منطلقات الرجال وسلوكياتهم بحق المرأة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


قال تعالى: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) (آل عمران: 195).

أخاطب بعض المسلمين المعاصرين فأقول: ما غركم بالسقوط في بعض العادات والتقاليد، التي أنشأها التوهم بأن المرأة جنس دون، وأنها مخلوقة فقط لرفاه الرجل ومتعته وحسب؟! مع أن هذا الوهم يشكل فتنة للمسلمين، تدعم الحجة المثارة ضد الإسلام والمسلمين بأنهم يضطهدون المرأة ..

في حين أن قرآن المسلمين يدعوهم إلى تكريمها وإنزالها منزلة الرجل: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض). وكذلك فإن توجيه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقو: (النساء شقائق الرجال)؛ فهن بناء على ذلك مساويات للرجال في الإنسانية والتكليف والجزاء، وإن اختلفت المهمات بحسب التكوين الفيزيولوجي والهدف من الخلق ..

وهو ما يؤكد -في الحكم الأكيد للإسلام - أن التفاضل بين الرجل والمرأة لا يكون بسبب الجنس، وإنما بسبب إتقان المهمة والتقوى فيها، وهذا ما بينه وقرره قرآننا العظيم؛ إذ قال ربنا جل وعلا: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً) (النساء: 32).


وهنا نرى أنه من المفيد اقتباس بعض من تعليق الأستاذ الدكتور عودة أبو عودة، أستاذ الدراسات العليا في جامعة الشرق الأوسط في الأردن، وذلك من كتابه الجديد القيم: (هو وهي .. قصة الرجل والمرأة في القرآن الكريم)، يقول الدكتور في كتابه المذكور صفحة 241 بعد أن أورد الآية 32 من سورة النساء: (إن هذه الآية الكريمة تشكل القاعدة التي تقوم عليها هذه النظرية الأساسية في المفهوم الإسلامي، نظرية العلاقة بين الرجل والمرأة، يقول الله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)، وهذا نهي ملزم من الله عز وجل لكل امرئ ألا يتمنى ما كان في يد غيره، أو ما كان عند غيره مما اختصه الله عز و جل به أو فضله به على غيره ...


وهذا نص قرآني ينبغي أن يتخذ قاعدة استثنائية عند التفكير في مثل هذه الأمور الأساسية في الفكر الإنساني، وهذه أمور لا تقبل الاختلاف وليس فيها مجال للتأويل والتفسير. والرجل والمرأة عنصران أساسيان في كلمة بعضكم التي وردت في قوله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)؛ فالرجل إذن بنص هذه الآية الكريمة يفضل المرأة في أشياء، والمرأة إذن بنص هذه الآية تفضل الرجل في أشياء. والله عز و جل يأمرنا بأن نقتنع بما فضل الله به بعضنا على بعض، فلا نقضي العمر في تأسف وتحسر على ما أعطاه الله لكل امرئ من أسباب الفضل والتميز والاختصاص).


وإذن فإن هؤلاء المتوهمين من المسلمين بقاعدة أن المرأة جنس دون الرجل، فعاملوها بناءً على هذه القاعدة معاملة من الدرجة الثانية أو الثالثة، أقول: إن هؤلاء وقعوا بفكرهم هذا وسلوكهم الشاذ في قاع مخالفة ربهم، والخروج عن أوامره، ووضعوا أنفسهم في حومة العصيان والإثم العظيم، من حيث أنهم يتوهمون أن طريقهم هو الطريق الصواب. إنهم بذلك فتنة للظالمين، وربنا يبين صفة المؤمنين في كتابه العزيز، حيث يدعون ربهم بقولهم: (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين).


وهكذا فإن سلوكيات هؤلاء مع المرأة بناءً على وهمهم وسقوطهم تشكل فتنة للظلمة من أعداء الإسلام، فهم يحتجون بهذه السلوكيات، ليدينوا بها الإسلام والمسلمين واتهامه واتهامهم بظلم المرأة واضطهادها، وهو ما يفتح الباب لهم، ليلجوا منه إلى مداخلات كيدية فيها خسران وضلال وإضلال.


إن سلوك بعض الإسلاميين تجاه المرأة يشبه مفاعيل ومآلات الطلقات الطائشة، حيث لا يدري مطلقها كيف انطلقت، ولا يعرف كيف ضغط على الزناد، ولا يعلم أين يقع مآل طلقاته، ولا صدى وقعها ذلك. إنه دائن لنفسه، عاقر لفكره، مضيع لخط سيره.


أرأيت إلى ذلك الرجل الذي ضيع فكر السكينة الربانية التي خلقها رب العزة ليجعل منها للرجل والمرأة مسكناً آمنا، ترفرف على جنباته آيات الرحمة والشراكة الراشدة الشفافة، وذلك بانطلاقه من فوقية جنسية، هي بنت العنصرية المقيتة اللئيمة، تلهب قلبه بنار الجنس المميز الأعلى برأيه، فيتخذ من زوجه (المرأة) سجينة لرأيه، وحبيسة لجنونه الفوقي، واحتواءً ملأه بعقده وشعور النقص والغيرة الكاذبة ومحاولة إثبات الشخصية المنتفخة الراعبة، متكئاً في كل ذلك على آيات قرآنية وأحاديث نبوية، لو أنه جمعها إلى بعضها، وتأملها تأمل الدراية والعقل المؤمن المتفتح والإنسان المتواضع المحتفل بالفطرة الأصيلة، لوجد أن مسيره بائر، وفكره جائر، وسلوكه مقهور قاهر.


إنه يريد من المرأة أن تكون بين يديه كالميْت بين يدي المغسل، دون أن يتعب نفسه قليلاً بإقناعها بشيء مما هو عليه، ثم إذا هي تألمت أو تأففت من اقتسام القهر معه، ذهب إلى رجولته المفقودة، ليملي عليها قرارات المنع والقهر والإهانة، من شتم وذم لأهلها، ومنعها من زيارتهم أو حتى تقنين تلك الزيارة، لتصبح غريبة عن البيت الذي أنشأها وأهداها له إنسانة كاملة الإنسانية، وأنا في هذا المجال أعرف حالات من رجال يعدون أنفسهم من الملتزمين في الحراك الإسلامي يمنع زوجه من الرد على الهاتف ولو كانت وحدها في البيت، ويمنعها من زيارة ذويها إلا إذا زاروها، فهو أصلاً لا يزورهم، وتمضي الأشهر ولا يكلمهم حتى بالهاتف، ولا يسأل عن أحوالهم مع أنهم من المسنين، وقد يصل الأمر بهذا الرجل حدّ الضرب للزوجة دون ذنب يذكر، بل إنه يفعل ذلك من أجل تعويض النقص الذي يسكن دواخله، ولا يدري أنه بكل ذلك يخالف ربه الذي جعل الزواج نسباً وصهراً، يصهر العائلتين ويجعلهما شيئاً واحداً، ثم هو يكسب غضب الله، ويكون فتنة للظالمين..!


وتحضرني في نهاية هذه السطور كلمات لشاعر مبدع تقول على قولنا هذا الذي أوردناه:

ما قيمة الكلمات إن هي حوصرت *** خلل السطور ولم تصافح مأرباً

عجباً لمن حمـل اليراعة وادّعـى *** أدباً ولم يـرد النضـال مخضباً

حق على القلم النقي إذا اشتكت *** دنياه جـوداً أن يثـور ويغضبا


وهكذا فإنه حق للكلمة المحاصرة تجاه الخلل الناتج من الناس المنتسبين للإسلام، الذين يشكلون الفتنة المومأ إليها بسلوكياتهم تجاه المرأة، أن تفك حصارها وتثور وتغضب على من ينتسبون إليها، وفي الوقت نفسه يشنأونها ويكيلون لها الاتهام.