الفرق بين المراجعتين لصفحة: «وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لا ملخص تعديل
سطر ٨٩١: سطر ٨٩١:
'''الجزء الأول- 9'''
'''الجزء الأول- 9'''
   
   
=الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة ==
==الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة ==
   
   
حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 .  
حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 .  

مراجعة ٠٩:٠٣، ٢٦ فبراير ٢٠١٢

وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات
عرض – نقد - دراسة


بقلم:رفعت سيد أحمد

مقدمة

مع هبوط طائرة الإمام آية الله الخمينى يوم 31 يناير 1979 فى مطار طهران قادمة من باريس .. وإعلانه للجمهورية الإسلامية بإيران دخلت المنطقة العربية والإسلامية مرحلة جديدة من تطورها السياسى والحضارى

ومع انتهاء خالد الإسلامبولى ورفاقه من أعضاء تنظيم الجهاد الإسلامى من إفراغ رصاصاتهم فى صدور رجال المنصة يوم 6 أكتوبر 1981 , دخلت مصر مرحلة جديدة أخرى من تطورها السياسى والحضارى أيضا .

بيد أن دراسة واعية لما حدث , ينبغى لها أن تتعامل مع الحدثين ليس باعتبارهما حدين منفصلين تاريخيا ومكانيا عما سبقهما أو ظواهر سياسية منبتة الجذور , بل ينبغى لنا أن نتعامل معهما باعتبارهما جزءا من قضية كبرى يعيشها العالم العربى والإسلامى منذ عقود من الزمان يطلق عليها تارة " البعث الإسلامى " وتارة أخرى " الإحياء الإسلامى " وتارة ثالثة " الصحوة الإسلامية " وهى تعنى أيا ما كانت التسمية العودة إلى الإسلام الأصولى , ورفض النموذج الغربى , بكل تداعياته ومتشابهاته النمطية فى ديار المسلمين , بل والمقاومة المسلحة لهذا النموذج باعتباره خير ممثل " للباطل " و " لدار الكفر " وفق رؤية التيار الإسلامى الأصولى وأن مجمل عمليات المقاومة والنضال ضد هذا النموذج وممثليه هو ما يمكن تسميته بالإحياء الإسلامى وصولا إلى تحقيق العالمية الثانية للإسلام بعد اندثار عالميته الأولى بسقوط غرناطة عام 1492 على أيدى الصليبيين , أى أن محاولات الإحياء الإسلامى مستمرة منذ " 494 " عاما .

وما حدث فى العقد المنصرم ليس سوى حلقة من سلسلة متصلة من الحلقات والمحاولات حتى أن البعض يرجعها إلى سقوط " غرناطة " بل إلى موقعة " صفين عام 38 " للهجرة وسقوط خلافة على بن أبى طالب ويحصر النموذج الإسلامى فى نموذج الرسول والخلفاء الراشدين فقط .. ولكننا نميل إلى التعامل مع القضية باعتباراتها الحركية والصدامية مع الغرب , مع الأخذ فى الإعتبار البعد التاريخى , ومن هنا فإن سقوط غرناطة يعد تاريخا واقعيا للإستناد إليه فى تفسير محاولات الإحياء الإسلامى أو العودة المسلحة للأصول الإسلامية .

فى إطار هذه الرؤية التاريخية , يمكن التعامل مع حدث الثورة الإسلامية بإيران ومع حدث اغتيال السادات بأيدى الإسلاميين و باعتبارهما حلقة فى السياق الرئيسى لتاريخ الإحياء الإسلامى , وأنه حتى داخل هذه الحلقة كان هناك العديد من المقدمات , والتى وصلت أحيانا إلى عشرات السنين , وعشرات الأحداث السياسية والدينية والثقافية والإنقلابية والآف الشهداء , ومئات الدراسات والكتب والإبداعات وهى حلقة يمكن إرجاع بدايتها على الأقل بالنسبة للحدث الثانى " حدث اغتيال السادات " إلى عام 1798 عندما قدمت إلى مصر طلائع الحملة الفرنسية فى أول صدام مسلح بين الغرب وحضارته والإسلام وحضارته واستتبع ذلك العيد من الصدامات مع الغرب أو ممثليه المتغربين ( نخبة حاكمة أو مفكرين وسياسيين وأحزاب ) , حتى بعد أن انتقل ثقل الغرب حضاريا وسياسيا خارج القارة الأوربية إلى حيث الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة مع انتهاء الحرب العالمية الثانية , ظل أيضا الصدام قائما بل وازداد تكريسا وعنفا .

وفى هذه الدراسة يحاول الباحث فى النموذج المصرى عن "المقدمات " والمقدمات القريبة جدا من منظوره التاريخى للأحداث وهو بحث فى العقل , والفكر , أكثر منه بحثا فى الحدث والحركة السياسية , فالدراسة لا تذهب إلى الإجابة عن سؤال : ماذا حدث فى سبعينات هذا القرن داخل مصر مما أدى إلى اغتيال رأس السلطة السياسية بأيدى الإسلاميين الأصوليين ؟ فأغلبنا يعلم الإجابة عنه , ولكن الدراسة تحاول الإجابة عن , لماذا حدث ما حدث ؟

لماذا حدث اقتحام للكلية الفنية العسكرية فى عام 1974 بقيادة الدكتور صالح سرية الفلسطينى الأصل , ولماذا هدف إلى قتل السادات وإعلان الجمهورية الإسلامية فى مصر ؟

ولماذا تم تكفير الحاكم والمجتمع ودعوة المسلمين بداخله إلى الهجرة داخل الكهوف وشعاب الجبل , ثم اغتيال الشيخ حسين الذهبى بأيدى مسلمى التكفير والهجرة عام 1977 وبقيادة شكرى مصطفى ؟

ولماذا خطط عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد وعبود الزمر قائد التنظيم اليوم , لاغتيال السادات ونجحا فى ذلك فى 6 أكتوبر 1981 ولماذا أعلنا أن "الجهاد هو الفريضة الغائبة حتى الآن فى ديار المسلمين ولماذا كانت " إيران الثورة الإسلامية " هى النموذج المحتذى دائما ؟

ولماذا ؟

لماذا هذه التنظيمات الغاضبة التى رفعت راية التمرد فى وجه الجميع وماذا عن الرؤى السياسية لأصحاب الإتجاهات المخالفة لها فى مسألة تفسيرها وتحديدا الرؤى " الشيوعية والليبرالية والاسرائيلية ؟ وأين هذه التنظيمات من قضية الإحياء الإسلامى التى تتوالى خطاها فى مصر منذ مئات السنين ؟

هذه هى الأسئلة التى نبحث عن إجابة شافية لها ... ولأن ( النموذج المصرى ) هو خير نموذج تمثل روح الإسلام الحضارى وخير نموذج تولى ناصية الإحياء الإسلامى , والصدام المسلح مع الغرب , فإن إجاباته ولا شك تكون أدق وأعمق من النموذج الإيرانى أو التركى أو الأفريقى – إسلاميا – وعليه فهذه الدراسة تقصر التحليل على النموذج المصرى , ولكى تكون إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى " الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن إجاباته موضوعية , فإن الباحث يتجه مباشرة إلى "الوثائق " يقرأ فيها , ويبحث بين ثناياها عن الحقيقة , ومن هنا كانت وثائق التنظيمات السرية الإسلامية الخاصة .

بل والمكتوبة أحيانا بخط اليد هى المادة الخام التى نسجنا بها هذه الدراسة , والدراسة تنقسم إلى خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة , والفصول بدءا من الثانى إلى الخامس مجتمعة تعالج الفكر السياسى للتنظيمات السرية الإسلامية التى أسميناها " بتنظيمات الغضب الإسلامى " تمييزا لها عن سواها من التنظيمات الإسلامية , وايضا تحديدا لهويتها الحركية القائمة على الغضب المشروع أو الجهاد بمعنى آخر نقول هذه الفصول تعالج الفكر السياسي للتنظيمات من خلال رؤية تقوم على أربعة محاور هى ...

-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين .

-الرؤية للمجتمع القائمة تشكيلاته فى ديار المسلمين .

-الرؤية للبديل الإسلامى وحدوده ووسائل تحقيقه .

-الرؤية لمستقبل الإسلام السياسى .

  • ومن جملة هذه المحاور الأربعة تتشكل لدينا أبعاد الفكر السياسى لتنظيمات الغضب الإسلامى السبعينى , وذلك جمعه , فى إطار حلقة العصر الحديث من الإحياء الإسلامى التى بدأت قبل مائتى عام تقريبا أما الفصل الأول والخاتمة فيتجهان إلى رصد وتحليل قضية الإحياء بتنظيماتها وأفكارها المختلفة .
  • هذا ويود الباحث أن يؤكد على إيمانه ببعض القناعات الأيديولوجية قبل ولوجه فى موضوع بحثه :

فأولا : يؤمن الباحث بحتمية أن تراجع كل التيارات السياسية الرئيسية فى مصر وبالتحديد الإسلاميين والقوميين فى مواقفهم ورؤاهم السياية وحتى أحاسيسهم وعواطفهم السابقة , فالجميع للأسف يقع داخل إطار من السلفية الفكرية والحركية , ويتخاصم حتى مع تاريخه وذاته , ويقع أسير وثنية لا عقل فيها , ويعمل بأفق غير رحب وبعيد كلية عن الجماهير المسلمة التى تسبق حركتها العفوية فى أغلب الأحيان حركة هذه التيارات , وأهمية أن نعيد قراءة أنفسنا كل على حدة أولا تمهيدا لقراءتها مجتمعين ثانيا , أهمية بقاء لا أهمية ترف ونزهة .

ثانيا : يؤمن الباحث بأهمية الحوار بين التيارات الرئيسية داخل الحركة السياسية المصرية الإسلامى منها وغير الإسلامى , والحوار لا يعنى جدلا وهميا من مناقشات وهموم النخبة , أو جدلا فى قضايا " كالعلمانية " وأوهامها , فالحوار الذى نقصد , هو خلق دليل عمل مشترك فى القضايا المصرية , وتحديدا فى " قضية فلسطين " ... إن الحوار الذى نعنيه حوار حول مواقف ومعارك مشتركة , تقع الكلمات والمناقشات الباهتة فى نهاية سلم أولوياته , و" فلسطين " فى تصورنا هى المفتاح والمحك ونقطة اللقاء أو الفراق .. وهذه دعوتنا .

ثالثا : لا يجد الباحث غضاضة فى مراجعة مواقفه السابقة , وخاصة موقفه الفكرى والسياسى من الحركة الإسلامية السياسية عربيا ومصريا ... والذى تبدى فى بعض دراساته وكتبه , وتحديدا كتابى ( الدين والدولة والثورة دار الهلال – القاهرة 1985 والذى كان من قبل أطروحته للماجستير فى العلوم السياسية ) ( ولماذا أعدمنى نميرى , قراءة فى أوراق الشيخ محمود طه دار الف للنشر – القاهرة 1986 ) ودراساته فى مجلات " الموقف العربى واليقظة العربية " و " المنار " والتى توصل فى بعضها إلى إدانات فكرية وسياسية للحركة الإسلامية ... يرى الباحث الآن خطأ هذه الإدانات والتحليلات , ويسجل عن وعى وإيمان حقيقى , وبعد قراءة وتقصى دقيقين لتيارات هذه الحركة ولوثائقها ... أنها –فى أغلبها – من أنبل فصائل العمل الوطنى , وأكثرها صدقا واتساقا مع النفس , وأن الأخطاء التى تشوب عملها , يشاركها فيها باقى فصائل العمل الوطنى عربيا ومصريا من منظور أن الجميع يقع رغم إراداته داخل إطار سلفية المقاومة غير المبدعة للنموذج الغربى الثقافى والسياسى والإقتصادى ولذيوله المنتشرة كالوباء فى أوطاننا .

    • وبعد ... فهذه الدراسة ... مجرد اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ونتقبل عن رضا كل ردود الفعل التى سيثيرها والتى نتوقعها .. والله من وراء القصد .

الفصل الأول: تنظيمات الغضب الإسلامى ( دراسة خبرة السبعينات والثمانيات )


( الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة , فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه , فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك والحاكم والسلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولون عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم )

الإمام آية الله الخمينى

( من كتابه : الحكومة الإسلامية )

الفصل الأول: (تنظيمات الغضب الاسلامى: دراسة خبرة السبعينات والثمانيان)

"الغضب " ... طبيعة بشرية ؟ ... وهو أقرب لسلوك نفسانى منه إلى الأنماط الإجتماعية للسلوك البشرى ... ولكن ماذا يحدث عندما يتصل هذا الغضب ويتفاعل مع الدعوات الفكرية والسياسية الثورية ؟ ماذا يحدث على وجه التحديد عندما يرتبط بتنظيمات تدعو إلى رفض أنظمة الحكم بل وأنظمة الحياة المجتمعية القائمة جملة وتفصيلا ؟

لا شك أن النتيجة ستكون عميقة الأثر والخطورة .. وهذا بالفعل ما حدث مع الحركة الإسلامية فى شقها التنظيمى السرى خلال الحقب الماضية وعلى الأخص حقبى السبعينات ...وهذا الفصل داخل تلك الدراسة يتجه إلى رسم معالم ما حدث ... ولماذا حدث ؟ وهل سيتكرر أو لا ؟ من هنا سوف يتجه الفصل عبر مطلبين ( أو مبحثين ) إلى تناول رؤى الاتجاهات وممارسة , وإلى تقديم محاولة تفسيرية جديدة – نسبيا – للقضية لا تجد حرجا فى أن تغوص إلى الجذور , وتكشف جوانب ووثائق وأسرار لم تكشف بعد .. تميهدا لتقديم " المحرم " حتى اليوم من قبل أجهزة الأمن .. ونقصد الوثائق الكبرى لتنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات .. فماذا عن هذا جميعه ؟

المبحث الأول: (رؤية الاتجاهات السياسية المختلفة لتنظيمات الغضب الاسلامى)

أولا : الرؤية الماركسية لتيارات الغضب الاسلامى

تعد الرؤية اليسارية على وجه العموم والماركسية منها على وجه الخصوص , من الأهمية بمكان بشأن تفسير حركة الإحياء الإسلامى وظاهرة العنف التى تمارسها بعض تيارات الحركتين ( اليسارية والإسلامية ) وتصارعهما على نفس الجماهير , وأيضا وهذا هو الأهم نظريا , انطلاق الرية الماركسية للكون والعالم المحيط ولقضاياه المختلفة من رؤية متماسكة تحمل بناءها المعرفى والجدلى الخاص بها عكس العديد من المدارس الفكرية الغربية التى تعجز عن تقديم البديل التفسيرى المتكامل للعالم المحيط بها , من هنا تعد" الرؤية الماركسية " هامة للغاية لأنها تطرح نفسها كنقيض فكرى وعملى متكامل نسبيا فى مواجهة " الطرح الإسلامى " .

وفى سبيل ذلك نأخذ واحدة من أنضج وأحدث الرؤى الماركسية – والعلمانية – وهى رؤية الدكتور فؤاد زكريا والتى أوردها فى كتابه الهام ( الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة – الصادر عن دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – القاهرة 1986 ) ونأخذ هنا أهم وأبرز أفكاره التى تشخص تقريبا – وبرؤية يتفق أغلب الماركسين المصريين – الموقف من التيار الإسلامى وتنظيماته الغاضبة المعاصرة

يقول الدكتور فؤاد زكريا محددا رؤيته للتيار الإسلامى المعاصر :

( إن التيار الإسلامى المعاصر يتجاهل حين يصطدم بالواقع تاريخ هذ الواقع ودروسه من ناحية ويتصور خطأ بأن النصوص القرآنية والتراثية كافية وحدها لاثبات القدرة على مواجهة مستجدات هذا الواقع من ناحية ثانية .. أستطيع أن أقول إن الإنتشار الواسع للاتجاهات الإسلامية بشكلها الراهن إنما هو مظهر صارخ من مظاهر نقص الوعى لدى الجماهير .

ويؤكد الدكتور فؤاد على رؤيته هذه بضربه لنموذجى الثورة الإسلامية بإيران وحكم الشريعة الإسلامية السابق بالسودان أثناء حكم نميرى ويصل إلى نتيجة مؤداها أن أصحاب هذا التيار يدعون عادة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية كما حدث فى مصر خلال عام 1985 ولكنهم على حد قوله ( يرتكبون خطأ فادحا حين يركزون جهودهم على الإسلام كما ورد بالكتاب والسنة ويتجاهلون الإسلام كما تجسد فى التاريخ , وأعنى حين يكتفون بالإسلام كنصوص ويغفلون الإسلام كواقع ) , ويرى د. زكريا أن هذا الخطأ يزداد فداحة إذا أدركنا أن محور دعوتهم هو مشكلات الحكم والسياسة وتطبيق أحكام الشريعة وكلها مشكلات ذات طابع " عملى " لا يكفى فيه الرجوع إلى النصوص وإنما ينبغى أن يكمله على الدوام الاسترشاد بتجربة الواقع فنحن فى هذه الحالة لسنا إزاء مشكلة فلسفية أو كلامية نظرية بل إزاء مشكلة تنتمى إلى صميم الحياة العملية للإنسان ومن ثم كان تجاهل ما حدث طوال التاريخ الماضى وفى المحاولات المعاصرة للحكم الإسلامى , خطأ لا يغتفر " ويورد المؤلف بعد ذلك نماذج من العبارات التى تتكرر على ألسنة هذا التيار وتعبر عن خلط وغموض , ولكنها تمر دون مناقشة ودون تمحيص , حتى تشيع بين الناس وكأنها حقائق نهائية ثابته وضرب مثلا بعبارتى " الحكم الإلهى فى مقابل الحكم البشرى " وصلاحية أحكام الشريعة لكل زمان ومكان " وعن سبب ظهور هذه التنظيمات يرى ( بعد " ثلث قرن من القهر وتغيب العقل وسيادة سلطة سياسية لا تناقش , يصبح هذا الإنتشار أمرا لا مفر منه , وبعد ثلث قرن من السياسة المائعة المتخبطة إزاء , التيارات الدينية : المنع الشديد من جانب والتدليل من جانب آخر , الاضطهاد اللاإنسانى من ناحية والتقريب والترغيب من ناحية أخرى , يصبح من الطبيعى أن تبحث الملايين من الناس عن أقرب البدائل إلى نفوسهم وأقلها احتياجا إلى التفكير والجهد العقلى " ومن جملة انتقاداته إلى التيار الإسلامى يعيب عليهم المؤلف ( لتعصب لوجهة نظر دينية واحدة , بل لاتجاه أو طائفة أو جماعة معينة داخل وجهة النظر هذه ) وهذا يؤدى من وجهة نظره إلى تشوهات خطيرة للعقل , ليس أقلها ذلك الإنغلاق الفكرى الذى يوهم المرء بأنه وحده يملك بأنه هو وحده يملك الحقيقة كاملة وبأن كل من لا يسيرون فى طريقة على باطل )

ويختم الدكتور زكريا رؤيته الأولية هذه بنصيحة على هيئة شعار يراه ضروريا فى حياتنا الراهنة وهو شعار ( قليل من الشك يصلح العقل ) وهو يوجهه " إلى الألوف المؤلفة من الشباب المسلم داخل تنظيمات الغضب الإسلامى " ( ص 15 – 20 ) .

وفى مجال دراسته لحالة تنظيم الجهاد الإسلامى من خلال الرد على دراسة للدكتور حسن حنفى وعبر فصل " كامل بالكتاب " ( ص ص 47 – 116 ) يلخص د. زكريا رؤيته " لحالة تنظيم الجهاد " إنها تتسم بثلاث ظواهر سياسية :

الأولى : الدور الهام الذى تلعبه أخلاق الجنس فى تفكيرهم وانصراف قدر كبير من جهودهم إلى موضوع حجب المرأة عن المجتمع .

والثانية : هى سيادة الأمور الشكلية على تفكيرهم إلى حد أن يجعلوا من رأى رئيس الجمهورية فى زى المرأى سببا رئيسيا لقتله .

الثالثة : هى التجاهل التام لمسار التاريخ واتجاه التطور الإجتماعى بحيث يتمسكون بالزى الذى كان صالحا لزوجات الرسول ( صلعن ) فى مجتمع معين وبيئة معينة وعصر معين .

ويختتم الدكتور فؤاد زكريا نقده العام لتيار الأصولية الإسلامية ( كما يسميها ) بقوله ( أن بلادنا أصبحت الآن أمام خيارين كليهما أتعس من الآخر فأما أن تكتفى بفكر متقدم مستنير قادر على الفهم والنقد والتحليل , ولكنه عاجز عن الحركة وأما أن نسير وراء فكر متخلف قاصر فى فهمه ونقده وتحليله , ولكنه هو وحده القادر على التحرك , لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل أو فعل بلا فكر , وأحسب أنه لن يكون لنا خلاص إلا فى اليوم الذى يعمل فيه الذين يفكرون إلى المستوى الذى يتيح لهم أن ينقلوا فكرهم إلى حيز الفعل المؤثر الفعال أو يصل الذين يفعلون إلى المستوى الذى يدركون فيه قيمة الفكرالمتفتح والعقل المستنير ) . ( ص 116 )

وتنتهى رؤية الدكتور . فؤاد زكريا كنموذج لرؤية المدرسة الماركسية العلمانية , وإن كانت ماركسية الدكتور زكريا من النوع غيرالجامد الذى يصعب عادة التعامل معه والحوار مع أفكاره , فهى على العكس من ذلك وهذا سنحاوله بعد عرض باقى الرؤى .

ثانيا : رؤية العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى لتنظيمات الغضب الاسلامى

فى تصورنا ليست هناك فى النظر الإسلامى وتنظيمات الغضب بداخله , أخطأ من نظرة العلمانيين ذوى الاتجاه الليبرالى أمثال الدكتور فرج فودة وغيره من الذين أخطأوا مرتين , المرة الأولى فى فهمهم للعلمانية التى يحملون لوائها والتى نتصور أنها ليست فكرة أو نظرة أو أيدلوجية محافظة إذ لابد وأن تكون العلمانية ( لكى تتسق مع نفسها وتاريخها وسياقها الحضارى الذى أتت منه ) ثورية وغير محافظة لأنها عندئذ سوف تكون مختلفة وخاطئة فى كل نتائجها وأحكامها , هذا هو الخطأ التاريخى الأول , أما الخطأ الثانى فيبدو جليا حين يعاملون الإسلام بتياراته وقضاياه وجماهيره بتعال وضيق أفق منقطع النظير وبغباء أحيانا , ولنتأمل رؤية أحدهم معبرا عن حزبه العائد من أنقاض الماضى وبدفع أمريكى ملحوظ , لنتأمل رؤية الدكتور وحيد رأفت نائب رئيس حزب الوفد الجديد والمنشورة فى أعداد جريدة الوفد أيام 5-6 و12-6 و19-6-1986 والتى خصص أغلبها عن الجماهيرالدينية " ( ويلاحظ هذا إصراره على استخدام كلمة الجماعات الدينية وليس الإسلامية وهو إصرار يكشف عن نوايا . وحيد رأفت المفرطة فى غربيتها ومحافظتها وكاثوليكيتها ) وبدون استطراد فلقد جاء فى تلك المقالات ما يلى :

( حققت الجماعات الدينية نصرا ملحوظا فى موضوع تطبيق الشريعة الإسلامية عندما عدلت المادة الثانية من الدستور الحالى ( 11 سبتمبر 1971 ) وذلك للنص فيها فى عام 1980 على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وليست مصدرا من مصادره . ( الوفد ص 7 بتاريخ 21-6-1986 ) .

وفى موضوع آخر يقول د. وحيد رأفت :

( غير أن الجماعات الدينية ولا سيما المتطرفة لا تكتفى بهذا القدر بل تطالب أن يكون لها دور أو قول فى تصريف الشئون العامة ... وذلك سواء بالسماح لها بتشكيل أحزاب دينية , وهو ما يرفضه قانون الأحزاب سدا للذرائع وحرصا على الوحدة الوطنية من التمزق أو سواء باختراق بعض الأحزاب السياسية كما حدث بالنسبة إلى " الأحرار " الذى يتحول تدريجيا إلى حزب للأحرار والإخوان المسلمين بعد أن تولى الشيخ صلاح منصب نائب رئيس الحزب وانخراط عدد من أعضاء الجماعات الدينية فى عضويته ويشاركون فى إصدار جرائده : ( الوفد ص 7 بتاريخ 12-6-1986 ) .

وفى مقال آخر يقول د. وحيد رأفت :

( إن الحكومة أو الدولة التى نخشاها ونرفضها ليست تلك التى يتولاها رجال مدنيون يحكمون بما أنزل الله وقرره رسوله وإنما تلك التى يسيطر عليها رجال الدين هم أو علماؤه أيا كان وضعهم لأن الحكم سياسة تحتمل الخطأ والصواب , ولأن الحكام من رجال الدين أو من فقهائه سوف يدعون لأنفسهم آجلا أو عاجلا الحق المطلق فى تفسير أحكام الدين والدنيا وقد اقتضت حكمة الخالق أن تظل السلطة بيد المسلمين وممارستهم لها طوال أربعة عشر قرنا ذات طابع مدنى يتولاها رجال مدنيون فلم يحدث فى صدر الإسلام أو بعده أو تولى رجال الدين أو علماؤه أو فقهاؤه الحكم أو مارسوا عملا ربما باستثناء سيدنا محمد ) . (الوفد ص 7 بتاريخ 19-6-1986 )

وفى سبيل تشخيصه لظاهرة الجماعات الإسلامية يقول الدكتور وحيد رأفت : ( فى داخل سجون وزنازين الدكتاتورية الناصرية نشأت جماعات الإرهاب الدينى بعد تعرضها لصنوف من التعذيب والانتهاكات الفجة لآدمية الإنسان ) . ( الوفد ص 7 بتاريخ 5-6-1986 ) .

وبغض النظر عن قصور ومحدودية رؤية الدكتور وحيد رأفت الذى سبق له من قبل أن وصف كامب ديفيد بأنها من أعظم إنجازات السادات وأنه يوافق عليها , فإن الإنصاف يدفعنا إلى القول أن التجديد الإسلامى والإحياء أوالبعث الإسلامى فى أرجاء المجتمع الإسلامى المعاصر وتواليها جيلا بعد جيل , قصر الإحياء الإسلامى على أنه نشأ فى سجون الدكتاتورية الناصرية يعكس قصورا فى الرؤية من ناحية , وسوء نية وقصد من ناحية أخرى , وهو حال الدكتور وحيد رأفت وغيره , من ممثلى التيار العلمانى الليبرالى العائد مع الهجمة الغربية الأخيرة على مجتمعاتنا الإسلامية .

ثالثا : رؤية الإسلام المحافظ لتيارات الغضب الإسلامى

ونأخذ كنموذج لأصحاب الإتجاه الإسلامى " الليبرالى " إن جاز المصطلح أو المحافظ كما يحلو للبعض أن يسميهم , نأخذ رأى الكاتب الإسلامى الشهير خالد محمد خالد , والذى يلخص فيه وجهة نظره التى سبق أن فصلها فى عدد جريدة الوفد الصادر يوم 31 يوليو 1986 ثم عاد وأوجزها فى عدد الوفد فى 3 أغسطس 1986 والتى تذهب إلى رفض منهج ومنطلقات وأساليب تنظيمات الغضب الإسلامى فى استخدام العنف كوسيلة مثلى لتحقيق المجتمع الإسلامى المنشود , ويدعوهم إجمالا إلى اتباع أسلوب ( حزب الوفد الجديد .... ) فى مجال الديمقراطية والدعوة بالتى هى أحسن وهو كما سنرى يخلط كل الأوراق وكل التيارت والدعوات ويضعها جميعا فى سلة واحدة هى سلة العنف والغضب الإسلامى غير المشروع فى سبيل إيضاح رؤيته يقول خالد محمد خالد :

( أما عن التيار الإسلامى , فأردت أن أقول : أن الإسلام اليوم فى مفترق الطرق ... وأن المتربصين به اليوم أكثر عددا ومكرا ومزاحمة من الذين تربصوا به فى غابر الأيام .

وهذا يفرض على كل مسلم – تابعا كان أو متبوعا – ألا يكون , "الثغرة" التى يدخل منها مكر الماكرين . وكيد الكائدين من أعداء ديننا وخصومه ولن يتأتى ذلك لأى مسلم تجرفه العجلة , وسوء الفهم و الرغبة فى العدوان .

  • ماذا أفاد الإسلام من الذين اختطفوا وقتلوا الشيخ الذهبى و رحمه الله ورضى عنه .. بل ماذا كسبوا هم من هذه الجريمة البالغة المدى فى النذالة والإجرام ؟ ( يقصد بالقطع تنظيم شكرى مصطفى – 1977)

وماذا أفاد الإسلام من جرائم المنيا , وجرائم أسيوط ؟ إذا كان هؤلاء " يؤمنون حقا بالله وبرسوله .. فهذا هو الله – جل جلاله – يقول لهم : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا , فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ... ولعنه .. وأعد له عذابا عظيما " ...و هذا رسوله – عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام " يقول : " من أعان على قتل مسلم – ولو بشطركلمة – لقى الله ومكتوب بين عينيه : " آيس من رحمة الله " سيقول بعض دعاتهم ما هؤلاء الذين نهدر دماءهم بمؤمنين ولا مسلمين ( يقصد تنظيم الجهاد 1981 ) والجهل حظك إن أخذت العلم من غير العلم .

ولكن الرسول يسألهم كما سأل من قبل أفضل منهم وأزكى " هلا شققت عن قلبه ؟ "

ثم يقول لهم : " أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم "

مع أنهم كانوا منافقين – لا فى السلوك – بل فى العقيدة نفسها . وفى الإيمان ذاته ؟

ثم يقول خالد محمد خالد فى موضع آخر :

( إن الإنسان ليقف أمام بعض تصرفاتهم ذاهلا حائرا فمثلا – عندما ترى أجهزة الأمن أن محاضرة ما .. فى ليلة ما ... وفى مسجد ما ستثير اضطرابات محتملة ... وساء كانت معلوماتهم صحيحة أم مغلوطة ...فأى بأس فى تفادى الاصطدام بها ... وإلغاء المحاضرة فى هذا المكان . وهذا الأوان ؟

خاصة حين نذكر أن هذا ليس سلوكا عاما لها تجاه كل المساجد , وكل العظات والمحاضرات ؟ ( يقصد المحاضرة التى أصر الدكتور عمر عبد الرحمن على إلقائها بأحد مساجد المنيا )

وفى عام 1942 , رشح الإمام الراحل الأستاذ حسن البنا نفسه فى الإنتخابات عن دائرة الإسماعيلية ... وكان فوزه الساحق مؤكدا ... وكان سيصير فى البرلمان " أمة " وحده ... ودعاه النحاس باشا رئيس الوزراء يومئذ لمقابلته ... وخلال هذا اللقاء صارحه النحاس باشا بالظروف والإعتبارات التى تهيب بوطنيته أن يتنازل عن ترشيح نفسه ... واقتنع الإمام المرشد بوجهة نظر رئيس الحكومة بدليل أنه انسحب من الترشيح ... وتحولت دا رالإخوان بالحلمية إلى مأتم كبير ... زحف عليها الإخوان من كل صقع ونجع , مصممين على رفض هذا الإنسحاب . وقضى الأستاذ " البنا أياما وليالى , محاولا إقناعهم ومذكرا إياهم بصلح الحديبية الذى انطوى على غبن مثير للمسلمين .. ومع ذلك أسماه الله فيما بعد " فتحا مبينا " .

وبالفعل كان تنازل الإمام المرشد فتحا مبينا لدعوة الاخوان .. فقد أتاحت لهم الحكومة كل فرص الدعوة , والذيوع , والإنتشار حتى لم يبق فى مصر كلها بيت ليس فيه واحد أو أكثر من الإخوان.

هنا – عضوية مجلس النواب ... وليست مجرد محاضرة عابرة .

ومن هذا العضو ؟ إنه " حسن البنا " وليس زيدا أو عبيدا من الناس .

يتنازل فى هذه . وينسحب فى حكمة ...ولا يخلق مشكلة فى موقف كان لابد أن يقضى إلى أضخم مشكلة ) .

ثم ينصحهم خالد محمد خالد قائلا :

( على فصائل العنف فى التيار الإسلامى وعلى دعاتهم ومحرضيها . إدراك أن خطرهم على الاسلام وعلى الوطن لا يقل – إن لم يزد – عن الأخطار التى تزحف من أعدائه فى الخارج .

وعليهم إدراك أنهم لو قتلوا مائة أو مائتين , أو ألفا من معارضيهم وشاجبى عنفهم , والمفسدين .. لن يسقطوا بعنفهم وبقتلهم نظاما .. ولن يغيروا مجتمعا .. وسيدخلون من السرور على أعداء الإسلام نفس القدر الذى سيدخلونه على دينهم , ووطنهم ,ومواطنيهم من الهم والكرب والفجيعة ليس هناك لخدمة الإسلام اليوم , صحوته المباركة , سوى سبيل واحدة – هى البلاغ والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة .

وكل من دعاكم – أيها الشباب المسلم – لغير هذا فاعلموا أنه مريب

  • وتنتهى رؤية أو دعوة – إن شئنا الدقة خالد محمد خالد إلى تيارات الغضب الإسلامى والتى نفهم منها أنه يعتبرها مرضا وخطرا أصاب الإسلام ولا يزال يهدد مستقبله .

رابعا :الرؤية الاسرائيلية لتنظيمات الغضب الاسلامى فى مصر السبعينات

مما لا شك فيه أن الرؤية الإسرائيلية لقضايا وأزمات وظواهر مجتمعنا السياسية والإقتصادية والدينية بوجه عام من الأهمية بمكان , إذ أن تشكيل رؤانا ومفاهيمنا نحن لهذه المشاكل لا يقدر لها الاكتمال والتبلور النظرى الصحيح إذا لم يأخذ فى حساباته ونطقه , تلك الرؤية التى غالبا ستأتى بجديد , لأنها تأتى من خصم ونقيض حضارى لنا .

  • من هنا كان للرؤية الإسرائيلية لمسألة البعث الإسلامى المعاصر ولقضية تنظيمات الغضب الإسلامى ودورها ونطاق حركتها و أهمية خاصة ومتميزة وفى هذه الصفحات , نستعير أهم وأنضج هذه الرؤى – بشهادة المراقبين والمتخصصين – والتى أتت كفصل مستقل فى كتاب ( النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ) والذى أصدره مجموعة من الكتاب والمفكرين الصهاينة هم ( عمى ايلون – يسرائيل التمان – حجازى أرلينخ – أهود توليد أنو – مارتين كرامر ) وهو صادر عن معهد شيلوح للأبحاث بتل أبيب عام 1982 أى بعد اغتيال السادات بعدة شهور تقدر كما قال المؤلفون فى مقدمة كتابهم بالعشرة أشهر . ولقد قامت الهيئة العامة للإستعلامات مشكورة – بترجمة هذا الكتاب فيما بعد عام 1985 ونعرض بإيجاز للفصل المخصص للمعارضة الإسلامية إبان حكم السادات الفصل الرابع والذى كتبه " يسرائيل التمان " أحد كبار المتخصصين فى الحركة الإسلامية المصرية داخل معهد شيلوح , والفصل بعنوان : ( تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر ) يبدأه الباحث بمقدمة عن هذه المعارضة وملخصا فيه خطة بحثه وتصوره كيهودى إسرائيلى – لهذه المعارضة وجاء فيها ما يلى :

البعث الإسلامى نقطة البدء :

1- إن ظهور تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر كقوة معارضة للنظام السياسى المصرى جاء فى إطار ما سمى بالبعث الإسلامى .

وإن هذا البعث أثبت المدى الذى تمثله الرموز الدينية كقاسم مشترك وثقافى واسع فى المجتمعات الإسلامية ومدى استخدام ههذ الرموز كوسيلة فعالة للتعبئة السياسية .

ويقول : ( هناك ثمة جديد فى ازدياد أهمية تنظيمات المعارضة الإسلامية فى مصر خلال السبعينات وليس هناك جديد فى ظهور حركات وتنظيمات حاولت تحويل قوة الإسلام إلى عقيدة سياسية وإلى أداء لبلورة ( هوية) قومية وإلى تغيير اجتماعى , وإلى مواجهة تحديات المدنية , فقد كانت بدايتها قبا أكثر من خمسين عاما .

وينبغى النظر إلى ظهور هذه التنظيمات أولا قبل أى شىء على أساس الأزمات التى أدت إلى تغلغل الغرب وأساليب المدنية فى المجال الإجتماعى والإقتصادى والثقافى والنفسى . ورد العالم الإسلامى بصور عديدة على هذه التحديات التى واجهته من تغلغل الغرب والأساليب المدنية ردا علمانيا اعتبر الدين عائقا أما التغيير الإجتماعى والتطور , ولذلك كان البعض ينادى بالعلمانية والتطبع بالطابع الغربى والتخلى عن التقاليد الإسلامية وهناك رد فعل محافظ تقليدى يتمسك بالتقاليد والإسلام على حسب ما تطور عبر الأجيال ويرفض المدنية والتطبع بالطابع الغربى والتغيير وهناك رد الفعل الذى يطلق عليه اسم " التعصب الدينى " الذى لا يعتبر الدين عائقا بل يعتبره دافعا للتغيير الإجتماعى ويتطلع نحو مدنية ليست ضد الدين بل عن طريق مواصلة الإصلاحات فى الدين نفسه .

2- ثم يقول فو موضع آخر : ( ويعتبر التعصب الدينى وجهة نظر شاملة يتوسطها التطلع نحو إعادة – وإقامة ما فهم على أنه الإسلام الأول الطاهر , ليقام على أساسه المجتمع الإسلامى المتحد القوى العادل المتحضر .

إذ تصارع التعصب الدينى ضد التيار العلمانى والمتطبع بالطابع الغربى وكذلك أيضا ضد الإتجاهات المحافظة والمنغلقة إزاء التطوير والإصلاح وهى الأمور التى تتحدد عندها الدوائر التقليدية .

إن التنظيمات السياسية ذات الأيدلوجية الدينية المتعصبة ظهرت فى مصر خلال السبعينات وكانت هى الإطار الأساسى للرفض من أجل التغيير والمعارضة للنظام الحاكم .

ومن البديهى أنه ليس كل من ينادون بالأفكار الدينية المتعصبة قد اتجهوا للعمل السياسى أو كانوا أعضاء أو مؤيدين للتنظيمات الإسلامية المعارضة.

ويجب علينا النظر لهذا التطور على أنه رد فعل للخطوات العلمانية والتنمية والمدنية والتغييرات الإجتماعية والثقافية فى عهدى عبد الناصر والسادات .

وهى تعد أيضا انعكاسا لخيبة الأمل التى سادت العالم العربى والإسلامى فى نهاية الستينات نتيجة لحرب 1967 و" الإنتماءات الأيدلوجية " العلمانية وعلى رأسها الانتماء القومى الليبرالى وكذلك الاشتراكية بمختلف أشكالها والمجتمع العربى والإسلامى ومشكلاته .

وكانت خيبة الأمل هذه كبيرة وبصفة خاصة فى مصر . حيث جاءت نتائج للحرب على عكس التطلعات التى كانت معلقة على الناصرية .

3-* ويعدد المؤلف اليهودى أسبابا أخرى قائلا : وتساعد فى ذلك حقيقة أن السادات فى أثناء حكمه اعتبر قوى الإسلام المتعصب عصرا إيجابيا من ناحية المصالح الشاملة لنظام حكمه كما أنه ساهم أيضا فى زيادة قوتها عندما فضل الإستعانة بها ضد خصومه اليساريين " الذين اعتبرهم الخطر الرئيسى المهدد لنظام حكمه " ومنحها قدرا ملموسا من حرية العمل وتنظيم نفسه .

ويؤكد المؤلف أنه كان للمعسكر الدينى المتعصب منقسما ومتنازعا فيما بينه على الرغم من القاسم المشترك الأيدلوجى الذى كان مقبولا لدى معظم أطرافه على أساس الفرق الملموسة فى وجهات النظر وأساليب العمل وبين التنظيمات التى يضمها يمكن ملاحظة ثلاثة أنواع رئيسية :

-"الإخوان المسلمين " وهى حركة سياسية عملت على تغيير النظام السياسى والإجتماعى وإعادة تكوينه من جديد حسب نماذج إسلامية وبصفة خاصة بوسائل سياسية وتعليمية وعن طريق الإصلاح والتطور التدريجى وتنظيمات سرية بدأت من نقطة انطلاق دينية متعصبة ولكنها طورت وجهات نظر فوضوية ومثالية وعملت على تغيير النظام القائم بنظام إسلامى مثالى مستخدمة أساليب العنف .

-" الجماعات الإسلامية " التى قامت فى الأصل فى بداية هذا العقد بموافقة من النظام الحاكم وتشجيعه بهدف محاربة نفوذ اليسار والناصريين بين الطلبة ولكنها تحولت تدريجيا إلى قوة معارضة رئيسية .

وكانت جماعة الإخوان المسلمين من وجهة نظره , حتى سنة 1954 أهم معبر عن الإسلام الشعبى المعارض فى مصر , وخلال السنوات التى أعقبت ذلك مرت بتغييرات , فبعضهم اندمج فى جهاز السلطة المصرى وآخرون اندمجوا فى مؤسسات بالدول العربية وخاصة دول الخليج وتفككت الحركة فى مصر وانهارت تحت الضغط الناصرى , وبدأت تعيد إصلاح نفسها قبيل نهاية الستينات .

فخلال النصف الأول من السبعينات كان الإخوان المسلمون العنصر السائد فى المعسكر المعارض الإسلامى وأما التنظيمات الثورية فقد كانت ثانوية وكان تأثيرها محدودا .

-ويضع المؤلف بعد ذلك " تنظيمات الرفض الإسلامى " كنموذج ثالث للمعارضة الإسلامية .

4 – ثم يختم رؤيته قائلا : وبصفة عامة كانت المعارضة الإسلامية معتدلة نسبيا , فقد انعكست معارضة الإخوان فى انتقادهم لظواهر مختلفة فى المجتمع المصرى , ولكنهم بصفة عامة لم يعترضوا على سلطة نظام الحكم هذا أو حقه فى الوجود . إلا أن الصورة تغيرت قبل نهاية هذا العقد .

فقد أدى ظهور " الجماعات الإسلامية " ثم تنظيمات الرفض كعنصر رئيسى معارض والتطرف الذى تميزت به مواقفها وأنشطتها إلى انتقال مركز الثقل فى معسكر المعارضة الإسلامية إلى العناصر المتطرفة .

5- وعن التنظيمات يرى المؤلف : إن ظاهرة نشأة التنظيمات المتطرفة السرية التى تعمل على هدم النظام القائم لا تتميز بها نهاية هذا العقد فقط , فهذه التنظيمات ظهرت فى أوائل السبعينات وتأثيرها كان حينئذ ضئيلا نسبيا وأخذ فى التزايد فى نهاية هذا العقد .

وكانت هذه التنظيمات صغيرة بصفة عامة , وعدد أعضاء كل منظمة لم يزد بصفة عامة عن عدة عشرات , وأهميتها كانت تتمثل فى قدرتهم على زعزعة استقرار النظام الحاكم بتنفيذ أعمال إرهابية وتأثيرهم المتطرف على الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية .

إن هذه التنظيمات المتطرفة نشأت نتيجة للإنشقاق عن الإخوان أو كتطور من داخل جماعة إسلامية ,وكانت علاقاتها بالإخوان والجماعات كثيرة وكان تأثيرها ملموسا .

6- وعن أول التنظيمات المتطرفة منوجهة نظر المؤلف :

ويعرف أكبر وأشهر أنواع هذه التنظيمات باسم " جماعة التكفير والهجرة " أى الجماعة التى تتهم المجتمع بالكفر وتدعو للإنفصال عنه . وكان زعيم التنظيم أحمد شكرى مصطفى , من بين الأعضاء النشطين للإخوان المسلمين والذين تم اعتقالهم فى أعقاب اكتشاف التنظيم السرى سنة 1965 ( وهذه المعلومات ليست صحيحة بإطلاق , حيث شكرى مصطفى لم يكن عضوا بجماعة الإخوان المسلمين ) .

7- وفي موضع آخر يقول المؤلف : وفى يونيو سنة 1974 أعلنت الحكومة عن اكتشاف تنظيم سرى آخر مرتبط " بحزب التحرير الاسلامى " وهو تنظيم أقيم بالضفة الغربية فى اوائل الخمسينات بواسطة فلسطينيين انشقوا عن الإخوان المسلمين , وأقاموا فروعا فى سوريا ولبنان ودول عربية أخرى .

وألقى القبض على عشرات من أعضاء هذا التنظيم فى فبراير سنة 1975 بتهمة إعداد منشورات تدعو لإسقاط نظام الحكم وتأسيس الخلافة .

وتصدرت العناوين فى سنة 1975 ظهور تنظيم متطرف آخر يطلق عليه " جماعة المسلمين للتكفير " والمعروف أيضا بجماعة السماوى على اسم مؤسسه , وزعيمه الشيخ طه أحمد السماوى وذلك عندما تم القبض على عدد من أعضائه بتهة إشعال النيران فى مسجد السيد البدوى بطنطا – وهو مكان هام لتكريم الأولياء – بعد أن نجحوا فى الإعتداء على العديد من المواقع الأخرى .

وكانت قاعدة التنظيم حينئذ فى الزقازيق .

واتضح قى أعقاب اغتيال السادات أن هناك تنظيما بهذا الاسم يعمل فى نجع حمادى وأن كلا من عبود الزمر ( أحد زعماء الجماعة التى خططت لتصفية القيادة المصرية والقيام بثورة ) وخالد شوقى الإسلامبولى ( قاتل السادات ) كانا أعضاء فى هذا التنظيم بنجع حمادى حيث نشأ العلاقة بينهما هناك . وقد تبين بعد قتل السادات نبأ وجود تنظيمات أخرى من بينها تنظيم حلمى عبد المغيث وهو طبيب بيطرى عمل فى ذلك الوقت كمساعد أمين لشكرى أحمد مصطفى زعيم " جماعة التكفير والهجرة " وبعد القبض على أحمد شكرى مصطفى وإعدامه قام حلمى عبد المغيث بإقامة تنظيم جديد خاص به فى نجع حمادى , وتنظيم محمد عبد السلام فرج عطية وهو أحد زعماء الجماعة التى قتلت السادات ووصف بأنه القوة التى تقف خلف حادث الإغتيال .

كان والده عضوا نشطا ومتطرفا بالإخوان المسلمين , وتم القبض عليه مرات عديدة لهذا السبب وقد عرف هو نفسه لتأليفه كتيب " الفريضة الغائبة " الذى يدعو لتطبيق واجب الجهاد ضد النظام الحاكم الحالى فى العالم الإسلامى وتنظيم تحت اسم جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقد تم القاء القبض على نحو 20 من أعضائه فى سبتمبر سنة 1981 بتهمة التحريض على النزعات الطائفية .

8- وعن الجوانب الحركية المشتركة بين التنظيمات السابقة يقول المؤلف :

وهناك جوانب مشتركة كثيرة بين هذه التنظيمات فى مجالات الهيكل والتنظيم وأساليب العمل . فقد ضمت فى معظمها طلبة مؤسسات التعليم العالى والثانوى وخريجيها ومنهم مهندسون وفنيون وموظفون ومدرسون وصغار العسكريين .

ويبدو أن جماعة التكفير والهجرة كانت التنظيم الوحيد الذى يسمح باشتراك أعضاء سيدات , وتم القاء القبض على 71 سيدة فى يوليو سنة 1977 بتهمة العضوية فى هذا التنظيم , وقد عملت التنظيمات بصفة عامة كجماعات مغلقة وألزمت أعضاءها بفك ارتباطهم وانتماءاتهم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية خارج إطار التنظيم على اساس اعتبار أن المجتمع كافر .

وتم تمويل نشاط التنظيمات السابقة من إيرادات الأعضاء وتبرعات مؤيدين من خارج مصر وكذلك أيضا من أموال الإحسان والتبرعات بالمساجد التى أخذت بالقوة فى بعض الأحيان بل وعن طريق أعمال السلب وعلى سبيل المثال ما فعل تنظيم طه السماوى فى نجع حمادى .

وفى حالات كثيرة كان الأعضاء يعيشون فى تجمعات معزولة وفى بعض الأحيان فى أماكن مجهولة خارج العمران . وكان زعماء التنظيمات " الأمراء " بصفة عامة شخصيات تتمتع بمواصفات الزعامة والفعالية وكانوا يمثلون سلطة دينية وأدى اختفاؤهم بصفةعامة إلى تفكك تنظيماتهم وفى عدد من الحالات نسب للتنظيمات المتطرفة إقامة علاقات مع عناصر رسمية خارج مصر ومن بين الإتهامات التى وجهتها السلطات إلى جماعة التكفير والهجرة الاتصال بليبيا والعمل على تنفيذ أعمال إرهابية فى مصر .

وكان للتنظيم أعضاء ومؤيدون بليبيا – وكذلك المملكة العربية السعودية والكويت واليمن وغرب أوروبا ومن المحتمل أن عناصر ليبية حاولت فعلا بواسطة أعضاء التنظيم الذين عملوا فى ليبيا استغلالهم لتنفيذ أعمال تخريبية فى مصر .

واتهم أيضا تنظيم " شباب محمد " بإقامة علاقات مع ليبيا وبالنسبة لتنظيم التحرير الإسلامى فقد راعت السلطات بأنه يوجه من الخارج .

9- وعن نقاط الخلاف والإتفاق الفكرى بين تنظيمات الغضب الإسلامى يقول المؤلف اليهودى :

( توجد نقطة انطلاق مشتركة بين كل التنظيمات الدينية المتعصبة المعارضة بصفة عامة وهى رفض النظام السياسى والإقتصادى والإجتماعى والثقافى والخلقى القائم والتطلع لاقامة دولة ومجتمع ثان هو المجتمع الإسلامى الحقيقى .

وترتبط بذلك مقاومة الغرب وتغلغله الإقتصادى والسياسى فى الطبقات المحلية المرتبطة به وتأثير قيمه على المجتمع الإسلامى.

وتعتبر نقطة الإنطلاق الفكرية هذه مشتركة بين أعضاء التنظيمات المتعصبة المعارضة وأصحاب وجهات النظر المتعصبة الذين ليسوا أعضاء فى تلك التنظيمات .

كما أن الفارق بينهم هو أن الأوائل يترجمون هذا المبدأ إلى عمل سياسى فى إطار القانون وأما الآخرون فلا يفعلون ذلك .

وعلى الرغم من المبدأ المشترك توجد داخل المعسكر الدينى المتعصب المعراض تناقضات بصدد المسائل الأساسية جدا بين التنظيمات الإسلامية العنيفة وانتهاء بالتنظيمات السرية المتطرفة .

إن هذه التناقضات تتمثل فى رؤية المجتمع الحالى والنظرة لنظام الحكم القائم ورؤية المجتمع المنشود وأساليب تحقيقه )

( وهو الأمر الذى تظهره ليس فقط الرؤية الاسرائيلية أو رؤية الدكتور . زكريا بل الرؤية الداخلية لكل تيار من واقع وثائقه كما سنرى )

خامسا : نقد عام لأهم أفكار الاتجاهات السابقة

يمكننا أن نسوق هذه الملاحظات العامة على الرؤى السابقة على النحو التالى :

1- خلط أصحاب الرؤى وعلى وجه الخصوص الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت طيلة سطور أفكارهم بين مفاهيم ليست واحدة ولا يمكنها أن تقع فى نسق فكرى أو سياسى واحد فهم يتحدثون عن " الحركة الإسلامية والأصوليين والأولين الإسلاميين والجماعات الإسلامية والتيار الدينى والتيار الإسلامى وجماعات العنف الدينى والإخوان المسلمين " وكأنها مفهوم واحد ونسق فكرى ومعرفى واحد , ونسأل على سبيل المثال كيف يستوى الحديث عن التيار الدينى الذى يعنى بالتبعية التيار الدينى المسيحى والتيار الدينى الإسلامى , ونضعها فى سلة فكرية واحدة ؟ وكيف نساوى بين الجماعات الإسلامية – وهى مجموعات من الطلاب الذين ظهروا فى السبعينات على وجه التحديد – وبين الحركة الإسلامية وهى المفهوم الأعم والأكثر شمولا وعمقا تاريخيا أن هذا الخلط أدى إلى نتائج متناقضة امتلأت بها أفكارهم وبالأخص الدكتور زكريا .

  • إن ما أخذه الدكتور فؤاد زكريا على سبيل المثال على الدكتور حسن حنفى من تناقض وتضارب نظرى جسيم بشأن تفسيره للصحوة الإسلامية , نأخذه عليه ولو بمستوى آخر , والأصح هو أن نحدد مفاهيمنا النظرية قبل الولوج فى معترك تعاملات هذه المفاهيم مع الواقع , وفى ضوء هذه الحقيقة كان ينبغى أن يدرك أصحاب الرؤى السابقة أن التبويب الحقيقى للحركة الإسلامية المعاصرة لا يخرج عن هذا التقسيم الهندسى كما نتصوره .

الحركة الإسلامية المعاصرة :

تيارات إسلامية سياسية :

-الإخوان المسلمين ( قديما والآن ) وهو نموذج للإسلام السياسى الإصلاحى .

-تنظيمات الرفض الإسلامى ( الجهاد كنموذج – والتكفير والهجرة – والقطبيين ) ويصل عددهم بمصر فقط إلى ما يصل إلى ما يزيد عن عشرين جماعة وهى تمثل الإسلام الثورى الأصولى .

تيارات إسلامية غير سياسية :

الجمعيات الشرعية ,الطرق الصوفية, التنظيمات الرسمية ( الأزهر كنموذج ) ( يمكن هنا أن نبوب ظاهرة الشيخ الشعراوى كنموذج للإسلام غير السياسى )

ولو أن أصحاب الرؤى السابقة قد حددوا لنا المفاهيم منذ البداية لكانوا قد أعفونا من الدهشة حين رأينا أحدهم وهو الدكتور زكريا يسكن الشيخ " متولى الشعراوى " فى خانة التيار الإسلامى الأصولى الثورى , ولانعدمت دهشتنا حين يساوى بين المطالبين بتطبيق الشريعة الإسلامية فى مصر ويجعلهم جميعا كلا واحدا لا يتجزء وهو أول من يعلم – إذا كان قد قرأ محاكمات تنظيم الجهاد كما قال – أن أعضاء هذا التنظيم قد تجاوزوا مرحلة المناداة هذه إلى مرحلة " الإنقلاب الثورى " وفقا للنموذج الإيرانى , وأنهم قد وصلوا إلى درجة تكفير الداعين إلى هذه المطالب من أمثال الشيخ صلاح أبو اسماعيل .

وأنه – لو يعلم , ونعتقد أنه يعلم – فإن حجم الإختلاف والتناقض بين تيارات هذه الحركة وتحديدا بين التيار الإسلامى السياسى الإصلاحى والإسلامى الثورى الأصولى كبير وعميق , وقد وصل إلى الحد الذى وصفه لى أحد قيادات التيار الثورى بأنه ( إذ كان خلافنا مع القوميين والشيوعيين يصل إلى 70 بالمائة فإن خلافنا مع التيار الإصلاحى والتيارات الإسلامية غير السياسية يصل إلى 90 بالمائة ) .

فكيف نساوى بين هؤلاء جميعا ونضعهم فى سلة واحدة , ونصدر أحكامنا التى بالطبع لا بد أن تكون خاطئة وبحاجة إلى إعادة فهم ونقد جديد ؟

2- لا يملك المرء أن يختلف مع الكتور فؤاد زكريا ود. وحيد رأفت وخالد محمد خالد عندما ينتقدون بحدة , أحادية الفكر والعمومية الشديدة والغموض النظرى لدى تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة , ولكن نسأل هل هذه التيارات هى وحدها التى تعانى من تلك " السلفية الفكرية والسياسية على امتداد الأقطار العربية والإسلامية ؟ وهل القضية أضحت بهذا التبسيط الطريف الذى يقول به الدكتور زكريا على سبيل المثال ( لقد أصبح المأزق الحقيقى الذى تعانى منه مصر فى تطلعها إلى المستقبل , هو اضطرارها إلى أن تختار بين فكر بلا فعل " يقصد الشيوعيين والقوميين إجمالا " أو فعل بلا فكر " يقصد الإسلام الأصولى " ص 116 .

  • إن قراءة الواقع المعاش – فكريا وسياسيا – يثبت أن الجميع إسلاميون وعلمانيون يقعون داخل دائرة السلفية والقصور الحضارية التى تمتد إلى سنوات طويلة مضت , وأول من يتوجب توجيه النقد له هو الفكر الذى ينتمى إليه الدكتور فؤاد زكريا والدكتور وحيد رأفت , إذا كنا نريد الإنصاف والنقد الذاتى الجاد , فعلى الأقل الفكر الذى يصفه بأنه لا يقبل النقد ويصيب العقل بتشوهات ولا يفكر أصلا " هو الذى أنجز طيلة الخمسين عاما السابقة من تاريخ مصر – أيا كان تقييمنا لشكل الإنجاز فإذا لم يكن " الإنجاز دليلا على حضور وصحة – حتى ولو كانت نسبيه – الفكر الذى يكمن خلف هذا الإنجاز فأى الأدلة يمكنها إثبات ذلك ؟ ودعونا نسأل أيضا هل الصحوة الإسلامية , ظاهرة مستجدة على التاريخ المصرى المعاصر وهل – بالمقابل – الفكر المستنير والديمقراطى والعلمانى – على حد قول الدكتور فؤاد زكريا – هو الأصيل ؟ وهل يتفق مع هذا الفكر الأصيل إرجاع سبب انتشار الصحوة الإسلامية إلى نقص فى وعى الجماهير وهى نفسها الجماهير التى يخطب ودها كل حين الدكتور زكريا ود. وحيد رأفت وغيرهما ؟
  • إن الإنصاف يدفعنا مرة أخرى لتقرير حقيقة هامة وهى " أن ما يأخذه البعض على تيارات الحركة الإسلامية المعاصرة من انتقادات تبدو فى مظهرها علمية وموضوعية يعكس فى الوقت ذاته سلفيته وعدم قدرته على الحوار الجاد وتقديم البديل المتكامل والمتسق وطبيعة المجتمع والتاريخ الذى نعيش فيه , وكنا نود من الدكتور فؤاد زكريا ود. رأفت وخالد محمد خالد أن نلمح بين سطورهم , ملامح بديل علمانى متكامل يغنينا عن بدائل الحركة الإسلامية بي أنهم اقتصروا على الكيل لهذه الحركة دون تفحص , وانطلاقا من إطار معرفى , هو بالضرورة إطار معرفى يتناقض وإطار هذه الحركة , فكان ما كان من نقد نتصوره غير منصف وغير دقيق .

3- على الرغم من اختلافنا مع المنطلق الإسرائيلى والهدف الذى من أجله يدرسون الحركة الإسلامية وتيارات الغضب بداخلها إلا أننا ننبه مع الأسف أنهم خير من درسوا ووصفوا هذه الحركة وتلك التنظيمات , والدراسة التى لخصنا أهم أفكارها تعد نموذجا حيا على ما نقول , وهو الأمر الذى يدعونا إلى التيقظ والحذر الشديد وإلى إعادة نقد رؤيتنا للحركة الإسلامية التى يكرهها ويمقتها خصمنا الحقيقى إلى هذه الدرجة والتى يبحث فى أدق تفاصيل عملها كما رأينا , وهو الأمر أيضا الذى يدفعنا إلى ضرورة الحوار بين القوى الثورية على اختلافها داخل مجتمعنا الإسلامى وان هذا هو اول الدروس التى نتعلمها من عدونا الحقيقى ... ونأمل أن تخدم محاولتنا لتفسير الصحوة والبعث الإسلامى بتياراته الغاضبة هذا الجانب .

المبحث الثانى : محاولة جديدة لتفسير الغضب

لا جدال أن المحاولات السابقة ( شيوعية – إسلامية – إسرائيلية ) لها على الرغم من الإنتقادات الموجهة إليها , وجاهتها التى ينبغى أن تكون فى الحسبان دائما حين الإقتراب بالتحليل أو التأصيل النظرى أو حتى الرصد العام لقضية " العنف الدينى " أو " البعث الإسلامى المعاصر " فى مصر وباقى ديار المسلمين . ورغم ذلك يظل هناك الكثير لم يقل بعد بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى .. ولربما تناولته بعض الدراسات مجزءا أو من بعض الزوايا دون البعض الآخر , إلا أن محاولة شاملة تحيط بكافة الجوانب لم تتم بعد ( انظر قائمة المراجع المرفقة بنهاية هذا الفصل )

وفى هذا الجزء نقدم محاولة جديدة لتفسير ما حدث , وهى محاولة تغوص فى الماضى باحثة عن الجذور الفكرية والحركية لتنظيمات الغضب الإسلامى , ثم هى تحاول أن ترسم بعض الملامح النظرية لقيادات ولآراء وأفكار هذه التنظيمات وأخيرا هى تتعامل مع ( الظاهرو ) من منطلق وثائقها أى أننا ندرس تنظيمات الغضب الإسلامى من خلال ما خطته أيدى قادة هذه التنظيمات من أفكار ورؤى هامة من هنا سوف يتناول هذا الجزء بالتحليل ما يلى :

أولا : أصول الغضب الإسلامى منذ الخمسينات .

ثانيا : خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات .

ثالثا : البعث الإسلامى إفتراضات أولية للتفسير .

رابعا : خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة )

خامسا : من هم قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات .

سادسا: منهج تحليل وثائق تنظيمات الغضب .

أولا : أصول الغضب الإسلامى فكريا

حبل "الغضب " وانتهاج العنف وسيلة وأداة لتحقيق دولة الإسلام , حبل ممتد , جذوره عميقة , وفروعه لا تقف عن حد , وهى جذور كما سنرى تغوص إلى حيث مئات السنين , باحثة عن أسانيدها وحججها القوية .. فهى تذهب إلى ابن تيمية الفقيه الإسلامى الذى واجه بفتاويه الكبرى جيوش التتار , وزمن الارتداد عن الإسلام ومن ابن تيمية إلى المودودى , وسيد قطب وأخيرا وهذا هو الأهم – على الأقل بالنسبة لحاضرنا – تذهب إلى الامام آية الله الخمينى .

فماذا عن هذه الأصول ... وماذا تقول على وجه الدقة ؟

أولا : فتوى ابن تيمية بشأن قتال تتار ماردين :

نورد هنا النصوص الأساسية من فتوى ابن تيمية بشان قتال تتار مدينة ماردين وهى الفتوى التى وظفتها تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص – تنظيم الجهاد – بهدف تكفير حكام العصر الساداتى , وإن قتالهم يشبه حتمية تاريخية مثل قتال التتار إبان عصر الفقيه الإسلامى ابن تيمية , ولقد شكلت هذه الفتوى المصدر الأول لفكرهم ونورد هنا بعضا من نصوصها الثورية , التى مثلت المؤثر الفكرى التاريخى غير المباشر على تنظيمات الغضب .. فماذا يقول ابن تيمية ؟

فى بداية فتواه يقول مخاطبا العلماء الذين لا يدعون للعنف الدينى وللجهاد :

ما تقول السادة العلماء .. فى هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة – " أى يغزون الشام غزوة بعد غزوة " وقد تكلموا بالشهادتين , وانتسبوا إلى الإسلام ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أو الأمر فهل يجب قتالهم ؟ أو لا ؟

نعم , يجب قتال هؤلاء بكتاب الله وسنى رسوله واتفاق أئمة المسلمين وهذا مبنى على أصلين : أحدهما : المعرفة بحالهم .

والثانى : معرفة حكم الله فيهم .

إن هؤلاء القوم جاءوا على الشام فى المرة الأولى عام تسعة وتسعين " وستمائة هجرية " وأعطوا الناس الأمان , وقرؤه على المنبر بدمشق , ومع هذا فقد سبقوا من زرارى المسلمين ما يقال أنه مائة ألف أو يزيد عليه , وفعلوا " ببيت المقدس " و" بجبل الصالحية " و " نابلس " و" حمص " و " داريا " وغير ذلك من القتل وسبى – الأسر – ما لا يعلمه إلا الله . حتى يقال أنهم سبوا من المسلمين قريبا من مائة ألف . وجعلوا يفجرون بخيار نساء المسلمين فى المساجد وغيرها . كالمسجد الأقصى والأموى . وغيره وجعلوا الجامع الذى بالعقبية دكا .

ويقول ابن تيمية :

وقد شاهدنا عسكر القوم فرأينا جمهورهم لا يصلون , ولم نر فى عسكرهم مؤذنا ولا إماما .. وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم , وخربوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله , ولم يكن معهم فى دولتهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن , وإما من هو شر أهل البدع , كالرافضة , والجهمية , والإتحادية , ونحوهم ممن هم أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق , وغن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقامة الصلاة ولا إيتاء الزكاة .

وهم يقاتلون على ملك جنكز خان فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليا لهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم ,وإن كان من خيارالمسلمين , ولا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من خيار المسلمين منهم , من أكابر أمرائهم ووزرائهم , أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى .

ولقد قال أكبر مقدميهم الذين قدموا إلى الشام , وهو يخاطب رسل المسلمين ويتقرب إليهم .. هاتان عظيمتان جاءتا من عند الله ( محمد وجنكز خان ) .

ويفسر ابن تيمية ذلك بقوله :

ذلك أن اعتقاد هؤلاء التتار كان فى جنكيز خان عظيما , فإنهم يعتقدون أنه ابن الله – من جنس ما يعتقده لنصارى فى المسيح – ويقولون أن الشمس حبلت أمه , وأنها كانت فى خيمة فنزلت الشمس من كوة الخيمة فدخلت حتى حبلت .. وهم مع هذا , يجعلونه أعظم رسول عند الله فى تعظيم ما سنه لهم وشرعه بظنه وهواه , حتى يقولوا لما عندهم من المال هذا رزق جنكز خان ... ويشكرونه على أكلهم وشربهم .. وهم يستحلون قتل من عادى ما سنه لهم هذا الكافر الملعون لله ولأنبيائه وعباده المؤمنين .. أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالطاعة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام .

وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة لهم وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم ذلك الكافر الملك المشرك المشابه لفرعون أو النمروذ ونحوهما بل أعظم فسادا فى الأرض منهما .

قال الله " إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين " ... هذا الكافر علا فى الأرض يستضعف أهل الملك كلهم من المسلمين واليهود والنصارى , ومن خالف من المشركين يقتل الرجال ويسبى الحريم , ويأخذ الأموال ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب المفسدين . ويرد الناس مما كانوا عليه من سلك الأنبياء والمرسلين إلى أن يدخلوا فيما ابتدعه من سنته الجاهلية وشريعته الكفرية .

ويذهب ابن تيمية إلى نتيجة مؤداها :

أنه والعياذ بالله – لو استولى هؤء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله , على أرض الشام ومصر , فى هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه .

ولا ريب – أنهم التتار- لا يقولون أنهم أقوم بدين الإسلام علما وعملا , من هذه الطائفة – مماليك الشام ومصر – بل هم " التتار " مع دعواهم الإسلام يعلمون أن هذ الطائفة " المماليك " أعلم بالإسلام منهم واتبع له منهم وكل من تحت أديم السماء من مسلم وكافر يعلم ذلك وهم مع ذلك ينذرون المسلمين بالقتال فامتنع من تكون لهم شبهة بينه يستحلون بها قتال المسلمين . كيف وهم قد سبوا غالب حريم الرعية الذين لم يقاتلوهم ؟ حتى أن الناس قد رأوهم يعظمون البقعة ويأخذون ما فيها من الأموال ويعاقبونه بأنواع العقوبات التى لا يعاقب بها إلا أظلم الناس وأفجرهم ؟ والتأول تأويلا دينيا لا يعاقب إلا من يراه عاصيا للدين .

ويخلص فى نهاية فتواه إلى تكفيرهم وضرورة جهادهم .

ثانيا : كتابات أبى الأعلى المودودى وسيد قطب

كان لرؤية المفكر الإسلامى أبو الأعلى المودودى الباكستانى الأصل تأثيرها الفعال فى بلورة فكرة الجهاد و" التمايز " الفلسفى والسياسى الذى ميز الحركة الإسلامية فى مصر , خاصة بعد الضربات التى تلقتها من النظام السياسى الناصرى فى أوائل الخمسينات , وتعلم على كتبه العديد من المفكرين الإسلاميين فى مصر , وفى مقدمتهم الشيخ سيد قطب , وأتى تأثير المودودى ممثلا فى طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذى احتذاه وقالت به تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات .

وهذه المستويات هى :

1- حاكمية الله فى مواجهة حاكمية البشر .

2- ألوهية الله فى مواجهة ألوهية البشر .

3- ربانية الله فى مقابل العبودية لغيره من البشر .

4- وحدانية الله فى مقابل الإعتماد على أى مصدر آخر فى تسيير أمور الحياة ( انظر كتاب منهاج الإنقلاب الإسلامى وكتاب المصطلحات الأربعة لأبى الأعلى المودودى )

ولقد مثلت فكرة " الحاكمية " ببساطتها وحدته أداة فاعلة فى ضرب ما دون الله خلال حقبة السبعينات , ومثلت ما يشبه المسلمة اللفظية والحركية فى مواجهة النظام السياسى الحاكم والمؤسسات المحيطة به ولشرعية الإنقلاب عليه لأنه يستند إلى حاكمية أخرى غير حاكمية الله وهى " حاكمية البشر " التى تسمى أحيانا بالديمقراطية وأحيانا بالإشتراكية أو بالعلمانية .

أما سيد قطب فتتبلور أهم أفكاره فى كتابه " معالم فى الطريق " وهو يرى فى هذا الكتاب أنه حين تكون الحاكمية العليا فى مجتمع لله وحده متمثلة فى سيادة الشريعة الإلهية تكون هذه هى الصورة الوحيدة التى يتحرر فيها البشر تحررا كاملا وحقيقيا من العبودية للبشر وتكون هذه هى الحضارة الإنسانية , وحيث أن المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة واختيارهم الذاتى هو " المجتمع المتحضر " أما المجتمع الذى يتجمع فيه الناس على أمر خارج عن إرادتهم الإنسانية فهو المجتمع المتخلف أو بالمصطلح الإسلامى هو المجتمع الجاهلى , حيث المعركة وفقا لهذا المنهج بين المسلمين وخصومهم ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية ولا معركة عقيدة , إما كفرا أو إيمان وإما جاهلية أو إسلام ويرى أيضا أن : هدف الإسلام لم يكن فى يوم من الأيام هو تحقيق القومية العربية ولا العدالة الإجتماعية ولاسيادة الأخلاق و ولو كان الأمر كذلك لحققه الله فى طرفه ولكن الهدف هو إقامة مجتمع الإسلام الذى تطبق فيه أحكام القرآن تطبيقا حرفيا وأول هذه الأحكام أن يكون الحكم نفسه لله وليس لأى بشر أو جماعة من البشر وأن أى حاكم إنسان با أى مسئول إنسان لا يملك أن ينازع الله سلطته بل إن الشعب نفسه لا يملك حكم نفسه لأن الله الذى خلق الشعوب وهو الذى يحكمها بنفسه , ويرى سيد قطب أن الجهاد عن طريق طليعة مؤمنة وجيل قرآنى هو الحل لتخليص المجتمع من حكم الطاغوت ويلاحظ أن هذه العبارة هى ذاتها التى كان يصنف بها خالد الإسلامبولى وزملاؤه أنور السادات " مستخدمين ذات الألفاظ تقريبا التى قال بها الشيخ سيد قطب .

ثالثا : التأثير الفكرى للخومينى على فكر تنظيمات الغضب الإسلامى

يتمثل هذا التأثير فيما أعلنه الإمام الخومينى فى كتاباته العديدة وبالأخص تلك التى قال فيها بضرورة الثورة السياسيى وبالمقاومة على المدى الطويل ,وحتمية تدمير الحكومات الجائرة , وسوف نورد هنا نماذج من أقوال الخومينى ونود قبل ذلك أن نؤكد على أن أعضاء تنظيمات الغضب الإسلامى وبالأخص " الجهاد " قد تأثروا وقبلوا هذه الأفكار على علاتها دون تمحيص أو – مناقشة مذهبية وفكرية ناجحة – ويعود ذلك ضمن أسبابا عدة إلى دراما "الثورة الإيرانية " التى أثرت فى نفوسهم كثيرا ونمحور هذه الأفكار حول ثلاثة :

أولا : ضرورة الثورة السياسية من أجل تشكيل الحكومة الإسلامية :

وهنا يرى الإمام الخومينى :

" فى صدر الإسلام سعى الأمويين ومن يسايرهم لمنع استقرار حكومة الإمام على بن أبى طالب (ع) مع أنها كانت مرضية لله وللرسول وأفرزت مساعيهم البغيضة تغير أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام لأن برامجهم كانت تخالف وجهة الإسلام فى تعاليمه تماما " وجاء من بعدهم العباسيين ونسجوا على نفس المنوال وتبدلت الخلافة وتحولت إلى سلطنة وملكية موروثة , وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس , وأباطرة الروم , وفراعنة مصر , واستمر ذلك إلى يومنا هذا " إن الشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك الحكومات وشأنها والدلائل على ذلك واضحة فإن تمادى هذه الحكومات فى غيها يعنى تعطيل نظام الإسلام وأحكامه فى حين توجد نصوص كثيرة تصف كل نظام غير إسلامى بأنه شرك , والحاكم أو السلطة فيه طاغوت , ونحن مسئولين عن إزالة الشرك من مجتمعنا المسلم " .

2- المقاومة على المدى الطويل : ( يقول الإمام الخومينى )

" ونحن لا نتوقع أن تؤتى تعليماتنا وجهودنا أكلها فى زمن قصير لأن ترسيخ دعائم الحكومة الإسلامية يحتاج إلى وقت طويل مجهود مضنيه , ونحن نرى كثيرا من العقلاء يضعون حجرا ليبنى عليه الآخرون بناء ولو بعد مائتى عام .

ويقول فى جزئية أخرى :

إن الإمام الصادق على بن أبى طالب لم يكتف بوضع الخطوط العامة للحكومة أو للدولة الإسلامية , بل عين حاكمها ونصبه , وبالطبع لم يكن يريد بذلك التعين عصره الذى يعيش فيه لأنه هو الإمام وهو الحاكم الشرعى ولكنه ينظر بذلك إلى الأجيال الأخرى القادمة لم يكن تفكيره فى ذاته وشخصه كان يريد أن يصلح البشر كل البشر .

3- تدمير الحكومات الجائرة : يقول الامام الخومينى هنا محددا برنامج تدمير هذه الحكومات :

1- مقاطعة المؤسسات التابعة للحكومة الجائرة .

2- ترك التعاون معها .

3- الإبتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليهم .

4- خلق مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية وثقافية وسياسية جديدة .

ثم يستطرد الإمام قائلا :

ولم يكن الأئمة وحدهم فى مقاومتهم لسلطات الجور , بل كانوا قد دعوا المسلمين جميعا إلى مثل ما كانوا عليه , يوجد فى كتاب "الوسائل " و" مستدرك الوسائل " ما يزيد على الخمسين حديثا فيها أمر باجتناب الظلمة والحكام الجائرين وفى بعضها أمر الأئمة ( ع) أن يحثى التراب فى وجوه المداحين هم وكل من أعانهم ولو بمداد أو قلم فعليه كذا وكذا من الوزر والإثم والعقاب , وعلى كل فقد أمرنا بالمقاطعة وعدم التعاون بشكل تام وفى مقابل ذلك وردت أحاديث تدعو إلى العلم , والتعليم وتثنى على العلم والعلماء والمتعلمين , وفى بعضها مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء . وكل هذا إنما هو دعوة صريحة إلى تشكيل حكومة إسلامية يقودها يقودها الفقهاء العدول – تنقذ الناس من وطأة الإستعمار وأذنابه وتزيل آثاره "

وتنتهى آراء الخومينى ومن قبل سيد قطب والمودودى وابن تيمية , والتى تشكل فى مجموعها الجذور الحقيقية لفكرية تنظيمات الغضب الإسلامى والتى لا تخرج جل أفكارها عن حدود هذه الدائرة مع فارق الطرح العصرى والتجديد فى مجال التطبيق ليتلاءم الفكر – نسبيا – مع الواقع , هذا عن الفكر ماذا عن الحركة والتنظيم تاريخيا ؟

ثانيا : خريطة تنظيمات الغضب الإسلامى منذ الخمسينات حتى اليوم :

تقول الحقائق والأرقام ما يلى بشأن تنظيمات الغضب الإسلامى .

1- باستثناء انشقاق " شبابا محمد " عن جماعة الإخوان المسلمين فى الأربعينات وانتهاجهم لأسلوب العنف المقصود مع السلطة إلا لدى الجهاز الخاص لتنظيم الإخوان المسلمين حتى عام 1958 تقريبا .

2- فى عام 1958 ظهر الشاب المسلم " نبيل البرعى " الذى خرج عن جماعة الإخوان من داخل السجون وطالب بالعنف المسلح واتخذ من أفكار ابن تيمية منهاجا للحركة وفيما بعد انضم إليه عن اقتناع كل من :

إسماعيل الطنطاوى , محمد عبد العزيز الشرقاوى , أيمن الظواهرى , حسن الهلاوى , مصطفى علوى , وأصبح إسماعيل الطنطاوى قائدا لهذه المجموعة نظرا لإمكاناته الفكرية الفذة .

3- فى عام 1973 انشق مصطفى علوى ومعه بعض أعضاء التنظيم الذى سمى " بتنظيم الجهاد أيضا وقرروا الدخول فى حرب اليهود على حدود القناة وانضم إليهم الملازم عصام القمرى ( الذى أصبح فيما بعد أبرز وأخطر عناصر تنظيم الجهاد الإسلامى الذى قاد عملية اغتيال السادات عام 1981 ) .

4- فى نفس العام تقريبا أنشأ الدكتور صالح سرية الذى عرف فيما بعد بتنظيم الفنية العسكرية , وانضم إليه من العناصر القديمة ( حسن الهلاوى الذى كان يقود مجموعة الجيزة فى التنظيم القديم ) وأعدم الدكتور سرية عام 1975 .

5- فى عام 1975 أنشأ وكيل النيابة ذو الإتجاهات الإسلامية الغاضبة : يحيى هاشم تنظيما ضم حوالى 300 عضوا من الأسكندرية حاول بهم اقتحام السجن الموجود به الدكتور صالح سرية وزملاؤه لإخراجهم بالقوة إلا أنه فشل وقتل فى الاشتباك يحيى هاشم نفسه وفى عام 1977 ظهر للوجود تنظيم التكفير والهجرة لشكرى أحمد مصطفى الذى أعدم عام 1978 .

6- وبين عامى 1977-1979 أنشأ شاب مسلم يدعى " مصطفى يسرى " تنظيما مسلحا فى القاهرة وقد تم اعتقاله وضرب تنظيمه عام 1979 .

7- فى عام 1979 تكون تنظيم الجهاد الإسلامى بقيادة محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر ومجموعة الصعيد بقيادة ناجح ابراهيم وكرم زهدى وفؤاد الدواليى , ومن مجموعة سالم الرجال الأردنى الجنسية وتولى " كمال السعيد حبيب " القيادة خلفا له بعد ترحيله إلى الأردن وكان من نصيب هذا التنظيم اغتيال السادات وما زالت مجموعات هذا التنظيم تقوم بأعمال العنف ضد السلطة والنظام السياسى الحالى وكان آخر ما قامت به بقيادة الشاب المسلم نصر كروم وطه السماوى وهو حرائق المسارح وأندية الفيديو فى الشهور الأول من عام 1986 هذا ولا يزال لعبود الزمر إمرة القيادة لهذا التنظيم حتى اليوم .

ثالثا : البعث الإسلامى : افتراضات أولية للتفسير :

باب من المسلم به , نظريا وبعد استعراضنا للآراء السابقة والتفسيرات المختلفة أن أغلب المجتمعات الإسلامية المعاصرة , تعيش ومنذ بداية السبعينات حركة بعث وإحياء دينى , يمثل العودة إلى الإسلام الأصولى , أحد أهم مظاهرها , ولقد تعددت التفسيرات , وتباينت بشأن حركة الإحياء الدينى هذه , حيث أرجعتها بعض الدراسات إلى عنف عملية الإنفتاح الثقافى والحضارى على الغرب والتى صاحبها ضعف فى البنية الإقتصادية والثقافية للمجتعات الإسلامية فكان الخلل الذى أنتج هاجس الإلحاح بالعودة إلى التراث وبنفس القدر من العنف الذى تم به الإنفتاح على الغرب .

وفى تفسير آخر : أرجعت بعض الدراسات مسألة البعث الإسلامى إلى عوامل بنيوية داخلية خاصة بالمجتمعات الإسلامية المعاصرة , حين أخفقت المؤسسات الإجتماعية والسياسية والثقافية والتقليدية فى استيعاب أو مواجهة النتعغيرات الحديثة التى واجهت هذه المجتمعات فأتى الإسلام كمؤسسة ثقافية واجتماعية ليقدم البديل لاخفاق هذه المؤسسات وظيفيا فى مواجهة التكنولوجيا وعصر الإلكترونيات .

وهناك تفسير ثاث يرى أن ظاهرة البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يمكن تلمس دوافعها فى الإسلام ذاته , كدين وكمنهج شامل للحياة وسط عالم معاصر تتقاسمه إيديولوجيتين : الماركسية والرأسمالية حيث " الإسلام " تكمن بداخله عوامل إحيائية متجددة , وهى لم تمت على الإطلاق وعلية لم تبعث وما يحدث هذه الأيام هو عودة إلى الذات الحضارية بعد أن تم تجريب النماذج الإجتماعية والسياسية الغربية وإخفاقها جميعها على امتداد القرنين الماضيين من تاريخ المجتمع الإسلامى وما حدث يمثل نوعا من الإحتجاج السياسى والإجتماعى أخذ من الإسلام أدائه ووسيلته , لأنها أداته التاريخية المألوفة التى لم تمت ( ونحن نميل إلى هذا التفسير بدرجة كبيرة , و إلى اعتبار المائتى عام الأخيرة من تاريخ مصر حلقة واحدة بالنسبة لقضية الإحياء الإسلامى على وجه الخصوص ) .

وهناك تفسير أخير يرجع البعث إلى الإنتكاسات السياسية والعسكرية التى أصابت المجتمعات الإسلامية الناهضة فى نهاية الستينات , فأصابت معها كل الأطروحات البديله التى قدمت مثل " القومية العربية " كما صاغها عبد الناصر , مثل الخيارات الوطنية كما صاغتها أندونسيا وباكستان وبعض البلدان الإسلامية الأفريقية التى تحررت مع بدايات النصف الثانى من القرن العشرين ولقد أنتج هذا جميعه ضرورة تجاوز الأطروحات الضيقة إلى أطروحة أكثر شمولا , فكان الإسلام هو هذه الأطروحة .

وهكذا تعددت التفسيرات – وأحيانا تباينت – بشأن البعث الإسلامى الجديد فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات والثمانينات , وهذا التعدد يمثل فى ذاته تعبيرا عن مدى الإهتمام الغربى بالظاهرة من ناحية ومدى الإضطراب الأكاديمى التى تعيشها عملية تأصيلها من ناحية أخرى , وهو فى النهاية يعكس الطبيعة للمشكلة , فنحن لسنا بصدد مشكلة ثانوية تخص فترة زمنية أو منطقة مكانية بعينها , ولكننا أمام ظاهرة تشابكت فيها عوامل المكان – الأقاليم الإسلامية – بعوامل الزمان حقبة السبعينات والثمانينات , بعوامل الثقافة ولحضارة , بعوامل وقضايا اجتماعية وسياسية بل ونفسية معقدة .

وعليه فإن النظر إلى قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة لابد أن يكون من زاوية كونها ظاهرة معقدة , لا يصلح التفسير الأوحادى إليها ولا يسهل بشأنها الإجتزاء التحليلى , فهى " كقضية لها دوافعها " وامتداداتها ولها مؤشراتها ولها عناصرها ولها أخيرا مستقبلها .

والقضية تثير العديد من القضايا النظرية والعملية و المتصلة بالظروف السياسية والإجتماعية والحضارية للظاهرة موضوع البحث , وعليه فإن الباحث وهو فى سبيله لتشخيص أكثر علمية وموضوعية للظاهرة فإنه ينبغى ألا يحاول الإقتصار على التحليل النظرى العام وعليه فسوف نقدم المجتمع المصرى كحالة تطبيقية تتلخص فيها الأبعاد الإجتماعية والثقافية لظاهرة الإحياء الدينى الإسلامى من خلال وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات ( تنظيم صالح سرية – تنظيم شكرى مصطفى – تنظيم محمد عبد السلام فرج وعبود الزمى ) .

والجدير بالذكر أن اختبار الباحث لحقبة السبعينات والثمانينات يرجع ضمن أسبابا عدة إلى أن هذه الحقبة قد شهدت تحولات سياسية واقتصادية وحضارية مختلفة داخل البلدان الإسلامية وداخل مصر – على وجه التحديد – واكبها صعود الإحياء الدينى – الإسلامى بل والمسيحى .

أخذت من الثورة – نموذج إيران – والعنف والاحتجاج الغاضب نموذج التتكفير والهجرة و" الجهاد " أسلوبا للتعامل وتأكيد الوجود والهوية , وعليه فإن حقبة السبعينات والثمانينات تعد ملخصا وافيا , وإطارا زمانيا جيدا لمناقشة حركة الإحياء والبعث الإسلامى فى أسسها وأبعادها الإجتماعية والثقافية .

ولكى يكتمل " للتحليل " إطاره العام فإننا نضع بعض الإفتراضات الأساسية التى بإمكانها أن تشكل مجتمعة إطارا مرجعيا لفهم قضيى الإحياء والبعث الإسلامى عموما , وفى مصر على وجه الخصوص وهذه الإفتراضات قد يتبث خطؤها أو صحتها ونحن نضعها على سبيل إثارة الذهن للبحث :

1- يمكن تفسير قضية البعث الإسلامى فى المجتمعات الاسلامية المعاصرة بإرجاعها إلى الضغوط التى تلازم عملية التغير الإجتماعى فى البلدان النامية على وجه العموم والتى تقع المجتمعات الإسلامة بداخلها ( والباحث لا يأخذ بهذا الإفتراض بإطلاق ويعتبره عاملا مساعدا فى إبراز القضية فقط ) .

2- التنمية الإجتماعية والإقتصادية على النمط الغربى مثلت تهديدا مباشرا للعديد من القيم الدينية , والنظام العقائدة داخل المجتمعات الإسلامية التقليدية , نتج عنه تخوف على الذات الحضارية وعلى عمليات عزلها فكان الإحياء والبعث الدينى والعودة إلى الأصول الإسلامية هو الحصن الذاتى الواقى من هذا التغريب ( عامل مساعد ) .

3- إغتراب القيادات الوطنية فى المجتمعات الإسلامية خلال حقبة السبعينات مثل أحد الأسس السياسة والثقافية لظاهر الإحياء الدينى والنموذج الأساسى هنا هو الحالة الإيرانية ( عامل مساعد ) .

4- الإحياء الدينى فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة يعود إلى مائتى عام مضت عندما وقع أول صدام ثقافى وحضارى مع الغرب وهو ظاهرة غير حديثة كما يقول البعض ( عامل أساسى ) .

5- الإسلام السياسى الذى يطرحه التيار الإسلامى غير الرسمى يختلف عما طرحته السلطة الإسلامية منذ قرنين من الزمان , فهذا التيار يرفض الحلول الوسطى والتوفيقية بين التراث والمعاصرة , وهو يصر على الإختلاف الجذرى مع العام الخارجى والغربى منه تحديدا ( عامل أساسى ) .

6- الصدام الذى حدث بين التيار الإسلامى غير الرسمى فى مصر السبعينات والثمانينات وبين السلطة السياسية يعود ضمن ما يعود إلى أسبابا اقتصادية وسياسية ويأتى فى مقدمتها الإنفتاح على الغرب , والتراجع والتفريط فى العديد من القيم الوطنية والدينية المسلم بها تاريخيا كالصراع مع إسرائيل واستبداله بالصلح المنفرد ( عامل مساعد هذه بعض الإفتراضات حول قضية البعث الإسلامى نضعها على سبيل استثارة الذهن العربى لكى يدلى بدلوه فى تفسير ما حدث فى السبعينات – وعدم الإكتفاء بالتحليل السطحى كما يفعل بعض الأطفال من الصحفيين المتعاونين مع الصهاينة والذين تخصصوا فى سرقة ما يكتبه الآخرون ونسبته إلى أنفسهم أو الإكتفاء بالصياغات الضخمة لبعض أكاديمينا الذين يريحهم كثيرا توصيف ما حدث على أنه مجرد ( انحراف ( أو مرض سيسيولوجى أصاب العقل والمجتمع حول مسألة ليست بالهينة , وليست بالظاهرة المعارضة او المرضية .. وليفتح باب النقاش العلمى حولها إن أردنا احتراما لأنفسنا وللتاريخ الذى نكتب .

رابعا : خبرة السبعينات فى مصر ( صراع الدين والدولة )

إن خبرة السبعينات فى مجال العلاقة بين الدين والدولة فى مصر – السبعينات لم تكن تعى طبيعة العلاقة , ولم تفهم أطرافها والفرق بين متغيراتها الثابتة ومتغيراتها التابعة , وساهمت الظروف المتجددة داخليا ودوليا فى تكريس عدم الفهم أو بمعنى أدق الفهم الخاطىء للعلاقة بين السلطة السياسية والتيار الدينى الإسلامى كيف ذلك ؟

إذا سلمنا بداءة بأن الدين الذى نقصده هنا هو الدين كمؤسسات ( رسمية وغير رسمية ) والدين كإدراك وفهم , وان الدولة هى صانعة القرار السياسى ومؤسساته المحيطة فإن الدولة حاولت فى السنوات الثلاث الأولى فى عقد السبعينات أن تؤسس نمطا ديمقراطيا نسبيا وحذرا فى مجال علاقتها بالمؤسسات الدينية إجمالا , وبالمؤسسات غير الرسمية على وجه الخصوص وروافدها الخارجة من سجون الستينات , بالاضافة للتيارت الدينية الإسلامية الأخرى التى كانت لا تزال بعد وليدة التكوين .

ولكن هذا النمط الذى تأسس , ولد فى ظروف قيصرية فعبد الناصر كان لا يزال يحكم من خلال ما تبقى من نظامه السياسى بعد رحيله الجسدى , ومصر مقدمة على حروب ضارية والساحة داخل الجامعات المصرية وخارجها تموج بتيارات يسارية المنحى ( ناصريون – وشيوعيون ) وعليه أتت نشأة الولادة لتطبع سلوك التيار الدينى بأهمية " التمايز " عن الإطار السياسى والإجتماعى المحيط ... وتخذ هذا التمايز مع اقتراب النصف الأول من السبعينات من نهايته أشكالا متعددة ... يأتى تكفير المجتمع والبشرفى مقدمتها , يليها تكفير النظام السياسي فنظرة الإستعلاء الفكرى والسياسى تجاهه وتجاه القوى السياسية بوجه عام وتأتى سياسات الإنفتاح وبوادر – العلاقات الطيبة مع الغرب ومراودتها السلبية على قيم الإنتماء والهوية الحضارية المستقلة , والإقتصاد المستقل , تأتى لتواكب ضرب إحدى حلقات التيار الإسلامى فى مصر , "تنظيم صالح سرية 1974 " ورغبة النظام فى إيجاد تيار دينى مستأنس , يضرب من خلاله أكثر من عصفور بحجر واحد .. خاصة وحركة الشارع السياسى والجامعة – " التى ينبغى ألا نهمل أهميتها ودورها السياسى الخطير خاصة فى مجال الصراع بين الدين والدولة خلال تلك الفترة " – كانت تغلى بتيارات اليسار المصرى على اختلافها .

ونشأ بالفعل تيار دينى متعاون مع السلطة السياسية داخل الجامعة وخارجها ... واستطاع النظام السياسى أن يحجم من خلاله بالإضافة للظروف الداخلية والدولية المساعدة دور التيارات اليسارية الأخرى خاصة الشيوعيين والناصريين .. وكانت أحداث يناير 1977 هى النهاية العملية , والدرامية لفاعليه اليسار المصرى فى الشارع والجامعة ... بفضل الأدوار المساندة .. والهامة لبعض فصائل التيار الدينى والمتعاونة مع سلطة السادات .

فى نفس الوقت كان النظام السياسى يقوى من علاقاته الدينية مع المؤسسات الدينية الرسمية وتحديدا مع الأزهر والفرق الصوفية التى ستصدرلها قانونا خاصا عام 1976 يجدد من خلاله بناءها الداخلى وأهدافها الإجتماعية ولتقنين " العلاقات الطيبة " معها .

بيد أن قدر تلك الفصائل من التيارالدينى الإسلامى – غير الرسمى – والتى ولدت متعاونة مع النظام السياسي فى النصف الثانى من السبعينات , أن تصطدم مع ذات النظام قدر غريب حقا , أن يساهم فى ضرب القوى غير الإسلامية , ويخلى الساحة السياسية ويقصرها على النظام السياسى وعليه فينشأ وفق أبسط قواعد الصراع الإجتماعى صراع طويل بينهما هكذا فعل الإخوان عام 1954 , وهكذا يفعلون فى السبعينات وتلونت " صدامات السبعينة " بألوان شتى يأتى عمق الإغتراب الذى كرسته سياسات الإنفتاح الإقتصادى ليصبغ معاداتهم للنظام بها وتأتى أحداث الثورة الإيرانية وتصاعد الإسلام السيايسى والصحوة الإسلامية وفى المجتمعات الإسلامية المحيطة لتشحذهم " الجهاد " لديهم وفى مجال علاقتهم بالدولة . وهكذا .

استمرت العلاقة بين الدين غير الرسمى والدولة يشوبها عدم الفهم المتبادل لطبيعة العلاقة هل هى تعاون سياسي , هل هى نهضة دينية , هلى هى حسابات مصلحية , هل عداء مشترك للقوى السياسيى الأخرى ... وللغرب فى نفس الوقت .. أم ماذا ؟ واستمرت العلاقة يشوبها أيضا الحذر المتبادل الخاص بعد خلو الساحة من القوى السياسيى الأخرى التى يمكنها أن تساعد أو تتحالف – مع أى من الطرفين فى حالة معاداة حقيقية للطرف الثانى ليقوى ويحسم الصراع لصالحه .. واستمرت أيضا العلاقة يحيطها تحولات درامية ليس أقلها " الصلح مع إسرائيل " واستشراء قيم الإنفتاح الإقتصادى , وتبدل مواقع الأصدقاء والأعداء المحليين والدوليين .. والتحجيم المتزايد للحرية السياسية , والهجرة المتزايدة نحو دول النفط , والثروة .

وكان طبيعيا والعلاقة على هذا النحو .. أن ينفجر الصراع فى أية لحظة .. وكانت الدولة هى المرشحة هذه لمرة لأن تشعل الصراع على عكس الصدامات السابقة فى الخمسينات والستينات وبداية السبعينات , إذ وجدت " الدولة " نفسها أما مارد ضخم متغلغل فى كل نجوع مصر وقرارها ويؤدى صلاة العيد فى الخلاء ويتخذ قراراته وسياساته وفق نمط فكرى وسلوكى خاص , لم تتعوده الدولة وحدث الصدام .. بدأته الدولة باختلاف بعض المواقف والقضايا .. ضد جيوش الجامعات الإسلامية وبعض القيادات الوطنية , وكان سبتمبر 1981 – كتاريخ – هو نهاية العلاقات الحذرة بين النظام السياسى والتيار الدينى الإسلامى والمسيحى والجدير بالذكر أن الأخير والعالمية . وأتى أكتوبر 1081 واستطاع التيار الثورى المتبقى أن يحسم العلاقة الصراعية لصالحه فى الجولة الثانية ... ودخلت مصر إلى واقع جديد ومختلف نسبيا عما سبقه .

هذا عن رؤيتنا الأولية لقضية البعث الإسلامى ولتنظيمات الغضب الإسلامى : جذورا وقضايا ومشاريع حضارية وصداما مع الدولة ولكى تكتمل الخريطة حدودا وأبعادا لابد من الإجابة عن سؤالين :

الأول : ونسأل فيه عن قادة تنظيمات الغضب الإسلامى فى السبعينات ؟

أما الثانى : فيذهب إلى المنهج الأمثل لتحليل وثائق هذه التنظيمات : كيف نكونه ونشكل معالمه ؟ قادة تنظيمات الغضب الاسلامى فى سطور :

(1 ) الدكتور . صالح سرية : قائد جماعة التحرير الرسمى والتى سميت بجماعة حركة الفنية العسكرية – التى حاولت الإستيلاء على الحكم عام 1974 ويقال أن اسم التنظيم هو " شباب محمد " وصالح سرية – فلسطينى الأصل , انضم للإخوان المسلمين فى العراق وعمل بالجامعة العربية فى القاهرة , حيث أتيح له فى بداية السبعينات التعرف بزينب الغزالى ومن خلالها تعرف بحسن الهضيبى وبجماعة الإخوان المسلمين وبدأ يتجه بعيدا عنهم مكونا تنظيما سريا لم يتجاوز تعداده المائة عنصر , وتبنى الجهاد وقتال الحاكم الكافروكان مصيره الإعدام وأنصار حزب التحرير الإسلامى فى مصر اليوم لا يتجاوزون الخمسين عنصر بأى حال .

(2) شكرى مصطفى : قائد جماعة المسلمين والتى أسمتها أجهزة الأمن المصرية بالتكفير والهجرة وهو من مواليد 1942 وبدأ دعوته من داخل سجون الإخوان المسلمين فى معتقل أبى زعبل عام 1969 حين كان أحد الشباب الذين ألقى القبض عليهم فى صدام 1965 بين النظام الناصرى وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة سيد قطب ولم يكن وقتها عضوا بالجماعة وبدأ شكرى دعوته من داخل لمعتقل ب 13 شابا ما لبث أن اتسعت دعوته وانضم له عدة مئات من الشبابا وكان أبرز أعمال جماعته هو اغتيال الشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق فى يوليو 1977 , وتدعو جماعة التكفير والهجرة إلى تكفير الحاكم والمجتمعات القائمة وإلى الهجرة داخل الكهوف حتى يكتمل البناء التنظيمى للجماعة ثم ينطلقون بعدها إلى ضرب الكفار .والجماعة لم يعد موجود منها سوى بضع عشرات من الشباب دون فاعليه وأعدم شكرى وأربعة من رفاقه فى عام 1978 .

(3) محمد عبد السلام فرج : وهو مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الإسلامى وقيل أنه كان أميرا للتنظيم منذ عام 1979 , إلا أن الثابت أن عبود الزمر كان هو الأمير وأن محمد عبد السلام كان مسئولا عن تجنيد أعضاء جدد وعن الدعوة للجهاد . وهو مهندس بإدارة جامعة القاهرة ولقد استطاع أن يضم خالد الإسلامبولى إلى التنظيم عام 1980 وان يخطط معه اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 , وتم اعدامه فى أبريل 1982 ومن أهم كتب محمد عبد السلام فرج كتاب ( الفريضة الغائبة ) الذى يعد بحق الأساس النظرى لأعضاء تنظيم الجهاد .

(4) عبود الزمر : القائد الحالى لتنظيم الجهاد وهو يقضى الآن 40 سنة سجن لاتهامه بمحاولة قلب نظام الحك فى مصر والتخطيط لاغتيال السادات ولد عبود فى حى الإمام الشافعى , منحدرا من أسرة عريقة قريبة من استراحة القناطر التى أنشأها السادات خصيصا له ولأسرته درس عبود الثانوية العامة من مدرسة السعيدية بالجيزة ودخل الكلية الحربية , وأصبح ضابطا بسلاح المخابرات الحربية أبان عهد كمال حسن على رئيس الوزراء السابق ( وهذه ملاحظة لم يدركها أحد من الذين كتبوا عن عبود الزمر فيما بعد , وهو أنه كان على معرفة شخصية بكمال حسن على منذ عمل معه فى سلاح المخابرات الحربية )

- كان واحد من عدد قليل من الضباط الذين عملوا بجريمة السادات بنسف طائرة وزير الحربية أحمد بدوى ورفاقه ال12 من قادة الجيش , وكان واحدا من الذين عملوا بها قبل وقوعها بأسابيع طويلة وأن أحد أسباب بحث السادات عنه أنه كانت معه وثائق وتسجيلات صوتية للسادات ورجال المخابرات الذين خططوا لنسف طائرة أحمد بدوى , الذى رفض الصلح مع إسرائيل ويرفض الهجوم على ليبيا بدون مبرر سياسى أو حربى مقبول .

- أيضا بطاقة التعارف الشخصية لعبود الزمر تقول أنه تزوج مرتين : المرة الأولى استمر زواجه ثمانية أشهر فقد , ثم تزوج بعد ذلك من سيدة تدعى " وحدة " وهى فى نفس الوقت ابنه خالته ولا زال هذا الزواج مستمرا منذ خمس سنوات .

- تم أول اتصال مباشر بين عبود الزمر وبين محمد عبد السلام فرج عام 1980 واستمر إلى أن القى القبض عليه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 فى مخبئه , بشارع المدينة المنورة بالمنزل رقم 6 ولا يزال تنظيم الجهاد من أكبر التنظيمات عددا ( 3 آلاف كادر حركى تقريبا حتى يومنا هذا ) .

خامسا : منهج التعامل مع الوثائق

مما سبق يتضح أن القضية التى ندرسها من التعقيد النظرى والسياسى مما يستلزم معه عدم التهوين أو التهويل منها فى نفس الوقت .

الأمر الذى يتطلب فى حال تحليل وثائق تلك التنظيمات أكبر قدر من شمول الرؤى وعمقها – من هنا سوف نتجه فى تحليل وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى الرئيسية فى السبعينات وفق مستويات أربعة :

المستوى الأول : ونحلل : فيه رؤية الوثائق لنظام الحكم القائم فى مصر وفى المجتمعات الإسلامية إبان إصدار الوثائق ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام من وجهة نظر الوثائق .

المستوى الثانى : ويذهب إلى تحليل وعرض رؤية الوثائق للمجتمع الإسلامى القائم وطبيعته الإيمانية ومدى قربه من النموذج الإسلامى الأمثل أو بعده عنه , ومظاهر الكفر والشرك به .

المستوى الثالث : نتناول فيه رؤية الوثائق للبديل الإسلامى , والذى غالبا ما يكون هو الجمهورية أو الدولة الإسلامية , وحدود هذا البديل وحجمه ودوره الحقيقى فى دورة التاريخ الإنسانى .

المستوى الرابع : ونقدم رؤية الوثائق للمستقبل الإسلامى وشكل هذا المستقبل وطبيعة التحديات التى ستواجهه .

هذا ونقتصر فى تحليل الوثائق على تقديم رؤاها دون شرح لها , يخل بالمعنى المقصود منها , وهو الأمر الذى يتطلب أن نضع ملاحظاتنا على الوثائق داخل كل مستوى من المستويات السابقة , إما فى مقدمة التحليل أو فى نهايته , وأحيانا داخل المتن , بين السطور ولكن بحدود ضيقة وبأكبر قدر من عدم التدخل فى المعانى الحقيقية التى أراد صاحب الوثيقة أن يقولها هذا ولق قصرنا وثائق تنظيمات الغضب الإسلامى على وثائق ثلاثة تنظيمات كبرى , تعد بحق هى علامات البروز الرئيسية فى المنحنى العام لمسار الحركة الإسلامية غير الرسمية فى السبعينات وهى :

1- وثائق الدكتور صالح سرية قائد تنظيم حركة الفنية العسكرية والمعنوية بوثائق " رسالة الإيمان " وهى آخر ما كتبه فى نفس الوقت .

2- وثائق شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين أو ما أسمته الأجهزة الرسمية بتنظيم التكفير والهجرة وهى الوثائق المعروفة ب " التوقف والتبين " و" الخلافة : ثلاثة أجزاء " والهجرة : ثلاثة أجزاء والتوسيمات وهذه هى كل الوثائق التى صدرت عن شكرى مصطفى حتى إعدامه عام 1978 وكتبت بخط يده .

3- وثائق محمد عبد السلام فرج الذى كان مسؤولا عن الدعوة داخل تنظيم الجهاد ويقال أنه كان قائدا للتنظيم قبل مبايعة عبود الزمر عام 1980 والذى أصبح الأخير بمقتضاها أميرا للتنظيم حتى اليوم , والوثيقة هى كتاب ( الفريضة االغائبة ) وهو الكتاب الوحيد لمحمد عبد السلام فرج .

  • هذه هى الوثائق الأساسية بالاضافة لحوار شامل وقصير فى نفس الوقت لعبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى حاليا والذى حللناه أيضا وفق المستويات الأربعة السابقة .
  • ويقتضى الأمر هما – وفى النهاية الاشارة لبعض الملاحظات والصعوبات العامة التى واجهت الباحث:

أولا : لقد تعمدنا إسقاط التحقيقات والمحاكمات القضائية التى أجريت مع قادة التنظيمات السابقة من الاعتبار القائل بكونها " وثائق " تستحق أن تعامل معاملة ما كتب بخط اليد من كتب ومذكرات لأكثر من سبب أهمها احتمالات الكذب أو التزييف فى التحقيقات , نتيجة وقوع أصحابها تحت ضغوط نفسية وجسدية عنيفة اعتادتها أجهزة الأمن فى مصر منذ أنشأها الإحتلال الإنجليزى والقصر إبان امتداد الحركى الوطنية والإسلامية ضده فى أواخر القرن الماضى وهى ذاتها الضغوط التى ما زالت تمارس حتى اليوم مع تنوع وتزايد الأدوات والوسائل المستخدمة فى التعذيب .

    • من هنا كان اعتمادنا الأساسى على الوثائق المكتوبة بخط اليد أو تلك التى استطاعت تنظيمات الغضب الإسلامى إخراجها مطبوعة , وإن شاب الطباعة دائما كثرة الأخطاء المطبعية وسوء الورق والطباعة معا

ثانيا : مثل الحصول على الوثائق الواردة فى هذه الدراسة صعوبة كبيرة من ناحية كونها ممنوعة قانونا ومن ناحية أخرى أن بعض تنظيمات الغضب قد اختفى بفعل عوامل القهر السلطوى أو بفعل الفشل فى تجنيد أنصار جدد أو بفعل الإخفاق فى ابداع أفكار وأطروحات جديدة للإستمرار وبالطبع اختفت معها وثائقها , من هنا كان الحصول على هذه الوثائق أحد العوائق الرئيسية أمام الباحث , ومثل تحليلها العائق الثانى , لأن الباحث اضطر أمام وثيقة مكتوبة برؤية محكمة ووفق منهج واحد فى التحليل , اضطر إلى القيام بعملية " تشريح " لهذه الوثيقة وإعادة تبويب لأفكرا صاحبها وفق منهج جديد له أربعة مستويات قد يتطلب المستوى الواحد منها الأخذ من أول سطور الوثيقة ثم الإنتقال مباشرة إلى آخر سطورها , ثم تسجيل الإنتقادات على أفكار الوثيقة فى نفس الوقت , وهى عملية ولا شك مضنية ولذا تتطلب الإنتهاء منها أمدا طويلا .

ثالثا : تعمدنا فى تحليلنا لوثائق تنظيمات الغضب الإسلامى أن تكون بأكبر قدر من الموضوعية التى تعنى لدينا " عدم التنحى " وعدم الإنحياز العلمى وتقديم الوثيقة بانتقاداتنا عليها وعيوننا على المستقبل قبل الحاضر ودون استغراق مخل فى الماضى وهو الأمر الذى دفعنا إلى إسقاط بعض الوثائق التى تم الحصول عليها بشأن تنظيمات " الجهاد الإسلامى " مثل تنظيم ( إسماعل الطنطاوى – 1973 ) و ( تنظيم مصطفى علوى وعصام القمرى عام 1973 ) و ( وتنظيم يحيى هاشم 1975 ) و ( وتنظيم مصطفى يسرى 1977 – 1979 ) أو تلك الوثائق غير المحددة الهوية لتنظيم الجهاد الحالى بقيادة عبود الزمر والتى تتداول سرا , أسقطنا ذلك عن عمد , لأسباب مختلفة أهمها : أنها لا تضيف جديدا إلى الأفكار الكبرى التى وردت عند القادة الأربعة الذين خصصنا هذه الدراسة لتحليل وثائقهم , ولأنها قد تسقطنا فى هوة " التحيز غير العلمى " والتجنى المهاجى ونسب أفكار لغير أصحابها الحقيقيين وتحميل رجال وشبابا مسلم نبيل المقصد والغاية ما لم يقله أو يصدر عنه بالفعل .

ومن هنا ... كانت الوثائق المرفقة , هى موضوع هذ ه الدراسة – القراءة وهى على حد علمنا المحاولة الأولى من نوعها من حيث الشمول والإحاطة ومن حيث الموضوع والمادة التى لا زالت محرمة بفعل القوانين والأوامر السياسية العليا ولكنها على أية حال لا تخرج عن كونها محاولة واجتهاد نعلم أنه سيثير العديد من العواصف وردود الفعل , ولكنه اجتهاد فى نهاية الأمر فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر فى زمن أصبح فيه الهواة وأنصاف المثقفين لا يجدون مادة للتسلية والإرتزاق سوى التنظيمات الإسلامية المعارضة والإحياء الدينى المعاصر ... والآن ... ماذا عن وثائق الغضب الإسلامى ؟

ملحق الفصل الأول

( قائمة بالدراسات التى تعرضت بالبحث فى قضية الإحياء الإسلامى وتنظيمات الغضب الإسلامى والتى مثلت مصادر أساسية للباحث فى هذا الفصل من الكتاب )

1- ابن تيمية :الفتاوى الكبرى – طبعة القاهرة 1965 .

2- أبو الأعلى المودودى : المصطلحات الأربعة – الحكومة إسلامية , تعريب أحمد إدريس – القاهرة – المختار الإسلامى يناير 1980 .

3- إدوارد سعيد : تغطية الإسلام : ترجمة سميرة نعيم خورى – بيروت مؤسسة الأبحاث العربية – ط 1 – 1983 .

الاستشراق : المعرفة – السلطة – الإنشاء ترجمة كمال أبو ديب بيروت مؤسسة الأبحاث العربية ط1 – 1983 .

4- آية الله الخومينى : الحكومة إسلامية ترجمة حسن حنفى ( القاهرة – 1983 ) .

5- برهان غليون : إغتيال العقل ( دار التنوير – بيروت – ط1 1985

6- د. جمال الدين محمود : قضايا إسلامية الإجتهاد وتنوع الرأى – التفكير بلا دليل – المساجد لله وحده ( القاهرة – المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سبتمبر 1981 ) .

7- جمال بدوى : الفتنة الطائفية – القاهرة , المركز العربى للصحافة – د – ت .

8- مجموعة مؤلفين إسرائيليين : النظام الحاكم والمعارضة فى مصر فى عهد السادات ( ترجمة الهيئة الأمة للإستعلامات – القاهرة – د. ت

9- د. حامد ربيع : سلوك المالك فى تدبير الممالك : الجزء الأول والثانى ( القاهرة دار الشعب 1979- 1981 ) .

10- جودة سعيد محمد : مذهب ابن آدم او مشكلة العنف فى العمل الإسلامى ( القاهرة – دار الاعتصام – ط2 – 1977 )

11- د. حسن صعب : الإسلام وتحديات العصر – ط 2 ( دار العلم للملايين – بيروت 1975 ) .

12- خالد محمد خالد : سلسلة مقالاته بصحيفة الوفد عن التيار الإسلامى بتاريخ 13-7- 1986 وبتاريخ 7-8-1986 . الدولة فى الإسلام ( القاهرة = دار ثابت – 1981

13- رفعت سيد أحمد : لماذا قتلوا السادات : دراسة وثائق فى الفكر السياسى لخالد الإسلامبولى وعبود الزمر ( القاهرة – التونى للطباعة والنشر 1985 ) .

14- ريتشارد ب ميتشل : الإخوان المسلمون ( جزئين ) ترجمة عبد السلام رضوان ومنى أنيس ( القاهرة – مكتبة مدبولى – ط1 – 1977

15- سالم البهنساوى : الحكم وقضية تكفير المسلم ( القاهرة – دار الأنصار 1977 )

16- سيد قطب : معالم فى الطريق القاهرة دار الشروق 1980 المستقبل لهذا الدين ( د. ن . – د. ت )

17- طارق البشرى : الحركة السياسية فى مصر 1945-1952 الطبعة الثانية دار الشروق – القاهرة 1982 ) .

18- فريد هوليداى : مقدمات الثورة فى إيران ترجمة مصطفى كركرتى ( بيروت دار ابن خلدون – الطبعة الثانية 1982 )

19- فهمى هويدى : سلسلة مقالاته بالأهرام خلال الفترة من يناير حتى أغسطس 1986 ( التى عالج فيها قضايا إسلامية هامة للغاية )

20 – ملف مجلة السياسة الدولية بالعدد رقم 61 يناير 1980 عن الإحياء الإسلامى )

21- محمد حسنين هيكل : خريف الغضب ( بيروت شركة المطبوعات للتأليف والنشر الطبعة الثانية 1983 )

22- محمد قطب : جاهلية القرن العشرين ( القاهرة – دار الشروق 1980 )

23- عبد الجواد ياسين : مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ( الزهراء للاعلام القاهرة – 1986 )

24- د. محمد رضا محرم : الحركات الإسلامية والعنف – مجلة المسلم المعاصر ( لوكسمبورج – السنة التاسعة العدد 35 مايو 1983 )

25- نبيل عبد الفتاح : المصحف والسيف : صراع الدين والدولة فى مصر (القاهرة – مكتبة مدبولى – 1984 )

26- نعمت جنينة : تنظيم الجهاد : بديل إسلامى فى مصر ( صادر عن الجامعة الأمريكية – سلسلة بحوث القاهرة فى العلوم الإجتماعية – مجلد 9 – العدد صيف 1986 ) .

27- د. فؤاد زكريا : الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة ( القاهرة دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع – 1986 )

28- د. محمد عمارة : الفريضة الغائبة ( عرض وحوار وتقييم ) بيروت – دار الوحدة – 1983 .

29- مجموعة خطب وأحاديث الرئيس المصرى الراحل أنور السادات الصادرة عن الهيئة العامة للإستعلامات خلال الفترة 1971- 1981 .

30- مجموعة التحقيقات التى أجريت مع كلا من :

الدكتور صالح سرية قائد جماعة الفنية العسكرية عام 1974 .

شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين 1977 )

تنظيم الجهاد وبالأخص أقوال محمد عبد السلام فرج وعبود الزمر عبد اللطيف الزمر ( 1981)

32- هناك العديد من الدراسات الأوروبية الأمريكية لقضية الإحياء الإسلامى أفردنا لها موضع آخر وتعمدنا هنا اسقاط بعض الكتابات الصحفية سواء لصحف معارضة كالوفد أو لصحف رسمية كالأهرام أو لصحفيين لضحالة وسطحية المعالجة وأحيانا تفاهتها كأن ينظر مثل الجهاد مثلا على أنه عصابة مسلحة مسقطا كل الإعتبارات السياسية والحضارية للقضية : انظر كنموذج لهذه الكتابات كتابى الصحفى عادل حموده : اغتيال السادات رئيس , ومصاحف وقنابل ( دار سينا للنشر – القاهرة 1985 – 1986 )

  • والجدير بالذكر أن كتاب اغتيال رئيس صدر بشأنه قرار رقم 2540 لسنة 1985 من محكمة جنوب القاهرة الإبتدائية والمتضمن التحفظ على جميع نسخ الكتاب وأمواله نظرا لقيام مؤلفه بسرقته كاملا من كتاب الصحفى حسنى ابو الزيد المعروف ب " من قتل السادات " وحصل الأخير بمقتضاه على القرار القضائى السابق .

الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر:

حين ركب جمال عبد الناصر موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى الشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة , سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها , وإن لم يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق ... صالح سرية – وثيقة رسالة الإيمان- ص 53

الفصل الثانى : صالح سرية بين رسائل الإيمان والكفر

  • صالح سرية الفلسطينى الاصل الحاصل على دكتوراه فى علم النفس من جامعة عين شمس المصرية عن التعليم فى الضفة الغربية , والذى قاد تنظيم التحرير الإسلامى عام 1974 ( ويقال أن اسمه تنظيم شباب محمد ) فى حادث الفنية العسكرية لإسقاط السادات , وتحقيق العدل والحرية والكرامة لكل المواطنين كما يقول بيانه الذى كان سيلقيه بعد الإستيلاء على مقاليد السلطة والذى سننشره ضمن هذا الفصل .
  • فصالح سرية .. الذى هدف إلى تكوين الجمهورية الإسلامية فى مصر له رؤيته السياسية والفكرية التى مهما اختلفنا معها فهى متكاملة , بل وأكملها فيما بعد بالتطبيق الثورى لها , فهو لم يقل فقط كما هو حال أغلب مثقفينا وسياسينا ولكنه قال , وفعل فإن كان قد أخطأ فيما قال فله أجر وإن كان قد أصاب فيما قال فله أجران كما يقول تراثنا الإسلامى .
  • وفى هذا الفصل نذهب مع صالح سرية فى سياحة فكرية دقيقة ومرهقة , إلى حيث وثائقه , المنوعة حتى اليوم من النشر العلنى لأنها من وجهة نظر الأمن تعكر الصفو وتهدد الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى .. وهذه الوثائق التى ننشرها دون تدخل كبير أسماها صاحبها " برسالة الإيمان " وهى لا تتجاوز فى حجمها 61 صفحة , وهىتحدد إلى درجة بعيدة الرؤية السياسية لصالح سرية وكيف أن الجهاد الثورى هوالحل لظهور دولة الإسلام وإنهاء مظاهر الكفر السائدة منذ رحيل آخر الخلفاء الراشدين .
  • والوثائق سوف نقسمها وفق المنهج المشار إليه فى الفصل الأول , إلى قضايا أساسية متجاوزين بهذا اسلوب العرض التقليدى ,فماذا تقول عن نظام الحكم – والمجتمع – والبديل الإسلامى – وملامح دولة الإسلام ومستقبله ؟

(1) نظام الحكم : رؤية صالح سرية لنظام الحكم فى بلاد المسلمين

تعد هذه القضية ( الموقف من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين ) من النقاط الأساسية والهامة عند تيارات الجهاد الاسلامة , وهى تكتسب عند الدكتور صالح سرية أهمية خاصة من كونها تحديدا ووضوحا بالإضافة إلى أنها تعد من أولى المحاولات فى السبعينات لتحديد الموقف مبكرا من أنظمة الحكم فى بلاد المسلمين وهو يرى فى وثائقه الآتى : ( أن الحكم القائم اليوم فى جميع بلاد الإسلام هو حكم كافر فلا شك فى ذلك والمجتمعات فى هذه البلاد كلها مجتمعات جاهلية أما الحكم – يقول سرية – فأدلتنا على كفره لا حصر لها فى الكتاب والسنة " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ومنها " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " ومنها " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون , أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " وغيرها الكثير من الآيات والنص القاطع فى ذلك قوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون "سورة المائدة

وجدير بالذكر أن الظلم والفسق فى لغة القرآن تطلق على الكفر والشرك والنفاق والغريب أن يستدل على عدم الكفر بأن الآية الأولى نزلت فى اليهود وهى بذلك لا تنطبق على المسلمين , تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا , كأنهم يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يقول ما لا يفعل فهو يقول لليهود إذا لم تحكموا بما أنزل فأنتم كافرون أما أنا فلا أكون كافرا إذا لم أحكم بما أنزل الله أليس معنى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم تنطبق فى حقه الآية " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون " اللهم أن يقال أيضا أن هذه الآية نزلت فى أهل الكتاب فيجوز للمسلم أن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه أو يجعلون الرسول صلى الله عليه وسلم أقل شأنا من شعيب حين يقول للقوم " ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ويقال أيضا أن هذا غير ملزم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يجوز أن يخالف لما ينهى عنه وحاشاه صلى الله عليه وسلم ونسى هؤلاء أن قضايا العقيدة واحدة عند كل الأنبياء ولكن التشريع مختلف يقول الله تعالى " فبهداهم اقتده " ويقول " لكل جعلنا شرعة ومنهاجا " وطاعة الله من العقيدة ولم يأمر بها اليهود وحدهم وإنما المسلمون مأمورون بذلك أيضا وإذا كان اليهود كافرين إذا لم يحكموا بما انزل الله فإن المسلمين يكونوا أشد كفرا إذا ارتكبوا نفس المعصية وذلك أنه من المعروف بداهة ومن أصول الفقه أن النهى عن شىء دليل على النهى عما هو أكبر منه فإذا قال الله عن الوالدين " فلا تقل لهما أف " فهذا دليل قاطع عن حرمة ضربهما أيضا مع أنه لا يوجد نص فى القرآن ولا السنة على حرمة ضربهما ولو قلنا أنه لا يليق بطلاب المدارس الإبتدائية أن يسيروا حفاة الأقدام فبالأولى لايليق بطلاب الجامعة ذلك دون حاجة إلى النص عليه وحين يقول الله تعالى عن اليهود " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " فبطريق أولى أن ينطبق ذلك على المسلمين لأنهم أرقى من اليهود وأيضا فإن النص عام يشمل كل البشر لأن كلمة ( من ) عامة تشمل كل انسان سواء كان يهوديا أو غير يهودى والحكم دائما بعموم اللفظ على أن القصد لا يحتاج لكل هذا الجهد لإثبات هذه البديهة أن يكون إنسانا مؤمنا بالله ومقدرا الله حق قدره ثم يعرض عليه منهاج الله فيفضل عليه منهاج غيره كائنا من كان هذا الغير إلا إذا كان يقوم هذا الغير عن الله سبحانه وتعالى فى هذه الحالة واضح أنه كافر فكما أنه لا يعقل أن يقوم إنسان بتطبيق الدين البوذى فى كل تصرفاته ثم يقول أنه مسيحى أو يقوم إنسان بتطبيق النظام الرأسمالى ويقول أنه شيوعى أو يطبق إنسان النازية ثم يقول أنه صهيونى مما لا يخطر على عقل عاقل ومع هذا ما يحصل بالنسبة للمسلمين فالحكام يقولون نحن مسلمون لكنهم يطبقون مناهج الكفر فهل يعقل هذا ؟

زمن التصريح فقط :

تقول الوثائق مجيبة :

( من البديهى لا يكون ولكنهم يسخرون من سذاجة المسلمين وتفاهة تفكيرهن إذ أنهم حولوا الإسلام خلال قرون إلى كلام دون عمل وما من نكسة أو لوثة عقلية أصابت المسلمين أكثر من ذلك فليس المهم مثلا تحرير فلسطين إنما المهم أن تصرح وتقول وليس المهم أن تصلح البلد المهم أن تصرح وهكذا أصبح التفكير العربى المعاصر كله منصبا على الكلام دون العمل لذلك من قال ( مجرد القول ) أنه مسلم فهو مسلم فى نظرهم ولو عمل عمل اليهود والنصارى وقد يقال أن هذه الحكومات قضت فى دساتيرها أنها دولة إسلامية وأن شريعة الإسلام مصدر من مصادر التشريع وإنها تبنى المساجد وتدرس الدين فى المدارس وتذيع القرآن والأحاديث الدينية إلى آخره ... ألا يدل ذلك على أنها دولة إسلامية ؟

يجيب صالح سرية :

( الجواب قطعا لا والسبب فى ذلك أنها تقال فى الوقت الذى تنص بعضها وليس كلها على أنها دولة اشتراكية أو ديمقراطية أو وطنية أو قومية ... إلخ وهذه الكلمات كفر صريح عميت على المسلمين إذ أن الديمقراطية على سبيل المثال منهاج للحياة مخالف الإسلام ففى الديمقراطية أن الشعب هو صاحب السلطة فى التشريع يحلل ويحرم ما يشاء وله الحق أن يحلل اللواط مثلا كما حدث فى انجلترا أو الزواج الجماعى كما حدث فى السويد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام والديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهودية مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت , ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن هذه أيضا أهملتها فالإنسان حرا أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى أى مسئول ذلك فاقتصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى هذه لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية .

وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور أنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك , ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس للإسلام على النصرانية فإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى والنصرانية دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذا هو الأمر الطبيعى عندهم لأن دينهم كذلك وكلمة religon هناك لا تعنى كلمة الدين فى الإسلام إذ أنها هناك تعنى الشعائر التعبدية وفقط وبهذا المعنى الضيق وهو صلة العبد بربه عن طريق طقوس معينة فلما ترجموا الدساتير استبدلوا النصرانية بالإسلام ومن هنا كان اللبس .

والإسلام غير النصرانية لأن نصوص الكتاب والسنة هما مصدر الإسلام الأصليين لم يقتصرا على العبادة , بهذا المعنى وإنما تجد بالإضافة إلى ذلك ( التشريع والحكم ) ( التصرفات والشعور والأخلاق ) ( الإعتقاد ) والإسلام جسدا واحدا من كفر بآية واحدة كفر به كله " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون "

العقيدة فقط = الكفر

فمن اكتفى بالعقيدة الإسلامية وحدها وكفر بالعبادة والأخلاق والتشريع فهو كافر لا خلاف فى ذلك ومن أخذ بالعبادة وكفر بالعقيدة فهو كافر ومن قال الإسلام أخلاق وكفر بالعبادة والعقيدة والتشريع فهو كافر .

ولقد غفل معظم المتدينين فى هذا الزمان عن هذه البديهة فنجد الواحد منهم فى غاية التدين يحرص على قراءة القرآن وقد يبكى فى الصلاة خشوعا ويقرأ من الأوردة ما لا يحصى لكنه لا يؤمن بقضايا التشريع مثلا فهو كافر لا شك فيه وهو كمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يحقر أحدكم صلاته إلى جانب صلاتهم , يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وكثير من الحكام استغل هذه النقطة فنجدهم يحرصون على الصلاة وعلى بناء المساجد وعلى كثير من الشكليات الإسلامية قاصدين من وراء ذلك كسب شعبية لأنهم يعرفون تدين الشعب أو مؤمنين بذلك حقا لكنهم فى نفس الوقت يبعدون الإسلام عن قضايا التشريع والحكم بل ويحاربون من دعوا إلى استئناف الحكم الإسلامى ويسجنونهم ويضربونهم فهؤلاء لا شك كفار ومن ساندهم فهو كافر لأنهم لم يكفروا بآية واحدة فقط وإنما كفروا بقطاع كامل من الإسلام وأما النص على أن التشريع الإسلامى متساويا فى ذلك مع التشريع الرومانى أو مع العادات والتقاليد ومع تشريع ( حمور أبى) ويا ليته كان كذلك بل لا يكون هذا الإسلام مصدرا للتشريع إلا فيما نص فيه من القوانين الوضعية وليس فى تحقير الإسلام بعد ذلك من تحقير , إن غاية ما يصل إليه هؤلاء أنهم مشركون أشركوا الإسلام مع التشريعات الأخرى ويكفى ذلك أن تدفعهم بالكفر أما ما يتفضلون بع على الإسلام من بناء المساجد وإقامة الحفلات وإذاعة القرآن وغيرها فإنهم يعملون للكفر أضعاف ذلك أنهم مع بناء المساجد يبنون الملاهى وبيوت العشق والدعارة أو مع إذاعة القرآن يذيعون كل أنواع الرذيلة ويشيعون الفاحشة فى الذين آمنوا ولا يحسبون لذلك حسابا للإسلام فى أى جانب من جوانب الحياة وفى جميع إدارات الدولة .

مجتمعات جاهلية

وفى موضع آخر من وثائقه يقول صالح سرية رابطا كفر أنظمة الحكم بكفر المجتمعات والأفراد ( إن المجتمعات كلها مجتمعات جاهلية والمظاهر العامة للنساء والرجال والرقص والبلاجات وسب الدين والله علنا والمجاهرة بعدم أداء فرائض الإسلام ووجود الخمر والزنا والقمار علنا ونشر الكذب والفسق والخداع والرذيلة كل ذلك وغيره يجعلنا نقول ونحن مطمئنين إلى أن هذه المجتمعات جاهلية ولو أن المسلم أراد أن يغير هذه المنكرات فإن الحكومة تحميها وتحاربه فهل تكون دولة إسلامية من تحارب المسلمين الذين يحاربون المنكر وهل تكون دولة إسلامية من تحمى المنكر بل هى التى تقيم هذا المنكر اللهم إلا قد يتصدر البعض بالقول أن الدولة الإسلامية التى تقيم الحدود فقط , وهذا وهم فالحدود جزء من الإسلام وليست كل الإسلام ومن الممكن أن تقوم دولة كافرة بتطبيق الحدود لاقتناعها بأنها تؤدى إلى القضاء على الجرائم ومع ذلك فلا تصبح دولة إسلامية بذلك , إن الدولة الاسلامية هى التى يكون هدفها حمل رسالة الإسلام ونشرها وتطبيقها كاملة داخلها وخارجها والجهاد فى سبيلها والتضحية من أجل ذلك بكل ما تملك ويكون ذلك فى جميع مرافق الدولة وفى جميع شئون الحياة فالإعلام فى خدمة الدعوة الإسلامية ولا يذاع ولا ينشر شىء يخالف الإسلام والتعليم هدفه تخريج أجيال مؤمنة بالإسلام , عالمة به متحاكمة إليه مضحية فى سبيله ولذلك تكون كل المناهج موجهة هذا التوجيه حتى مناهج العلوم , ولا يوكل فى قضايا الإعلام والتعليم لأى رجل إلا إذا كان من دعاة الإسلام , فى السياسى الداخلية أوالخارجية أو التشريعية أو الإقتصادية أو غيرها يكون الإسلام هو الأساس فى الوظائف القيادية لا يمكن أن تكون لغير دعاة الإسلام وهذا هو شأن كل الدول العقائدية وهذا لا يمنع فى القضايا الفنية العرفية أن تستعين حتى بغير المسلمين أما القضايا التوجيهية فلا يمكن ذلك وإذا أثبت أن هذه الحوكمات كافرة وإن هذه المجتمعات جاهلية فهل كل فرد فيها كافر ؟ الإجابة قطعا لا .

إنما الكافر من هؤلاء هو من آمن بأن هذه الحكومات على حق وأن الإسلام باطل أو ينبغى أن يقتصر على قضايا العبادة أو كان لا مباليا سواء جاء الإسلام أم لم يأت أو كان ناقما على هذه الحكومات لكنه يرى الإصلاح طرق أخرى غير طرق الإسلام ويكون مؤمنا من هؤلاء من آمن بأن الإسلام هو الحق وأن هذه الحكومات كافرة ويعمل على تغييرها لتكون إسلامية سرا أو علنا من رضى وتابع فهو كافر ومن كره وعمل على التغيير فهو المؤمن يستوى فى ذلك أكبر رأس مع أقل فرد وعلى هذا يجوز للمسلم أن يكون موظفا أو ضابطا أو زيرا أو حتى رئيسا للدولة فى هذه الدولة الكافرة ومع ذلك يكون مؤمنا كامل الإيمان إذا كان واحدا من ثلاث أشخاص .

الأفراد غير الكفرة

يقول سرية محددا الأفراد الذين بإمكانهم أن يكونوا غير كفرة رغم كفر مجتمعاتهم :

1- إذا كان واضحا فى عقيدته مصرحا بأنه يعمل لإقامة الدولة الإسلامية وفى الدولة التى تسير على النظام الديمقراطى إذا تكونت جماعة إسلامية أو حزب إسلامى جاز له المساهمة صراحة بالإنتخابات ودخول البرلمان والمشاركة فى الوزارات إذا كان صريحا فى أنه يسعى عن هذا الطريق للوصول إلى السلطة وتحويل الدولة إلى دولة إسلامية .

2- إذا كان العلن غير ممكن يجوز للشخص أن يدخل فى مختلف اختصاصات الدولة بأمر من الجماعة الإسلامية ويستغل منصبه لمساعدة هذه الجماعة للحصول على السلطة أو التخفيف عنها فى حالة المحنة أو إفادتها بأى طريق ولا مانع أن يصبح وزيرا حتى مع حكم طاغية إذا كان بهذه النية .

3- إذا لم يكن فى جماعة إسلامية لعدم اقتناعه بأى جماعة من الجماعات التى اتصلت به لكنه مؤمن بكل المبادىء التى ذكرناها وقد وطد العزم على أن ينضم إلى الجماعة الإسلامية الحقة حين يجدها ويستغل منصبه فى إفادة الإسلام والمسلمين .

الجهاد وسيلة لبناء دولة الإسلام

وفى ربط دقيق بين تشخيص حالة أنظمة الحكم وبين الهدف ووسيلة تحقيقه يقول صالح سرية :

" والجهاد لتغيير هذه الحكومات وإقامة الدولة الإسلامية فرض عين على كل مسلم ومسلمة " هنا يحدد سرية الطريق وبوضوح لإقامة دولة الإسلام وذلك لأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة وإذا كان الجهاد واجب لتغيير الباطل حتى ولو لم يكن كافرا كما فعل الحسين رضى الله عنه كما قال رول الله صلى الله عليه وسلم ( خير الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) فإن الجهاد ضد الكفر لا يختلف اثنان من المسلمين أنه أفرض الفرائض وذروة سنام الإسلام ( من مات ولم يغزوولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية ) ومن ماتوا دفاعا عن حكومات الكفر ضد من قاموا لإقامة الدولة الإسلامية فهم كفار إلا إذا كانوا مكرهين فإنهم إذ أن الحركات الإسلامية كثيرا ما تتلكأ عن القيام ضد الدولة خوفا من إراقة الدماء لأنهم لم يتضح لهم هذه القضية الواضحة وضوح الشمس وهى كفر هذه الدولة .

ودار الإسلام عند الفقهاء هى الدار التى تكون فيها كلمة الله هى العليا يحكم فيها بما أنزل الله حتى لو كل كل سكانها من الكافرين إذ حين فتحت مصر مثلا أصبحت دار إسلام مع أن سكانها كانوا كافرين ودار الحرب هو الدار التى تكون فيها كلمة الكفر هى العليا ولا يحكم فيها بما أنزل الله ولو كان كل سكانها مسلمين , ولو احتل المستعمر بلدا إسلاميا تصبح هذه البلد دار حرب يجب تحريرها وارسال جيش لقتال حكامها ولو أن جند المسلمين فى جيشها وجب قتل هؤلاء المسلمين ولا خلاف فى ذلك بين أحد من المسلمين وكل ولاءه لدولة الكفر وليس لإقامة الدولة الإسلامية عومل معاملة الكفار " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء " " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " وعشرات الآيات فى القرآن تحدثت عن موضوع الولاء كلها تؤدى إلى كفر من تولى الكافرين وهذه نقطة غائبة عن معظم المتدينين فإذا ثبت أن الدولة كافرة مثلا لا يجوز الولاء لها مهما اتخذت من المواقف الوطنية أو القومية أو الإصلاحات الداخلية لأن مقياس المسلم هو الإسلام والدولة الإسلامية ستتخذ هذه المواقف وأحسن منها ولا يجوز أن تتخذ هذه المواقف ذريعة لموالاة الكفر والتراجع عن العمل لإقامة الدولة الإسلامية ومن فعل ذلك فهو كافر لا شك فى ذلك عندنا ) ونقف بهذا القدر من الوثائق لننتقل من نظام الحكم إلى المجتمع ومؤسساته فكيف يراها صالح سرية فى وثائقه .

(2) المجتمع: رؤيته للمجتمع الاسلامى الراهن ومظاهر الكفر فيه

وننتقل مع وثائق صالح سرية خطوة أكبر لنعرف منه رؤيته للمجتمع الإسلامى وللقوانين السائدة فيه والاحزاب ولحركات السياسية , ومظاهر الكفر فيه وكيف يحددها ولنترك لوثائقه العنان الذى شمل الكثير .

الأحزاب والجمعيات والمبادىء العقائدية

يقول صالح سرية فى وثائقه ( كل من اشترك فى حزب عقائدى فهو كافر لا شك فى كفره وهذه الأحزاب الشيوعية أو حزب البعث العربى الإشتراكى أو حركة القوميين العرب أو الحزب القومى السورى أو الإتحاد الإشتراكى العربى ( يلاحظ أنه كان لا يزال موجودا وقت كتابة سرية لهذه الوثائق كما هو معلوم ) وأمثالها ذلك ان هذه الأحزاب لها عقائد ومناهج الإسلام وهذا كفر والجهل هنا لا يفيد صاحبه لأن الجهل بعد انتشار الإسلام ليس عذرا .. ومثل الأحزاب , الجمعيات العقائدية مثل الجمعيات الماسونية أو الليونز أو الروتارى أو غيرها من الجمعيات العالمية ذات الأهداف السرية لأن هذه الجمعيات أيضا لها مناهج وعقائد مخالفة للإسلام حكمها فى ذلك كحكم الأحزاب كما سبق . وينطبق هذا الحكم على من اعتقد فلسفة مخالفة الاسلام مخالفا مثل الفلسفة المادية أو الوجودية أو البرجماتية وغيرها وكذلك كم اعتنق مبدأ سياسيا مخالفا للإسلام الديمقراطية والرأسمالية والإشتراكية والوطنية الأمية وغيرها .

فكل من اعتنق هذه الفلسفات أو المبادىء أو مثيلا لها فهو كافر ذلك أن الإسلام كما أوضحنا ليس دين عبادة بالمعنى المسيحى وهو صلة العبد بربه فقط وإنما هو دين له منهجه وشرعه يشمل العقيدة والعبادة والأخلاق والتشريع أى أنه يشمل الدين والدنيا معا بالمعنى الغربى وهذه المناهج والفلسفات أو المبادىء أو العقائد التى ذكرناها سابقا أما أن تكون مطابقة للإسلام أو مخالفة له فإذا كانت مخالفة له وكلها كذلك , فالكفر فيها واضح أما إذا كانت مطابقة للإسلام وهى ليست كذلك – وإن كان البعض يحاول أن يخدع المسلمين بذلك – فلماذا عدلنا عن اسم الإسلام إلى هذه الأسماء . اللهم إذا كنا نخجل من ذكر اسم الإسلام ونفتخر بانتمائنا إلى مبادىء الكفر وكفى بذلك كفرا .

ويفسر سرية ما سبق بقوله :

إن الإسلام قد أبدل أسماء وشعارات الجاهلية بأسماء وشعارات إسلامية فأبدل تحية الكفار مع أن معانيها جيدة بتحية الإسلام وقال تعالى فى كتابه الكريم " لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا " على ان تبيان أخذ هذه المبادىء مخالفة للإسلام تحتاج إلى كتبا مطولة والتشابه الذى يحصل أحيانا بين بعض جوانبها وبين الإسلام لا يزيل عنها صبغة الكفر فالمسيحسة مثلا تشبه الإسلام فى جوانب كثيرة جدا فهى تؤمن بالله واليوم الآخر والأنبياء السابقين وتحريم الزنا وتوافق الإسلام فى الحث على الأخلاق الحسنى وتنفر من الأخلاق الزميمة ومع ذلك فالذى يعتنق المسيحسة لا يكون مسلما كذلك إذا شابهت الديمقراطية الإسلام الجوانب لا يصبح الديمقراطى مسلما وكذلك إذا شابهت الإشتراكية الإسلام فلا يصبح الإشتراكى مسلما وهكذا لأن أصول هذه المبادىء تخالف الإسلام وأعود إلى القول أن المسلمين غفلوا عن هذه المسألة لأنهم اعتقدوا أن الإسلام دين عبدة أما بقية شئون الحياة فيستمدونها من الفلسفات الأخرى ظنا منهم أن الإسلام قد خلا من هذه المناهج وهذه العقيدة غير الإسلامية نتجت من أن ثقافة المسلمين اليوم هى ثقافة غربية وثقافة الغرب نبتت على أساس أن الدين المسيحى لا يتدخل فى شئون الدنيا ولذلك أوجدوا هذه المبادىء أو الفلسفات فنقلت هذه الثقافة كما هى إلى بلاد المسلمين والفرق الجوهرى بين الإسلام وبين كل ما عداه أن الإسلام مبنى على ان الله سبحانه هو الوحيد صاحب السلطة والتصرف فى هذا الكون وعلى البشر أن يسيروا وفق المنهج الذى رسمه كما ورد فى الكتاب والسنة وكل المناهج الأخرى ترفض ذلك وكل منها لها رأيها فيمن هو صاحب السلطة فى التشريع ورسم المنهج .

موالاة الدولة للأحزاب الكافرة

  • وفى سبيل إيضاح فكرة التكفير لديه يقول صالح سرية فى موضع آخر من وثائقه : ( لقد أصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من والى الحكومات الكافر والاحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وأننا نوضح هذا بقراءة جميع الآيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو سواء كان مخبرا أو شرطيا أو ضابطا أو محققا أو قاضيا أو صحفيا يؤيد إجراءات الحوكمة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء ممن يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من نصار الحكومة الكافرة أو أعضاء او مرشحى الأحزاب أو الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض لمرشح الإسلام فهو كافر ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أوالإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأنه مع هذه الشعارات أو طيقها سواء كان مسلما أو كافرا لا إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب أن يكون محاربا للإستعمار أشد محاربة للإسلام من محاربة الإستعمار وقد يكون الحاكم الذى يسعى إلى زيادة الإنتاج وتصنيع البلد فى الدرك الأسفل من النار يوم القيامة فالولاء أولا وأخيرا للإسلام وأهله " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " وأقول هنا أن هؤلاء الزعماء قد يكونوا متدينين بالمعنى التقليدى يصلون ويصومون ويقرأون القرآن بخشوع لكنهم كفار لأنهم آمنوا بجزء من الإسلام وكفروا بباقى أجزاءه .

القوانين

يقول سرية واصفا القوانين التى تحكم على أساسها المجتمعات الإسلامية اليوم :

( كل القوانين المخالفة للإسلام فى الدولة هى قوانين كفر وكل من أعدها أو ساهم فى إعدادها أو جعلها تشريعات ملزمة وكل من طبقها دون اعتراض عليها أو إنكارها فهو كافر وعلى هذا فإن كل أعضاء اللجنة من المستشارين الذين وضعوا هذه التشريعات وكل أعضاء البرلمان الذين صدقوا وكل مجلس الوزراء الذى قدمها والرئيس الذى وقع عليها والقضاء والنيابة ومحققوا الشرطة والمباحث الذين حققوا بموجبها إذا كانوا غير معترضين عليها وأخلصوا فى عملهم بموجبها فهم كفار وكل فرد من أفراد الشعب رضى بها أو لم ينكرها أو وقف موقف اللامبالاة منها فهو كافر لأن كل هؤلاء قد فضلوا شريعة الله وهذا كفر لأنهم اتخذوا آلهة غير الله وحكموا بغير ما أنزل الله "

المعارضون لأحكام الإسلام

يقول صالح سرية فى موضع آخر :

( كل من اعترض على حكم من أحكام الله ولم يرض عنه فهو كافر وعلى هذا فكل من كتب ضد الحدود الشريعة بأن وصف قطع يد السارق أو رجم الزانى بالتخلف والتحجر أو شابه ذلك من الأوصاف أو طالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو اعترض على تحريم الخمر أو غير ذلك مما يعتبر اعتراض على الله سبحانه وتعالى فهو كافر كفر صريح مبيح دم صاحبه وتطلق منه زووجته , ولا يصلى عليه ولا يقبر فى مقابر المسلمين ولا يرث ولا يورث .

ومن طبيعة الإسلام فى بلاد المسلمين أن أمثال هؤلاء التفاهات الحاقدة وصلوا حد التطاول على الله سبحانه وتعالى عما يقولن علوا كبيرا ووضعوا أنفسهم بمنزلة أرقى من الله سبحانه وتعالى وما حصلت هذه الجرأة إلا بسبب الميوعة التى حصلت للمسلمين نعوذ بالله من الخزلان .

وبتطبيق نفس القول على من اتهم الدين بالتخلف والرجعية أو اتهم المتدينين بنفس الآوصاف لأنهم متمسكون بالدين وأمثال هؤلاء كفار ولا شك فى ذلك وه أحفاد الذيم كانوا يتهمون الأنبياء بنفس التهمة بقولهم " أساطير الأولين" ونفس القول ينطبق أيضا على من يعترض على المظاهر الإسلامية الثابتة كالكتاب والسنة والذين يعترضون على ملابس السيدات المسلمات المحتشمة ويحاربونها ويحبذون الملابس غير المحتشمة للنساء على اعتبار أن الأولى دليل التخلف والثانية دليل التحضر وكذلك من يعترضون على تربية اللحية وينادون بحلقها على اعتبار أن تربيتها من التخلف وحلقها من التحضر والفرق بين من يرتكب إثم الحلق أو الملابس الثانية للإسلام ويعترف بتقصيرة أو يتأول ذلك ومن يعتبر ذلك علامة التخلف إذ أنه فى الحالة الأولى ليس كافر وفى الثانية كافر قطعا لأنه غير راض عن الإسلام أصلا .

الإعتزاز بتراث الكفر

يقول صالح سرية موضحا خطورة الإعتزاز الحالى بتراث الكفر فى بلاد المسلمين :

ولقد جاء الاسلام للقضاء على الكفر والجاهلية فمن اعتز بأى مظهر من مظاهر الجاهلية هذه والكفر هذا فهو كافر , وحين اعتنق الناس مبادىء الوطنية والقومية بدأوا يحيون هذا التراث الجاهلة الكافر ويعترضون به , فالوطنيون فى مصر أحيوا تراث الفراعنة واعتزوا به ورفعوه على الإسلام وهذ كفر والقوميين أحيوا تراث الجاهلية العربية " واعتزوا به , بل منهم من أسمى ابنه بهب حتى يناديه الناس أبو لهب لعنه الله وأمثال هؤلاء قد يعتزون بالإسلام أيضا ولكن كتراث وليس كدين ومنهج وشريعة ولا يفقون بين الإعتزاز بمحمد صلى الله عليه وسلم مثلا وعنترة بن شداد الكافر باعتبار أن كلا منهم عربى وقد أدى هذا بكل شعب من الشعوب إلى الإعتزاز بتراثهم الكافر ومن هذا التراث ما حارب الإسلام كالكردية فى إيران مثلا وكل هذا كفر والعياذ بالله لأن الإعتزاز بالكفر (دعوها فإنها منتنة ) جزء من حديث صحيح .

حصر الدين بالعبادة

يقول صالح سرية :

( وكلمة العبادة من المصطلحات التى حرفت عن معناها الأصلى الإسلامى واستبدلت بمعناها النصرانى فأضحت فى نظر الناس مقصورة على صلة العبد بربه وتشمل الصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر ولا تشمل التشريع ولا صلة الإنسان بالإنسان أو صلة الإنسان بالدولة أو صلة الدولة بالدول الأخرى . وهذا المفهوم لكلمة العبادة خطأ من وجهة النظر الإسلامية إذ أن معناها شمل تنفيذ أوامر الله الواردة فى الكتاب والسنة ولهذا فإن معنى قوله تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " يكون معناها وما خلقت الجن والإنس إلا ليطيعوا أوامرى ويعيشوا وفقا للمنهج والتشريع الذى وضعته وإلا فلو كان معنى العبادة مقصورا على المفهوم الأول يحرم على المسلمين عمل أى شىء خلاف العبادة ويعتبر أى عمل خلاف العبادة من زراعة وصناعة وتجارة وسياسة بل ومن أكل ومشى مخالفا لحكمة الله فى خلق الإنسان ولأصبح محرما وهذا ما لا يقول به مسلم , فالإسلام إذن هو كل ما أمر الله به من الكتاب والسنة سواء كان عبادة ( بالمعنى المتبادل ) أو غير عبادة من تشريع وسلوك وسياسة واقتصاد ... الخ .

ومن آمن بجانب من جوانب الإسلام فقط دون بقية الجوانب فلا فائدة فى إيمانه لأن من كفر بآية واحدة من القرآن فهو كافر فكيف بمن لا يعترف بعشرات الآيات ؟ وعلى هذا فكل من قصر الإسلام على العبادة ( بالمعنى المتداول ) أو على صلة العبد بربه فقد دون صلة الإنسان بالإنسان أو الإنسان بالدولة أو الدولة بالدول الأخرى ودون تشريعات الإسلام المختلفة من شتى ميادين الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها فهو كافر لا شك فى ذلك وعلى هذا فالذين يحاربون دعاة الإسلام بأنهم يمزجون بين الدين والسياسة كفار لأنهم قصروا الإسلام على جانب وكفروا ببقية الجوانب والغريب كيف يسمحون للعامل والفلاح والموظف والرأسمالى . الخ من قطاعات المجتمع بالتدخل بالسياسة ولا يسمحون للإسلام بذلك لكنهم بذلك يعترفون أن هذه القطاعات ليست مسلمة أو المسلمين وحدهم هم الممنوع عليهم أن يعملوا بالسياسة أليس معنى السياسة هو الإهتمام بأمور الناس ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) فى الغرب الآن توجد دعوة بفصل الإقتصاد عن السياسة بعد معركة البترول فالغرب عادة يريد فصل كل شىء يؤثر على السياسة ولما كان الإسلام يؤثر طلبوا فصله ولما أصبح للإقتصاد تأثير طلبوا فصله , حتى تبقى لهم الغلبة وليس الموضوع موضوع السياسة فقط فهؤلاء يريدون عزل الإسلام عن كل أمور المجتمع ويحصورونه داخل المسجد فقط كما فعلت الدول الغربية بالكنيسة بذلك فهم يحرجون على الإسلام التدخل فى شئون الإقتصاد والإجتماع وباقى أمور الحياة ويتركون الميدان خاليا للشيوعية والإشتراكية والإعلام اليهودى فى قضايا المجتمع الآخر مثل فرويد ودور كايم وماركس وغيرهم , وغفل هؤلاء عن أن الإسلام لا يأخذ حجة من أوامر الدولة إنما هو دين الله رب الدولة والقائمين عليها وقد حددت مبادىء الإسلام بالكتاب والسنة فليس لأحد أن ينقص منها أو يزيد " أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى فى الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون " وكال من نادى بهذه المبادىء كافر ويندرج تحت نفس الباب الذين يرفعون شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) وهذا الشعار من رفعه فهو كاف لأن الدين والوطن لله رب العالمين " ولله ملك السموات والأرض " والذين ينادون بهذا الشعار يرفضون أن يكونوا تحت حكم الدين إنما الدين هو الذى يجب أن يكون تحت حكمهم فيحجزوا الإسلام فى المسجد كما يحجزوا النصرانية فى الكنيسة ويخلوا لهم الجو فى الحياة والإسلام يرفض ذلك .

وفى موضع آخر يقول سرية ( أن من سب الله أو الدين أو النبى فهو كافر ) مدللا بهذا على نفس المعانى السابقة للكفر .

من ترك أركان الإسلام

يقول سرية فى أحد مواضع وثيقته ومستطردا فى قضية تكفير المجتمع :

( لقد احتلت مسألة ترك الصلاة بحثا بين الحنابلى منجهة الذين يكفرون تارك الصلاة وبين بقية المذاهب التى لا تكفره وإنما تحكم بإقامة الحد عليه وليس تكفيره لكن الجميع يتفقون على أن إثم تارك الصلاة أشد من إثم من زنا بأمه وهذه قضية لا ينتبه إليها الناس اليوم على أن هذا الخلاف كان على ترك الفرض الواحد الصلاة أما الترك الجماعى لها فلم يتطرقوا له ونحن نقول أن الترك الجماعى لأى ركن من أركان الإسلام كفر جماعى ورده .

ودليلنا على ذلك أن الصحابة أجمعوا على كفر ما نهى الزكاة وردتهم مع أنهم لم يمتنعوا إلا عن الزكاة وحدها ولو أن شخصا واحدا امتنع عن الزكاة لما اعتبر كافرا إنما يجبر على أدائها من قبل الدولة ويؤخذ شطر ما له عقوبة له عن البعض .

نفرق هنا إذا بين الإمتناع الجماعى والإمتناع الفردى وفى الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا بعث قائدها بأن ينتظر فإذا سمع الأذان امتناع عن الإغارة إلا إذا أكره على القتال وترك الصلاة اليوم ترك جماعى لا فردى بل إن التاركين لها فى المدن أكثر من المقيمين لها , وعلى هذا فإنى أجرؤ على القول أن هذه ردة جماعية ونفس القول ينطبق على المجاهرين بالإفطار فى رمضان بدون عذر .

من أنكر إحدى العقائد

وفى موضع آخر بوثائقه يقول سرية :

( فمن أنكر وجود الله أو نبوؤة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنكر اليوم الآخر أو القدر أو الملائكة أو أية قضية من قضايا العقيدة فهو كافر وهذه مسألة أفاض فيها المتقدمون فلا أكرر ولكن أنبه عليها لكثرتها فى هذه الأيام حتى وصل الأمر أن تنشر كتب ومقالات يدافع فيها عن إبليس لأنه رفض السجود لآدم أو تنكر فيها الجن أو تكتب ضد الأنبياء من أمثال داود وسليمان أو تصب جام غضبها على الإيمان بالغيب أو غير ذلك وكل هذا كفر صريح .

طقوس الشرك الجديدة

ويختم سرية مظاهر الكفر فى بلاد المسلمين بهذه التحديدات القاطعة( (فى كل الحكومات اليوم طقوس تعيد إلى الأذهان طقوس عبادة الأصنام من هذه الطقوس :

أ-تحية العلم : حيث يقوم أفراد الجيش أو الشرطة أو طلاب المدارس أو الفرق الرياضية بأداء التحية العسكرية لقطعة قماش تسمى علم الدولة ويصبح العلم فى هذه الحالة كأنه صنم تجرى له العبادة بهذه الكيفية .

ب- السلام الجمهورى : أو الملكى أو الأميرى حيث يكون لك لدولة فرقة موسيقية معينة إذا عزفت كان على رئيس الدولة والمستمعين والضباط الحاضرين والجنود أن يؤدوا التحية كل بأسلوب خاص إذ لذلك طقوس معروفة فتحية السلاح غيرها بالنسبة لغير حامل السلاح ومن كان لابسا على رأسه كانت له تحية مغايرة عمن كان حاسر الرأس وهكذا .

ج- تحية قبر الجندى المجهول : ولذلك طقوس معلومة تؤدى فى أوقات معلومة ومن هذا القبيل حين يزور رئيس الدولة دولة أخرى فإنه قد يزور قبر مؤسس هذهالدولة أو قبر أحد زعمائا وقد يكون هذا من أعدى أعداء الإسلام فيؤدى أمام القبر أيضا طقوس معينة وهنالك أنواع كثيرة من هذه الطقوس تجرى فى كل الدول وكلها أنواع مختلفة من الشرك ) .

وينتهى هذا الجزء من الوثائق ولا تنتهى علامات الإستفهام التى نرجئها إلى حين وننتقل إلى قواعد التكفير كما يضيعها سرية فى وثائقه حين يحدد أركان البديل الإسلامى .

(3) البديل الإسلامى

  • قواعد التكفير عند صالح سرية ( منطلقاته لبناء الدولة الإسلامية )

ولأن صالح سرية أطلق لسلاح التكفير العنان , فإنه وكما نعتقد , أدرك أن لهذا التكفير حدود وقواعد لابد من الإرتكاز إليها , قواعد تكون مستمدة من الدين والتاريخ والتجاربة , وهذه القواعد التى يحددها صالح سرية بثلاث , تعد فى وجهها الآخر الأسس التى يبنى عليها دولة الإسلام بعد ال" تكفير " وال" هدم " لدولة الكفر أو أن هذه القواعد أتت لوظيفتين : هدم وبناء .. هدم لدار الكفر وبناء لدار الإسلام كما يتصورها الدكتور صالح سرية .. فما ذا عن رؤيته لقواعد التكفير والهدم والبناء ؟

قواعد التكفير

يقول صالح سرية فى وثائقه ( القواعد التى اعتمدنا عليها لتكفير الناس ثلاث هى :

1- القاعدة الأولى: أن الايمان بالله يقتضى بأنه وحده الذى يرسم منهاج الناس وشرائعهم وعلى البشر أن يسيروا وفق ما شرع الله وإلا فهم كفار فمن رفض هذه القواعد فهو كافر وكل من نصب نفسه للتشريع أو رسم منهاجا للحياة فقد نصب نفسه إلها , ومن رضى بهذه التشريعات أو المناهج فقد عبد ربا غير الله فأصبح كافرا كذا قطعيا إذ جعلها بديلا لمنهج الله وشريعته أو مشركا إذ يأخذ بجزء من شريعة الله ومنهاجه وبجزء آخر من شريعة أو منهج غير منهج الله وشريعته وعلى هذا كفرنا الجكومات لأنها اتخذت شرائع ومناهج بديلة لمنهج الله وشريعة الله ولنفس السبب كفرنا الأحزاب والجمعيات والمبادىء ) ولقد ذكرنا سابقا أن الديمقراطية تتناقض من حيث الأصل مع الإسلام – فالإسلام يقصر التشريع على الله وفق ما جاء بالكتاب والسنة أما الديمقراطية فتجعل التشريع من حق الشعب فاللشعب أن يحلل ما يشاء ويحرم ما يشاء وفق ما تقرره الأغلبية سواء عن طريق البرلمان أو الإستفتاء أو عن أى طريق آخر وفق ما هو مرسوم فى الدساتير وإذا قررت أن الإرث يوزع بطرق معينة وزع على تلك الطريقة , , ولو كانت مخالفة للإسلام , وباستطاعة هذه الأكثرية أن تلغى شريعة الله أو تستبقى منها ما تشاء فى حين أن أصل الإسلام قائم على أن ما أحله الله فهو الحلال وما حرمه الله فهو الحرام وليس لأى سلطة فى الأرض أن تخالف أمر الله فكيف تتفق الديمقراطية مع الإسلام .

والاشتراكية مثل آخر فالإسلام ينص على أن المال مال الله والناس مستخلفون فيه فليس لهم التصرف فيه إلا وفق ما أمر الله لأنه هو مال لله بينما ترى الإشتراكية أن المال مال المجتمع والدولة التى يسيرها الحزب أو الديكتاتورية الحاكمة أو الحكومة ... الخ هى صاحبة الحرية فى التصرف فى المال وليس الأفراد والأصل ألا يملك الأفراد فى المستقبل البعيد فى حين ترى الرأسمالية أن المال ملك الأفراد يتصرفون فيه وفق ما يشاءون ولا حق لأحد حتى للدولة أن تتدخل فى هذه الحرية ( أصل المبدأ هكذا ) فكل من الإشتراكية والرأسمالية إذا تناقض الإسلام فى أصلها ولذلك ستختلف الفروع فى ذلك حتما وليست القضية متوقفة على اقتصاد , فالذين يتصورون أن الإشتراكية أو الرأسمالية هى الإقتصاد فقط فهم تافهو التفكير إذ أن لكلا منها مبدأ شامل بجميع أمور الحياة الإقتصادية لأن أمور الحياة متعلقة بعضها بالبعض الآخر فك لقضايا الحياة ناشئة من الأصل الذى ينشأ عليه كل منهج وكما بينا فإن الإسلام يجعل الأصل من الله وحده كما أنزل على رسوله ( صلعم ) أى ( الكتاب والسنة ) , فى حين أن الراسمالية تجعل الأصل هو الفرد ولذلك يصبح الأساس وفقا للحرية الليبرالية التى تنبثق منها الديمقراطية الغربية فرأى الأكثرية هو الذى يحلل ويحرم ويشرع على أن يبقى الأصل محفوظا والإشتراكية ترى أن الأصل وفق نظرية وضعت من قبل – واستخلصت أشياء لها قداسة الأديان بحجة أنها قوانين وكلاهما " إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى " والادعاء بأن الإشتراكية هى الإقتصاد غير صحيح بدليل أنهم حين يتحدثون عن التعليم يذكرون المبادىء الإشتراكية وحين يتحدثون عن البيروقراطية يحاربونها باسم الإشتراكية وحين يتكلمون فى السياسة عن المعسكر الإشتراكى وهكذا , والقول فيه مثال آخر : فقد نشأت القومية فى المشرق العربى معادية للإسلام ففى النصف الثانى من القرن الماضى كانت الدولة العثمانية تمثل فى نظر الناس والعالم ( الدولة الإسلامية ) وقد تعاون الإستعمار الغربى من التبشير الصليبى مع الماسونية على تحطيم الدولة العثمانية فرأوا أن أحسن وسيلة هى تفتيت وحدة هذه الدولة فأوعزوا إلى الماسونية تبنى الحركة الطورانية ( القومية التركية ) فقام بعض الضباط الشبان الأتراك الذين درسوا فى الغرب وتشبعوا بالنفاق والثقافات الغربية وكانت نزعة التدين عندهم غير حقيقية بتشكيل حزب الإتحاد التركى الذى قام بانقلاب ضد السلطان عبد الحميد وبدأ يحكم الشعوب الإسلامية بطريقة جديدة غير الطريقة الإسلامية تعتمد على استعمار الأتراك للشعوب الأخرى واتباع سياسة ( التتريك ) المشهورة فى نفس الوقت أوعزوا إلى النصارى فى بلاد العرب تبنى حركة القومية العربية وانشئت الجامعة الأمريكية فى بيروت التى طرحت زعماء المنطقة فيما بعد لغرض إحياء هذه النغمة الجاهلية ولهذا لا تستغرب أن :ان معظم زعماء القومية العربية فى هذه المنطقة من النصارى من آل اليازجى والبستانى وزريق ثم كان كل رؤساء الأحزاب القومية من النصارى مثل ميشيل عفلق وجورج حبش وانطون سعادة من النصارى , وكذلك كان الصف الثانى من قيادات هذه الأحزاب , وقد عقد أول مؤتمر للأحزاب القومية سنة 1913 م فى باريس وتبنى الإستعمار الإنجليزى والفرنسى هذه الحركات وصرف عليها من الأموال مما أصبح معروفا فى كل كتب التاريخ وحين قامت أول ثورة للقومية العربية للشريف حسين وجد الملك حسين ملك الأردن الحالى , كان القائد الحقيقى لها هو " لورانس الإنجليزى المشهور فى التاريخ " وكانت كل أسلحتها وأموالها من انجلتراوأصبح زعماء هذه الثورة هم زعماء العراق والأردن وسوريا فيما بعد وقد كان خط ههذ القومية علمانيا واضحا لا لبس فيها حتى قال أحدهم فى كتاب صدر فى القاهرة فى عهد عبد الناصر ( نحن لا نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس قومى وإنما نحارب إسرائيل لأنها قامت على أساس دينى وسنحارب كل دولة تقوم على أساس الدين حتى ولو كان هذا الدين هو الإسلام نفسه ) وحين ركب جمال موجة القومية العربية بتأثير القوميين فى المشرق العربى بعد أن أشبعوا غروره بالزعامة سار على نفس الخط العلمانى فحارب الحركة الإسلامية حربا لا هوادة فيها وإن لك يكن هو فى حد ذاته قد وصلت عنده القومية العربية إلى حد العقيدة كما عند القوميين المشارق لأنه كان يتخذها مطية لأطماعه فى حين أن أولئك يتخذونها عقيدة بديلة لعقيدة الإسلام على أن القوميين غير الحزبيين ( وهؤلاء لا قيمة لهم لقلة تأثيرهم ) لم يصلوا كلهم إلى حد العلمانية فقد رأى الكثيرون أن الدين يرفض أن يكون جزء من كل بل هو الكل وما عداه تافه وهؤلاء قالوا ذلك لأنهم قصروا الدين على المعنى النصرانى وهو العبادة بالمعنى التقليدى وهذا كفر كما بينا على ان العرب فى المغرب العربى لا يفهمون القومية العربية بهذا المفهوم إذ أنها نشأت هناك للمحافظة على الكيان العربى ضد الحركة الفرنسية ولذلك كانت مقرونة بكلمة الإسلام ولكن أكفان التسمية أوجدت لبسا فى أذهانهم لا أظنهم تبينوه حتى الآن والقومية بمعنى الإنتساب إلى قوم معينين أمر لا غبار عليه كما قال الله سبحانه وتعالى " وجعلكم شعوبا وقبائل " فانتساب الإنسان إلى قبيلة أو شعب أو وطن أو قومية مسألة طبيعية وليست هذه العقبة هى التى تنبثق عنها السياسات المختلفة ولكن الخلاف أن تصبح عقيدة التركى منبثقة من الكردية وليس من الإسلام وعقيدة العربى من القومية وليس من الإسلام , وهذا هو الكفر الصريح وقل ذلك على كل المبادىء التى تحدثنا عنها فكلها فى أصلها مخالفة للإسلام ولكن هل يحرم التشريع فى الدولة الإسلامية نهائيا ؟ وماذا يفعل أمام القضايا المستجدة التى لم يتطرق لها الكتاب ولا السنة ؟ وهل يعقل أن توضع تشريعات ثابته لكل زمان ومكان مع اختلاف هذه الأزمنة والأمكنة والظروف ؟ والجواب على ذلك يقول الله سبحانه وتعالى " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى لأمر منكم " فما جاء فى كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم وجب الأخذ به وليس من صلاحية أى إنسان كائن ما كان أن يتدخل فى هذا النظام أما ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة فإن الله سبحانه وتعالى قد جعل من مهمة ولى الأمر أن يشرع فيه وفقا للأسس الإسلامية .

وتشريعات ولى الأمر ليست ملزمة لمن بعده – ولا الزام فى الإسلام إلا للكتاب والسنة فيجوز لولى الأمر أن يبدل تشريعات من سبقه نظرا لتغير الظروف والأحوال فليس فى الإسلام كتوهم كثيرا من الدعاة نظم جامدة منفصلة لكل تصور , إنما هناك المبادىء التى وردت فى الكتاب والسنة وهذه المبادىء هى الثابتة أما بقية هياكل النظم فتتغير بتغير الزمان والمكان والظروف فلا يوجد هناك شيئا اسمه النظام السياسى الإسلامى والنظام الإقتصادى الإسلامى أو نظام التعليم الإسلامى لأنه لو وجد مثل هذا النظام لأصبح ملزما لكل العصور ولا يحق الخروج عليه وهذا ما لا يقول به مسلم إنما هناك مبادىء السياسة ومبادىء الإقتصاد ومبادىء .. الخ أى نظام يطبقها فهو نظام إسلامى ولكى يكون الأمر واضحا أضرب مثلين :

فى السياسة :

فى السياسة نظاما محددا لا يجوز الخروج عنه بحيث تحدد شكل الحكومة وسلطاتها وكيفية العلاقة بين هذه السلطات هل هى مركزية أو لا مركزية بل إن رئيس الدولة نفسه لم ينص الإسلام على طريقة معينة واختير عمر بطريقة مختلفة وأصبح عثمان خليفة بطريقة ثالثة وأصبح على خليفة بطريقة رابعة وهكذا .

وحينما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك قيل له أنهم لا يقبلونها إلا إذا إن كانت مختومة فاتخذ الخاتم , وعمر بن الخطاب رضى الله عنه استعار نظام الدواوين من الفرس وبقيت تكتب باللغات الفارسية والرومية والقبطية إلى زمن عبد الملك بن مروان وكذلك لم يكن للدولة الإسلامية عملة معينة إنما كانت تستخدم عملات دولة الكفر على زمن عبد الملك أيضا , والإسلام قرر مبدأ الشورى ولكن لم يحدد إطلاقا أسلوب االشورى فأى نظام يحقق الشورى فهو نظام إسلامى ومن يدعى أن هناك مجلسا دائما للشورى كان موجودا فى زمن الخلفاء فهو قليل العلم نفس الكلام يقال عن النظام التعليمى فلا يوجد بالإسلام نظام خاص بالتعليم قد حددت فيه مراحل التعليم والمناهج لكل مرحلة والتخصصات الواجب توافرها وكيفية إعداد المدارس وهل التعليم مجانا أو بمصروفات وهل توجد طريقة إسلامية خاصة لمحو الأمية .. الخ

كل هذا لا يمكن أن يحدده الإسلام حتى يفسح المجال للتغيير وفقا للزمان والظروف فكل نظام تعليمى يحقق مبادىء الإسلام فهو نظام إسلامى .. وقل مثل ذلك عن النظام الإقتصادى وغيره من نظم الحياة .

المطلوب إذن هو تطبيق ما ورد فى الكتاب والسنة فأى نظام حاكم يطبق ذلك فهو نظام إسلامى نظام لا يطبق ما ورد فى الكتاب والسنة فهو نظام كفر ولو سمى نفسه نظاما إسلاميا فليست العبرة بالتسمية وإنما بالتطبيق

القاعدة الثانية : فى رأى صالح سرية بشأن القاعدة الثانية من قواعد بناء الدولة الاسلإمية:

(إن الإسلام كل كتكامل من آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر به ولا خلاف أن من أنكر آية واحدة من القرآن كافر فكيف عمن ترك مبدأ كامل من الإسلام أو شطرا كبيرا فيه فهو كافر لا شك فيه . وهذه قضية مع وضوحها وضوح الشمس وظهورها وعدم الإختلاف بشأنها عند التطبيق حتى على كبار العلماء المعاصرين ولا خلاف فى أن الإسلام هو ما ورد فى الكتال بوالسنة والذى يقرأ القرآن لأول وهلة يرى أنه لم يقتصر على العقائد أو الشعائر فقط بمعناها المتداول وإنما تدخل فى شئون الحياة المخلفة التشريعية والقضائية والسياسة وغيرها فالقرآن الذى قال " أقيموا الصلاة " هو نفسه قال " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " والذى قال " كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم " أى المال وهو نفسه قال " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وهو الذى قال " ولا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون " وهو الذى قال " ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء " وهو الذى قال " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " فمت ترك آية من هذه الآيات وأمثالها كمن ترك الأولى والقرآن كله كلام الله وكله ملزم فمن أراد برأيه أن يقتصر الإسلام على العقيدة أو الشعائر أو الأخلاق فقد كفى بالاسلام كله لأننا إذا قطعنا رأس إنسان لا نقول أن الباقى تسعى على عشرة إنسان لا , وكذلك إذا قطعنا قلبه أو رئته أو أمعاؤه ونفس هذه الحالة موت له كله مع أننا لم نأخذ منه إلا جزءا قلت ولهذا كفرنا من قصر الإسلام على العبادة وأعطى لنفسه الحرية لأن يختار النظام الذى يريده للحياة أو حارب تدخل الإسلام فى السياسة .

القاعدة الثالثة : ويرى بشأنها صالح سرية :

( إننا نحكم على الإيمان بثلاثة أركان كما يقول السلف ( الإقرار بالجنان والتكلم باللسان والعمل بالأركان ) فإن اختل ركن واحد من هذه الأركان حكمنا ومع أنه لم يكن هناك خلاف بين السلف فى ذلك إلا أننا نجد المتأخرين يغلفون عن هذه القاعدة ويقصرون التكفير على الإعتماد فقط أو الكلام عنه أحيانا ولكنهم يهملون جانب العمل إهمالا كاملا فى حين أننا نخالفهم فى ذلك على طول الخط .

فالعمل عندنا هو الأساس الذى نعمل بموجبه , أما الإعتقاد فلا نستطيع أن نعلمه أنه بين الإنسان وربه والله يحاسبه يوم القيامة ونحن هنا كالحاكم يحكم بموجب الأدلة وليس على حقيقة المواقف لأنه لا يعرفها والقاضى فى هذه الحالة غير آثم , لكن الله تعالى يوم القيامة يقضى وفق الحقيقة .

لقد كان الإسلام فى البداية دين عمل " وقيل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " ويندر أن تجد آية " يا أيها الذين آمنوا " ألا وارد فيها " وعملوا الصالحات " والآيات تستنكر القول دون العمل و" لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون " ثم تغيرت الصور تدريجيا واجب الحكام التحلل من العمل ووجدوا من العلماء من أظهر لهم الفتاوى بهذا قلت أهمية العمل وارتفعت قيمة القول حتى وصل الأمر إلى أن العلم الذى وضعه العلماء للعقيدة سموه ( علم الكلام ) وحتى أصبح العلماء يقرأون كتب الفقه وهم يرونها غير مطبقة فلا يؤثر ذلك فى نفوسهم , فما فائدة أن أقرأ المجلدات فى قطع يد السارق وأقرأ أدلة الشريعة وأقوال الفقهاء والمفسرين والمحدثين والأصوليين فى ذلك وأخوض المناقشات ثم فى النهاية لا تقطع يد السارق أنها محنة استمرت مئات السنين حتى أصبحت إرثا فى الوقت الحاضر تشبعت بها الأجيال فنجد الحاكم يصرح التصريحات الرنانة ويعمل عندنا هو المقياس للإيمان والكفر فى الدنيا أساس الإعتقاد الداخلى فلا نعلمه أو الله يتولاه يوم القيامة فنحن نحكم على المنافق بالإيمان فى الدنيا ونعامله معاملة المسلمين ما دام يعمل عملهم وإن كان فى حقيقة أشد كفرا من الكفار ومصيره جهنم .

فالحكم فى الدنيا غير الحكم فى الآخرة ونحن ما أمرنا أن نشق على قلوب الناس , مثلنا فى ذلك مثل القضاة فما دامت العقيدة القلبية خافية علينا فلا يبقى أمامنا إلا القول والعمل اختار قوم القول واخترنا نحن العمل مع القول دليلا على الإيمان فى الدنيا , واعتبرنا أن القول إذا خالف العمل فذلك سخرية من عقولنا نرفضها رفضا قاطعا , وقد بينا سابقا أن مجرد القول ينبنى عليه أن من قرأ كتابا فيه الشهادتين يصبح مسلما بمجرد قراءتها وهذا ما لم يقله أحد من المسلمين , مما يدل على أن القول وحده ليس دليلا على الإيمان بالإحتجاج بالأحاديث الصحيحة وخاصة حديث أسامة بن زيد الذى قتل رجلا شهد الشهادتين فعاتبه النبى صلى عليه وسلم بقوله ألا شققت عن قلبه " فهذا الحديث صحيح ولكن الذين استشهدوا لم يفرقوا بين الحالتين :

الحالة الأولى : أن دخول الإنسان للإاسلام لا يكون أساسا إلا بالقول لكن

الحالة الثانية : إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالإنقياد لحق الشهادتين , وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم ينفعه الأول , واعتبر رجلا مستهزءا بعقول المسلمين إن ههذ الميوعة فى العقيدة قد ألغت فروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتميز بوضوح أعضاء " حزب الله " عن أعضاء " حزب الشيطان " .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. أننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما جعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد قائم إلى يوم القيامة , إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويتفقان صفا واحدا ضد الفرق بين هذا المتدين وهذا الملحد ؟ أننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولى أخرى مما يدل على أن الرابطة الوطنية عنده أقوى من الرابطة الإسلامية ... إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لأنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى ولو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين إننا نجد كبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون احدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر .

لقد ركز الإسلام فى بداية الدعوة على الإيمان ( العقيدة ) فى كل السور المكية فلما تركز الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر والقدر لم يكن هناك حاجة للإقتناع بصلاحية هذه التشريعات وعلينا إذا أردنا النجاح أن نركز معانى الإيمان قبل كل شىء فإذا نجحنا فى ذلك سهل كل شىء آخر أما السير بالعكس فلن يؤدى إلى نتيجة .

قد يوجد عندنا مفكرون مسلمون يصلحون للجدل والنقاش وقد يكون لدينا رأى سلبى غير إيجابى ليست عنده روح الجهاد والإستشهاد والجنة , وإنما نحن نريد مؤمنين يقودهم علماء مؤمنون ولا نريد علماء ينقصهم الإيمان ويرتبطون بالدنيا ومغرياتها .

وتنتهى " قواعد التكفير " كما بينها صالح سرية وهى ذاتها قواعد بناء الدولة الإسلامية التى ستعنى عنده النقيض من القواعد السابقة ولأن هذه هى أصول التكفير " لديه " فإن من حقنا عليه أن نعرف ما هى أصول الإيمان كما يتصورها , ذلك هو موضوع الجزئية الأخيرة فى وثائق صالح سرية ... فماذا عنها ؟

(4) المستقبل : أصول الإيمان عند صالح سرية

وفى موضع آخر من وسائل الإيمان يحدد الدكتور صالح سرية أصول الإيمان كما يفهمها وكما ينبغى أن تسير عليها الجماعة المسلمة عند بناء الدولة الإسلامية وبعد هدم دار الكفر :

يحددها الآتى :

(1) الإيمان بالله : خالق الكون ومدبره وواضع المنهاج الذى يجب أن تسير عليه البشرية .

(2) الإيمان بالملائكة : وبواسطتهم أوحى الله إلى أنبيائه شرائعه وكتبه وكان آخر هؤلاء الأنبياء . محمدا صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء الذى نسخت شريعته جميع الشرائع وفى الركن الثانى من الإيمان , الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وهاتان العقيدتان هما ما يعبر عنهما فى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وإذا حولناهما إلى ترجمة عملية كانت تنفيذا للكتاب والسنة .

(3) الإيمان بالقدر : وهذا هو الذى يعطينا الشحنة الدافقة التى تدفعنا إلى هذا التنفيذ دون المبالاة بالمخاطر وهكذا يظهر أم مدار العقيدة الإسلامية إذا على الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) صلى الله عليه وسلم وقد ضل كثير من المسلمين فى مختلف العصور القديمة والحديثة معتمدين فى ذلك على ظواهر الأحاديث الصحيحة مثل ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) وأمثالها وبذلك أهملوا شأن العمل نهائيا ولم يحكم بكفر كثير ممن شك بكفرهم إذ ليس المقصود بمثل هذه الأحاديث مجرد القول وهذه بديهة لا يختلف عليها اثنان وإلا فلو أن ملحدا قرأ كتبا فيها لفظ الشهادتين وقرأهما لاعتبر مؤمنا وهذا ما لا يقوله مسلم إذ ليس المقصود مجرد القول ولو كان المقصود مجرد القول لكان هذا الملحد مؤمنا لأنه قال هذه الكلمة كما أنه ليس المقصود مجرد الإعتقاد فقط لأن هرقل كان معتقدا إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك يهود الحجاز فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم بما إن من أهل مكة من كان مؤمنا بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله "فإنهم لا يكذبون ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "

ثم يقول سرية :

وإننى لا أستعرض أن من تكلموا فى قضايا العقيدة غفلوا عن هذه الحقيقة على بساطتها ووضوحها إذ المقصود بذلك هو الإنقياد لها فمن قال لا إله إلا الله واعتقد بها ولم ينقد لها أى لم ينقد للكتاب والسنة فليس بمسلم ولا مؤمن فإنما هو كافر كفرا صريحا وعلى هذا كان إجماع الصحابة إذ أن الذين امتنعوا عن أداء الزكاة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبروا مرتدين وجرى على ذلك إجماع الصحابة مع أن هؤلاء كانو مؤمنين بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وبقية الدين هذه نقطة غامضة غموضا يكاد يكون كليا لدى المسلمين ويجب أن تكون واضحة لأنها جل العقيدة الإسلامية وعلماء العقيدة يقولون كلاما جميلا صحيحا لكنهم يأتون للتطبيق يتبرأون منه وهذا الكلام هو ( الإيمان إقرار بالجنان وتكلم باللسان وعمل بالأركان ) وهذا هو نص قولنا فلابد لكى يصبح الرجل مسلما أن يقرأ بقلبه بالشهادتين وينطبق بها وينقاد لأوامرها وأى ترك لواحدة من هذه الثلاث يخرجه من دائرة الإيمان والإسلام إلى دائرة الكفر وإذا وضحت ههذ القضية تمام الوضوح فإننا على ضوئها نحكم على مجتمعنا اليوم من منهم مسلم ومن منهم كافر .

الإيمان بالله

فى تفصيل هذا الجانب تقول وثائق صالح سرية ( ليس المقصود به الإيمان بوجوده فقط فذلك أمر من البديهات التى لا تحتاج إلى نقاش فى نظر الإسلام ونحن نؤمن بوجود الحجر والشمس كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع به أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذا الإيمان إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى : 1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش هذه النقطة كثيرا لأن أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركين به آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن .

2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلا فيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكف بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصر منها على ما يلى :

(أ) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون "

ولذلك فإنهم كفار لأنهم لن ينقادوا عمليا وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرامن اليهود مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو الذى بشرت به التوراة لكنهم لم ينقادواله فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر والإعتقاد يعنى الشهادتين ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) إذن لا يدخل الإنسان فى زمرة المسلمين إلا إذا انقاد للمنهج وللتشريع المنبثقين عن هاتين الشهادتين ومن لم ينقد لها فهو كافر .

(ب) إن فرعون حين قال " ما علمت لكم من إله غيرى " لم يقصد أنه هو الذى خلق الكون أو أنه المتصرف بشئونه ولم يقل بذلك أحد لأن الكل كان يعلم أنه ولد كبقية الناس وكبر مثلهم وأنه لا يستطيع أن يتصرف بالشمس أو القمر أو الريح أو فيضان النيل ... الخ , ولم تكن عبادة الناس بهذا المعنى وإنما كان يقصد أنه صاحب الأمر المطاع الوحيد فيهم بماله عليهم من سلطان فمن وضع نفسه من الأمة هذا الموقع فقد نصب نفسه إلها عليهم من أطاعه عن اقتناع فقد عبده من دون الله .

إن حديث عدى بن حاتم الطائى حينما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو الآية " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم " واضح تمام الوضوح فيما رمى إليه فقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة النصارى للأحبار والرهبان بأن هؤلاء أحلوا لهم الرحام وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم وليس ذلك مقصورا على الأحبار والرهبان فكل من قبل ذلك فقد نصب نفسه ربا وكل من أطاعه على ذلك فقد اتخذ له ربا غير الله وعليه فإن كل الأنظمة – وكذلك كل البلاد الإسلامية ويستدرك سرية فى الهامش قائلا : إنها الآن جاهلية , التى اتخذت لها مناهج ونظم وتشريعات غير الكتاب والسنة فقد كفرت بالله واتخذت من نفسها آلهة وأربابا فكل من أطاعها مقتنعا بها فهو كافر لأنه اتخذ له ربا سول الله وهذا الكفر الجديد أشد كفرا من مشركى الجاهلية إذ أن أولئك قد اتخذوا الأصنام كما قالوا " ليقربونا إلى الله زلفى " فى حين أن هؤلاء قد كفروا بالله أساسا واتخذوا لهم آلهة أخرى بدلا عنه .

وهذه القضية الخطيرة لم يتطرق إليها علماء المسلمين فى الماضى لأنها لم تكن موجودة فى أزمنتهم وأصبح جلاؤها فى هذا العصر فرضا على كل العاملين فى الحقل الإسلامى , بل هو الغرض الأول لأنها أساس التوحيد والشرك فى هذا العصر .

(ج)- والنقطة الأخيرة من الإيمان بالله هى أن نقدر الله حق قدره وأن نتصرف وفق ذلك لأن المسلمون اليوم غير منتبهين إلى هذه النقطة فلا يدركون معنى كلمة ( الله أكبر ) التى يقولونها يوميا عشرات المرات بل يضعون الله فى مقام أقل من رئيس الدولة أو الوزير أو رئيس العمل أو الضابط أو أقل من الشرطى ومن المباحث ولو عرض عليه أمر مع أى واحد من هؤلاء فكثيرا ما ينفذ أمر هؤلاء تاركا أمر الله , ولتوضيح هذه النقطة كنت أضرب لإخوانى هذا المثل ( لو أن رجلا ضخما يمسك بمسدس هجم عليك ليقتلك وفى نفس الوقت رأيت طفلا صغيرا يحمل قشة تحسب فى هذه الحالة حسابا للطفل .. الجواب قطعا لا , إنما الحساب كله للرجل صاحب المسدس فإذا حسبت حسابا للطفل وأنا عاقل فمعنى ذلك أننى غير مؤمن بأن هذا الرجل بيده مسدس ) فلو طبقنا هذا المثل على الله وعلى البشر ( والمقارنة هنا إنما لضرب المثل فقط ولله المثل الأعلى ) فإن الإيمان بالله يقصد حتما ألا تحسب للبشر بجانب الله سبحانه وتعالى فإن حسبنا حسابا لبشر كائنا من كان هذا البشر إذا تعارض مع أمر الله فهذا دليل عدم الإيمان فإذا امتنعت عن العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وإزالة الكفر الموجود فى الأفراد والمجتمع والدولة خوفا من السلطة وسجونها وأحكامها ولم أحسب لعذاب الله على تقصيرى فهذا يعنى أننى حسبت حسابا للقشة فى يد الطفل ولم أحسب حسابا بأن ( الله أكبر ) هذه إذن هى القضايا التى تريد توجيه الناس إليها بالنسبة للإيمان بالله أما قضايا الصفات مثل يد الله , عين الله أو الاستواء على العرش أو تبسم الله أو ضحكه أو محبته أو كراهته .. الخ , وذلك مما ورد فى الكتاب والسنة فإننا نقرأها كما وردت ونعتبرها من الآيات المتشابهة التى لا يعلمها إلا الله , ولم يكن الصحابة يثيرونها أو حتى يفكرون فيها وما بدأ الكلام عليها إلا فى عصر النزق الفكرى , والخوض فيها لا يؤدى إلى نتيجة عملية ونحن لا يهمنا إلا ما ينبنى عليه عمل لأن كل مسألة لا ينبنى عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذى نهانا الله عنه شرعا وكل المسلمين مقتنعين علي أنه تعالى " ليس كمثله شىء " وأن هذه الايات ليست على ظاهرها وكذلك كل ما يتعلق بأمر الغيب كالجنة والنار وما فى الجنة من لبن وعسل ونخل ورمان .. الخ , وما فى النار من أفاعى وكلاليب وعقارب .. لأن هذه حياة غير هذه الحياة والله سبحانه وتعالى يقرب لنا الأمور للترغيب والترهيب لأنه لا يخاطبنا إلا على قدر ما نفهم .

ونرفض الخوض فى هذه القضايا ونعتبر ذلك من المحن التى مرت فى تاريخ الإسلام فلا يفيد ذلك وتنتهى أهم آراء صالح سرية ولكن تظل بعض علامات الإستفهام معلقة وهى علامات استفهام تدور حول حدود التكفير والإيمان كما بينها صالح سرية فى وثائقه وحول شرعية ومعايير التكفير ومدى صلاحية هذه المعايير لبناء دولة إسلامية قوية قادرة على إعادة العالمية الثانية للإسلام وهل نحاسب صالح سرية على التقصير فى هذا الجانب أم نحاسب سيد قطب والمودودى وابن تيمية ... الذين أرسوا قواعد التكفير فى الفكر الإسلامى تاريخيا ؟ وإلى أين تتجه الخطى فى صحراء التكفير تلك ... وهل تصلح كبداية حقيقية للجهاد ؟ وهل تكون بحق نظرية سياسية حقيقية لتيارات الغضب الإسلامى أم أنها عاجزة بهذا المنطق عن الوصول لتلك الغاية ؟ تساؤلات عدة ... نذكر بعضها ونؤجل البعض الآخر إلى خاتمة الدراسة .

ويبقى ( لصالح سرية ) علينا أن نرفق دونما تعليق بيانه الذى أعده عند قيامه بحادث الفنية العسكرية ولم يقدر له أن ينتشر أو يذاع كما كان هو متوقع ... فماذا يقول البيان ؟ ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

بيان صالح سرية عام 1974

" قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير "

أيها الشعب الحبيب – أيتها الأمة المجاهدة الصابرة – لقد نجحنا والحمد لله صباح اليوم فى السيطرة على الحكم واعتقال جميع المسئولين عن النظام السابق وبدء عهد جديد – ونحن لا نكيل الوعود لكم – لكننا نعلن أن النظام الجديد سيقوم على المبادىء التالية :

1- ستقوم مبادىء الدولة على أسس جديدة لا لبس فيها ولا تناقض .

2- سوف لا تكون الثورة مقصورة على الجوانب السياسية والعسكرية فقط وإنما تشمل جميع نواحى الحياة الإقتصادية والتعليمية والوظيفية والإجتماعية وغيرها .

3- سوف تهتم الدولة اهتماما خاصا بالإيمان والأخلاق والفضيلة .

4- سوف تهتم الدولة فى كل سياستها بمصلحة الأمة أولا ثم المواثيق والإتفاقات .

5- ستعمل الدولة على تحرير كل الأجزاء السلبية من وطننا وعلى مساعدة كل المحرومين والمظلومين فى كل مكان وستقاوم الإستعمار بجميع أشكاله فى العالم .

6- ستعمل الدولة جاهدة على قيام الوحدة بكل الطرق دون الإنفاق بالادعاءات الفظية وستقوم بكل جهدها لدفع التنمية من أجل رفع مستوى السكان .

7- سوف نطلق الحرية للمجتمع ليقول كل ما يريد ولنقد كل أجهزة الدولة عدا الكذب والإفتراء والبهتان .

8- سنعيد تقييم كل المبادىء والأشخاص والوظائف .

9- سوف تحمى الدولة مبادىء العدل المشهورة فى تراثنا .

والله الموفق

رئيس الجمهورية

صالح عبد الله سرية

الفصل الثالث :شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة

(إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية والتنفيذية )

شكرى أحمد مصطفى

من وثيقة الخلافة

الجزء الأول- 9

الفصل الثالث : شكرى مصطفى من التكفير إلى الهجرة

حين كان اللواء حسن طلعت مدير مباحث أمن الدولة يجرى حوارا مع من تبقى من قيادات الإخوان المسلمين عام 1969 , خرج عليه 13 شابا يقودهم شاب غريب الملامح والنظرات ... وقال له " أرفض الحوار معك لأنك كافر وحكومتك كافرة ورئيسها كافر ؟ " وكان هذا الشاب هو شكرى أحمد مصطفى , وكان ال13 شابا هم النواة الأولى لجماعته التى أسماها " بجماعة المسلمين " وأسمتها أجهزة الأمن بجماعة التكفير والهجرة وكانت الجماعة ابرز انشقاق فى صفوف الاسلاميين فى مصر السبعينات حيث أتت بما لم تستطيعه الجماعات الأخرى , وكانت أفكارها راديكالية – بمعايير الإسلاميين – حين تبنت الدعوة إلى الله وإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الإعتزال والهجرة ثم استخدام العنف وحين تبنت مقولات جاهلية المجتمعات القائمة وحتمية تغيرها , وأيضا تميزت بقولها أن لا يدخل " جماعة المسلمين " فهو غير مسلم وكافر إذا كان قد بلغه الأمر ولم يصدع له , " الجماعة الإسلامية ) فى عرف شكرى أحمد مصطفى تمر بمرحلتين مرحلة الإستضعاف وهى تلك التى تتم فيها الهجرة وتكوين " يثرب المعاصرة " ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية مرحلة "التمكين " وتعنى " الصدام مع الكفار " والمرحلة الأولى يكون مقرها الكهوف والجبال والصحراء .. وتبنت الجماعة العديد من الأفكار والآراء – التى قال الإسلاميون من ذوى الإتجاه الغاضب نفسه , بشططها وتجاوزها .. وتدريجيا اختفت الجماعة بعد إعدام شكرى وأربعة من رفاقه , وبعد أن كانت ملاء الأسماع والأبصار بعد اختطافها وقتلها للشيخ حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977 .

ترى ما هى حقيقة أفكارها ودعوتها ؟ وما هى حقيقة رؤية شكرى مصطفى لنظام الحكم فى مصر وبلاد المسلمين وقتذاك .. وأيضا تصوراته للبديل الإسلامى الذى يطرحه على أنقاض تلك الأنظمة والمجتمعات ؟ ذلك ما نحاول استخراجه من بين ثلاثة وثائق مخطوطة ومنقولة عن شكرى أحمد مصطفى وهى : الخلافة وثيقة التوقف والتبين وثيقة الهجرة .

فماذا تقول تلك الوثائق التى لم تنشر بعد ؟

(1) نظام الحكم والمجتمع

( رؤية شكرى مصطفى لأنظمة الحكم وللمجتمعات الإسلامية اليوم : اتساع نوعى لدائرة التكفير ) . اختلط فى وثائق شكرى أحمد مصطفى مفهومه لنظام الحكم فى بلاد المسلمين بمفهومه للمجتمع الإسلامى المعاصر .. فجمع الكل فى سلة فكرية واحدة هى سلة التكفر والضلال وأسمى الجميع بدار الكفر وتسهيلا لايضاح الصورة من وسط مئات الصفحات المخطوطة من وثائقه التى لم تنشر بعد .. نقسم رؤيته إلى ثلاثة أجزاء :

أولا : نقده لأنظمة التعليم والتشريع ولمنطق الحركات الإسلامية الأخرى التى تتصور هذه المجتمعات غير جاهلية .

ثانيا : خرافات الوحدة الوطنية وسماحة الإسلام تجاه مظاهر الكفر فى دار الكفر .

ثالثا: معيار المسلم عند شكرى مصطفى وتعقيب أحد أعضاء جماعته المنشقين عليه فى هذه الجزئية بالذات لأهميته فى إظهار مجمل رؤيته لأنظمة الحكم والمجتمع فى ديار المسلمين .

أولا: نقد أنظمة التعليم والتشريع والداعين للعمل الإسلامى من داخل المجتمعات الجاهلية

يبدأ شكرى رؤيته بقوله : تعالى انظر معى إلى النظم التعليمية التى أرساها الغرب فى البلاد المسماه بالإسلامية

وأنا لا أبغى الآن تقييما لخطورة هذه النظم على الفكر والكيان البشرى وحسبى أن أقرر أنها أهم ركيزة على الإطلاق من ركائز اليهود لتوحيد فكر .. الأميين , وتوجيهه حسب ما يريدون وصرف جهودهم إليه بل وحسبى أن أذكر أن أول شرط يشترطه اليهود على عملائهم فى هذه البلاد المسماة بالإسلامية هو شرط محو الأمية فى هذه البلاد .

بل وأقل من ذلك يكفينا فى الإثبات .. بأن نقرر أن هذه النظم التعليمية إنما هى من صنع الكافرين صنعوها لأنفسهم بعيدة عن عبادة الله وفى حدود الدنيا فإن هذا يكفى أنها لا يمكن أن تحتاج الآخرة أو إلى عبادة الله بصلة فكيف تصلح أن يربى عليها أبناء المسلمين .

ثم يقول :

إن فكرة أن يقضى الإنسان نصف عمره وأيام قوته وجسده لا يتعلم فيها شيئا عن دينه إلا محرفا ولا يعمل له إلا نافلة بل لا يحسن أن يتلو آية من كتاب الله .. ليقرأ ويدرس ما ليس فرض عليه درسه ولا تحصيله مع ما فى بعضه وتوظيفا وترفقا وليدرج فيها أبنائه وذريته من بعده ... خدما وجنودا وعبيدا .

أقول أن فكرة كهذه تذهل العقل وتدع الحليم حيران .

" ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين " المائدة – 53 .

إن فكرة كهذه وحياة كهذه لا يقبلها على مستوى الجماعة المسلمة أو الحركة أو الإسلامية رجل يؤمن بالله واليو الآخر .

وتعالى انظر معى إلى مثل آخر ... النظم السياسية والتشريعية والتنفيذية واندماجهم فيها ... ويقول شكرى مفسرا ذلك : ( إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحادة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية ... سواء فى جاهليتهم أو علاقاتهم الخارجية .. وإن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال عن الأحوال . شرقية كانت هذه النظم أو غربية , استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى .

وها نحن أولاء نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمانات والمجالس ولجان التشريع وورائها سائر المراكز والهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا من أكبر هذه الحركان هو وابنه وكثير من أعوانه .. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات النابليونية ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر .

الواهمون : ويسأل شكرى مندهشا من أولئك الآملون خيرا فى دولة الكفر قائلا :

( فأخبرونى بربكم لو كانوا حقا يريدون إقامة الإسلام وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمته .. هلى كانوا يغفلون ذلك .. وهل يتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يجو الله واليوم الآخر " وخلفاؤه من بعده .. أقول هل يتصور أن تصدر باسمهم تشريع الحكم بغير ما أنزل الله .. بل وتبذل باسمهم وفى سبيل الطاغوت وحماية غايات الكفر دماء عباد الله فى ساحات القتال .. وبرضاهم أنه حقا كما قال تعالى :

" ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إله ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون " المائدة – 81

ثم يصل شكرى إلى نتيجة هامة مؤداها :

( وهكذا فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور .. إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حيث ظنوا أن هذه الجتمعات إسلامية .. وإن الذين فيها مسلمون .. وإنه لا ينقصهم إلا التعليم – لا الحكام – فيتعلمون .. نعم هو سوء الظن بأولياء الله حيث ظنوا أن خير أمة أخرجت للناس ههذ وحال رجالها خونة فجرة – حكاما ومحكومين – مطايا هينة للشيطان واليهود .

وهو أيضا سوء الظن بدين الله حيث ظنوا أن الإسلام كلمة تقال – فمن نطق بها فهو المسلم وإن ترك الواجبات وأصر على الموبقات وإن سجدوا للأصنام ونذروا للموتى وحجوا للقبوروعبدوا الأحبار والرهبان جهارا نهارا قل بئسما يأمركم به إيمانك إن كنتم مؤمنين .

إعطاء مهلة للحاكم الجاهلى :

ويستطرد شكرى فى هذه الفرعية : فرعية نقد الداعين للتدرج فى الدعوة الإسلامية وسط مجتمع جاهلى وهو نقد يظهر رؤية شكرى لتلك المجتمعات أيضا ولمدى جاهليتها وكفرها :

( إنه الغبش فى التصور ... والضلالة فى الفكر حيث ظنوا أنه يمكن أن يكونو الناس حاكمين بغير ما أنزل الله لحظة من الزمان وهم مسلمون فى نفس الوقت ظنوا ذلك وصرحوابه ونادوا بفكرة المرحلية لبلوغ الحكم بما أنزل الله .. وأعطوا أئمة الكفر الشرعية – ضمنا وتصريحا – فى الحكم بغير ما أنزل الله فترة من الزمان يتدرجون بزعمهم – إلى الحكم بما أنزل الله فأخطأوا مرتين .

أخطأوا حين ظنوا أن الجاهلية تقلع حجرا حجرا وأن التسليم لله يكون لبنة وأت تأخير بعض الاسلام – إذ كان يعذره ويقدره – ولم تتوافر شروطه حكما بغير ما أنزل الله .. كلا إن منع قطع يد السارق ورجم الزانى حين لا تتوافر شروط القطع أو الرجم أو القدرة , هو عين الحكم بغير ما أنزل الله اسما ومعنى , وأخطأوا حين ظنوا أنه يمكن التصالح مع الفجرة وصنائع اليهود لإعلاء كلمات الله وائتمانهم على ذلك .

ولا نزال نطلع على كتابات لأئمة هذه الحركات المنتسبين إلى الإسلام ترخص للحاكمين ترك الحكم بما أنزل الله فترة من الزمان – بل توصى بذلك .

الغبش فى التصور مستمر :

ويقول شكرى أيضا :

( إنه الغبش فى التصور والضلالة فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة الحاكمين بغير ما أنزل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعبيد الناس لهم .. نعم هكذا – وعفا الله عما سلف –ودعونا – إذا – نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك ( إن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون )

وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله إن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسلم تسلم " .

الضلالة والجهالة للمجتمع وللحركات الإسلامية :

واستكمالا فى مقارعة حجج الداعين إلى العمل الإسلامى داخل المجتمع الجاهلى يقول شكرى :

( وأخيرا .. فإنها الضلالة والجهالة – وظن السوء بالله – أن يتصور أن الله تعالى أمر بإظهار دينه فى الأرض ثم لم يبين لنا الوسيلة أو بينها من غير تفصيل – أو بينها لمحمد فى أول الإسلام –أيام الروم والفرس ... ولم يبينها لأمته أيام الأمريكان والروس كذبوا قال الله تعالى " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين " النحل – 89 .

ويقول شكرى :

أم إنهم أرادوا أن يتبينوا منه فلم يبين لهم وأن ينعموا فيه عليهم كذبوا كذبوا "ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمى وعربى قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون فى آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " فصلت – 44 .

... أم أنهم تبينوه واتبعوا النور الذى جاء به فخذلهم وأخلف الله وعده لهم .. وكذبوا كذبوا .. إن الله لا يخلف الميعاد .. " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملو الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم : النور – 55

أم إنهم عشاق " جيفارا " , "وما و" والمتطفلون على أهواء الجاهلية وأساليبها ووسائلها .. فلم يتدبروا القول .. أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين .. أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون لم يقولون به جن بل جاءهم بالحق .. وأكثرهم للحق كارهون .. ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن .. بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون .. أن تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين .. وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم " المؤمنون – 68-73 .

ولكنى :

أجد لزاما على أن أسأل فأقول : أهم منهم ؟ ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فتشابهت ؟ هل اتفقوا أرضا وحياة وعرفا وحكومة وحكما ومصالح وأملا ؟ أهم هم؟ أهو قوله تعالى " وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ؟ الأنعام – 129 .

أم غيره ؟ ويخلص شكرى هنا إلى رفض دعوتهم وتعليمهم وأنظمة حكمهم السياسية والتشريعية .

ثانيا : الديمقراطية والوحدة الوطنية شعار ماسونى

وفى تفصيل تحديد جديد يرفض شكرى دعاوى الوحدة الوطنيى والتسامح الإسلامى مع الكفرة بقوله :

( نعم .. نحن نؤمن بذلك كله وزيادة فى مجال التأمل مع الناس .. ونحن فيهم ولكن لا نؤمن بأن هذا الإحسان فى التعامل معناه التسوية بين المسلم والكافر فى نهاية الأمر . سواء محياعهم ومماتهم .. فيما يسمونه بديمقراطية الاسلام أو بتسامح الإسلام أو بالوحدة الوطنية وبسائر شعارات الماسونية فى ثياب الإسلام او ان يكون للكافرين بالله – عزة فى أرض الله – وحين تمكن خلفاء الله كما ظن المنهكون بالوكس والبائعين الإسلام بالنجس بل لله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون وعلى أعدائه الذلة والهوان والصغار إلى يوم الدين .قال تعالت " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " الجاثية – 21 .

كما لا نؤمن أن يكون هذا الإحسان فى التعالم على حساب طاعة الله أو المشاركة فى معصيته .. إبقاء على علاقة أسرية أو رابطة أرضية فإن عين الولاء المحرم وعين طاعة الناس فى معصية الله .

" وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين " كما نؤمن أن يكون الإحسان فى التعامل على حساب الجهاد لبلوغ الغاية أو على حساب الولاء للجماعة المسلمة .

حيث أننا نؤمن بأن غايتنا – جلت وشرفت – هى مجمع الفرائض وضابطها .. وهى التى نقيم إليها وجوهنا ونحكمها فيما دونها .

ويقرر شكرى فى ختام هذه الناحية هذه الحقيقية :

( ونؤمن أن الجماعة المسلمة هى الإسلام العملة .. )

ثالثا: معيار المسلم وشروط المجتمع المسلم

" من المسلم عندى " ؟

يقول شكرى فى أحد مواضع وثائق :

( والآن نعود بعد ذلك إلى سؤالنا الأول مع شىء من التحديد فيه .. من المسلم عندنا ومتى يحكم له بالإسلام ؟

يجيب على السؤال بمقدمة يقول فيها :

( إننا حينما نريد أن نستصدر حكما شرعيا أو نستنبط قاعدة إسلامية فقد وجب علينا ولا شك أن نأخذ ذلك أصلا من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ظرفه وزمانه حتى إذا تم استقينا مما أخذنا ووثقنا بما استنبطنا عدنا فحاولنا تطبيق ذلك على ظرفنا وزماننا مع مراعاة استيفاء الشروط والضمانات التى تجيز سريان القاعدة أو توجب ذلك السريان , فلو عرفنا من هو المسلم فى حكم رسول الله صلى عليه وسلم , وكيف كان الناس يدخلون فى الإسلام أو يستقرون فيه , وبم كانوا يخرجون منه , إذا عرفنا ذلك فقد عرفنا أصل القاعدة التى لا تتغير ولا تتبدل فى معرفة المسلم من الكافر ويسر علينا بعد أن نعمل بها فى واقعنا ونحكم بها فيما بيننا .

ثم يقول شكرى مستشهدا ومقيسا المسلم اليوم بالمسلم أيام الرسول وقائلا : إن المسلم الذى يحكم له بالإسلام زمن الرسول هو من :

-أعلن كفره بالطاغوت .

-وإيمانه بالله .

-وتسليمه له وحده .

وذلك ما توجبه الشهادة بقول الله تعالى " فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى " البقرة – 256 .

-والشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

-والدخول فى طاعته وذلك ركن بيعة النبى صلى الله عليه وسلم أى مبايعته على الإسلام

-واتيان الفرائض التى افترضها الله عليه .

-والمداومة على ذلك ولا يأتى بناقض ينقض إسلامه

وبعد أن سرد شكرى هذه الشروط يقول :

( وسنورد الأدلة على صحة ذلك التعريف من خلال هذه الشروط الأربعة على أنها أركان الإسلام لا يصح أن يعرف المسلم إلا بها , وأن تعريف ماهية المسلم هو كأى تعريف لابد أن يكون صحيحا معتبرا جامعا مانعا ) ثم يقول : ( هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لم يعلن أنه لا إله إلا الله ؟ ) والجواب .. لم يصح .. ولا يصح .

فأصبح هذا الإعلان شرطا فى المسلم ويقتضى ذلك عبادته وحده فذلك هو الشرط الأول ثم نقول فى موضع آخر ( أما الشرط الثانى فنسأل هل يصح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلام أحد من الناس لمن شهد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؟

والجواب لم يصح .. ولا يصح فأصبحت هذه الشهادة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم شرطا فى الإسلام ويقتضى ذلك الدخول فى طاعته فذلك هو الشرط الثانى )

ثم ماذا عن أدلة الشرط الثالث ؟.. يقول شكري :

( أما عن الشرط الثالث فنسأل هل صح فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حكم بإسلام رجل رفض شيئا مما افترض من غير عذر شرعى حال دخوله وبعد ذلك أى بعد دخوله فى الإسلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والجواب لم يصح .. ولا يصح .

فأصبح التمادى والمداومة على إتيان الفرائض – ما افترضه الله عليه – إلا بعذر شرعى شرطا فى اعتباره مسلما ومعنى ذلك الإتيان بحقوق الإسلام كاملة )

أما عن أدلة الشرط الرابع فيقول :

( هل صحيح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم أن استمر الحكم بإسلام شخص أتى بناقض بنقض إسلامه كسب الدين مثلا أو سجود لصنم أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة ؟ .. الخ .

والجواب : لا يصح .. ولم يصح .

فأصبح عدم اتيان ناقض بجوار الشروط الثلاثة شرطا للحكم بإسلام شخص ما ويتم بذلك يقينا إشتراط الأربعة فى تعريف المسلم الذى يتمادى فى الحكم بإسلامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط الأربعة بل سنتحدى وذلك هو أول تحد أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى صلى الله عليه وسلم يحكم له بإسلام " أى أنه مسلم " مع نقضه فى حكم الله ورسول الله والمسلمين هو من استوفى تلك الشروط .

1- شهادة لا إله إلا الله .

2- شهادة أن محمد ا رسول الله .

3- إتيان الفرائض ( صلاة وزكاة وصوم وحج وجهاد وأمر بالمعروف .. الخ )

4- اجتناب النواقض .

ونظرا لأهمية هذا الجانب نوجز هنا رأى أحد رجال جماعة التكفير والهجرة الذين ارتدوا عنها بعد أن تبين ل خطأ دعوتها كما يقول فى كتابه ( رجب مدكور التطفير والهجرة وجها لوجه – مكتبة الدين القيم – 1985 )

ونوجز رده فى مجال الرد على شكرى وجماعته فى النقاط التالية على الشروط السابقة:

1- يقول رجب مدكور من ناحية استصدار الحكم الشرعى بالإسلام على أحد من الناس يستوى ما أسماه الشرط الأول وما أسماه الشرط الثانى إذ أن إقرار أحد من الناس بلا إله إلا الله أو إقراره بأن محمد رسول الله يعطى دلالة واحدة هى أنه قد رضى بالإسلام دينا ولذلك لم يقل رسول الله لأسامة بن زيد هل قال أشهد أن محمدا رسول الله ؟ ولكن قال له : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ولو أن الرجل قال : أشهد أن محمدا رسول الله أو قال أسلمت لله وحده أو نحوها لما اختلف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو استنكاره صلى الله عليه وسلم لقتل الرجل بعد ما أسلم وعليه فإن تفصيل الكلام على نحو ما فعلته فرقة التكفير وجعل أحدهما منفصلة عن الآخر , أو كأنه يمكن أن يوجد موحد لله ولكنه لا يشهد بأن محمدا رسول الله أو العكس كأن يوجد من يشهد أن محمدا رسول الله ولا يشهد بأن لا إله إلا الله وهو افتراض جدلى سخيف لا وجود له فى الواقع .

2- ثم يقول مدكور إذا كانت فرقة التكفير والهجرة تتحدى بالنسبة للشرط الثالث وهو " إتيان الفرائض " كشرط للحكم بالإسلام ,فإنى أؤكد أن تحديهم باطل تماما , بل أقابله بتحد آخر مناقض له تماما , وهو أن يأتوا برجل واحد تأخر الحكم له بالإسلام حتى يؤدى الفرائض كلها , أو حى بالإسلام للرجل فور إقراره بكلمة الإسلام أو ما يقوم مقامها .

3- الشرط ارابع فى رأى رجب مدكور وهو اجتناب النواقض ليس شرطا فى الحكم بالإسلام إلا إذا كان مصاحبا للنطق بكلمة الإسلام أو لاحقا لها مباشرة أما غير ذلك فليس شرطا فى الحكم بالإسلام وإنما هو شرط لاستمرار الحكم بالإسلام فمن يأتى بناقض قطعى يكون قد كفر بعد إسلامه أى بعد أن سبق الحكم بإسلامه ومن الواضح أنهم منقسمون تجاه هذه المسألة فعمدوا إلى التلبيس فيها فبعد أن قالوا واستحال الحكم بإسلام أحد من الناس على يد رسو الله أدخل بواحدة أو أكثر من هذه الشروط , ثم جاءوا يتحدون على هذا الكلام مع علمهم أنه باطل أضافوا بكلمة ظل فقالوا أن يأتونا بواحد من الناس ظل النبى يحكم له بالإسلام أى أنه مسلم .. الخ , وهذا تمويه فى رأى مدكور – فاسد حيث أنهم يقررون قاعدة ثم يتحدون على خلافها ... رجب مدكور – التكفير والهجرة وجها لوجه ص ص 42-43 .

الكل إذن لدى شكرى أحمد مصطفى كافر .. إذا دخل الجماعة المسلمة .. ولكن ما هى هذه الجماعة .. وما هى طرق الوصول إليها .. وما هى غايتها ؟ تساؤلات نترك لشكرى نفسه الإجابة عنها ؟

(2) البديل الاسلامى

( رؤية شكرى مصطفى للبديل الإسلامى القادم : الغاية والوسائل )

البديل الاسلامى عند أمير جماعة التكفير والهجرة يعنى ( الدولة الإسلامية ) والدولة الإسلامية لديه لن تبنى إلا بوجود جماعة المسلمين , وهذه الجماعة لن توجد إلا بالإعتزال والهجرة من دار الكفر ومبايعة الأمير إطلاق يده فى كافة أمور الجماعة صغر شأنها أم كبر ... وكل هذا لن يمر عبر بوابة الحركات الإسلامية الأخرى , بل على إطلاقها , من هنا كان لابد أن نبدأ من نقطة النهاية ... ماذا تقول وثائق وأوراق شكرى عن أساليب ومناهج الحركات الإسلامية الموجودة فى الساحة : تساؤل أول ثم كيف يتصور شكرى أسس العمل الإسلامى الصحيح بعد إخفاق تلك الحركات : تساؤل ثان وإذا كانت الهجرة هى الوسيلة المثلى لتكوين الجماعة المسلمة ومن ثم الدولة الاسلامية فإلى أين تتم هذه الهجرة : تساؤل ثالث وإذا ما تمت الهجرة وتكونت الجماعة فمن نبايع وما هى حدود "الدور" لمن توكل إليه البيعة ... بعبارة أخرى ما هو دور الإمام فى الدولة والجماعة الإسلامية ؟ تساؤل رابع وأخير ..ولنستعرض مع شكرى مصطفى إجاباته على تلك التساؤلات .

التساؤل الأول : نقد شكرى الإسلامية والبدائل المطروحة

يبدأ شكرى انتقاداته بمقدمة طويلة يقول فيها :

( لقد كان حريا بالعاملين فى حقل الإسلام أن ينتبهوا إلى وجوب أن تكون أسس العمل الإسلامى مغايرة تماما لأسس الحركات الأخرى , ثم إلى وجوب العكوف على كتاب الله وسنة رسوله لمعرفة أسس هذه الحركة الإسلامية .

إن دين الإسلام الذى جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله لا يمكن أن يكون فى ظلمة الناس , يعنى ليس فيه مسحة من الجاهلية البشرية ...بل هو نور خالص وبياض ناصع "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم " المائدة – 15, 16 .

فحق لدين هذا شأنه أن يستق بمنهاج ويستبد بطريق ... يبدأ غريب ويدرج وحيدا ويعتمد فذا ويعود حين يعود كما بدأ .

أنه الصراط المستقيم الذى لم يخلق الله غيره لبلوغ الغاية فأين السبل الأخرى )

ثم يبدأ شكرى فى توجيه سهامه قائلا :

( وآن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهلية التى أقحمت وأصفت وسميت بالحركات الإسلامية , متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية ) والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة .

فالأمر غير ذلك تماما ... وإنما هو على وجه التحديد :

-الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب العملى لبلوغ الغاية نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنها الأسس الفكرية لسير الدعوة .

-والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات .

-والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه .

-والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع .

-والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها .

-وأولا وأخيرا هى الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركات بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله . " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك

عقم للسرية :

ويقول شكرى : فى موضع آخر ( ولعل أبرز ما يدهش فيما أخذت به هذه الحركات من غيرها هو أساليب السرية العقيمة التى تفضى إلى قتل الدعوة لو كانت هناك دعوة وإماتة للحركة ).

وإنما كان أسلوبهم فى السرية هذا مرتبطا ومترتبا على أسلوب عمل الإنقلابات وإعداد العدة للقفز إلى السلطة من غير دعوة ولا إنذار مع أنه من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان داعيا ومبلغا ونذيرا وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يصدع بالإسلام ولقد أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مشرفا على جبل من جبال مكة أما أنه ( ص ) ابتدأ بدعوته سرا فهذا إنما فترة وبأسلوب غير هذا الأسلوب وعلى أساس غير هذا الأساس .. ولعلنا نوضح ذلك وغيره فى حينه إن شاء الله تعالى حين الكلام عن مراحل العمل الإسلامى .

حركات عرجاء :

وفى موضع آخر من وثائقه ويقول شكرى :

( ولكن الذى يحار المرء فيه هو كيف تتبنى حركة – تزعم أنها إسلامية على أساس التعايش الكامل مع الجاهلية بل والبناء على أبنيتها – بل والتلقى من مناهجها التعليمية وأسسها الإجتماعية . لقد ارتكزت هذه الحركات على الواقع الجاهلى وسلمت به – وقررت أن تحول الأسس الحركية والغايات الحركية على أساسه مفترضه دوام وجوده سبل موجبه لهذا الوجود ومرجعة به .

وفارق كبير من ادخال الواقع فى الحسبان لمعرفة الضرورة وتقديرها بقدرها وأخذ ما لا بد منه من الرخص كمرحلة مع خط الإنفصال والتميز عنه من ناحية وإزالته من ناحية أخرى .. فارق كبير بين هذا وبين بناء الخطة على أساس بقائه والتعايش معه .. لقد ظنوا أن العدو إنما هو الهيئة الحاكمة .. وليس الكيان الإجتماعى والتشريعى كله .

وهكذا فقد ربطو حياتهم المعيشية والوظيفية والمالية والتربوية والتعليمية والثقافية والسياسية بل والدينية والعبادية ربطوها بالواقع الجاهلى المسيطر وأخضعوها له بل وأفنوا عمرهم فى خدمته عاجلا وآجلا )

وينهى شكرى هذه الإنتقادات بقوله :

هذه هى الحقية والناظر إلى حياة ومؤلفات هذه الجماعات سواء الصغيرة منها أو الكبيرة القديمة أو الجديدة التى فنت وبادت أو الممتدة الوجود حتى الآن أقول أن الناظر إلى حياتهم ومؤلفاتهم يوقن بصدق ما أقول .

التساؤل الثانى : أسس العمل الإسلامى الصحيح

يقول شكرى فى تبيان أسس العمل الاسلامى كما يتصورها :

( إن العمل الإسلامى أساسا غير أسس الحركات الأخرى وتعالوا – الآن – ننظر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته مع غيره حين كان فيهم وفى أرضهم .. والأسس التى أرساها فى هذا المجال .

لقد كان يعلم – من أول يوم أنهم سيخرجونه وسيتركهم يوميا ويمضى فإنها السنة ويعلم أن لهذا الترك مقدمات وأصولا – إذ لا شىء يحدث مبتورا فإنها السنة أيضا ويعلم أن الكيان الكافر لإزالته لابد أن يواجه بكيان معلم خير منه إذ الواقع لا يزول بفكرة وإنما بواقع أشد منه وأن ذلك أيضا سنة .

وكان يعلم فوق ذلك أن هذا الدين غريب ليس كمثله شىء فذ ينبغى أن يبدأ كذلك ويعود حين يعود كذلك فصح عنه أنه قال : " إن هذا الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " ... نعم غريب بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد إذ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى ما يقول إنها الغربة فى كل شىء ... فكرا ورجالا وطريقا .

" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشىء عجاب وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشىء يراد ما سمعنا بهذا فى الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق " ص- 4, 7

نعم هذه الغربة لهذا الدين كانت منطلقا ومنشأ .. وسيرة ودعوة .. ورجالا وفكرا ودين كهذا لا يمكن بحال أن يكون له صديق فى الأرض إلا أصحابه إذ أنه يهدم سلطان الألوهية البشرية من أول يوم وهكذا فإن هذا الدين ورجاله يحاصرون من كل جانب وتشرع وجوههم وظهورههم الحراب من كل جانب ويا لها من خطة رائعة تلك التى ينتصر بها الله وجنوده على الأحزاب جميعا .

" إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم " الإسراء – 9 .

حراب مشرعة :

ثم يستطرد شكرى فى موضع آخر قائلا :

( نعم وانظر إلى هذه الحراب المشرعة إلى محمد وأصحابه من أول يوم – ومن كل ناحية .. مستمرة إلى أن توفى النبى ( ص ) متحفزة للشر فى أول فرصة ظنوا أن – الإسلام أصيب فيها يوم وفاة رسول اللله ( ص) حيث ارتدت الجزيرة عن بكرة أبيها إلا مكة والمدينة والطائف وجماعات هنا وهناك ... حتى قام سهيل بن عمرو فى قومه يتوعدهم إن الإسلام لم يزد بموت رسول الله إلا قوة فمن رأينا منه شيئا قتلناه و حتى أخرج أبو بكر الصديق أحد عشر جيشا دفعة واحدة قتلا المرتدين . نعم ولكن انظروا خاصة إلى محاصرة الكفار للرسول ( ص ) فى مكة فى الشعب ثلاث سنوات وليس منه واحد إلا وله قرابة وصهر . انظر إلى هذه المعاهدة الجائرة يكتبها هؤلاء القوم الحلماء – أحلم الناس – إلا يزوجوا أحد من أصحاب محمد ولا يتزوجوا منهم ولا يبيعون لهم ولا يشتروا منهم ... وفيهم سادتهم من بنى هاشم وبنى عبد المطلب ومنهم الشيخ والمرأة والطفل والرضيع ... ثلاث سنوات كاملة .

ثلاث سنوات من العزلة :

ويدهش شكرى قائلا :

( يا لها من مفاصلة كاملة تقوم بها الهيئات – بل سائر المخلوقات – لتحصن نفسها إذا داهمها الخطر .. إنها ما يسمونه ( بالاصلاح الحديث ) المقاومة السلبية ومن الناحية الأخرى يمكن أن تسمى بالتقوقع أو التجرثم أو الإعتزال بالمعنى اللغوى الشرعى .

والذى أحب أن أنبه إليه الآن أن فترة ثلاث سنوات – إذا قيست إلى عمر الدعوة فى مكة – تعتبر فترة طويلة وجوهرية – وإن ذلك إنما كان يعلم الله وإرادته ... ومما نصر به نفسه ولا ريب .

ويعود متسائلا :

( ولكن هل هذه العزلة التى فرضت على المسلمين – يومئذ – لا تكون منهم حتى تفرض عليهم ؟ يقصد شكرى هل لا يعتزل المسلمون حتى يعتزلهم الناس .

إن الذى يقول أن المسلمين لا يعتزلون حتى يعتزلهم الناس .. قد كذب القرآن وسنة الرسل – وأباهم إبراهيم – حيث يقول على لسانه " واعتزلكم وما تعبدون من دون الله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا " مريم – 48 .

ويقول على لسان الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى , هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 15-16 .

وها هو يضرب الله لنا المثل ويأمرنا باحتذائه حيث يقول تعالى :

( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين آمنوا معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك " الممتحنة – 5 .

المبادرة بالاعتزال :

وفى تفصيل لفوائد المبادرة باعتزال الكفار يقول شكرى مصطفى :

( المبادرة ولا ريب بالإعتزال – اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله جميعا إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أن تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر وهو الشىء الذى تطبقه حينئذ أنه أقل درجة من درجات الإنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة – الخروج من ضغوط الكفر ثم التمكن من دعاء الله إنه أول طريق الجادين لعبادة الله وخلافته فى الأرض .

ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر , فإنى اجتزىء بهذا القول فيه ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. ثم الانطلاق بعد ذلك . وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذارت رمل متناثرة فى مجرى نهر متدفق كيف يتأتى لها أن تغير مسيرها فيه فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟

إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمكنها أن تفعل شيئا من هذا وإن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكانياتها وكيدها ثم بأقدامها الرسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يردي أن يتحطم أو يسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر .

إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار ... لن يكمل مساره ... وإنما سيجرفه التيار معه عاجلا أو آجلا ليصبح يوما ما جزءا من التيار أو يفتته ليصبح ذرة من ذراته .

الدعوة إلى الهجرة دعوة تاريخية :

وفى سبيله لتأكيد البديل الوسائل الذى يطرحه ( بديل الهجرة والإعتزال ) يقول شكرى : ( إن التاريخ ليشهد بصدق ما تقول – وأن كنا لسنا بحاجة إلى شهادة التاريخ – نعم إن التاريخ لم يرنا جماعة بقيت فى بحر الجاهلية إلا وتفتت .. وإنه بتقليب صفحات يسيرة من صفحات الأحداث القريبة والمعاصرة يمكننا أن نقرأ أسماءهم بل وأسماء أئمتهم فى سجل التشريعات الملكية ... بل وأعمدة بارزة فى هياكل الكفر ... وأيادى قوية من أياديه ... إن سنة الله فيما خلق لا تتخلف وعلى الذين يصادمون السنة أن يتحملوا النتيجة وأن يستبدل بهم غيرهم .

" فهل ينظرون إلا سنة الأولين .. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويى " فاطر – 43 . بل أن الركون – مجرد الركون – على جانب البحر المتدفق لمدعاه إلى الإنجراف معه حيث لا يؤمن بالإنجراف .. فما بالك بمن قلبه وبطنه ... قال تعالى " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " هود – 113 .

وهكذا فإن وجود كيان إسلامى متجمع على نفسه خارج ضغوط الجاهلية هو هدف إسلامى شرطى – لظهور الإسلام – تسعى إليه الحركة الإسلامية من أول يوم وذلك بتجميع الذرات الصالحة الضائعة هنا وهناك فى مجرى النهر ثم القفز بهم قفزة – رائعة خارج المجرى إنها الطريق .. وإنها بداية الحياة .. وبداية الإنطلاق – حقا . وهكذا الحل – حل الإعتزال – هو الحل الحق فى جميع الحالات الفردية والجماعية ... فقد جاء فى الصحيح عن رسول (ص) أنه قال : " هلاك أمتى على يد أغيلمه من قريس فما المخرج من ذلك ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .. "

التساؤل الثالث أين نهاجر ؟

وبعد أن ينتقد شكرى الحركات الإسلامية المعاصرة ووسائلها فى تحقيق الدولة الإسلامية , ويطرح البديل الإسلامى فى مجال الوسائل الذى يتصوره مشفوعا بأدلة من القرآن وأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم قائلا بأن هذا البديل هو اعتزال وهجرة دارالكفر .. نسأل معه ولكن إلى أين نهاجر وهذا المجتمع بات معقدا إلى درجة يصعب الفكاك – أو الهجرة – إلا إليه ؟

لنترك لوثائق شكرى تجيب وبإسهاب على هذا الجانب الهام من جوانب فكر جماعة التكفير والهجرة ( جماعة المسلمين ) :

يقول شكرى :

( والآن يأتى الوقت المناسب للرد على هذا السؤال : أين نهاجر ؟ مما لا شك فيه أن أهل الجاهلية قد عمروا كل مكان يصلح لمعيشتهم وأظهروا فيه الفساد وبالطبع مكان الهجرة لا بد وأن يكون خاراج عن السيطرة المباشرة والفعالة للطاغوت .

قد يضطر المسلمون فى بداية الأمر إلى الفرار إلى أرض هى من أرض الجاهلية ولكن بها ملك لا يظلم عنده أحد حتى يجعل الله لهم مخرجا مما هم فيه , كما حدث مع الذين هاجروا إلى الحبشة رضوان الله عليهم جميعا . وبالطبع يكون هذا المكان هو مكان مؤقت يأمن فيه المسلمون على دينهم فلا يؤذون ولا يظلمون ولا يفتنون عن دينهم , مكان يلتقط فيه المسلمين أنفاسهم وهم يسعون سعيا حثيثا للوصول إلى أرض يقيمون فيها دين الله كما أوجب عليهم , وهذه الهجرة – تجاوزا – ممكن أن تسمى – هجرة الأمن – وتحديد هذا المكان يخضع لاجتهاد المسلمين وشورتهم فيما بينهم )

خارج أرض الجاهلية :

( وأما المكان الذى يستقر فيه المسلمون ويتحولون إليه لابد أن يكون غير خاضع لسلطان الجاهلية ولا يتحكم فيه الطاغوت وكما قلنا أن الجاهلية ما تركت أرضا تصلح لها إلا وعمرتها وأظهرت فيهاالفساد , فالأرض التى سيستقر فيها المسلمون ليست بأرض ترف ولا بذخ بل غالبا ستكون فيها شدة وبلاء , فحينما هاجر إبراهيم عليه السلام سكن بواد غير ذى زرع قال تعالى : " ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيمواالصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " ابراهيم 37 وحينما هاجررسول الله صلى الله عليه وسلم تاركا مكة لم تكن المدينة فى هذا الوقت أحسن من مكة حالا , بل كان فيها شدة وعنت , عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يصبر على لأواء المدينة أحد من أمتى إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا " رواه مسلم .

فلابد أن يعيد المهاجرون أنفسهم لمقابلة مثل هذه الشدة فى المكان الذى يفرون بدينهم إليه ولنا أن نشير إلى نوعية الأماكن التى يستطيع المسلمين أن يفروا إليها بدينهم فى مثل زماننا هذا الذى عمت فيه البلوى وظهر الكفر والفساد فى كل الدول والبلدان فى البر والبحر .

شغف الجبال ومواقع القطر :

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شعب الجبال وموقع القطر بدينه من الفتن " شغف الجبال : أعلاها ورؤسها .

الوديان والبوادى والشعب :

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى اللله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل مظانة أو رجل فى غنمه فى رأس شعفة من الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس ألا فى خير " مسلم – 6- 35 .

عن جابر بن سمرة رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله من بدا بعد هجرته إلا فى الفتنة كان البدو , خير من المقام فى الفتنة ." رواه الطبرانى . ( بدا : عاش مع البدو )

الكهوف :

ثم يقول شكرى أيضا مفتتحا هذا البديل المكانى بآية قرآنية :

" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من أمركم مرفقا " الكهف – 16 .

فههذ هى الإشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر .

أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة .

عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم فى ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم , وتقدرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير " ( رواه أبو داود ورواه الحاكم أيضا عن أبى هريرة وقال صحيح الاسناد على شرط الشيخين الترغيب 5- 262 )

يؤكد شكرى دعواه بقوله :

( كانت مهاجر إبراهيم فى الشام وعند بيت الله الحرام , إن الله استقبل بى الشام وولى ظهرى اليمن ثم قال : يا محمد إنى قد جعلت ما تجاهك غنيمة ورزقا وما خلف ظهرك مددا , ولا يزال الله يزد إلى أن قال يعز الإسلام وأهله وينقص الشرك وأهله حتى يسير المراكب – يعنى البحرين – لا يخشى إلا جوارا وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل ( كتاب الأحاديث الصحيحة للألبانى – المجلد الأول – رواه أبو نعيم وابن عساكر تاريخ دمشق عن حمزة الشيبانى عن عمرو بن عبد الله الحضى عن أبى أمامه مرفوعا وصممه الألبانى ) ونحب أن ننبه إلى شىء ظاهر فى الحديث أن أخبار النبى صلى الله عليه وسلم بأن الله قد جعل له الشام غنيمة ورزقا وجعل اليمن مددا يتضح من النص أن ذلك يتصل اتصالا وثيقا بآخر الزمان والأحداث التى تقع للمسلمين فيه وذلك بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم : " ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله وينقد الشرك وأهله حتى يسير الراكب بين كذا – يعنى البحرين – ولا يخشى إلا جوار وليبغلن هذا الأمر مبلغ الليل " أى لا يكون على الأرض دين غير دين الإسلام , وذلك لم يحدث فى زمن رسول الله عليه الصلاة والسلام وقد أخبر الصادق الأمين فى أكثر من موضع أن ذلك كائن فى آخر الزمان .

التساؤل الرابع : ( دور الامام فى الدولة والجماعة)

يقول شكرى مصطفى فى وثائقه محددا دور الإمام فى الدولة والجماعة المسلمة :

( إن للإمام الحق أن يتدخل ليوجه عناصر القوة فى الجماعة , وأن ينسق بينها حسب رؤيته للمصلح إذا دعت الضرورة لذلك , وأن أيام الهجرات ومطاردات الكفر للمسلمين وبدايات الإنطلاق للعمل الإسلامى لهى أولى الأيام وأدعى الضرورات لتدخل الإمام , وإن الذين يظنون أن له أن يتحكم فى الأرواح والدماء فيحدد ميعاد المعارك وخطتها ويقدم للخطر فئة ويؤخر أخرى .. ثم لا يرون له حقا فى أن يتحكم فى الأموال أن له هذه وليس له هذه , قد أضروا بالمثل الرفيع فى الجماعة .

ولقد مر بك كيف أن رسول الله (ص) أخى بين المهاجرين والأنصار حتى كانوا يتوارثون , إلى أن نسخ الله هذا التوارث والحق بأولى الأرحام بل كيف جعلهم يقسمون معهم ناتج أرضهم ويكفونهم العمل أيضا . ولقد كان يقسم رسول ( ص ) بعض القىء على المهاجرين دون الأنصار – كالذى كان فى بنى النضير , وكان يعطى فى بعض الغزوات حداث الإسلام ضعاف الإيمان , ويدع الأنصار كالتى كان فى فتح مكة .. بعد حين , فأعطى الأقرع وعينيه ونظائرها من الإبل مائة .. ولم يعطى الأنصار شيئا , وجاء عنه ( ص) أنه أعطى رجلا ما بين جبلين غنما وأمر رسول الله ( ص) أن يعطى رجلا ما تجهز به للغزو لواحد غيره من المسلمين .

وصح عنه (ص)أنه أمر رجلا أن يسقط نصف الدين عن الذى كان عليه الدين – وكان معسرا .

وأنه (ص) أمر بعض أصحابه أن يزوجا إبنتيهما إلى شابين عائلين من بنى هاشم .

فهذه أمثلة .. إنما هى البيعة – كما قد علمتهم – بمعنى البيعة :

صفقة يدك .. وثمرة فؤادك ..

مهام أخرى للإمام :

ويقول شكرى فى موضع آخر مدللاعلى نتائجه بشأن دور الإمام :

وأيضا فإن للإمام أن يأمر من غير بيان علة الأمر , بل من الواجب عليه ذلك فيما يرى أن فى كلماته صلاحا أو أن فى إفاشئه خطرا .. وعلى المأمور أن يسمع ويطيع فى كل ذلك – حتى فيما دخل فيه الاحتمال أو الشبهة – إذ ليست الشبهة أو الاحتمال معصية مستيقنة أو كفرا بواحا .. إنما الكفر البواح هو المعصية عندك فيها من الله برهان , وليست احتمالا أو شبيهة أو ظنا .. وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا , والحق .. كل الحق , هو طاعة الإمام فيما تحب وتكره , وفيما يشتبه عليك وما لا يشتبه عليك , ألا ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان .. فحينئذ لا سمع ولا طاعة .

ولقد أرسل رسول الله (ص) سرية عبد الله بن جحش فكتب بهم كتابا مغلقا وأمر أميره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة ثلاثة أيام , ثم يفتح الكتاب وينفذ ما فيه .

إنه أعظم درس عملى فى السمع والطاعة من غير معرفة العلة , الأول سرية أخرجها رسول الله (ص ) للجهاد فى سبيل الله .. وهكذا .. فكم من غزوة غزاها رسول الله ( ص) قتل فيها من قتل وغلب فيها من غلب وروى رسول الله بغيرها وعمى أصحابه وجهتها إلا النفر اليسير منهم .. وهكذا .

وهكذا .. فكم من رجل اسلم – بل قبيلة – بل أمة .. لم يشهد إسلامهم إلا الإمام أو نفر ممن معه .. ثم شهد سائر المسلمين بشهادة الإمام فيهم فحرموا دماءهم وأموالهم وانكحوهم وائتموا بهم .

وكذا كم من رجل – بل قبيلة بأسرها – ارتدت , لم تقم البينة عند عموم المسلمين على ارتدادهم إلا بشهادة الإمام .. ثم أمرهم بقتالهم واستباحوا أموالهم وذرياتهم مع كفارهم .

إقامة الحدود ودور الإمام :

ويقول شكرى أيضا مستطردا : ( ويقال نفس القول وذاته فى إقامة الحدود من قطع وجلد ورجم وقتل وتغريب وصلب .. فإنه ما قامت البينة عند الإمام فقد قامت عند الأمة كلها , فيأمر الإمام بعد قيام البينة عنده – منلم تقم عنده إلا بينة الإمام , يأمره أن يقتل هذا أو يرجم هذا أو يقطع يد هذا . وإنه لا يملك الامام فى الأمة المسلمة , ولا الحاكم فى دولة كافرة , أن يشهد الناس جميعا على كل حكم أو يطلعهم جميعا على كل سر أو يقيم لهم على كل أمر علة , فإن هذا مما لا يقول به عاقل .. ولا يمكن عمله فى الواقع .

وإنه فارق بين التعليم الذى يفرضه الإمام لرعيته والذى يكون فيه بيان السبب والعلة وإقامة الدليل .. وبين إعطاء الأمر العلمى الذى يكون له عليهم فيه السمع والطاعة .. والمسارعة .

وفارق بين وجوب السؤال على الدليل الشرعى فى الأحكام وتحريم التقليد , وبين أن يوجب على الامام ألا يعطى أمرا لأحد إلا مرفقا بذكر السبب وبيان العلة .

وإن اختصاص الإمام إنما هو أن يأمر ويجيب بقدر المصلحة واختصاص المأمور أن يستطيع وأن لا يسأل إلا بقدر الحاجة .. وإنه هو المكلف بأن يثبت أن فى الأمر كفرا بواحا – لو كان – وليس على الإمام أنه ليس فى أمره كفر بواح إذ النص الشرعى يقول :

" اسمعوا وأطيعوا إلا أن تروا ( أنتم الذين ترونه ) كفرا بواحا عندكم ( يعنى أمتم ) فيه من الله برهان "

وإنه لا يوجد سبيل عملى لجعل الناس أمة واحدة .. ودينا واحدا .. ويدا واحدة على من سواهم إلا بهذا الضابط الجامع المانع .

أن تسمع وتطيع فيما تحب وتكره فى العسر واليسر .. وعل أثره عليك .. وإن أخذ مالك .. وجلد ظهرك .. وذلك لأنك وكما يقول شكرى :

قد بعت نفسك كلها .. صفقة يديك .. وثمرة فؤادك .. بيعة لا إقالة فيها .. ولا غلول فيها .. إلا أن ترى كفرا بواحا عندك فيه من الله برهان , فلا سمع ولا طاعة .

المراجعة وحق النقد :

بعد تفصيلاته السابقة يقول شكرى وقد أحس الخطرمن توسع سلطات الإمام :

( وبعد .. فإننا لا نقصد مما قدمنا أننا نجيز للإمام التعنت فى إخفاء العلة بغير ضرورة أو كتمان الأدلة فيما اشتبه أمره بلا غاية .. فإن ذلك مما يحرج صدور المسلمين ويفتنهم عن السمع والطاعة .

بل الواجب على الإمام أن يرفع الحرج ويزيل اللبس ويجلى الأدلة .. ويفسح صدره للمراجعة .. إلا فيم لابد منه – كما سبق أن بينا – وهو مقصودنا من الحديث , وإلا فإن الله تعالى الحكيم الكريم ورسوله – الذى هو بالمؤمين رؤوف رحيم – قد بين للناس ما يحرضهم على فعل الصالحات وما يزين لهم به الإيمان ويوفع عنهم الحرج ويشرح صدورهم للطاعة ببيان الآيات والأدلة وإقامة البرهان والحجة وذكر السبب والعلة .. والأمثلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله فوق قدرتنا على الحصر .

فضل الإمامة والبيعة :

وعن فضل الإمامة والبيعة يزيد شكرى ما سبق بقوله :

( إن جعل الكلمة واحدة , والضربة واحدة والجماعة حقا جماعة لا يتصور أن يكون إلا بالإمامة .. والطاعة وإنه أن يكون هناك إمام مسلم – على كل حال – خير من أن يتفرق الناس بغير إمام أو على أئمة , أو أن يتقاتلوا على تسويد من هم أحسن – بزعمهم نعم .. أن يكون للمسلمين أمام جامع يتجمعون عليه وكلمة جامعة , حتى وإن وجدوا هذا الإمام يأتى شيئا من معصية الله خير من أن يكون لهم إمام ولا كلمة ولا ريح .

وفارق بين المعصية وبين أن يأمر بالمعصية , فإن أمرالإمام الجماعة بالمعصية تشريع للمعصية وكفر بائح .. أما معصيته فعلى نفسه , وهو كغيره من المسلمين يذنب ويتوب وفى هذا .. قال رسول الله (ص) " ألا من ولى عليه وال فرآه يأتى شيئا من معصية الله فليكره ما يأتى من معصية الله , ولا ينزعن يدا من طاعة " وفى رواية : " إذا رأيتم من ولائكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " وقال (ص) : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية " وفى حديث : " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية "

الجماعة :

ولتأكيد بديلة الإسلامى يعود كرى فى مواضع عدة بوثائقه ليقول :

( إن الجماعة هة النجاة .. وهى القوة وهى الإسلام الذى أراد الله أن يعبد به يمشى على الأرض .

إنها هى التى تفرض بما فرض الله فى واقع الأرض وتحرم ما حرم .

وإنها هى التى توقف الخلق دون حدوده , فلا يجترءون عليها .

وإنها هى التى تمنع الفاحشة أن تشيع والمعصية أن يستعلن بها .

وإنها على التى تنشر العدل وتمنع الظلم , فالقوى عندها ضعيف حتى تأخذ الحق منه والضعيف عندها قوى حتى تريح إله الحق غير متعتع .

وإنها هى التى تعلم الناس الخير وتفقه الناس فى الدين , بل هى التى تحدد معنى الدين الحق عرفا كما أراد الله , وتأمربالمعروف وتنهى عن المنكر .

وإنها هى التى تجعل الأعمال فى سبيل الله وتختم باسم الله .

وتوجهها جميعا إلى غاية واحدة , هى مراد الله .

وإنها هى فى النهاية لتى تحق الحق فلا يقف إحقاقه عندها حبرا على ورق أو فكرة فى صدر .. وتبطل الباطل فلا يكون إبطاله عندها على منبر أو شيئا كهذا .

(3) المستقبل

( رؤية شكرى مصطفى لملامح الجامعة المسلمة ولثمار عقيدة الهجرة على مستقبل العمل الإسلامى )

رؤية المستقبل .. واستشراف معالمه مقدرة لا يمتلكها إلا القادرون على القيادة والفعل الحقيقى , وتلك كانت سمات شكرى أحمد مصطفى على الرغم من شططه الذى يشهد به حتى اتباعه من أعضاء جماعة التكفير والهجرة .. ولكن .. ماذا عن رؤيته لملامح وضمانات الجماعة الإسلامية إت تحققت والتى هى كما قال من قبل نواة المجتمع المسلم والدولة الإسلامية .. ما هى ضمانتها ووظائفها ؟ وأخيرا هل تشكل وسيلة الهجرة انجح السبل للوصول إليها ولتحقيق أفضل النتائج على صعيد العمل الإسلامى الجماعى والفردى ؟ تساؤلات تترك لشكرى الاجابة عليها ؟

ضمانات التجمع الإسلامى

يقول شكرى فى إحدى وثائقه ( إن الجماعة المسلمة تضمن لمن فيها ممن أعلن قبوله للإسلام وانضواءه تحت راية الحق التى لا تشبه على الإطلاق غيرها من الجماعات بلا استثناء :

(1) المنع من إظهار الشرك الظاهر كعبادة الأصنام أو الكواكب أو الموتى أو كفر ظاهر كسب الدين أو ارتداد كامل كالشيويعة والبهائية والماسونية .

(2) إقامة الحدود ورد الحقوق

(3) المنع من الإصرار على المعصية أو ترويجها .

(4) المنع من إنكار معلوم من أمر الدين بالضرورة .

(5) فرض تعلم الدين وتعليمه .

(6) إيجاب الفرائض الظاهرة كالصلاة والزكاة والشهادة واستيفائها .

(7) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيما بين الأفراد .

(8) الإشراف على تعظيم الله وحقه فى صدور الناس واستغلال وسائل التربية والتعلم والاعلان كلها لتربية وازع مراقبة الله تعالى عند كل مسلم فى السر والعلن .

(9) تميز المسلم عما عداه من رعايا الدولة غير المسلمين حتى يمكن التفريق بينهما بمجرد النظر.

(10) توجيه الأمور كلها بكامل قوتها وبكامل هيئاتها وبشتى مؤسساتها للعمل فى سبيل الله لتكون كلمة الله هى العليا .

والآن يقول شكرى : ( وبعد أن عرضنا الهجرة كطريق للعمل الأمثل والوحيد الذى تسلكه الجماعة المسلمة ولا تمضى بخطواتها فى غير هذا الطريق .. نطرح هذا السؤال : هل تحقق الهجرة هدف الحركة الإسلامية ؟ بدون تردد يحق لنا أن نقول أن الهجرة تحقق هدف الحركة الإسلامية – بل ليس هناك طريق غيرها تستطيع به الجماعة المسلمة الوصول إلى هدفها .. فلننظر إلى هدف الحركة الإسلامية هل يتحقق من خلال الهجرة أن يتعثر الوصول إليه ؟

النجاة الفردية

يجيب شكرى قائلا :

( يفر المرء بدينه من دار الكفر والإيذاء والفتنة إلى أرض الله الواسعة حيث لا فتنة ولا كفر وإيذاء , ولكن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا وبدلا من أن يكون مستضعفا فى الأرض أصبح عزيزا فى دينه متمكنا فى الأرض بعزة الله , وبدلا من أن يجبر على فعل ما حرم الله فى أرض الجاهلية سيتبع شرع الله ولا يضطره أحد على مخالفة ما أنزل الله والوقوع فيما حرم الله وبدلا من أن يرى المنكر ولا يستطيع أن يغيره , سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبدلا من أن يخالط أهل الجاهلية ويقعد معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزءون بها سيكون كل ما حوله على دينه يعظمون شرع الله ولا يكفرون به , سيتنفس نفسا طبيعيا , ولا يشعر بالغربة والوحشة , لا فتنة وفاحشة ولا إيذاء ولا استهزاء , ما على المرء وقتئذ إلا أن يعد عدته ويجمع أسلحته للإنتصار على شيطانه ويجهر ما أمكنه الجهر فى تقوى الله والإستقامة على أمره البلاغ :

ويقول فى موضع آخر من وثائقه :

( يجتهد المسلمون وهم فى أرض الجاهلية فى بلاغ الإسلام حسب طاقاتهم وظروف حركتهم وهم يبلغون الإسلام ويجتهدون فى ذلك , فحركتهم لا تقوم على السرية ولا إهمال البلاغ – بل هو عنصر هام من عناصر هدفها المركب وبعد أن يشعروا أن الوقت قد حان للخروج من أرض الجاهلية , وقد بلغوا من استطاعوا ممن يتخيرون فيه تقبل هذا الدين والإيمان به سواء قبلوه بعد ذلك أو أعرضوا عنه , ثم إن سعيهم بعد ذلك فى دار الهجرة لإقامة دولة الإسلام , وما ذلك إلا بالوصول بالبلاغ .. إلى قمته .. فالجماعة المسلمة حينما تظهر فى الأرض بقدرتها وعدتها وتكون لها القوة والمنعة وينتشر خيرها يكون البلاغ حين ذلك قد وصل إلى القمة وحجة الله دمغت الحاكمين , وشتان بين الذين يبلغون الإسلام وهم يعدون أنفسهم للهجرة وبين الذين يخططون عملهم على السرية الدائمة فى انتظار الحدث السعيد ووقوع الإنقلاب الجيد . وهو من ( وجهة نظر شكرى ) إقامة دولة الإسلام .

معالم الدولة القادمة

ثم يختم شكرى توقعاته فى إحدى وثائقه :

( إن تجكع المسلمين ولو على رأس جبل من الجبال أو بطن واد من الأودية وتحاكمهم إلى كتاب الله وتطبيقهم لشرعه وحدوده هم بذلك قد أقاموا دولة الإسلام يشع منها الهدى والنور , ويتزايد كلمتهم باسم الله وفى سبيل الله يقاتلون من كفر بالله , ويطهرون الأرض من الشرك والطغيان , ويخرجون العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ) .

ويقول أخيرا : (ليس هناك طريق آخر غير الهجرة للوصول إلى هدف الحركة الإسلامية وكل الطرق غير هذا الطريق تؤدى إلى الفشل والبعد عن الهدف )

وتنتهى أهم آراء شكرى مصطفى من خلال وثائقه التى لم تنشر حتى اليوم .. والتى تناولتها وسائل الإعلام بأكبر قدر من التشويه المتعمد , وتبقى دلالاتها الموحية والتى يمكن إيجازها فى هذه التساؤلات :

-لماذا ظهرت أفكار شكرى مصطفى هذه .. فى هذا الوقت تحديدا من تاريخ مصر ؟

-وهل لهذه الأفكار جذورا فكرية راسخة غير تلك الإستشهادات الواهية بآيات القرآن وأحاديث الرسول بعبارة أخرى .. هل سبق شكرى من قال من رجال الإسلام بهذه الأفكارأو قريبا منها ؟

-ولماذا تضاءلت جماعة التكفير والهجرة بعد ضرب رقاب شكرى ورفاقه عام 1978 .

الفصل الرابع: محمد عبد السلام فرج: (الفريضة الغائبة) فى زمن الردة

" .. والذى لا شك فيه أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف .. " محمد عبد السلام فرج الفريضة الغائبة ص – 3 .

الفصل الرابع: محمد عبد السلام : الفريضة الغائبة فى زمن الردة

لا يختلف اثنان على روعة الجاز الوطنى الذى وقع ظهر يوم الثلاثاء السادس من أكتوبر عام 1981 , جين انهت رصاصات خالد الإسلامبولى ورفاقه صفحة سوداء من تاريخ التبعية والفساد والتسلط إلى تاريخ مصر المعاصر , ولا يختلف اثنان على الدور الهام الذى لعبه المهندس محمد عبد السلام فرج ( الذى قيل عنه أنه أمير تنظيم الجهاد والحقيقة أنه مسئول الدعوة بالتنظيم وقتذاك ( والأمير الحقيقى هو عبود الزمر , من يومها وحتى الآن , فى تجنيد خالد الإسلامبولى ورفاقه , , وفى ترتيب حادثة الاغتيال , ولكن أغلبنا استقى آرائه بشأن أفكار محمد عبد السلام وأعضاء التنظيم من مصادر غير أمينة بعضها تمثل فى أجهزة الإعلام الرسمية التى غطت محاكماتهم ونقلت آراءهم بأكبر قدر من المغالطة والتشويه , وبعضها أتى من قبل كتاب وصحفيين بعضهم زار إسرائيل وتعامل ولا يزال مع أجهزة مخابراتها داخل مصر ولنا أن نتخيل كيف سيكون حجم التشويه المقصود لأفكار ورؤى الإسلاميين من قبل هؤلاء المرتزقة .. من هنا كان ضروريا أن تكون الوثائق ذاتها هى التى تتحدث , وهو ما قمنا به مع محمد عبد السلام فرج , ومع كتابه الوحيد " الفريضة الغائبة " والذى أحرقت كل نسخه من قبل أجهزة الأمن ولم يبق منها سوى عشر نسخ أمكننا الحصول على إحداها والتى نتولى عرضها فى هذا الفصل عبر المحاور الأربعة التى حددناها لدراسة وثائق التنظيمات الإسلامية فى السبعينات ..

وعليه تصبح الأسئلة الأساسية هنا هى :

-كيف يرى محمد عبد السلام فرج أنظمة الحكم فى المجتمعات الإسلامية المعاصرة ؟

-وما هو تقييمه لواقع هذه المجتمعات بمعيار الإسلام ؟

-ثم ما هى ملامح البديل الإسلامى الذى يطرحه وسط ركام هذه المجتمعات ؟

-وأخيرا كيف يرى ويتوقع المستقبل من منظوره الإسلامى ؟

ولنترك محمد عبد السلام يجيب بنفسه دون تسلط أو تزييف :

(1) نظام الحكم

( رؤوية عبد السلام فرج لأنظمة الحكم فى بلاد المسلمين )

تمتلأ كتابات محمد عبد السلام فرج , والتى عنونها فيما بعد " بالفريضة الغائبة " بالكثير من التلميحات والرؤى بشأن أنظمة الحكم التى تعلو بلاد المسلمين اليوم وهو يرى مثل سابقيه ( صالح سرية وشكرى مصطفى ) أنها أنظمة كافرة ( وهذه نقطة الإلتقاء الرئيسية بين أفكارهم جميعا ) وفى سبيله لتبيان ذلك استعان عبد السلام فرج بفتاوى ابن تيمية وابن كثير الأول بشأن التتار ليؤكد تشابه حكام المسلمين اليوم بحكام التتار آنذاك فى زمن ابن تيمية , والثانى ليأخذ منه أحاديث نبوية تؤكد ما توصل إليه من نتائج تكفيرية بشأن الحكام .. ويبدأ محمد عبد السلام فرج سيناريو التكفير لأنظمة الحكم بقوله :

=الحاكم بغير ما أنزل الله

( إن الأحكام التى تعلو المسلمين اليوم هى أحكام الكفر بل هى قوانين وضعها كفار وسيروا عليها المسلمين ويقول الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة .. " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " 5-44 فبعد ذهاب الخلافة نهائيا عام 1924 واقتلاع أحكام الإسلام كلها واستبدالها بأحكام وضعها كفار .. أصبحت حالتهم هى نفس حالة التتار كما ثبت فى تفسير ابن كثير لقوله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة (5-50) "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون "

قال ابن كثير ( ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهى عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التى وصفها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يصنعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذى وضع لهم " الياسق " وعو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فمن فعل ذلك كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه من كثير ولا قليل ) ابن كثير الجزء الثانى ص 67 .

وحكام العصر قد تعددت أبواب الكفر التى خرجوا بها عن ملة الإسلام بحيث أصبح الأمر لا يشتبه على كل من تابع سيرتهم هذا بالاضافة إلى قضية الحكم , ويقول شيخ الإسلام بن تيمية فى كتاب الفتاوى الكبرى باب الجهاد ص 288 – الجزء الرابع : ومعلوم بالاضطراد من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر وهو ككفر من أمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب كما قال تعالى " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هو الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مبينا "

حكام المسلمين اليوم فى ردة عن الإسلام

فحكام هذه العصر فى ردة عن الإسلام تربوا على موائد الإستعمار سواء الصليبية أو الشيوعية أو الصهيونية فهم لا يحملون من الإسلام إلا الأسماء وإن صلى وصام وادعى أنه مسلم , وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوده متعددة منها أن المرتد يقتل وإن كان عاجز عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها أن المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبيحته بخلاف الكافر الأصلى إلى غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر باصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من خروج الخارج الأصلى عن شرائعه ويقول ابن تيمية ص 193 ( والكلام لا زال لمحمد عبد السلام فرج )

( وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلى من وجوه متعددة منها أن المرتد يقتل بكل حال ولا يضرب عليه جزية ولا تعقد له ذمة بخلاف الكافر الأصلى ومنا , أن المرتد يقتل وإن كان عاجزا عن القتال بخلاف الكافر الأصلى الذى ليس هو من أهل القتال فإنه لا يقتل عند أكثر العلماء كأبى حنيفة ومالك وأحمد ولهذا كان مذهب الجمهور أو المرتد يقتل كما هو مذهب مالك والشافعى وأحمد ومنها ان المرتد لا يرث ولا يناكح ولا تؤكل ذبييحته بخلاف الكافر الأصلى على غير ذلك من الأحكام وإذا كانت الردة عن أصل الدين أعظم من الكفر بأصل الدين فالردة عن شرائعه أعظم من الكفر وخروج الخارج الأصلى عن شرائعه إذا فما موقف المسلمين من هؤلاء ؟

يقول ابن تيمية أيضا فى نفس الباب ص 281 :

( كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق ائمة المسلمين وأن تكلمت بالشهادتين فإذا أقروا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلوات الخمس وجب قتالهم حتى يصلوا وإن امتنعوا عن الزكاة وجب قتالهم حتى يؤدوا الزكاة كذلك إن امتنعوا عن صيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق , وكذلك أن امتنعوا عن تحريم الفواحش أو الزنا أو الميسر أو الخمر أو غير ذلك من محرمات الشريعة وكذلك إن امتنعوا عن الحكم فى الدماء والأموال والأعراض والأبضاع ونحوها بحكم الكتاب والسنة كذلك أن امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجهاد الكفار إلى أن يسلموا ويؤدوا الجزية عن يد وهم صاغون وكذلك إن أظهروا البدع المخالفة للكتاب والسنة واتباع السلف مثل أن يظهروا الإلحاد فى أسماء الله وآياته أو التكذيب بآيات الله وصفاته والتكذيب بقدره وقضائه أو التكذيب بما كان عليه جماعة المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين أو الطعن فى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان أو مقاتلة المسلمين حتى يدخلوا فى طاعتهم التى توجب الخروج عن شريعة الإسلام وأمثال هذه الأمور قال تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " ولهذا قال تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " وهذه الآيات نزلت فى أهل الطائف لما دخلوا فى الإسلام والتزموا بالصلاة والصيام ولكن امتنعوا عن ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا هو آخر ما حرمه الله وهو ما لا يؤخذ برضا صاحبه فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله يجب جهادهم فكيف لمن ترك كثيرا من شعائر الإسلام أو أكثرها كالتتار وقد اتفق علماء المسلمين على أن الطائفة إن امتنعت عن بعض واجبات الإسلام الظاهرة المتوافرة فإنه يجب قتالها إذا تكلموا بالشهادتين وامتنعوا عن الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان أو حج البيت العتيق أو عن الحكم بينهم بالكتاب والسنة أو عن تحريم الفواحش أو الخمر أو نكاح ذوات المحارم أو عن استحلال النفوس والأموال بغير حق أو الربا أو الميسر أو الجهاد للكفار أو عن ضربهم الجزية على أهل الكتاب ونحو ذلك من شرائع الإسلام فإنهم يقاتلون عليها حتى يكون الدين كله لله ) .

المقارنة بين التتار وحكام اليوم

لم يدخل عبد السلام فرج إلى المقارنة الهامة بين التتار وحكام اليوم فى سبعة نقاط رتبها على النحو التالى :

1- وضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خرج عن الحكم بما أنزل الله أيا من كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن تكون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى عن اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظر وهواء .. فلا شك أن الياسق اقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولا أى من الشرائع .

2- وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للإمام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلأى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين لم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى يضمون المسلمين إلى صفوف جيشهم كرها " التجنيد الإجبارى " ) وما حكم من يكون من سكرهم من المنتسبين والمقاتلون لهم مسلمون وكليهما ظالم فلا يقاتل مع أحدهما ) وهى نفس الشبهة الموجودة الآن وسوف يتم توضيحها إن شاء الله . الفتاوى الكبرى ص 280 , 281 . مسألة(516) .

3- ويقول بن تيمية فى وصف التتار ( ولم يكن معهم فى دولتهم مولى لهم إلا من كان من شر الخلق إما زنديق منافق لا يعتقد دين الإسلام فى الباطن أى أن يظهر الإسلام وإما من هؤلاء من هو شر أهل البدع كالرافضة والجهمية والإتحادية ونحوهم ( وهم أصحاب البدع ) وإما من أفجر الناس وأفسقهم وهم فى بلادهم مع تمكنهم لا يحجون البيت العتيق وإن كان فيهم من يصلى ويصوم فليس الغالب عليهم إقام الصلاة وإيتاء الزكاة .. أليس ذلك هو الكائن ؟ ( يقصد محمد عبد السلام أن ليس هذا هو الكائن اليوم فى ديار المسلمين ) .

4- وهو يقاتلون على ملك جنكيز خان ( اسم ملكهم ) فمن دخل فى طاعتهم جعلوه وليهم وإن كان كافرا , ومن خرج عن ذلك جعلوه عدوا لهم وإن كان من خيار المسلمين لا يقاتلون على الإسلام ولا يضعون الجزية والصغار بل غاية كثير من المسلمين منهم من أكابر أمرائهم ووزرائهم أن يكون المسلم عندهم كمن يعظمونه من المشركين من اليهود والنصارى . الفتاوى ص 286 .

ملحوظة : من هذه الصفات هى نفس الصفات لحكام العصر هم وحاشيتهم الموالية لهم الذين عظموا أمر الحكام أكثر من تعظيمهم لخالقهم والملحوظة لمحمد عبد السلام فرج نفسه )

5- وفى صفحة 287 يضيف شيخ الإسلام واصفا الموالين لجنكيز خان فيكتب أن من كان فيهم جنكيز خان كما يقاتلون المسلمين بل وأعظم أولئك الكفار يبذلون له الطاعة والإنقياد ويحملون إليه الأموال ويقرون له بالنيابة ولا يخالفون ما يأمرهم به إلا كما يخالف الخارج عن طاعة الإمام للإمام وهم يحاربون المسلمين ويعادونهم أعظم معاداة ويطلبون من المسلمين الطاعة وبذل الأموال والدخول فيما وضعه لهم الملك الكافر المشرك المشابه لفرعون أو النمرود ونحوهم بل هو أعظم فسادا فى الأرض منها .

6- ويضيف شيخ الإسلام متكلما عن القضاء فى عصر التتار فيقول : ( وكذلك وزيرهم السفيه الملقب بالرشيد يحكم على هذه الأصناف ويقدم شرار المسلمين كالرافضة والملاحدة على خيار المسلمين أهل العلم والإيمان حتى يتولى القضاة من كان أقرب إلى الزندقة والإلحاد والكفر بالله ورسوله .. بحيث تكون موافقة للكفار والمنافقين من اليهود والقرامطة والملاحدة والرافضة على ما يريدون أعظم من غيره ويتظاهرون من شريعة الإسلام بما ليس فيه من أجل من هناك من المسلمين حتى أن وزيرهم هذا الخبيث الملحد المنافق صنف مصنفا مضمونه " إن النبى صلى الله عليه وسلم رضى بدين اليهود والنصارى وأنه لا ينكر عليهم ولا يذمون ولا ينهمون عن دينهم ولا يؤمرون بالإنتقال إلى الإسلام واستدل الخبيث الجاهل بقوله : " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولى دين " وزعم أن هذ الآية تقتضى أنه يرضى دينهم , وقال وهذه الآية محكمة ليست منسوخة. ص 288 , 289 الفتاوى الكبرى فسبحان الله , أليس مصنف وزيرالتتار هو نفس مصنف ( الاخاء الدينى ) و(مجمع الأديان )بل الأخير أفظع وأجرم.(1) يلاحظ هنا التسليم الكامل من محمد عبد السلام فرج لفتاوى ابن تيمية دونما إدخال لعناصر ومتغيرات المقارنة الزمنية أو المكانية لديار وحكام المسلمين وأوضاعهم اليوم فى الحسبان وهو تسليم جعل من فتاوى ابن تيمية المصدر الأول لأفكار فرج .

(2) يلاحظ أن هذه المسميات ظهرت وراجت فى نهاية عهد الرئيس السابق أنور السادات وارتبطت باتفاقات كامب ديفيد الموقعة فى 26 مارس 1979 . (الباحث )

فتاوى ابن تيمية :

ثم يتجه عبد السلام فرج لتأكيد أحكامه السابقة إلى الإستعانة بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية مرة أخرى وقائلا :

ومن هنا يجدر بنا أن ننقل بعض فتاوى بن تيمية فى حكم هؤلاء .. قد ذكرنا فتواه فى حكم بلدة " ماردين " التى كان يحكمها التتار بقوانين تجمع ما بين شريعة اليهود والنصارى وجزء من الإسلام وجزء من العقل والهوى فقال : أما كونها دار حرب أو سلم فهى مركبة فيها المعنيان ليست بمنزلة دار السلم التى تسرى عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه ويقالت الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه " وتبدأ سلسلة الأحكام التى أخذها فرج عن ابن تيمية دون مقارنة تاريخية بين الزمن الذى وجد فيه ابن تيمية وزماننا هذا , فيأخذ فتواه مثلا بشأن عن أعان التتار وساعدهم أو من حارب معهم من جنود المسلمين وحكم أموال التتار وحكم قتالهم ويذهب فى كل هذا إلى القول أن تكفير ابن تيمية للتتار هو النموذج الذى يحتى فى واقع المسلمين اليوم , وهى نقطة هامة كانت مثار انتقادات عديدة وجهت لأفكار فرج داخل المحكمة وخارجها من مفكرين إسلاميين وأمثال د. محمد عمارة وغيره من المهتمين ولكن وأيا كانت الإنتقادات , فتلك كانت رؤيته للنظام الحاكم فى بلاد ومجتمعات المسلمين .. ماذا عن تلك البلاد والمجتمعات ؟

(2) المجتمع

" رؤية محمد عبد السلام فرج للمجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم "

لم يوضح محمد عبد السلام فرج كما حدث مع سابقيه من بقية رجال الغضب الإسلامى طبيعة المجتمعات التى يعيش فيها المسلمون اليوم لم يأت بتوصيف جيد متكامل لها اللهم إلا فى جزئية قصيرة عنونها ب ( الدار التى نعيش فيها ) ويعد هذا الجانب ن أضعف الجوانب الفكرية لدى محمد عبد السلام فرج , ونعتقد أن تنظيم الجهاد قد قاد بتغطية وتجاوز هذا الضعف فيما بعد باجتهادات فذة لقياداته وكوادره الفكرية داخل السجون , مثل صالح جاهين , عصام دربالة , كمال السعيد حبيب , أسامة حميد , عاصم عبد الماجد وغيرهم ) ولنستمع الآن لرؤية محمد عبد السلام فرج للدار التى نعيش فيه .

" الدار التى نعيش فيها " :

يقول : ويبدو هنا تساؤل هل نحن نعيش فى دولة الإسلام ؟ من شروط الدولة أن تعلوها أحكام الإسلام وأفتى الإمام أبو حنيفة أن دار الإسلام تتحول إلى دار كفر إذا توافرت ثلاث شروط مجتمعة :

1- أن تعلوها أحكام الكفر .

2- ذهاب الأمان للمسلمين .

3- المتاخمة أو المدجاورة .. وذلك بأن تكون تلك الدار مجاورة لدار الكفر بحيث تكون مصدر خطر على المسلمين وسببا فى ذهاب الأمن .

وأفتى الإمام محمد والإمام أبو يوسف صاحبى أبو حنيفة بأن حكم الدار تابع للأحكام التى تعلوها فإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام الإسلام فهى دار إسلام وإن كانت الأحكام التى تعلوها هى أحكام كفر فهى دار كفر , ( بدائع الصنائع جزءان ) وأفتى شيخ الإسلام بن تيمية فى كتابه الفتاوى الجزء الرابع ( كتاب الجهاد ) عندما سئل عن بلد تسمى ماردين كانت تحكم بحكم الإسلام ثم تولى أمرها أناس أقاموا فيها حكم الكفر هل هى دار حرب أو سلم ؟ فأجاب : إن هذه مركب فيها المعنيان فهى ليست بمنزلة دار السلم التى يجرى عليها أحكام الإسلام ولا بمنزلة دار الحرب التى أهلها كفار بل هى قسم ثالث يعامل المسلم بما يستحقه ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه .. والحقيقة أن بهذه الأقوال لا تجد تناقض بين أقوال الأئمة فأبوحنيفة وصاحبيه لم يذكروا أن أهلها كفار .. فالسلم لن يستحق السلم والحرب لمن يستحق الحرب .. فالدولة تحكم بأحكام الكفر بالرغم من أن أغلب أهلها مسلمون

(3) البديل الاسلامى : بناء الدولة

( رؤية عبد السلام فرج لقيام الدولة الإسلامية : الغاية والوسائل )

يمثل هذا الجانب فى شقه الأول : أى الغاية التى ينشدها قصورا شديدا حيث لا تتعدى رؤية عبد السلام فرج لهذه الغاية التى حددها فى غاية بناء الدولة الإسلامية بضع سطور وبكنه فى الشق الثانى أى الوسائل فصل الأمور تفصيلا شديدا إلى درجة يبدو معها وقد شابه عيب التكرار .. وسنقوم فى هذه الجزئية بتقديم الشقين على النحو التالى :

الشق الأول : الغاية : بناء الدولة الإسلامية .

الشق الثانى : الوسائل .

أولا : نقد الوسائل المطروحة إسلاميا .

ثانيا : إعلاء وسيلة الجهاد الدموى .

فماذا عن الشقين ؟

الشق الأول : إقامة الدولة الإسلامية

يقول عبد السلام فرج إن إقامة الدولة الإسلامية " فرض أنكره بعض المسلمين وتغافل عنه البعض مع أن الدليل على فرضية قيام الدولة واضح بين فى كتاب الله تبارك وتعالى فالله سبحانه وتعالى يقول " وأن احكم بينهم بما أنزل الله", ويقول : " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ويقول جل وعلا فى سورة النور عن فرضية أحكام الإسلام :" سورة أنزلناها وفرضناها " ومنه فإن حكم الله على هذه الأرض فرض على المسلمين ويكون أحكام الله فرض على المسلمين فبالتالى قيام الدولة الإسلامية فرض على المسلمين لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب وأيضا إذا كانت الدولة لن تقوم إلا بقتال فوجب علينا القتال .

ولقد أجمع المسلمون على فرضية إقامة الخلافة الإسلامية , وإعلان الخلافة يعتمد على وجود النواة وهى الدولة الإسلامية ( ومن مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلة ) فعلى كل مسلم السعى لإعادة الخلافة لكيلا يقع تحت طائلة الحديث .. والمقصود بالبيعة بيعة الخلافة .

الشق الثانى : الوسائل إلى بناء الدولة

أولا : نقد لوسائل المطروحة إسلاميا :

قام محمد عبد السلام فرج قبل أن يطرح تصوره بنقد شامل لوسائل العمل الإسلامى المطروحة فى الساحة وقال بتعويقها للمهمة الرسالية المتمثلة فى بناء الدولة الإسلامية , فقام بنقد من يدعون إلى تكوين جمعيات خيرية , أو إلى قيام حزب إسلامى إلى أن وصل إلى من يرون الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فيقول بشأنهم : ( الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب )

( وهناك من يقول أن المسلمين الإجتهاد من أجل الحصول على المناصب فتملأ المراكز بالطبيب المسلم والمهندس المسلم وبذلك يسقط النظام الكافر وحده وبدون مجهود ويتكون الحاكم المسلم والذى يسمع هذا الكلام لأول وهلة يظنه خيال أو مزاح ولكن الحقيقة أن بالحقل الإسلامى من يفلسف الأمور بهذه الطريقة وهذا الكلام بالرغم من أنه لا دليل له من الكتاب والسنة فإن الواقع حائل دون تحقيقه .. فمهما وصلوا إلى تكوين أطباء مسلمين ومهندسين مسلمين فهم أيضا من بناة الدولة ولن يصل الأمر إلى توصيل أى شخصية مسلمة إلى منصب وزارى إلا إذا كان مواليا للنظام موالاة كاملة )

الدعوى فقط وتكوين قاعدة عريضة :

ثم يقول محمد عبد السلام : ومنهم من يقول أن الطريق لإقامة الدولة هو لدعوة فقط وإقامة قاعدة عريضة وهذا لا يحقق قيام الدولة بالرغم من أن البعض جعل هذه النقطة أساس تراجعه عن الجهاد والحق أن الذى سيقيم الدولة هم القلة المؤمنة .. والذين يستقيمون على أمر الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دائما قلة بدليل قول الله عز وجل " وقليل من عبادى الشكور " وقوله سبحانه " وإن تتبع أكثرمن فى الأرض يضلونك عن سبيل الله " وتلك سنة الله فى أرضه .. فمن أين سنأتى بهذه الكثرة المأولة .. ويقول سبحانه " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين "

والإسلام لا ينتصر بالكثرة فالله سبحانه وتعالى يقول " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " ويقول سبحانه " ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت " .. ويقول صلى الله عليه وسلم .

" ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن " وذلك بعد أن سألوه صلى الله عليه وسلم " أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل "

ثم كيف تنجح الدعوة هذا النجاح العريض وكل الوسائل الإعلامية الآن تحت سيطرة الكفرة والفسقة والمحاربين لدين الله .. فالسعى المفيد حقا هو من أجل تحرير هذه الأجهزة الإعلامية من أيدى هؤلاء.. ومعلوم أنه بمجرد النصر والتمكين تكون هناك استجابة فيقول سبحانه وتعالى " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا "

ويجدر بنا فى استعراض هذه لنقطة الرد على من يقول لنا أنه لابد أن يكون الناس مسلمين حت نطبق الإسلام عليهم كى يستجيبوا له وكى لا تفشل فى تطبيقه والذى يتشدق بهذا الكلام فهو إنما يتهم الإسلام بالنقص والعجز دون أن يشعر فهذا الدين الصالح للتطبيق فى كل زمان ومكان قادر على تسيير المسلم والكافر والفاسق والصالح والعالم والجاهل .. وإذا كان الناس يعيشون تحت أحكام الكفر فكيف بهم إذا وجدوا أنفسهم تحت حكم الإسلام الذى هو كله عدل .

ويختم عبد السلام فرج هذه النقطة بقوله :

وقد أخطأ الفهم من يفهم كلامى هذا بمعنى التوقف عن الدعوة ( دعوة الناس إلى الإسلام فالأساس هو أن نأخذ الإسلام ككل ولكن ذلك رد على من جعل قضيته هى تكوين القاعدة العريضة وانشغل عن الجهاد بل من أجلها أوقفه وعطله .

الهجرة :

وفى موضع آخر يرد عبد السلام فرج على الداعين لوسيلة الهجرة ونعتقد أنه يقصد من تبقى من أتباع شكرى مصطفى بعد قتله عام 1978 أن هناك من يقول أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية هو الهجرة إلى بلد أخرى وإقامة الدولة هناك ثم العودة مرة أخرى فاتحين , ولتوفير جهد هؤلاء فعليهم أن يقيموا دولة الإسلام ببلدهم ثم يخرجوا منها فاتحين .. وهل هذه الهجرة شرعية أو لا ؟ للإجابة على هذا التساؤل ندرس أنوالع الهجرة الواردة فى السنة فى تفسير حديث " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " ويقول بن حجر : ( والهجرة إلى الشىء الإنتقال إليه عن غيره ) وفى الشرع ( ترك ما نهى الله عنه , وقد وضعت فى الإسلام على وجهتين من وجهة نظره ) :

الأول : الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمان كما فى هجرة الحبشة , وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة .

الثانى : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان وذلك بعد أن استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليها مع من أمكنه ذلك من المسلمين , ولا عجب فى ذلك فإن هناك من يقول أنه سوف يهاجر إلى الجبل ثم يعود فيلتقى بفرعون كما فعل موسى وبعد ذلك يخسف الله بفرعون وجنوده الأرض .. وكل هذه الشطحات ما نتجت إلا من جراء ترك الأسلوب الصحيح والشرعى الوحيد لإقامة الدولة الإسلامية إذا فما هو الأسلوب الصحيح ؟ يقول الله تعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " ويقول سبحانه : " قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله "

الإنشغال بطلب العلم

ثم يقول عبد لسلام فرج فى مجال الرد على المطالبين بالإنشغال بالعلم فقط دون الجهاد :

( وهناك من يقول إن الطري الآن هو الإنشغال بطلب العلم وكيف نجاهد ولسنا على علم , وطلب العلم فريضة ولكننا لم نسمع بقول واحد يبيح ترك أمرشرعى أو فرض من فرائض الإسلام بحجة العلم بخاصة إذا كان هذا الفرض هو الجهاد فكيف نترك فرض عين من أجل فرض كفاية .. ثم كيف يتأتى أن نكون قد تعلمنا أقل السنن والمستحبات ننادى بعا ثم نترك فرضا عظمه الرسول صلى الله عليه وسلم .

ثانيا ( إعلاء وسيلة الجهاد الدموى ) :

بعد استعراضه للوسائل السلمية المتجه نحو بناء الدولة الإسلامية وإثباته إخفاقها تماما وإخفاق الداعين إليها . ونعتقد كما سبق القول أنه يقصد بهم بشكل إساسى الإخوان المسلمين وأصحاب التيار الإصلاحى المهادن للسلطة السياسية فى مصر منذ سنوا ت طويلة وأيضا الفرق الإسلامية الجانحة والضعيفة فى نفس الوقت مثل جماعة المسلمين ( التكفير والهجرة ) .

وفى سبيله لوضع البيدل يطرح محمد عبد السلام فرج مسئول الدعوة بتنظيم الجهاد الذى اغتال السادات , جوانب عدة للوسيلة التى يطرحها للعمل الإسلامى يبدأها بضرورة الخروج على الحاكم إذا لم يكن يحكم بما أنزل الله يستتبع ذلك بنقده للقائلين بتحرير القدس أولا من العدو البعيد ( إسرائيل ) ثم الاتجاه إلى العدو القريب وهو الحكام المسلمين , ثم يستنفر الهمم بالرد على القائلين بأن الجهاد للدفاع عن النفس فقط ثم يستنفرها بشرح آية السيف فى القرآن وبعقوبة تارج الجهاد ومراتب الجهاد والتحريض على الجهاد فى سبيل الله وبغيره من الأفكار التفصيلية الهامة فماذا يقول عبد السلام فرج فيها ؟

الخروج على الحاكم :

يبدأ محمد عبد السلام فرج دعوته للخروج على الحاكم بقوله : (جاء فى صحيح مسلم بشرح النووى عن جناده بن ابى أمية قال دخلنا على عباده ابن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله بع سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال إلا : أن تصروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وبواحا .

أى ظاهره والمراد الكفر هنا المعاصى ومعنى عندكم من الله فيه برها أى تعلمونه من دين الله ويقول النووى فى شرح الحديث : قال القاضى عياض أجمد العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه طرأ عليه الكفر انعزل قال وكذا لوترك إقامة الصلوات والدعاء إليها وكذلك قال عند جمهورهم المبدعة .. قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتسند أن له لأنه متأول .. قال القاضى : لو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك وألا الطائفة وجبت عليها القيام بخلع الكافر ( صحيح مسلم – باب الجهاد ) وهذا الباب هو أيضا رد على القائلين بأنه لا يجوز القتال إلا تحت خليفة أو أمير .

يقول بن تيمية : كل طائفة خرجت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها باتفاق أئمة المسلمين وإن تكلمت بالشهادتين . ( الفتاوى الكبرى باب الجهاد . ص – 281 ) .

العدو القريب والعدو البعيد :

وفى مجال الرد على المطالبين بالتصدى للعدو البعيد أولا يقول عبد السلام فرج :

( وهناك قول بأن ميدان الجهاداليوم هو تحرير القدس كأرض مقدسة والحقيقة أت تحرير الأراضى المقدسة أمر شرعى واجب على كل مسلم ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف المؤمن بأنه كيس فطن أى أنه يعرف ما ينفع وما يغير ويقدم الحلول الحاسمة الجذرية وهذه نقطة تستلزم توضيح الآتى :

أولا : إن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد .

ثانيا : إن دماء المسلمين التى ستنزف حتى وإن تحقق النصر فالسؤال الآن هل هذا النصر لصالح الدولة الإسلامية القائمة ؟ أم أن هذا النصر هو لصالح الحكم الكافر القائم وهو تثبيت لأركان الدولة الخارجة عن شرع الله , وهؤلاء الحكام إنما ينتهزون فرصة أفكار هؤلاء المسلمين الوطنية فى تحقيق أغراضهم غير الإسلامية وإن كان ظاهرها الإسلام فالقتال يجب أن يكون تحت راية مسلمة وقيادة مسلمة لا خلاف فى ذلك ثالثا: إن أساس وجود الإستعمار فى بلاد الإسلام هم هؤلاء الحكام فالبدء بالقضاء على الإستعمار هو عمل غير مجدى وغير مفيد وما هو إلا مضيعة للوقت , فعلينا أن نركز على قضيتنا الإسلامية وهى إقامة شرع الله أولا فى بلدنا وجعل كلمة الله هى العليا .. فلا شك أن ميدان الجهاد الأول هو اقتلاع تلك القيادات الكافرة واستبدالها بالنظام الإسلامى الكامل ومن هنا تكون الإنطلاقة.

( الرد على من يقول : إن الجهاد فى الإسلام للدفاع فقط ) :

يقول فرج فى هذه الفرعية :

( ويجدر بنا فى هذا الصدد الرد على من اقال أن الجهاد فى الإسلام للدفاع وإن الإسلام لم ينشر بالسيف وهذا قول باطل وردده عدد كبير ممن يبرز فى مجال الدعوة الإسلامية والصواب يجيب به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل : " أى الجهاد فى سبيل الله .. قال من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله " فالقتال فى الإسلام هو لرفع كلمة الله فى الأرض سواء هجوما أو دفاعا .. والإسلام انتشر بالسيف ولكن فى وجه أئمة الكفر الذين حجبوه عن البشر , وبعد ذلك لا يكره أحد .. فواجب على المسلمين أن يرفعوا السيوف فى وجوه القادة الذين يحجبون الحق ويظهرون الباطل وإلا لن يصل الحق إلى قلوب الناس واقرأ معى رسالة النبى صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس فى صحيح البخارى ونصها .

بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم : سلام على من اتبع الهدى – أما بعد .. فإنى أدعوكم بدعاية الإسلام .. أسلم تسلم يأتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنى أدعوك – ثم تلا قوله تعالى " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا بأنا مسلمون " .

ونضيف نص رسالة النبى صلى الله عليه وسلم أيضا .

بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس .. سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاء الله فإنى أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك ( أخرجه بن حزير عن طريق ابن اسحاق ) .

وأخرج البيهقى نصر رسالة الرسول إلى أهل نجران وهى : باسم إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمد النبى رسول الله إى إسقف نجران وأهل نجران : أسلم تسلم , فإنى أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب أما بعد : فإنى أدعوك إلى عبادة الله من عبادة العباد .. وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد .. فإن أبيتم فالجزية .. فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب والسلام .

ويقول محمد عبد السلام مؤكدا لرؤيته السابقة :

( وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسائل مشابهة إلى المقوقس وإلى مالك اليمامة وإلى المنذر ابن ساوى وعظيم البحرين بن أبى شمر العسانى وإلى الحارث بن عبد كلال الحميرى وإلى ملكى عمان وغيرهم , وهى تؤكد من وجهة نظره ما يدعو إليه من إعلاء وسيلة الجهاد على سواها .

( آية السيف ) :

وفى مجال شرحه لآية السيف يقول عبد السلام فرج :

( ولقد تكلم أغلب المفسرية فى آية من آيات القرآن وسموها آية السيف وهى قول الله سبحانه وتعالى " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد "قال الحافظ بن كثير فى تفسير الآية ( قال الضحاك بن مزاحم : إنها نسخت كل عهد بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أحد المشركين وكل عقد ومدة وقال العوفى عن ابن عباس فى هذه الآية " لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة "

ويقول الحافظ محمد ابن أحمد بن جزى الكلبى صاحب تفسير التسهيل لعلوم التنزيل ( وتقدم هما ما جاء من نسخ مسالمة الكفار والعفو عنهم والإعراض والصبر على أذاهم بالأمر بقتالهم ليغنى ذلك عن تكراره فى مواضعه فإنه وقع منه فى القرآن مائة واربع عشر آية من أربع وخمسين سورة نسخ ذلك كله بقوله " قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم " , " كتب عليكم القتال "

وقال الحسين بن فضل فيها أى آية السيف نسخت هذه كل آية فى القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء , فالعجب ممن لا يستدل بالآيات المنسوخة على ترك القتال والجهاد .

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن حزم المتوفى سنة 456 فى الناسخ والمنسوخ ( باب الإعراض عن المشركين ) فى مائة وأربع عشرة آية فى ثمان وأربعين سورة نسخ الكل بقوله عز وجل " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وسنذكرها فى مواضعها إن شاء الله تعالى انتهت . ) .

ويقول الإمام المحقق أبو القاسم هبة الله بن سلامة " اقتلو المشركين حيث وجدتموهم " إن الآية الثالثة هى الآية الثالثة وهى الناسخة ولكن نسخت من القرآن مائة ىية وأربعا وعشرين ثم صار آخرها لأولها وهى قوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " كتاب الناسخ والمنسوخ . وبعد مطالبته بالتمثيل الصحيح لآية السيف وصرب رقاب الكافرين بها يصل محمد عبد السلام إلى نتيجة هامة هى :

( القتال الآن فرض على كل مسلم ) :

يقول فرج بشأن هذه النتيجة ( الله سبحانه وتعالى عندما فرض الصيام قال " كتب عليكم الصيام " وفى أمر القتال قال : " كتب عليكم القتال " أى أن القتال فرض وذلك رد على من قال أن النص هو الجهاد ومن هنا يقول أنى إذا قمت بواجب الدعوة فقد أديت الفرض لأن ذلك جهاد , وإذا خرجت فى طلب العلم فأنا فى سبيل الله حتى أرجع بنص الحديث فبذلك قد أديت الفرض , فالفرض واضح بالنص القرآنى أنه القتال أى المواجهة والدم , ولسؤال الآن متى يكون الجهاد فرض عين ؟ يتعين الجهاد فى ثلاثة مواضع :

أولا : إذا التقى الزحفان وتقابل حرم على من حضر الإنصراف وتعين عليهم المقام لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا " وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار " .

ثانيا : إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم .

ثالثا : إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " وقال صلى الله علسه وسلم " إذا استنفرتم فانفروا " .. انتهى .

وبالنسبة للأقطار الإسلامية فإن العدو يقيم فىديارهم بل أصبح العدو يمتلك زمام الأمور وذلك العدو هم هؤلاء الحكام الذين انتزعوا قيادة المسلمين ومن هنا فجهادهم فرض عين هذا بالإضافة إلى أن الجهاد الإسلامى اليوم يحتاج إلى قطرة عرق كل مسلم .

واعلم أنه إذا كان الجهاد فرض عين فليس هناك استئذان للوالدين فى الخروج للجهاد كما قال الفقهاء فمثله كمثل الصلاة والصوم .

( مراتب الجهاد وليست مراحل الجهاد )

وفى مجال دحضه لهذه القضية يقول محمد عبد السلام :

( الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك يقول الإمام بن القيم .. الذى قسم الجهاد إلى مراتب :

1- جهاد النفس .

2- جهاد الشيطان .

3- جهاد الكفار والمنافقين .

وهذا الإستدلال ينبىء عن خلقه إما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لأن – ابن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل . وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى تنتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن المراتب تسير سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا أكثرنا مجاهدة لنفسه وأكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويروى أن رجلا أسلم اثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليم وسلم " عمل قليل وأجر كثير " .

وقصة أبو محجن الثقفى الذى كان بيده بعضا من التمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس " إنه حديث موضوع , وما قصد هذا الحديث إلا التقليل من شأن القتال بالسيف لشغل المسلمين عن قتال الكفار والمنافقين .

( خشية الفشل ) :

ويرى محمد عبد السلام هلى من يخشى الفشل بعد قيام الدولة الإسلامية بقوله :

( وهناك قول بأننا نخشى أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث فعل مضاد يقضى على كل ما أنجزناه . والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله ولسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت همم المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى بإقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة , ثم إن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كله عدل لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين فى عدائهم للمسلمين يطمئن الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر " ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولأئن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنه لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولون الأدبار ثم لا ينصرون " وهذا وعد الله فإنهم الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء , وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم

(القيادة ) :

وعن القيادة يقول : ( وهناك منيحتج بعدم قيادة تقود مسيرة الجهاد وهناك من يعلق أمر الجهاد بوجود أمير أو خليفة .. والقائلين بهذا القول هم الذين ضيعوا القيادة وأوقفوا مسيرة الجهاد والرسول صلى الله عليه وسلم يحض المسلمين فى أحاديثه على تكوين القيادات.. يروى أبو داود فى كتاب الجهاد قال صلى الله عليه وسلم " إذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا أحدهم " ومن هنا تدرك أن قيادة المسلمين بأيديهم هم الذين يظهرونها ويقول صلى الله عليه وسلم من استعمل على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين " رواه الحاكم ورمز السيوطى إلى صحته .

فينبغى أن تكون للأحسن إسلاما ويقول صلى الهل عليه وسلم لأبى ذر " إنك ضعيف وإنها أمانة " وينبغى أن تكون للأقوى والأمر نسبى , وما نستنتجه أن قيادة المسلمين بأيديهم فليس هناك حجة لمن يدعى فقدان القيادة فإنهم يستطيعون أن يخرجوا منأنفسهم القيادة , وإذا كان فى القيادة شىء من القصور فما من شىء إلا ويمكن اكتسابه .. أما أن نقعد بحجة فقدان القيادة فهذا لا يجوز .

ثم يقول محمد عبد السلام مستطردا فى مسألة القيادة :

وقد نجد فقيها ولكن ليس عالما بأحوال الزمان والقيادة والتنظيم وقد نجد العكس ولكن كل هذا لا يعفينا من إيجاد القيادة وأن نخرج أنسبنا لقيادتنا وفى وجود الشورى والنواقص يمكن استكمالها , والآن لم تعد هناك حجة لمسلم فى ترك فريضة الجهاد الملقاة على عاتقه فلابد من البدء وبكل جد فى تنظيم عملية الجهاد لإعادة الإسلام لهذه الأمة وإقامة الدولة واستئصال طواغيت لا يزيدون عن كونهم بشر ولم يجدوا أمامهم من يقمعهم بأمر الله سبحانه وتعالى .

( التحريض على الجهاد فى سبيل الله ) :

وفى موضع آخر يرى عبد السلام فرج ( ولا يجب على المسلم إلا أن يعد نفسه للجهاد فى سبيل الله فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " انتدب الله لمن خرج فى سبيل الله لا يخرجه إلا الجهاد فى سبيل الله وإيمان بى وتصديق برسولى فهو على ضامن أن أدخله الجنة أو ارجعه إلى مسكنه الذى خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " متفق عليه .

ويقول صلى الله عليه وسلم : من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه , رواه مسلم والبيهقى عن أبى هريرة , وجاء رجل رسول الله فقال دلنى على عمل يعدل الجهاد قال لا أجده , قال هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر قال ومن لا يستطيع ذلك , قال أبو هريرة : إن فرس المجاهد ليستن ( يتحرك ) فى طوله يكتب له حسنات . رواه البخارى , ويقول صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له من أول دفعة دم , ويرى مقعده من الجنة , ويجار من عذاب القبر ويأمن الفزع الأكبر ويحلى حلية الإيمان , ويزوج من الحور العين ويشفع فى سبعين من أقاربه.( الترمذى .)

عقوبة ترك الجهاد

ويختم محمد عبد السلام هذه الوسيلة بقوله :

( ترك الجهاد هو السبب فيما يعيش فيه المسلمون اليوم من ذل ومهانة وتفرق وتمزق فقد صدق فيهم قول المولى عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا ما لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل , إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير " سورة التوبة .

ويقول ابن كثير فى تفسير هذه الآيات ( هذا شروع فى عقاب من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة تبوك حين طابت الثمار والظلال فى شدة الحر فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض " أى تكاسلتم وملتم إلى المقام فى الدعة والخضرة وطيب الثمار , " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " وما لكم فعلتم هكذا رضا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة ثم زهد تبارك وتعالى فى الدنيا ورغب فى الآخرة فقال " وما متاع الحياة الدنيا فى الآخرة إلا قليل " ثم توعد الله تعالى من ترك الجهاد فقال " إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما " قال بن عباس استنفر رسول الله صلى الله علسه وسلم حيا من العرب فتثاقلوا عنه فأمسك الله عنهم القطر فكان عليهم عذابهم " ويستبدل قوما غيركم " أى لنصرة نبيه وإقامة دينه , كما قال تعالى " ويستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ولا تضروه شيئا " أى ولا تضروا شيئا بتوليكم عن الجهاد وتثاقلكم عنه .

ويقول صلى الله عليه وسلم " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة وتركوا الجهاد فى سبيل الله , وأخذوا أذناب البقر أنزل عليهم من السماء بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم , ولا يجب على مسلم أن يرضى أن يكون الآن فى صفوف النساء كما أخبرنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جهادهم فى الحج والعمرة "

ويستعرض محمد عبد السلام بعد ذلك الأساليب العسكرية للجهاد وخداع الكفار مستعينا بخبرات التاريخ الإسلامى فى عهد الرسول ثم نتجه معه بعد ذلك إلى تصوره عن شكل الغد وتوقعاته عن مستقبل الإسلام فماذا عنها ؟

(4) المستقبل: توقعات محمد عبد السلام فرج

وننهى وثائق محمد عبد السلامفرج " الفريضة الغائبة " بملامح المستقبل كما يتوقعها ويستشرفها .. وعن هذا المعنى تقول الوثائق :

الإسلام مقبل

يرى محمد عبد السلام فرج :

( إن إقامة الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة قد بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فضلا عن كونها أمر من أوامر المولى عز وعلا واجب على كل مسلم بذل قصارى جهده لتنفيذه .

(أ) يقول عليه الصلاة والسلام : " إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشرقها ومغربها وإن أمتى سيبلغ ملكها مازوى لى منها " رواه مسلم وأبوداود وابن ماجة والترمذى وهذا لم يحدث إلى الآن , حيث أن هناك بلاد لم يفتحها المسلمون فى أى عصر مضى إلى الآن وسوف يحدث إن شاء الله .

(ب) يقول عليه الصلاة والسلام : " ليبلغن هذا الأمر بما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الإسلام وذلا يزل به الكفر " رواه أحمد والطبرانى وقال – الهيشمى رجاله رجال الصحيح ( المدر : أهل القرى والأمصار , الوبر : أهل البوادى والمدن والقرى )

(ج) فى الحديث الصحيح يقول أبو قبيل : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أى المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق فأخرج منه كتابا , قال :فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى المدينتين تفتح أولا يعنى القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مدينة هرقل تفتح أولا يقصد القسطنطينية " رواه أحمد والدرامى ( رومية ) هى روما كما فى ( معجم البلدان ) وهى عاصمة إيطاليا اليوم .

وقد تحقق الفتح الأول على يد الفاتح العثمانى وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من أخبار النبى صلى الله وسلم بالفتح وسيحقق الفتح الثانى بإذن الله ولابد ولتعلن نبأه بعد حين .

(د) تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله ما تكون , ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عارضا يكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إن شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل فى الناس بسنة النبى ويلقى الاسلام جرانة فى الأرض يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض – لا تدع السماء من قطر إلا صبته مدرارا , ولا تدع الأرض من نباتها ولا بركانها شيئا إلا أخرجته " ذكره حذيفة مرفوعا ورواه الحافظ العراقى من طريق أحمد وقال هذا حسن صحيح , والملك العاص قد انتهى والملك الجبرى هو عن طريق الإنقلابات التى يحصل أصحابها على الحكم رغم إرادة الشعب .

والحديث عن المبشرات بعودة الإسلام فى العصر الحالى بعد هذه الصحوة الإسلامية وينبىء أن لهم مستقبلا باهرا من الناحية الإقتصادية والزراعية .

الرد على اليائسين :

ويختم عبد السلام فرج توقعاته بهذا القول :

( ورد بعض اليائسين على الحديث السابق وهذه لمبشرات بحديث النبى صلى الله عليه وسلم عن أنس " اصبروا فإنه لا يأتى زمان إلا والذى بعده شر منه حتى تلقوا ربكم سمعت هذا من نبيكم عليه الصلاة والسلام " قال الترمذى حسن صحيح .. ويقولون لا داعى لإضاعة الجهد والوقت فى أحلام .. وهنا تذكر قول النبى صلى الله عليه وسلم : أمتى أمة مباركة لا تدرى أولها خير أم آخرها " رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان أشار السيوطى إلى حسنه ولا تناقض بين الحديثين حيث أن خطاب النبى صلى الله عليه وسلم موجه إلى جيل الصحابة حتى يلقواربهم .. وليس الحديث على عمومه بل هو من العام المخصوص وأيضا بدليل أحاديث المهدى الذى يظهر فى آخر الزمان ويملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا .

ثم يختم عبد السلام فرج كلامه قائلا :

( وبشر الله طائفة من المؤمنين قوله عز وجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى ألأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا , ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " نسأله جل وعلا أن يجعلنا منهم .

وتنتهى أهم أقوال محمد عبد السلام فرج .. وتبقى أهم دلالاتها وهى أن الفريضة الغائبة فى زمن الردة الإسلامى هذا هى الجهاد وأنها مسئولية الطليعة المسلمة داخل كل الوطن الإسلامى , ولا سبيل أمامها لبناء الدولة الإسلامية سوى الجهاد .. ولكن يبقى أن نسأل من يسيرون على طريق محمد عبد السلام فرج .. ما هى حدود الخلاف بين الجهاد والقتال ؟ وما هى حدود الأخذ من التراث , سواء كان لابن كثير أو ابن تيمية أو المودودى أو سيد قطب ؟ وهل ثمة ضرورة لأخذ الحاضر بمستجداته فى الحسبان ؟ ومن – أخيرا – الذى استفاد سياسيا وفكريا وحركيا بعد اغتيال السادات بأيدى آمنت بأفكار محمد عبد السلام فرج , الجماهير المسلمة .. أم تنظيم الجهاد .. أم النظام الحاكم .. أم الولايات المتحدة وإسرائيل ؟

الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم ( حوار خاص وراء القضبان )

( هدفى كتن هو تفجير الثورة الشعبية ) من أقوال عبود الزمر فى التحقيقات ( أدعو جماهير الأحزاب المصرية إلى الانضمام لتنظيم الجهاد الإسلامى بشرط أن يكونوا فرادى ) من حوار مع عبود الزمر .

الفصل الخامس: عبود الزمر : خومينى مصر القادم حوار خاص من وراء القضبان

عبود الزمر هو القائد الفعلى لتنظيم الجهاد الإسلامى , وهو العقل الإستراتيجى الواعى لهذا التنظيم , ولكنه لم يضع كتابا ولم يخلف وثيقة لنقوم بتحليلها وفق المنهج لذى اتبعناه مع سابقيه من قادة تنظيم الغضب الإسلامى , وكل ما بين أيدينا من وثائق , قل بحثا وتحليلا وأحيانا تزييفا كما حاول البعض من كتبة وزوار إسرائيل , هذا بالإضافة إلى أن التحقيقات التى أجريت معه لم تخرج عن حدود الدور الذى لعبه فى التخطيط لاغتيال السادات , وكانت الأسئلة الموجهة له عن طبيعة نظام الحكم ورؤيته للمجتمع الإسلامى المعاصر والبدائل التى يطرحوها وشكل المستقبل الإسلامى .. كل هذه الأسئلة أتت مبهمة وغامضة وأحيانا انعدمت تماما , من هنا كان لابد من حوار مع عبود نسأله فيه عن رأيه فى الأحزاب القائمة وعن رأيه فى نظام الحكم وأم مؤسساته : الجيش والشرطة , وتم بالفعل الحوار معه .. ومع ذلك تعمدنا أن ندرج أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه بعد حادث المنصة فى 6 أكتوبر 1981 لكى تكتمل لدى القارىء الصورة عن عبود وآراؤه السياسية التنظيمية .

ماذا يقول عبود : تحقيقا وحوارا ؟

أولا : عبود فى التحقيقات : الدور يسبق الفكر

ننقل هنا مما قرره عبود الزمر فى التحقيقات التى أجريت معه وهى الآراء التى تعكس " الطبيعة الخومنية " ولنستمع لما قرره :

1- أنه منذ سنة سابقة توصل من قراءاته فى كتب السلف إلى ضرورة الجهاد القتالى فى سبيل الله لتحرير البلاد من قبضة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله لأن الإسلام غير مطبقة أحكامه ولم يبق منه سوى اسمه ولذلك فكر فى الخروج على الحكومة القائمة ومثالها وخلقها وتنصيب إمام مسلم – وعندما التقى مع محمد عبد السلام فرج تولدت بينهما فكرة تأسيس التنظيم بهدف إقامة الدولة الإسلامية لتحكم شريعة الله واتفقا بعد تأسيس التنظيم على تكوين مجلس شورى للتنظيم كان هو عضوا فيه وانبثق من مجلس الشورى ثلاث لجان هى لجنة الدعوة ولجنة العدة واللجنة الإقتصادية وبعد أن انتهوا من تأسيس التنظيم بدأوا فى ضم أفراد إليه من الشباب وكانوا يعدونهم فكريا بقراءة كتب السلف والعقائد والفقه والشريعة ثم يدربونهم على الرياضة البدنية والأمن والطوابغرافيا .

2- واستطرد عبود مقررا أنه كان مسئولا فى التنظيم عن وضع الخطط وتنظيم حركة العمل وحركة التدريب وتجميع المعلومات لصالح الخطة – فكلف نبيل عبد المجيد المغربى بالبحث عن مكان يصلح للتدريب على الرماية بجمع معلومات عن السنترالات ومبنى مباحث أمن الدولة – كما أخطره محمد عبد السلام فرج أنه استطلع منزل وزير الداخلية وقدم له رسما بالقناطر الخيرية – وليظل التنظيم محتفظا بسريته وضع بعض المبادىء تتلخص فى إلقاء محاضرات عن الأمن لأعضاء التنظيم , ويقول عبود مكررا ما يبق قوله فى السطور السابقة ( وأن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أى كان كل عضو فى التنظيم غير مطلوب منع أن يعرف أكثر من نفسه والموضوعات المكلف بها ولا يسأل عن زميله أو يتعرف عليه وعدم التحدث بأى معلومات عن التنظيم مع الأهل أو أى فرد لاحتمال أن يكون هناك وسائل استماع سرية داخل المساجد وعدم وجود لقاءات جماعية ) وأن تتم لقاءاته هو مع أعضاء التنظيم فردية وليست على نحو جماعى والإستعانة بالرموز عند كتابة ما يخص العضو من معلومات وإعطاء أسماء حركية لبعض أعضاء التنظيم وأنه وضع خطة عامة تخلص فى إعداد مجموعة من الأفراد وتدريبهم وإعداد عدة من الأسلحة للقيام بعمليات أحكام على بعض الأهداف وقتل بعض الشخصيات القيادية السياسية وتفجير الثورة الشعبية من خلال توجيه مظاهرات واختيار مجلس شورى ومجلس علماء وبدأ فى تنفيذ الخطة بجمع المعلومات – كما وضع منهجا للأمن استقاه من خدمته العسكرية وكان يدرسه للمسئولين عن الجماعات ولأعضاء التنظيم ثم يحرقونه وأعد شفرة خاصة لاستخدامها فى تبادل الرسائل .

3- وأضاف عبود مقررا أن التنظيم كان معتمدا ابتداء على التبرعات وأنه تبرع بمبلغ أربعة آلاف جنيه لصالح التنظيم ثم عرض عليه محمد عبد السلام فرج فكرة نهب محتويات محل يبيع مشغولات ذهبية مملوك لمسيسحة فوافقه وتوجه مع نبيل عبد المجيد المغربى لمعاينة المحل ووضع خطة مداهمته من أعضاء التنظيم منهم محمد غريب محمد فايد وفى الموعد المحدد وقت آذان المغرب فى رمضان انتقل نبيل عبد المجيد المغربى والمجموعة التى اختارها ومنهم محمد غريب محمد فايد حاملين أسلحة نارية ومتخفين بجوارب حريمى وفى أيديهم قفازات وتوجهوا لارتكاب الحادث بينما توجه هو بسيارته خلفهم وعقب تنفيذ العملية عادوا بالمسروقات التى احتفظ بها مدة ثم سلمها لمحمد عبد السلام فرج الذى قام بتصريفها وأصيب محمد غريب فايد بطلقة نارية أثناء الحادث .

4- كما قرر عبود أنه اشترى مجموعة من ألأسلحة النارية التى ضبطت فى منزله من ماله الخاص – كما استخدمت حصيلة المسروقات فى شراء أسلحة نارية لأعضاء التنظيم – وأن محمد عبد السلام فرج أخبره أنه يخفى كمية من المتفجرات فى منزله – وأنه أرسل مع أسامة السيد قاسم 9 قنابل يدوية و7 قنابل دخان وأصبعين جلجنايت .

وأضاف عبود مقررا أنه أثر مهاجمة منزله وتفتيشه يوم 25-9-1981 وعلمه بهذا الإجراء هرب واستأجر له عبد الله محمد سالم شقة مفروشة أقام فيها وأثناء إقامته فى الشقة المفروشة أرسل إليه محمد عبد السلام فرج رسالة رسالة تتضمن أن خالد الاسلامبولى قرر اغتيال رئيس الجمهورية السابق فاعترض ابتداء وبعد أن أرسل له محمد عبد السلام فرج موجز خطة الإغتيال وأخطره أن خالد الإسلامبولى ورفاقه سيقتلون حتما بالأعيرة النارية التى سيطلقها الحراس ولن تظهر علاقتهم بالتنظيم وافق محمد عبد السلام فرج موافقته .

5- واستطرد عبود الزمر مقررا أنه يوم 5 أكتوبر 1981 حضر إليه محمد طارق إبراهيم موفدا من محمد عبد السلام فرج وعرض عليه خطة استيلاء على أسلحة نارية من كتيبة يعمل بها صبرى حافظ سويلم بواسطة وضع منوم لأفراد قوة الحراسة وبعد أم وافق على الخطة كلف عبد الله محمد سالم بإحضار المنوم من الصيدلى أمين يوسف الدميرى دون أن يخطره بالغرض من شرائه فأحضره وسلم المنوم لمحمد طارق إبراهيم وصالح أحمد جاهين وكلفهما بتنفيذ العملية .

وأضاف أن محمد طارق إبراهيم عرض عليه فكرة الإستيلاء على مبنى الاذاعة والتلفزيون وطلب منه إعداد أفراد التنظيم للقيام بالعملية .

وأنه فى ذات اليوم 5 أكتوبر 1981 قرر كسر حاجز الخوف أمام الشعب لإمكان تحريكه ( لاحظ هنا رؤيته السياسية وعمق إيمانه بدور الجماهير فى العمل الثورى ) وذلك بضرب سيارات الأمن المركزى المتواجدة فى الميادين بالقنابل وكلف أمراء المجموعات بإرسال أفراد من أعضاء التنظيم لإلقاء قنابل على سيارات الأمن المركزى وسلمهم عددا من القنابل قام بتصنيعها بالشقة التى كان يقيم فيها , وأن طارق عبد الموجود الزمر أبلغه أن أعضاء التنظيم بالوجه القبلى سيقومون بدورهم بحركة استغلال للموقف 6- وأنه بعد حادث الإغتيال حضر له أمين يوسف الدميرى وصديقين له وطلبوا منه إيقاف العمل بالصورة التى يسير عليها لأن تصعيد الموقف لن يكون فى صالح المسلمين وأنهم فقط بإمكانهم تهريبه – إلا أنه رفض الرأى واستدعى طارق عبد الموجود فى منزله وكلفه بنقل كمية المفرقعات التى أحضرها وإخبار محمد عبد السلام فرج فى منزله وتوزيعها وذلك لمواصلة أعمال القتال فقام طارق عبد الموجود الزمر بحمل المفرقعات ووضع جزء منها طرف صديقه أمين يوسف الدميرى وجزء آخر طرف إبراهيم رمضان محمد وأحضر عبد الموجود الزمر الباقى إلى الشقة التى يقيم فيها بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم .

وانتهى عبود من أقواله مقررا أنه صباح يوم 13 أكتوبر 1981 وأثناء وجوده فى مخبئه بشارع المدينة المنورة رقم 6 بالهرم سمع صوت كسر وتحطيم باب الشقة فألقى قنبلة خارج الشقة كما ألقى طارق عبد الموجود الزمر قنبلتبن أخرتين وأن الأخير أصيب من عيار نارى وأنه استطاع قبل تسليم نفسه والموجودين بالشقة أن يحرق بعض الأوراق الخاصة بالتنظيم , ودخل أعضاء الجهاد بعد ذلك مرحلة من كفاحهم مع السلطة سوف تكشف الأيام القادمة مظاهرها الحادة .

ملاحظة على أقوال عبود :

الجديربالذكر أن دور عبود فى القضية يؤكد ما تردد عن أصول تنشئته السياسية قبل تنظيم الجهاد , وقبل سلاح المخابرات وهو أنه كان عضوا بمنظمات الشباب الناصرى وأنه تأثر كثيرا بمفاهيم حرب العصابات التى كانت من بين مناهج التثقيف بمنظمات الشباب ومنها مفاهيم ماوتس تونج " تشى جيفارا " مناضل أمريكا اللاتينية عن حرب العصابات وما يؤكد هذه النتائج أيضا هو وجود العديد من كتب جيفارا وماوتسى تونج وغيرها من كتب حرب العصابات الشعبية فى منزل عبود بعد إلقاء القبض عليه ولعل فى معرفة رأى عبود الشخصى بعد خمس سنوات من السجن فى العديد من القضايا السياسية التى يموج بها الواقع المصرى ما قد يفيد فى تبين بعض الجوانب فى فكر ورؤية عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد .. فماذا لديه ليقوله لنا ؟ بيد أن حسما نهائيا لغلبة أيا من الطرفين المتصارعين ( النظام السياسى بديكور أحزابه الباهتة والقوى السياسية الحليفة له ) وتنظيمات الغضب تحكمه ولا شك متغيرات أخرى إقليمية وعالمية بإمكانها أن تزيد الصورة إيضاحا .

ثانيا : حوار خاص مع عبود الزمر من وراء القضبان

بداية .. وقبل الحوار نسجل أنه ليس لنا فضل إجراء هذا الحوار مباشرة مع عبود الزمر أمير تنظيم الجهاد الإسلامى , وإن كان لنا فضل نشره , فالظروف والملابسات المختلفة التى أحاطت بعبود خلال الآونة الأخيرة وصلت إلى حد الزعم بقتله داخل زنزانته بليمان طرة جعلت من الأهمية بمكان أن يجرى معه حوارا شاملا وجعلت لكل كلمة يقولها " عبود " ذات معنى ودلالات تجرى كل أجهزة الرصد على كافة الإتجاهات ( الرسمى منها وغير الرسمى ) لدراستها واستنباط معانيها وأبعادها القادمة .

ومن هنا تأتى أهمية هذا الحوار الذى استطعنا الحصول عليه من عبود بشكل غير مباشر .. وتأتى أهميته القصوى بالنسبة لدراستنا هذه والشق المستقبلى منها على وجه التحديد ..

فماذا يقول عبود فى الحوار ؟

كان سؤالنا الأول لعبود الزمر هو :

ما رأيكم فى موضوع انضمام الجماعات الإسلامية إلى الأحزاب التى تقوم بالدعوة إليها جريدة النور عن حزب الأحرار والتى تفتق عنها انضمام بعض الإخوان المسلمين إلى هذا الحزب ؟ وإلى دخولهم لحلبة العمل السياسى الحزبى فى انتخابات مجلس الشعب يوم 6-4-1987 ؟ إننا نرى أن طرح هذا الموضوع فى هذه الآونة يضع القائمين على هذا الأمر موضع الريبة والشك إذ أن التحليل المجرد ليقودنا إلى أنها محاولة فاشلة لاحتواء الحركة الإسلامية كهيئات حزبية ممزقة تمارس سياسات للنظام وتدين فى نفس الوقت بالولاء للدستور وان اختلفت معه فى صور التطبيق وهى فى عمومها ممارسات لا جدوى من ورائها فضلا عن بطلانها من وجهة النظر الإسلامية فالنظام القائم فى مصر نظام علمانى باطل والاحزاب السياسية الراهنة أيضا باطلة ولا أساس لها من الشرع وأن كنا نبرأ المنتمين فى هذه الأحزاب و فالخلاف إذن بيننا وبين النظام القائم حكومة وأحزابا خلافا عقائديا لا يجوز الإجتماع فيه فى كيان واحد ولقد أوضحنا وجهة نظرنا فى سؤال سابق عن الأحزاب وبينا أن الصورة الحزبية الحالية ى وجود لها فى الدولة الإسلامية , وكما أن الطريق لإقامة الدولة الإسلامية لا يكون إلا بالطرق المشروعة التى أمر الله بها وعلى هذا فنحن نرى عدم مشروعية التغيير من خلال الأحزاب السياسية الراهنة إذ أن التعامل مع الحاكم الكافر المرتد الخارج عن ملة الإسلام لا يكون إلا مناصبته العداء والخروج عليه وقتاله وخلعه وتنصيب إمام مسلم عادل بدلا منه ويصير هذا الأمر واجبا مفروضا على جميع المسلمين حتى يتحقق هذا الواجب وإلا أثم الجميع كل بحسب قدرته , وبمناسبة دعوة الأحزاب للإنضمام إلى صف جماعة الجهاد الإسلامى شريطة أن يكونوا فرادى , ونحن بإذن الله تعالى سنقبل منهم من ينطبق عليه الشرط ومواصفات العضوية ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الاسلامية المنظمة ويتقدم منهم إلى موقع المسئولية من له الأهلية لذلك وطبقا للقواعد الإسلامية المنظمة للتقديم والتأخير ليناط بهم الدور الفعال الذى تقتضيه طبيعة المواجهة بدلا من مضيعة الوقت فى ممارسات يضيع فحواها مع صدى تصفيق الأغلبية الجاهلية فى مجلس الشعب فإن هم فعلوا ذلك فسوف يقترب حينئذ موعد تطبيق الشريعة الإسلامية التى طالما طالبت بها الأحزاب على اوراق الدعاية الإنتخابية ثم تنكرت لها فور نجاحها ودخولها إلى مجلس الشعب , فى النهاية احذر إخوانى وأحبائى من قيادات وأعضاء الجماعات الإسلامية العاملة على الساحة من مغبة المشاركة فى مثل هذا الأمر تحت أى دعوى أو أى تأويل , فنحن نعمل لله كحركة إسلامية نمتلك منهجا ربانيا من أدرك حقيقته أدرك أن العالم كله لابد وأن ينطوى تحت لوائه وليس كما تدعونا الأحزاب السياسية الراهنة للإنضواء تحت لوائها , فلقد أصبح جليا أن الجميع قد أفلس حكومة وأحزابا ولا بديل سوى الإسلام فسيروا على بركة الله حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم وجمع شملكم ووحد صفوفكم وقتل أعدائكم ورزقنى وإياكم الشهادة فى سبيله وجمعنا فى الفردوس الأعلى .

س: نشرت صحيفة النور أن تنظيم الجهاد يناشد رئيس الجمهورية بالإفراج عنه بنصف المدة فما صحة ذلك الأمر ؟

ج: إن جماعة الجهاد الإسلامى التى شرفها الله تعالى بقتل فرعون مصر السابق على أيدى رجال منها نحسبهم عند الله شهداء لا زالت ثابتة على فكرها وعقيدتها فلقد عقدنا العزم من ذى قبل على إقامة الدولة الإسلامية فى مصر مهما كلفنا من تبعات ولا زلنا على الدرب سائرون فمهما زاد الإضطهاد أو طال بنا السجن فنحن لم ولن نفوض أحد فى أن يناشد رئيس الجمهورية ليفرج عنا بنصف المدة بعد أن رفضنا قبل ذلك أن نكتب الإلتماسات إليه لتخفيف الأحكام الباطلة شرعا والصادرة ضدنا فى قضية الجهاد الإسلامى ونقول له قولة الشيخ سيد قطب حين طلبوا منه أن يكتب الإلتماس أن السبابة التى تشهد بواحدانية الله فى الصلاة لترفض أن تقرحكم الطاغية بل ونقول أيضا أن هذه السبابة أيسر عليها أن تعرف موضع زناد البندقية من أن تكتب كلمة زلفى لحاكم كافر مستبد للشرائع لا يحكم بما انزل الله فجماعة الجهاد الإسلامى لا تعرف سوى لغة واحدة تتكلم بها مع أمثال هؤلاء الحكام إلا وهى التى تكلمنا بها من ذى قبل مع السادات فى يوم المنصة يوم السادس من أكتوبر عام 1981 وستبقى هذه اللغة هى لغتنا الوحيدة فى التعامل معهم بإذن الله حتى تعود الخلافة الإسلامية بعد طول غياب ونسأل الله الثبات على الحق .

س: ما رأيكم فى مسيرة الحاج حافظ سلاكة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية خاصة وأنه قد أعاد التأكيد على أن أمرها لا يزال قائما ؟

ج: جزى الله فضيلة الشيخ حافظ سلامة خير الجزاء على حسن صنيعه هذا فلقد أثبت فضيلته بما لا يدع مجالا للشك أنه لا بديل عن الجهاد فى سبيل الله ولا طريق سوى الذى رسمه سيد قطب وصالح سرية ومحمد عبد السلام يرحمهم الله حيث لم يستجب النظام القائم فى مصر إلى مجرد مسيرة سلمية تحمل المصاحف على الأكف تطالب فيها بتطبيق الشريعة الإسلامية فاشطاطوا غضبا وأغلقوا مسجد النور وقبضوا على الحاج حافظ سلامة وأودعوه فى السجن وألهبوا ظهور من تجمع لصلاة الجمعة واحتلوا المسجد بقوات الأمن المركزى وضموه إلى وزارة الأوقاف وليس غريبا أن تصدر ههذ الأفعال منهم أو من أمثالهم المعاندين الصادين عن سبيل الله فهم م ذى قبل سوفوا فى تطبيق الشريعة فى مجلس الشعب ووضعوا أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه تحت الدراسة وفى ميزان التحيز ثم أجمعوا بأغلبيتهم الجاهلية الضالة على عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والابقاء على القوانين الوضعية الجاهلية ونسوا قول الله عز وجل " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا 0أن يكون الخيرة من أمرهم " وتناسوا إجماع علماء الأمة على وجوب الحكم بما انزل الله فماذا بعد الحق إلا الضلال أن هؤلاء الحكام وأمثالهم من الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واستبدلوا بشريعته قانونا وضعيا ما أنزل الله به من سلطان لابد لهم أولا من التوبة ومراجعة الدين قال تعالى : "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه واله غفور رحيم " أم أنهم بعد ذلك ليسوا أهلا للقيام على أمر هذا الدين فعليهم أن يتنحوا فورا ويفتحوا الطريق أمام رجالات الحركة الإسلامية ليقوموا الأمة الإسلامية إلى ما فيه صلاح الدنيا والدين ولا زالت الفرصة سانحة أمامهم للتوبة والتنحى قبل أن يلقوا مصير صاحبهم السادات " أفلم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالهم . س: لقد اعتدت قوات الأمن على رجال الحركة الإسلامية عند مسجد النور بأوامر من النظام القائم فهل من كلمة توجهونها إليهم ؟

ج: أتوجه ببيان جماعة الجهاد الإسلامى إلى القوات المسلحة والشرطة فأقول لهم بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله أنه فى الوقت الذى يدور فيه رحى الصراع المصيرى بين الحق والباطل بين قوى الكفر والإيمان وفى خضم هذا المعترك الأليم الذى أصيب فيه الإسلام والمسلمين على ايدى الكفرة الملحدين نتوجه إليكم من وراء الأسوار من سجون الظالمين فى مصر بكلمات من القلب نود أن تضعوها نصب أعينكم .

أولا : أن الحاكم الذى لا يحكم بما أنزل الله المستبدل لشرائعه قد أجمع العلماء على كفره ووجوب الخروج عليه وخلعه وتنصيب إمام عادل بدلا منه .

ثانيا : إن النظتم فى مصر قد أعلنها صريحة أنه لن يطبق الشريعة الإسلامية ولا يخفى على أحد موقف مجلس الشعب الأخير فى تطبيقها وموقف وزارة الداخلية إزاء الداعين إليها .

ثالثا : اعلموا أنه لا يجوز لكم قتل إخوانكم المسلمين بدعوى طعة ولى ألأمر فلا طاعى لمخلوق فى معصية الخالق فضلا عن أنهم ليسوا هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم بعصيانهم لله ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم .

رابعا : إن النظام القائم فى مصر يستعين بكم شرطة وجيشا فى تثبيت أركان دولته الباطلة فكيف بكم تفعلون ذلك بعد أن علمتم فساده , فلا تكونوا عونا له واحذروا أن يدفعكم إلى مواجهة ماسويه مع الحركة الإسلامية فكونوا لها سندا فى لحظة المواجهة الحاسمة "الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا "

خامسا : إن هذه الدنيا لا تسوى عند ربكم جناح بعوضة والآخرة خيرا وأبقى فلا يغرنكم زيف الوظائف أو بريق النجوم والنياشين فكله عرض زائل فضحوا من أجل دينكم ولا تخشوا فى الله لومة لائم .

سادسا : أنه من يهده الله منكم إلى الفهم الاسلامى الصحيح عليه أن يعمل من موقعه لاستعادة الخلافة الإسلامية الغائبة لا يألوا فى ذلك جهدا ولا يدخر وسعا لتحقيق هذا الواجب الشرعى الملقى على عاتق الأمة الإسلامية جميعا " يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم "ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من أهل نصره وأهل تمكينه وأن يهدنا وإياكم إلى الحق والصواب إن فى ذلك لذكرى لأولى الألباب فسيروا على بركة الله قدما على الطريق أما نصر أو شهادة . " الله أكبر والخلافة قادمة .

وانتهى الحوار .. مع أمير تنظيم الجهاد الإسلامى وتبقى دلالاتها السياسية والفكرية التى نحاول أن نضعها على شكل محاور ومستويات للتحليل , والتى نأمل أن تفيد فى بلورة فكر ما نسميه بخومينى مصر القادم .. لا دعاية له , بل تشخيصا لحالته ودوره ورؤاه السياسية الهامة فماذا عنها جميعا؟

ثالثا : خومينى مصر القادم : تبويب نظرى لأفكار عبود الزمر

وبعد .. هذه هى أفكار عبود كما تظهرها التحقيقات والحوار , بقى أن تبوب هذه الأفكار فى عناصر محددة قد تساعدنا على تشكيل بناء سياسى لها يلقى الضوء على جوانب الغموض فى أيدلوجية تنظيم الجهاد تجاه قضايا : المجتمع ونظام الحكم والتحديات التى تواجه التيار الإسلامى فى مصر والمنطقة العربية بوجه عام والبدائل المطروحة للخروج من المأزق المحيطة بالحركة الإسلامية وطرق الوصول إليها .

فأولا : .. عبود يرى أن نظام الحكم القائم فى مصر ( إبان عصر السادات هو نفسه نظام الحكم القائم اليوم ( إبان عهد مبارك ) وأنهما يتشابهان فى الحكم بغير ما أنزل الله , وفى البعد عن الإسلام وبالتالى فى الكفر والعيش فى جاهلية القرن العشرين مع باقى أنظمة الحكم بديار العرب والمسلمين .

وثانيا : .. عبود يذهب إلى تكفير المجتمعات القائمة كنظام للحياة وللتشريع كقوانين ومؤسسات وأحزاب وهيئات وجمعيات خيرية واجتماعية واقتصادية وغيرها , ولكنه لا يكفر الأفراد داخل هذه المجتمعات فالمجتمعات جاهلية .. ولكن ألفراد غير ذلك طالما لم يعلنوا بسلوكهم وأفكارهم جاهليتهم , بل هو يدعوهم تأكيدا لقناعته ورؤاه السياسية إلى ترك الأحزاب السياسية القائمة والإنضمام إلى صفوف تنظيم الجهاد الإسلامى على شرط أن يكونوا فرادى , أى يشكلوا جماعات أو تنظيمات أو هيئات أو كيانات اجتماعية لأنه يكفر هذه الأشكال جميعا ولا يؤمن بصدق نواياها أو بدورها الجماهيرى الفاعل بالاضافة إلى أنها ستشكل حتما لوبى من الضلال والكفر يؤثر سلبا على جماعته ونضالها السياسى الذى تشرف بقتل السادات كما يقول .

وثالثا : عبود يهدف إلى إقامة جمهورية إسلامية فى مصر تتشابه فى كل شىء تقريبا مع الجمهورية الإسلامية بإيران , وهو فى تقديمه لهذا البديل الإسلامى يعتبر الخومينى مثله الأعلى سياسيا وتنظيميا بل إت أعضاء الجهاد ينظرون إلى عبود كأمير للتنظيم له السمع والطاعة بنفس نظرة رجال الخمينى معه قبل الثورة فى النجف وباريس وبعد الثورة فى (قم ) وبالطبع هو قياس مع الفارق ولكنه حتما وبمعيير التاريخ قياس وارد .

رابعا: .. عبود عندما حدد الجمهورية الإسلامية كغاية استراتيجية وكبديل إسلامى يسعى إليه , حدد أيضا الوسيلة إلى ذلك البديل , وهى الثورة الشعبية المسلحة , وعبود بهذه الوسيلة تجاوز أطروحات التيار الإسلامى تاريخيا الغاضب منهم أو الإصلاحى أو المحافظ وتجاوز أطروحات التيارات السياسية الأخرى غير الإسلامية , إن هذا الإطار السياسى العام لأفكار عبود الزمر لا يعيبه سوى نقطة أساسية ربما كانت هى القاسم المشترك بين تنظيمات الغضب الإسلامى قاطبة وهى ماذا عن تطبيق ومدى فاعلية ههذ الأفكار عند انتقالها إلى الواقع الإسلامى المعقد ؟ ولماذا تخفق عادة ؟ ذلك هو التحدى الحقيقى لكل تنظيمات الغضب الإسلامى اليوم .

رابعا : خريطة توزيع تنظيم الجهاد على محافظات مصر

( المصدر –القضية رقم 462 لسنة 1981 أمن دولة عليا )

1- عدد المتهمين – كما أوردتهم حيثيات الحكم بالقضية – 302 متهم

2- عدد الهاربين والذين توفاعهم الله أثناء المحاكمة – 31 متهما .

3- الباقى : 271 .

جدول-الجهاد-في-مص.jpg

ملاحظات على التوزيع الجغرافى :

أ- الجدول مرتب تنازليا .

ب- يلاحظ أن هذا العدد من المتهمين لا يعطى الحقيقة كاملة وأن عدد الذين ألقى القبض عليهم حملة سبتمبر وأكتوبر 1981 قد وصل إلى خمسة آلاف فرد من الإسلاميين ولكن العدد السابق يعطينا فقط مجرد مؤشر هام على المناطق الأساسية التى تنشط بها الجهاد , ولا يزال متواجدا بها حتى اليوم وبتعداد يصل إلى عدة آلاف .

ج- يلاحظ أن بإجمال عدد محافظات العيد فإن أغلبية التنظيم تكون من الصعيد حيث يصل عددهم إلى 117 بنسبة 43 و2 من عشرة بالمائة .

د- تعد الجيزة والقاهرة مجتمعة ممثلة بالضبط بنصف التنظيم – 135 – هذا اذا استبعدنا العدد الهارب أو الذى توفاه الله .

ه- خلا قرار الإتهام والتوزيع السابق من محافظات بعينها كالأسكندرية والسويس وعلى الرغن من وجود قيادات دينية بكليهما فبالأولى يوجد الشيخ المحلاوى وبالثانية يوجد الشيخ حافظ سلامة وهما من القيادات التى ينسبها البعض حركيا إلى الجهاد وكان السادات يعاديها بشدة .

" الخاتمة ": ( بين ماضى الغضب ومستقبله : قضايا ساخنة لم تحسم بعد )

الخاتمة : بين ماضى الغضب ومستقبله

( قضايا ساخنة لم تحسم بعد )

الآن ... والآن فقط بإمكاننا أن نسجل أننا قد كونا صورة متكاملة عما حدث فى مصر وقدمنا إجابة شبه كاملة عن السؤال : لماذا حدث فى سبعينات المجتمع المصرى من عنف وعضب واحتجاج رافعا راية الإسلام ؟ والإجابة أتت عبر خمسة فصول بالإضافة للمقدمة والخاتمة تناولنا فى :

الفصل الأول : خبرة السبعينات والثمانينات بشأن قضية الإحياء الإسلامى فى مصر وتنظيمات الغضب الإسلامى العريضة , وذلك من خلال مطلبين :

الأول : وسجلنا فيه الاتجاهات الفكرية المحتلفة لحركة الإحياء الإسلامى ولتنظيمات الغضب بداخلها .

أما الثانى : فقدمنا فيه تشخيصنا لقضية الغضب الاسلامى عموما وبشكل موثق حاولنا أن يكون جديد نسبيا عما سيبقه من محاولات .

وعلى مدار الفصول من الثانى وحتى الخامس قمنا بتحليل وثائق تنظيم ( الدكتور صالح سرية وكتابه الوثائقى رسالة الإيمان وتنظيم شكرى مصطفى ووثائقه ( الخلافة – الهجرة – التوقف والتبين ) وتنظيم الجهاد بقيادة عبد السلام فرج بكتابه الفريضة الغائبة ومعه عبود الزمر الذى أجرينا معه حوارا من وراء القضبان حللنا من خلاله ومن خلال أهم أقواله فى التحقيقات التى أجريت معه , رؤيته السياسية وكانت محاور التحليل التى اعتمدناها فى هذه الدراسة هى موقف الوثائق من نظام الحكم فى ديار المسمين كمحور أول , موقفها من المجتمع الإسلامى المعاصر ومدى قربه أو بعده عن جوهر الاسلام كمحور ثان , موقفها من البديل الإسلامى كما تتصوره كمحور ثالث , وأخيرا ملامح المستقبل الإسلامى عندها كمحور رابع .

وفى هذه الخاتمة لن نحاول أن تكون تقليدية كما هو متبع , لذا فسوف نثير من خلالها أكبر قدر من الأسئلة والإنتقادات لأفكار تنظيمات الغضب الإسلامى ونستتبع ذلك بطرح سناريو مستقبلى لمسار تنظيمات الغضب الإسلامى فى مصر وذلك من خلال مطلبين ( مبحثين ) .. فماذا عنهما .؟

المطلب الأول : قضايا ساخنة لم تحسم بعد

أولا : غياب أفق الاجتهاد الدينى والسياسى والحضارى لدة هذه التيارات الغاضبة بحيث تغلب على اصروحاتها الغموض والعمومية دون تفصيل أو برنامجية ويشاركهم فى هذا بالطبع كافة القوى السياسية غير الإسلامية .

ثانيا : تغلب نزعة الحاكم وقتال الحاكم على سواها من نزعات البناء الإجتماعى أو العقائدى , أو السياسى بحيث تصير هذه النزعة هى الهدف الرئيسى وهى كل الغاية لهذه التيارات ولعل هذا كفيل بإجهاض العمل السياسى لها , وعدم مصداقيته جماهيريا وارتكانه على عشوائية الجماهير وعمليات تغييبها التى تتقنها السلطة الحاكمة فى أغلب المجتمعات الإسلامية , وهو أرتكان لابد وأن يصيب الذى يتبناه بالإخفاق السريع لأنه غير قائم على أساس اجتماعى ومضمون حضارى متكامل .

ثالثا : غياب مقولات أساسية من قبيل التنمية –العدالة, الحرية – عن أدبيات هذه التيارات ويعتبرها البعض منهم أنها بمثابة مقولات غربية , لا يحق لنا الأخذ أو الترنم بها ولكنها فى الواقع غير واردة فى أغلب ما تطرح هذه التيارات وإن كانت واردة لدى البعض من التيارات الإسلامية الأخرى التى لا تأخذ من العنف أداة وغاية فى نفس الوقت مثل الإخوان المسلمين .

رابعا : الغياب الكامل لقضية فلسطين لدى هذه التنظيمات الغاضبة , بل يذهب محمد عبد السلام فرج إلى أنها تأتى فى مرحلة تالية للإجهاز على الحكام المسلمين الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ونسأل كم من الزمن سوف تستغرق مهمة هذا الاجهاز , وما حجم التأثير الواقع على القضية من جراء هذا التأجيل ؟ بل ما هو حجم التأثير الواقع على أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى الذى قارب اليهود على هدمه كاملا وهل يخدم هدم المسجد الأقصى قضيتهم ويعيد للإسلام روحه ؟ وأيضا أليس غريبا أن يقول لنا أحدهم بأن مهمة الحرب العراقية الإيرانية هى فتح مكة , ثم بعد ذلك نذهب لفتح القدس , وفى نفس الوقت يعلن الصهاينة أن لهم حقا تاريخيا فى يثرب – المدينة – حاليا وأنهم سوف يفتحون وفق منطقهم مكة قبلهم .

خامسا : سهولة إيراد وتكرار الحكم بتكفير وتجهيل الأفراد والمجتمع , والسلوك والإعتقاد , وفى هذه المسألة : مسألة جاهلية المجتمع وجاهلية أفراده كانت مقالات فهمى هويدى الهامة بجريدة الأهرام أيام 5-8, و12-8 ,و 19-8-1986 صفحة 7 فى الرد على كتاب القاضى عبد الجواد ياسين (مقدمة فقه الجاهلية المعاصرة ) والتى نقد فيها أسانيد المؤلف التى استمدها من كتابات المودودى وسيد قطب ووضع القضية على شكل سؤالين :

الأول : يدور حول : هل تنصب الجاهلية على الإعتقاد أم على السلوك ؟

الثانى : هل تنسحب ههذ الجاهلية على المجتمع ككيان معنوى أم على الأفراد أيضا ؟

وإجابة على هذين السؤالين الذين يفند أن ليس فقط دعاوى القاضى مؤلف كتاب ( مقدمة فى فقه الجاهلية المعاصرة ) بل ينسحب أيضا على أحد أسس دعوة الدكتور صالح سرية وشكرى مصطفى وعبد السلام فرج وعبود الزمر التى سبق استشرافها من وثائقهم .. نقول إجابة على هذين السؤالين يقول فهمى نقلا عن الشيخ محمد قطب شقيق سيد قطب أنه سمع شقيقه أكثر من مرة يقول إن الحكم على الناس بالكفر يستلزم وجود قرينة قاطعة لا تقبل الشك , وهذا أمر ليس بأيدينا ولذلك لا نتعرض لقضية الحكم على الناس , فضلا عن كوننا دعوة ولسنا دولة , دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس , لا إصدار الأحكام عليهم .

وفى كتابه ( الإجتهاد فى الشريعة الإسلامية ) للدكتور يوسف القرضاوى والذى خصص الفص الأخير فيه الرد على اتهام سيد قطب للمجتمع بجاهلية الإعتقاد واعتباره مجتمعا غير مسلم بصريح عباراته , وهو ذات الإتهام الذى تتبناه عن اقتناع كامل تنظيمات الغضب الإسلامى .. يقول القرضاوى صفحة 195 ( إن المجتمع الذى نعيش فيه الآن ليس شبيها بمجتمع مكة الذى واجهه النبى ( ص) حين نشأة الدعوة الإسلامية ذلك كان وثنيا كافرا بلا إله إلا الله ولا بأنه رسول الله , ويقول عن القرآن : سحر وافتراء وأساطير الأولين , أما مجتمعنا القائم فى بلاد المسلمين , فهو مجتمع خليط من الإسلام والجاهلية فيه عناصر إسلامية أصلية وعناصر جاهلية دخيلة , فيه قلة من المرتدين عليهم حكم المرتدين , وفيه منافقون عليهم حكم المنافقين , وفيه عدا هؤلاء جماهير غفيرة تكون أكثرية الأمة الساحقة معتزمة بالإسلام وكل أفرادها متدينون تدينا فرديا يؤدون الشاعئر المفروضة وقد يقصرون فى بعضها وقد يرتكب بعضهم المعاصى ولكنهم فى الجملة يخافون الله تعالى ويحبون التوبة ويتأثرون بالموعظة ويحترمون القرآن ويحبون الرسول إلى غير ذلك مما يدل على صحة أصول العقيدة لديهم ) ...( ولهذا يكون من الإسراف والمجازفة الحكم على هؤلاء جميعا بانهم جاهليون كأهل مكة , الذين واجههم الرسول ( ص) فى فجر دعوة الإسلام وإن واجبنا ألا نعرض عليهم إلا العقيدة , والعقيدة وحدها , حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله بمدلولها الحقيقى )

ويرى فهمى هويدى وكذلك الدكتور يوسف القرضاوى أن أغلبية المسلمين ملتزمون بأركان الإسلام كالصلاة والصوم والزكاة والحج معظمهم والحج وأن كثيرا ممن قصر فى هذه الفرائض لا ينكرها ولا يستخف بها وأن الناقدين للشريعة الإسلامية معظمهم جهال يجب أن يتعلموا لا مرتدين يجب أن يقتلوا , ثم استند فى تنفيذ دعاوى تنظيمات الغضب الإسلامى إلى شهادة الأستاذ عبد القادر عودة فى كتابه ( الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علماءه ) والتى جاء فيها : ( أن ولى الأمر فى معظم البلاد الإسلامية لم يخطر على بالهم أن يخالفوا الشريعة لا قديما ولا حديثا , ولكن القوانين جاءت مخالفة للشريعة بالرغم من ذلك , وبالرغم من حرص بعضهم على منع التحالف ولعل السر فى ذلك أو واضعى القوانين إما أوربيون ليس لهم صلة بالشريعة أو مسلمون درسوا القوانين ولم يدرسوا الشريعة ص 26 28 ) .

من هذه الآراء فى مسألة جاهلية المجتمع سلوكا وعقيدة وأفراد نخلص إلى أن عمومية الاطلاق فى مسألة التكفير والتجهيل تمثل أحد المآخذ الخطرة فى فكر تنظيمات الغضب الإسلامى لا نبرؤهم من قسوتها ومن خطؤها الشديد .. ايا كانت الدوافع المسوقة لتبرير هذه الدعاوى التكفيرية .

سادسا : على الرغم من تنوع أفكار تنظيمات الغضب الإسلامى واتباع بعضها لمفاهيم ورؤى جديدة إلا أنها تركت إما سهوا أو لنقص فى العلم بأمور الدين والإجتهاد بعضا من القضايا التى لم تحسم بعد , ويشترك معه فى هذا قطاعات عريض من التيارات الإسلامية غير الغاضبة , وعلى شكل تساؤلات نضع هذه القضايا التى أخفقت تنظيمات الغضب الإسلامى فى الاجابة عليها من خلال وثائقها والتى بإمكان رجالها الحاليون أن يجيبوا عليها ومن هذه التساؤلات التى استندنا فى بعضها إلى المقالات الجيدة لفهمى هويدى والقرضاوى وسليم العواوغيرهم .

(1) بعد أن ثبت بالدلائل والوقائع الملموسة التى عاشتها تنظيمات الغضب الإسلامى طيلة السبعينات , خطأ مقولة تكفير المجتمع نسأل مع السائلين ما هى الآن نقطة البدء فى التعامل مع المجتمع الذى تخاطبه تلك التنظيمات هل يخاطب باعتباره مجتمعا يراد لاسلامه أن يتجدد أم أنه مجتمع مسلم يراد لاسلامه أن يكتمل ؟

(2) ما هى الوسائل المثلى فى التغيير لدى هذه التنظيمات وإياها يتفق وطبيعة المجتمع الذى تعيش بداخله .. وهل يتفق ما يحدث فى النموذج الإسلامى بإيران على سبيل المثال مع واقعنا ومن ثم تكون الثورة الإسلامية هى الوسيلة المثلى , أم يكون التغيير من داخل القنوات الشرعية أو بانقلاب عسكرى وما هى حدود التغيير باليد واللسان والقلب ومن المنوط بكل منها ؟

(3) ما هو موقف هذه التنظيمات من قضايا مثل الشورى وهل يتفقون على أنها ملزمة للحاكم أم معلمة له فقط ؟ ومع هو موقفهم من الأحزاب السياسية بوجه عام والقائمة منها على مصر اليوم بوجه خاص وما هى حدود ونطاق التعامل معها ؟ وما هى حدود حرية الرأى والإعتقاد والإجتهاد السياسى ؟

(4) ما هو الموقف من الحريات العامة ومن غير المسلمين وبالأخص الأقباط وما هو وضع المرأة فى المجتمع وما هو موقفهم من المسألة القومية ومن قضايا الصراع الدولى , وما هو موقف هذه التنظيمات الغاضبة من تدخل الدولة فى النشاط الإقتصادى وهل يؤمنون بما تعارف عليه الفقه السياسى الإقتصادى بالتأميم والقطاع العام ؟ وهل هم مع تقيد أو إطلاق حرية القطاع الخاص والإستثمارى وإلى أى أصحاب المدارس الإقتصادية ينحازون أصحاب التدخل فى كافة الأنشطة أم أصحاب تقيد التدخل ؟

وأخيرا كيف يرون القوى السياسية الوطنية الأخرى , وهل يقبلون بالعمل معها خاصة وأن النموذج الإيرانى قد طرح إبان أحداث الثورة إمكانات مثل هذا العمل ؟

    • هذه وغيرها تساؤلات لم تثر داخل الوثائق الأساسية لتيارات الغضب الإسلامى وربما تكون قد أثيرت فى وثائق أخرى لهم , أو فى التحقيقات التى أجريت معهم , ولكنها لم تحط على أية حال بالقدر الكافى من النقاش والتحليل والتأصيل النظرى وعليه هى مآخذ أساسية لا تزال قائمة ولا تزال تنخر برأسها فى الجدران السياسية والفكرية لهذه التنظيمات قديمها وحديثها باحثة عن إجابة وافية .

المطلب الثانى : السناريو القادم للغضب

كما سبق أن رأينا فتنظيمات الغضب الإسلامى ليست مجرد ظاهرة مرضية أ إجرامية كما حاول البعض تصويرها ولكنها حالة إسلامية طبيعية دائمة وقائمة فى قلب الجسد المصرى بل وفى باقى القلوب الإسلامية الأخرى , وعليه فإن سيناريو الزمن القادم فى نطاق تفسيره ومتابعته مسار الغضب الإسلامى تنظيما أو فكرا سوف تحكمه ثلاثة متغيرات كبرى :

المتغير الأول : مصريا

ونتوقع بداخل هذا المتغير تعاظم شقة الخلاف بين النخبة السياسية العلمانية المتحكمة اقتصاديا وسياسيا وبين تلك التنظيمات الغاضبة وبالأخص الجهاد أداة هذا الخلاف هى العنف المسلح والإغتيالات الفردية السياسية ووفق العقلية المغتربة والأمنية للنخبة الحاكمة فى مصر سيظل استخدام العنف والقهر البدنى والنفسى هو أداتها للتعامل مع كل هذه التنظيمات , من نادى منها بالحسنى وخاطب الناس بالمعروف , أو من حمل السلاح , فعقلية النخبة الحاكمة عقلية الأقلية المغتربة والتى كلما ازدادت اغترابا كلما ازداد الشارع السياسى إسلاما وعنفا , عقلية تخلط بلا وعى بين الجميع .. من هنا نتوقع سلسلة من عمليات العنف – المتنوعة ( إحراق مسارح – اغتيال مسئولين كبار – تلغيم مصانع وشواطىء سياحية – تفجير قنابل أمام المصالح الحكومية وغيرها ) .

وبداخل المتغير المصرى لا نجد سوى تنظيم أو بمعنى أكثر تحديدا تنظيمات تحمل فكرة واسم الجهاد هى القادرة اليوم وبعد اندثار باقى التنظيمات الأخرى , على تغير ما بداخلها , وما بداخل مجتمعها وإنها تنتهج أسلوب المواجهة المستمرة حتى داخل السجون ( النماذج عديدة : نبيل المغربى ومحاولة الهرب بجبل من زنزانته ) عبود الزمر والضجة المفتعلة بذكاء حول اختفائه ومرضه عام 1986 ) بهدف هام وهو إنهاك الخصك الذى يواجههم أى النظام الحاكم والنخبة العلمانية المغتربة ) وعادة ما يتبع حالات الإنهاك الشديد تفاوض فتنازل فتسليم .. وهو المنهج طويل المدى الذى يأخذ به تنظيم الجهاد .. وإذا ما اضفنا إلى ما سبق قدرة ههذ التنظيمات الجهادية تاريخيا على التغليغل داخل الجيش المصرى وبالأخص داخل صفوف الضباط الصغار الرتبة والسن , " تقدر بعض الدراسات عدد الضباط والجنود والصف داخل تنظيم الجهاد 1981 فإن احتمالات المواجهة المؤسسية ومن داخل الخطر جهازين للأمن فى مصر الجيش والشرطة إحتمالات واردة واحتمالات أن يخيم العنف والمواجهة الدموية بين النظام السياسى وهذه التنظيمات احتمالات قوية , أما الغلبة أو الإنتصار , فإنه من الصعب معرفتها وبدقة خاصة وقوة النظام السياسى فنيا أكبر وأقدر من قوة هذه التنظيمات .. ونعتقد أن الجماهير الشعبية كقوة بشرية هائلة ومعطلة " هى التى سيكون بإمكانها أن تحسم المسألة بالإضافة إلى مدى إيمان طرفى الصراع برسالته وغذا كان العنصر الأخير هام وأساسى , فإن الغلبة ولا شك ستكون لهذه التنظيمات وإن طال الزمن , لأن الطرف الآخر ( النظام السياسى المغترب ) ضعيف على صعيد الإيمان بكافة صوره , وهو يلفظ على هذا الصعيد تحديدا – أنفاسه الأخيرة .

المتغير الثانى : المتغير الإقليمى

والمتغيرات الإقليمية المحيطة بمصر عديدة , نخص بالتحديد منها بالتحديد قدرات الإسلام الأسيوى ( الإيرانى منه على وجه الخصوص ) وكيف أنه إذا استطاعت إيران أن تكسب حربها مع العراق فإن منابر رسمية عديدة سوف تدك .. واحتمالات سقوط زمن الأزهر الرسمى , والإسلام النفطى ودعاوى العلمانية والقومية العربية وغيرها , احتمالات قوية فحتى الآن العراق يحول دون حصول هذا التغير الذى سيعيد ترتيب خريطة المنطقة جذريا , فإذا ما سقط العراق فإن العديد من المواقع والأفكار سيسقط تماما وسوف يكون النظام المصرى والنخبة العلمانية المغتربة والأحزاب السياسية الهشة ) من أوائل المتأثرين , وهنا سوف يلمع فى مساء مصر نجم تنظيمات الغضب الإسلامى والجهاد منها على وجه التحديد ( حيث ثبت أخيرا العلاقات الخاصة التى تربط بين هذا التنظيم والقيادات الإيرانية المسئولة عن تصدير الثورة الإسلامية ) .

ولكن من بين المتغيرات الإقليمية يأتى الدور الخفى لأثيوبيا ولتركيا وللسعودية فى محاربة البدائل الإسلامية الثورية وهذه الركائزأقرب لركائز خدمة الغرب ( الشيوعى منه أو الأمريكى ) فهى لا تخدم مصالح خاصة بها فقط بل تخدم أقطاب دولية من أجل مناهضة البدائل الإسلامية الثورية المقبلة , من هنا فهى تمثل مصادر قوة لنظام الحكم فى مصر وفى المدى الطويل مصادر إنهاك وضعف للتنظيمات الغاضبة على نفس المدى , وأيضا يأتى الوجود الصهيونى فى فلسطين ممثلا لمصدر إقليمى أخير مضاد للإسلام الثورى , فهو يدرك عن وعى ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) إن هذا الإسلام بتنظيماته الغاضبة هو القادر وحده على مواجهته المواجهة الأخيرة , وأن مجرد التقاء هذه التنظيمات الموجودة بمصر على صعيد الفعل المسلح والحركة السياسيى مع القوى المعادية لها عربيا وإسلاميا , فإن هدف تدميرها وشطبها من فوق خريطة المنطقة , سوف يمثل أحد الأهداف الكبرى والأوليات الرئيسية القادمة , من هنا لابد من ضرب ههذ التنظيمات وإجهاض فاعليتها أولا بأول من وجهة النظر الإسرائيلية , وهو ما يعنى بالمقابل مساندة النظام الحاكم فى مصر ودفع عمليات التطبيع معه خطوات بعيدة , بالإضافة لتنمية ركائز وجودها السياسية ( كالسفارة ورجال الموساد ) والثقافية ( كالمركز الأكاديمة الإسرائيلى ) والإقتصادية ( كتوكيلات للشركات متعددة الجنسية والمشاريع الإستثمارية مع رأس المال الأمريكى ) .

معنى هذا جميعه أن المتغيرات الإقليمية فى مجموعها عدا المتغير الإيرانى تعمل فى اتجاه مضاد للاسلام الثورى وتنظيمات الغضب الإسلامى ولكن وعلى الرغم من ذلك فإن الباحث يتوقع أن يحمل المستقبل المنظور ( 10- 15عاما ) تعديلا مفاجئا فى موازين القوى الإقليمية وغلبة أو تفوق أحد المتغيرات الإقليمية بفعل الداخل ( سواء داخل مصر أو داخل قوى الإطار الإقليمى المحيط ) عندئذ .. سوف تسقط بحق العديد من المواقع والقيم والأفكار .

المتغير الثالث : الإطار الدولى المحيط

لا يختلف اثنان على أنه ولفترة طويلة قادمة سيظل العالم تحكمه موازين القوة فى العلاقة بين العملاقين الدوليين الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية , وسيظل الموقع الإستراتيجى تاريخيا وجغرافيا المرشحه له مصر يحكم نظرة القوى الدولية إليها , ويحدده أو هكذا ينبغى نظرتها إليهم , وحدود تعاملها معهم والإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية معا قلقان ولأسباب ديمجرافية وسياسية مباشرة من تباشير الإحياء الإسلامى ومؤشراته الغاضبة التى تتفق فيما بينها على رفض كل ما هو دخيل ( شرقه وغربه) فالإتحاد السوفيتى لدية أكثر من أربعين مليون من المسلمين يتركزون فى أخطر المناطق الصناعية له , والملاصقة لإيران وأمريكا تخشى – على سبيل المثال – من تنامى القوة السياسية الاقتصادية للمسلمين السود ومن تأثير ثورات الإحتجاج الإسلامى وتنظيمات الغضب القادمة , على مصالحها المباشرة فى المنطقة العربية بتروليا واقتصاديا .

ويتفق مع العملاقين فى هذه النظرة دول الغرب الأوروبى فى مجموعها , معنى هذا عمليا اكتساب النظام السياسى المصرى خلال المستقبل المنظور لقوة النتغير الدولى فى نطاق معاركه مع تنظيمات الغضب الإسلامى التى تسعى ( أمركا على وجه الخصوص ) دون وصولها إلى مواقع التأثير على مقاليد الأمور فى مصر , بل وتنظر بحذر وخوف شديدين لتنامى دورها فى المجتمع ويعكس ذلك الهوس الإعلامى والعلمى بالإسلام المتمثل فى مشاريع ما يسمى " بالبحوث المشتركة والممولة بين بعض الأساتذة والباحثين ومراكز البحوث السياسية والإستراتيجية فى مصر , وأساتذة وجامعات امريكية وأوروبية وغسرائيلية وهى جهات على علاقة بالمخابرات الغربية والأمريكية والإسرائيلية مباشرة " هذا الهوس الإعلامى والعلمى الأمريكى لا يخدم التنظيمات الغاضبة فى المستقبل المنظور ( 10 – 15 عاما ) ولكن بإمكان تنظيمات الغضب الإسلامى أن تتلاعب بتلك المتغيرات لصالحها إذا ما أدركت نقاط القوة والضعف والمصلحة التى تحركها , ومن الممكن أن نفاجأ ببعض التغير فى موازين القوى لهذه المتغيرات لخدمة أحد أطراف الصراع داخل مصر .. نقول من الممكن ولا نقول من الؤكد .

هذه المتغيرات .. مصريا وإقليميا وعالميا سوف تحكم ولمدى طويل الصراع داخل مصر .. ولكن .. ومن منظور التنظيمات الإسلامية الغاضبة .. نقول معهم , أن الله بإمكانه أن يعيد تشكيل كل شىء حولنا وبداخلنا فى طرفة عين , وأن منطق الإستراتيجيات الكونية والمتغيرات الحاكمة , منطق غيرصحيح بإطلاق وفق المنظور الإسلامى الثورى , فالذى خلق الأرض والسماء ومن عليها ليس بمستعص عليه أن يأتى بتنظيمات الغضب الإسلامى إلى سدة الحكم فى مصر ... وأن يبعث الإسلام جديدا كما بعث أول مرة منذ أربعة عشر قرنا جديا من قلب شعاب مكة . ونقول معهم وبصدق .. نعم .. نعم .. ولكن ماذا لو أعملنا إرادة الله فينا وأعدنا وبقوة فهم رسالتنا كمسلمين ثوار ونقدنا أخطاء حركتنا ورؤيتنا الماضية .. واستشرقنا بأفق رحب وبإيمان وإسلام رسالى لا يعرف الوهن إليه طريقا , المستقبل ماذا سنخسر لو فعلنا ذلك قبل وأثناء وبعد كل المتغيرات المحيطة بنا ؟ ....ذلك هو التحدى الحقيقى .

رفعت سيد أحمد

ثم يختم شكرى تصوره للبديل الإسلامى ( الجماعة المسلمة المهاجرة بهذا التأكيد الشامل ) نعم .. نعم .

إنها الغربة والتميز والولاء المستقل والكيان المنفرد والجماعة الفذة والمنهاج الربانى الأوحد .. " رب السموات والأض وما بينها إن كنتم موقنين " .

هذا عن تصورات شكرى عن البديل الإسلامى ووسائل تحقيقة , وطرق الوصول إليه . ماذا عن المستقبل ...وشكل الجماعة أو الدولة المسلمة .. وأخيرا الثمار السياسية والحضارية التى تعود عليها عن طريق استخدام الهجرة كوسيلة للوصول ؟ تساؤلات تجيب عليها السطور القادمة .

إنها : " هم الذين أبعثهم الله – بإذنه – ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده . نقاتل لتكون كلمة الله هى العليا .. وحتى لا تكون فتنة .. ويكون الدين كله لله .. إنها الفريضة الأم والرباط الجامع , وطرف حبل الله الذى فى الأرض والبينة الحقة التى لا بينه غيرها , وعلى إسلام من فيها وكفر مناوئيها وإلا .... فأرونى شيئا يمكن أن يستوفى من خلاله أن تحكم بإسلامه لم يعترف بوجودها وإسلامها .. يعنى لم يدخلها ؟

أو أرونى فاصلا بين حزب الشيطان ؟ إلا فراق هذا ولزوم ذلك .. وهو قطعا يسأل من بابا التعجيز كما تنم صيغة سؤاله الباحث ثم يقول شكرى مستشهدا بأحاديث الرسول وبآيات القرآن :

جاء عن عائشة – رضى الله عنها – فى البخارى وغيره أنه لما نزل قوله تعالى : " إذا جاءكم المؤمناتمهاجرات فامتحنوهن .. " الآية , انه لم تكن محنتهن إلا البيعة .. وهو قوله تعالى بعد أن أمر بالامتحان فى سورة الممتحنة :

" يا أيها إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف .. فبايعهن واستغفر لهن الله , ان الله غفور رحيم " الممتحنة 12

وثائق الكتاب

نماذج من النصوص الأصلية للوثائق :

-الدكتور صالح سرية قائد تنظيم الفنية العسكرية .

-شكرى أحمد مصطفى قائد تنظيم جماعة المسلمين المعروف ب ( التكفير والهجرة ) .

-محمد عبد السلام فرج : تنظيم الجهاد الاسلامى.

ملحق وثائق الفصل الثانى

أصول وثائق صالح سرية ( تنظيم الفنية العسكرية )

نماذج لأصول وثائق صالح سرية والمعنونة برسالة الإيمان والتى اختفت بعد إعدامه عام 1975 , واستطعنا بصعوبة الحصول على نسخة قديمة وأصلية من الوثيقة .

موالاة الدولة الأحزاب الكافرة

( لقد اصبح واضحا الآن أن هناك حكومات وأحزاب وجماعات كافرة وفى مقابلها جماعات تعمل لإقامة الدولة الإسلامية هناك إذا حزب الشيطان وحزب الله فكل من وإلى الحكومات الكافرة والأحزاب والجماعات الكافرة ضد الجماعات الإسلامية فهو كافر لأنه ناصر الكفر على الإيمان وإننا نوضح هنا بقراءة جميع الأيات التى اشتملت على لفظ الموالاة ومشتقاتها فى القرآن الكريم وسنجد الحكم هنا واضحا أن الحكومة التى تحارب وتتعقب وتسجن وتعدم أعضاء الجماعات الإسلامية لا شك كافرة لأنها تحارب الحكم بما أنزل الله وكل من ينفذ أوامرها فى ذلك عن طواعية ورضا دون إنكار فهو كافر سواء مخبرا أو شرطى أو ضابطا أو محقق أو قاضى أو صحفى يؤيد اجراءات الحكومة ويشوه سمعة المسلمين أو غير هؤلاء مما يؤيدها فى إجراءاتها بأى نوع من أنواع التأييد كذلك فإذا أجريت انتخابات كان فيها مرشح لجماعة إسلامية ومرشح آخر من أنصار الحكومة الكافرة أو أعضاء أو مرشحى الأحزاب او الجماعات الكافرة ثم انتخب المرشح المناهض للمرشح للإسلام فهو كافر لأنه يحبذ المبادىء غير الإسلامية على مبادىء الإسلام كذلك من انتخب مرشحا كافرا ولو كان يحمل بطاقة إسلامية ضد مرشح إسلامى فهو كافر ومقياس المسلم يكون دائما هو الإسلام وليس الوطنية أو الإصلاحات الداخلية أو محاربة الإستعمار أو غيرها فلا يؤيد شخصا لأن مع هذه الشعارات أو طبقها سواء مسلم أو كافر لا , إنما يؤيد وفقا لحمل الشخص لدعوة الإسلام والمسلم يجب الؤيد فى حين أن الشعب فى الإسلام لا صلاحية له على تحليل الحرام وتحريم الحلال ولو أجمع الشعب كله على ذلك فالجمع بين الإسلام وبالديمقراطية إذن كالجمع بين الإسلام واليهود مثلا فكما أنه لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما يهوديا فى نفس الوقت لا يمكن أن يكون مسلما ديمقراطيا وقل مثل ذلك عن كل المناهج الأرضية الأخرى والحكومات ليست غافلة عن هذه النقطة ولذا لا تعنى بالإسلام هذا المنهج الكامل للحياة كما ورد فى الكتاب والسنة وإنما تقتصر منه على ناحية الشعائر التعبدية فقط تقليدا لدول النصارى وليتها فعلت ذلك أيضا فالتزمت بالأمور التعبدية قادة ومحكومين لكن ههذ أيضا أعهملتها فالإنسان حر أن يعبد ربه أو لا يعبده ولا يشترط فى اى مسئول ذلك فاقصر الأمر إذا على العطلات الرسمية وحتى ههذ لم تسلم فأشركوا معها أعياد النصارى والوطنية والإشتراكية .. فأصبحت هذه الكلمة فى الدستور .. إذا كلمة لا معنى لها .. وأصبحت هذه الكلمة مثل دولة تكتب فى دستورها أنها دولة شيوعية كاثوليكية رأسمالية ولا تأخذ من الشيوعية إلا يوم ميلاد ماركس وذكرى قيام الثورة الشيوعية فى روسيا وعيد العمال وترفض الأخذ بمبادىء الشيوعية .

وإذا اعترض عليها شيوعى قالت لقد قلت فى الدستور إنى دولة شيوعية إن هذا لا يمكن أن يحصل فى نظر العقلاء ولكنه بعينه يحصل عند المسلمين وليس هناك أشد من ذلك ولقد جاء ذلك إضافة إلى أن الإسلام تحول إلى الكلام فقط .. من قياس الإسلام على النصراينة وإن الذين وضعوا الدساتير عندنا ترجموها عن الغرب النصرانى دين يقتصر على علاقة العبد بربه فلما قامت الثورات فى أوروبا فصلت الدين عن الدولة وهذه نماذج من أصحاب العقائد الأخرى كما يراها سرية :

والشمس والقمر كما نؤمن بوجود أعدائنا إيمانا لا شك فيه ومن المقطوع بع أنه ليس المقصود بالإيمان بالله هو هذ الإيمان إنما المقصود بالإيمان بالله تعالى ما يلى :

1- أنه وحده الذى خلق الكون وهو وحده المتصرف بشئونه ولا أناقش النقطة كثيرا لأنه أكثر المؤمنين بوجود الله فى منطقتنا يؤمن بذلك أما المشركون بع آلهة أخرى فى الخلق والتدبير فغير موجودين بمنطقتنا وقد اقتصر أمرهم فى بقية العالم على الفئات غير المتعلمة فلا داعى للإطالة إذن .

2- أنه وحده صاحب التشريع فى هذا الكون وليس لأحد حق التشريع إلافيما لا نص فيه فمن أعطى لنفسه الحق فى إيجاد منهج للحياة أو التشريع فقد أشرك بالله وكفر بالله أساسا واتخذ له ربا سواه حتى ولو كان مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وفى ذلك أدلة كثيرة نقتصرمنها على ما يلى :

(1) ذكر الله عن مشركى قريش أنهم آمنوا بصدق رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله " فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ".

ولذلك فإنهم كفار لأنهم لم ينقادوا عملي وفق هذا التصديق ومن قرأ السيرة وجد أن عددا كبيرا من اليهود كانوا مقتنعين أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذى بشرت به التوراة ولكنهم لم ينقادوا له فاعتبروا كافرين وثبت فى البخارى أن هرقل ملك الروم آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حين وجد قومه سينقضون عليه بقى على الكفر .

بعض عناصر الإيمان بالله كما يحددها سرية

الحالة الثانية : إن استمرار هذا الكلام لا يتم إلا بالانقياد لحق الشهادتين وهو اتباع الكتاب والسنة فإذا لم ينقد لم يفده القول الأول واعتبر رجلا مستهزءا بقول المسلمين , إن هذه الميوعة فى العقيدة قد ألفت الفروق بين المؤمنين والكافرين فى حين أنه يجب أن يتمير بوضوح أعضاء حزب الله عن أعضاء حزب الشيطان .. أولياء الرحمن عن أولياء الشيطان .. عباد الله عن عباد الطاغوت .. إننا اليوم لا نجد فرقا بين هؤلاء وهؤلاء مما يجعل المعركة بينهما مستحيلة مع أن الجهاد ما من إلى اليوم القيامة . إننا نجد المتدينين إلى جانب الملحدين فى حزب واحد وكلاهما يتفقان فى جميع الأفكار والإتجاهات بل ويقفان صفا واحدا ضد الحركة الإسلامية التى تطالب بالحكم بما أنزل الله ويصفانها بأبشع النعوت فما الفرق بين هذا المتدين وهذاالملحد ؟ إننا نجد المتدين اليوم يتقبل ببساطة أن يكون الملحد أو المسيحى مثلا وزيرا أو ضابطا كبيرا فى الجيش إذا كان مواطنا من مواطنى الدولة لكن يستنكر أن يكون مسلما من مواطنى دولة أخرى مما يدل على ان الرابطة الوطنية عقدة أقوى من الرابطة الإسلامية .. إننا نجد المتدين القومى العربى اليوم يسير تحت راية حزب قائده مسيحى أو ملحد لآنه عربى لكن يرفض أن يكون فى صفوف حزبه عضوا غير عربى حتى لو كان مسلما فهو يفضل القومية على الدين , إننا نجد مبار العلماء لا يعترضون على زواج الملحد بالمتدينة أو المتدين بالملحدة ويصلون على كليهما ويورثون أحدهما من الآخر معتبرين الجميع مسلمين مع أنه لا خلاف أن الملحد كافر . وهذه الميوعة هى سبب عدم نهضة الإسلام إذ أن الحركة الإسلامية .

نموذج للحالة التى يباح فيها التكفير وهى حالة الميوعة فى العقيدة :

ملحق وثائق الفصل الثالث

أصول وثائق شكرى مصطفى :

نماذج لأصول وثائق شكرى مصطفى قائد تنظيم التكفير والهجرة : مكتوبة بخط يده .

شغف الجبال ومواقع القطر

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : " يوشك أن يكون خير مال المسلمين غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ," ( شغف الجبال : أعلاها ورؤوسها ) .

الوديان والبوادى والشعب

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أى الناس أفضل فقال رجل يجاهد فى سبيل الله بماله ونفسه قال : مؤمن فى شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره وقد مر علينا من قبل : عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه فى سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعه أو فزعه طار عليه ".

أماكن الهجرة كما يحددها شكرى

إنه الغبش فى التصور والضلال فى الفكر حين تطلب جماعة مسلمة تزعم أنها جماعة مسلمة من الحاكمين بغير ما ا،زل الله المتألهين فى الأرض الجاعلين أنفسهم أربابا من دون الله تطلب منهم أن يحكموا بما أنزل الله وأن يشرفوا على تعيين الناس لهم ..نعم هكذا . وعفا الله عما سلف .

ودعونا إذن نتصور سلوك رسول الله أو خليفة رسول الله يقول لأبى جهل أو لكسرى أو لقيصر أو لمسيلمة الكذاب أحكم بما أنزل الله ونحكم وراءك إن كلا أن خلفاء الله فى الأرض الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون .

لا يعرفون هذه الإنهزامية .. ولا يعرفون هذا القلب والتبديل لسنة الله باسم التواضع أو بأى اسم آخر .

وإنما لهؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله أن يدعوا إلى الإسلام كسائر الناس وعليهم أن يدخلوا فى الإسلام وخلف أئمة الإسلام كغيرهم من الناس " أسل تسلم " .

نقد الحركات الإسلامية الأخرى

وإن لنا أن نعجب ويطول بنا العجب من هذه الأساليب العصرية البشرية الأرضية الجاهليم التى أقيمت وأضيفت وسميت بالحركات الإسلامية متذرعين أصحابها بأن الإسلام لم يحرم وسائل المدنية ولا المخترعات العصرية .

والحقيقة أنهم بذلك قد حولوا موضوع الحديث تماما عن مقصوده إذ أن أحدا لم يحرم ركوب السيارة أو أوجب ركوب الناقة , فالأمر غير ذلك تماما وإنما هو على وجه التحديد .

الأسس الفكرية التى ينبنى عليها أسلوب العمل لبلوغ الغاية .

نعم هى الأسس الفكرية التى ينبنى عليها الأسلوب وليست المعدات أنه الأسس الفكرية لسير الدعوة .

والأسس الفكرية للمراحل ووصل السلطات ,

والأسس الفكرية لتحديد العدو وأسلوب التعامل معه ,

والأسس الفكرية لأسلوب المعايشة ومدى الأخذ من الواقع ,

والأسس الفكرية لصورة الجماعة المسلمة من الداخل والعلاقات فيما بينها .

وأولا واخيرا عن الأسس الفكرية والعملية لربط هذه الحركة بالآخرة وجعل أساسها عبادة الله .

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أسلم أم أقاتل قال اسلم ثم قاتل .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا لا نستعين بأهل الشرك على أهل الشرك "

فى الرد على مزاعم الحركات الإسلامية المناوئة له

المبادأة ولا ريب بالاعتزال .. اعتزال العابدين والمعبودين – من دون الله – جميعا .

إن الإعتزال هو أقل ما يمكن أو تواجه به الجماعة المسلمة تجمعات الباطل وتحديات الكفر . وهو الشىء الوحيد الذى تطيقه حينئذ , أنه أقل درجة من درجات الأنكار , والطريقة الممكنة الوحيدة لجماعة مستضعفة ضعيفة , للخروج من ضغوط الكفر ثم التمكين من دعاء الله , إنه أول طريق الجادين لعبادةالله , خلافته فى الأرض .

ولما كان هذا الموضع ليس هو موضع الإفاضة فى هذا الأمر فإنى أجتزىء بهذا القدر فيه , ولكن فقط أردت أن أقدم لفكرة التقوقع أو التجرثم كقاعدة عامة فى سنة الله لمواجهة الصعاب .. ثم الإنطلاق بعد ذلك :

وإلا أخبرونى كيف يتأتى لذرات متناثرة فى نهر متدفق – كيف يتأتى لها – أن تغير مسيرها فيه , فضلا عن أن يغير مسيره هو ؟

إنه لا ذرات الرمل المتناثرة ولا حتى كتل الصخر المعترضة يمنها أن تفعل شيئا من ذها وأن الجاهلية بنظامها وتكتلها وتدفقها لهدفها وإمكنياتها وكيها ثم بأقدامها الراسخة وبعجلتها الكبيرة الدائرة .. لا يمكن لأحد أن يقف فى وجهها إلا إذا كان يريد أن يتحطم أويسير فى اتجاهها .. هذه هى السنة .. لا ينكرها إلا مكابر ..

إن الذى يريد أن يسير فى عكس التيار .. لن يكمل مساره .. وإنما سيجرفه التيار معه عاجى وآجلا ليصبح يوما ما جزء من التيار , أو يفتقه ليصبح ذرة من ذراته ..

" وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيىء لكم من من أمركم مرفقا "الكهف 16

فهذه هى الاشارات الشرعية إلى نوعية الأماكن التى يمكن أن يفر فيها المسلمون فى زمان مثل زماننا هذا الذى عمت فيه الفتنة والفساد فى البر والبحر .

أما تحديد مكان من تلك الأماكن بعينه ليفر إليه المسلمون ويهاجروا فيه فهذا خاضع لاجتهاد المسلمين والتشاور فيما بينهم ولكنهم فى اجتهادهم ومشورتهم عليهم أن يضعوا أمامهم النصوص الشرعية التى وجهت النظر إلى بعض الأماكن وحضت على الهجرة إليها ثم بعد ذلك عليهم أن يحددوا المقصد النهائى الذى يجب أن يصلوا إليه إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا فى الوقت المناسب لسكناه والإقامة فيه , ونورد الآن بعض النصوص التى تشير إلى بعض الأماكن إشارة خاصة :

عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" ستكون هجرة بعد هجرة , فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم " ويبقى فى الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم الكهوف كأحد اماكن الهجرة :

" إن العمل السياسى فى الأرض الآن هو مما لا شك فيه خلاصة جهد الكفار لمحاداة الله تعالى من الناحية التشريعية أو التنفيذية .. وسواء فى جاهليتهم الداخلية أو علاقاتهم الخارجية .. وأن الإلتحاق بهذه الهيئات التشريعية الحاكمة بغير ما أنزل الله والتعاون معها فى ذلك لا يمكن أن يوصف بأقل من موالاة الكفر بحال من الأحوال .

شرقية كانت هذه النظم أو غربية .. استعمارية كانت أو وطنية .. إذ ليس فى أصل الكفر عربى وأعجمى . وها نحن أولا نرى الحركات الرافعة شعار الإسلام تتسابق قادة ومقودين فى انتخابات البرلمان والمجالس ولجان التشريع ورائها سائر المراكز فى الهيئات التنفيذية .. حتى رأينا رئيسا لواحدة من أكبر هذه الحركات هو وابنه وكثير من أعوانه.. مستشارين فى محاكم الكفر والتشريعات " النابليونية " ثم خلفه بعد ذلك فى رئاسة هذه الحركة الإسلامية بزعمهم عضوا من عشرين عضو فى منبر الوسط وحزب الدولة الخاضع للإتحاد الإشتراكى بمصر "

نقد الواقع السياسى والإسلامى القائم

ملحق وثائق الفصل الرابع

أصول وثائق عبد السلام فرج ( تنظيم الجهاد )

نماذج لأصول وثيقة عبد السلام فرج المعنونة ب "الفريضة الغائبة" والتى قام هو بإحراق جميع النسخ المطبوعة منها وعددها 500 نسخة ولم يبق منها سوى عشر نسخ فقط هذه إحداها .

المقارنة بين التتار وحكام اليوم

-واضح من قول ابن كثير فى تفسير قوله تعالى " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " ص 6 بهذا الكتاب أنه لم يفرق بين كل من خحرج عن الحكم بما أنزل الله أيا كان وبين التتار .. وفى الحقيقة أن كون التتار يحكمون بالياسق الذى اقتبس من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه .. فلا شك أن الياسق أقل جرما من شرائع وضعها الغرب لا تمت للإسلام بصلة ولأى من الشرائع .

-وفى سؤال موجه إلى شيخ الإسلام بن تيمية من مسلم غيور يقول السائل واصفا حالهم للامام ( هؤلاء التتار الذين يقدمون إلى الشام مرة بعد مرة وقد تكلموا بالشهادتين ولم يبقوا على الكفر الذى كانوا عليه فى أول الأمر فهل يجب قتالهم وما حكم من قد أخرجوه معهم كرها ( أى أنهم يضمون المسلمين إلى صفوف المنتسبين إلى العلم والفقه والتصوف ونحو ذلك . وما يقال فيمن زعم أنهم .

المقارنة بين التتار وحكام اليوم

فريضة الجهاد :

الواضح أن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وبالرغم من ذلك نجد أن هناك من يحتج بأنه يحتاج إلى تربية نفسه وأن الجهاد مراحل فهو ما زال فى مرحلة جهاد النفس ويستدل على ذلك بقول الإمام بن القيم . الذى قسم الجراد إلى مراتب

1- جهاد النفس

2- جهاد الشيطان 

3- جهاد الكفار والمنافقين

وهذا الإستدلال ينبىء من خلفه أما جهل كامل أو جبن فاحش ذلك لآن بن القيم قسم الجهاد إلى مراتب ولم يقسمه إلى مراحل .. وإلا فعلينا أن نتوقف عن مجاهدة الشيطان حتى ننتهى من مرحلة جهاد النفس والحقيقة أن الثلاثة مراتب يسر سويا فى خط مستقيم ونحن لا ننكر أن أقوانا إيمانا وأكثرنا مجاهدة لنفسه أكثرنا ثباتا .. ولكن من يدرس السيرة يجد أنه عندما ينادى منادى الجهاد كان الجميع ينفر فى سبيل الله حتى مرتكبى الكبيرة وحديثى العهد بالإسلام ويوى أن رجلا أسلم أثناء القتال ونزل فى المعركة فقتل شهيدا فقال صلى الله عليه وسلم : " عمل قليل وأجر كثير )

وقصة ايو محجن الثقفى الذى كان يد من الخمر وبلاؤه فى حرب فارس مشهور وذكر ابن القيم أن حديث ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. قيل ما الجهاد الأكبر يا رسول الله .. قال جهاد النفس ) أنه حديث موضوع ( النار )

مراتب فريضة الجهاد

( من وثائق محمد عبد السلام فرج : الفريضة الغائبة )

( هذه صورة من إحدى النسخ الأصلية التى لم تحرق وعددها عشر فقط)

( خشية الفشل )

وهناك قول بأننا نخش أن نقيم الدولة ثم بعد يوم أو يومين يحدث رد فما مضاد يقضى على كل ما أنجزناه .

والرد على ذلك هو أن إقامة الدولة الإسلامية هو تنفيذ لأمر الله وليسنا مطالبون بالنتائج والذى يتشدق بهذا القول الذى لا فائدة من ورائه إلا تثبيت المسلمين عن تأدية واجبهم الشرعى عن إقامة شرع الله قد نسى أنه بمجرد سقوط الحاكم الكافر فكل شىء سوف يصبح بأيدى المسلمين مما يستحيل معه سقوط الدولة المسلمة ثم أن قوانين الإسلام ليست قاصرة ولا ضعيفة عن إخضاع كل مفسد فى الأرض خارج عن أمر الله .. وبالإضافة إلى ذلك فإن قوانين الله كلها لن تجد سوى كل ترحاب حتى ممن لا يعرف الإسلام ولتوضيح موقف المنافقين عدائهم للمسلمين الذين يخشون الفشل بقول المولى فى سورة الحشر ( ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإت قوتلتم لننصرنكم والله يشهد أنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون ) وهذا وعد الله فإنهم المنافقين إذا رأوا ان القول فى صف الإسلام سوف يعودون مذعنين فلا تنخدع لهذه الأصوات فإنها سرعان ما تخمد وتنطفىء وموقف المنافقين سوف يكون موقف كل أعداء الإسلام ويقول الله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) .

خشية الفشل بعد النجاح الإسلامى .