مع حسن البنا .. عثمان أحمد عثمان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عثمان أحمد عثمان

كتب تحت عنوان : "مع حسن البنا"

اتصلت نشأتى الدينية فى البيت مع نشأتى الدينية فى المدرسة، وكان ذلك على يدى الرجل الذى حمل لواء الدعوة الإسلامية، ومكن لها فى عصرنا الحديث.

ولم أكن أتصور وقتها أن أستاذى الذى تولى تربيتى الدينية فى المدرسة سيصبح صاحب مدرسة كبيرة، وضع أسسها، وما تزال، وستظل علامة رائدة يتجمع حولها كل من أراد أن يعتصم بحبل الله فى كل أموره.

وكان حظى أن أتتلمذ على يدى المرحوم الشيخ حسن البنا الذى أكد عندى الخط الدينى الذى نشأت عليه فى منزلنا، حتى أصبح هذا الخط محورًا لكل حياتى.

كان المرحوم حسن البنا مدرسًا للغة العربية والدين فى مدرسة الإسماعيلية الابتدائية، وكان شابًا فى العشرينيات من عمره، وجدت عنده - رحمه الله - سعة صدر وعطفًا، كان يحبنا فأحببناه، وتعلقنا به. كان لا يكتفى بما كان يعلمه لتلاميذه داخل قاعة الدرس، ولكن كان يطلب منا أن نحضر كل يوم إلى المدرسة، قبل موعد الدراسة بساعة كاملة، وعندما نحضر كان ينظمنا فى شكل طابور، ويسير بنا إلى المسجد القريب من المدرسة، فيعلمنا الوضوء السليم، ثم نصلى فرض الصبح، ويعود بنا بعد ذلك إلى المدرسة مرة أخرى.

وأذكر أننى كنت أنام وأنا أحلم بذلك اللقاء اليومى الذى أحببته، وكنت أنتظره بفارغ الصبر، ولم يقتصر الأمر عند ذلك الحد، ولكن كان يكرر - رحمه الله - نفس الأمر مع موعد كل "فسحة"، كان يطلب منا أن نعود مرة أخرى إلى المدرسة بعد أن نتناول غداءنا فى منازلنا، وكنا نجده - رحمه الله - فى انتظارنا فيصطحبنا إلى المسجد لكى نؤدى فرض صلاة الظهر، ونعود بعد ذلك لاستكمال حصص اليوم الدراسى.

وكان أن علمتنا أمى - رحمها الله - وشجَّعتنا عليه، وكان شقيقى المهندس حسين عثمان يتعلم الصوم لأول مرة، وكان ذلك فى أول أيام شهر رمضان المبارك، وجلس فى الفصل، وأكثر من البصق فى منديله، فلاحظ عليه ذلك الأستاذ حسن البنا فسأله: ماذا بك يا حسين؟ فقال: إننى صائم، ولا أريد أن أبتلع ريقى حتى لا أفطر.

فضحك الأستاذ المرحوم حسن البنا كثيرًا، وربت على كتفه، واستبدل حصة الدرس الذى كان يشرحه لتلاميذه بحصة فى العبادات، راح يشرح فيها لتلاميذه عبادة الصوم.

وقد ارتبطنا نفسيًا بالأستاذ حسن البنا - رحمه الله - وكان بمثابة الأب الروحى لنا، نستمد من علمه ومعرفته على قدر ما نستطيع.

وانطبعت فى أذهاننا أخلاقياتُه، وشدنا إليه حسنُ معاملته، وقدرتُه على أن يستحوذ على حب الناس له، وارتباطه بهم وربطهم به.

كان - رحمه الله - فلتة من فلتات الزمن، أعطاه الله - سبحانه وتعالى - من حسن الصفات، والتفقه فى أمور الدين، والتمكن من دراسته وفهمه، واستيعابه وقدرته على أن يعلمه لكل من كان يستمع إليه ويستمتع روحيًا به.

كان يتمتع بقدرة فائقة على مخاطبة كل العقول، مهما اختلفت ثقافتها، كان مشوقًا، لا تمله فى مجلسه، ولا فى حديثه، كان - رحمه الله - مدرسًا كبيرًا، وعالمًا جليلًا وحجة فى الدين.

وكان أن أبحر فى علم ربه، فكان له ما ليس لغيره من أبناء جيله، فكان له أن يستحق رضا الله فأرضى عنه كل الناس.


المصدر :صفحات من تجربتى – عثمان أحمد عثمان، المكتب المصري الحديث

  • عثمان أحمد عثمان هو مؤسس وصاحب شركة "المقاولون العرب" كان نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للإسكان والتعمير فى عهد الرئيس السادات.