الابتلاء عساه أن يكون خيرًا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:٤٨، ١٤ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الابتلاء عساه أن يكون خيرًا


الإبتلاء.png

بقلم / حفصة خيرت


الابتلاء عساه أن يكون خيرًا

"عساه أن يكون خيرًا" قصة وجملة نسمعها كنوعٍ من المواساة حين وقوع الابتلاء أو الاعتقال، قصة ملك قُطعت يده ذات يوم فأخبر وزيره بذلك فكان رده له "عساه أن يكون خيرًا" فظنه يستهزأ به فأمر باعتقاله فقال الوزير أيضًا "عساه أن يكون خيرًا"، وخرج الملك في رحلة للصيد ولكن لم يخرج معه الوزير ككل مرة، وأثناء الرحلة هجم على الموكب مجموعة من القراصنة واختطفوا الملك بينما فرَّ باقي الموكب هاربًا، وأسرع القراصنة في تقييد الملك ليقدموه قربانًا لرئيسهم الذي يأكل لحوم البشر، وأثناء ذلك وجدوا يده مقطوعة فأطلقوا سراحه، وقالوا: "لا يمكننا أن نقدم قربانًا لزعيمنا به عيبًا"، فتذكر الملك حينها كلمة وزيره وعاد إلى مملكته سريعًا، والتقى به، وقال له الآن عرفت أن قطع يدي كان خيرًا من أن أقدم قربانًا لزعيم قبيلة شرسة تأكل لحوم البشر، لكن ما الخير في أني أمرت باعتقالك، فقال له الوزير: لو كنتُ معك في هذه الرحلة لأخذوني بدلاً منك.


ولأن الاعتقال في بلادنا العربية، وللأسف الشديد يعد من الابتلاءات العظيمة؛ لأن المتضررين منه ليسوا المجرمين والسارقين بل هم من أشرف من حملتهم أرضنا.


كان لنا هذه الجولة مع أسر عديدة من أسرهم التي استشعرت خيرية الابتلاء، وكيف أن الاعتقال رغم مظاهره السلبية العديدة يخفي فوائد للأسرة تكون بمثابة الرحمة التي ينزلها الله على عباده من خلال هذا الابتلاء.


ثمار أسرية

أم محمد عانت كثيرًا من انشغال زوجها بأمور الدعوة وتركه لها مسئولية تربية الأبناء كاملةً، ولم يُدرك أنه من الضروري إيجاد علاقة بينه وبين أبنائه يكون لهم فيها بمثابة القدوة والصديق يتابعهم في كل أمورهم، وتقول إنها كاد بها الأمر إلى عدم استيعاب أبنائها؛ نظرًا لكثرة المتطلبات المطلوبة منها، وكيف لها أن تكون الآمر والناهي والمكافئ والمعاقب وفي كل الأوقات وزوجها لا يعلم عن أبنائه أي شيء حتى إنَّها تظن أنه لا يعلم المرحلة الدراسية لكل فرد فيهم.


وتقول في أثناء هذه المعاناة اعتقل زوجي وبينما كنَّا جميعًا في أثر هذه الصدمة إذ وجدناه شخصًا آخر يهتم بمناقشة كل أمور أبنائها مما أدى إلى تغير ملحوظ في مستوى كل واحد منهم على حدة في كافة المجالات، ويُشعرهم بأنهم لهم أب يهتم بهم، ويسأل على كل صغيرة وكبيرة في حياتهم، مما زاد من تقاربهم الشديد الذي لم يتغير بعد عودته إلينا بفضل الله.


اختلف موقف أم جهاد عن أم محمد فلقد كان زوجها على علاقة جيدة بأبنائه رغم انشغاله الشديد في أمور الدعوة إلا أنَّ ابنه الأكبر كان كثيرًا ما يعصي والدته وأبيه ويتشاجر مع إخوته ويخرج من البيت كثيرًا ولا يعود إلا في ساعة متأخرة، وفشلت كل محاولات الإصلاح معه حتى أصابهم اليأس منه، وانتشرت سمعته السيئة بين الجيران والأهل ويئس والده حتى جاء اعتقال الوالد لتكون نقطة تحول لهذا الشاب الذي شعر بضرورة وقوفه بجانب أمه في هذا الموقف- غياب الأب- واستشعر ضرورة أن يكون أهلاً لهذا الوقف فتغيَّرت حياته تمامًا ليصبح أبنًا بارًا وأخًا عطوفًا.


المشاكل الزوجية

قد يأتي الاعتقال أحيانًا ليجدد العلاقات الزوجية التي أصابها الفتور وشعر كل شريك فيها بعدم رغبة في الحياة مع الشريك الآخر؛ نظرًا لانشغالات الحياة.. هذا حال أم حبيبة التي وصل بها الضيق من انشغال زوجها إلى طلبها الانفصال؛ لأنها تحتاج إلى اهتمام وعناية أكثر من أن تستقبله ليلاً مرهقًا فينام حتى الصباح ثم يعود إلى عمله ودعوته دون أن يشعرها كزوجة وأم لأبنائه بأي وقت يُعطيه لها، ولكن رغبتها في الانفصال وإصرارها تبددت كاملةً؛ حيث اعتقل زوجها ورأت إيجابيات في وجوده معها لم تكن تستشعر عظمتها، وعادت إلى الأسرة الحياة والحب والرحمة وحرص كل طرف على احتواء الطرف الآخر مما أنقذ الأسرة من التفكك والانهيار.


علاقة ربانية

خيرية الاعتقال في حياة أم زينب اختلفت عن كل ما سبق، وتمثلت هذه الخيرية في علاقة الأسرة بربها، وكيف أنها كانت تظن نفسها أحسن من كثيرات من غيرها ولم ترتقِ بنفسها في أمور الدين لتصبح متميزة عند ربها، وما إن حدث الاعتقال حتى اهتمَّ كل أفراد الأسرة بتحسين هذه العلاقة واللجوء إلى الله عز وجل والتضرع إليه وكثرة الذكر حتى تطمئن قلوبهم وإقامة حلقة أسرية أسبوعية يكون من خلالها انطلاقة دعوتهم حتى يفيض الأبناء بما وعى.


هدف في الحياة

هذا هو الذي تحقق باعتقال أبو عبد الله، فلقد كان عبد الله يعيش حياةً بلا هدف يأكل لكي ينام وينام ليستيقظ ويأكل، وبعد اعتقال والده سأل نفسه لماذا كل هذا العناء؟ واهتم بمعرفة أسباب اهتمام والده بأمور الدعوة والتدين وتعريض نفسه وأولاده إلى المخاطر والاعتقالات وحينها أدرك بإيمان والده وصبره هو وأسرته ضرورة أن يكون هناك هدف للإنسان في حياته يقاتل من أجله ويسعى إليه.


محبة عامة

فائدة عظيمة وشعور جميل ليستشعره أهالي المعتقلين جو المحبة والإخاء والمشاعر التي تظهر من الجميع، فنجد الأم تعطف أكثر على أبنائها والجيران والأهل يتسارعون من أجل إدخال سعادة وبهجة على هذه الأسرة التي حُرمت من أبيها دون ذنب جناه حُرمت من أبيها لأنه يقول ربي الله.. هذا هو رأي أم حسن التي شعرت بألفة ومودة ورحمة تجمع أهالي المعتقلين وأصبح بينهم رابط قوي أقوى من باقي الروابط الاجتماعية.


وأخيرًا

لجوء إلى الله بصدق فلطف منه سبحانه وصبر يلقيه على قلوب أصحاب الابتلاءات وأهالي المعتقلين.. كل أمر سيء في ظاهره قد يحوي دررًا لا نعلمها فليزداد يقينًا في الله وبأنه إذا أحب عبدًا ابتلاه ليكون قريبًا منه ويسمع نداءه وشكواه ويجعله عائدًا من محنة عظيمة في أعين كل البشر إلا أنها في عينيه أعظم المنح.. صبَّرنا الله وإياكم وأعظم للجميع الأجر والثواب.

المصدر : إخوان أون لاين