نحو تأطير مساجلات ومؤشر إعتدال الحركات الإسلامية: دراسة حالة الإخوان المسلمين وحزب الوسط في مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
نحو تأطيرمساجلات ومؤشر إعتدال الحركات الإسلامية: دراسة حالة الإخوان المسلمين وحزب الوسط في مصر

بقلم:أ/ شانا مارشال

ملخص

إن أكثر نظريات الحركة الاجتماعية حداثة وتطوراً في هذه الأثناء، بما تقدمه من كنز من أدوات البحث التجريبي والنظري الجديدة، تنطبق تماماً علي الفاعلية الإسلامية (التيار الإسلامي).

فالكتابات الحديثة التي تعالج موضوعات مثل "الإصلاح الإسلامي "،المسلمين التقدميين، وانبعاث الإسلام الليبرالي يفهم في إطار كونه تحول واسع في أدبيات وممارسات الجماعات الإسلامية ونظرية الحركة الاجتماعية التي تمدنا بالمفاهيم اللازمة لهذه الأحجية الجديدة.

فهذه الورقة تحاول الاستفادة من مفهوم عمليات التأطير المندرج تحت نظرية الحركة الاجتماعية بتقصينا لأحد مصادر الإعتدال داخل الحركات الإسلامي؛ وهو ما يسمى بالتأطير التنافسي بين الجماعات.

فبعد تقصي التنافسات المتأصلة في عمليات تأطير الجماعات ومحاولاتنا إيجاد هذه العمليات في سياق أطر إسلامية ديموقراطية أكثر شمولاً،فإننا سنعمد حينئذِِ لكشف النقاب عن الجدل الدائر بين الجماعتين الأكثر إعتدالاً وعمليات مساجلة الأطر البينية.

فعلي الرغم من تركيز كثير من الباحثين علي إعتدال الجماعات، إلا أن المعظم يركزون بشكل جدي علي الهياكل السياسية والنماذج الأخرى الفاعلة.

فعن طريق تفحص عمليات تأطير الإخوان المسلمين وحزب الوسط في مصر، حيث نتوقع أن نري أطر منافسة، فإننا سنبدأ في تقصي الرابطة المحتملة بين هذه الممارسات والتغيرات الواقعة في استراتيجيات وخطاب هاتين الجماعتين.

ولأن هاتين الجماعتين بينهما تفاعلات بينية واسعة، وعلي اعتبار اشتراك عدد كبير من الأعضاء مشاعاً بينهما، ووجود تبادل عام واسع، ولتنافس كلتاهما في الحصول علي دعم شعبي وإعتراف رسمي، فإن مغالبات التأطير غالباً ما تسود.

إن التأثير الهادئ لعمليات مساجلة الأطر البنية يعتبر من العلاقات المهمة لإكتشاف كليهما حيث أن تأثير ممارسات الدولة قد أثبتت صعوبة الإرتباط السببي لردة الفعل عند الإسلاميين؛ كما أن الحكومة المصرية علي نوع من التناقض والتقلب في علاقتها بالجماعات الإسلامية.

وعلي اعتبار مصادر التعقيد هذه، فإن ثمة دراسة متعمقة لمساجلات التأطير بين هاتين الجماعتين والتغيرات الملموسة في خططها وخطابها يمكن أن تساعد الباحثين علي تحديد عملية الإعتدال (أو التطرف) عند الحركات الإسلامية في كثير من البلدان في عصرنا الحاضر.

وهكذا، فإن هذه الورقة تقدم حركة التأطير بين الأحزاب علي أنها إحدى آليات إنتاج الإعتدال في الجماعات الإسلامية. فعبر هذه الآلية، نكتسب فاعلية مضافة فيما يتعلق بقضية الإعتدال عن طريق تحديد الآلية المحتملة.

مقدمة

إن كثير من باحثي الحركات الإسلامية قد سجلوا تحولاً آنياً من النشاط اللاسياسي المسلح الذي تمارسه بعض الجماعات إلي وجود طفرة في الجماعات ذات التوجه السياسي وحجز بعض الجماعات الكافرة باللعبة السياسية أماكن لها في الساحة السياسية.

فهذا التنوع لا يشق آفاق جديدة للبحث فقط، بل ويجرنا إلي تصورات جديدة في فهم المعني بـ"الفاعلية الإسلامية".

فما الذي يدعو هذه الجماعات المختلفة لإدعاء هذه التسمية الواحدة؟ والأكثر أهمية في نطاق بحثنا، كيف يقومون بتأطير نشاطاتهم وخطابهم، وتأطير ممارسات الجماعات الأخرى وخطابها للتفريق بينهم وبين من يدعي ذات المسمى؟ وما الذي يمكن أن يؤثر علي تلك الجهود التنميطية؟ وهل تساعد الأطر التي تستخدمها الجماعات في مساجلة الجماعات الأخرى علي تأسيس هوية خاصة بها؟ إن ثمة طريق واحد يوجههنا إلي أثر هذه التنوعات وهو تقصي كيفيات رسم هذه الجماعات المختلفة لفواصل بينها وبين الحركات الأخرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخطوط الإسلامية والديموقراطية.


التأطير في نظرية الحركة الاجتماعية

تركز نظرية الحركة الاجتماعية الجديدة، والتي تطورت استجابة لحركات الإحتجاج في الديموقراطيات الصناعية المتقدمة، علي صناعة الهوية والبواعث الإفتكارية وقد تم اعتبارها محفزاً رئيسياً في عملية إعادة الثقافة إلي مربد دراسات الحركات الاجتماعية.

وهذه الدعوة للثقافة قد تم استقبالها بحفاوة من قبل دارسي الفاعلية الإسلامية، بسبب اعتبار الأنظمة القمعية من أكبر التحديات التي تعوق عمليات تحليل هياكل الفرص والفاعلية العاقلة.

علي اعتباره أحد المكونات الرئيسية في التأويلات الإفتكارية للحركات الاجتماعية، يستخدم مصطلح التأطير لوصف عملية البناء المضاميني حيث تشكل الأطر "مخططات تفسيرية تعرض اللغة والأدوات المعرفية الأخرى لإيجاد مبررات لخبرات وأحداث تتم في العالم الخارجي"، يتم عرضها (أي الأطر) من قبل قادة الحركة.

وبالفعل، فإن هذه الأطر يبتغي منها أن تحفز للفعل، لا لتسهيل استيعاب الأحداث فقط. فعمليات التأطير تقولب (وتقوْلَب) عن طريق إمكانيات فهم أعضاء الحركة لمشاركاتهم من ناحية تشخيص الإشكاليات وتقديم الحلول والحث علي الفعل.

وعلي كل هذا، فإن عمليات التأطير تعامل هنا علي أنها قوى ذاتية تبادلية؛ فعبر تقديم أطر التمييز عن الجماعات الأخرى، فإن الجماعة التي تقدم الإطار تتحدث عن ذاتها بشكل غير مباشر.

يقدم الباحث "بين فورد" والباحث "دافيد سنو" الآتي كعناصر ديناميكية للتأطير:

  1. تفصيل الإطار
  2. تضخيم الإطار
  3. تجسير الإطار
  4. بسط الإطار
  5. تحويل الإطار
  6. التأطير المضاد عن طريق عرض الأطر المقابلة
  7. خلافات الأطر داخل الحركات
  8. الجدل الدائر بين الأطر والأحداث.

فهذه المفاهيم مفيدة في مقارنتنا للإخوان بنموذج حزب الوسط وذلك لإشتراكهم في المعركة الحامية للحصول علي دعم شعبي وترخيص حكومي إلي جانب إعتبار ضخامة التشابك الأيديولوجي الذي يوجب وجود تطور في الأطر المميِّزة.

فعمليات تفصيل الإطار ثم تضخيمه يراهما فورد وسنو علي أنها عمليات استطرادية، فالأولى معنية بتوحيد الأحداث والخبرات في حين تعني الأخيرة بالتأكيد علي القضايا والأحداث والمعتقدات المختارة؛ في ذات الوقت تصنف عمليات تجسير وبسط وتحويل الإطار علي أنها عمليات إستراتيجية.

فتجسير الإطار يربط بين إطارين غير متصلين عضوياً متناغمين قكرياً، في حين تعني عملية "البسط" بالموالين المحتملين للأفكار والقضايا الجديدة، و"التحويل" بتغيير الإدراكات والمعاني القديمة.

أما عمليات "التأطير المضاد" و"الخلافات بين الحركية" و"الجدل بين الأطر والأحداث" فهي عمليات متنازِعة. فكل هذه العمليات تفهم علي أنها عمليات تأطير تشخيصية وتنبؤية كذلك.

أما القسم الثاني فسيعالج بإختصار نظرية الحركة الاجتماعية في الفاعلية الإسلامية، مع التركيز بشكل إستثنائي علي معالجة قضية التأطير.

بعد ذلك، سنتحول إلي مناقشة عمليات التأطير الديناميكية والمتنازعة في دراسات الفعالية الإسلامية الموجودة علي الساحة.وفي النهاية سنفحص إحدى الحالات التي توضح عملية التأطير الديناميكية والمتنازعة.

نظرية الحركة الاجتماعية وتطبيقاتها في الفاعلية الإسلامية

إن الإشتراك بين دراسات الفاعلية الإسلامية ونظرية الحركة الاجتماعية قد أثبت إيناعه عند باحثي المجالين.

فمنذ الاستقصاءات المبكرة لتعبئة الثورة الإيرانية، قام الباحثون بدراسة كل بلدان المنطقة تقريباً من نواحي تعبئة الموارد والنموذج السياسي وإطار الفرصة السياسية ومن منظورات التأطير.

فالتفسيرات التي تتجه نحو تأويل التعبئة عبر أطر الفرص السياسية والنماذج السياسية قد نجحت في تفسير مرحلة التجهيز الأولية للفاعلية الإسلامية، لكنها أثبتت أنها أقل شدة عند تفسير مشاركات الأفراد المدعومة في مواجهة طغيان الدولة.

فكثير من الباحثين يقدمون تأطيراً ورسالة رجعية لتفسير هذه المشاركة المستمرة، مشيرين في ذلك إلي قدرة النداءات الدينية في التحفيز للفعل.

كثير من أدبيات الحركة الإسلامية التي تركز علي مناحي التأطير معنية أساساً بتعبئة أثر الأطر الدينية ومدي تفاعل الجماعات الاقتصادية الاجتماعية الأخرى لها.

فإحدى أجزاء هذا الدور هو إعادة الثقافة إلي حرم الدراسات الشرق أوسطية كردة فعل لهيمنة التفسيرات الهيكلية في الأدبيات.

وكثير من هذه الهيمنة يعتبر ردة فعل للإستشراق وخصوصية الشرق الأوسط التي تعتمد علي التفسيرات الباثولوجية العاطفية اللاعقلانية لظاهرة النشاط الإسلامي المسلح،الذي ينظّر له غالباً علي أنه ردة فعل لفشل مشروعات العصرنة.

في حين تقوم الأطر الإسلامية بتعبئة الكثير في الشرق الأوسط من أجل المواجهة العنيفة للدولة والمجتمع من أجل إحداث تغيير،استشعر بعض الباحثين تغيراً تعددياً بارزاً في خطاب وممارسات كثير من الحركات. وقد سلط أنطوني شديد في كتابه (ميراث النبي) المزيد من الضوء علي هذا التطور:

"فمما يبدو أنه مستقبل الفاعلية الإسلامي، فإن الحركات الإسلامية ترغب في إبداء الستامح وتبني التعددية وإحداث مقاربة في خططها ومُثلها؛ تلك الظاهرة التي بدأت من المشاركة المتفتحة في الانتخابات ووصولاً إلي نموذج الفاعلية الذي يقدمه حزب الوسط.

فهذا التحول يبتعد كثيراً عن سنوات الدم الذي باءت به الفاعلية الإسلامية في الماضي. ومع ذلك، فإن هذا التوجه قد ظل إلي مدي بعيد غير ملحوظ."

إن أرجحية خلافات التأطير تبدو مرتفعة، حيث أن إنتشار المعايير الديموقراطية توسع من تصانيف الأطر المتاحة، كما أن تواجد الجماعات الموجهه التي تتبنى مبادئ تعددية جديدة قد يصبح أكثر إنتشاراً.

وحتى الآن، تعتبر معظم أبحاث الحركات الاجتماعية التي تركز علي إختلافات التأطير ودينامكيات ومساجلات الأطر نظرية التوجه حيث أنها لا تقارن بين حالات بعينها.

فبدلاً من فهم هذه التغيرات علي أنها تطورات أو إصلاح أو نضج في الفكر الإسلامي، فإنه سيكون من المفيد تطوير دور مساجلات الأطر من أجل خط الطريقين المتباعدين بين الجماعات الإسلامية المحافظة والأخرى المعتدلة.

فعملية الإعتدال عبر الأطر المتنافسة يمكن أن تقارن بمفهوم "التأقلم الديموقراطي" عند دانكوارت راستو أو مفهوم التعلم الديموقراطي بشكل عام.

فتطبيقاً علي فئة الناشطين الإسلاميين، يدخل الإسلاميين المحافظين معركة إفتكارية مع نظرائهم المعتدلين (أو مع النظام ذاته) من حيث الرغبة في الإستفادة من الأطر الديموقراطية لدعم حرية الإسلاميين المحافظين في المشاركة التي تتشكل ببطئ نحو المبدأ العام لحرية المشاركة.

لقد تحدث كثير من باحثي الفاعلية الإسلامية عن أسباب الإعتدال، ملوحين بالحسابات الإستراتيجية، وحالات الإنفتاح السياسي، والقمع المتزايد، والتعلم السياسي،إلي جانب بعض محفزات الإعتدال الأخرى.فهذه الورقة تركز بشكل استثنائي علي الإسهام الذي تعرضه عمليات التأطير البيني لهذا التفسير.

لماذا نقارن بين الإخوان المسلمين وحزب الوسط؟

روابط132011.jpg

في هذه الورقة، تعتبر مساجلة الأطر إحدى الآليات النظرية للتغيير من أجل تحديد إحدي العمليات في قيادة الجماعات الإسلامية نحو تعديل مسار أفكارها وخططها.

من أجل توضيح هذا، سأعمد إلي دراسة مساجلات الأطر بين جماعة الإخوان المسلمين المصرية وحزب الوسط، وهي إحدي الجماعة المكونة من أعضاء سابقين في الإخوان المسلمين.

إحدى إجراءات التشابه الأيديولوجي الواضحة بين الإخوان وحزب الوسط، علي اعتبار الترابط الدقيق بينهما في العضوية والأتباع، يعني أن المنافسة بينهما ستكون شرسة جداً.

وهذه الحالة مفيدة لتوضيح إفتراضنا الحالي بسبب الفصل العالي المستوى بين الجماعتين والذي نتج عن تكون الوسط، والإنقسامات بين الجماعتين في كثير من الملفات من بينها الشريعة، والمشاركة السياسية وعملية صنع القرار الداخلي، كذلك بسبب رغبة أعضاء كلا الجماعتين في مناقشة الأسباب الداعية إلي هذا الإنقسام.

إن الكمية المتاحة من مناظرات أعضاء كلا الجانبين ستسهل من تقصينا لإمكانية تأثير الأطر التي تقدمها الحركتين علي رؤية أفراد الجماعتين لهيكلهم وإمكانية أن تكون تلك نبوءات محققة للهوية.

بالإضافة إلي ذلك، فإن كثير من مساجلات الجماعتين تجري في العلن، وهذا يعني أن تبادل الكلمات يرجي منه أن يكون أهمية مضافة كأداة حشد ووسيلة لكسب دعم الشعب المصري.

ومن المحتمل أن يحاول كلا الفريقان التدليل علي أن كامل قدرتهم تقف عند منتهي رؤاهم. إن حدة هذه المنافسة تدعونا إلي سؤال مفيد وهو: "إلي أي مد يمكن أن يؤثر هذا علي شخصية الجماعات؟"

إن بروز جماعات جديدة من صفوف الإخوان ليس شيئاً جديداً.فحماس والجماعة الإسلامية والجهاد وبعض الجماعات الأخرى قد كونت من أعضاء سابقين بالإخوان.

فالتقديرات الأكاديمية تشير إلي أن الممارسات القمعية للنظام في أحداث 1995 قد دفعت كثير من أشبال الإخوان إلي الإعتدال وإبداء إيمانهم بسياسة الإحتواء (للمسيحيين والمرأة) والديموقراطية وحقوق الإنسان وهو ما يفصل حزب الوسط عن أعضاء الإخوان المعتدلون بطبيعتهم.

فرغبة أعضاء الوسط في تطوير البرنامج السياسي المعلن والرسمي للحزب والتقدم بطلب إعتراف رسمي هو إعلاء لهذه الأجندة الإحتوائية والتشاركية أصلاً.

إن الإختلافات والمناظرات بين الإخوان والوسط لم تأخذ حيزاً في الفضاء السياسي. فلابد من الأخذ في الحسبان أن كلا الجماعتين تعملان داخل إطار يتم تعديل وضعيته بشكل مستمر من قبل النظام والجماعات المسلحة واللاعنفية.

إن العنف الذي باءت به كثير من الجماعات في عقد التسعينات قد خلق مناخاً وضعت فيه الجماعات غير العنفية بين رحى النظام والشعب المصري.

وفي ذات الوقت، فإن خنق الحريات الذي يمارسه النظام الحالي يتطلب أيضاً دوراً أقل تكيفاً في حال لم تتورط الجماعات في علاقة مع النظام الفاسد.

لذا، فإنه في هذا الظرف الحاد والمربك يتحتم علي الجماعات الكشف عن أهدافها وتمييز ذاتها بعيداً عن الجماعات الأخرى.

نشأة حزب الوسط

نشأ حزب الوسط في عام 1996 علي أكتاف مجموعة من الإسلاميين الشبان والأكثر إعتدالاً في صفوف الإخوان في ذلك الوقت والذين تركوا الجماعة لإقامة تنظيمهم الإسلامي الخاص بهم.

وبسبب حظر الدولة المصرية لجماعة الإخوان، فإن الحكومة قدمت 53 من الأعضاء المحتملين للمحاكمة بتهمة محاولة إحياء الجماعة.

وقد تمت تبرئة قيادات الوسط الرفيعة في حين حكم علي الكثيرين بالحبس، وبقي الوسط غير معترف به كحزب وظل يدير أعماله تحت رقابة الحكومة كمنظمة أهلية.

بالطبع، تسعى جماعة الإخوان المسلمين والوسط، ككل الجماعات الإسلامية الأخرى، لتطبيق الشريعة الإسلامية.

لكن الوسط يتبنى إعادة تفسير التطبيق التاريخي للشريعة لإدراج مبادئ الحاكمية الشعبوية، والتعددية، والحقوق المتساوية للمرأة والأقليات.

قبل نشأة حزب الوسط بفترة، كان الباحثون يثنون علي إيمان الإخوان المتزايد بالتعددية وخطاب قادتها المفعم بالمبادئ الديموقراطية.

فقبل 15 عاماً من نشأة حزب الوسط، علق أحد الباحثين قائلاً: "إن قيادة الإخوان تمثل كافة أجيال الإخوان شيوخاً وشباباً، يمتلئ خطابهم بالحرية أو الديموقراطية."

يزخر تاريخ الإخوان بتأرجح طويل ومعقد بين عسكرية سيد قطب وشرعية المعارضة السلمية إبان حكم السادات حيث تحالفوا مع الأحزاب الديموقراطية وأبدوا قبولاً بالديموقراطية والتعددية.

وبالفعل، فإن معظم أعضاء الإخوان الذين تم محاورتهم من قبل باحثين في السنوات التي أدت إلي هذا الإنقسام كانوا نفس الأشخاص الذين كونوا حزب الوسط بعد ذلك.

لذا، فإنه من الصعوبة بمكان في كثير من القضايا خط الفروق بين الحرس القديم والعناصر الجديدة الأكثر ليبرالية حيث أن كلام المتحررين يستشهد به غالباً لإنشغالهم بتطوير نظرتهم للتوجه الإخواني الجديد.

إن إستراتيجية الموائمة كانت هي السائدة في سنوات ما قبل الإنقسام. وعلي الرغم من الإنتهاكات المتكررة للأحكام الإنتخابية من قبل الحكومة التي رتبت لمنع أو إبطال مكاسب الإخوان الإنتخابية، فإن الإخوان علي ذلك قرروا الدخول في إعتصامات ومقاطعات سلمية.

وقد تلقى الإخوان إنتقادات من قبل الجماعات الإسلامية الأكثر محافظة علي هذا وعلي بعض الإستراتيجيات الموائمية الأخرى.

إن النجاح الشعبي للبرنامج المعتدل للإخوان المسلمين يثير سؤالاً عن سبب إنفطال هؤلاء الأعضاء عن كيان الجماعة الأكثر إعتدالاً.

فبعد تفحص خطاب الإخوان والوسط حيال قضايا التعددية، فإن المشاركة السياسية والمفاهيم الليبرالية مثل حقوق المرأة والأقليات ستكشف لك الطريق نحو الإعتدال الذي تسبب فيه نشأة ومنافسة حزب الوسط.

أنطقة التساجل: إدراكات الحقيقة والمشاركة

يركز خطاب قادة الإخوان والوسط في معظمه علي إدراكاتهم للحقيقة كما يعتمد علي مفهوم الإجتهاد. فبعض الإسلاميين يرون أن باب الإجتهاد لا يزال مفتوحا؛ مما يمكن المسلمين من موائمة مبادئ الإسلام مع الظروف الآنية.

في حين يرى آخرون أن نصوص الإسلام الأصيلة تعتبر دليلاً شاملاً لكل نواحي الحياة مما يكسبها صفة الأبدية ويلغي عنها أي موائمة حديثة.

قال أبو العلا ماضي، الزعيم الطلابي الذي ساعد الإخوان في غزواتهم البرلمانية والنقابية وفي نوادي الجامعات ثم ترك الإخوان بعد ذلك لتأسيس حزب الوسط، في سنواته الأخيرة مع الإخوان أنه كان يقول "نحن لا نحتكر الحقيقة"، "هذا فهم بشري للإسلام."

وبشكل مشابه، قال صديقه في الوسط عصام سلطان:

"لا يوجد شخص في حزب الوسط يستطيع أن يجزم أن برنامج حزب الوسط هو الإسلام. لكني أستطيع أن أقول أن برنامج الوسط يمثل فهمي للإسلام. فمن المحتمل والمنظور أن تتوافق أو تختلف معي عليه."

علي العكس، ادعى الراحل مصطفي مشهور، مرشد الإخوان المسلمين الأسبق، أن الإخوان فهموا إرادة الله الحقة؛ لذا فإن استناداتها وتأويلاتها غير خاضعة للنقاش. لذا، فإن إمكانية نسج الأفكار والسماح لتأويلات بديلة أمر غير مطروح.

من هنا نكتشف أن تفصيل الإطار لهذين الإدراكين لمفهوم الحقيقة يجلي آراء الوسط الأكثر موائمة وتكيفاً.

فتعبير كلا الجماعتين عن فهمهم للشريعة يمكن تصنف تحت خلافاتهم حيال وجود حقائق متعددة ومتوازية وهذا هو أصل إختلافهم.

فالشريعة الإسلامية قد تم تدوينها في النصوص القديمة في حين تنادي الحركات الإسلامية بتطبيقها في المجتمعات الإسلامية اليوم.

فعلي الرغم من وجود موائمات بين الشريعة والمبادئ الديموقراطية الليبرالية في بعض الأفهام،فإن التطبيق التاريخي للشريعة وجسم القانون الذي أنتجته علي تناقضات جوهرية مع كثير من المبادئ الديموقراطية بما فيها الحقوق المساوية للمرأة والأقليات.

إن الإخوان المسلمين لا يتحدثون عن فساد إعادة تأويل الشريعة فحسب بل ويتحدثون أيضاً عن قدسيتها. ولهذا، فإن كل الإصلاحات السياسية لابد وأن تتمسك بمبادئ الشريعة.

تنص إحدى الوثائق الرسمية للإخوان المسلمين أن تطبيق مبادئ مثل حقوق المرأة لابد وألا يقودنا إلى نقض الأسس الأخلاقية التي وضعتها الشريعة وحثتنا علي التمسك بها.

وعلي نحو مشابة في إحدى المقابلات مع مرشد الإخوان السابق الهضيبي، أكد علي أنه بالرغم من كون الأمة مصدر السلطات، فإن الشريعة هي الأسمى:

"إن الأمة الإسلامية عليها الإذعان لله وحده وتقديس قوانين القرآن الكريم والسنة المشرفة، كما أؤمن بأن الإنسان ليس لديه الحق في الحكم إلا بما أنزل الله في شرعه.

وعلي هذا، فإنه لا يجوز تسمية أي شخص ليفعل ما يرى إذا كان يريد أن يحكم وفقاً للشريعة وكان مستعداً لتعويد الأمة علي متطلبات مبادئ الدين."

علي النقيض من هذا، يصر أعضاء حزب الوسط، كمعظم الجماعات الإسلامية التقدمية، علي التفريق الجذري بين المبادئ والقانون: فعلي الرغم من أن القرآن قد أرسى المبادئ، فإن القوانين يضعها الناس.

فمع إصرارهم هذا علي الإنقسام بين المبادئ والقوانين، يسلط الوسط المزيد من الضوء علي إدراك الإخوان الضيق للحقيقة.

وبالإضافة إلي هذه النقاشات عن المبادئ الإسلامية، فإن المبادئ الديموقراطية كانت كذلك من إحدى بؤر التساجل بين الإخوان المسلمين وحزب الوسط.فقد ركزت كثير من كتابات الوسط علي إمكانية التجسير بين الديموقراطية والشريعة الإسلامية.

وعلي عكس ما يرى الإخوان، يؤطر حزب الوسط مهمة الإسلاميين المعاصرين في المقاربة بين الديموقراطية والشريعة التي تنقسم إلي قسمين:

قسم كان نتاج تفكير مظلم و"متخلف" و"رجعي" وقسم آخر يمثل"المبادئ الإسلامية الباقية" التي يمكن أن تندمج مع المبادئ الديموقراطية كحاكمية الجمهور والتعددية.فأعضاء الوسط مهتمين جداً بالتفريق بين كيانهم والإخوان المسلمين في هذه القضايا.

يقول عضو حزب الوسط عصام سلطان:

"إن الحقيقة أن الإختلاف البيّن بين حزب الوسط والإخوان هو الإيمان بهذه القضايا – الإيمان بالتعددية والديموقراطية والحرية وحرية الرأي والفكر والإبداع والعلاقة مع الإتجاهات الأخرى."

وعلي كل هذا، فإن سلطان حريص علي عدم استخدام الإصطلاح الغربي. فعلي الرغم من استشهاد أعضاء حزب الوسط بالديموقراطية، فإن برنامج الحزب لا يفعل هذا.

وبدلاً من كلمة "ليبرالي"، يصف أعضاء حزب الوسط أنفسهم علي أنهم "معتدلون" "وسطيون" و"متفتحون" ، وهو ما يعتبر علي أنه إستراتيجية تأطير تحصنهم من تأطير الإخوان لهم علي أنهم "ليبراليون" و"موالون للغرب."

لقد تفاعل الإخوان بشكل مباشر مع نشاطات وسياسات الوسط. فسماح الوسط لأحد المسيحيين الأقباط للإنضمام لصف قيادات الحزب قد أتبعه في ذات العام بيان من الإخوان يفيد بأن المسيحيين في مصر "لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات التي علي المسلمين إلي جانب الحقوق المدنية والسياسية الأخرى." إن هذا البيان يبدو إستثنائياً بالنسبة للجماعات الإسلامية.

كذلك، فإن مبدأ المشاركة في العملية السياسية تعتبر أحد مصادر التنافس بين الجماعات الإسلامية بشكل عام، بدون استثناء الإخوان والوسط.

فنجد أن هناك إنقساماً بين الجماعات التي تركز علي المشاركة السياسية وإعادة بناء مؤسسات الدولة وتلك التي تتجنب التصعيد مع النظام مما يجعلها تركز علي إحداث تغيير علي المستوى الاجتماعي.

فكثير من الأطر التي ينتجها الإخوان المسلمون وأعضاء الوسط تشير إلي هذا الإختلاف، فالإخوان ينتقدون الوسط علي التعاطي مع النظام الفاسد،في حين ينتقد الوسط الإخوان علي إخلاء الساحة التي يمكن إحداث تغير جاد من خلالها.

ففي حين يرى حزب الوسط المشاركة السياسية في شكل تفويض، يؤطر الإخوان المسلمون حملاتهم الإنتخابية في حيز تربوي تبشيري، مدعين أن هذه الانتخابات لا تمكّن الجماعة فقط من نشر كلمة الإله الحق وإخبار الجماهير عن شمولية الإسلام الذي هو منهج حياة،بل تمنحهم السلطة للقيام بدور المراقب الذي يفضح فساد النظام وشطحاته بعيداً عن حظيرة الإسلام.

وعلي الرغم من كون هذه النقاط نتائج مهمة للولوج إلي العملية السياسية، إلا أنها تبقي شيئاً آخر غير العملية ذاتها أو ميزة للوضع الديموقراطي المبرم.

إلا أنه في الغالب ما تعيب الجماعات التي تكفر بالعملية السياسية علي الجماعات الأخرى المشاركة التي يظنها غير المشاركون تلبيةً وتأميناً علي فساد النظام الحاكم.

إن تأطير التفاعل الإستراتيجي بين النظام وشرعية استثمار الفرص السياسية غاية في التأثير. فالهضيبي يقول أنه ردد مراراً أن الإخوان يدخلون الانتخابات تحت شعار "الإسلام هو الحل"، فلا يستقيم أن يقال أن الإخوان يشاركون في النظام الحالي في حين أنهم يحاولون تغييره بشكل مرغوب فيه – عن طريق إحلال المؤسسات بمؤسسات أخرى.

وقد إنتقد حزب الوسط الإخوان علي هذا الخطاب وأطر أسلوبهم في المشاركة، واصفين الإخوان بـ"معاداة النظم" والتحفيز نحو "ثقافة المواجهة" مع النظام الحاكم وأنهم يتبنون سياسة إحباطية غير بنائية.في يؤطر أعضاء الوسط مشاركتهم علي أنها محاولات "للمشاركة في بناء مجتمع مدني ديموقراطي."

وتركيزهم الأساسي في هذا المنحي يركز علي التعاطي مع الدولة، لا مواجهتها. كما أطر ماضي إعتدال الوسط علي أنه "إختيار" لا تطور، مؤكداً علي وجود لحظة معينة للإنطلاقة؛ في حين أكد علي أن حزب الوسط "قوة معارضة" لا "حركة مقاومة" علي اعتبار الكيان القانوني للحزب الذي يتناقض مع أسلوب الإخوان السري الطليعي في العمل.

إن اختيار حزب الوسط في المشاركة يعكس أيضاً آراء أعضاؤه في الممارسات الديموقراطية داخل الجماعة الإسلامية ذاتها.

وهذا ينقلنا إلي قضية أخرى وهي التعارض الحاد بين الإخوان والوسط الذي يمكن استيعابه في إطار إستراتيجي فكري.

فعن طريق تسليط المزيد من الضوء علي الهيكل الداخلي للإخوان عالي الصرامة، يستطيع أعضاء الوسط تثبيط همم الأتباع الجد الذين يدخلون المنتدي المفتوح لعرض الأفكار داخل الوسط.

يؤكد أحد أعضاء الوسط قائلاً:

"لقد علمنا الإخوان أن الحكومة فاسدة ولابد من فضحها، لكننا وجدنا عن طريق التجربة أن مجموعة صغيرة داخل الإخوان تحتكر صناعة قرار الجماعة...وهو مما جعلنا غير مرتاحين مع الإخوان."

التأكيد علي الإختلافات

غالباً ما ينعت كل من الإخوان والوسط الآخر علي أنه فاشل في كثير من القضايا. ففي مقابلاته التي أجراها مع أعضاء كثيرين من حزب الوسط، يبين أنطوني شديد أن أعضاء الوسط غالباً ما يؤطرون ممارساتهم مقارنة بما يفعله الإخوان لخلق فارق حاد:

"يقول الأعضاء أنهم يفضلون العمل داخل منظومة ديموقراطية بدلاً من أن يحلموا بثورة، وأنهم يعترفون بالنظام بدلا من محاربته، كما يسعون للتحالف مع الأحزاب الأخرى، حتى العلماني منها، بدلاً من التحرك الفردي.

كما يصفون تنظيم الإخوان الطليعي السري علي أنه عتيق الطراز؛ فصفات النظام الحديدي والوحدة اللازمتين له ربما تكون أكثر نفعاً لجيل آخر علي حد قول أحد الأعضاء."

ولإظهار إزدراء أعضاء الوسط من طرق الإخوان، يحكي شديد أنه عندما طلب من أحد أعضاء الوسط مكالمة تليفونية من هاتفه الخاص، أجاب بشكل إعتبره شديد أنه إشارة مباشرة للإخوان المسلمين قائلاً:

"ليس عندنا أسرار هنا. كل شيء يتم فوق الأرض." وقد عبر عبد الكريم، أحد أعضاء الوسط، عن إزدراء مماثل للعمليات السرية، يقول:

"حتى الأعضاء الذين لا يتعاطفون مع الفكرة الإسلامية ساندونا. فنحن لا نصنف أنفسنا علي أننا إخوان مسلمون. نحن نعقد إجتماعاتنا في العلن في مقار النقابات، علي عكس الإخوان الذين تعودوا علي إدارة أعمالهم تحت الأرض."

إن مسألة تكوين الحزب تعد إحدى ميادين التنافس بين الإخوان المسلمين وحزب الوسط، حيث يؤطرونها بطرق شديدة الإختلاف والتمايز. علي أن كلا الجماعتين تسلم بحاجتها للمشاركة.

ففي حين تدور فاعلية الوسط حول تكوين الحزب والإنهماك مع النظام، يؤكد الإخوان علي مقتربهم الاجتماعي ومشاركتهم بدون اللجوء إلي مظلة حزبية قانونية.

في مقالها المنشور في عام 2002، رجحت جوشوا ستاتشر أن يكون إنفتاح أعضاء الإخوان الشباب (الذين كونوا فيما بعد حزب الوسط) بعلاقات واسعة مع المنظمات في العالم الخارجي قد مهدت لمواجهة حتمية بينهم وبين الحرس القديم.

ففي الوقت الذي جنى فيه أعضاء الإخوان فوائد برامجهم الإنفتاحية، فإنهم كذلك أدركوا أن تأسيس حزب سياسي سيكون له فوائد مضافة.

إن قرار تكوين حزب قد تم تأطيره من قبل بعض أعضاء الوسط علي أنه خطوة مهمة لتجنب بطش الدولة التي دمرت الجماعة عن طريق محو أسماء أكثر أعضاءها شهرة.

إن عقلية "الإضطهاد" التي ينسبها كثير من أعضاء الوسط للإخوان المسلمين هي من جراء هذه الحملات الأمنية ضدهم، كما أنه لا يزال الكثيرون من الإخوان ينظرون بهذه المنظورات لعلاقة النظام بالجماعة.

وهكذا، أصبحت مسألة تكوين حزب من القضايا المحورية في التمييز بين الجماعتين ومساجلات أطرهم. وقد شخص أحد أعضاء الإخوان هذا الإنقسام بين الإخوان والوسط علي أنه من جراء مسألة تكوين الحزب:

"في البداية، يعتمد هذا علي من له الحق في الموافقة علي تكوين حزب سياسي وتقديمه إلي لجنة الأحزاب. فمن له الحق إذن في إدراج الـ 50 أو 60 شخص لتكوين الحزب؟ إنه شيء صعب.أما النقطة الثانية فهي العلاقة مع الحكومة.

فلو اعتبرنا خطوتهم علي أنها فضح للحكومة أو فكرت الحكومة في القيام بإجراء قاسي ضد الإخوان في حال محاولتهم تكوين حزب. فكيف نستطيع قياس ردة فعل الحكومة حينئذ. هاتين هما النقطتين التي تحكمان هذا الإنقسام."

وقد ألمح أحد أعضاء الإخوان لتكوين حزب في المستقبل، إلا أنه قال بأن تكوين الحزب هو مجرد أداة استغلها أعضاء الوسط لكسب مساحة صنع قرار أكبر لأنفسهم:

"إن عملية صنع القرار لها طابع مؤسسي في الإخوان. فلابد أن تأخذ وقها في التشاور، فقد استُحث بعض من أصدقائنا القدامي لتحاشي هذا الإجراء وتكوين حزب مبكراً."

لقد عارض الهضيبي تكوين حزب الوسط وكرر لـ"شديد" أن الإخوان لا علاقة لهم بحزب الوسط.فإذا أراد الحصول علي معلومات عن حزب الوسط، عليه إذن الذهاب لأعضاؤه لا أن يلجأ للإخوان،وفي مقابلات أخرى فرّق بين الإخوان والوسط وقال أن "ماضي" ليس له أتباع.

وعلي الرغم من هذه اللاعلاقية بين الإخوان والوسط، إلا أن الإخوان يرون أن تكوين حزب الوسط قد يهددهم في بعض الأوقات وفي أوقات أخرى لا يعدو كونه "ديكوراً"

فعلي صفحات الجرائد العربية،تبادل أعضاء الجماعتين الإتهامات. فالإخوان يأطرون أعضاء الوسط علي أنهم محدثي نعمة يتعطشون للشهرة،في حين يصر أعضاء الوسط علي أن الإخوان المسلمين تنظيم ينقصه الوعي بالوقائع السياسية الحالية.فأحد المحللين يشير إلي استخدام الإخوان للمفاهيم العتيقة قائلاً:

"إن جماعة الإخوان لا زالوا يستعملون مفاهيم مثل "دار الإسلام" و"دار الحرب." فهي البساطة التي تحمل إزدواجية "نحن/هم" بين العالم الإسلامي والعالم الغربي. إن هذه طريقة فهم محافظة وساذجة جداً عن العالم."

إن الإطار الغربي المتحضر في مواجهة إطار الحرس القديم البالي يعتبر من أهم مميزات كلا الجماعتين.

إن كلا الجماعتين لهما من التوجهات الإستراتيجية وقيم الحركة المختلفة مما يعكس غالباً الفترات التي نضج فيها الفكر السياسي لأفرادهما.

فإذا ما أطرّنا الإخوان علي أنها جماعة مرتبطة بالماضي حيث تورطت في صراع مسلح مع الحكومة المصرية، نرى حزب الوسط يثبت ليس فقط فرصه الأفضل للنجاح لكن أيضاً قدرته علي كسب لباب المسلمين المعتدلين المهتمين بالمشاركة السياسية.

وعلي العكس، نجد أن تاريخ مواجهات الإخوان مع النظام قد رسخ في عقلية الإخوان مفهوم التضحية وأن السجن طريق السلطة كما أنه وقت "للتدريب والتثاقف" الذي سيجدي علي المدى البعيد.

إن جو الإضطهاد الذي يستعذبه أعضاء الإخوان ويفخرون به يراه أعضاء الوسط إنهزامية. كما أن مبدأ "السمع والطاعة" الذي يفخر به الإخوان في صراعهم مع نظام قمعي ينظر إليه أعضاء الوسط بإزدراء.

يقول عصام سلطان: "إن رأي القيادة هو رأي الصف. إسمع وأطع بلا نقاش. عليك بالسمع والطاعة. إسمع وأطع." ففي الوقت الذي يؤطر فيه الإخوان هذا السلوك علي أنه وحدة ونظام، يراه حزب الوسط علي أنه تكتم وريبة وهيكل هرمي متكلس.

إن أهمية البقاء قد أسهم في نفور الإخوان من القيام بتغيير. فالحملات الأمنية الغير مرتقبة والتعسفية من قبل النظام ضد الجماعة قد أثرت بشكل كبير في قيادة الجماعة، كما أنه من المفهوم أن الإخوان يتحاشون أي نوع من التغير الجذري الذي يمكن أن يلفت إنتباه الحكومة.

وعلي الرغم من ذلك، فإن الحكومة تركز كثيراً في حملاتها علي أكثر أعضاء الإخوان إعتدالاً، حيث أن اللاحق يريد تجنب خروج شهداء التطرف من داخل الجماعة.

إن الإرتباك الناتج عن تلك التكتيكات وعدم قدرة الإخوان علي تطوير إجراء معياري في تعاملها مع الغارات الحكومية عليها سيخلق وبلا ريب صراعاً أكبر داخل الجماعة، خصوصاً في منظور العلاقة بين الجماعة والنظام.

إن كلتا الجماعتين قد حاولتا التقرب للنظام بتحرر سياسي أكبر، لكن خطاب الوسط كان أكثر إعتماداً علي المبادئ الليبرالية الديموقراطية في حين أعطى الإخوان إشارات غامضة بالتعددية والإنفتاح.

يذكر أن أول إستنكار مبني علي قواعد ديموقراطية خرج به الإخوان عقب إلغاء نتائج الانتخابات التي شارك فيها الإخوان وحققوا فيها مكاسب إنتخابية كبيرة.

فقبيل هذا الحدث، كان حديث الجماعة عن الديموقراطية محدوداً بإلتقاءها مع الإسلام. فهذا التغير يعكس النقاش الدائر حول حقوق الإنسان داخل كثير من الجماعات الإسلامية، حيث يدور النقاش حول حقوق الإنسان فيها علي الإعتصام المتأصل علي مبادئ ضد تعذيب الإسلاميين.

فهذا التصريح من الدكتور محمد عمارة – أحد أعضاء الإخوان – يوضح هذا الخطاب الديموقراطي الغامض:

"لو فتح مبارك الباب والنافذة للإستماع لآراء مفكري وقادة الحركات الإسلامية بخصوص الصراعات وآرائهم حول النهضة الإسلامية، لتغيرت نظرته عن الحركة الإسلامية...

وهذا يدعونا إلي طرح سؤال علي الرئيس مبارك الذي نعتبره ممن حولوا العلاقة بين الدولة والإسلام من صدام مع الحركة الإسلامية إلي هدنة، فإنا نشدّ علي يديه من أجل تحويل العلاقة إلي سلام...

فإنه لو فتح الباب أمام مفكري وقادة الحركة الإسلامية، لوجد لوناً جديداً من الرجال الذين يعطون بلا حساب."

لقد حاول بعض أعضاء الإخوان التقليل من وضعية الإختلافات الجوهرية بين الإخوان والوسط، وأكدوا علي أن هذا مجرد إحباط لأفراد ساءتهم محدودية صنع القرار داخل الجماعة، لا ما يقال عن وجود إنقسام أيديولوجي.

وقد قام أعضاء الوسط بالتأكيد علي وجود إختلافات، خصوصاً بعدما عرضوا رؤيتهم المكتوبة التي تتبنى مبادئ ديموقراطية مثل التسامح والتسوية والإنتخابات والتداولات السلمية للسلطة وغير ذلك من المفاهيم التي ألمح إليها الإخوان.

خاتمة

إن المراقب للصراع الدائر رحاه بين الإخوان والوسط لابد أن يلاحظ أن توجه حزب الوسط قد أصبح أكثر توسطاً وبراجماتية عبر الوقت.

فالتقديرات الإعلامية (بما فيها تصريحات رفيق حبيب، العضو المسيحي بحزب الوسط) تشير إلي أن برنامج الحزب قد أصبح أقل إهتماماً بالتوجه الإسلامي فيما أصبح أكثر إعتناءاً ببناء جبهة معارضة سياسية قوية تركز علي الحريات المدنية والسياسية لعموم الشعب المصري. ً

وهذا يعني أنه عبر صراع التمييز والتعريف هذا، لم يرسخ أعضاء الوسط إلتزامهم بالمشاركة السياسية والإسلام المعتدل فقط، بل عمدوا إلي تعميق وتوسيع هذا التعهد.

أما بالنسبة للإخوان، فإنهم ربما يقومون بإعادة تقييم للتنظيم الحالي وإستراتيجياته بعد أن أدت إلي عدم رضا بعض من أعضاء الجماعة الواعدين وإنفصالهم.

بعد وفاة المستشار الهضيبي المرشد السابق للإخوان، قال غير واحد من المحللين إلي جانب بعض التقارير الإعلامية أن جماعة الإخوان تسير نحو مسار جديد تحت قيادة شابة وأكثر جاذبية مثل هؤلاء الذين تركوا الإخوان ليشكلوا حزب الوسط.

وعلي الرغم من أن تحديد العلاقة التجريبية بين تكوين الوسط وهذا الإتجاه الجديد ليس هدف هذه الورقة، إلا أنه يبقي من المدرَك أنه بدون تحدي الوسط الذي أجبر الإخوان علي إعلان برنامجهم علي اعتبار الملابسات الجديدة والمتغيرة، فإن هذا التغير لم يكن ليحدث في المستقبل المنظور.

إن خطوة الإخوان الحالية للإحتواء تعتبر إحدى علامات هذا التغير. يقول نبيل عبد الفتاح – محلل سياسي: "إن الإخوان المسلمين حتى الآن يرفضون الإعتراف بمواطنة المسيحيين في مجتمعهم.

ففي الوقت الذي قاموا فه بخطوات حيال المسيحيين والمرأة، لم يقوموا بتقديم إعلان سياسي واضح حيال هذه القضايا."

كما تتحدث التقارير الإعلامية عن توجه قيادة الإخوان المتزايد في الإعلان عن سياسات إحتوائية للمرأة والمسيحيين.

فلا زلنا حتى الآن نرى إختلافاً بين الإخوان والوسط حيال إستخدامهم للبيانات السياسية الرسمية. ففي الوقت الذي يلجأ فيه الإخوان لإحداث تغير متنامي عبر قنوات غير رسمية، فإن حزب الوسط يضمن هذا في بيانات مكتوبة.

إن محاولات الوسط لتمييز أنفسهم تبدو إستراتيجية التوجه؛ فمن أجل الحصول علي رخصة قانونية للحزب، كان عليهم أن يبعدوا أنفسهم عن الإخوان بل ويؤكدون أن الإخوان ليس عندهم جديد ليقدموه علي الصعيد السياسي المصري من أجل الحصل علي دعم شعبي.

فالقانون رقم 40 سيء السمعة الذي تمت الموافقة عليه إبان عصر السادات يشترط علي الأحزاب الجديدة أن تكون علي إختلاف جوهري مع الأحزاب الموجودة علي الساحة، فمن هنا أصبح الإختلاف سبيل للبقاء.

ففي المرة الأولى التي تقدم فيها حزب الوسط للحصول علي رخصة، تم تقليل عدد أعضاء الإخوان السابقين فيه من 74 إلي 62.

وبعد ذلك بـ48 ساعة، قدم ماضي أوراق الحزب للمرة الثانية بعد أن أسماه "حزب الوسط المصري"، وفي هذه المرة تألفت المجموعة من 24 من أعضاء الإخوان السابقين من أصل 93 عضواً من بينهم أقباط وبروتسانتي واحد و19 إمرأة.

في حين عاد كثير من أعضاء الإخوان السابقين إلي حظيرة الإخوان مرة أخرى. يقول ماضي مؤكداً علي هذا الإختلاف:

"أصبح عدد عناصر الإخوان السابقين هذا المرة 24 من أصل 93، مما يمثل نسبة 25% من مجموع عضويتنا. هناك شخصيات إسلامية مستقلة، غير منتمية للإخوان، يعتبروا جوهر الفكرة الجديدة."

وقد حرم هذا الحزب من رخصة قانونية، علي الرغم من حصول مؤسسيه علي رخصة المنظمات غير الحكومية التي جعلت من الوسط منفذاً لهذا النوع من الفاعلية الإسلامية المتحضرة.

إن رفض الإخوان في التعاطي مع مناقشات الإعلام حول تحدي الوسط يضخم من الإختلافات بين الجماعتين ويؤكد علي السمة الطلائعية التي أراد أعضاء الوسط أن يقوّموها داخل الإخوان.

إن تفصيل وتضخيم الأطر الديموقراطية عند الوسط، ومثابرتهم في إثبات ضحالة الإخوان في فهم الواقع والمعطيات تستقبل بشكل جيد في كثير من المنافذ الإعلامية.

في ظل الإسهاب المتزايد من المعايير الديموقراطية وما يتماشى معه من إستمرار النظام في التظاهر بـ"عباءة الإسلام" للحفاظ علي مشروعيته، فإن سياسة التعددية تعتبر طريقاً أسلم لتأطير نشاطات النظام من الإسلام. حيث أن جماعات المعارضة السياسية ربما تتهم النظام بقائمة خطايا ديموقراطية ليبرالية مطولة.

من الصعب فصل الحوار بين الجماعات عن المؤثرات الأخرى مثل طغيان الدولة، وعدم الحيدة الإعلامية، والقوى الاجتماعية الأوسع التي تساعد علي تشكيل (وإعادة تشكيل) هوية الجماعة.

فهوية الجماعة يمكن أن تتأثر بقوى مثل الفساد السياسي، والنكبات الاقتصادية، والخسائر الحربية، والتمزق الاجتماعي، وظهور قادة بعينهم، وظهور عادات محلية.

ولأن كلا الجماعتين تعمل تحت ذات المناخ السياسي وتحاول كسب الرأي العام المصري بشكل عام، فإن هذه القوى المؤثرة يمكننا تنحيتها جانباً لنركز علي التفاعل البيني بينهما.

إن التأكيد المستمر من قبل أعضاء الوسط علي إنفتاحهم، وقبولهم بالديموقراطية الداخلية، والموائمة السلمية والمنظور الديموقراطي الليبرالي يبرهن علي أن الأطر الديموقراطية السائدة عند الإسلاميين تركز علي مواجهة النظام.

ومن الأولى أن نذكر أن إصرار أعضاء الوسط علي مقارنة أنفسهم بالإخوان المسلمين لا يؤكد فقط علي تعدديتهم بل ويؤكد أيضاً علي إفتقاد الإخوان لهذا النوع من التعددية.

إن عناصر الأطر المتساجلة يعطينا خلفية عن كيفية تعاطي الجماعات الإسلامية المتنافسة مع الخطاب السياسي التعددي المتنامي الذي يتحتم عليهم المشاركة فيه بسهم.