مسجد جامعة الخرطوم دور رائد في الحياة السياسية السودانية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.

مسجد جامعة الخرطوم دور رائد في الحياة السياسية السودانية

لعب مسجد جامعة الخرطوم دوراً كبيراً في تحريك الحياة السياسية في السودان، باعتباره محطة الإسلاميين الأولى للتعبئة السياسية، وكان أحد الخنادق المهمة في مجابهة الأنظمة الغاشمة، وتوجيه الحركة الطلابية، منذ تأسيسه في نهاية الستينات على يد طلاب حركة الإخوان المسلمين ظل يلعب دوراً كبيراً في الحشد وتحريك الشارع السياسي الإسلامي في السودان..وكان في الوقت ذاته منارة للعلم والدعوة يمر عليها أكابر العلماء والدعاة من السودان وخارجه.


تأسيس المسجد

يخلط كثير من الناس بين بداية تأسيس المسجد، وبين انتقاله إلى مبانيه الحالية في تقاطع شارع الجامعة مع شارع القيادة العامة..


أما بداية التأسيس فقد كانت في ديسمبر 1968م، وكان حينها داخل مباني داخليات "البركس" كما يذكر الشيخ ياسر عثمان جاد الله أحد الأئمة الذي مروا على المسجد.. يقول الشيخ ياسر " تأسس المسجد بقرار من المكتب الدعوي للإخوان المسلمين، وبدأ في داخليات البركس، في مباني كانت حجرات معدة للألعاب في داخلية القاش التي يسكنها طلاب كلية القانون، وتمكن الإخوان من أخذ الإذن من إدارة الجامعة بتحويلها إلى مسجد، وكان المسجد يعج بالنشاط والحيوية ، وتقام فيه حلقات العلم، وأنشطة الصيام الجماعي، قيام الليل".


ويقال إنه أسس على هدي مسجد الجامعة الجزائرية الذي أنشئ بمبادرة و تشجيع من المفكر الإسلامي "مالك بن نبي" الذي كان يقول لأتباعه: " إقبلوا حجراً في الجامعة و لا تقبلوا قصراً خارجها".


أما انتقال المسجد إلى مبانيه الحالية فقد كان في بداية الثمانيات، وإن كان التفكير في ذلك قد بدأ منذ سنة 1977م، وكان للمهندس أحمد إبراهيم الترابي فضل كبير في أنشائه، فهو الذي وضع خرطته، وقد ساهم عدد من الإخوان تحقيق تلك الفكرة على رأسهم الشهيد عبيد ختم، والشيخ محمد كبير عز الدين الذي بذل جهوداً كبيرة في استقطاب الدعم اللازم لإكمال البناء.


دوره السياسي

لعب المسجد أدواراً محورية في كثير من المنعطفات السياسية الحادة التي مرت بها البلاد، وكان منبراً للحركة الإسلامية في عهود القهر السياسي العسكري..


وفي ثورة شعبان 1973م كان المسجد محلاً للتعبئة السياسية، تقام فيه الندوات، ويصدع فيه الخطباء بمعارضة سياسات نظام النميري في وقت حُلت فيه الاتحادات الطلابية، وكانت الندوات التي تقام فيها من أقوى الندوات، يؤمها ما لا يقل عن 3000 طالب.

وفي حركة يوليو 1976م فشلت عناصر حزب الأمة التي كانت تسيطر على الإذاعة، فشلت في تشغيل أجهزة البث، الأمر الذي جعل الحركة مجهولة الهوية للسودانيين، وكان ذلك عاملاً رئيساً في القضاء عليها!!..


وحتى بعد فشل الحركة وانتهائها، كان جهاز أمن النميري يركز على متابعة خطب الجمعة في مسجد الجامعة، ويجتهد في ملاحقة الخطباء، ويحكي الشيخ ياسر عثمان جاد الله الذي كان خطيباً للمسجد في تلك الفترة، أن الإخوان كان لهم طرق بارعة في تهريب الأئمة بعد الخطبة، بحيث لا يتمكن رجال الأمن من اعتقالهم.


من الأئمة الذين تعاقبوا على المسجد في فترة السبعينات؛ الشيخ حاج نور، ود.جعفر ميرغني، الشيخ ياسر عثمان جاد الله النذير، والشيخ حسن سليمان صاحب قصيدة "نسمات الفجر تتهلل"، الذي كان أحد شهداء الإخوان المسلمين في دار الهاتف- نحسبه كذلك- إبان حركة يوليو 1976م.


وبعد أن أعلن النميري تطبيق الشريعة الإسلامية كان لابد لمسجد الجامعة أن يؤيد تلك الأوبة إلى الله تعالى وشريعته، ويساندها.


الجبهة الإسلامية القومية التي ظهرت بعد انتفاضة رجب، استفادت من مسجد الجامعة في التعبئة السياسية، كما استفادت من غيره من المساجد، ومن عاش تلك الفترة يذكر ثورة المصاحف التي أعقبت خروج الجبهة من حكومة الوفاق الوطني، بعد موافقة حزب الأمة على "اتفاقية الميرغني قرنق" التي أقرت تجميد الشريعة الإسلامية..كان ذلك بوقت قليل قبل قيام ثورة الإنقاذ الوطني في يونيو 1989م.


مسجد الجامعة في عهد الإنقاذ

في عهد الإنقاذ انتقل الدور السياسي لمسجد الجامعة نقلة نوعية، حيث أصبح منبراً للدعوة إلى الجهاد، منه يندفع الشباب إلى أحراش الجنوب، يقاتلون حركة التمرد، في الملاحم الكثيرة التي شهدتها تلك الفترة، بل إن ثلة المجاهدين قد تولوا الخطابة في مسجد الجامعة، بعضهم لقي ربه-نحسبه شهيداً ولا نزكيه على الله تعالى- مثل الشيخ علي عبد الفتاح، والشيخ حاج نور، ومنهم من لا يزال حياً مثل الشيخ حاج ماجد، أمير الدبابين.


ولم يكن مسجد الجامعة بعيداً عن هموم الأمة الإسلامية خارج الحدود، فقد كان منطلقاً لمناصرة القضايا الإسلامية، مثل قضية أفغانستان، والعراق، وفلسطين..ومن أكبر الحشود الخطابية التي شهدها مسجد الجامعة كان المهرجان الخطابي الذي أقيم في أكتوبر 2001م استنكاراً لقيام أمريكا بضرب أفغانستان، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وشارك عدد من علماء السودان ودعاته، مثل د.عبد الحي يوسف رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم في ذلك الوقت، والشيخ محمد الأمين إسماعيل، والشيخ الأمين الحاج محمد أحمد، وأمراء الجماعات الإسلامية وممثليها مثل الشيخ سليمان عثمان أبونارو- أمير الإخوان في ذلك الوقت- والشيخ علي سعيد الناطق الرسمي باسم حزب التحرير، بالإضافة إلى إمارة المجاهدين.


منارة للعلم وملتقى للعلماء

من أشهر العلماء الذين جلسوا لتدريس العلم في مسجد الجامعة، الشيخ محمد نجيب المطيعي رحمه الله تعالى، صاحب "تكملة كتاب المجموع للإمام يحي بن شرف الدين النووي"، وهو شرح لكتاب "المهذب" للإمام الشيرازي، وكان النووي قد شرحه في خمس مجلدات ولم يكمله، فقام الشيخ المطيعي بإكماله في ثلاثة وعشرين مجلداً..


وقد عمل الشيخ المطيعي أستاذاً للحديث في جامعة أم درمان الإسلامية، وكان درسه في مسجد جامعة الخرطوم درساً حاشداً، بصورة لم يشهدها درس مثله، حيث كان الطريق العام ينغلق بسببه، وكان المطيعي رحمه الله تعالى من أوائل العلماء الذين نبهوا لانحرافات د.حسن الترابي الفكرية ردوا عليها، كما رد على أصحاب الفكر الضال مثل الجمهوريين، والقرآنيين.


ومن العلماء الذي مروا بالمسجد زائرين وخطباء؛ الشيخ د.يوسف القرضاوي، والشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي.


اعترض العلمانيون على استخدام المسجد كأداة للتعبئة السياسية، وهذه مسألة متأسسة على طبيعة تفكيرهم التي تقوم على أن الدين علاقة خاصة بين العبد وربه، ولا شأن لها الحياة العامة والسياسة، ولكنها لا تتسق مع طبيعة الإسلام الذي هو منهج للحياة، فيه يعتبر المسجد مؤسسة المؤسسات، فيه تقام الصلاة، ومنه تنطلق الجيوش، فيه يقضى ويحكم في أمر المسلمين، هكذا كان الأمر في صدر الإسلام..


ولهذا ليس غريباً أن يكون لمسجد الجامعة هذا الدور القيادي في الحياة السياسية السودانية..صحيح أنه قد شابته بعض الممارسات الخاطئة، حيث استغل في بعض الفترات مكاناً لانطلاق العنف الطلابي، ولكنها تبقى ممارسات خاطئة شاذة لا تعبر عن الدور الأصيل الذي لعبته هذه المؤسسة الرائدة في تاريخ الحياة السياسية السودانية.