البنا والقضية الفلسطينية (الحلقة الأولى)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٦:٢٣، ١ مايو ٢٠١١ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
البنا والقضية الفلسطينية (الحلقة الأولى)

إعداد: طارق عبد الرحمن


مقدمة

حظيت القضية الفلسطينية من الإمام الشهيد حسن البنا باهتمامٍ بالغٍ، حتى لا تُذكر فلسطين إلا ويُذكر معها الإمام وجهاد الإخوان المسلمين.

إن فلسطين تضم الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومهد الرسالات السماوية، وأرض المعارك الإسلامية المجيدة التي لا توجد فيها ذرة رملٍ واحدةٍ إلا وقد رُويت بدماء الصحابة والتابعين والمجاهدين من السلف.

كيف لا.. وهي جزءٌ من العقيدة الإسلامية وملكٌ لجميع المسلمين، وقطعةٌ من الوطن الإسلامي غاليةٌ لا يجوز التفريط في شبرٍ واحدٍ منها؟!.

ولقد عبَّر الإمام الشهيد عن ذلك بقوله:

"فلسطين تحتل من نفوسنا موضعًا روحيًّا وقدسيًّا فوق المعنى الوطني المجرد؛ إذ تهب علينا منها نسمات بيت المقدس المباركة، وبركات النبيين والصديقين، ومهد السيد المسيح- عليه السلام- وفي كل ذلك ما ينعش النفوس ويُغذي الأرواح".

ولم يكن اهتمام الإمام البنا بالقضية الفلسطينية وليدَ الحوادث أو من قبيل المصادفة، بل لقد فطن الإمام البنا إلى الأخطار الصهيونية المُحدِقة بفلسطين مذ كان يافعًا؛ حيث كتب في نهاية العشرينيات من القرن الماضي- وهو لم يتجاوز بعد الثالثة والعشرين- في مجلة "الفتح" التي كان يصدرها الشيخ محب الدين الخطيب مقالاً ينبه فيه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين.

ثم ضاعف الإمام البنا جهوده بعد تأسيس الجماعة واضطلاعها بمهمة الدعوة الإسلامية، وتفاعل معها ماديًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، بل وعسكريًّا، وأصبحت القضية الفلسطينية في عهد الإمام البنا وحتى الآن من القضايا المركزية عند جماعة الإخوان المسلمين، وبفضل تلك الجهود أصبحت القضية الفلسطينية القضية المركزية للأمة العربية والأمة الإسلامية.

أما ماديًّا

فقد كان من خلال حركات الدعاية الواسعة لجمع التبرعات والمعونات للشعب الفلسطيني التي قام بها الإمام والإخوان في مختلف المدن والقرى، من خلال التنسيق مع الهيئات الإسلامية المختلفة وجامعة الدول العربية لتقديم الدعم المادي للشعب الفلسطيني.

وأما إعلاميًّا

فمن خلال تأسيس اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين، واللجنة العليا لفلسطين، وتسخير صحف الإخوان لنشر أخبار الثورة الفلسطينية، ومعارك المجاهدين على أرض فلسطين، وكشف الممارسات البريطانية والصهيونية الوحشية على أرض فلسطين، ونشر بيانات زعماء فلسطين وقادة الثورة والجهاد، ونشر الفتاوى الشرعية للدعم المعنوي لحركة الجهاد، وبيان تفاعل العالم الإسلامي مع القضية.

وأما سياسيًّا

فمن خلال:

- إرسال البرقيات، وتقديم المذكرات والاحتجاجات إلى السفراء والوزراء في الداخل والخارج.

- تأييد السياسات الداعمة للقضية الفلسطينية، وتكريم الزعماء والمجاهدين الفلسطينيين.

- استنكار المواقف السلبية من الحكام والمسئولين.

- تنظيم المظاهرات والمسيرات والمؤتمرات لتعريف الشعوب الإسلامية بالقضية الفلسطينية ودعمها.

واقتصاديًّا

من خلال الدعوة إلى المقاطعة للبضائع الصهيونية والإنجليزية والأمريكية.

وعسكريًّا

من خلال المشاركة العملية في حرب فلسطين 1948م، وإرسال كتائب الإخوان إلى أرض فلسطين، وزيارته بنفسه للمجاهدين في فلسطين. ولكي نعرف أثر تلك الجهود فإنه في عام 1938م، سئل محمد محمود باشا- رئيس وزراء مصر وقتها- عن القضية الفلسطينية فصرَّح بأنه رئيس وزراء مصر، وليس رئيس وزراء فلسطين، وبعد عشر سنوات من جهود الإخوان تحركت من مصر كتائب المجاهدين والجيش المصري لحماية فلسطين وطرد العصابات الصهيونية منها.

ولقد قضى الإمام البنا جزءًا كبيرًا من حياته مدافعًا عن فلسطين بقلمه ولسانه وماله ونفسه حتى قضى شهيدًا، فهو- بحق- شهيد فلسطين وإن لم يمت على أرضها.

ويأتي هذا الموضوع ليلقي الضوء على بعض جهود الإمام البنا تجاه "القضية الفلسطينية"، تلك الجهود المباركة التي نسأل الله- تعالى- أن يكمل مسيرتَها إخوانُه وتلامذتُه ومحبوه من بعده.. إنه نعم المولى ونعم النصير.

رسالة المرشد العام إلى المفتي عام 1931م

المؤتمر الإسلامي الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة صاحب السماحة السيد/ محمد أمين الحسيني (2) مفتي فلسطين الأكبر:

نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونُصلي ونسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ومن تبع هداهم إلى يوم الدين، وبعد..

فإن العالم الإسلامي كله يقدر لكم حسن جهادكم، وسديد رأيكم في الدعوة إلى هذا المؤتمر المبارك، وجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة والمحمودية وشبراخيت وبورسعيد والإسماعيلية بالديار المصرية تقدم لسيادتكم جزيل شكرها وجميل تقديرها، ونرجو التكرم بعرض هذا البيان على هيئة المؤتمر الموقرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حضرات السادة المحترمين أعضاء المؤتمر الإسلامي..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فإن أربعمائة مليون من المسلمين في أنحاء المسكونة يرمقون نتيجة المؤتمر بقلوبٍ تخفق بالأمل والإشفاق، وتنتظر منكم المواقف المُشرِّفة التي ترفع رأس الإسلام والمسلمين، ومن ورائهم أصحاب المطامع يتربصون بالمؤتمر الدوائر، ويحيكون له الدسائس، ولن يتربصوا به إلا إحدى الحسنيين، وسيرد الله أهل الكيد بغيظهم لم ينالوا خيرًا.

أيها السادة أعضاء المؤتمر:

يجب أن تقدِّروا هذا تمام التقدير، ويجب أن تُثبتوا للأمانة التي أخذتموها على عاتقكم، وهي النظر في خير المسلمين بحكمةٍ وإخلاصٍ، ويجب أن تتصل قلوبكم بقلوب المؤمنين التي تحوطكم، وبأرواحهم التي ترفرف على مؤتمركم، وبآمالهم التي تحوم حولكم، والله من وراء الجميع محيطٌ، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور.

أيها السادة أعضاء المؤتمر:

إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم وعملهم عن عقيدةٍ واقتناعٍ جعلوا كل شيء وقفًا عليهما، حتى اختلطت نفوسهم بعقيدتهم، وعقيدتهم بنفوسهم، فكانوا هم الفكرة، وكانت الفكرة إياهم، فإن كنتم كذلك ففكروا والله يلهمكم الرشد والسداد، واعملوا والله يؤيدكم بالمقدرة والنجاح، وإن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم؛ فإنه حاجزٌ للرحمة، حائلٌ دون التوفيق، وقد أعلم الله رسوله بأن وجود قوم معروفين بسيماهم بين المؤمنين مثبط لهممهم فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمْ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدْ ابْتَغَوْا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)﴾ (التوبة).

فابدءوا عملكم أيها السادة الكرام بتصحيح الإخلاص وتحقيق النية في العمل يكن صرح عملكم مشيدًا، وأثره خالدًا إن شاء الله تعالى، وإن جمعية الإخوان المسلمين تشارككم فيما تقررون، وتقاسمكم على البعد عبء ما تحملون، تبعث إليكم بتحيات أعضائها مشفوعةً بالإجلال لأشخاصكم، والتقدير لعملكم، والإعجاب الكبير لفكرتكم، ولولا أعذارٌ قاهرةٌ، وظروفٌ طارئةٌ لكان من أعضائها بينكم من ينادي بكلمتها، ويمثل هيئات إدارتها، وإن ثقتها بكفاءتكم تخفف عنها ألم التخلف مع القاعدين، وقد أعذر الله للمتخلفين إذا نصحوا لله ولرسوله، والله غفور رحيم، وهي لذلك تدلي بنصيحتها مجملةً في المقترحات الآتية بعد تقديرها لما تستطيعه الأمم الإسلامية من وسائل العمل.

مقترحات جمعية الإخوان المسلمين

أولاً: الدفاع عن فلسطين

أمر الدفاع عن فلسطين والمقدسات الإسلامية عامةً أمرٌ يهم المسلمين جميعًا، ولسنا بصدد استعراض أدوار قضية العدوان والدفاع؛ فذلك شيء ألممتم به حضراتكم كل الإلمام، ولكن المهم الآن أن تفكروا في الوسيلة العملية لكف المعتدين وشل حركاتهم في حدود السلم والقوانين.

لقد علمنا أن الخُطَب والاحتجاجات لا تُجدي ولا تُسمع، وترى الجمعية أن من واجب المؤتمرين أن يعالجوا:

1- مسألة شراء الأرض بفلسطين: إن اليهود يحاربون الفكرة الإسلامية بذهبهم، وإذا تمكنوا من شراء أرض فلسطين صار لهم حق الملكية، فقوي مركزهم، وزاد عددهم، وبتوالي الأيام تأخذ المسألة شكلاً آخرَ، وقد نظَّم اليهود هذه الحركة وجعلوا لها صندوقًا خاصًّا يجمعون فيه الاكتتابات لهذه الغاية.

فحبذا لو وُفِّق المؤتمر إلى إيجاد نواةٍ لصندوقٍ ماليٍّ إسلاميٍّ، أو شركةٍ لشراء أرض فلسطين المستغنى عنها، وتنظيم رأس المال وطريق جمع الاكتتابات وسهوم هذه الشركة.. إلخ.

والجمعية تكتتب مبدئيًّا في هذه الفكرة بخمسة جنيهاتٍ مصريةٍ ترسلها إذا قرر المؤتمر ذلك على أن تتوالى بعدها الاكتتابات، ولا يضحك حضراتكم هذا التبرع الضئيل؛ فالجمعية تقدِّر الفكرة، وتعلم أنها تحتاج إلى الآلاف من الجنيهات، ولكنها جرأت على ذلك إظهارًا لشدة الرغبة في إبراز الفكرة من حيِّز القول إلى حيِّز العمل.

2- تأليف اللجان في كل البلاد الإسلامية للدفاع عن المقدسات: كذلك تقترح الجمعية أن يعالج المؤتمر موضوع تأسيس لجانٍ فرعيةٍ لجمعيةٍ رئيسيةٍ مركزها القدس أو مكة، وغايتها الدفاع عن المقدسات الإسلامية في كل أنحاء الأرض، وتكون هذه اللجان الفرعية كلها مرتبطةً تمام الارتباط بالمركز العام.

ثانيًا: لنشر الثقافة الإسلامية

المسلمون الآن فوضى في ثقافتهم، وهذه الفوضى في الثقافة تؤدي إلى فوضى فكرية وتباين في العقائد والأفكار، والمشارب والأخلاق، فإذا دام الحال فسيأتي يومٌ يتنكر فيه المسلم للمسلم من التنافر والتناكر، فلا يفهم أحدهما الآخر، واعتبر ذلك بما تراه بين أبناء المعاهد التي تربي أبناءها تربيةً دينيةً، والتي تربي أبناءها تربيةً يسمونها علمانيةً في البلد الواحد.

فليفكر المؤتمرون في الوسائل التي تؤدي إلى توحيد الثقافة الإسلامية وتقريب مسافة الخُلف بين أنواعها، وجعلها مؤسسةً على الفكرة الإسلامية، ونصيرة لها شاملة للتوفيق بين هذه الفكرة وبين الأفكار الحديثة، وترى جمعية الإخوان أن من الوسائل إلى هذه الغاية:

1- إنشاء جامعة فلسطين: على نحو كلية "عليكرة" بالهند تجمع بين العلوم العصرية والعلوم الدينية، وترفرف عليها روح الإسلام وتصطبغ بصبغته، مع احتوائها على الكليات العلمانية في العلوم والآداب، والسياسة والقانون، والتجارة والاقتصاد، والطب والفلسفة، وغير ذلك.

2- إنشاء جامعةٍ أخرى: بمكة على هذا النحو؛ حتى ينجح مشروع جامعة القدس إن شاء الله تعالى.

3- نداء علماء المسلمين: أن يؤلفوا لجانًا فنيةً لتهذيب الكتب الإسلامية القديمة، وتصنيف كتب جديدة تفي بحالة العصر الجديد، مع التفكير في مناهج التعليم بأنواعه.

4- نداء أغنياء المسلمين للاكتتاب: في صحيفةٍ عامةٍ يوميةٍ إسلاميةٍ تصدر في القاهرة، ويكون لها مثيلاتٌ في الحواضر الإسلامية تحمل فكرة القادة الإسلامية إلى الشعوب؛ فإن الصحافة الشرقية تقف من الشئون الإسلامية موقفًا لا يرتاح إليه الضمير.

5- العناية بالوعظ والإرشاد: والتفكير في أنجع الوسائل لتخريج الوعاظ.

وترى الجمعية أن من أهم الوسائل تربية الوعاظ تربيةً دينيةً عمليةً تكون أشبه بتربية الصوفية المحققين في الجمع بين العلم والعمل، ويكون ذلك بالسعي لدى أولي الأمر في الأقطار الإسلامية لافتتاح أقسام الوعظ، وتعديل مناهجه تعديلاً صالحًا.

ثالثًا: لربط الشعوب الشرقية

لا سلاحَ للشرق يُرهب غاصبيه إلا الاتحاد والتكاتف، وقد أدركت أمم المطامع ذلك؛ فهي دائمًا تحول دون هذه الوحدة بمختلف الوسائل، إما بتسميتها تعصبًا، أو بإفهام البسطاء أنها تنافي الوطنية والقومية، وإما بمغالطة الناس بأنها فكرةٌ عتيقةٌ يجب التبرؤ منها، وكل ذلك غير صحيح، فهذه أوروبا تنادي بالوحدة وتنشرها بين أممها، وعصبة الأمم صورةٌ مصغرةٌ لذلك، ولم يقل أحد في الدنيا: إن التفكك والانقسام أفضل من الوحدة والوئام، ولكنها مطامعٌ وأهواءٌ تُلبس الأمر غير حقيقته.

فالوحدة ضروريةٌ لحياة الشرق ضرورةَ الهواء والماء والغذاء لحياة الشخص، وترى الجمعية أن من الوسائل التي تؤدي إلى ذلك:

1- تقوية رابطة التعارف بين المؤتمرين أنفسهم.

2- تأليف لجانٍ لهذا التعارف في كل بلدٍ فيه أجناسٌ مختلفةٌ من الشرقيين، كالقاهرة وبغداد وغيرهما.

3- دعوة زعماء الشعوب الشرقية إلى طرح المطامع، وتقدير الموقف الدقيق الذي يحيط بهم في هذه الأيام.


رابعًا: للدفاع عن العقيدة الإسلامية

إن أعداء الإسلام من الملاحدة والمبشرين يجدّون في تشويه عقائده، وإدخال الشكوك على أبنائه، ويبتكرون الوسائل المختلفة لذلك، ومن ورائهم أغنياؤهم يمدونهم بالغي، وفي طغيانهم يعمهون.

ومن واجب المؤتمر التفكير في أنجع الوسائل لدفع عدوانهم ودرء خطرهم.

وترى الجمعية أن من الوسائل الناجعة في ذلك:

1- أن ينشر أعضاء المؤتمر فكرة تأليف اللجان التي تتولى تحذير الناس من دسائسهم، والرد عليهم بما يكفهم.

2- أن تشجع الجمعيات الإسلامية التي أرصدت نفسها لهذه الغاية.

3- أن يعنى الوعاظ بدراسة هذه الناحية ويحذروا الناس منها.

مشروعاتٌ إسلاميةٌ أخرى

1- مشروع سكة الحديد الحجازية.

2- مشروع مكتب الاستعلامات الإسلامي.

تقترح الجمعية أن يفكر المؤتمر في إنقاذ سكة الحديد الحجازية من اليد الأجنبية، ويعمل على بدء العمل في تنميتها؛ حتى ينتفع المسلمون بها في أقرب فرصةٍ ممكنةٍ.

وتقترح كذلك أن يدرس المؤتمر مشروع مكتب الاستعلامات الأوروبي، ويوقف الناس على مبلغ الفائدة التي تعود على المسلمين من ورائه، ثم تجمع الاكتتابات مبدئيًّا له، وتؤلف اللجان التي تقوم بأداء هذه المهمة.

وختامًا فالمؤتمر الإسلامي خطوةٌ واسعةٌ في طريق الإصلاح المنشود للإسلام والمسلمين، ترجو الجمعية أن يكون لها أثرها، وأن يتجدد انعقاد المؤتمر بعد مدةٍ معلومةٍ.

ولتثقوا أيها السادة بأن العالم الإسلامي من ورائكم يجود بالنفس والمال في سبيل إعادة مجد الإسلام، ووصول الأمم الإسلامية إلى حقوقها المنقوصة مصداق قول الله- تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112)﴾ (التوبة).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فلسطين المجاهدة

أفاضت الجرائد والمجلات في وصف الحوادث المؤثرة في البقعة المقدسة للوطن الإسلامي العام "فلسطين المباركة"، وليست قضية العرب في حاجةٍ إلى الإيضاح والجلاء، ولقد كان وعد بلفور (4) المشئوم ضربةً قاضيةً وُجِّهت إلى الأمة العربية في الصميم، وأخذت دولة الانتداب تعمل منذ صدوره سرًّا وعلانيةً على غزو فلسطين بجيوشٍ من مهاجري اليهود، ولم تبالِ في هذا السبيل بظلم العرب واغتصاب أرضهم وإخراجهم من ديارهم، وما حادث "وادي الحوارث (5)" ببعيد.

وزاد الطين بلةً تدفق هذه السيول المهاجرة بعد طردها من ألمانيا، وقد أخذ العرب يقنعون حكومة الانتداب بخطر هذه الهجرة وهي لا تلقي لهم بالاً، فلم يسعهم أمام هذا الخطر الداهم إلا أن يرفعوا صوتهم بالاحتجاج في مظاهرةٍ سلميةٍ استأذنوا الحكومة في القيام بها، ولكن الحكومة التي تمالئ اليهود حرَّمت عليهم حتى حق الشكاية، وحتى صيحة الألم بعد أن أمَضَّتْهم (6) وهددتهم تصرفاتها في أنفسهم وأموالهم، ولم تكتف بهذا التحريم، بل قابلته في مظاهرتهم السلمية بما لم يكونوا ينتظرون من الفواجع وضروب العنت والإرهاق. كرامٌ يعتقلون، وأبرياء يسجنون، وأرواحٌ تزهق، ودماءٌ كريمة تسيل، وشهداءٌ يذهبون ضحايا القيام بالواجب والدفاع عن النفس والوطن في تلك الحوادث التي علم بها الخاص والعام، والآن وقد وردت الأنباء بهدوء الحال بعض الشيء على أثر وعد الحكومة بالتفاهم مع اللجنة التنفيذية للعرب، فإن على المسلمين واجبًا مقدسًا يجب أن يضعوه نصب أعينهم دائمًا، هو أن يتذكروا أن مطلب العرب الأسمى يتلخص في وقف الهجرة الصهيونية، وتحقيق وعود حكومة الانتداب التي قطعتها على نفسها للعرب إبَّان الحرب في حكم أنفسهم بأنفسهم.

وما دام هذا المطلب غير محققٍ فإن الأمة الفلسطينية- ومن ورائها العالم الإسلامي- لا تسكت عن المطالبة به بكل وسيلةٍ مشروعةٍ، وأن يتذكروا دائمًا أن هذه الاضطرابات والحوادث في فلسطين تركت وراءها جرحى يجدون مس الألم، ويحتاجون إلى التطبيب والمواساة، وأيتامًا وأرامل لا عائلَ لهم، فعليهم أن يفكروا في وسائل المعونة العملية، ومن أهمها: جمع الاكتتابات وإرسالها إلى فلسطين، وجزى الله جماعة الدفاع عن الإسلام خير الجزاء على ما قامت به في هذا السبيل من عملٍ مبرورٍ وسعيٍ مشكورٍ.

وإن الإخوان المسلمين ليضمُّون صوتهم إلى أصوات إخوانهم في آفاق الأرض في مطالبتهم بحقوق العرب الأمجاد في نصرة فلسطين المجاهدة.

من أجل فلسطين المجاهدة الباسلة

نداءٌ من مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بالقاهرة إلى شُعَب الجماعة بالقطر المصري وإلى الشعوب الإسلامية عامةً وإلى مواطنينا المسيحيين الأعزاء.

أيها الإخوان: هذا يومٌ من أيام الله يختبر الله به العزائم، ويبتلي به الهمم، ويمحص به الصادقين، ويظهر فيه قول الله- تعالى-: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾ (آل عمران).

هؤلاء إخوانكم الفلسطينيون البواسل وقفوا صفًا واحدًا، وقلبًا واحدًا، وكلمةً واحدةً، وكتلةً صامدةً، يعاهدون الله وإخوانهم ووطنهم ألا يضعوا راية الجهاد إلا مكللةً بالنصر، محفوفةً بالفوز، أو يموتوا دون الغاية، وفداءً للوطن ومقدساته.

أيها الإخوان: ثمانمائة ألف عربيٍّ ما بين مسلم ومسيحي وقفوا يذودون عن المقدسات العزيزة والتراث الخالد، وينوبون عن مسلمي الأرض ومسيحيي الأرض في حفظ المسجد المقدس والدفاع عن فلسطين بلد الذكريات والأنبياء، ويدفعون عنها حيف اليهود وظلم الإنجليز، ويقاومون يد الاستعمار الباطشة الفاتكة، وهم في هذا يقومون بالواجب عنكم، ويحتملون آلام الجهاد دونكم، وأنتم جميعًا آمنون وادعون.

أيها الإخوان: إن وطنكم لا تنتهي حدوده بحدود مصر، بل تمتد إلى كل شبر أرضٍ فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، وإن قلوبكم التي تخفق لمصر وتحنو عليها وتعمل لها بحكم البر بالوطن يجب أن تخفق لفلسطين، وتحنو عليها، وتعمل لها بحكم الدين والجوار والإنسانية والوطن أيضًا.

لقد وقفتم بالأمس إلى جانب الحبشة موقفًا كريمًا، فقفوا اليوم بجانب فلسطين مثل ذلك الموقف أو أسمى؛ فإن فلسطين ألصق بكم جميعًا، وأقرب إليكم جميعًا، وقد وقع عليها من الظلم ما لا يعلم مداه إلا الله.

أيها الإخوان: إخوانكم الفلسطينيون الآن في الميدان يجوعون ويجهدون، ويُخرجون ويُقتلون، ويُسجنون في سبيل الله وفي سبيل البلد المقدس، وهم إلى الآن في أشرف المواقف، يقومون بأمجد الأعمال، ويبدون من ضروب البسالة ما هو فوق الاحتمال والطاقة، فهم قد أعذروا إلى الله وإلى التاريخ، فإذا ضعفت هذه الحركة، أو وهنت فأنتم المسئولون عن هذا الضعف وهذا الوهن، وهي جريرةٌ يُؤاخِذ بها الله أشدَّ المؤاخذة، ويحصيها التاريخ في أسود صحائفه، فانتهزوا الفرصة وقوموا بواجبكم إلى جانب إخوانكم، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

وإن مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، وقد أقضت هذه الحوادث مضجعه في الوقت الذي يهيب فيه بالشعوب العربية مسلمها ومسيحيها أن يمدوا يد المعونة لفلسطين المجاهدة الباسلة، يقرر ما يأتي:

أولاً: تأليف لجنةٍ مركزيةٍ من أعضائه لتلقي تبرعات الإخوان وإرسالها إلى اللجنة العربية العليا.

ثانيًا: تأليف لجانٍ في شُعَب الإخوان لتلقي التبرعات، وإرسالها إلى اللجنة المركزية.

ثالثًا: شكر الشعب الفلسطيني الباسل على موقفه المشرف، وتأييده فيه كل التأييد.

رابعًا: إرسال برقية احتجاجٍ إلى المندوب السامي بفلسطين (8)، ووزير خارجية إنجلترا (9)، وسكرتارية عصبة الأمم.

خامسًا: دعوة سمو الأمير عمر طوسون (10) والهيئات العاملة بمصر إلى العمل على مساعدة فلسطين.

سادسًا: رجاء لجنة مساعدة الحبشة في أن تحول وجهها شطر فلسطين، وأن تمدها بما بقي عندها من أموالٍ.

سابعًا: موالاة الكتابة تذكيرًا بالواجب نحو فلسطين، وحثُّ التجار الذين يساعدون اليهود على التضامن مع العرب في مقاطعة المعتدين الغاصبين.

بعد ذلك أرسلت اللجنة المركزية لمساعدة فلسطين برسالةٍ إلى صاحب السمو الأمير عمر طوسون، عن هذه الرسالة يكون حديثنا في الحلقة القادمة إن شاء الله.

الهوامش

(1) حدث خطأٌ في كتابة تاريخ المؤتمر بالجريدة؛ حيث كتبته 1937م، والصحيح أنه في 1931م، [انظر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه- 5 سبتمبر 1948م، ص(10-11)].

وقد رد سماحة مفتي فلسطين على الإخوان برسالةٍ قال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم.

حضرات السادة الكرام/ رئيس وأعضاء جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية المحترمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..

فقد تُلِيَ بيانكم في مكتب المؤتمر الإسلامي العام فكان موضع التقدير والاعتبار، وستهتم اللجنة التنفيذية بما جاء فيه كل الاهتمام، وبهذه المناسبة فإنا نشكر لكم ما تبذلون من جهودٍ لإعلاء كلمة الإسلام، ونأمل أن يكون منكم ومن فروع جمعيتكم الموقرة في الديار المصرية أكبر مساعدٍ على تنفيذ مقررات المؤتمر ومشروعاته الطيبة.

وفي الختام نرجو الله أن يوفقنا وإياكم لخير الإسلام والمسلمين.

رئيس المؤتمر/ محمد أمين الحسيني

(2) وُلِد محمد أمين الحسيني في القدس عام 1897م، وتعلم في القدس ومصر وإستانبول، شارك في الجهاد الوطني الفلسطيني حتى تألبت عليه قوى الاحتلال، ويهرب منهم من بلدٍ إلى بلد، انتُخِب مفتيًا ولم يتجاوز الخامسة والعشرين، وتتحرك الثورة عام 1929م، ثم في عام 1933م، ثم تكون الثورة الكبرى عام 36- 1939م، ويتولى أمين الحسيني مسئولية اللجنة العربية العليا لفلسطين، ساند القضايا العربية والإسلامية في المحافل الدولية، ويعتبر رمزًا للكفاح الفلسطيني في مقاومة الاحتلال الصهيوني. فاضت روحه إلى بارئها عام 1974م وهي شاهدةٌ على عصر الخيانات الكثيرة والتضحيات الكبيرة، ولم يجرؤ أحدٌ من القادة الفلسطينيين أن يدعوَ إلى حلٍّ سياسيٍّ إلا بعد اختفاء روح المقاتل محمد أمين الحسيني من ساحة القضية الفلسطينية.

(3) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (17)، السنة الأولى، 20 رجب 1352ه- 9 نوفمبر 1933م، ص(20).

(4) أصدر وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور (1848-1930م) في الثاني من نوفمبر 1917م وعده، وهو عبارةٌ عن رسالةٍ قصيرةٍ إلى اللورد روتشيلد- أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك- يقول نصها: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطنٍ قوميٍّ للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يكون مفهومًا بشكلٍ واضحٍ أنه لن يؤتى بعملٍ من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى، وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علمًا بهذا التصريح". [موقع مجلة الوطن].

(5) وادي الحوارث كان أكبر قطعة أرض جرى الاستحواذ اليهودي عليها. [موقع مجلة رؤية].

(6) أمَضَّني الجرحُ إمْضاضًا: إذا أوجعَك. وفيه لغةٌ أخرى: "مَضَّني الجرحُ". وقال ثعلبٌ: يقال: قد أمَضَّنى الجرحُ. قال: وكان من مضى يقول: مَضَّني بغير ألف. والكُحْلُ يُمِضُّ العين، أي: يحرقها. وكَحَلَهُ بمُلْمولٍ مَضٍّ، أي حارّ. والمَضَضُ: وجعُ المصيبةِ. وقد مَضِضْتَ يا رجلُ تَمَضُّ مَضَضًا ومَضيضًا ومَضاضةً. [الصحاح، مادة (مضض)].

(7) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (6)، السنة الرابعة، 28 صفر 1355ه- 19 مايو 1936م، ص(19-20).

(8) هو الجنرال سير آرثر واكهوب.

(9) هو صمويل هور.

(10) عمر طوسون [[[1872]]-1944]: الأمير عمر طوسون هو الابن الثاني للأمير طوسون بن محمد سعيد بن محمد علي مؤسس مصر الحديثة، ولد في مدينة الإسكندرية يوم الأحد الموافق (5 رجب 1289 ه- 8 من سبتمبر 1872م)، ولما بلغ الرابعة من عمره فقد والده، فكفلته وربته جدته لأبيه، وأشرفت على تعليمه، وكانت دراسته الأولى في القصر، ثم استكملها في سويسرا.

اقترب طوسون من القضايا الوطنية والقضايا الإسلامية، فلم يُخف ميوله إلى الدولة العثمانية والوقوف إلى جانبها وفي صفها.

اتجه عمر طوسون إلى الكتابة والتأليف، ولم تشغله أعماله- على كثرتها- عن الإنتاج العلمي الغزير بالعربية والفرنسية، وموالاة الصحف ببحوثه العلمية الدقيقة، واستأثرت البحوث التاريخية والجغرافية والأثرية بإنتاجه كله، ودارت كلها حول مصر والسودان، وقد تُوفِّيَ الأمير عمر طوسون يوم الأربعاء (30 من محرم 1363ه= 26 من يناير 1944م)، وكان قد أوصى ألا تقام له جنازةٌ، ونفذ له الملك فاروق وصيته، مقتصرًا على تشييع الجثمان الذي شارك فيه الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة.

للمزيد عن الإمام حسن البنا

Banna banner.jpg


للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة

أحداث في صور

.

تابع أحداث في صور

وصلات فيديو

أقرأ-أيضًا.png
مرشدو الإخوان والقضية الفلسطينية
الإمام حسن البنا والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد حامد أبو النصر والقضية الفلسطينية

الأستاذ مصطفي مشهور والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد المأمون الهضيبي والقضية الفلسطينية

الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

تابع الأستاذ محمد مهدي عاكف والقضية الفلسطينية

الدكتور محمد بديع والقضية الفلسطينية