير نحو المعاملة الجيدة المطلوبة أم لا؟ لأني أمزح مع الطلبة وأضحك معهم كثيرا.. ولكنه جاء ببعض النتيجة حيث أصبح طالبان يصليان أحدهما سوري والآخر لبناني.

وأنا معي واحد خارج الصف هو الصف الأول الثانوي وكان طول عمره يسير مع فئة فاسدة، ولكني أملت فيه الخير فتعرفت عليه فانجذب نحوي ولله الحمد، ولكنه بقي مرتبطا قليلا معهم – لأنه ليس من الممكن أن يتحول شخص في يوم وليلة ولكن أحواله تحسنت جدا بفضل الشباب وصفاتهم الجميلة – أصبح يصلي العشاء فقط – وأريد أن أربطه بالمسجد كيف؟

أرجو منك إذا كتبت لي أيضا أن تتكلم عن قصص المرشد العام الإمام الشهيد حسن البنا وغيرهم ممن لهم الفضل على الأمة الإسلامية، وأنا والحمد لله أسلوبي ليس معقدا في الكتابة وهذا من فضل ربي – وأنا لا أقدر أن أتصل بك تليفونيا في ألمانيا – لأن أهلي سوف يسألونني عن هذا الذي تعرفه في ألمانيا، ولكن إن شاء الله أحاول أن أتصل بك من عند أحد الشباب.


الرسالة السادسة والأربعون

والدي الحبيب

كم كان بودي أن أسعد برؤيتك وأستمع إلى حديثك العذب – فحتى هذه اللحظة أنا غير متأكد من مشاهدتك – فأرجو أن تكون هذه الرسالة لتعوض ولو بعض الشيء عن هذا اللقاء.

قبل أن يمن الله عليَّ بما أنا فيه الآن كنت تائها تماما عن هذا الطريق الطيب. كنت أعتقد أنني قد فهمت الدين الفهم الكامل وأنني قد أديت ما عليَّ من حقوق تجاه الله سبحانه وتعالى، ولكن مع هذا كنت أشعر في كثير من الأحيان بالضيق في نفسي لدرجة أنني أكاد أنفجر مما أنا فيه، أفكر في كل ما حولي غير راض عن نفسي أبدا – أصحابي الذين يعتبرون أصدقاء بمعنى الكلمة كانوا لا يتعدون شخصا واحدا أو شخصين.

ولكن بعد أن هديت لهذه الدعوة المباركة تغيرت حياتي – بعد أن كنت لا أجد من أثق فيه وجدت الكثير من الأحباب. أقول لك يا أخي الحبيب هذا الكلام الذي لم أقله بهذه الصراحة ربما فقط لأبي، أقول لأني وجدت فيك الصدر والقلب الكبير الذي يستطيع احتمال وفهم ما أقول، لأنني أشعر بقرب كبير نحوك..

فمنذ أول لقاء عندما قال لي أحد الإخوة – تعال لتسلم على الحاج؟ قلت في نفسي وأنا أرى الجميع يتحدث عنك بحب قوي، من هذا الحاج؟ الذي يحظى بكل هذا الاحترام والحب، وصرت تواقا لمصافحتك ورؤيتك. وبعد أن رأيتك وتحدثت قليلا معك أصبحت دائما أحاول الإنصات لما تقول وأحاول أن أراك – وبعد أن وصلتني رسالتك التي لم أكن أبدا أتوقع استلام واحدة مثلها – فرحت كثيرا وتمسكت أكثر بطريقي من خلال رسالتك أيها العزيز، رأيت كأنك داخل نفسي، وبدأت في تطبيق وصيتك فمشكلتي هي عدم مقدرتي على حفظ الآيات من القرآن الكريم. فأنا أنساها ولكن أحاول جاهدا والله الموفق – وبالنسبة لعدم تحدثي أثناء المجالس ربما لأني تعودت على ذلك من الصغر. ولكني بإذن الله سوف أتخلص من كل ذلك.


الرسالة السابعة والأربعون

والدي الحبيب

قبل شهر تقريبا قرأت كتابا لك بعنوان ( من المذبحة إلى ساحة الدعوة) من غير مجاملة كنت أقرأ كل كلمة وأحس وأعيش معك روحا وكنت أتخيل وأسمع صوتك الحنون في أذني كأنك تروي لي ما في الكتاب بنفسك الزكية، ولا أستطيع أن أعبر عن شعوري في هذه الورقة.. ولله الحمد قد استفدت من مواقف كثيرة تعرضت لها أنت وذكرتها في هذا الكتيب وقد نصحت الأخ أبا يونس أن يقرأه كي يجلب نفس الاستفادة بإذن الله تعالى.

والدي الحبيب – عندما التقينا لأول مرة قلت لنا (أنتم أنانيون) وفي كل مرة كنت تكرر هذه الكلمة – كنت تقول نفس الوجوه – نفس الأشخاص، وكل مرة تدعوني لتناول طعام الغداء، أجد نفس الأشخاص – أنتم أنانيون!! أنتم أنانيون!!.. كانت هذه الكلمة تعذبني كثيرا، وكانت تدور في ذهني وعقلي وقلبي فترة طويلة من الزمن.. كنت أقول مثلا نحن أنانيون ومقصرون، بل كانت تحطمني وتمزق قلبي مرارا وكنت أستهين بنفسي وبالدنيا كلها.. وكنت أقول لابد من الحركة واكتساب ناس آخرين للإسلام.. ولله الحمد تنبهنا بعد ذلك فكنا في كل حفل غداء نوجه الدعوة إلى أشخاص جدد يجلسون معنا يستمعون إلى أحاديثنا التي كانت شديدة التأثير في نفوسهم – وتكونت من العبارة (أنتم أنانيون) شحنة إيمانية ربانية.


الرسالة الثامنة والأربعون

(صاحب هذه الرسالة – شاب من المغرب العربي في الخامسة عشر من عمره طالب بمدرسة ألمانية في مدينة فرانكفورت – ذكي – متدين – شغوف بالعمل للإسلام)

عمي العزيز

أبدأ جوابي على كتابك الذي أعجبني كثيرا والذي قرأته بقلبي فدخله، وأوجد هناك مكانا كبيرا للحب لجميع الأخوة المسلمين ولنبينا محمد (ص)، ولما أمر به من الدعوة وأن نتبع طريقه المستقيم الذي رسمه لنا، فأشكرك يا أخي على هذا كله وجزاك الله خيرا كثيرا عني وعن كل من قرأ ذلك الكتاب.

أريد أن أبدأ هذا الجواب من البداية الأولى. فكانت تلك الهداية في يوم لقيتك في المركز الإسلامي كنت في المكتبة.

فجئتني وبدأت تتكلم معي، قلت لي أنك تحبني في الله، فسألتني هل أحبك أنا أيضا، فقلت نعم! نعم كنت أحبك وأحب جميع المسلمين، ولكن هذا الحب لم يكن حبا حقيقيا صحيحا، فأنا كنت لا أعرف حقيقة الحب في الله تعالى إنما أسمع عنه فقط – فالحمد لله العلي القدير أن عرفني بك يا عمي يا حبيبي الكبير – وكنت ألاقيك وتعمل معنا لقاءات ولكن ذلك كله كان شيئا طبيعيا.

ولم أكن أحب لقاءك أو لقاء الأخوة الآخرين كما ينبغي. إنما كنت أظن أن لقاء أخ كما يكون لقاء أي إنسان – إذا لقيتك يكون جيدا وإذا لم ألقك يكون جيدا أيضا، هكذا كنت عند اللقاءات الأولى ثم مرت الأيام – بدأت تدخل قلبي دخولا صحيحا. ولما سافرت إلى الكويت ولم أرك وقتا طويلا وشعرت باشتياق نفسي لرؤيتك، فبدأ حبك يزداد.

ومع كل أسبوع أذهب إلى المركز الإسلامي فأسأل عنك، وبعد عودتك من هناك أهديتني كتابك (الدعوة إلى الله حب) ومعه كتاب (من المذبحة إلى ساحة الدعوة) ففرحت بهما وأردت أن أقرأهما، ولكن لما نظرت فيهما لم أفهم الجمل الأولى. فتكاسلت عن قراءتهما.. حتى كان ذات يوم حاولت من جديد وبعد قليل وجدت أن الكتاب جيد الفهم وبدأ قلبي يتذوقه حتى أكملت قراءته.. ولم أكن أستطيع أن أرده إلى مكانه حتى أكملته بعد الثانية عشر ليلا.

ولقد أعجبني هذا الكتاب وكان من أحسن ما قرأت وهذا الكتاب وتلك الأفكار التي خرجت من قلبك ودخلت في قلبي وتفكيري وعملي ونيتي التي أخرج بها كل صباح إلى المدرسة، فقلبي دخله الحب في الله ووجد هناك مكانا كبيرا.. وتفكيري بدأ يدور عن كيفية الدعوة وعملي رجع خالصا لله وبدأت في تأسيس هذه الدعوة.. وأما نيتي التي أخرج بها إلى المدرسة هي أن أدعو هؤلاء الألمان الذين يعيشون على فطرتهم إلى دين الإسلام إلى هذا الطريق المستقيم.. أريد أن يكونوا كلهم مسلمين.

وأرجع إلى كتابك يا عمي المحترم لما أكملته كنت قريبا من البكاء وفي تلك الليلة، لم أنم قضيت بعض الوقت أفكر في حقيقة إيماني. وفي حقيقة حبي لله وللرسول وللمؤمنين فوجدت أن إيماني ضعيف جدا بالقياس إلى إيمان الصحابة ووجدت أن حبي لله وللرسول أيضا ضعيف جدا إذا ذكرت قصة الرسول (ص) في الطائف.

وأخيرا يا أستاذي لي عليك ملاحظة – فلقد جاوبتك على كتابك فجاوبني أنت على سؤالي – لماذا لا تزور كل الإخوة في فرانكفورت – إنني لم أرك في أي مسجد قط إلا في هذا المركز وأنت تذهب إلى دول أخرى خارج ألمانيا وتترك الإخوة القريبين – زرهم يا عمي وإن كانوا على غير الذي أنت عليه، فعظهم وتفاهم معهم.

الرد

إبني الحبيب

بعد أن تسلمت خطابك الرقيق الذي يحمل أنبل المشاعر وأرق العواطف ذهبت إلى المنزل وبعد أن فرغت من كل ما حولي. أخذت أقرأ تلك الكلمات الصافية الصادقة قرأتها بقلبي ذهلت حين رأيتك تتحدث بكل شعورك الذي كشفت عنه بكل صدق – الصدق الذي أراك تتمسك به في أقوالك وأعمالك.

وصدقني أن تلك الأخلاق الطيبة هي التي جذبتنا إليك وهي التي شرحت صدري نحوك حتى سعيت إلى قلبك بهواتف قلبي وتطلعات الأمل الكبير في مستقبل أيامك لخدمة هذا الإسلام العظيم.

لقد قرأت كلماتك بشغف كما يمتص الإنسان رحيق الحياة وينبض القلب بالرضا والسعادة – عجبت كيف كنت تنظر إلى عموم الناس نظرة واحدة، حتى إذا نبض قلبك واهتزت مشاعرك والتهبت عواطفك أدركت أن لك رسالة وعليك واجبات للوفاء بحق هذا الدين في هذا المجتمع، عجبت لك في مثل سنك هذا المبارك كيف توصلت إلى هذه المعاني لولا فضل الله تعالى عليك.

يا محمد إنك بانتسابك إلى هذه الأسرة الكريمة وما أشربته من النبع الإسلامي الصافي كل هذا قد غذى هذه البذرة الصالحة وأثمر تلك التربية الناجحة كنت أتحدث إليك وأنا شديد الاهتمام بما تقول – أفكر في كل كلمة تقولها باللغة العربية الفصحى فأشعر بالسعادة والفرح، وأتمنى لو أن كل مسلم صنع مثل ما تصنع. ورغم أن وقتي لا يتسع للجلوس معك طويلا إلا أن كلماتك التي أسمعها تبقى حية ندية تعيش معي حتى ألقاك.

كما أدركت شيئا هو في الحقيقة موجود في أعماق الإنسان، ولكن لا يجد من يبحث عنه أو من يكتشف أعماقه، فلا بد للمسلم الداعية الذي يوفقه الله تعالى أن يغوص في أعماق تلك القلوب ليستخرج خيرها وبرها. وأنا حين أكتب هذه المعاني إنما أكتبها لكل من أحبه فهي مقصودة بذاتها لذات من أحب على منوال من أحب من إخواني، ولما كنت لا أستطيع أن أحدثك بكل ما في قلبي فقد أهديت لك رسالة "الدعوة إلى الله حب" كي تعيش معها وتعيش معك.

والحقيقة الحلوة التي أسعدتني بها أنك قرأت الكتاب بفهم ووعي وتذوق ولقد لمست أثر ذلك في تعبيراتك وكلمات خطابك، تعبيرات سوف أسجلها حبا وتقديرا لك. وودت لو سمحت لي أن يقرأ رسالتك هذه أمثالك من الشباب ليكون ذلك من الدوافع والتشجيع على الكتابة. فإن رسالتك لها أثر كبير في نفسي وليس هذا من باب المجاملة. ولكني أستطيع أن أعطيها لأي إنسان ليقرر تلك الحقيقة الرائعة.

وليس أعجب من أن يكتب مثل ذلك "فتى" في سن الخامسة عشر من عمره. لا يجيد الكتابة باللغة العربية إلا من وقت قريب ثم يلهمه الله تعالى تلك النفائس وتلك التعبيرات الرائعة.

إبني الحبيب محمد

قلت في رسالتك "وهذا الكتاب وتلك الأفكار التي خرجت من قلبك ودخلت قلبي وذلك الحب العظيم الذي تعلمته من كتابك هذا. هذه الأشياء بدلت قلبي وتفكيري وعملي ونيتي التي أخرج بها كل صباح إلى المدرسة، فقلبي دخله الحب في الله ووجد هناك مكانا فسيحا. وتفكيري بدأ يبحث عن كيفية الدعوة وعملي رجع خالصا لله وبدأت في تأسيس هذه الدعوة العظيمة وأمنيتي أن أخرج بها إلى المدرسة كي أدعو هؤلاء الألمان الذين يعيشون على فطرتهم إلى دين الإسلام إلى هذا الطريق المستقيم" قواك الله وأيدك بروح منه وأمد في عمرك يافعا نافعا لأمة الإسلام.


الرسالة التاسعة والأربعون (كاتب هذه الرسالة – شاب فلسطيني طالب في الثانوية العامة)

أخي الحبيب

كما قلت أرجو السماح بندائك "يا أخي" فمع وقار الشيب وخطوط السنين وفارق العمر إلا أننا نسير على درب واحد فنستفيد من تجارب السابقين، لنكون نعم اللاحقون.

لا أدري لماذا يذهب كل الكلام الذي عندي عندما أجلس إليك، على العموم فللقلوب لغة أخرى لا ينطقها اللسان ولا تسمعها الآذان.

والآن اسمح لي أن أحدثك عن دخولي الدعوة، كان هذا الحدث المبارك من تاريخ حياتي سنة 1981 وإن لم أكن قد التزمت فعلا، فلقد تعرفت على الشباب قديما – إلا أنني كنت خائفا وكنت أظن أن وراءهم تنظيما معينا. على أنني بالرغم من كل هذا التخوف كنت أحس بنفسي مندفعا ومجذوبا نحوهم بدافع من داخلي كنت أفرح للقائهم بالرغم من خوفي منهم، فكان حقا شعورا غريبا، على أن ذلك كله ما لبث أن اختفى عندما أخذت أفهم ديننا بالوجهة الصحيحة. فانطلقت خلفهم وصرت معهم ذاتيا ودون حاجة للدفع فقد آمنت بالدعوة بعد اقتناع تام والحمد لله.

ومنذ بداية دخولي هذه الدعوة لاحظت أن أشياء كثيرة كانت أساسية عندي أصبحت ثانوية – وأشياء أخرى لم أكن أفكر فيها أصبحت أشياء أساسية وأهدافا، فقد كان همي الدراسة والشهادة – لا أهتم بمن حولي، اللهم نفسي. كانت الصلاة عندي روتينيا والصيام عادة – فأصبحت لذتي في الصلاة وجهادي في الصوم لم أكن أفكر مطلقاً في إقامة شرع الله، وحتمية الدعوة إلى الله والآن أصبحت هذه هي حياتي.

أخي في الله – هناك كثير من الناس أصحاب الأفق الضيق ينظرون لهذا الطريق على أنه طريق أوله تعب وآلام – وأوسطه ابتلاءات ومحن، وآخره غالبا ما يكون سجون ومشانق – لكنني أعتبر نظرات هؤلاء المساكين لم تتجاوز أفكارا قاصرة، فإني أعتبر هذا الطريق أوله هداية – وأوسطه فهم وإدراك للغاية وآخره رحمة ولقاء الأحبة محمد وصحبه، ولولا هذا الطريق لعاشت البشرية في ظلمات بعضها فوق بعض.


الرسالة الخمسون (من أحد الإخوة في الجزائر)

أخي عباس

أما بعد فإني يا أخي عباس أقول لك "أخي" لأني أعتقد أن أسمى وأجمل رابطة بين الناس هي رابطة الأخوة في العقيدة، فأقول أني لم أصاحب في حياتي إنسانا أطيب قلبنا وأخف نفساً وروحا منك؟؟ فإن كلامك في مسمعي أحلى وأخف من غناء البلابل ولا تظنن أن هذه مجاملة فإني لم أتعود معك مثل ذلك وأستغفر الله أن أفعل، فإني أعتبره نوعا من النفاق عافانا الله منه.

لقد بدأت كتابة رسالتي هذه في مدينة (هيدلبرج) واليوم أتم كتابتها في مدينة (آخن) حيث يقام مؤتمر إسلامي خاص بالألمان المسلمين باللغة الألمانية. وأنا مستغرق في الفترة الأخيرة في دراسة كتاب (رسائل الإمام الشهيد حسن البنا).

وأصدقك القول إني لم أقرأ لكاتب بعد أوضح فهما للإسلام في عصرنا الحاضر من الإمام حسن البنا.. إني أخي تأثرت بطريقتكم في الدعوة التي تعتمد على الحب والمشاعر ولا تقتصر على العقل فقط – فأنا أحاول في هذه الفترة أن أطبق هذه الطريقة وأستلهم من كتاب الشهيد حسن البنا ما يمكن أن أنتفع به وأنفع به غيري.

لهذا يا أخي عباس أعتقد أن نفسي لا تحتاج دفعاً للعمل في سبيل الله والدعوة إلى الله بقدر ما تحتاج إليه لأمثلة تطبيقية ووسائل عملية أستطيع أن أصلح بها نفسي أولا والناس المحيطين بي ثانيا – وأحتاج إلى فهم أوضح للإسلام، فانصحني أخي كيف أزكي نفسي؟ كيف أجعل كل عمل خالصا لله تعالى – كيف أجعل نفسي تشفق من عذاب الله وتسخر ما لديها من طاقة لنصرة دين الله وإعلاء كلمته، ثم إن الدعوة إلى الله أخي تطلب جهدا كبيرا ووقتا كثيرا، فيجب على الداعية المسلم أن يكون على مستوى دعوته علما وفقها وسلوكا.. فلقد سخرت منذ أربعة سنين خلت جهدي للدعوة للإسلام وكان ذلك في "تونس" وعندما وصلت إلى البكالوريا – قلت يجب أن أسخر كل وقتي للدراسة وأخفف من التركيز الذي كنت أوليه لموضوع الدعوة فكان من نتيجة ذلك أن نامت نسبيا شعلة الإيمان التي أحملها، لأن المدة طويلة قاربت سنة – ولكن الحمد لله لقد أتيت إلى ألمانيا وحضرت بعض المؤتمرات واستمعت إلى بعض الشخصيات – لقد استيقظت والحمد لله تلك الشعلة في نفسي من جديد وسوف تعود كما كانت وأقوى فأعني أخي على ذلك.


الرسالة الواحدة والخمسون (من أخ كريم من الإخوة في تونس)

أبي الحبيب

إنه تساؤل في القمة.. تبادل عاطفة بين جيل يقدم شعلة الحق إلى الجيل اللاحق متمنيا الإستمرارية في الدينونة للحق دون سواه، والحق أولى أن يُتبع، وأن يكون منهجا للحياة – إن الوقت يزاحمنا وإنه العامل الوحيد الذي لا يعلم أهميته إلا المسلم، وكيف لا وهو يتقدم بنا يوما بعد يوم، إن الأفكار أصبحت حقيقة تعاش، من كان يتصور أن هذه الدعوة سيكون لها صدى في العالم كله؟ تتقدم عجلة الزمن ويتخلف الكثير رغم هذا التقدم؟! إنهم يعيشون في وهم فقدوا مبررات وجودهم.

أبي الكريم – قد تمر الأيام ويكشف الله تعالى رويداً عن غيبه فينصر الحق فصبر جميل والله المستعان، وهل خطر ببالك كرة يا أبي أن يزداد لك مولود في الجزائر وأنت في السجن؟ إن الطغاة أول من يلعنهم أولادهم.. أما أنت فقد رزقك الله ذرية صالحة – إذا سألتهم من تعبدون من بعدي؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك، إنها نعمة الدنيا قبل الآخرة.

أبي – إنك مطالب بتربيتي وإخواني تربية إيمانية تضمن لي إن شاء الله السير على طريق الحق طريق الدعوة إلى الله.. إني لو ذهبت سيحول ذلك بيني وبين الميراث ولا أستطيع أن آخذ حقي منك، والله وددت أن يكون عندي عنوان كل من كان وما زال، فأكتب لهم وأطالبهم بالميراث. وأنا أقول إن الكتب لها قيمتها ولكن الجملة المباشرة الخاصة لها أهميتها وتأثيرها وتقدم حقيقة، لأنها تخاطب معلوما.

الرسالة الثانية والخمسون (من أستاذ كبير من الإخوان في الأردن)

أخي الكريم

تحياتي إليكم مع وافر الشوق والرغبة الأكيدة لزيارتكم ي رشيد مدينو الفضل واللطف وخفة الروح كما أتخيلها، ويكفي أن يكون من أبنائها الأبرار أبو معاذ الأخ الحبيب والأديب الأريب والذي نعمنا بقربه فترة مبهجة، كان فيها مصدر كل غبطة وسرور.

ولقد تسلمت رسالتك اللطيفة في هذا اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان شهر القرآن والغفران في ليلة القدر وسعادة الدنيا والآخرة – وبادرت فورا لأحييك بل لأحيي فيك الوفاء والحب في الله الذي قرأناه من سجاياك وخصالك قبل أن نقرأه في كتبك التي أهديتها مشكورا ومأجورا، وجزاك الله في كل ذلك خير ما يجزى عبد صالح صابر مجاهد وسع قلبه الكبير طيوف جميع إخوانه فأوفاهم حقوقهم وصبر على تقصيرهم وإني لأرجو قبول أكرم التهاني والبركات بالعيد المبارك أعاده الله عليكم وعلى جميع أمة محمد (ص) باليمن والخير، والوحدة والعزة والكرامة مع وافر سلامي وتحياتي إلى جميع أفراد الأسرة الكريمة وفي المقدمة إلى الأخت أم معاذ المؤمنة الصابرة المجاهدة التي بلا شك لها الفضل الأول في رقة طبعك وحلاوة قولك وخفة روحك وكثرة وفائك، حفظك الله لهم جميعا وللعمل الصالح الذي ترعاه واسلم لأخيك.


الرسالة الثالثة والخمسون

لقد كانت رسالتك يا أخي وأستاذي الحبيب شيئا عظيما بالنسبة لي وذلك لأني شعرت من خلالها بعظم هذه الدعوة المباركة التي تجعل الأخ الكبير يعطف ويحنو ويحب الصغير وتجعل الصغير يحترم ويوقر ويحب الكبير، أشعرتني بعظم نعمة الله علينا في هذه الدعوة التي جعلت القلوب تقترب رغم بعد أجساد أصحابها وجعلت الأرواح تتلاقى وتعيش مع بعضها مع أن أميالا بعيدة تفرق بين أصحابها فعلا يا أخي أبو معاذ الحبيب كانت رسالتك درسا من الدروس الثمينة التي أتلقاها على الطريق درسا علمني كيف يكون تواضع الأخ الكبير للأخ الصغير، حبه له وحرصه عليه. درسا زادني يقينا على يقين بصدق الرسالة التي نحملها ونعيش من أجلها، ومما زاد وقع الكلام وجود صورتك التي جعلتني وأنا أقرأ الكلمات كأن الأخ أبو معاذ يقرأها لي بصوته.

أسأل الله أن يديم علينا فضله ويرزقنا حبه وحب من يحبه وحب ما يقربنا لحبه.


الرسالة الرابعة والخمسون

الوالد الحبيب

الحمد لله أنك تعرفني جيدا وتعرف عني إذا حاولت أن أعبر عن بعض عواطفي ومشاعري. فالكلمة لا تطاوعني لأكتب كل ما أشعر به. ولا حتى النطق حين أكون معكم ولا شك أنني الآن أعاني من هذه الحالة، ومع علمي التام بمشغولياتكم إلا أن ذلك لم يمنعكم من التفكير فيما سأفعل في موضوع الالتحاق في خدمة الجيش وعن جواز السفر وجهات العمل بعد التخرج – كل هذه الأسئلة بخصوصي وسط مهامكم لا شك أنه يريحني جدا، وذلك منذ أن غادرت مصر وتركتكم. وقد تعودت على معاملة كريمة منكم، وهذا من فضل الله تعالى عليَّ – أن جعلك أنت أيها الوالد الحبيب لتؤكد بيننا هذه الأخوة وتوجهها إلى الوجهة الربانية الخاصة، فلقد أحببتك حبا صادقا شاء الله عز وجل أن يترجم هذا الحب في أيام قضيناها معا في التعرف على هذه الدعوة المباركة – تأخذ بيدي وترشدني وتنصحني حتى منَّ الله تعالى عليَّ بالهداية وأسأله عز وجل أن يرزقني الإخلاص والثبات. ولا شك أيضا أيها الوالد أنني قد استفدت خبرة لا تقدر بثمن من التصاقي بك تلك الفترة المباركة – حتى أن كثيرا من الظروف والأحوال تحدث مطابقة كما كنت معكم وأتصرف فيها على هدي تصرفكم الصائب وهذا فضل الله ونعمه.


الرسالة الخامسة والخمسون

أخي الأكبر

وبعد فشكرا لله على رسالتك الفياضة الذاخرة، ومعذرة لتأخير بريدي لا إرادي – وإني أبادر إلى التهنئة بالحج عامرة بمعاني الإيمان الصادق ونحن نستقبل شهر رجب الفرد – وما ذاك إلا لتطوف بي في محاريب الأرض الطاهرة التي عشت فيها لحظة صفاء مع الله لم أذق حلاوتها من قبل، ومن عجب أنك كنت معي تشعرني بالأنس وتفيض عليَّ من الحب والعطف مما هيأ لي فرصة الحديث عنك مع شاب صالح انجذبت إليه، وقلت لو كان الحاج مكاني لصاده – خصوصا ونحن في مسجد الرسول والنفوس مهيأة لتقبل كل معنى إيماني.

وبسرعة خاطفة كان العناق الأخوي الروحي بيني وبينه، كنت أشعر بأنك ترقب حركته وتباركها، كنت أحس بأن هذا الموقف ستعرفه، وصدق الحس. وكان اللقاء، وكانت لي جائزة ودليلا أكد لي فاعلية التيارات الروحية التي تقوم بعمليات لا تقع تحت دائرة الماديات فهي تنظم اللقاء وتختار مادة الحديث ثم تربط بين قلوب الحاضرين والغائبين، ولن يحتاج إلا إلى شيء من إخلاص القلب لله وتجرده تماما لدعوته – حمدت الله كثيرا على أنه لم يحرمني لقاءك ونحن غرباء الأوطان غرباء بالدعوة. ونحن في غربتنا أحوج ما نكون إلى هذا اللقاء عبر الأثير الروحي إن عز اللقاء جسما ومادة.

لقد كانت رسالتك لي الدعوة إلى الله حب زادا ونعم الزاد ومادة لحديث شجي بيني وبين الزملاء، وتجديدا لصلة بيني وبين الأبناء من الطلاب الذين أخذوا لأول مرة يراسلونني من مدارسهم الثانوية. أو معاهدهم العملية.

واتخذت من نشاطك دافعا لنشاطي وتجرأ بعضهم لزيارتي اليوم وما كان يقدر لفارق السن على أقل تقدير – وعرفت أن العمل في بيئات جديدة يتطلب استعدادات فريدة.

وأساليب تتفق وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وأن أقصر الطرق للوصول إلى قلوبهم، وتخطى هذه العقبات كلها هو الحب كما تعلمناه منك – تعلمناه منك صغارا ونتعلمه منك كبارا – تعلمناه سلوكا عمليا وتضحية وبذلا – تعلمناه عاطفة تسمو في غير تكبر وتواضع في غير تبذل حبا تذوب معه كل الفوارق – ويبقى لكل مكانه ومنزلته.

الرسالة السادسة والخمسون (من طالبة في الثانوية العامة في مصر)

والدي الفاضل

لست أدري من أين أبدأ فالأفكار محتشدة والمشاعر متأججة في صدري ولكني أشعر بعجز شديد إذا ما حاولت أن أعبر لك عن مدى السعادة التي غمرتني حين تسلمت رسالتك الرائعة.

ما شعرت يوما أني جاهلة باللغة وعباراتها كما أشعر الآن وأنا أخط لحضرتك هذه الرسالة. تلك السعادة التي مست أعماق أعماقي وجعلت قلبي يخفق مع كل كلمة صادقة نابعة من القلب تضمنتها رسالتك.. لست أدري كيف أشكرك على اهتمامك البالغ بتلميذة صغيرة جدا تتمنى أن تنهل من العلم الكثير، هذا الاهتمام يدينني لك بالعرفان وخالص التقدير.. أشكرك على أسلوبك الرائع الذي يأسر كل من يقرأه ويستحوذ على اهتمامه.. لقد كانت أمنيتي يا والدي أن احظي بأقل القليل من هذا الاهتمام فإذا بك تغمرني به. أدعو لك بدوام الصحة والعافية حتى تظل دائما تملأ أرواحنا بهجة وتشع في صدورنا نورا برقة مشاعرك التي تنسجها على سطور ورقاتك فنراها حقيقة ماثلة لأعيننا.

ربما يا والدي تتساءل عن سر انجذابي لكتابك وتعلقي به فأقول لك أن هذا الكتاب ليس كأي كتاب يقرأه المرء ثم يطوي صفحاته وتضيع معانيه مع مرور الوقت.. بل تظل معانيه عالقة بالذهن تأسر القلب وتنير البصر.

لقد قرأت بعض الكتب الإسلامية وأرجوك لا تغضب إذا قلت لك أنها لم تؤثر فيَّ التأثير الجيد الذي يجعلني أعيش معها بروحي وعقلي لأنه غالباً ما يكون أسلوب الكتابة جافا ومهما كانت قيمة التعاليم التي تتضمنها هذه الكتب إلا أن طريقة عرضها تجعلها غير مفهومة.. ولكني وجدت في كتابك الفكر ممتزجاً بالعاطفة، كلمات تنبض بالعاطفة وتندى بالحب، الألفاظ الجزلة البراقة.. العرض الشائق الذي يؤثر سريعا في نفس القارئ. المعاني العميقة جدا التي تصل إلى ذروتها وتجعلنا نعيش معها قي قمة شامخة تعلو السحاب. تسمع نداء الروح يعلو فوق كل الأصوات من حولنا ونحس بعالم نوراني شفاف يحيط بنا.. هذا هو العالم الذي نبغيه يا والدي، عالم النورانية والنقاء – عالم خال من الجفاف ينبض بالعاطفة رأيته متمثلا أمامي في كلماتك وفي المفاهيم التي استطعت بقدرة كلماتك أن تبثها في مسامعنا وتغرسها في قلوبنا فاستقرت فيها ولا سبيل لأن تجافينا بعد هذا الارتباط الحميم. كان تعبيرك مرآة لعاطفتك وانعكست أمام هذه المرآة مشاعري وعواطفي أنا الأخرى.. ووجدتني أهتف لنفسي أخيرا وجدت ما كنت أبحث عنه، جزاك الله خيرا.


الرسالة السابعة والخمسون (من أخ كويتي طالب بالجامعة)

الوالد الفاضل

وبعد أن قال جبريل عليه الصلاة والسلام للرسول (ص) "... وأحبب من شئت فإنك مفارقه.." فالفراق يا أخي الحبيب سنة من سنن الله بين خلقه فها أنت قد فارقت أخاك الحبيب أحمد حيدر رحمه الله تعالى منذ أيام خلت ومن قبله قد فارقت الإمام مجدد القرن الرابع عشر الهجري الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى.

واليوم تدور رحى الزمان علينا لنفارق أخا طالما أشرق في نفوسنا وأرواحنا الأمل بنصر الله تعالى لدينه والعزة لجنده – سنفارق رجلا إذا جلسنا إليه نسينا همومنا وأشغالنا.

وكان شغلنا الشاغل هو عذوبة حديثه وخفة دمه وحرارة شوقه للقائنا عن كل هموم هذه الحياة عديمة الطعم بدون مجالسة أمثاله.

أخي الكريم.. لست أسرد كلامي هذا سردا أدبيا مجردا من المشاعر فأنت لك الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إيقاد مشاعرنا نحو الأخوة والمحبة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى – وكما حدثتني في السيارة عندما كنا في طريقنا إلى جمعية الإصلاح – سألتني ما رأيك في قيمة المشاعر والأحاسيس.....؟

قلت لك أراها في أسس الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.. فهذه الكلمة التي صدرت مني قد اقتبستها من كلامك العذب الحلو والذي كانت الروح تسكن بسماع هذه الأنغام الإخوانية الصادقة الممزوجة بتجارب السنين وما مر عليك من سنين عشتها مع الأخوة الأوائل في ظل هذه الدعوة المباركة.

الرسالة الثامنة والخمسون (من أخ طالب سوري)

حضرة الأخ الفاضل عم الحاج

خير ما أستهل به رسالتي إليكم مبادأتكم بالسلام. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طالما أسعدني أن أستلم منك الرسالة تلو الرسالة. وأنا هنا أعترف بتقصيري في الكتابة ولكن والله يا عم ما أحببت هذا. ولا أدري كيف مضت هذه الأيام حتى كبر هذا التقصير وتراكم. ما ذكرت إلا جاء العفو عما مضى، وإن شاء الله سأكتب لك منذ الآن مرارا وتكرارا.

لا أدري كيف أعبر لك عن فرحتي ساعة قرأت رسالتك الأولى عندما كتبت لي "إبني الحبيب" فهذا شرف كبير لي وفخر، وإنه لمن دواعي السرور عندي أن يناديني أستاذ فاضل ومرب كريم بهذا الاسم وأنا أود أن أستزيد من رسائلكم عم الحاج ولو علمتم قيمتها لدي وما تتركه في نفسي من أثر طيب لأجبتم الرجاء. فهي الآن في غربتنا هذه وما تحويه من أفكار دقيقة في معانيها ورفيعة في قيمتها وسموها.

وقد نبهني بعضها على قلتها في العدد – على أمور ما كنت أرى من داع إلى أن أفكر فيها ونبهتني إلى أمور كنت غافلا عنها فجزاك الله خيرا.

لو تعلم عم الحاج حال الأخوة في المقر لحظة أن تتصل بنا بالهاتف – لأيقنت أن هذه الحادثة روح يسري بين الأخوة – ولو كنت بيننا لرأيت الفرحة في وجوه الأخوة جميعهم أما يوم مجيئكم هنا فهو يوم عيد وسرور.

أما أخباري فالحمد لله على خير ما يرام ولكن الشوق إلى الأخوة والأهل في سوريا كبير والحمد لله الذي سنّ لنا الأخوة شرعا نسير عليه ونقفو أثره ولولا ذلك لكانت حياتنا هنا لا تطاق.


الرسالة التاسعة والخمسون

والدي الحبيب الحاج أبو معاذ

إنني أشعر بالسعادة تغمر قلبي وبالفرحة تنبعث من حنايا روحي وحسبي عندما أمسك هذا القلم لأسطر لك كلمات تعبر عما يجول في هذه النفس من عظيم حب لك أحمله وأحفظه لروحك – أعايشه صباح مساء لأنهل من جدوله العذب ولأرتوي من نبعه الصافي العطر – لقد زرعت في قلبي هذا مشاعر غذت روحي فأحيتها من بعد موتها وأنعشتها من بعد ركودها – هذه المشاعر التي أضاءت ليل هذا القلب بنورها وأطفأت ناره ببردها، فأخذ ينبض بأحاسيس عفة صادقة ويحس بخلجات طاهرو عذبة – فيتحرك وسط هذا الركام وهذه الحياة الهامدة ليشق طريقه عبر صخورها وليجتاز خضمها وسط هديره وأمواجه العاتية. فنظر إلى هذه الدنيا وقد عُريت من أثوابها الزائفة ومخاملها المرقشَة الخادعة لتظهر على حقيقتها بكل ما فيها من شر أودى بأشرارها أو خير رفع من قدر أخيارها. فتلمس الطريق نحو غاية أسمى وهدف أعلى فما وجد أعظم من تلك الغاية السماوية العظيمة، إنه الإسلام ولا غير الإسلام.. والله أسأل أن يثبتك على هذا الدرب إلى أن تلقى الله وأنت كذلك.

ويعلم الله يا أخي الحبيب أني أحبك حبا عظيما وأعتز بك اعتزاز كبيرا. إنني متضايق من هذه النفس- إنها عاجزة تماما عن التعبير بما يجول بها ويصول. وإني أرى أننا لن نتفق عليه أبدا لأن هذا الحب الإيماني وهذا الشعور الفياض له عالم غير عالمنا ودنيا غير دنيانا تتخاطب فيها الأرواح وتتناجى القلوب وتتهامس المشاعر لتبوح كل منها بأسرارها وأخبارها ولكن اعلم أن حبي لك يفوق كل تصور ويسمو على كل إدراك بشري.. إن هذا الوصف مجرد ذرة حب أصفها أو أحاول وصفها إنها ذرة من مجرة (مجرة حب في الله تعالى) إنني أشعر بالسعادة الآن أتدري لماذا؟ لأني أعتقد أنني أعطيتك بعض الذي تريد – بعض الذي يشرح صدرك ويريح نفسك وأنا حريص على ذلك أيما حرص.. وكل همي أن تسعد بنا لأن في سعادتك سعادة لنا وفرحة تملأ قلوبنا.

والدي العزيز.. إن كنت أصيلا في الحب فأنت الذي علمتني أصالته وإن كنت عظيم المشاعر فلا يداني مشاعرك مثلي – بل لا يداني مشاعرك أحد. أنسيت أنك أنت أبو القلوب.

نعم إن من ذاق طعم الحب لا يرضى بغيره بديلا.. لك الله يا والدي الكريم.


كلمة ختام

تقدمت ببعض هذه الرسائل إلى عدد من كبار الإخوان.. وتابعت أثرها فوجدت إشراقة الاستحسان على وجوههم. وسألوني عن مصدر تلك الرسائل؟ أجبت أنها رسائل من شباب الدعوة الإسلامية من أبناء هذا الجيل الجديد وأكثرهم من طلاب المدارس الثانوية – فرأيت الدهشة على محياهم.

فقلت لهم إنكم قطعتم مراحل طويلة في الدعوة. ولكنكم قطعتم الصلة بين أجيالها – وفيما بين الأجيال حدثت تغييرات وأحوال وأهوال – لم تتفاعل أحداثها ولم تندمج أطرافها وأجيالها – فواجب الدعوة على الإخوة القدامى الكبار أن ينزلوا إلى مستوى الإخوة الجدد بالمعايشة والمؤانسة ليرفعوهم بالتربية والتجربة إلى مستواهم المعاصر.

وهذه هي سبيل المؤمنين في نقل الماضي للحاضر، ونقل الحاضر للمستقبل.

(إنهم فتيةُ آمنوا بربهم وزدناهم هدى).