مظاهر الإصلاح الاقتصادي عند الإخوان المسلمين (2)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٢٦، ١٠ فبراير ٢٠١٤ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


مظاهر الإصلاح الاقتصادي عند الإخوان المسلمين (2)

تحدثنا في الحلقة السابقة عن وضع مصر الاقتصادي قُبَيل ظهور دعوة الإخوان المسلمين، وكيف أثَّر الاحتلال على الاقتصاد بنتائج سلبية، وجعل البلاد ترزح تحت نير التخلف والجهل والفقر.


وأوضحنا الفكر الاقتصادي الذي جاء به الإخوان وبعثوه في نفوس الشعب بعد أن استطاع المحتل أن يبثَّ في روع كثيرٍ من أذنابه السيرَ باقتصاد البلاد في فلكه، فعمل الإخوان على تعريف الشعب بآليات الاقتصاد الإسلامي، وكيف يواجه سياسة المحتل ليعم الرخاء على أبناء الوطن، كما ذكرنا رؤيتهم في إصلاح الاقتصاد، وكيف تضمَّن فكرُ ومنهجُ الإمام البنا الإصلاح الاقتصادي.


وخلال هذه الحلقة نكمل جهودهم العملية في إنشاء الشركات، وكيفية إدارتها بالنظام الإسلامي، والبُعد عن سيطرة الاقتصاد الربوي.لقد اعتنى الإخوان بتعريف الفكر الاقتصادي الإسلامي عن طريق الكتابة في الصحف وعقد المحاضرات في الشُعَب؛ فلقد وضَّح الأستاذ محمد الهادي عطية منهاج الإخوان المسلمين وغايتهم الإصلاحية فقال: "إن النظام الاقتصادي في الأمم الإسلامية نظامٌ فاسدٌ معلولٌ؛ لا يرتكز على أساسٍ صحيحٍ في أية ناحية من نواحيه، ومعظم الأمم الإسلامية بيد غير المسلمين، والثروة الإسلامية مهددة بديون الأجانب والمرابين.


وهل يتصوَّر الإنسان أن الأرض المنزرعة في القطر المصري لا تكاد تفي لسداد دينه الأهلي؛ إذ إنها جميعًا في الواقع ملك لغير المصريين، وهم إنما يعملون فيها أقل كثيرًا من الأجراء، هذا إلى الإغراق في التعامل بالربا، والإسراف المعيب جدًّا في الكماليات، بله المحرمات، وهذا على ما أعتقد من أوضح الواضحات، وليس يحتاج إلى بيان.


ولإصلاح هذا النظام الفاسد وتركيزه وجعله مستقرًّا ثابتًا لا بد من دراسةٍ عميقةٍ وبحثٍ دقيق لموضوعات كثيرة؛ من أهمها:


الزكاة جبايةً وصرفًا، والامتناع عن التعامل بالربا بتاتًا، تعوُّد خلق الاقتصاد وبثُّه في الأمة، وتعديل نظام المصارف "البنوك" الإسلامية بما يتفق مع تشريع الإسلام، وقصر التعامل عليها وحدها، والإقبال على كل ما هو إسلامي ومقاطعة كل ما هو غير إسلامي مهما كلفنا ذلك، ومزاحمة الشركات الأجنبية وتخليص مرافق البلاد منها، وبناء المشروعات الاقتصادية النافعة وإيجاد عمل للعاطلين من المتعلمين والصناع وغيرهم، وتسوية الديون".


ومن منطلق ذلك كوَّنت طلبةٌ بكلية التجارة رابطةَ بحوثٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ إسلاميةٍ في يوم 12 شوال 1357هـ الموافق 5 ديسمبر 1938 م وقد اعتنت هذه الرابطة بعدة أمور؛ منها:

1- النظام المالي في الإسلام.. دراسة مقارنة مع النظام المالي الحالي.

2- موارد إيرادات الدولة.

3- أوجه إنفاق مصروفات الدولة.

4- الإسلام بين الاشتراكية والفردية.

4- الربا (سعر الفائدة) أضرار التعامل على أساسه.

5- طرق علاج الحالة الاقتصادية، على أساسه إلغاء التعامل به.

6- التجارة في الإسلام.

7- النظم النقدية في الإسلام.

8- المذاهب الاقتصادية (الأجور- رأس المال- الربح).

9- الشركات في الإسلام.

10- المضاربة والمزارعة في الإسلام.

11- الوحدة الإسلامية والآثار الاقتصادية المترتبة على تحقيق هذه الوحدة.


وحاول الإخوان النهوض بالاقتصاد المصري عن طريق إنشاء الشركات وتشجيع المصريين على الاستثمار والتخلص من التبعية الغربية، والاهتمام بالصناعات الضرورية، والتقليل من الصناعات الكمالية والاستيراد من الخارج، والاعتماد على المنتج المصري وتشجيعه، وانتهاج نهج الأمم المتقدمة في الصناعة بأخذ التقنية الحديثة منها، وأن تتكاتف المصانع في جهةٍ من الجهات حتى يحسن التوجيه والإرشاد، ويحاول كل مصنع العمل على الأخذ بالنهضة الصناعية، وعمل دعامات مصرفية قوية حتى يسهل عليه منافسة المنتج الأجنبي.


ولقد ندد الإخوان بالشركات الأجنبية واستغلالها المواردَ والعمالة المصرية دون العناية بهم، ولقد حمَّل الإخوان الحكومةَ مسئوليةَ استمرار تلك الشركات في ممارسة نشاطها الاستغلالي لموارد البلاد والوقوف موقف المجاملة والتساهل.


ففي المؤتمر السادس تعرَّض الإمام البنا لهذه الشركات، ولقد فضح حقيقة هذه الشركات وعددها، والتي كانت جميع الجهات في مصر تتستَّر عليها؛ حيث حدد هذه الشركات بـ320 شركة تسيطر سيطرةً كاملةً على اقتصاد البلاد وتمتص خيراتها دون أهلها، وأوضح أن البلاد ليست فقيرةً، غير أن الأجانب نهبوا ثرواتها؛ فالصناعة والتجارة والمنافع العامة والمرافق الرئيسية كلها بين الأجانب.


ولقد حذر الإخوان من السيطرة الإنجليزية على الاقتصاد المصري، كما حذروا مرارًا وتكرارًا من خطر الشركات اليهودية في مصر، والتي يتستر وراءها اليهود لتنفيذ مخططاتهم الهدَّامة التي تهدف إلى السيطرة الكاملة على اقتصاد البلاد، كما أنهم السبب في كثيرٍ من المشاكل الاقتصادية التي حدثت في مصر منذ أن أوقعوا الخديوي إسماعيل في مصيدة الديون، وشرائهم أسهم القناة بواسطة بنك روتشيلد اليهودي في إنجلترا.


ولم تتوقف جهود الإخوان عند ذلك فحسب، بل نادَوا بتمصير الشركات الأجنبية، وإحلال الموظفين المصريين محل الموظفين الأجانب الموجودين داخل المصالح الحكومية، وأن تعمل الحكومة على إحداث هذا التغيير.


ومع اعتناء الإخوان بالشركات اعتنَوا بالعمال العاملين في تلك الشركات، وعملوا على التصدي لسياسة تلك الشركات الأجنبية، والتي كانت تعمد إلى تعيين الأجانب دون المصريين؛ مما أدى إلى تفشي البطالة، وتدني مستوى المعيشة، وارتفاع نسبة العاطلين، فعمد الإخوان إلى الاقتراح على الحكومة بأن تسرع في إخراج قانون للتأمين ضد البطالة تُراعى فيه مصالح العمال في المقام الأول، ويحفظ أجورهم، ويحد من استغلال أصحاب المصانع لهم.


وقد عمل الإخوان على إيجاد نظام اقتصادي صحيح يقوم على أسس اعتبار المال الصالح قوام الحياة، ويجب حسن استثماره، والكشف عن منابع الثروات الطبيعية والاستفادة بها، وإزالة الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع، واحترام الملكية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة، وأن الثروات العامة هي ملك الأمة لا يجوز للدولة أن تمنح استثمارها لأية شركة أجنبية.


جهود الإخوان العملية في المجال الاقتصادي

لم يكتفِ الإخوان بالكلام حول الاقتصاد فحسب، بل اقتحموا الجانب العملي وأنشؤوا الشركات، وفي مجلس شورى الإخوان الأول 15/6/1933م قرر المجتمعون إنشاء مطبعة للإخوان، لكن ذلك لم يتحقَّق إلا بعد أن قرَّر مجلس الشورى الثاني 19، 20/1/1934 م إنشاء شركة مساهمة تعاونية من الإخوان المسلمين للطباعة والنشر برأسمال ابتدائي ثلاثمائة جنيه مصري، مقسَّمة على 1500 سهم، قيمة السهم الواحد عشرون قرشًا، وكانت اللجنة التي تقوم على تلك المهمة مكوَّنة من: حضرة علي أفندي أبو زيد تهامي "رئيسًا"، وحضرة محمد حلمي نور الدين أفندي "أمينًا لصندوق لجنة المشروع"، وثلاثة من الأعضاء؛ هم: "أسعد أفندي راجح، وعبد الرحمن أفندي الساعاتي، وأحمد أفندي السراوي"، وقد استقرت المطبعة في مقرها الجديد 7 حارة الرسام من شارع الغورية بالقاهرة في فبراير 1935 م.


وفي ذلك يقول الإمام البنا: "والأمة الناهضة أحوج ما تكون إلى تنظيم شئونها الاقتصادية، وهي أهم الشئون في هذه العصور، ولم يغفل الإسلام هذه الناحية، بل وضع كلياتها ولم يقف أمام استكمال أمرها، وها أنت تسمع قول الله تبارك وتعالى في المحافظة على المال وبيان قيمته ووجوب الاهتمام به: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ (النساء: من الآية 5)، ويقول في موازنة الإنفاق والبخل: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾ (الإسراء: من الآية 29)".


ففي عام 1939 م تقدم الأستاذ محمد عبد الوهاب باقتراحٍ إلى الإمام الشهيد بإنشاء شركة مساهمة للإخوان في الأعمال الاقتصادية، بحيث يكون لهم نشاط نافع في المشروعات الإسلامية المالية، والتي تحفظ على المسلمين ثرواتهم، وتدربهم على خوض ذلك الميدان الذي استأثر به اليهود والأجانب، وقد اتفق الإمام البنا معه على ذلك المبدأ، بشرط:


1- عدم الخلط بين نشاط الدعوة والنشاط الاقتصادي، لا في الشكل ولا في الموضوع، فتكون عناوين الأعمال بغير اسم الإخوان وفي غير دورهم، ولها نظامها المادي والاقتصادي؛ فالدعوة شيء والمال والاقتصاد شيء، وإن كان كلٌّ منهما يعين الآخر، ولكن لكل لونه ووسائله وأساليبه.


2- ألا تكون لـ"المرشد العام" صلة بهذه الأعمال من قريب أو من بعيد؛ وذلك صيانةً لشخص المرشد ووقته.


ولقد وافق الإمام البنا على ذلك، وسارع الإخوان بإنشاء شركة المعاملات الإسلامية (شركة مساهمة) برأسمال أربعة آلاف جنيه مصري، مقسَّم إلى ألف سهم، قيمة السهم أربعة جنيهات مصرية.


وتم بيع هذه الأسهم بالنقد وبالتقسيط؛ حيث يباع السهم بالقسط على أربعين شهرًا بواقع عشرة قروش شهريًّا.


وكان يدير الشركة مجلس إدارة مكوَّن من: رئيس، وأمين صندوق، وسبعة أعضاء، ويُنتَخب الرئيس وأمين الصندوق من حائزي العشرة أسهم على الأقل، أما الأعضاء فيتم انتخابهم ممن لهم خمسة أسهم على الأقل، ويُشتَرط في الجميع أن يكونوا من الإخوان المسلمين، وقد تولى الأخ محمد عبد الوهاب رئاسة مجلس الإدارة، وأعطى العقدُ الحقَّ لجمعية الإخوان المسلمين بالقاهرة في مراقبة حسابات الشركة قبل التأسيس وبعده، وتقوم بتحصيل الزكاة من الشركة بواقع 2.5% من إجمالي رأس المال والأرباح؛ وذلك لصرفها في وجوه الزكاة المعروفة.


وقد تم توزيع الأرباح كما يلي:

- 10% مكافأة مجلس الإدارة.

- 20% للاحتياطي.

- 50% توزع على أصحاب الأسهم بنسبة ما دفعوه فعلاً من ثمنها.

- 20% توزَّع على المستهلكين من أعضاء الشركة بنسبة المسدد من أثمان مشترياتهم.


وقد ألزم العقدُ مجلسَ الإدارة باستثمار ما يرد إليه من أموالٍ في الحصول على جميع حاجيات الإخوان حسب طلباتهم بأسعار الجملة، وتوصيلها إليهم بالأسعار المناسبة.


ولقد بدأت الشركة بتوفير مستلزمات المنازل من لحوم وأصناف بقالة وأدوات زينة وروائح عطرية وأقمشة وخردوات وخبز ودقيق وغيرها من الأصناف لتوزيعها على الإخوان.


كما طالبت الشركةُ الإخوانَ في القاهرة بتحديد احتياجاتهم من تلك الأصناف كل شهر، ثم يقوم مندوب الشركة بتوفيرها وتوصيلها إلى المنازل بسعر نصف الجملة.


وفي 11 يوليو 1943 م تم تأسيس الشركة وتسجيلها قانونًا أمام قلم كتاب محكمة عابدين بدفتر عقود الشركات تحت رقم 114 عقود الشركات، وحصلت على سجل تجاري رقم 42621، كما تشكَّل مجلس إدارة الشركة من كلٍّ من الأخ محمد عبد الوهاب رئيسًا لمجلس الإدارة، والحاج سيد شهاب، وعلي أفندي شعير، والحاج حسن الخياط، ومحمد عبد الله السمالوطي أعضاء مجلس إدارة الشركة.


وقد وجه الإمام البنا خطابًا إلى الإخوان يوضِّح لهم أهمية التوجه إلى هذا المجال، ويرسم لهم خريطة العمل، جاء فيه:

"قضى الإخوان المسلمون خمسة عشر عامًا يستمعون إلى الدعوة، ويقرءون عنها، ويذيعونها في الناس، ويروضون أنفسهم نظريًّا وفرديًّا على مبادئها، وقد آن وقت الاختبار والابتلاء العملي الحقيقي، فهل هم مستعدون؟.


لقد طال بنا الأمد، وآثرنا الراحة، وألفنا أن نحصل على العيش من مال "الميري" ومن وظائف الحكومة، ومن المهن التي لا تتعب ولا تستدعي مجهودًا، ولا تستتبع عناءً، وترتب على هذا الوضع الغريب أننا تركنا كنوز هذا الوطن العزيز تفلت من أيدينا، وتتسرب إلى غيرنا من الناس، ثم أخذنا بعد ذلك نبكي ونشكو ونندب حظنا، ونحن الملومون لا غيرنا.


وكان من أثر ذلك أيضًا أن نبتت فينا أخلاق ضعيفة انطبعت بها نفوسنا، وانطوت عليها أرواحنا: التكاسل والملق، والإهمال والرخاوة، وعدم الصبر والتفريط في الواجب، وتصور الحياة حقوقًا لنا لا تقابلها واجبات علينا؛ فكلنا يريد أن يأخذ ولا يريد أن يعطي.


الشركات الزراعية الكبرى في البلد الزراعي الخصيب، بلد النيل الفياض والجو المعتدل والتربة الكريمة بأيدي الأجانب.


الصناعات الناشئة التي اقتضتها ضرورة الحرب الماضية والحاضرة يقوم عليها الأجانب، وأكثر من يمتلك مصانعها الأجانب.


التجارة بكافة أنواعها.. من يهيمن عليها؟! من يضع نظمها؟! من يتحكم في الأسواق؟! من يحبس السلع أو يطلقها؟! من ينتفع بكل هذه الأرباح الطائلة التي لا حد لها؟!.. هم الأجانب وحدهم، ولا لوم عليهم في هذا؛ فهم يبتغون الخير لأنفسهم، ولكن اللوم علينا نحن؛ لأننا رضينا بالعيش المريح وإن كان ذليلاً، وبالعمل الضروري وإن كان إنتاجه قليلاً، وفقدنا الأخلاق اللازمة للنجاح في الحياة.


الأمانة، الثقة، التعاون الحقيقي، الصبر والاحتمال، المثابرة، الاستقامة.. هذه هي العوامل الأساسية لنجاح كل مشروع، وهي أخلاق أولية يفرضها الإسلام على أبنائه جميعًا، ويتردد ذكرها في كثير من آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.


أيها الإخوان المسلمون، لقد قرأتم عن هذه الأخلاق كثيرًا، وأوصيتم بها الناس وزعمتم أنكم بها متمسكون.


وها قد آن وقت الامتحان والاختبار، لقد أسستم من قبل شركة الطباعة والتأليف والنشر، وكان من آثارها مطبعة الإخوان المسلمين، ولقد أسستم كذلك شركة المعاملات الإسلامية، ولقد نشأت الشركتان نشأةً ضعيفةً، وسارتا سيرًا وئيدًا متواضعًا، وصادفتهما ظروف وعقبات كثيرة أضعفت من إنتاجهما ووقفت في سبيل نموهما، ولكنهما لم تموتا على أي حال، وظلتا تكافحان وتقاومان حتى تغلبتا في النهاية، وسيعمل القسم الاقتصادي بالمكتب العام على إنهاضهما والسير بهما إلى النجاح والإنتاج والحياة الثابتة القوية، وسيعلن عليكم ذلك في القريب إن شاء الله.


ولقد فكر القسم الاقتصادي في إنشاء شركة أخرى هي الشركة التجارية الاقتصادية للقيام بكل الأعمال التجارية في نظام دقيق، وبقانون وتعاقد خاص سيعلن في القريب إن شاء الله، وفتح فيها باب المساهمة، وقد بلغ المكتتب به في نهضتها إلى الآن ثلاثة آلاف من الجنيهات من عدد محدود من الإخوان التجار وقليل من غيرهم، وعند انتهاء الموعد المضروب للمساهمة وهو أوائل الشهر القادم يعلن على الإخوان نظام هذه الشركة كذلك.


كما أن القسم الاقتصادي أخذ يدرس مشروع تكوين شركة للاستغلال الزراعي، وعند تمام الدراسة والشروع في العمل سيعلن ما وصل إليه على الإخوان.


ليس الغرض من هذه الكتابة الإعلان عن هذه المشروعات، أو دعوة الناس إلى المساهمة فيها الآن، فإنها ما زالت مشروعات تجريبية مقصورة على عدد محدود ومعروف من الإخوان، ولا يراد إدخال غيرهم معهم الآن، حتى تبدو ثمار النجاح ليكون العمل دقيقًا ومحدودًا ومعروفًا للقائمين به والمساهمين فيه بوضوح وجلاء.


ولكن الغرض هو تهيئة الأذهان وإعداد الأفكار لهذا الامتحان، فإن هذه الشركات ستحتاج إلى موظفين وإلى عمال وإلى مندوبين وإلى عملاء، والمطلوب في كل أولئك أن يكونوا أقوياء أمناء صلحاء، وسيكونون من الإخوان، وبهذا ينزل الإخوان إلى الميدان ميدان العمل والتجربة والامتحان.


أيها الإخوان حسبنا أقوال، وحسبنا أمانٍ وأحلام، ولننزل إلى ميدان العمل.


لو صلحت أخلاقنا، وسد خللنا، واغتنت فاقتنا، ونهضت مشروعاتنا، وحسنت ثرواتنا لاستقللنا استقلالاً حقيقيًّا، ولما كان لأجنبي علينا من سلطان.


فإلى هذا الميدان ميدان الأخلاق العملية والجهود الصادقة الحقيقية فلنتوجه، والله المستعان.


ويبدو أن الأخ محمد عبد الوهاب كانت خبراته تنحصر في الاتجار في المواد الغذائية، ولذلك قرر الإخوان تجديد إدارة الشركة بأن ضموا إليها الأستاذ رياض جمجوم واختير رئيسًا لمجلس إدارة الشركة وعضوًا منتدبًا لها، وأصبح الأخ محمد عبد الوهاب أمينًا لصندوق الشركة، ونشرت الشركة إعلانًا طالبت فيه الإخوان بزيادة الاكتتاب حتى يكتمل رأسمال الشركة، كما أعلنت عن اعتزامها البدء في بعض المشروعات الجديدة على أنشطة الشركة.


وقد قرر الإخوان عدم إباحة زيادة الاكتتاب لأي شخص في الشركة عن مائة سهم؛ وذلك حتى لا يكون رأسمال الشركة دولة بين الأغنياء.


انتقلت الشركة في عهد الأخ رياض جمجوم نقلة نوعية، فبدلاً من الاقتصار على الاتجار في المواد الغذائية انتقلت إلى المشروعات المنتجة والصناعات المختلفة، فكانت لها مشروعات زراعية وأخرى صناعية.


المشروع الأول: كان باكورة مشروعات الشركة في نوفمبر من عام 1944 م إنشاء مزرعة وبستان للفاكهة وذلك كبداية للمشروعات الزراعية، ولكن يبدو أن هذا المشروع لم يكتب له التمام فكان المشروع الأول الذي نفذ بالفعل هو مشروع خطوط نقل البضائع بالسيارات، فاشترت الشركة عددًا من السيارات حمولة 8 أطنان لاستخدامها في نقل البضائع، وتعاقدت مع بعض الهيئات الصناعية لنقل منتجاتها على تلك السيارات.


المشروع الثاني: في يونيو 1945م أعلنت الشركة عن بدء مشروعها الثاني والبدء في تنفيذه، وهو مشروع عمل قمائن لعمل الجير بأنواعه، وذلك كبداية لإنتاج جميع مواد البناء الأخرى من طوب وجبس وأسمنت.


وفي أكتوبر من عام 1945 م نفدت أسهم الشركة جميعًا وأقفل باب الاكتتاب علمًا بأنه فتح بعد فترة بمبلغ ثلاثين ألف جنيه مصري مقسم على أسهم، قيمة السهم أربعة جنيهات حتى يصبح رأسمال الشركة خمسين ألف جنيه مصري.


رأينا كيف أن الإخوان خاضوا المجال العملي وأنشؤوا الشركات التي أثبتت وجودها وفي الحلقة القادمة نكمل الشركات التي أنشأها الإخوان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وكيف تصدت للشركات الصهيونية.