الإمام عبد العزيز بن باز

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٠:٣٣، ٧ مايو ٢٠١١ بواسطة Ahmed elsaied (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''<center>الإمام عبد العزيز بن باز </center>''' '''المستشار عبد الله العقيل''' '''<center>فقيه العصر وزينة الد...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإمام عبد العزيز بن باز

المستشار عبد الله العقيل

فقيه العصر وزينة الدهر (1330 ـ 1420هـ = 1910 ـ 1999م)

مولده ونشأته:

هو الشيخ العلاّمة والإمام الرباني عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله آل باز، ولد في مدينة الرياض يوم 12/12/1330هـ، ونشأ في أسرة متوسطة الحال، وكان بصيراً في صغره ثم أصيب بفقد البصر فيما بعد وعمره عشرون عاماً.

توفي والده وعمره ثلاث سنوات، فعاش يتيماً في حجر والدته، حفظ القرآن وهو دون سن البلوغ، وطلب العلم والتفقه في الدين على المشايخ، من أشهر شيوخه: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن حمد عتيق، والشيخ صالح عبدالعزيز آل الشيخ، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ سعيد وقاص البخاري وغيرهم.

حياته العملية: تولى القضاء من سنة 1357هـ إلى سنة 1371هـ، ثم التدريس بكلية الشريعة حتى سنة 1380هـ، ثم منصب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ثم رئيساً لها من سنة 1390هـ، ثم مفتي المملكة سنة 1414هـ، ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ورئيس المجمع الفقهي ورئيس المجلس العالمي للمساجد وغيرها من المهمات الكثيرة. وقد حصل على جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام سنة 1402هـ.

كان صادقاً صابراً أميناً شجاعاً في كلمة الحق ملتزماً بالكتاب والسُّنة في كل شؤونه، حاضر البديهة قوي الذاكرة متواضعاً حليماً واسع الصدر صاحب فراسة، زاهداً ورعاً عفيفاً حسن الأخلاق في التعامل مع العامة والخاصة جواداً كريماً، قل أن يأكل طعامه بمفرده، يلتزم الشورى في كل أموره ويحب الخير لكل المسلمين ويشفع لهم في الملمات وقضاء الحوائج.

تلامذته:

له تلامذة كثيرون من داخل المملكة وخارجها ونذكر بعضهم من الداخل وهم:

محمد بن عثيمين، فهد الحمين، عبدالله بن جبرين، عبدالعزيز الراجحي، مفلح الشمري، عمر العيد، عبدالعزيز السدحان، عبدالعزيز القاسم، عبدالله العتيبي، سليمان الثنيان، عبدالله بن قعود، عبدالعزيز السالم، راشد بن خنين، عبداللطيف بن شديد، صالح بن هليل، عبدالعزيز المشعل وغيرهم كثيرون.

مؤلفاته:

بالإضافة إلى الدروس والمحاضرات والندوات والمذكرات، فله مؤلفات كثيرة نذكر بعضها وهي: مجموع الفتاوى، فتاوى الطلاق، فتاوى نور على الدرب، الأجوبة المفيدة عن بعض مسائل العقيدة، التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج، الرسائل والفتاوى النسائية، رسالتان موجزتان في الزكاة والصيام، العقيدة الصحيحة وما يضادها، العلم وأخلاق أهله، فضل الجهاد والمجاهدين، وجوب الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، أدلة تحريم الأغاني والملاهي والرد على من أباحها، أربع رسائل في التحذير من البدع، أسباب نصر الله للمؤمنين على أعدائهم، الإسلام هو دين الله ليس له دين سواه، إقامة البراهين على حكم من استغاث بغير الله، التحذير من الإسراف والتبذير، تحفة الأخيار، التعليق على العقيدة الطحاوية، ثلاث رسائل في الصلاة، الدروس المهمة لعامة الأمة، رسائل في التوسل والتبرك بالقبور، رسالة في حكم السحر والكهانة وما يتعلق بهما، الركن الأول من أركان الإسلام، الشريعة الإسلامية ومحاسنها، عمل المسلم، فتاوى مهمة تتعلق بالعقيدة، كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وجوب الاعتصام بالكتاب والسُّنة، مسؤولية طالب العلم، واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم، وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجوب التوبة إلى الله وشكر النعم، الأخلاق الإسلامية، توحيد المرسلين وما يضاده، الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، نقد القومية العربية، نقد الاشتراكية، ردود وتعقيبات، الشيخ محمد بن عبدالوهاب، حاشية مفيدة على فتح الباري، موقف اليهود من الإسلام وفضل الجهاد في سبيل الله.. إلى غيرها.

معرفتي به:

أول لقائي بالشيخ عبدالعزيز بن باز كان سنة 1375هـ/1955م في موسم الحج، حيث كان ثمة حفل للإخوان المسلمين في فندق مصر، تكلم فيه «الشيخ محمد محمود الصواف، د.سعيد رمضان، الشيخ ابن باز» وآخرون.

وقد قام بعض رجال المخابرات المصرية الموفدين من الحكم العسكري بمصر بقطع الميكروفون عن المتحدثين، وأحدثوا بعض الشغب الذي سرعان ما أحبطه الإخوان ولله الحمد.

وقد أبرق الشيخ ابن باز إلى أمير مكة المكرمة طالباً منه اتخاذ اللازم تجاه أولئك المفسدين من العملاء المأجورين، ومشيداً بالإخوان المسلمين وجهادهم في مقاومة الطغيان العسكري ووقوفهم في وجه الظلم والظالمين، وجهادهم في فلسطين وقناة السويس وصبرهم على المحن في السجون في سبيل الله، وعملهم الجاد في نشر الدعوة الإسلامية وإصلاح النشء الجديد ومقاومة الفساد والإلحاد والتصدي للدعوات القومية والاشتراكية والعلمانية التي يتبناها حاكم مصر العسكري الذي انتصب لحرب الإسلام ودعاته والعاملين في سبيله مقتفياً أثر كمال أتاتورك.

وقد التقيت في الحفل نفسه أحد قدامى الإخوان الذين خُدعوا بالطاغية عبدالناصر وساروا في ركابه، ودخلت معه في حوار عنيف كيف كان وكيف هو الآن وكيف سيلقى الله بعد أن علق الطاغية إخوانه وزملاءه على أعواد المشانق، وهم العلماء والدعاة والقضاة والشيوخ والمجاهدون الأبطال، فأخذ يسوّغ موقفه ويفلسف ضعفه وخوره، حتى إنه شكاني حين عاد إلى مصر إلى بعض زملائي في الدراسة بأن تلميذي العقيل قد قسا عليَّ بالكلام وأنا أستاذه وفي مثل سن أبيه!

لقد كان هذا الموقف من الشيخ ابن باز وفيه صلابة العلماء وغيرتهم على الدعاة سبباً أساسياً في تعلقي به وزيادة حبي له، ومن ذلك التاريخ لم تنقطع صلتي به، وحين كنت في الزبير، وبعد أن استقر بي المقام في الكويت 1379هـ كنت أراسله وأزوره بين فترة وأخرى، وأحضر مجالسه.

ثم كانت عضويتي في المجلس الأعلى الاستشاري للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من سنة 1390هـ إلى سنة 1395هـ، وكذلك مشاركاتي في المؤتمرات التي تعقد بالرياض أو مكة المكرمة أو المدينة المنورة كمؤتمر الفقه الإسلامي ومؤتمر الدعوة والدعاة ومؤتمر الإمام محمد بن عبدالوهاب ومؤتمر التعليم ومجلس الرابطة التأسيسي والمساجد، وكنت ألتقيه فيها.

كما كانت زياراتي له في منزله بالمدينة المنورة والرياض ومكة المكرمة والطائف خير مجال للتزود من فيض علمه وسابق فضله.

ولقد كنت قريباً منه أثناء عملي كعضو في المجلس الأعلى الاستشاري للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قرابة خمس سنوات، حيث كانت لي معه لقاءات خاصة في منزله ومكتبه الخاص، فضلاً عن اللقاءات مع صحبه وتلامذته في بيوتهم وبخاصة في مزرعة الناصر للنخيل بالمدينة المنورة حيث كان له مكان مخصص يسمى «مجلس ابن باز».

وأذكر في سنة 1395هـ أنني عقب اجتماعات المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية أصبت بالتهاب شديد في الحبال الصوتية أفقدني الصوت، فما كان من سماحة الشيخ ابن باز إلا المبادرة بالاتصال بجدة لحجز موعد لي مع الدكتور المصري الزائر والمتخصص بالحنجرة، وسافرت في الحال وتم العلاج سريعاً بعد عملية جراحية ناجحة بفضل الله تعالى.

وأثناء عملي بالرابطة أميناً عاماً مساعداً كنت أسعد به في حضوره لاجتماعات المجلس التأسيسي للرابطة والمجلس الأعلى العالمي للمساجد، والمجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة، وكنت وغيري من طلبة العلم ومن العلماء المشاركين نستفيد الفائدة الجمة من آرائه وفتاواه ومداخلاته وأجوبته على المسائل وطرحه لحلول المشكلات، فقد كان متفتح الذهن حاضر البديهة مستجمعاً للأدلة، واقفاً على تفاصيل المسألة مستحضراً للشواهد السابقة، مقارناً بالواقع الحاضر، جاعلاً الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة المرجع الأساس لكل ما يعرض من قضايا وما يستجد من أحداث على مستوى الأفراد والجماعات والوقائع والبلدان.

وكان ـ رحمه الله ـ رجّاعاً للحق إذا استمع إلى وجهة نظر الطرف الآخر ووجد فيها الدليل القوي، بل كان أحياناً يُرجئ البتّ في موضوع ما حتى يوم الغد ليرجع إلى نفسه وإلى المراجع ويعود في اليوم التالي ليدلي بدلوه في المسألة على ضوء ما وصل إليه من بحث وتحقيق.

إن هذا النموذج الفذّ من العلماء هو الذي فرض احترامه على الجميع بفضل ما يتصف به من العلم الواسع والفهم الدقيق ومن التواضع الجم ولين الجانب للمخالف والتبسط معه حتى يقفه على الحق بأدلته ويناشده الالتزام بها.

ولم يكن يحبُّ الجدل أو التعصب الإقليمي والمذهبي ولا رفع الصوت أكثر مما يُحتاج إليه ولا المجاملة على حساب الدين ولا كتمان الحق ولا غيبة الأشخاص أو الجماعات أو تلمس الأخطاء واصطياد الزلات، بل كان يسوق المعاذير للمخطئ ويحمله على المحمل الحسن ويعتبره مجتهداً لم يُصب الحق، وكان يسوّي بين روّاد مجلسه ويعطي كل واحد منهم حقه في الحديث وإبداء وجهة النظر، ويكثر من السؤال عن أحوال جلسائه وخاصة ضيوفه القادمين من خارج المملكة ويستفسر عن أحوال المسلمين في كل مكان وعن مشكلاتهم وحاجاتهم وسبل عونهم ويهيب بالقادرين للمسارعة إلى عونهم ونجدتهم.

لقد كان سماحة الشيخ ابن باز رجل المواقف الصلبة الذي ينتصب للتصدي للأفكار المنحرفة والمبادئ الهدامة مهما كان مصدرها وأياً كانت الجهة التي تقف وراءها، وأذكر أنه في سنوات المد القومي والناصري الذي اجتاح العالم العربي، والموجة العارمة التي تبنتها الأنظمة والأحزاب العلمانية التي كانت تنادي بالعروبة بديلاً عن الإسلام، وقف الإمام ابن باز بكل صلابة وقوة في دروسه ومحاضراته أمام هذه الموجة التي كادت تعم بلواها شرائح المجتمع وفيهم بعض طلبة العلوم الشرعية، وأصدر كتابه القيم في نقد القومية العربية وتسفيه دعاتها من العلمانيين والصليبيين وبيان خطأ آرائهم وبطلان دعاواهم، وكذا تصديه للحداثة والعلمنة ومناهج التغريب في الأدب والشعر والدعوات العنصرية والمذهبية والحزبية التي أخذت في الانتشار في المجتمعات العربية، ونجاحه وسط الشباب وعلى صفحات الجرائد والمجلات، تسبب بفضل الله في انكماشها وانحسار تأثيرها وارتفاع صوت الأدب الإسلامي الهادف والاعتزاز بالإسلام نظاماً شاملاً لكل شؤون الدين والدنيا والآخرة.

وحين اشتد الظلم على المسلمين وتواطأت قوى الاستعمار العالمي على حربهم في فلسطين وأفغانستان والفلبين وكشمير وغيرها.. أصدر كتابه القيم عن ضرورة الجهاد للتصدي لهؤلاء البغاة والطغاة، وساق الأدلة من الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة، على أن الجهاد هو الفريضة الماضية إلى يوم القيامة وأن تركه يورث الذل والمهانة للأمة التي لن تقوم لها قائمة ما لم تعد إلى تطبيق هذه الفريضة، وهذه الشعيرة الإسلامية الواجبة.

ولم يكتف بالدروس والمحاضرات والكتب والنشرات، بل أهاب بالمسلمين عموماً أن يقفوا إلى جانب إخوانهم المجاهدين ودعمهم المادي والمعنوي وتوفير أسباب النصر من الدعاء الصادق لهم وشد أزرهم بالإسهام معهم في الجهاد وتقديم المال اللازم، وناشد المسؤولين وولاة الأمر النهوض بهذا الواجب فهو من أول واجباتهم وأولى مهماتهم لتكون الأمة كلها صفاً واحداً أمام من يريدون استهداف عقيدتها أو المساس بثوابتها أو الاستهانة بأرواح أبنائها وفلذات أكبادها. وكان لهذه المواقف الجليلة من شيخنا الجليل ابن باز أعظم الأثر وأفضل النتائج والحمد لله.

في الكويت:

ومن خلال عملي في الكويت حين كنت في رئاسة المحاكم أو إدارة الشؤون الإسلامية، كان سماحة الشيخ ابن باز يرسل إليَّ بعض القضايا التي تعرض عليه من أطراف النزاع والتي يكون بعض أفرادها في الكويت، لأقوم بتسجيل مقولاتهم وضبطها وأخذ البيانات التفصيلية عن واقعة الخلاف وأرسلها إليه في الرياض بمذكرة تفصيلية فيها بيان وجهة نظري في واقعة الخلاف وأطراف الخلاف بعد التحري اللازم عنهم، وكان رحمه الله يعتمد تصديقاتي وتصديقات الإخوة مثل: د. محمد الأشقر، ود. عمر الأشقر، ود. خالد المذكور، وغيرهم من إخواننا الثقات في الكويت.

كما كنت أكثر عليه من طلبات الكتب التي يحرص عليها طلبة العلم والدعاة، وكنت أعطيهم التزكيات اللازمة لسماحته ويقوم بإمدادهم بها لنشر العلم والمعرفة في بلدانهم، كما كان سريع الاستجابة في قبول الطلبة من جميع أنحاء العالم الإسلامي الذين نزودهم بالتزكيات اللازمة لدخول الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، أو لتفريغ الدعاة الذين تتوافر فيهم الشروط اللازمة للداعية المسلم، وكان يتكفل الشيخ ابن باز برواتبهم جزاه الله خيراً.

وكنا في إدارة الشؤون الإسلامية بالكويت نقوم بعملية التنسيق مع الرئاسة العامة للدعوة والإرشاد التي يرأسها سماحته بحيث نوافيهم بأسماء الدعاة المتفرغين من قبل إدارة الشؤون الإسلامية بالكويت وهم يوافوننا بدورهم بالدعاة المفرغين من قبل الرئاسة العامة وكذا الحال مع رابطة العالم الإسلامي.

وكان كثيراً ما يرسل إليَّ أسماء الجهات أو الأفراد الذين يطلبون المساعدة لأعطيه رأيي فيهم إن كنت أعرفهم فأوافيه بوجهة نظري من خلال معرفتي بهم على ضوء زياراتي الميدانية ولقاءاتهم والحوار معهم والوقوف على أحوالهم.

ومن خلال المؤتمرات التي عقدت بالمملكة وشاركت فيها بحضور سماحة الشيخ ابن باز كمؤتمر الإمام محمد بن عبدالوهاب بالرياض ومؤتمر المساجد ومؤتمرات رابطة العالم الإسلامي وغيرها، كان سماحة الشيخ يحثني على المشاركة في الرأي بل كنت أحياناً أعرض عليه وجهة نظري قبل أن أعلنها أمام الحضور لأسمع وجهة نظره فأصوب خطأها أو أستكمل نقصها أو أغير أسلوب عرضها، لمعرفتي بسداد رأيه وإخلاص نيته وحرصه على طلب الحق وتقديم النصح وهداية الخلق.

أما زياراتي الخاصة له في بيته ومكتبه والاستعانة به في طرق العلاج لما يواجه المسلمين من مشكلات خاصة وعامة في أقطارهم ومع حكامهم للأخذ بالحلول الحكيمة الناجحة في علاج هذه المشكلات فهي أكثر من أن تحصر، وكم أرشدنا للطرق السليمة التي يجب أن يسلكها الدعاة في تعاملهم مع الناس ومع ولاة الأمر، فقد كان ـ رحمه الله ـ لا يدع قضية قام الدليل على صحتها دون أن يواجه صاحب العلاقة بها وينصحه فيما يجب عليه عمله تجاهها سواء أكان المنصوح من عامة الناس أم من طلبة العلم، أو العلماء أو ولاة الأمر فالكل أمامه سواء، ولكن أسلوبه في النصح هو في السر بينه وبين المنصوح دون التشهير بالخطأ أو التعريض بالشخص.

كما أذكر له يرحمه الله مساهماته الفاعلة في نشاط طلبة البعوث الإسلامية الذين يدرسون في الجامعة الإسلامية وعنايته الكبيرة بهم وحضور اجتماعاتهم ومشاركتهم في أفراحهم وتقديم المساعدات لهم وسماع مشكلاتهم وجواب استفساراتهم وتوجيههم للدور المنوط بهم أثناء دراستهم الجامعية والمهمات التي تنتظرهم في بلدانهم إذا عادوا إليها بعد تخرجهم لأنهم محط الآمال.

ولا يمكن أن أنسى له مواقفه المشرفة من مساعدة أسر المعتقلين بمصر وسورية وحثه الناس على الإسهام في عونهم وشد أزرهم لأن الظالمين قد شددوا التضييق على هذه العوائل وأصدروا الأحكام القاسية على من يقدم لهم العون، ولكن هذا لم يفت في عضد الشيخ ابن باز في الوقوف إلى جانبهم وتقديم العون لهم عن طريق الثقات، بل إنه سعى لدى الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود للتوسط لدى طاغية مصر لعدم تنفيذ الإعدام في الشهيد سيد قطب وللإفراج عن السيدات المسلمات المعتقلات زينب الغزالي وحميدة قطب وأم أحمد وأم معاذ وغيرهن. وقد بذل الملك الشهيد جهوده ولكن الظالم أصم أذنيه وتعلل بمعاذير لا صحة لها.

تلك مواقف الإمام ابن باز الذي كان يعيش مع قضايا المسلمين ويسهم في رفع المعاناة عنهم قدر طاقته ودون تردد، وتلك ولا شك وظيفة العلماء الربانيين في كل عصر وجيل.

من أقواله: «إذا صدق المسلمون وتكاتفوا وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من العدة ونصروا دين الله، فالله يعينهم وينصرهم ويجعلهم أمام العدو وفوق العدو لا تحت العدو.

أهل الفلاح والنصر والعاقبة الحميدة، هم الذين عملوا الصالحات وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ونصروا الله عز وجل».

«وصيتي لكل مؤمن ومؤمنة العناية بالقرآن والإكثار من تلاوته، والحرص على حفظه أو ما تيسر منه مع التدبر والتعقل، ففيه الهدى والنور، فعلينا أن نُعنى بكتاب الله تلاوة وحفظاً وتدبراً وتفقهاً وعملاً».

«التعاون على البر والتقوى هو تعاون على تحقيق ما أمر الله به ورسوله قولاً وعملاً وعقيدة وعلى ترك ما حرم الله ورسوله قولاً وعملاً وعقيدة، وكل إنسان محتاج إلى هذا التعاون للنجاة في الدنيا والآخرة والسلامة من جميع أنواع الهلاك والفساد، وعلى حسب تساهله في ذلك يكون نصيبه من الخسران، فالكل بالكل والحصة بالحصة».

«اتقوا الله يا معشر المسلمين والمجاهدين في ميادين الحروب وفي كل مكان واصبروا وصابروا في جهاد النفس على طاعة الله وكفها عن محارم الله وفي جهادها على قتال الأعداء ومنازلة الأقران وتحمل المشاق في تلك الميادين المهولة تحت أزيز الطائرات وأصوات المدافع، وتذكروا أسلافكم الصالحين، فقد صبروا كثيراً وجاهدوا طويلاً ففتح الله بهم البلاد وهدى بهم العباد ومكن لهم في الأرض ومنحهم السيادة والقيادة بإيمانهم العظيم وإخلاصهم لمولاهم الجليل وصبرهم في مواطن اللقاء وإيثارهم الله والدار الآخرة على الدنيا وزهرتها ومتاعها الزائل».

قالوا عنه:

قال عنه مصطفى مشهور المرشد العام للإخوان المسلمين: كان لوفاة العالم الجليل الداعية العظيم عبدالعزيز بن باز أثره البالغ في نفوسنا، فهو عالم فذ حرص طوال حياته على قول كلمة الحق وبيان جوانب الإسلام العظيم، كما عمل على نصرة السنة والدفاع عنها والذود عن دعوة الإسلام والرد على شبهات المغرضين والكائدين للإسلام، كما وقف طوال حياته أمام الإلحاد والملحدين وقفات جادة صادقة.

إن فقد هذا العالم الجليل لهو خطب جلل وخسارة كبيرة لا على المملكة العربية السعودية بعينها، ولكن على جميع المسلمين في شتى بقاع الأرض.

قال عنه الشيخ د. يوسف القرضاوي: ودعت الأمة الإسلامية علماً من أعلامها الأفذاذ ونجماً من نجومها الساطعة في سماء العلم، علامة الجزيرة عبدالعزيز بن باز، الذي كان جبلاً من جبال العلم، وبحراً من بحور الفقه، وإماماً من أئمة الهدى، وعماداً من أعمدة الدين، وركناً من أركان الأمة؛ طالما استفاد من علمه المسلمون في الجزيرة والخليج وفي شتى بقاع الأرض، عن طريق اللقاء والمشافهة وعن طريق الكتاب والمراسلة، وعن طريق الهواتف والإذاعة وعن طريق الكتابة والصحافة وعن طريق الرسائل والشريط المسموع.

كان بيته مفتوحاً، ومكتبه مفتوحاً، وقلبه مفتوحاً، لكل ذي حاجة من أبناء المسلمين، مادية أو علمية، لا يغلق بابه في وجه أحد، ولا يضيق صدره بلقاء أحد ولا يدخر جهده في مساعدة أحد.

قال عنه الشيخ عبدالله بن منيع: إن الحديث عنه تنشرح له الصدور، وتتفتح له النفوس، ويحلو ذكره باللسان، أخذنا عنه العناية والدقة في إصدار القرار بالحكم أو الفتوى أو بالرأي، وأخذنا منه المرونة في النقاش وتبادل الآراء والوقوف عند الحقيقة والبعد عن التعصب للرأي.

قال عنه د. عجيل النشمي: الإمام الثبت الحافظ، جبل السنة، قامع البدعة، الشيخ عبدالعزيز بن باز، من المجددين في هذا العصر، الحافظين للأمة دينها، فقدت الأمة الإسلامية فقيهاً محدثاً مفسراً لغوياً من طبقة السلف الأخيار، الأئمة الأعلام، ورعاً وعلماً، مع جرأة في الحق ماضية لا تلين.

قال عنه الشيخ أحمد ياسين: كان ابن باز علامة ومرجعاً إسلامياً على النطاق العالمي، له باع طويل في الدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين، وهو على قدر كبير من العلم والتمسك بطريق السلف الصالح السائرين على منهج الكتاب والسُّنة في الدعوة الإسلامية.

ولن أنسى موقفه حين جاءه البعض يطلبون رأيه بالسلام مع إسرائيل، فأخرج لهؤلاء بياناً لحركة حماس جاء فيه: إن أرض فلسطين كلها أرض وقف إسلامي لا يمكن التفريط بها أو التنازل عنها. وهو عالم المرحلة الذي ترك بصمات واضحة في العصر الحاضر.

قال عنه عايض عبدالله القرني:

إن قام سوق العلم فهو كمالك

أو مد باع الزهد فالشيباني

أو غاص في التفسير قلت مجاهد

والفقه والتعليم كالنعمان

وإذا تزاحمت الوفود فحاتم

وكأحنف في الحلم والغفران

ويقول عبدالرحمن العشماوي:

هو قلعة العلما التي بنيت على

ثقة بعون الخالق المنان

وأمامها هزمت دعاوى ملحد

وارتد موج البغي والبهتان

وتطايرت شُبه العقول لأنها

وجدت بناءً ثابت الأركان

هو قلعة ظلت تحاط بروضة

خضراء من ذكر ومن قرآن

ويقول ناصر سعد الرشيد:

إمام جليل لا يقوم بحقه

من القول نثر أو يقوم به شعر

لقدجُمِّعت فيه الفضائل كلها

ففي قلبه زهد وفي ثوبه طهر

وبالسنة البيضاء يرفع رأسها

بكل مكان كي يكون لها نشر

تجافى عن الدنيا وهام بضدها

ومن يعشق العلياء فالجنة المهر

ويقول سعود الشريم:

شيخ العلوم أبو الأشياخ مجتهد

فذ أريب نجيب وصفه درر

قطب الحديث وطود يا أخا ثقة

طب القلوب له قدر ومعتبر

ند الزمان ولا مين يكذبني

في الحاضرين ولا ما أدعي هذر

لم يثنه ملل عن كل مكرمة

يدعو بها وكذا لم يثنه كبر

ويقول أحمد محمد الصديق:

يا إماماً قاد السفينة حيناً

في خضم الهدى يشق العبابا

كنت غوث الضعيف لا تتوانى

تسعف الأقربين والأغرابا

باذلاً للعطاء غير ضنين

عز من سار في خطاك جنابا

كنت سداً يحول دون الأعاصير

كما كنت في الظلام شهابا

ويقول أحمد عثمان التويجري:

ترجلت يا شيخ الفوارس بعدما

تسامت بك الأمجاد واستشرف الفخر

سيذكرك العلم الذي كنت نوره

ويذكرك القول المسدد والفكر

سيذكرك الخير العميم نشرته

ويذكرك الدرس المبارك والذكر

سيذكرك الأيتام كفكفت دمعهم

وواسيتهم براً فطاب بك البر

وفاته:

انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس 27 من محرم الحرام 1420هـ عن عمر يناهز التسعين عاماً، وصُلي عليه بالحرم المكي الشريف يوم الجمعة 28 من المحرم، كما صلي عليه صلاة الغائب في جميع مساجد المملكة وبعض المساجد في الدول العربية والإسلامية، وقد تم دفنه في مقبرة العدل بمكة المكرمة.

رحم الله شيخنا الجليل وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

المصدر