من ذكرياتي مع الأخ القائد الشهيد أمين يكن ـ رحمه الله تعالى ـ الحلقة (2 ـ 4 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
من ذكرياتي مع الأخ القائد الشهيد أمين يكن رحمه الله تعالى
الحلقة (2 ـ 4 )


بقلم : محمد فاروق البطل

وإذ حرَّك الأخ أبو الطيب مشاعري وأحاسيسي وهيَّج ذاكرتي، أجدني مدفوعاً لتسجيل ذكرياتي مع الأخ الحبيب الشهيد أمين يكن ـ أسكنه الله فسيح الجنات ـ.

لقد كان الأخ أبو عابد منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي نائباً للمراقب العام الأستاذ عصام عطار ـ حفظه الله، وأمدَّ في عمره، وكتب له الصحة والعافية ـ كما كان مسؤولاً عن مركز حلب، وعُمُره في الخامسة والعشرين أو يزيد قليلاً، كان شاباً جميل الطلعة، حلو البسمة، بادي الرجولة، فارساً، حصيفاً، صاحب حجة ورأي، قوي الشخصية، يملك ـ حقاً ـ مقوِمات القيادة، ملتزِماً بالإسلام بكل صرامة، لم يكن على استعداد أن يساوم عليه، حتى لمن كان أقرب الناس إليه، بل حتى ولو كان أباه، كان أبوه ثرياً صاحب أطيان، مزارعاً مشغولاً في مزرعته، وكان حاله كمعظم الإقطاعيين في تلك المرحلة...فنهض هذا الشاب بواجب أسرته، ورعاية أمه، وتربية إخوته على الإسلام والالتزام، وكانت أمه ـ رحمها الله ـ تعينه في ذلك، وتشجعه على ذلك، طلب إليَّ أن أتولَّى تحفيظ ولدَيْه القرآن الكريم مع أولادي، وقرنتُ التحفيظ بشيء من التفسير الميسَّر، وكان الأخ أمين يحضر معنا بانتظام وأشهد أن التزامه بالإسلام خُلُقاً وسلوكاً ودعوة وحركة... جاء في وقت مبكر من حياته، مذ كان يافع الصبا، ولا زال طالباً في المرحلة المتوسطة.

كان والده قد دفع به إلى المعهد العلمي في حلب (الكلية الأمريكية) كما هي عادة الأثرياء.

لكن الأخ أمين رغم فتوته ورغم دراسته في هذه المدرسة التنصيرية الاستعمارية العلمانية، التزم بالسلوك الإسلامي وانتسب للحركة الإسلامية، وشكَّل مع أخيه الأستاذ عدنان بدر سعيد (من اللاذقية) ـ رحمهما الله تعالى ـ مجموعة نشاط إسلامية في المدرسة، تصدَّت لكثير من أوجه النشاط التنصيري الاستعماري الذي كانت تمارسه إدارة المدرسة وأساتذتها المنصِّرون.

استمر على ولائه للجماعة والتزامه بمنهجها، منذ أن دخل مدرسة الإخوان أوائل الخمسينات، وحتى رحل عن هذه الدنيا الغرور شهيداً بإذن الله تعالى.

جمَعْتنا إدارة مركز حلب، كعضوين فيها منذ أوائل الستينات، وتمَّ اختيارنا معاً وفي نفس الفترة لعضوية مجلس الشورى ممثلَيْن لمركز حلب.

وأنا الآن إذ أذكر مركز حلب وإخوان حلب، أجد من واجب الوفاء عليَّ أن أشهد لله؛ أنني وأنا من مواليد مدينة إدلب، أقمتُ في حلب مع والديَّ منذ نهاية الأربعينات، لكنني لم ألمس، ولم أسمع ذات يوم من أحد إخوان حلب، ما يُشعِرني بغربتي، علماً أنه كان ثمَّة تحسُّس وتنافس وغمْز ولمْز.. بين سكان المدينتين المتجاوِرَتَيْن حلب وإدلب، تماماً كما هو الحال بين مدينتي حمص وحماة، ومدينتي دمشق وحلب، ومدينتي دير الزور والرقة، ومدينتي إدلب وأريحا... وهكذا.

وأؤكد أنه لم يسبق لأحد من إخوان حلب أن لمزني أو غمز مني أو شكَّك في انتمائي بل إنهم إكرموني وقدَّموني على أنفسهم، ورشَّحوني لأعلى المناصب في الجماعة ممثِلاً عنهم، منذ أوائل الستينات: عضو إدارة ـ عضو مجلس شورى ـ رئيساً لمركز حلب، رئيساً لمجلس الشورى وكممثِل لمركز حلب.

بل بلغ بهم الأمر أنهم اختاروني بأكثرية الأصوات رئيساً لمركز حلب في انتخابات الجماعة عام 1976 وأنا لا زلت سجيناً بعد، فلما أفرَجَ الله عني، بُلِّغتُ النتيجة، وحُمِّلت المسؤولية ـ أكرمهم الله تعالى ـ.

نعم... هذه شهادة لله، فقد عشت مع إخوان مركز حلب، أكثر من ستين عاماً وتربَّيت على أيديهم، والتزمت عن طريقهم، منذ أوائل الخمسينات ولم يطرق سمعي ذات يوم ما يشعرني بغربتي أو أنني نَغَم نشاز بينهم... فقط... مرة واحدة حين حدث الانشقاق المشؤوم في الثمانينات، لا أعاده الله، فقد آذاني ما سمعتُه من أحد إخوة حلب ـ غفر الله له ـ حين شكَّك بتمثيلي لمركز حلب!! واحد(1) فقط، وعلى مدار ستين عاماً أو يزيد!! وكان ذلك أثراً من آثار الانشقاق.

أعود للحديث عن الأخ طيب الذكر أمين يكن ـ رحمه الله تعالى ـ فقد كان شاباً ممتلئ الحيوية حين تولَّى مسؤولية جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بصفته نائب المراقب العام، ولأن الأخ الأستاذ عصام العطار المراقب العام قد حيل بينه وبين دخول سوريا منذ عام 1963 بل لم يُسَمح له بالدخول لدمشق وهو في بيروت ليشارك في تشييع جنازة القائد المؤسس أستاذنا الدكتور الشيخ مصطفى السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ عام 1963، غادر بيروت بعدها إلى ألمانيا، ووقع حِمْل المسؤولية الضخم على عاتق هذا الشاب الوديع الأنيس الأنيق الفارس الشجاع أبي عابد...

مضى الرجل إلى ربه، وأضرع إليه سبحانه أن يتقبَّله في عداد الشهداء، أشهد وقد كَتَبَ الله لي أن أعاصر كل قادة الجماعة وكل مراقبيها العامين حتى اليوم من عام 2010، وأن أتعاون معهم، وأن أكون قريباً منهم، بدءاً من شيخنا السباعي ـ رضوان الله عليه ـ أشهد أن الأخ أبا عابد كان قائداً مميَّزاً، قاد العمل في حلب وفي سورية بكفاءة عالية، وعقلية منظمة مبدعة، وبتفرغ كامل، وبمتابعة مستمرة، بعد أن هجر دنياه، وأوقف دراسته في كلية الحقوق على شدة ذكائه، بل وأهمل مزرعته، حتى أثقلته الديون... تابع وبكفاءة عالية قيادة الجماعة في أخطر المراحل وفي مواجهة أخطر التحديات.

كان البعثيون قد سيطروا على الحكم منذ 8 آذار سنة 1963م وفرضوا سلطتهم، وديكتاتوريتهم،وأطلقوا مخابراتهم، وحكموا البلد بالحديد والنار، وعدَّلوا الدستور تعديلاً شائناً ، وألْغَوْا الأحزاب، ولاحقوا القيادات الشعبية والحزبية، وبالتالي فقد كان على الجماعة أن تدخل نَفَق العمل السري، والنشاط السري، مُضطَّرة مكرَهة، لأنه لا يمكن للجماعة أن تتوقف عن واجب العمل للإسلام، والدعوة إلى الله، وتحقيق رسالتها في الإصلاح، ولم تجد الجماعة أي مسوغ شرعي، أو أي مبرر لِتحلَّ نفسها، أو توقف نشاطها بالأساليب الشرعية والممكنة المتاحة، خاصة بعد أن خيَّم الظلم، واستعلن الفساد، وانتشر الإلحاد، وطغى حزب البعث، واستأسدت الأقلية الطائفية، وأسَّست للميليشيات المسلَّحة والمتنوعة؛ واحدة باسم الحزب، وواحدة باسم العمال، وواحدة باسم الشبيبة، وواحدة باسم الجيش الشعبي، غير ما أقامته أجهزة المخابرات المتنوعة، والمتعددة، وبفروعها المنتشرة في كل مدينة وفي كل قرية... هكذا سيطر الحزب على مفاصل الحكم في أنحاء البلد كله، ومن أقصاه إلى أقصاه.

في هذه الظروف القاسية والأجواء الرهيبة تحمَّل الأخ أبو عابد وأعضاء المكتب التنفيذي في ذلك الوقت مسؤولية الجماعة، وقد كان معظم فريق العمل شباباً في عُمُر الأخ أمين ـ رحمه الله تعالى ـ.

ـــــــــ

(1) وهذا الأخ لم يسبق أن رأيته في مركز حلب حين كنا في الداخل وانتسابه للجماعة كان متأخراً والله أعلم.

المصدر