(الإسراء والمعراج) المعجزة الكَونيَّة الحِسيَّة الكُبرى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسراء والمعراج: المعجزة الكَونيَّة الحِسيَّة الكُبرى

مقدمة

لقد كانت رحلة الإسراء والمعراج إعلانًا عالميًّا بين أهل الأرض والسماء بأن خاتمَ النبيين محمدًا-صلى الله عليه وسلم- نبيُّ القبلتين وإمامُ المشرقَين والمغربَين، ووارثُ الأنبياء قبله، وقدوةُ الأجيال بعده.

وتبدأُ هذه الرحلة بقوله تعالى ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ (الإسراء: من الآية1) كما أنه في أعلى المقامات يقول عنه الحقُّ سبحانه ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ (النجم:10)، فالبداية تسبيحُ وتنزيهُ الله، وحمدُه، وشكرُ نعمه وآلائه، وتسبيحُ الله ألْيَقُ صفة تتناسب مع جوِّ الإسراء، وأعظم صفة بين العبد وربه، كما ذكر صفة العبودية في مقام الإسراء والعروج إلى الدرجات التي لم يبلُغْها بشر؛ لتظل هذه الصفة قائمةً، ولا يلتبس مقام العبودية بأي مقام آخر.

إن الجانب الإيماني في صلة العبد بربه، والعبودية الكاملة لله رب العالمين... هي أساس النصر في هذه الحياة، وهذا جانب مهم في حياة المؤمنين، فهم عبيدٌ لله وحده، للقوي القادر القاهر الذي لا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء.

الانتفاضة المباركة

تأتي ذكرى الإسراء والمعراج هذا العام وقد مضى على الانتفاضة المباركة في الأرض المقدسة ما يزيد على الثلاث سنوات من عمرها المبارك، الانتفاضة التي استمدَّت قوَّتها من عقيدة هذه الأمة، ومن وجدانها وتاريخها؛ ولذلك استطاعت أن ترد العدوان الصهيوني والمكر اليهودي، وأن تفضح التردد العربي واستسلام البعض وتخاذلهم، وخوفهم، وحرصهم على الحياة.

ولقد تعاطف معها كلُّ مسلم ومسلمة على ظهر الأرض؛ لأنها ثورة أرض الإسراء والمعراج، ثورة الأرض المقدسة، ثورة المسجد الأقصى، ثورة المستضعفين والمغلوبين على أمرهم، الذين أُهدرت دماؤهم وأعراضهم وأموالهم، وأُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ثورة كل شاب مؤمن، وفتاة مؤمنة، وأب موصول بالله، وأم مؤمنة عابدة ساجدة لقيوم السماوات والأرض.

مقدمات الإسراء والمعراج

إن رسالة الإسلام لا يملك مخلوق أن يعطلها، أو يوقف مدَّها ومسيرتها؛ لأنها دعوة الحق التي نزلت من مالك الكون وصاحبه جل جلاله، يحملها سيد الخلق وإمام الأنبياء، تحمل موازين العدل والسموّ، وقد أشربتها قلوبُ الصحابة، ومَن جاء مِن بعدهم، فعاش المؤمنون في كل عصر عليها، لا يرون في غيرها من المبادئ الأرضية نورًا يهدي سواء السبيل، دعوة الحق، حبيبة إلى كل نفس مؤمنة، ترى فيها حياتها وعليها مماتها، ومن كان هذا حاله مع الله، فما يضيره أن يكيد له الناس، أو يحاربوه، وما تُجدي حربهم له، وإيمانه في قلبه، وقلبه بين جنبيه لا سلطان لأحد عليه، إلا لربه.

وإذا أباح البعض لأنفسهم أن يعطلوا جوانب من هذا الحق، أو يحجبوها فهم- والدنيا كلها معهم- أعجز من أن ينالوا من دعوة احتلت سويداء القلوب المؤمنة، فغَدَت عندها أغلى وأعلى وأسمى من الحياة التي يعيش البعض من أجلها، فلا الأعداء على مدار التاريخ- من يوم أن نزلت على قلب سيد المرسلين- استطاعوا طمس أنوارها، ولا الدعاة إليها بتاركيها؛ لأنها عندهم الحياة ونبض الوجود والخلود، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ (الأنعام: من الآية122).

أرض الدعوة لا حدود لها

كلما آذت قريش رسول الله وصحابته في كل موطن التمس النصرة في موطن آخر، وكلما ضُيِّقت عليه في مكان نَشد الأملَ في سبيلٍ آخَر، فلا تغيير ولا تبديل في مسيرة الحق، ولا صمت ولا سكون عن الدعوة إلى الله والبلاغ، فأرض الدعوة كل أرجاء الدنيا، مكة، الحبشة، الطائف،...، وليس هذا فقط بل أرض الله الواسعة، ومهنة الداعية أن يعمل لدينه وإسلامه، وأن تنتصر دعوته في كل مكان، وهذا ما يجب أن يتصف به المؤمنون في كل عصر ومصر.

الإيمان والاضطِّهاد

وهناك ظاهرة لدعوة الإسلام تقول: إن مَن يضطَّهِدُها ويعارضها يخدمُها، فالمؤمنون لا يزدادون في الشدائد إلا تمسكًا بدعوتهم وحرصًا عليها وحبًّا لها، إن من يبذل جهدًا في حربها يُزيدها صلابةً، وينتصر لها كلُّ مَن له بصيرة، ويخدمها كلّ من يعاديها بإشاعة الأباطيل والأكاذيب، فيتلقَّف الناس الباطل المفضوح فينظرون فيه فيرونه زَيفًا وكذبًا وافتراءً، وهنا يتقدم هؤلاء لمناصرة الحق، والمحافظة عليه، ورفض الكذب.

قررت قريش أن تقول في أحد الأعوام للوافدين إلى مكة للحجّ شيئًا في أمر رسول الله، فاجتمعوا على أنه ساحر، واتفقوا على تخويف العرب منه وتحذيرهم من لقائه، واستقبلت الحُجَّاج على أبواب مكة تحذِّرهم من لقائه، فكانت النتيجة أنَّ كل مَن حذَّرته حرص على لقاء رسول الله والاستماع إليه، فكانت بكَذِبِها سببًا في انتشار الإسلام في القبائل كلها.

عام الحزن

هذه دعوة الله التي صبَّ على حَمَلتها في مكة الإيذاءَ والتشتيتَ والضربَ والتعذيبَ، والقتلَ والبطشَ، والمقاطعةَ العامة، في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات كاملة، وتعدّى هذا البلاء من الرجال إلى النساء والأطفال والشيوخ الكبير والصغير والعبد والحر، وأغلقت قريش عيونها وسدت آذانها، ووضعت الأقفال على قلوبها، وأكل الجميعُ ورق الشجر، ولم يجد بعضُهم ما يستر به عورته، وتعلقت القلوب بشيء واحد، بخالق الأرض والسماء، الذي لا يُعجزه شيء، وتمسكت بخالص الدعاء؛ حبًّا ورغبةً في عفو الله، لا تبرمًا ولا ضيقًا ولا سخطًا ولا يأسًا من الواقع المُحزن الأليم، وكان الصمود والإصرار والصبر والثبات والرضا...، حتى فكَّ الله عنهم الحصار.

وعاد المؤمنون إلى بيوتهم لمباشرة دعوتهم التي ما قصروا فيها أبدًا طوال هذه الأهوال، ثم فقد الرسول- صلى الله عليه وسلم- عمه الذي كان ينصره ويدافع عنه، وفقد خديجة أم المؤمنين- رضي الله عنها- ثم ذهب إلى الطائف فوقف رِجالُها الموقف المؤلم والمُحزِن، ولم يكتفوا بذلك بل سلطوا عليه العبيد والسفهاء يضربونه بالحجارة وينالون منه، وعاد- صلى الله عليه وسلم- إلى مكة ودخلها في جِوارِ مُشرك، وكانت رحلة التكريم العظيم في تلك الليلة.

شق الصدر

ومن الإعداد الإلهى لرحلة الإسراء والمعراج حادثة شق الصدر، فعن مالك بن صعصعة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حدَّثهم عن ليلة أُسرى به، قال: "بينما أنا في الحَطيم أو في الحِجر مضطَّجع بين النائم واليقظان أتاني آتٍ، فشقَّ ما بين هذه إلى هذه- يعني من نحرِه إلى شِعْرتِه- قال فاستخرج قلبي، ثم أُتِيت بِطِست من ذهب مملوء إيمانًا، فغَسل قلبي، ثم حُشي ثم أعيد" (أخرجه البخاري ومسلم والنسائي)، وقد تكرر هذا الأمر في طفولته- صلى الله عليه وسلم، وتلك حصانة يحفظ الله بها رسوله- صلى الله عليه وسلم-، وهذا من تدبير الله له ليُعدَّه لما ينتظره، من الأمر العظيم.

إن من يحمل الأمانات الكبرى، ويحوّل تاريخ البشرية، ويغيّر وجه الأرض، ويعدّل خط البشرية، يريد الله سبحانه أن يُحيطَه بالرعاية، ويحفظه بعيدًا عن المزالق التي تعطِّل الدعاة إلى الله عز وجلّ.

البعد الزمني للرحلة: إن الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- أُسرى به وعُرج، لقد ركِب البراق، وهو دابَّةٌ يضع خطوه عند أقصى طرفه، كأنه يمشي بسرعة الضوء، وكلمة "بُراق" تُشير إلى البَرق، أي إن قوة الكهرباء سُخّرت في هذه الرحلة لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم.

فقد ورد في البخاري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حُمل على براق يضع خطوَه عند أقصى طرفه، انطلق به بصحبه جبريل إلى السماوات السبع، فهذا البُراق يقطع المسافات الشاسعة في لحظات، مشتق من عالم الضَّوء والكهرباء، وهي تسميةٌ لها مغزىً عميقٌ، جاءت في عصر لم يكن أحد فيه يعرف شيئًا عن قوانين الضوء وسرعته، وطاقات الكهرباء وإمكاناتها (دراسة في السيرة: عماد الدين خليل), والحق أن الله سبحانه الذي هو صانع السُّنَن والقوانين يَهَب بعض عبادِه القدرة الخارقة التي يتمكَّن بها العبدُ من طبيعته الخاصة، فيصنع المستحيل.

ولقد عرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن دعوتَه ستنطَلِق في الأرض، وتصل إلى النيل والفرات، كما شاهد نهاية المشركين وعاقبة الطغاة، ورأى الجنة والنار، ووصل إلى سدرة المنتهى ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ (النجم:18)، وذلك هو الهدف من الرحلة، إنها آية من أعجب ما أُوتي الأنبياء والرسل، رسمت مسير الرسالة بما شاهد- صلى الله عليه وسلم- من آيات ربه، ولقد مسح الله بها كلَّ عناء لقيَه الرسول من آثار المشركين، وازداد علمًا بأن رسالته رسالةُ جهاد وكفاح وصبر، وإنها دعوة بلاغ وبيان ونضال لا تَعرف التوقُّف أو المهادنة،

وقضية الإسلام الكبرى تستهدف إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، وإنقاذ الإنسان من أيدي المستعبدين للبشرية، الذين يفرضون وجودهم على عباد الله، ويسخِّرونهم لقضاء شهواتهم، ويَحرِمُونهم من طعم الحرية والحياة، ويجب أن يعلم حملةُ الرسالة- من الذين وَرِثوا منهَجَه في الدعوة إلى الحق- أنَّهم يحملون أثقال ما حمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم... ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ (المزمل:5).

إن رسالة الإسلام عُقِد لواءُ انتصارِها على الطغاة والمعاندين في الأرض، في ظل سدرة المنتهى ليلة التشريف والتكريم، وما عُقد في السماء فلن يُحَلّ في الأرض.

إن الدعاة إلى الله اليوم وغدًا بأيديهم مفاتيح القلوب، أمانة يتقلدونها في أعناقهم؛ ليؤدوها إلى أهلها منهجًا وسلوكًا، وحبًّا وإخاءً... ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ (النساء: من الآية 58)، وليحذر حاملوا الأمانة من القعود عن تبليغ الرسالة ونشر دعوة الحق والنور والهدى، وعندها- لا قدر الله- لن يبقى لهم من هذه الأمانة إلا عبءُ التحمُّل ثم التقصير، ثم الحساب العسير في الآخرة، وبعد العودة من الرحلة بدأ- صلى الله عليه وسلم- في العمل لما هو أكبر من مكة، وأعظم من دائرة محدودة فكان يعرض نفسه على القبائل، ثم حدثت بيعة العقبة.

وتم اختيارُ أول مجلس شورى للمسلمين، في بيعة العقبة الكبرى، ثم فتح الطريق إلى المدينة وتمَّت الهجرة، وقامت الدولة الإسلامية، وبدأت السرايا، والتدريب على الجهاد وانطلقت رسالة الحقّ تخلِّص عباد الله من القهر والطغيان والاستعباد .. يقول "ربعي بن عامر"- رضي الله عنه-: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العبيد إلى عبادة الله وحده، ومن جَور الكُهَّان إلى عدل الإسلام، ومن ضِيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة".

واليوم قد أسفر أعداء الإسلام عن كيدهم، وظهر بوضوح الوجهُ الحقيقيُ لهم، وانكشفت تحدياتهم ومؤامراتهم، ألا إنه لأمر كبير وخطير أن يحتفل المسلمون بالإسراء والمعراج بينما أرض الإسراء والمعراج ومسرى سيد الخلق ومصلاه بالأنبياء ومنطلق عروجه إلى السماء أسير تحت سلطان الصهيونية الباغية!!، ألا إنها لكبيرة أشد أن يموت الحس الإسلامي عند الكثيرين من أبناء هذه الأمة، وأن ينام العالم العربي والإسلامي إلى هذا الحد، وتعيش الأمة على التفاهات!!.

إن رسالة الإسلام هي التي وهبت الأمة الحياة، وما كان لأبناء الإسلام أبدًا أن يقبلوا الهوان، أو يرضوا بالذل أو يقعدوا عن نصرة إخوانهم المظلومين، وعن تقديم العون لهم بكل ألوانه، إن الحق تبارك وتعالى يهددنا يوم أن نبخل ونقعد عن مجرد الإنفاق في سبيل الله، فكيف الحال وقد قعدنا عن كل شيء، يقول سبحانه وتعالى: ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد:38).

يا حكام العرب والمسلمين

إن عقيدتنا وتاريخنا ودماء شهدائنا وأعراضنا التي انتُهكت في كل مكان، وأنَّات أراملنا، وصرخات أطفالنا ومشردينا... تطالبنا جميعًا- إن كانت فينا بقيةٌ من حياة- أن نسارع إلى الترابُط والوقوف صفًّا واحدًا أمام الأعداء، كما تطالبنا بالإسراع بإعداد المجاهدين الصادقين، كما تطالبنا بل تفرض علينا أن نوحِّد صفوفنا، فيَدُ اللهِ مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ويجب إعطاءُ الحرية للأُمة، وإشراكُ الجماهير في مواجهة الأخطار والتحديات، وحسبنا دورُ المتفرج على مواكب الشهداء، وكأن الأمر لا يعنينا في شيء!!.

يجب أن يتحول دورنا جميعًا إلى دور الداعم والمعاون والداعي والمشارك، وكما يَفرض علينا الإسلام حكامًا ومحكومين أن نقفَ صفًا واحدًا في الصلاة خمس مرات خلْف إمام نقتدي به، ونصومَ جميعًا شهر رمضان، ونفطرَ في لحظة واحدة، ونتجهَ إلى قبلة واحدة، قرآننا واحد، ورسولنا واحد، ونعبد إلهًا واحدًا لا إله إلا هو...، كل هذه الأسس الدقيقة- التي وضعنا الإسلام في إطارها- تفرض علينا أيضًا أن نكون أمَّةً واحدةً.. ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء:92). وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم، والحمد لله رب العالمين.

المصدر