مذبحة الإخوان المسلمين في ليمان طرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
417px-مذبحة الاخوان.jpg

بقلم / الأستاذ جابر رزق


الإهداء

إلى الرجل الذي تصدى للطغيان .. ووقف في وجه الطاغية الدكتاتور ثابتًا كالجبل الأشم مرفوع الرأس .. صادق العهد مع ربه .. وفيا .. أمينا لدعوته حتى النهاية..

إلى الإمام الممتحن.. المرشد العام للإخوان المسلمين المرحوم حسن إسماعيل الهضيبي.

جابر رزق


مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

مرت عشر سنوات على ظهور الطبعة الأولى من كتاب «مذبحة الإخوان في ليمان طرة» وهو كتاب وثائقي بالدرجة الأولى حول أبشع «مذبحة» أقامها نظام الطاغية عبد الناصر لمجموعة من الإخوان المسلمين ممن حكم عليهم في أحداث سنة 1954 عقب «حادث المنشية» التمثيلية المفضوحة والتي أعدم بسببها ستة من قادة الإخوان على رأسهم الشهيدان عبد القادر عودة والشيخ محمد فرغلي قائد المجاهدين الإخوان في حرب فلسطين وعلى ضفاف القنال .. وصدرت أحكام بالسجن على أكثر من ثمانمائة من أطهر أبناء الشعب المصري وأشرفهم وأخلصهم لأمتهم.

أقيمت المذبحة في أول يونيو سنة 1957 لمائة وثمانين من الإخوان المسلمين هم الذين بقوا في سجن ليمان طره بعد ترحيل إخوانهم إلى سجن المحاريق وسجن بني سويف .. وسجن أسيوط وغيرها من السجون خارج القاهرة.

لقد بلغ الطاغية عبد الناصر ورجال حكمه من النذالة والخسة واللا إنسانية أن أطلقوا الرصاص على المائة والثمانين من المسجونين من الإخوان المسلمين داخل الزنازين وهم عزل لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم لا لشيء إلا رغبة في إبادتهم ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾؟

واستشهد أكثر من عشرين من الإخوان .. وفقد عقله أكثر من العدد... واستطاع الطاغية الدكتاتور أن يحيط «المذبحة» بجدار من الصمت والتعتيم حتى لا يعرف الشعب المصري شيئًا عن المذبحة وكان لابد أن يمضي أكثر من عشرين عاما على المذبحة حتى تصدر الطبعة الأولى من كتاب «مذبحة الإخوان في ليمان طره» لتفضح الطاغية العميل وأزلام نظام الذين نفذوا جريمة المذبحة . وأعيد طبع الكتاب مرات... ومرات ومع ذلك لا يزال معظم الشعب المصري لا يعرف عن «مذبحة الإخوان في ليمان طرة» إلا القليل...

وكان لابد أن تمضي عشر سنوات أخرى حتى تظهر هذه الطبعة الجديدة التي تضم أخطر وثيقة عن المذبحة سطرها لواء شرطة بالمعاش كان وقت وقوع المذبحة «ملازم أول» في سجن ليمان طرة.. وشاهد المذبحة بعيينه.. وفي هذه الوثيقة «الشهادة» يكشف اللواء مجيد الخولي الأبعاد الحقيقية للمؤامرة التي انتهت «بالمذبحة»... وكيف طبخ التحقيق للتستر على المجرمين..

إن مذبحة الإخوان المسلمين في ليمان طرة ستبقى مجهولة لدى الشعب المصري حتى يهيء الله المناخ السياسي المناسب الذي تعرض فيه قضية: «مذبحة الإخوان في ليمان طره» أمام القضاء ليصدر فيها حكمه العادل ضد الطاغية السفاح جمال عبد الناصر والمجرمين من أزلام نظامه الذين نفذوا المذبحة وارتكبوا أبشع جرائم العصر... والله غالب على أمره.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون

23ربيع الأول 1408 - 15 نوفمبر 1987

مقدمة الطبعة الأولى

«مذبحة الإخوان في ليمان طره» أقامتها أجهزة جمال عبد الناصر في أول يونيو 1957 داخل ليمان طرة فأطلق الرصاص على الإخوان داخل الزنازين فاستشهد واحد وعشرون أخا وجرح اثنا وعشرون... وفقد البعض عقولهم .. وبقيت أسرار «المذبحة» إلى ما بعد وفاة جمال عبد الناصر لم يسمع الشعب شيئًا عنها.. وبعد صدور دستور سنة 1971 وتشكيل جهاز تحقيقات قضايا التعذيب تقدم عدد من أبناء الشهداء ببلاغات إلى النائب العام يطالبون بالتحقيق في «المذبحة» ولكن للأسف هناك من يقول إن الجريمة سقطت بالتقادم فقد مضى عليها أكثر من عشرين عاماً...

وبدأت الصحف تنشر بعض ما سمعته عن المذبحة، ونشر البعض صفحات قليلة في كتاب. .. أو فصلا ضمن كتاب، لكن كل ما كتب لم يوف الموضوع حقه... فأردت أن أجمع مادة أكبر مما نشر .. ولكني لا أدعي أنني وفيت الموضوع حقه.. وعذري ضيق الوقت.. وتفرق الكثيرين ممن عاشوا المذبحة ولا يمكن إعطاء الصورة الكاملة للمذبحة إلا بجمع مشاهدات جميع الأحياء ممن عاشوا المذبحة .. وهذا فوق الجهد الفردي.. وحسبي أنني أقدم أقوال ستة شهود ممن عاشوا المذبحة وكل جهدي أنني سجلت ما قالوه وأعدت صياغته.. شهادة للتاريخ.

وأسأل الله المغفرة .. وأن يختم لي وللإخوان بالصالحات...

القاهرة –شبرا

17 من المحرم سنة 1399هـ

17 من ديسمبر سنة 1978م.

توطئة: الشبيهان

تاريخ مذابح الإخوانالمسلمين في سجون جمال عبد الناصر لم يكتب حتى الآن. وكل ما كتب حتى الآن هو مجرد شذرات أقلام كتبت على عجل ولم تعط للموضوع حقه... ولم تقل كل الحقيقة .. لأن الحقيقة أكبر من أن يستوعبها كتاب أو مقال أو حديث ... أو سلسلة تحقيقات!!

وكم أتمنى لو كتب القادرون من الإخوان الذين عاشوا تلك المذابح مذكراتهم لتكون بين يدي الأجيال التي تسلك طريق الدعوة ... تستلهمها وتسترشد بها وتعرف من بين سطورها طبيعة الطريق الذي اختارته وضراوة المواجهة وحجم العداء .. وعمق الحق.. وخبث الكيد الذي تواجه به دعوة الإسلام التي تمثلها جماعة الإخوان المسلمين ، والتي أصبحت كما قال مرشد الجماعة الثاني المرحوم حسن الهضيبي الإمام الممتحن: «اسما لا يعبر عن منظمة في مصر.. وإنما يعتبر عنوانا لنهضة الإسلام وبعثة وحيوية في جميع البلاد الإسلامية من المحيط إلى المحيط.. وصارت دعوتهم رعبا للمستعمرين وأنصار المستعمرين والمنافقين والظالمين لأن الباطل يفزع من الحق أينما كان وحينما وجد»

وكما قلت في الجزء الأول من كتاب «مذبحة الإخوان في سجون ناصر» إنني لا أكتب تاريخا ولكنني فقط أجمع المادة الخام لصفحة من التاريخ الأسود للحقبة المظلمة التي مكن فيها لجمال عبد الناصر من حكم مصر لينفذ مخططا رهيبًا ضد الإسلام.. وضد الحركة الإسلامية ويمكن لأعداء الإسلام صليبين ويهود وشيوعيين.!!

والدور الذي لعبه جمال عبد الناصر لا يقارن به أي دور إلا الدور الذي لعبه من قبله كمال أتاتورك.

فليس أشبه بعبد الناصر من أتاتورك...

ولا أشبه بأتاتورك من عبد الناصر....

فكلاهما لعب دورا في تاريخ الإسلام لا ينكر، وكلاهما صنع مأساة أمته كما لم يصنعها أحد غيره!! وكلاهما.... حارب الإسلام.. وأنزل بالمسلمين النوازل والمحن!!

وكلاهما رسمت له القوى الخفية صورة أسطورية تعاونت أجهزة الإعلام العالمية.. غربية وشرقية.. ويهودية –في رسمها كي يحكم ويسود ...

وكلاهما .. خدع وخادع.. وغدر وتآمر .. وطغى وتجبر... وقتل وسجن وشرد من أبناء شعبه –لا أقول المئات بل الآلاف!!

وكلاهما عادى الإسلام ورجاله ... كأشد ما يكون العداء وكلاهما عاش بطلا أسطوريا مزيفا.. وبقي بطلا بعد موته لأن القوى الخفية أرادت ذلك!!

وكلاهما رسمت له القوى الخفية دورا في صناعة مأساة أمة الإسلام أداه بحذق فاق كل تصور وبعبقرية في الإجرام والخداع والتآمر والتزييف والتلفيق والإرهاب والقسوة لم يعرف لها مثيل إلا في القليل النادر من صفحات التاريخ الأسود للطغاة!!

وكما كفلتهما القوى الخفية في حياتهما كفلتهما بعد مماتهما!!

«فمصطفى كمال أتاتورك.. ما زال تمثاله أول ما تقع عيناك عليه في مطار استانبول!! وتماثيله تزداد بها الميادين وصورة تباع للسياح في السوق الحرة هناك، والدستور التركي لا يزال حارسا على نظام أتاتورك وكشف مخازيه وفضائحه التي بقيت سرا لأكثر من خمسين عامًا وأجهزة الإعلام في تركيا لا تزال تسبح بحمد أتاتورك وتشيد بإنجازاته التي أدت إلى خراب تركيا وصنعت مأساة شعبها!!»

«ومضي أكثر من نصف قرن على ظهور أتاتورك على مسرح تركيا.. وتنفيذه للمؤامرة الصليبية التي ألغت الخلافة الإسلامية .. وألغت الإسلام وألغت اللغة العربية وشوهت وجه تركيا المسلم وزيفته ومضي أكثر من ثلاثين عاما على وفاة «أتاتورك» ورغم ذلك بقي تاريخ (أتاتورك) بالقهر .. غامضا.. ومعتما.. ومزيفا .. ومزورا!! لأن عصمت إينونو رفيقه وخليفته حماه!! وسن من القوانين ما يحرس به نظامه!! ولأن الأقلام المأجورة لا تزال تقوم بدورها في النفاق والتزييف والتزوير!!»

«ولكن من يرد الله فضيحته لا يستره شيء وهذا ما حدث بالفعل ألصق شخص بأتاتورك هو الذي فضحه طبيب أتاتورك الخاص الدكتور رضا نور الذي لازم أتاتورك فترة حكمه الأسود.. كتب أربعة مجلدات روي فيها ما يعرفه عن أتاتورك وكشف عن فضائحه.. ومخازيه!!»

وكشف الدكتور رضا نور الطبيب الخاص لأتاتورك أبعاد المؤامرة اليهودية الصليبية على الخلافة الإسلامية, والأمة الإسلامية وعلى الدين الإسلامي وعلى الشعب التركي المسلم.. وعلى القيم الإسلامية والتقاليد الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، وعلى كل ما يتصل بالإسلام من قريب أو من بعيد! وكشف عن الثمن البخس الذي بيع به الإسلام ودولته وشعوبه!!»

وكشف ما هو أخطر .. كشف عن أصل أتاتورك وكيف ابن سفاح وأن أمه تزوجت بزوجها على رضا بعد مجيء أتاتورك إلى الحياة بغير أب شرعي!!.. وأنها كانت صاحبة علاقات غير شرعية وكشف حقيقة أمه .. وكونها يهودية من يهود الدونمة الذين هربوا من مذابح التفتيش في أسبانيا واستقروا في سالونيك!! وفضح الدكتور رضا نور .. أخلاق أتاتورك وأنه كان عربيدا زير نساء هاتكا لأعراض الفتيات الصغيرات اللاتي كان يقع اختياره عليهن. .وبعد أن يهتك عرض الواحدة منهن يزوجها لأحد جنوده ويعطية مكافأة...

فضائح.. وأخلاق يندي لها جبين الإنسان الحر..

والدكتور رضا نور طبيب أتاتورك الخاص كتب جزءا من مذكراته في مدينة الأسكندرية وأكملها في لندن وأوصى بعدم نشرها إلا بعد وفاته!! وحدث أن وقعت هذه المذكرات في يد ناشر تركي شاب اسمه «قدير أو غلي» قام بترجمة المذكرات إلى التركية ونشرها على الشعب التركي..

وفزع أتباع الطاغية أتاتورك. .. ومن ورائهم القوة الخفية وعملاؤها فقدم الناشر إلى المحاكمة وحكم عليه بالسجن اثنى عشر عاماً واختفى الكتاب من المكتبات ولكنه يتبادل سرا بين الشباب التركي هناك... ولا حديث للشباب هناك وخاصة الإسلاميين منهم إلا عن حقيقة الدور الذي لعبة أتاتورك وخيانته للإسلام وللأمة الإسلامية وللشعب التركي المسلم والمأساة التي صنعها تنفيذا للمخطط اليهودي الصليبي ضد الإسلام والمسلمين ولأن الشبه بين أتاتورك وجمال عبد الناصر كبير جدًا كما قدمنا لدرجة أن عبد الناصر يوصف بأنه (أتاتورك العصر) بعد إدخال التعديلات التي فرضتها الظروف التي تغير الزمان والمكان واستلزمتها أصول أصول اللعبة القذرة التي دبرتها القوى الخفية لتصنع المأساة التي تعيشها الأمة العربية بصفة خاصة والمسلمون بصفة عامة والتي ستدرك أبعادها الحقيقية الأجيال القادمة بعد اختفاء جوقات التمجيد والتزييف والتعتيم من المرتزقة والانتهازيين والوصوليين والمنتفعين والمتاجرين بالدفاع عن الطاغية الدكتاتور وحكمه وصفحات تاريخه الأسود. ولأن الشبه بين الطاغيتين كبير جدًا.. فإن موقف التاريخ أمام عبد الناصر يشبه موقف التاريخ أمام أتاتورك!! فلا زالت الحقيقة مضيعة.. ومعتمة.. ومجهلة، ولا زالت هناك أقلام مأجورة وأقلام انتهازية تتخذ من الدفاع عن عبد الناصر وسيلة للكسب وطريقة مستترة تقبض بها من أعداء الإسلام في الداخل والخارج على السواء!!

لكن سنين ما بعد عبد الناصر غير سنين ما بعد أتاتورك فالأحداث تتلاحق بصورة أسرع مما كانت عليه هناك.

ومصلحة القوى الخفية اليوم هناك غير مصلحتها بالأمس هناك لذلك لم يحتج الأمر إلى عشرات السنين حتى تنكشف حقيقة الدور الذي قام به عبد الناصر في صنع المأساة وكيف نفذه بأدق ما يكون التنفيذ!!

ومثل ما صنع باتاتورك .. يصنع اليوم بعبد الناصر أقرب الناس إليه.. وأخبرهم به .. وأعلمهم بحاله هم الذين يفضحونه ويكشفون صفحاته .. خالد محي الدين اعترف بأن عبد الناصر كان على علاقة بالمخابرات الأمريكية منذ مارس 1952 أي قبل قيام ثورة يوليو بأربعة أشهر فقط وعن طريق كيرميت روزفلت المهندس الأمريكي، لثورات المنطقة وقد تأثرت المنشورات التي كان يصدرها تنظيم الضباط الأحرار بهذه العلاقة.

وتحدث اللواء محمد نجيب في مذكراته أيضا عن هذه العلاقات وعن تواجد كيرميت روزفلت في مكتب جمال عبد الناصر عقب قيام الثورة وتحدث عن دوره في مفاوضات الجلاء بين عبد الناصر والإنجليز.. ودعك مما قاله مايلز كوبلاند صديق عبد الناصر الحميم في كتابه (لعبة الأمم) عن تلك العلاقة وكشف البغدادي عن شخصية عبد الناصر التآمرية عندما دبر ستة انفجارات حدثت كلها في يوم واحد، في أماكن متفرقة، واحد منها في مبنى محطة السكة الحديد، واثنان بالجامعة، وآخر بمحل جروبي وكان غرضه من هذه الانفجارات هو التدليل على ضرورة إعمال البطش والقهر للشعب لأن هذه الانفجارات حدثت نتيجة الميوعة الظاهرة في موقف الحكومة.!!

وكشف البغدادي أيضا عن الأربعة آلاف جنيه التي اشترى بها عبد الناصر الصاوي محمد الذي قاد مظاهرات مارس والتي خرجت تهتف «تسقط الحرية»!!

وتحدث حسن التهامي، وكان من أقرب المقربين من جمال عبد الناصر .. في مقال نشرته له الأهرام: واستدعاني جمال عبد الناصر ببرقية عاجلة فحضرت إلى القاهرة والتقيت في اليوم التالي من وصولي بعدد من أعضاء مجلس الثورة القدامى وزملائي المطلعين على مجريات الأمور حتى استكمل الصورة السياسية للموقف الذي تصورت أنه طلبني للمقابلة بشأنه وحتى أتعامل على ضوئها في وضوح رؤية وأخذني العجب إذ قال لي أحد أعضاء مجلس الثورة القدامى بالنص:

- إياك أن يخدعك مظهره.. إنه في موقف يبحث فيه عن وجوه معروفة باتجاهها الوطني ليتمسح فيها ويخفي وجهه الحقيقي خلفها لأن أوراقه كلها انكشفت في هذه المرحلة!!

ويقول التهامي في نفس المقال:

- وطمع في عبد الناصر أكثر من حوله ولبسوا له جلد النمر واستخدموا معه نفس مادة فكره في الإحاطة بمصائر الناس والتحكم فيها فوضع له أقرب أعوانه ميكروفونات التجسس في مكتبه الخاص وأماكن لقاءاته بالناس وصار يسجل له وعليه كل شيء فانتهت به تلك المرحلة إلى اختلال موازين علاقاته بالناس وارتدت عليه أساليب معاملته لهم فسيطر عليه موازين علاقاته بالناس وارتدت عليه أساليب معاملته لهم فسيطر عليه الخوف والشك: الخوف مما كان يفعله بالبعض خفية والشك في كل شخص تقريبا، وتمزقت نفسه بين هذين الإحساسين واستحال عليه أن يدفن سره في قرارة عقله الباطن الذي أجهده فقتل عبد الحكيم زميله ومعينه على مدى تاريخ حكمه.. وأحس عبد الناصر بانفضاح أمره وانكشاف ستره وتجسدت أمام ضميره نتائج أعماله..

- وقال حسن التهامي: إن عبد الناصر هو الذي أمر عبد الحكيم عامر بالسفر إلى الجبهة بالطائرة في ذات الساعة التي هاجمت فيها طائرات إسرائيل مطاراتنا ولم تطلق بطاريات الدفاع الجوي قذائفها خوفا على طائرة المشير ولما سئل عبد الناصر لماذا هذه الساعة بالذات أعاد إجابته:

- أنا الذي أمرته بالطيران في هذه الساعة أمال يقعد في مصر وعامل نفسه قائد!!

وأجاب عبد الناصر على سؤال حسن التهامي.

من الذي أمر بالانسحاب حقيقة؟

فقال عبد الناصر بمنتهى الصرامة والصراحة والوضوح والتحدي:

أنا الذي أمرته بالانسحاب!!

وسأل التهامي عبد الناصر:

- لماذا كان الانسحاب إلى الضفة الغربية للقناة، ولم يكن إلى الضفة الشرقية التي كان يمكن الدفاع عنها إذا احتلت قواتنا جانبي القناة؟؟

- فقال عبد الناصر بصراحته أيضا وبتهكم:

- أنا أمرت بالانسحاب إلى الضفة الغربية!!

وعلق حسن التهامي على إجابة عبد الناصر السابقة بقوله لعبد الناصر:

-أتخيل أن ذلك كان قضاء مصر وقدرها على يديك ولا زلت أتصور أنه لابد خلف هذا الإجراء شيء آخر سأصل إلى معرفته إن شاء الله يوم ما ولن أقتنع بأن ما حدث خطأ في التصرف من أحدكما.

فماذا يعني حسن التهامي من هذه الفقرة الأخيرة إلا أن هناك مؤامرة وخيانة لمصر وشعب مصر بطلاها عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.

وسأل التهامي جمال عبد الناصر:

-من الذي قتل عبد الحكيم عامر أو كيف انتحر؟!

- فقال عبد الناصر بوضوح واختصار:

- عبد الحكيم أخذ السم عندي هنا في البيت!!

إننا ننتظر الكثير من الحقائق التي لم تعرف بعد عن تاريخ جمال عبد الناصر والتي لا تزال معتمة ومجهلة عمدًا، وربما احتاج كشفها إلى عشرات السنين لأن كثيرين من شركاء عبد الناصر لا يزالون أحياء.. وما كشف من تاريخ عبد الناصر الأسود هو القدر الذي لا يلطخ غيره من الأحياء بالخزي والعار أو يصمهم بالخيانة والعمالة للقوى الكبرى!!

إن الحقيقة التاريخية لتلك الحقبة السوداء التي وصلت بالشعب المصري وبالأمة العربية والإسلامية إلى ذروة المأساة لا تزال ضائعة رغم كل ما كتب وقيل على ألسنة الذين شاركوا عبد الناصر فيحكمه الأسود لأن الكثير مما يجب أن يقال لم يحن حينه حتى الآن ولكن مهما طال الانتظار سوف تمزق الأستار ذات يوم فتبدو الحقيقة عارية لا يحجبها شيء عندئذ سترى الأجيال القادمة حقيقة القوى التي كانت تمسك بخيوط الدمى التي صنعتها بيديها وقدمتها على المسرح كأبطال أسطوريين .. ليلعبوا الأدوار التي رسمت لهم حتى ولو كان في ذلك ضياع أوطانهم ... واستذلال شعوبهم!!

وعبد الناصر .. وأتاتورك أنموذجان لهذه البطولة الأسطورية الزائفة . التي أتقنت صنعها القوى العالمية المعادية للإسلام والمسلمين!!

والفرق بين أتاتورك.. وعبد الناصر ... هو أن الأول صناعة إنجليزية...

والثاني صناعة أمريكية..!!

والاثنان حققا لليهود .. أغلى أمانيهم..

أسقط الأول الخلافة الإسلامية!!

وأعطى الثاني شهادة ميلاد لدولة إسرائيل!! بهزيمة يونيو 1967...

عبد الناصر ينفذ المخطط الأمريكي للقضاء على الإخوان المسلمين

بعد الحرب العالمية الثانية وجدت أمريكا المسرح العالمي مهيأ لتحل محل إنجلترا وفرنسا زعيمتا الصليبية العالمية عدو الإسلام الحاقد منذ الحروب الصليبية .. وحتى تلك اللحظة....

وبدأت عملية تسلم وتسلم بعد الحرب... بين أمريكا وحليفتيها اللتين كانتا تمثلان الاستعمار القديم المتمثل في الاحتلال العسكري لبلدان الوطن الإسلامي طوال قرنين من الزمان.

وكانت حركة البعث الإسلامي قد اشتد عودها وأصبحت تقود حركات التحرير الشعبية في الوطن الإسلامي الكبير ضد المستعمرين خاصة بعد أن فقدت الشعوب الإسلامية ثقتها في لعبة الأحزاب السياسية التي حكمت من خلالها الدولة الاستعمارية أكثر شعوب الوطن الإسلامي..!!

«وكانت الحرب العالمية الثانية قد سببت نزفا هائلا في احتياطي البترول بأمريكا مما جعل خبراء الاستراتيجية الأمريكيين ينظرون لحقول النفط في بلدان الوطن الإسلامي على أنها المنابع التي يمكن أن تمولهم في المستقبل إذ كانت تلك الحقول غنية وكبيرة إلى حد خيالي، وبها حسب تقدير عام 1948- 60% من احتياطي البترول المؤكد في العالم.. والواقع أن أكثر الاحتياطي العالمي من النفط خارج أمريكا متركز في المنطقة المسماة بالحزام الإسلامي وهذه المناطق يقطنها المسلمون...

لذلك... ومن أجل النفط كانت العلاقات الأمريكية مع العالم العربي.. ومع المسلمين في كل مكان ذات أهمية جديدة»

بالإضافة إلى البترول .. والموقع الاستراتيجي للعالم الإسلامي وكانت مسئولية حماية الدولة اليهودية «الوليدة» تقع على أمريكا وتأمين مستقبلها!!

ورأت أمريكا أن الصفقة رابحة... وعليها أن تعيد تخطيط سياستها... بل وتخطيط المنطقة من جديد!!

ولكن... كانت الحركة الإسلامية –والإخوان المسلمين –في طليعتها هي مصدر الخطر الوحيد الذي يهدد أحلام المستعمرين الجدد!! وبرميل البارود الذي يمكن أن ينفجر فنسف أطماع هؤلاء المستعمرين بما فيهم إسرائيل نفسها.

وبدأت أمريكا تخطط وترسم سياستها معتمدة في ذلك على تجاربها العديدة في دول أمريكا اللاتينية... وكان محور سياستها في المنطقة القضاء على الحركة الإسلامية .. وفي طليعتها الإخوان المسلمين ..!! ولكن كيف؟!

ولم تطل الحيرة بالمسئولين الأمريكيين الذين عهدوا إلى وكالة المخابرات المركزية بمشروع نموذجي .. كتجربة أولية واختيرت بلاد الشام عام 1949 لتكون حقل التجربة الأمريكية في قيام الانقلابات العسكرية التي توالت بعد ذلك في دول الوطن الإسلامي ثم كانت العملية الكبرى في مصر نقطة الارتكاز ومفتاح السيطرة الكاملة على المنطقة!! وبدأت اللعبة وكان المسرح في مصر مهيأ تمامًا.

يقول أحمد مرتضى المراغي وزير داخلية مصر عند قيام الثورة:

«لا أظن أن المصادفة المحضة التي جاءت بكيرميت روزفلت إلى القاهرة خصوصا أنه قد تبين أن كيم روزفلت هو من كبار رجال المخابرات الأمريكية، وكان له دور بارز في ما بعد في إسقاط حكومة مصدق في إيران وليست المصادفات هي التي أتت برجال الأعمال الأمريكيين إلى القاهرة ولا هي التي جعلت الحكومة الأمريكية تضاعف عدد رجال السفارة الأمريكية في القاهرة .. .كل ذلك في وقت كانت مصر في حالة غليان ضد الحكم القائم وعلى رأسه الملك فاروق وكانت حركة الضباط الأحرار قد اشتد ساعدها إلى أبعد مدى وجابهت الملك في انتخابات نادي الضباط وأعلنت تحديها له بترشيح اللواء محمد نجيب لرئاسة نادي الضباط ضد مرشح الملك اللواء حسين سري عامر.. وكانت منشورات الضباط الأحرار تغمر شوارع المدن المصرية وكانت أسماؤهم معروفة أكثرها لدى الحكومة وقائد الجيش حيدر فكيف لا تكون معروفة لدى المخابرات الأمريكية والبريطانية؟!! بل كانت معروفة».

«ولما يئس الأمريكان والإنجليز من فاروق اتجهوا نحو الضباط الأحرار وحالوا الاتصال بهم وجرت هذه المحاولة عن طريق ضابطين في الجيش هما البكباشي عبد المنعم أمين.. وقائد الجناح علي صبري والتقطت المخابرات الأمريكية من وسط الضباط الأحرار جمال عبد الناصر.. أقوى شخصية في التنظيم وقام التفاهم ولعب عبد الناصر دوره بحذق..

كتبت النيويورك تايمز الأمريكية مقالا في عددها الصادر نهار الخميس 28إبريل سنة 1966.. قالت: «يتوجب الشكر لجمال عبد الناصر فصلاته بوكالة المخابرات المركزية قبل أن يستولي على السلطة في مصر مكنت هذه الوكالة أي الـ (سي آي ايه) من أن يكون لها صفقات وثيقة مع حكومة ناصر قبل أن تثير الولايات المتحدة غضبه بسحب مساعدتها الموعودة لبناء سد أسوان.. واستمرت بعض هذه الصلات المصرية مع الوكالة حتى في السنوات الأخيرة التي مرت فيها العلاقات المصرية ببعض الشدة» وكان القضاء على جماعة الإخوان المسلمين واحد من تلك الصفقات بين حكومة ناصر ... وبين المخابرات المركزية!!

واستطاعت المخابرات المركزية أن تقنع عبد الناصر بتطابق مصلحته مع مصلحتها في ضرب جماعة الإخوان المسلمين بل أكثر من ذلك هي التي فكرت له – وخططت لإيجاد المبرر الذي يتخذه عبد الناصر أمام الشعب المصري لضرب الإخوان المسلمين وكان المبرر هو «حادث المنشية» الذي يعتبر نقطة التحول الخطيرة في تاريخ عبد الناصر وتاريخ مصر بل وتاريخ الأمة العربية!!

لماذا أمر عبد الناصر بإطلاق الرصاص على الإخوان داخل ليمان طره؟

نجحت أجهزة عبد الناصر في تدبير حادث المنشية ونفذته بحذق ومهارة عملا بنصيحة «الخبير الأمريكي في الدعاية والإعلام» كما سماه حسن التهامي في مجلة روز اليوسف حين كتب عن الحادث وقال عنه:

«كان أشهر خبراء العالم وقتها في الدعاية وكان قد حضر إلى مصر وكان من بين مقترحاته غير العادية والتي لم تتمش مع مفهومنا وقت اقتراحها هو اختلاق محاولة لإطلاق الرصاص على عبد الناصر ونجاته منها فإن هذا الحادث بمنطق العاطفة والشعور الشعبي لابد وأن يزيد شعبية عبد الناصر لتأهيله للحكم الجماهيري العاطفي أكثر من أي حملة دعائية منظمة توصله إلى القيادة الشعبية من أقرب الطرق العاطفية بالنسبة لنا كان مرادفة هذا الحادث لهذه الفكرة وحدوثها بعد الاقتراح بشهور قليلة جدا مثار دهشة كنا فسرناها وقتها توارد أفكار عجيبة ومصادفة غير عادية» انتهى كلام حسن التهامي وهو واحد من أقرب رجال عبد الناصر في تلك السنوات!!

والحقيقة –في ظني- أن الخبير الأمريكي هذا لم يكن خبيرا في الدعاية- كما يقول حسن التهامي – وإنما كان واحدا من رجال المخابرات الأمريكية الذين خططوا وأعدوا ونفذوا «العملية الكبرى» في مصر وهذا ما اعترف به مايلز كوبلاند رجل المخابرات الأمريكية والصديق الشخصي لجمال عبد الناصر في كتابه «لعبة الأمم» حين قال:

«ومن ناحية تنفيذ العملية يقصد ثورة يوليو!! كان من المعتقد أن ذلك سهل ليس فقط بسب طبيعة شعبها وطبيعة ساستها بل أيضا بسبب أن عندنا منفذين مشهود لهم بالمهارة يعرفون البلاد معرفة جيدة ومن بينهم روزفلت نفسه رئيس اللجنة» ولقد حققت «مسرحية المنشية» النتائج التي تصورها خبير الدعاية الأمريكي في رأي حسن التهامي.. ورجل المخابرات الأمريكية في رأينا وكنت نقطة التحول الخطيرة في التاريخ لا أقول في تاريخ عبد الناصر كما قال عبد اللطيف البغدادي في مذكراته الجزء الأول ص190 معلقا على نتائج الحادث:

«وقد نال جمال عبد الناصر عطف الشعب وإعجابه على أثر هذا الحادث وكانت هذه هي نقطة تحول لصالحه! وبعد أن كانت أغلبية الشعب تنظر إليه نظرة عدم ارتياح منذ أزمة محمد نجيب إلا أنه بعد هذا الحادث انقلب الوضع ونال إعجابهم وتقديرهم ولقد عاد جمال إلى القاهرة في اليوم التالي للحادث من الأسكندرية بالقطار واستقبلته جماهير الشعب في محطات السكك الحديدية المختلفة استقبال الأبطال كما استقبل في القاهرة استقبالا شعبيا حافلا وكانت هذه الخطوة –يقصد حادث المنشية من الإخوان سببا في حل جمعيتهم وإلقاء القبض على الأستاذ الهضيبي أمين الدعوة وعدد من زعمائها والكثير من أعضائها وخاصة أعضاء المنظمة السرية الخاصة بهم».

نعم.. لقد كان حادث المنشية هو نقطة التحول الخطيرة -كما سبق أن قلت- لا في تاريخ عبد الناصر بل في تاريخ مصر والمنطقة كلها لأنه كان إعلانا بميلاد «البطل» الذي ستسلم له الجماهير مقادها فيقوها حيث يراد بها.. وقد كان!!

لقد اتخذ جمال عبد الناصر –بتخطيط من المخابرات الأمريكية الحادث مبررا للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين لأنهم في نظرهم العقبة الكئود أمام مخططهم في المنطقة فأقام مذبحة السجن الحربي الأولي بعد أقل من ساعتين من الحادث لأن الأمر كان معدًا من قبل ولقد استمرت التحقيقات أو قل «انتزاع الاعترافات» من الإخوان ومحاكمتهم عاملا كاملا!! وعلق على أعواد المشانق ستة من الإخوان في مقدمتهم أربع من قيادات الجماعة على رأسهم القاضي الشهيد الأستاذ عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي قائد الإخوان في حرب فلسطين ونائب الشهيد يوسف طلعت .. بالإضافة إلى الذين أرهقت أرواحهم تحت وسائل التعذيب الجهنمية أثناء التحقيقات.. وزج في غياهب السجون ما يقرب من ألف من خيرة أفراد الجماعة أصدرت محاكم عبد الناصر العسكرية عليهم أحكاما بالإعدام خفف إلى المؤبد (25سنة أشغال شاقة مؤبد) وأحكامًا أخرى قل حكم فيها هو الأشغال الشاقة خمس سنوات.

وكانت هذه الضراوة والقسوة والوحشية التي واجه بها عبد الناصر للإخوان في السجن الحربي.. وتحت السياط، وعلى أعواد المشانق والمبالغة في إصدار الأحكام بالسجن مددا تتراوح بين 25سنة و 5سنوات أشغال شاقة والضغط والتضييق وتكدير حياة المسجونين بكل الوسائل ليلا ونهارًا في السجون المدنية وإرهاب أهالي الإخوان خارج السجون والضغط على الزوجات والأبناء والآباء والأمهات وإرغام زوجات الإخوان على طلب الطلاق من أزواجهن ومحاولات الانحراف بمن يستطيعون الانحراف به من أهالي الإخوان خارج السجون كل هذا وسيلة ليس هدفا في ذاته .. كان وسلة لتدمير الإيمان في قلوب الإخوان «بدعوتهم» والانفضاض عن جماعتهم!!

وهذا هو الثمن .. أو بعض الثمن الذي قدمه جمال عبد الناصر للأمريكان في مقابل كفالته ودعمه وتصفية كل القوى التي تقف عقبة في طريق خلق شخصية (الزعيم) وإفراده بالسلطة والزعامة!!

وكان عبد الناصر يظن أن هذا الهد سهل ميسور، ويعتقد أنه لن يبقى من الإخوان من يتحمل هذه الضراوة ويبقى على استمساكه بدعوته وتمسكه بجماعته... ولكن خاب ظن عبد الناصر وباءت جهوده كلها بالفشل فالإرهاب الذي وصل إلى ما هو أفظع من الموت!! لم يمنع الإخوان من مواصلة الجهاد والعمل للدعوة والاستمساك بالجماعة حتى في أشد أيام الإرهاب وليس أدل على ذلك من أنه رغم محاكمة كثير من الإخوان الذين لم يمكنوا أجهزة عبد الناصر من القبض عليهم وإصدار أحكام غيابية عليهم إلا أن هؤلاء الإخوان لم يتقاعسوا ولم يتوقفوا عن العمل للدعوة الشهيد محمد يوسف هواش عندما ذهبوا للقبض عليه واختفى الشهيد هواش ولكنه أخذ ينظم من بقي من الإخوان خارج السجون وأخذ يقودهم هو واستطاعت أجهزة الأمن أن تكتشف نشاط هواش الجديد فألقت القبض على التشكيل وتمكن هواش من الإفلات للمرة الثانية من أجهزة عبد الناصر .. وأخذ يشكل تنظيما آخر وكان هذا التنظيم من شباب المدارس الثانوية وطلاب الجامعات .. وكان من بين هؤلاء من لا تزيد سنه عن الخامسة عشرة إلا قليلا وحتى أقطع الطريق على المضللين وأزيل الغشاوة التي صنعتها دعاية عبد الناصر ورجاله إعلامه المفترين للكذب أقول إن هذا التنظيم الأخير كان من أجل تمويل أسر المسجونين التي لا عائل لها!!

وفي هذه المرة ألقى القبض على الشهيد محمد يوسف هواش قدرا وكان أغلب إخوان «مذبحة ليمان طرة» موضوع هذا الكتيب من هذا التنظيم أي من طلاب المدارس الثانوية وطلاب الجامعات!

انتهت عمليات القبض على الإخوان ومحاكمتهم بعد أكثر من عام ورحل من صدر عليه حكم بالسجن إلى السجون المدنية واعتقل من لم تستطع المحاكم العسكرية أن تختلق له تهمة تدينه بها واستمروا في المعتقل بالسجن الحربي وسجن القلعة ما يقرب من عامين...

وكانت حياة المسجونين لا تخلو من وسائل الضغط والتضييق والاستفزاز والتكدير .. ومر أكثر من عامين على حادث المنشية لاقى فيهما الإخوان ما لا قوة من قتل وتعذيب واعتقال وسجن وتشريد ومطاردة داخل البلاد وخارجها.. ولقد أنشئت سجون خصصت للإخوان في «الواحات» و «المحاريق» في صحراء الصعيد الغربية ولكن هذا كله لم يهن في عزائم الصادقين من الإخوان ولم يصرفهم عن دعوتهم و «جماعتهم» بل كلما اشتدت وسائل الضغط والتضييق والتعذيب ازداد الإخوان تماسكا ببعضهم البعض واستمساكا بدعوتهم وجماعتهم.

ولقد حاولت أجهزة عبد الناصر وبصفة خاصة القسم الخاص بالنشاط الإسلامي من المباحث العامة أن توجد ثغرة تنفذ منها داخل صفوف الجماعة لتمزقها واستطاعت هذه الأجهزة أن تنشر الفتنة عن طريق التلويح بالإفراج لبعض الذين لم يتحملوا صنوف الضغط الواقع على الإخوان داخل السجون وعلى أهلهم خارج السجون وصورت هذه الأجهزة لهؤلاء أن الأمر بسيط لا يعدو مجرد إرسال برقية تأييد لنظام جمال عبد الناصر !!وكانت هذه البرقية يطلق عليها الإخوان «الزحليقة» لأن الذي رضى لنفسه أن يرسل هذه البرقية رضي أن يكتب ما هو أسوأ منها! ولكن بعض هؤلاء لم ينحدر إلى أبعد من إرسال هذه البرقية!!

وكانت فتنة بدأت أول ما بدأت في سجن الواحات الذي أنشء خصيصًا للإخوان والذي كان يصم معظم قادة الجماعة وعلى رأسهم: الأستاذ عبد العزيز عطية رحمه الله، والشيخ أحمد شريت رحمه الله .. والأستاذ عمر التلمساني رحمه الله والسيد محمد حامد أبو النصر أعضاء مكتب الإرشاد الذين ثبتهم الله على دعوتهم ومئات آخرون من الجيل الذي رباه الإمام الشهيد حسن البنا على الجندية الحقة والفدائية الخالصة أمثال الأخوة: أحمد حسنين.. ومصطفى مشهور وكمال السنانيري عليه رحمة الله، ومحمد سليم عليه رحمة الله، ومحمد العدوي.. وصلاح شادي، ومصطفى الكومي.. وغيرهم كثيرون .. كثيرون ثبتوا على دعوتهم كالقمم الراسيات .. لم يهنوا ولم تضعف عزائمهم ولم تلن إرادتهم ولم تترنح قلوبهم ولم تنل منهم الفتنة، بل ازدادوا استمساكا بدعوتهم وحرصا على جماعتهم ف ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾.

وأرادت المباحث العامة وكان على رأس القسم الخاص بنشاط الإخوان أحمد صالح داود الذي أذله الله فطرد في أحداث 15 مايو سنة 1971- أرادت أن تنقل الفتنة إلى السجون الأخرى التي بها الإخوان وكان سجن ليمان طرة واحدا من تلك السجون وبه 180 أخا أغلبهم من الشبان صغار السن دون العشرين بقليل أو تجاوزوا العشرين بقليل فعدد كبير منهم كانوا طلاب بالمدارس الثانوية والجامعات وكما سبق أن قلت أنهم من التشكيل الثالث أو الجيل الثالث من الإخوان الليمان الحاج أحمد البس وهو من الرعيل الأول الذي رباه حسن البنا إلا أنه استطاع أن يهرب من أجهزة عبد الناصر ما يقرب من عشرة أشهر واستمر يعمل مع الشهيد هواش حتى قبض عليه معه وحوكم، وحكم عليه بالإعدام الذي خفف إلى المؤبد (25 سنة أشغال شاقة مؤبدة) وكان يوجد أيضا في مستشفى الليمان الشهيد سيد قطب، والشهيد محمد يوسف هواش حيث يعالجان

كانت هذه المجموعة من الإخوان بالنسبة لجهاز المباحث العامة «كالصندوق المغلق لا يمكن النفاذ إليه لمعرفة ما فيه» هكذا كان يردد أخبث الضباط الذين صادفهم الإخوان طوال فترة سجنهم التي استمرت أكثر من عشرين عاما وهم: الضابط عبد العال سلومة، والضابط عبد اللطيف رشدي، والضباط عبد الله ماهر وهم الذين نفذوا المذبحة.

وكان الضغط والتضييق والتكدير الذي يمارسه هؤلاء المناكيد يزيد إخوان الليمان استمساكا بدعوتهم وحرصا على جماعتهم ويقوي أخوتهم ويوثق رابطتهم وكانوا لقرب سجن الليمان من القاهرة أكثر الإخوان تعرضا للخبث والكيد لأن هؤلاء الضباط المناكيد كانوا تحت سمع وبصر جهاز المباحث وكانوا يتقربون إليه بالبطش والتنكيل والضغط والتضييق والتكدير الذي يوقعونه على الإخوان.

ولكن خاب سعي جهاز المباحث وأعوانه من ضباط سجن الليمان في بذور الفتنة بين الإخوان داخل سجن الليمان، وكان الضابط عبد العال سلومة هو الذي وقع عليه الاختيار لبذر بذور هذه الفتنة ولكنه خاب وخسر ولم يجد آذانا صاغية لما يقول.. كان يأتي لمن يظن به ضعفا من الإخوان ويقول له:

لماذا لا تريد الخروج من السجن؟! أليس لكم أهل تحبهم وتخاف عليهم؟ إن الأمر بسيط لن يكلفك أكثر من برقية تأييد للرئيس في مناسبة من المناسبات!!

فكان الأخ يرد عليه قائلا:

- أنا على استعداد أن أعمل أي شيء بشرط أن يأذن لي فضيلة المرشد العام الأستاذ الهضيبي بذلك!!

- فكانت هذه الإجابة تملأ قلوب الضباط المناكيد حقدًأ وتفجر غيظهم .. وتؤجج سعارهم فيزدادون ضغطا على الإخوان.

وبالطبع كانوا يبلغون المسؤولين في جهاز المباحث بهذا المجهود الفاشل الذي كانوا يؤدونه تقريبا إليهم وتنفيذًا لأوامرهم..

وبالطبع أيضا كان المسؤلون في جهاز المباحث بدورهم يرفعون التقارير عن أوضاع الإخوان داخل السجون لأسيادهم الكبار أمثال صلاح الدسوقي الشيشتاوي رجل عبد الناصر وجاسوسه على زكريا محيي الدين، وأركان حرب وزارة الداخلية وقتئذ وأحد الذين غمسوا أيديهم في دماء الإخوان منذ مذبحة السجن الحربي الأولى سنة 1954 والذي أشرف على تنفيذ مذبحة ليمان طرة وزكريا محيي الدين وزير الداخلية وقت المذبحة.. وكان –صلاح الدسوقي.. وزكريا محيي الدين بدورهما- يرفعان لعبد الناصر التقارير عن الإخوان لأنهم يعلمون درجة اهتمام عبد الناصر وحرصه على القضاء عليهم..!!

ولا يمكن أن يتصور أي إنسان يعرف جمال عبد الناصر وتسلطه وجمع مقاليد الأمور كلها في يده.. أن ضابط سجن الليمان سواء مدير الليمان اللواء سيد والي .. أو الضباط المناكيد عبد العال سلومة وعبد اللطيف رشدي .. وعبد الله ماهر أن يصنعوا هذه المذبحة من عندياتهم!! بل لا يمكن أن يتصور إنسان أن زكريا محيي الدين وزير الداخلية .. أو صلاح الدسوقي الشيشتاوي أركان حرب الوزارة يستطيعان أن يصدرا أمرا بإطلاق الرصاص على الإخوان المسلمين العزل داخل سجن الليمان لتكون أبشع مذبحة في القرن العشرين... وأخس صورة لغدر جمال عبد الناصر ونذالة معاونيه!!

إنني لا أتصور أن زكريا محيي الدين كان يستطيع أن يصدر أمرا بإطلاق الرصاص على هؤلاء العزل من الإخوان داخل زنازينهم دون أمر من جمال عبد الناصر شخصيًا لا لأن زكريا محيي الدين أقل إجراما من جمال عبد الناصر ولكن لأن جمال عبد الناصر استطاع بمعاونة الأمريكان أن ينفرد بكل السلطة وكل الذين بقوا بجانبه في السلطة كانوا إمعات وخدما له وكلاب حراسة لنظامه ينفذون أوامره هو ويحققون رغباته وكل ما يتصورون أنه يرضيه!!

إنني لا أقلل من إجرام زكريا محيي الدين في التنكيل بالإخوان ولا من إجرام صلاح الدسوقي الشيشتاوي ولا من إجرام مدير الليمان، ولا من إجرام الضباط المناكيد الذين نفذوا المذبحة ولا من إجرام كل من اشترك في إطلاق رصاصة على الإخوان في هذه المذبحة، ولكنني أريد أن أدحض أقوال الذين يفترون الكذب ويشهدون الزور دفاعا عن جمال عبد الناصر وتبرئة له من الجرائم التي وقعت في عهده الأسود ويرتدون أن يلصقوها في الأجهزة التي كانت تنفذ أوامره وتدين له بالولاء والطاعة.. إن جمال عبد الناصر هو المجرم الأول لأن كل من دونه: ابتداء من زكريا محيي الدين، وصلاح الدسوقي الشيشتاوي إلى جنود الكتيبة الذين أطلقوا الرصاص على الإخوان العزل داخل زنازين الليمان ما هم إلا كلاب حراسة كما قلت وأدوات تنفيذ لما كان يأمر به هذا الطاغية العميل!!

إن مذبحة ليمان طرة.. هي بحق مذبحة المذابح.. بمعنى أنها أشد الأهوال التي لا قاها الإخوان في سجون المسلمين ... وهي تجسد أحط دركات الخسة والغدر والنذالة التي اتسم بها جمال عبد الناصر في تلك الحقبة السوداء التي مكن فيها من حكم مصر وصنع المأساة التي تعيشها الأمة العربية كلها وليست مصر وحدها.

إنني أرى هناك علاقة وثيقة بين مذبحة الإخوان في ليمان طرة في يونيو سنة 1957 ومذبحة الجيش المصري التي أقامها أيضا جمال عبد الناصر وأسياده الأمريكان والروس في سنة 1967 وكانت الهزيمة التي لم يكشف بعد عن أبعاد الخيانة فيها !! لقد ألبس الله عبد الناصر في يونيو 1967 أي بعد عشر سنوات لباس الخزي والعار وفضحه على رءوس الأشهاد وبلسان أقرب المقربين إليه إنني لن أصف كيف وقعت المذبحة ولكني أترك الذين شاهدوها وعاشوها يروون فليس من سمع كمن شاهد وعاين.. وأنا هنا لا أؤرخ- كما سبق أن قلت في كتاب المذابح ولكني فقط أجمع مادة خاما تسهل عمل المؤرخ لتلك الحقبة السوداء.

الشاهد الأول: عطية محمد عقل

هذا هو الشاهد الأول .. الذي يروي لنا أحداث مذبحة الليمان.. ساعة ساعة ويوما يوماً....

اسمه: عطية محمد عقل.. من حي شبراً... يعمل الآن مدرسا بمدارس منارة الإيمان بالرياض- المملكة العربية السعودية.. ألقي القبض عليه يوم 23 أغسطس سنة 1955... وعاش مذبحة السجن الحربي الأول بعد تمثيلية المنشية... ثم قدم للمحاكمة بالتهمة التقليدية التي اخترعت للإخوان: «أدار تنظيما إرهابيا ..يهدف إلى قلب نظام الكم وتغيير دستور الدولة بالقوة»!!وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات، وكان أحد شهود المذبحة....


من السجن الحربي .. إلى ليمان طرة

يقول عطية محمد عقل:

-لا تزال ساعة إطلاق الرصاص الرهيبة محفورة في ذاكرتي... ولا تزال صورة تساقط الشهداء من إخواني ماثلة أمام عيني .. ولا تزال أصوات حشرجة الموت لبعض الإخوان باقية في أذني!!

لن أنسى صورة أخي الشهيد محمد عفيفي الذي كان لا يزال طالبا صغيرا في الثانوي والذي كان يقيم معي في زنزانة واحدة ولن أنسى لحظة إطلاق الرصاص عليه حين قفز أمامي ليحميني من الرصاص ويتلقاه عني فيسقط مضرجا في دمه الزكي!!

ولن أنسى صوت الشهيد أحمد قرقر حين قال بصوت عال:

-اللهم أجعلني أول الشهداء..!!

لم أترك الأخ عطية محمد عقل يسترسل ولكني أردت أن أسمع القصة من أولها حسب ترتيب أحداثها زمنيا، والجو العام الذي وقعت فيه المذبحة ..فقلت له:

- إرو لي من البداية ... منذب وطئت أقدامك سجن الليمان.. كيف سارت بك الحياة.. وبمن معك هناك؟!.. وكيف تطورت الأحداث حتى وقعت المذبحة؟؟

فقال بعد مذبحة التحقيقات في السجن الحربي.. وبعد مهزلة المحاكمات أمام ما أطلقوا عليه «محكمة الشعب» .. وبعد صدور الأحكام على وعلى من معي من الإخوان الذين ألقي القبض عليهم في نفس الفترة التي ألقى علي القبض فيها.. رحلنا إلى ليمان طرة..فلما وصلنا إلى هناك ودا من سبقونا من الإخوان الذين قدموا للمحاكمة عقب «تمثيلية المنشية» والإخوان الذين جاءوا بعدهم ولم يرحلوا إلى سجن الواحات.

بلغ عددنا في الليمان بعد وصولنا 183 أخا أغلبهم من الشبان الذين تتراوح أعمارهم دون الثلاثين بل ودون العشرين. وكان عدد كبير منهم لا يزالون طلابا في المدارس الثانوية وفي السنوات الأولى من الدراسة الجامعية.

بسرعة شديدة ائتلفت قلوبنا، وجمعت بيننا عاطفة حب قوية تمثلنا الإخوة الإسلامية في واقعنا وعشنا حياة إسلامية حقة... متعاونين ومتكافلين .. ما يملكه البعض منا من مال يصرف منه على الجميع دون تفرقة ودون أثرة.. لا مجال للاختلاف ولا للمنازعة، كل شيء يتفاهم عليه، ونصل فيه إلى قرار يحقق المصلحة للجميع أصبحنا مجموعة متماسكا قويا .. ومترابطة أقوى ما يكون الترابط ومتحابة أكمل ما يكون الحب.. صلبة.. ومتلاحمة تماماً.. «كالبنيان المرصوص».. و «كالجسد الواحد...» و «كاليدين تغسل إحداهما الأخرى»!! وبتعبير أجهزة عبد الناصر وقتئذ «كالصندوق المغلق الذي لا ينفذ إليه ليعرف ما بداخله»!!

زاد من تماسك هذه المجموعة وصلابتها وتلاحمها الضغوط العنيفة التي كانت تقع علينا من إدارة الليمان.. ومن ضباطه وسجانته!!

وكان ضباط الليمان.. والسجانة، ينظرون إلينا على أننا أناس متوحشون من يقترب منا لا ينجو من أذانا!! هكذا فهموا من أسيادهم الذين اختاروهم دون غيرهم من الضباط والسجانة لتميزهم في الشر عن غيرهم.. وحرضهم على إرضاء هؤلاء المسئولين..

ومن خلال تلك النظرة .. كان الضباط والسجانة يعاملوننا وكثيرا ما صرحوا لنا بحقيقة ما انطوت عليه صدورهم من حقد وكراهية...

وإن كانت معاملتهم لنا أسطع برهان على هذا الحقد وتلك الكراهية!!

كنا نتواصى بالصبر، وضبط النفس، وحكمة التصرف أمام كل ما نتعرض له من معاملة المسئولين في الليمان، وبصفة خاصة مع هؤلاء الضباط الذين كشفت الأحداث لنا عن مدى حقدهم وكراهيتهم لنا وخبث كيدهم وسوء مكرهم بنا وأخص بالذكر: الضباط: عبد العال سلومة.. وعبد الله ماهر. وعبد اللطيف رشدي.. وهم في نفس الوقت الذين نفذوا المؤامرة كما سيأتي بعد.. أحيانا كان الضباط والسجانة يريدون أن يعاملونا بالأسلوب اللاإنساني الذي كانوا يعاملون به المساجين يريدون أن يعاملونا بالأسلوب اللا إنساني الذي كانوا يعاملون به المساجين الآخرين من المجرمين نزلاء الليمان ولكننا كنا لا نسمح لهم بذلك ولكن في غير عنف أو انفعال ولكننا كنا نناقشهم ونحاجهم بلائحة السجون وكان هذا الأسلوب كثيرا ما يحرجهم ويوقفهم عند حدهم...

كانت أحكام كل الإخوان في الليمان.. الأشغال الشاقة مع السجن لمد تتراوح بين العشر سنوات والخمس وعشرين سنة.. لذلك كنا نطلع الجبل مثل بقية المساجين . وكانت تفرض علينا «مقطوعية» أو «طريحة» لابد أن ننجزها تتمثل في تكسير، ونقل وتشوين عدد معين من الأمثار من الحجر وكنا ننجز ما يفرض علينا .. ولك أن تتصور مقدار ما يكلفنا هذا العمل الشاق وخاصة أن أغلبنا لم تكن لهم أية صلة بتكسير الأحجار أو حملها فأغلبنا كانوا طلابا.. وموظفين والقليل النادر بيننا من العمال والفلاحين.

ويزداد الأمر قسوة على أنفسنا من خروجنا إلى الجبل لأن فرص الاحتكاك بين الضباط والسجانة وبيننا كانت أكثر في الجبل، وكان ذلك يتطلب منا صبرا وضبطا للنفس وحكمة في التصرف أكبر مما لو كنا دخل الليمان لأننا كنا نحذ من الوقوع في صدام مع الضباط أو السجانة في الجبل أو يصطنع مثل هذا الصدام ليكون مبررا لإطلاق الرصاص علينا هناك وما أسهل تلفيق التهم لأمثالنا!!

لم يكن سجننا هو منتهى مراد جمال عبد الناصر وأجهزته، ولكن الهدف الكبير الذي عملوا له على مدى الربع قرن الأخير هو القضاء على هذه الجماعة ... أقصد جماعة الإخوان.. فلفقوا التهم، ودبروا المؤامرات واختلفوا الحوادث من أجل إيجاد المبرر لهم أمام الشعب فيما يفعلوه في الإخوان..

والسجن حقق لهم أمرين: الأمر الأول: أنهم أوقفوا انتشار «الدعوة» -في ظنهم- في أفراد جدد بما أشاعوه في الشعب من الإرهاب عن طريق صور التعذيب الوحشية التي سربتها أجهزة الأمن بهذا القصد والأمر الثاني: الذي حققه لهم سجننا أنهم أرادوا أن يدمرونا كإخوان أو بمعني آخر أرادوا أن يجروا لنا عملية «غسيل مخ» حتى يستأصلوا الدعوة من أنفسنا فالذي لم يقضوا عليه تحت السياط ووسائل التعذيب الجهنمية التي كانوا يستخدمونها أثناء التحقيق، والذي لم يقضوا عليه على أعواد المشانق أرادوا أن يقضوا عليه تحت السياط ووسائل التعذيب الجهنمية التي كانوا يستخدمونها أثناء التحقيق، والذي لم يقضوا عليه على أعواد المشانق أرادوا أن يقضوا على الدعوة في نفسه لذلك كانت حياتنا في السجن لا تعرف معنى للأمن أو الاستقرار !! وكانوا يتخذون من الوسائل ما يجعلنا دائما في قلق وتوتر...

وكان من بين وسائل الضغط النفسي علينا في الليمان عملية التفتيش المستمر لنا، فكانت تتم بصورة استفزازية ترهق نفوسنا وتزداد هذه العملية استفزازا وتعنتا عندما يكون أحد الضباط الثلاثة الذين حدثتك عنهم من قبل –عبد العال سلومة.. وعبد الله ماهر. .وعبد اللطيف رشدي- هو الذي يشرف على العملية فكانوا كثيرا ما يأخذون ملابسنا الداخلية بحجة أنها ممنوعة، أو يصادرون بعض الأطعمة التي يجدونها عندنا وأحضرت إلينا أناء الزيارات بل لقد وصلت صورة استفزازنا إلى درجة حرق ملابسنا أمام أعيننا!!

والقصد الأساسي من عملية التفتيش هذه التي كانت تتم أحيانا يوميا هو تكدير صفونا واستفزازنا واستثارتنا وارهاقنا نفسيا. وكادت إحدى عمليات التفتيش هذه أن تكون سببًا لمذبحة مثل مذبحة الليمان لولا شخصية مدير الليمان وقتئذ اللواء حسن سيد أحمد الذي حال دون وقوع المذبحة.. وكان ذلك في فبراير سنة 1956 فوجئنا في أحد الأيام بالضباط عبد اللطيف رشدي يقود عملية تفتيش لنا بصورة غاية في الاستفزاز لدرجة أنه كان يستخدم يديه في دفع الإخوان أمامه من داخل الزنازين إلى خارجها، وأخذ يلقي كل شيء تقع عليه عيناه في حوش العنبر .فلما رأى الإخوان منه ذلك أخذوا يناقشونه ويراجعونه في أسلوبه المتعنت المستفز فأراد تصعيد المناقشة إلى ما هو أسوأ ثم أوقف عملية التفتيش وأرسل أحد السجانة إلى إدارة السجن ليبلغ مدير الليمان أن الإخوان عاملين ثورة في العنبر وطلب قوة من حاملي الشوم من السجانة لتأديب الإخوان!!

وفعلا جاءت قوة من السجانة تحمل الشوم يصاحبها بعض الضباط .. لكن مدير الليمان وقتئذ –اللواء حسن سيد أحمد- كان من النوع الذي يميل إلى التفاهم وكانت أي شكوى من الإخوان يتحراها بنفسه ويتحقق من صحتها .. فحال بين وقوع المذبحة التي أراد أن يوقعها بنا الضباط بعد أراد أن يوقعها بنا الضباط عبد اللطيف رشدي، فالتقى المدير بنا وسأل عن حقيقة ما حدث وشرح له الإخوان تصرف الضابط عبد اللطيف رشدي مما جعل مدير الليمان يعقد اجتماعا للضباط ويؤنبهم على سوء معاملتهم لنا...

ولما علمت المباحث العامة، وكانت هي المسئولة عن شئون الإخوان بتصرف المدير وموقفه منالم ترض عن ذلك وأرسلت وزارة الداخلية –التي كان على رأسها زكريا محيي الدين- تعليمات تطلب من مدير الليمان إيقاع الجزاء على مجموعة من الإخوان كعملية ردع لنا... فرد عليهم المدير قائلا:

- إن وضع الإخوان في الليمان وضع شاذ وخاطئ لأن الليمان للمجرمين.. والإخوان ليسوا مجرمين إنما هم أصحاب رأي معارض للحكومة فقط!!..

ولم يرض المسئولون في وزارة الداخلية عن المدير وأصروا على إيقاع الجزاء بجلد عدد من الإخوان.. وتم لهم ما أرادوا فأخذوا أحد عشر أخا وأدخلوهم التأديب وجلدوهم ولم يقف الأمر عند ذلك بل أعقب هذا التضييق علينا أكثر.

ونقل هذا المدير –اللواء حسن سيد أحمد- وجيء بالمدير الجديد اللواء سيد والي الذي نفذ مذبحة الليمان بعد ذلك بعام تقريباً.

تلك هي الظروف .. التي كنا نعيش فيها سنوات ما قبل المذبحة أما عن الأسباب التي جعلت جمال عبد الناصر.. ووزير داخليته زكريا محيي الدين .. وأركان حرب وزارته وقتئذ صلاح الدسوقي الشيشتاوي .. وجهاز المباحث العامة المسئول عن الإخوان وكان من أبرز رجاله أحمد صالح داود والأخيران هما اللذان أشرفا على تنفيذ المذبحة بناء على أوامر من جمال عبد الناصر شخصيًا وزكريا محيي الدين فقد قيل الكثير وسوف أذكر لك كل ما قيل.. في عام 1956 أمم جمال عبد الناصر قناة السويس، وكان الإخوان داخل الليمان يتابعون الأحداث السياسية ويحاولون فهم ما يجري على مسرح السياسة محليا وعربيا وعالميا، فلم يكن يمر حدث ذو بال إلا ويفكرون فيه ويبحثون عن أسبابه ودوافعه ونتائجه والقوى صاحبة المصلحة الحقيقية فيه.. وكان تأميم القناة حدث تاريخي له تأثيره الكبير في مجرى الأحداث. أخذ الإخوان يناقشون الموضوع وأعد البعض دراسات وأبحاثا فيه وناقشوا الآثار التي سيحدثها والفوائد والأخطار التي يمكن أن تقع بسببه ومدى مواءمة تأميم القناة مع الظروف المحلية والدولية وقتئذ وخرجوا من تلك المناقشات والدراسات والأبحاث بوجهة نظر شاملة لعملية تأميم القناة هذه وأجروا مقارنة بين ترك القناة على حالها حتى تنتهي امتيازها في سنة 1969 وبين تأميمها في ذلك العام.. وكتبوا مذكرة بوجهة نظرهم وأرسلوها للحكومة من باب «الدين النصيحة»!!

ولم يتلق الإخوان أي رد على مذكرتهم هذه والتي كانت تحمل وجهة نظر مخالفة لوجهة نظر عبد الناصر!!

ووقع العدوان الثلاثي على مصر بسبب تأميم القناة.. وانهزم الجيش المصري.. وخسر أسلحته الروسية التي قصمت ظهر الاقتصاد المصري واحتلت إسرائيل سيناء ودمرت إنجلترا وفرنسا بورسعيد ودخلت الجيوش الإنجليزية والفرنسية منطقة القناة مرة أخرى .. ولكن أمريكا ألقت بثقلها كله إلى جانب عبد الناصر فبدلت هزيمته نصرا مزيفًا!! وأرغمت جيوش إنجلترا وفرنسا على الجلاء وأرضت إسرائيل بشرم الشيخ وأرغمتها على الانسحاب من سيناء لتحتلها بعد هزيمة عبد الناصر في سنة 1967!!

في بداية العدوان جاءت الأوامر من حكومة عبد الناصر إلى إدارة الليمان بنقلنا من العنبر الذي كنا نقيم فيه مع بعضنا إلى عنبر آخر من عنابر المساجين العاديين ومع ذلك عندما اشتد العدوان تقدمنا بطلب إلى إدارة الليمان نطلب منها رفعة إلى حكومة جمال عبد الناصر نطلب فيه السماح لنا بالتطوع للقتال ضد المعتدين.. وتعهدنا بأن يعود إلى الليمان كل من يبقى منا على قيد الحياة بعد أداء الواجب في صد المعتدين، واقترحنا تشكيل كتيبة من الإخوان المسجونين تحت قيادة خاصة، وقدمنا كشوفا بأسمائنا جميعًا وقامت إدارة الليمان بتوصيل هذه الكشوف إلى حكومة جمال عبد الناصر وأجهزته..

وبعد أيام جمعنا الضباط عبد العال سلومة ليبلغنا رد حكومة عبد الناصر على طلبنا .. قال سلومة لنا:

لقد رفعنا رغبتكم للمسئولين وقد ردوا علينا بقولهم إن البلد لا تزال بها رجال يستطيعون الدفاع عنها!! ولسنا في حاجة لمساجين يدافعون عن البلد... أو كلاما بهذا المعنى كان عبد العال سلومة يحرص على إيذاء مشاعرنا من أتيح له ذلك فكان يختار من الكلام أقساه وألذعه!!

استمر العدوان.. واشتد ضرب الطائرات الإنجليزية والفرنسية للمدنيين حتى ضرب سجن «أبو زعبل» وأخذت الطائرات الإنجليزية والفرنسية تجوب القاهرة وألقت بالمنشورات لتحذر أهالي منطقة حلوان من البقاء فيها لأنها سوف تضربها بالقنابل .. فلما وصلت الأمور إلى هذا الحد من الخطورة، رأينا الضابط عبد العال سلومة يحضر إلينا ويبلغنا أن إشارة وصلت من المسئولين تبلغنا أنهم استجابوا لرغبتنا في التطوع لقتال المعتدين...

استقبلنا هذا الكلام بفرح شديد ولم ننم ليلتنا وقضيناها في ذكر وصلاة استعدادا للقتال فلعل الواحد منا يستشهد وقد أخبرونا أن العربات ستحضر ليلا لتنقلنا إلى ميدان القتال.. ولكن لم يحدث شيء ولما سألنا لماذا ؟ قالوا: أوقف القتال...

وكما سبق أن قلت تدخلت أمريكا وأرغمت جيوش الإنجليز والفرنسيين على الجلاء وانسحبت إسرائيل مكتفية «بشرم الشيخ» .. وتحولت الهزيمة إلى نصر مزيف . وصورت أجهزة الإعلام المحلية والعربية والعالمية عبد الناصر في صورة الزعيم الذي انتصر على ثلاث دول!!

وولد البطل .. الذي يقود أمة العرب إلى حيث تريد القوى العالمية صاحبة المصلحة الحقيقة في المنطقة !!

وانعكس هذا كله علينا داخل السجن.. فوجئنا بتوتر شديد وسوء معاملة واشتدت موجة التفتيش في العنبر .. حدث ذلك دون أدنى خطأ من جانبنا وحتى يبرروا معاملتهم الجديدة قالوا إننا عندما طلبنا من الحكومة أن تسمح بتطوعنا للقتال اشترطنا شروطا كتشكيل كتيبة بنا وليس من حقنا أن نشترط!!

استمرت هذه المعاملة السيئة لنا عبد ذلك، وكان خروجنا إلى الجبل يعطي فرصة كبيرة للضباط والسجانة للاحتكاك بنا.. وكنا نضبط أعصابنا قدر ما نستطيع ونضع نصب أعيننا أننا ما دمنا نخرج إلى الجبل فنحن معرضون لإطلاق النار علينا واتهامنا بالتمرد أو محاولة الهرب وكان هذا التفكير يجعلنا نصبر على كل ما نتعرض له من احتكاك أو استفزاز.

في هذا الجو المكفر بالتوتر صدر قرار من مصلحة السجون من مصلحة ينص على أن كل من قضي في العمل بالجبل أربعة وعشرين شهرا من حقه أن يعفى من العمل في الجبل ويعمل في الورش الداخلية بالليمان وطبقت إدارة الليمان القرار على المسجونين العاديين وانتظرنا تطبيقه علينا ولكن إدارة الليمان لم تفعل فتقدمنا بطلبات تطلب مساواتنا بالمساجين العاديين في تطبيق القرار وإعفاء من قضي منا المدة التي نص عليها القرار في الجبل .. ولكن الإدارة تحججت بأنها سترسل إلى الوزارة لتسأل .. وبعد أيام جاءتنا الإجابة بأن القرار استثنى كل من حوكم أمام محكمة الشعب!!

وكان عدم تطبيق هذا القرار علينا دفع ضباط السجن وسجانته إلى مزيد من الكيد الخبيث لنا فأسرفوا في التعنت معنا وسوء المعاملة لنا إلى حد لا يتصور وصل منعنا من الصلاة جماعة في حوش العنبر وكنا قد تعودنا لفترة طويلة بعد عودتنا من الجبل أن نغتسل ونغير ملابسنا ثم نصلي العصر جماعة في حوش العنبر وكان يشاركنا في الصلاة عدد كبير من المساجين العاديين ممن تاب الله عليهم.. وبعد الصلاة يقف أحد الإخوان ليلقي درسا أو يشرح حديثا أو آية من كتاب الله.. فحرمنا من صلاة العصر جماعة بل لقد منعونا من الصلاة في طرقة الدور الذي نسكنه وأذكر أن أحد ضباط العنبر رأى أحد الإخوان يصلي في الطرقة أمام زنزانته فانتزع السجادة التي كان يصلي عليها من تحت أقدامه وكاد أن يوقعه!!

كانت هذه الضغوط علينا سببا في قوة تماسكنا وترابطنا وتلاحمنا فلم تجد أساليب الضباط عبد العال سلومة في بذر بذور الفتنة فيما بيننا وكانت أجهزة عبد الناصر قد لجأت إلى أسلوب غاية في الخبث وهو تمزيق الجماعة داخل السجون عن طريق إغراء البعض والتلويح لهم بالإفراج إذا هم أرسلوا يؤيدون نظام عبد الناصر .. وقد نجح هذا الأسلوب إلى حد ما في هذه الفترة في سجن الواحات وأصبح المسجونون من الإخوان هناك فريقين: فريق أيد النظام طمعًا في الإفراج . .وفريق لم يؤيد النظام وانتظر الفرج من الله سبحانه بعد قصم ظهر الطاغية.. وكانت هذه الأجهزة عن طريق ضباطها في السجون تذكي نار هذه الفتنة وكان عبد العال سلومة هو الذي وقع عليه الاختيار ليبذر بذور هذه الفتنة في مجموعة الليمان ولكنه خاب وخسر خسرانا مبينا ولم يجد آذانا صاغية لما يقول كان يأتي لمن يظن به ضعفا من الإخوان ويقول له:

- لماذا لا تريد الخروج من السجن ؟؟ أليس لك أهل تخاف عليهم وتحبهم..؟! إن الأمر بسيط لم يكلفك أكثر من برقية تأييد في مناسبة من المناسبات!!

فكان الأخ يرد عليه قائلا:

- أنا على استعداد لعمل أي شيء لكن بشرط أن يأذن لي فضيلة المرشد العام الأستاذ الهضيبي بذلك!!

- كانت هذه الإجابة تملأ قلب سلومة خيبة وغيظا وتكشف مدى استمساك هذه المجموعة من الإخوان في الليمان بجماعتهم ودعوتهم!!

- وكان ذلك سببا في مزيد من الضغوط والتضييق علينا.

وصل الأمر بأجهزة عبد الناصر في الضغط والتضييق إلى طلب كشف بأسماء كل الذين يقومون بزيارة كل منا في السجن وصورا فوتوغرافية لهم واشترطوا ذلك حتى تتم الزيارة ولكننا رفضنا ذلك واستنكرنا هذا الطلب وقلنا لهم:

- لن نعطيكم صور نسائنا: من الزوجات.. والأمهات.. والأخوات.. والبنات!!

فردت علينا هذه الأجهزة عن طريق إدارة الليمان:

- إذ لم تقدموا هذه الكشوف والصور فلن يسمح لكم بالزيارة...

فأرسل كل منا إلى أهله يطلب مهم عدم زيارته.

وأمام إصرارنا ورفضنا لهذا الأمر أحبط كيد هذه الأجهزة وخاب مسعاهم معنا!!

الذي أريد أن أصل إليه من خلال وصفي للجو والظروف التي كنا نعيش فيها داخل الليمان قبل المذبحة من ضغوط واستفزازات وكيد خبيث ومكر سيء كان الهدف منه –كما سبق أن قلت- هو جعل الحياة داخل السجن غير محتملة فيكون ذلك سببا لأن ينفض الإخوان عن دعوتهم وجماعتهم وتنجح عملية «غسيل مخهم»!! التي كانت تبدأ بإرسال برقية تأييد في مناسبة من المناسبات .. وتنتهي بالتجسس وكتابة التقارير عن الآخرين!!

وظني أن أجهزة عبد الناصر داخل الليمان وخارجه قد يئست من مجموعة الإخوان في الليمان تماما وفشلت أساليب ضغطها في صرفنا عن جماعتنا ودعوتنا وتمزيق صفنا وتفرقنا فلم تجد أمامها إلا هذا الأسلوب الهمجى الذي تمت به المذبحة...


المذبحة

قبل يوم المذبحة بأيام ثلاثة جاءت زيارة لمجموعة إخوان شبرا وكنت واحدا من المطلوبين للزيارة فخرجنا للزيارة وكان معنا الأخ عبد الغفار السيد وكانت أخيه قد أحضرت له معها بعض الطعام وأرادت أن تعطيه له كما تعودت خلال الزيارات الأخرى.. لكن.. فجأة ظهر الضابط عبد الله ماهر في مكان الزيارة .. وبطريقة استفزازية أحسسنا أنه جاء لينفذ أمر معينا.. صرخ بصوت مستفز وبغلظة شديدة:

- ممنوع أخذ أي شيء من الزوار...

في نفس الوقت كانت أخت الأخ عبد الغفار السيد تعطي أخيها ما أحضرته له من طعام كالعادة فإذا بالضابط عبد الله ماهر يجذب عبد الغفار بشدة من أمام أخته حتى لا يأخذ منها ما تريد أن تعطيه من طعام وكاد عبد الغفار يقع على الأرض.. فاستند على الضابط عبد الله ماهر فاعتبر عبد الله ماهر استناد عبد الغفار عليه إهانة واعتداء عليه.!!

فأنهى الزيارة .. وهاج وماج. .وأرغى وأزبد.... وجرى إلى إدارة الليمان ... قال:

- إن الإخوان اعتدوا علي!!

وكأن الأمر كان مبيتاً جاءة قوة من السجانة وحاصرتنا وساقونا إلى عنبر التأديب.. كان تصرفهم هذا تصرف أناس يريدون أن يلفقوا لنا شيئا يجعلوه مبررا لما يريدون أن يفعلوه بنا .. أجلسونا القرفصاء أمام عنبر التأديب وكتبوا أسماءنا .. وقالوا:

كل من أخذ شيئا من أهله أثناء الزيارة يرفع يده..

وفي شجاعة وصدق رفع كل من أخذ شيئا من أهله يده .. لأن الأمر عادي وليس فيه أي جرم!!

فساقوا المجموعة التي رفعت أيديها إلى داخل عنبر التأديب بعد أن وضعوا في أيدي كل منهم القيد الحديدي من الخلف وهو وضع لا إنساني بالمرة، لأن الإنسان في هذا الوضع لا يستطيع أن يؤدي لنفسه أبسط الأشياء ولا يمكنه أن يستريح على أي وضع كان!!

أما الإخوة الآخرون – وكنت واحدا منهم فأعادونا إلى العنبر الذي نقيم فيه، وسألنا الإخوة عن بقية الإخوان الذين خرجوا معنا إلى الزيارة فروينا لهم ما حدث.

ذهب البعض إلى ضابط العنبر وكان عبد العال سلومة هو المسئول عن العنبر فأخبرهم أن الإخوان سيعودون بعد ساعة.

كان ذلك يوم الأربعاء 29مايو 1957 انتظرنا حتى نهاية اليوم وحتى تمام السجن فلم يعد أحد وقضينا ليلتنا نفكر في هؤلاء الإخوان وكيف قضوا ليلتهم في هذا الوضع اللاإنساني.

في الصباح طلبنا من عبد العال سلومة أن يسمح لبعضنا بالذهاب إلى مدير الليمان من أجل التفاهم معه في شأن هؤلاء الإخوان.. ولكن عبد العال سلومة رفض.

مرت ساعات نهار الخميس بطيئة ونحن نفكر في طريقة ننهي بها هذا الوضع الذي لا مبرر له من قبلنا والذي اصطنعه الضابط عبد الله ماهر اصطناعا ولكننا لم نصل لحل.

ومضي هذا اليوم مثل سابقه.. وجاء يوم الجمعة 31مايو وبالطبع كان يوم عطلة لغالبية ضباط الإدارة ولم نمكن من الاتصال بأحد وبقي الوضع على ما هو عليه.. الإخوان في التأديب لا ندري ماذا فعل بهم ونحن في العنبر عاجزين عن فعل أي شيء .. في نهاية يوم الجمعة فوجئنا بأن جمع الإخوان المرضى المقيمين في مستشفى الليمان يعودون إلى العنبر حتى الذين كانت جراحاتهم لم تطب بعد والإخوان الذين كانوا تحت الملاحظة الطبية أخرجوا من الملاحظة الطبية.. أكثر من هذا أن الإخوان القادمين من السجون الأخرى للعلاج في مستشفى الليمان أخرجوا هم أيضا من المستشفى وأحضروا إلى العنبر ونبه على الجميع أنهم سيخرجون إلى الجبل غدا السبت أول يونيو سنة 1957.

كان الأمر غريبا ومريبًا ومثيرًا ومستفزا فأحسسنا أن هناك أمرا يدبر وأن خروجنا إلى الجبل إنما سيكون فرصة للتنكيل بنا .. أحسسنا بالخطر يحدق بنا وبدأنا نفكر في درء هذا الخطر الذي لاحت بوادره. فكرنا هل نخرج إلى الجبل كالمعتاد أم نعتصم بالزنازين ونطلب النيابة للتحقيق ونطلب حماية أرواحنا..؟!

وكنا نعلم أن لائحة السجون تعاقب الممتنع عن الخروج إلى الجبل أول مرة ب12 جلدة !! وهذه أول مرة لنا نمتنع فيها عن الخروج إلى الجبل.

قلنا إن الجلد أهون من إطلاق الرصاص علينا في الجبل أو حتى الضرب بالشوم.!!

التقينا جميعا على الاعتصام بالزنازين وطلب النيابة لسماع أقوالنا.. واتفقنا على صورة التنفيذ. أن يكتب كل واحد منا ورقة قول فيها «استشعر الخطر على حياتي ولست آمنا على نفسي إذا خرجت إلى الجبل ..لدي أقوال هامة أطلب النيابة لسماع هذه الأقوال».

في الصباح .. فتحت علنيا الزنازين.. ونادوا علينا بالاستعداد للخروج للجبل.. كل واحد منا نفذ ما اتفقنا عليه جميعًا كتب الورقة وسلمها لضابط العنبر عبد العال سلومة، كي يسلمها لمدير الليمان.

عندئذ أغلقوا علينا الزنازين بعد أن سلم كل الإخوان أوراقهم بعد فترة قصيرة من الوقت نادوا على أربعة من الإخوان هم: الحاج أحمد البس، الحاج عبد الرزاق أمان الدين وحسن دوح وعبد الحميد خطابي.. .فخرجوا من العنبر ولم يعودوا وقلنا إنهم أخذوهم إلى عنبر التأديب ... بعد فترة من خروج هؤلاء الإخوان سمعنا صوت المفتاح يفتح زنزانة ويخرج من فيها ويسوقونهم إلى حوش العنبر ثم يفتحوا زنزانة أخرى ويفعلون بما فيها ما فعلوه بمن قبلهم فتحوا حوالي خمس زنزانات ثم بدأوا يخرجون هؤلاء الإخوان خمسة خمسة خارج العنبر أحد هؤلاء الإخوان اسمه مرسي صادق لمح السجانة خارج العنبر يسلسلون الإخوان بالقيود الحديدية في سلسلة ففكر سريعا ونهض وصعد إلى الدور الذي نحن فيه بسرعة وخطف من السجان المفتاح وفتح جميع الزنازين وأبلغ الإخوان ما رأى من سلسلة الإخوان الذين أخرجوا خارج العنبر...

أزددنا يقينا بأن هناك أمرا يدبر.. للتنكيل بنا وربما بإبادتنا في الجبل..

فشلت خطة إخراجنا مسلسلين إلى الجبل بعد فتح الزنازين كلها علينا.. وخرج الإخوان من الزنازين ووقفوا في طرقة الدور... أما بقية المساجين العاديين في العنابر الأخرى فقد خرجوا إلى الجبل في الموعد المحدد.

بعد فترة حضر إلينا مدير الليمان اللواء سيد والي وسألنا.

لماذا لا تخرجون إلى الجبل!؟

فأجبناه:

نحن لسنا ممتنعين عن الخروج إلى الجبل.. ولكننا نستشعر الخطر على حياتنا إذا ما خرجنا إلى الجبل وقد تأكد الأمر لدينا بعد إخراج إخواننا المرضى من المستشفى، وإخراج الإخوان من تحت الملاحظة الطبية, وإحضار إخوان السجون الأخرى الذين حضروا للعلاج ومطالبة الجميع بالخروج إلى الجبل وزاد يقيننا بأن هناك خطرا يتهددنا لما رأينا محاولة إخراجنا إلى الجبل مسلسلين ومقيدين بالقيود الحديدية!! إننا معتصمون بزنازيننا حتى تحضر النيابة لتسمع أقوالنا وتحمينا من الخطر الذي يهددنا!!

فقال مدير الليمان:

-لابد من الخروج إلى الجبل أولا.. ثم تأتيكم النيابة بعد ذلك فقلنا:

- نحن نفضل أن تقتلونا هنا داخل زنازيننا من أن تقتلونا هناك في الجبل أنكم هنا لن تستطيعوا أن تلفقوا لنا من التهم ما يمكن أن تلفقوه لنا في الجبل..!!

في الوقت الذي حضر فيه المدير إلينا يطلب منا الخروج إلى الجبل كانت «الكتيبة» تعد بالذخيرة والسلاح.

حان وقت أذان الظهر وخرج مدير الليمان من العنبر وبدأ الإخوان يستعدون للصلاة وقلنا إن أقصى ما يمكن أن تتجاوزه إدارة الليمان هو ضربنا بالشوم لأن القانون يمنع مجرد دخول سلاح داخل العنبر وأن هذه العملية لن تتم قبل عودة السجانة من الجبل وجمعنا الإخوان في نصف الزنازين الداخلية وتركنا النصف الثاني الواقع في مقدمة العنبر خاليا من الإخوان حتى لا يصطادنا السجانة في مقدمة العنبر، كما أن الطرقة ضيقة لا تسمح بحركة أكثر من اثنين وبذلك لن تتمكن القوة كلها من اقتحام الزنازين كلها مرة واحدة صلينا الظهر .. وخرجنا نقف في الطرقة أمام الزنازين ننتظر ماذا سيحدث...

وحدث ما توقعنا .. وأكثر مما كنا نتوقع رأينا عددا كبيرا من جنود الكتيبة يصعدون إلى الدور الرابع فوقنا .. ورأينا آخرين يأخذون وضع الاستعداد في الدور الثاني، وصعدت مجموعة ثالثة إلى الدور الذي نحن فيه.. تقدم عدد من السجانة يحملون الشوم ومن خلفهم كان هناك مجموعة من الجنود يحملون السلاح وبدأت المذبحة .. وأعطيت إشارة البدء وأطلق علينا الرصاص من أربعة أماكن: من الدور الذي فقونا ومن الدور الذي أسفل منا ومن المجموعة التي معنا في نفس الدور .. ومن مجموعة رابعة كانت تقف على السور الخارجي للعنبر وكانت ساعة رهيبة لا تنسى سمع الإخوان صوت الرصاص.. فقال أحد الإخوان يطمئن الإخوان:

-فشنك فشنك.. لا تخافوا!!

لم يكمل الأخ عبارته حتى جاءته رصاصة فسقط شهيدا وأذكر أن اسمه سعد.. كان من إمبابة .. وسقط غيره.. وتيقنا أن «الضرب في المليان» وليس الرصاص فشنك، وأسرع الإخوان إلى داخل الزنازين يحتمون بها من الرصاص المنهمر عليهم من كل جانب .. دخلت أنا الزنزانة التي بجوار المخزن فكان الرصاص يأتينا من شراعة باب الزنزانة, ومن شباك الزنزانة ومخترقا باب الزنزانة نفسه.. وقفنا في ركن بعيد عن مرمى الرصاص ووقف أحد الإخوان في مواجهة الباب فجاءته رصاصة فلقي مصرعه في التو أمام أعيننا وجاءتني أنا رصاصة في كعبي ولم أشعر إلا بالدماء تنزف من كعبي...استمر إطلاق الرصاص فترة من الزمن ليست قصيرة ثم توقف إطلاق الرصاص.. وبعد مضي وقت قليل فتح بابا المخزن.. وهو عبارة عن حجرة كبيرة وبها عدد أكبر من أي زنزانة أخرى بعد فتح باب المخزن الذي يقع بجوارنا سمعنا إطلاق الرصاص على من فيه وأعقبه ضرب الشوم وسمعنا أصوات نزع وحشرجة موت خفتت وتلاشت!! لقد قتل أغلب من في المخزن.. وأصيب البعض بالجراح التي جعلتهم على حافة الموت.

توقعنا بعد انتهائهم من هذا المخزن أن يدخلوا علينا زنزانتنا لأنها تجاوز هذا المخزن لكنهم ذهبوا إلى المخزن الآخر المقابل للمخزن الأول ولكنهم لم يستطيعوا فتح الباب لأن طلقا ناريا سمكر القفل .. وأرادوا أن يفتحوه فأطلقوا على القفل بعض الطلقات فزاد انغلاقه فذهبوا إلى الزنزانة المقابلة لزنزانتنا وأجهزوا على كل من فيها ثم صدر الأمر بانسحاب جميع القوة... وانقطع إطلاق الرصاص وخيم صوت الموت على العنبر.. ولم نعد نسمع غير حشرجات الموت ودعوات وتضرعات الجرحى...

وجاء الليل .. وصعد آخرون يسألون عن القتلى وجدوهم على الأرض خارج الزنازين ثم دخلوا زنازين النصف الأول من العنبر التي كنا قد أخليناها قبل بدء المذبحة وألقوا بالجرادل في الحوش وبكل الأشياء اليت يمكن أن ستخدم في الضرب وأرادوا بذلك أن يصوروا الأمر كأنه صدام بين الإخوان وبين السجانة...

ثم صعد أحد الضباط يأل عن الجرحى لإسعافهم في المستشفى، وفعلا أخرج من العنبر الذين أصيبوا وبعضهم كان يجر من رجله داخل الزنزانة إلى طرقة العنبر ثم على السلالم حتى يصلوا به إلى حوش العنبر!! وفي الطريق خارج العنبر وحتى باب المستشفى كان هناك بعض السجانة يستقبلون الجرحى بالشوم والمدى ويخلصون عليهم.!!

لقد رأى الضابط قدمي تنزف من الطلقة التي أصبت بها في كعب رجلي وقال ل: اذهب إلى المستشفى لتسعف فقلت له: أنا لا أشعر بأي ألم ولست في حاجة إلى إسعاف فأصر على خروجي وذهابي للمستشفى فخرجت وأثناء سيري في الطرقة في اتجاه السلم التفت خلفي فرأيت أحد السجانة رافعا «الشومة»ويهم أن يهوي بها على رأسي ولا التفاتي إليه لفعل ولما رأى الضابط ما كان سيفعله بي السجان ناداني وأعادني إلى الزنزانة.

إن كثيرين من الذين نقلوا إلى المستشفى لإسعافهم أجهزوا عليهم قبل أن يصلوا إلى المستشفى أو تركوا ينزفون إلى أن فاضت أرواحهم!!

بعد أن سحبوا جثث الشهداء داخل الزنازين وأرسلوا الجرحى إلى المستشفى جاءت قوة من السجانة بقيادة عبد العال سلومة فتحت الزنازين زنزانة زنزانة وأخرجت أفراد كل زنزانة وجردتهم من جميع ملابسهم التي عليهم وأعطت كل واحد منهم بدلة ممزقة لا تكاد تستر عورتهم لبسوها على اللحم وجردوا لزنازين م كل شي ولم يبقوا إلا على «البرش» لكل واحد وبطانية وتركونا حفاة لا نرتدي غير هذه البلدة تمت هذه العملية بين صفعات السجانة وسخريتهم بنا.

أخيرا جاءت النيابة للتحقيق وكان الوقت ليلا دخلت العنبر لتعاين مسرح الجريمة بعد أن صور الأمر على أنه معركة بيننا وبين السجانة وأقاموا الدليل على ذلك بالجرادل التي كانت ملقاة بحوش العنبر والأواني الحديدية الأخرى التي قالوا أننا كنا نضربهم بها!!

ثم طلبنا واحدا واحدا لسماع أقوالنا أمام النيابة، وكان هناك في الطريق إلى مكتب التحقيق كمين يتلقى الأخ الذاهب إلى التحقيق ويعطيه (طريحة) من الضرب بالشوم والسياط والصفعات ويهدد بالمزيد من الضرب في العودة حتى يرهب فلا يقول الحقيقة.. ولكننا قلنا الحقيقة كما رأيناها وكما حدثت وأدانت النيابة إدارة السجن ولم تنطل عليها الخدعة ولم تقبل أن الحادث كان معركة بين الإخوان والسجانة ولم تعجب نتيجة التحقيق المسؤولين في وزارة الداخلية فنحوا وكلاء النيابة هؤلاء وجاءوا بوكلاء نيابة آخرين وأعيد التحقيق معنا ولم يكن أسلوب تحقيقهم معنا أسلوب وكلاء نيابة لأنهم كانوا يعنفوننا.. ويوجهون إلينا الشتائم ويومها قيل إن وكلاء النيابة هؤلاء ليسوا إلا ضباط مباحث انتحلوا شخصيات وكلاء النيابة.!!

بقينا في الليمان بعد المذبحة ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع بدأت إجراءات ترحيلنا .. إلى أين !؟ لا نعرف !! واستمر تعذيبنا طوال هذه الأيام الثلاثة أغلقوا علينا الزنازين طول الوقت،وكانوا يأخذوننا مجموعة .. مجموعة، ويضربوننا بقسوة ووحشية واستمرت هذه العملية حتى يوم الترحيل..

وفي مساء اليوم الرابع ساقونا إلى عنبر التأديب وأجلسونا القرفصاء وبقينا على هذا الوضع حتى الساعة الواحدة صباحا حيث وصلت السيارات التي رحلنا فيها سلسلونا مجموعات كل مجموعة مع بعضهم وشحنونا في السيارات بطريقة لا إنسانية وأغلقوا أبواب السيارات علينا وانطلقت بنا إلى جهة لا نعلمها ومن حولنا حراسة شديدة أخيرا وصلنا إلى سجن القناطر واستقبلنا استقبالا رهيبا ظننا لضراوة وقسوة مستقبلينا أنهم جاءوا بنا إلى هنا ليخلصوا علينا رأينا شخصيات كبار المسؤولين في وزارة الداخلية.. وقيل إن زكريا محيي الدين كان حاضر استقبالنا!!.. كان الضرب ينهال علينا ابتداء من دخولنا من الباب الخارجي وحتى أغلقت علينا الزنازين.. كان الهول شديدًا جردونا من ملابسنا أو شبه الملابس التي كنا نرتديها وأعطونا ملابس غيرها أشد منها قذارة وقضينا أكثر من أربعة أشهر داخل الزنازين لم نر فيها الشمس إلا من خلال شراعات الزنازين ولا نخرج من الزنزانة إلا إلى دورة المياه وفي شكل طابور تعذيب.. كان السجانة يأمروننا بالجري في طرقة الدور أمام الزنازين وأثناء الجري كانوا يلهبون أجسادنا بالكرابيج أو بالشوم وندور دورة أو دورتين على هذا الوضع ثم نذهب إلى الدورة لنفرغ جردل البول نملأ زمزمية ماء الشرب ونغسل «قروان» كل ذلك نفعله والضرب ينهال علينا ولا يتوقف حتى نعود إلى الزنزانة من جديد لتغلق علينا.

وبقينا بنفس الملابس القذرة مدة أسبوع أخرجونا إلى الحمام وأصر عبد العال سلومة- الذي نقل معنا إلى سجن القناطر- على أن نخلع ملابسنا في الدور الثاني حيث نقيم ونهبط السلم عراة كما ولدتنا أمهاتنا وكان إذا رأى أحدا منا يستر عورته يلهب ظهره بالكرباج!! وكان عبد العال سلومة يعلم جيدا مدى ما يسببه لنا هذا الوضع من آلام نفسية!!

استمرت هذه الحالة السيئة حتى أصيب بعضنا بكثير من الأمراض حتى زارنا طبيب السجن ذات يوم وكان اسمه مصطفى النحاس فلما رأى ما نحن عليه من تدهور صحتنا وتفشي الأمراض بيننا كتب تقريرا إلى إدارة السجن يحذرهم فيه من خطورة حالتنا وأنه إذا لم يتدارك الأمر سريعا سوف تزداد حالتنا سوءا وقرر لكثير الإخوان غذاء طبيا وصرف للبعض منا مراتب وأوصى بإخراجنا في طوابير خارج الزنازين يوميا صباحا ومساء.

وبقيت مجموعتنا على صلابتها وترابطها حتى هذا الوقت ولم تثمر كل وسائل الضغط التي مورست معنا بل زادتنا تماسكا وترابطا ولكن أجهزة عبد الناصر التي كانت تبذل كل جهودها لفتنة الإخوان عن دعوتهم وتخليهم عن جماعتهم استطاعت مع بعض جرحى المذبحة الذين نقلتهم إلى مستشفى القصر العيني لعلاجهم والانفراد بهم أن تستميل هؤلاء وأن تعرف منهم معلومات عن أفراد مجموعة الليمان هذه.. ففوجئنا ذات يوم بمن ينادي على معظم الإخوان الذين كان محكوما عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبالأشغال الشاقة المؤقته (15 سنة) ورحلوهم إلى سجن الواحات.. وبعد أيام أخر نادوا على ثلاثين آخرين منا ونقلونا إلى عنبر آخر أطلقوا عليه عنبر (ب) وكنت واحدا من هؤلاء الثلاثين وسكنونا مع المساجين العاديين واختاروا لكل اثنين منا ثلاثة من المساجين المعروفين بإجرامهم وشدة شغبهم.. أطلقوا على المجموعة هذه المعارضين, وبقية الإخوان وصفوهم بأنهم المؤيدون!!

وبذلك مزقوا بأيديهم المجموعة إلى فئات ثلاث فئة رحلت إلى الواحات وفئة نقلت إلى عنبر المساجين لمزيد من الضغط عليهم.. والفئة الثالثة وصفوها بالتأييد وبدأت الفتنة.. فتنة التأييد من أجل الخروج من السجن... وهذا موضوع آخر.. غير موضوع مذبحة ليمان طرة!!

الشاهد الثاني: الحاج أحمد البس

الحاج أحمد البس ... واحد من كبار الإخوان المسلمين الذين ثبتهم الله على دعوته... وحفظهم رغم كل ما لاقوه من أهوال في سجون جمال عبد الناصر.. وهو من الرعيل الأول الذي رباه الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عاش الشيخ أحمد البس محن الإخوان كلها.. فاعتقل أيام إبراهيم عبد الهادي وقضى في معتقل الطور والهايكستب عامًا وثلاثة أشهر وبضعة أيام... واعتقل وسجن أيام حكم الدكتاتور الطاغية جمال عبد الناصر سبعة عشر عامًا وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوما...

عاش مجزرة السجن الحربي الأولى التي أعقبت مسرحية المنشية وقضي شهرين كان لا ينام فيهما إلا على هيئة الساجد لأن جسده كله كان ممزقا...

يقول الحاج أحمد:

- دخلت السجن الحربي يوم الجمعة عصرا إثر رؤية رأيتها في نومي... رأيت كأنني أدخل مسجدًا من المساجد.. وكأن واحدا ممن كان في المسجد يكتب أسماء الداخلين...

- وقد كان...

دخلت السجن في وقت العصر.. فما إن دخلت واقتربت من مكاتب التحقيق حتى جردت مما كان معي ... كيس من الورق به ملابس داخلية ... وعدد من القمصان. وقبعة وثلاثة جنيهات تزيد قليلا...

بعد تسليمي الأمانات ..ألقي بي في زنزانة بقيت فيها حتى وقت العشاء ثم دعيت إلى نفر من زبانية السجن الحربي في الخلاء...

وكان ضابط المباحث العامة أحمد صالح داود هو رئيسهم...

أجلسوني تحت قدميه.. فسألني بعض الأسئلة التقليدية:

-تعرف فرج النجار (وكان أحد الإخوان الهاربين)؟

قلت:

-أعرفه...

-أين السلاح؟!

ولم يكن عندي ما أقوله.. وكان قد حكم على غيابيًا بالأشغال الشاقة المؤبدة دائرة محفوظ ندا لأني كنت هاربا ولم يكن الأمر أمر تحقيق... ولكن كانت حفلة الاستقبال التي تمثل أول علقة يأخذها الداخل إلى جهنم السجن الحربي كمجرد تسخين..!!

بعد فترة قصيرة من هذا الحديث الهادئ أمرت بخلع ملابسي جميعًا وطرحت على الأرض على بطني .. وأمسك بعض الزبانية بيدي ورجلي .. وهوي الباقون بسياطهم يمزقون جسدي وانتزعت نفسي منهم وقمت واقفا فوضعوا كرسيا فوق رأسي وأرغموني على الجلوس وهم يضغطون على الكرسي وأخذوا يضربوني على أفخاذي . .فوقفت وجريت على خرطوم المياه لأشرب وأروي ظمئي .. فلحقوا بي وأعادوا معي ما فعلوه حتى هبطت تماما فجاءوا بالعروسة الخشب وأوثقوني بها ومزقوا ظهري بالسياط أخيرا فكوا وثاقي لكنني لم أقو على الوقوف على قدمي فسقطت على الأرض ولم أستطع الوقوف إلا بعد ضرب شديد أنهالوا به علي وأوقفوني بجانب جدار .. ووجهي للحائط بجوار إخوة آخرين..وكانوا يمرون علينا بالأسياخ المحماة في النار يكوون بها أجسادنا حتى تبرد فيأتون بغيرها محماة.. وفي هذه الأثناء كان الواحد منا لا يحس بحرارة النار أكثر من أنه يسمع صوتها «يطش» وهي تلمس لحم ظهره.. أو كتفه أو أليته!!

واستمر هذا التعذيب طوال الليل...

ثم ألبسوني جلبابا .. التصق بأكثر جسمي الممزق والمغطى بالدماء وبقيت حتى الصباح ثم أخذت إلى مكتب من مكاتب التحقيق لأملي عليهم ما سلمته من أمانات لي عندهم.. ثم ذهبوا بي إلى زنزانة.. وعند مرور الضابط الطبيب على بالزنزانة أمر بإرسالي إلى شفخانة السجن الحربي.. فدخلت حجة خالية من كل شيء قضيت بها عشرين يوما كان الوضع المريح لي فيها أن أكون في وضع الساجد على البلاط لأن أي مكان في جسدي غير ركبتي وكفي لا أطيق أن ألمس به الأرض. وكان يوم كان السجان (العسكري) يدخل علي بطبق به طعام.. فأحاول إخراج لساني لأتناول شيئا مما في الطبق ولكنني لم أكن أستطيع لانتفاخ وجهي وشفتي من الضرب!!

قضيت في المستشفى عشرين يوما ثم أخرجت إلى عنبر 4 من السجن وسكنت مع الشهيد محمد يوسف هواش الذي أعدمه جمال عبد الناصر ظلما كما شهد بذلك شمس بدران نفسه.. وكان معنا خمسة إخوة آخرون .. وكنا جميعا مرضى ولكن الحراس لم يعاملونا كمرضى بل كمسجونين ولم يراعوا أنني كنت ألبس فقط «بنطلونا» ولا يمكنني أن ألبس شيئًا على بقية جسمي.. يعني نصف جسمي الأعلى عار ومملوء بالقيح خاصة ظهري.

في أحد الأيام أمرونا بالخروج من الزنازين والنزول إلى ساحة العنبر بسرعة فهبطنا ثم أمرونا بالصعود إلى الدور الثاني فصعدنا ثم أمرونا بالنزول فنزلنا ثم أمرونا بالصعود فصعدنا كل ذلك كان في عجلة لأن من يبطئ يضرب عشرات الكرابيج وكنت أنزل مع النازلين وأصعد مع الصاعدين وجسمي مكشوف من أعلى وفي إحدى مرات الصعود ظن أحد الإخوان أني ألبس ملابس على جسدي فأمسكني من ظهري ليستعين على الصعود بسرعة فجمع جلدي من رقبتي إلى أسفل بين أصابعه وسهل الأمر القيح الذي كان في جميع ظهري فانكشف لحم ظهري تماما فأخذني أحد الإخوان الأطباء (الدكتور مصطفى أبو العينين) طبيب أمراض النساء بالأسكندرية الآن وأمرني أن أنام على بطني على أرض فناء العنبر وأخذ يرد جلدي ظهري إلى مكانه واحتاج ذلك إلى وقت طويل ولما فرغ من ذلك قال لي:

لقد أنقذت من الموت بأعجوبة.. لأني حينما أرجعت الجلد إلى مكانه قذفت القيح من تحته ولو بقي هذا القيح يوما آخر لوصل إلى داخل صدرك ومت وتم كل ذلك من غير بنج ومن غير ميكروكروم أو حتى إسبرينة أوشاش للغطاء ولكن كل ذلك تم بطريقة بدائية وكأننا ي عهد آدم !!

ومن الأشياء التي حدثت في السجن الحربي... أننا كنا نجري يوميا ساعة أو ساعتين أو أكثر وبعد الجري يدورنا الجاويش إلى الجلوس حلقات حول بعضنا ويقف هو في الوسط ... مركز الدائرة ثم يدعو أحدنا للوقوف بجانبه ويطلب منه أن يخطب فينا فيخطب الأخ فإذا لم يعجبه كلامه ضربه ما شاء له أن يضربه وإذا أعجبه كلامه أمر الجميع أن يصفقوا له...

تصور .. جويشا جاهلا.. كيف يعرف الكلام الجيد من الكلام الغير جيد؟ وما الذي يسرة؟!... وما الذي لا يسره؟!...

المهم.... دعاني للخطابة مرتين وأنا لا زلت جريحا .. فوقفت أخطب. .فقلت:

- تصوروا معي أن الدنيا كلها مثل الأتوبيس ويجلس معي الآن على مقعد القيادة (ترومان –وأتلى) رئيسا أمريكا وإنجلترا في هذا الوقت . .وتجلس على مقاعد الدرجة الأولى في الأتوبيس شعوب الكفر.. وعلى مقاعد الدرجة الثانية الشعوب الموالية للكفر ويقف على الرفارف أو من هو ممسك بيديه وأرجله تزحف على الأرض الشعوب المسلمة!

- ومهمتنا التي دخلنا بسببها السجن الحربي أن نجلس على مقاعد القيادة أحمد.. ومحمد...وعلي.. ، أي رجالا مسلمين. .وأن تجلس الشعوب المسلمة على مقاعد الدرجة الأولى لننفذ الآية الكريمة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾.

ولا أدري كيف أعجب ذلك الجاويش الجاهل هذا الكلام فقد أمرهم أن يصفقوا لي ...

وفي ليلة من الليالي الأخيرة لي في السجن الحربي دعاني هذا الجاويش وكان اسمه (عبد المقصود) وكان الوقت بعد منتصف الليل والذي درا في خاطري أنه أخذني ليدفنني حيا في الرمال التي هي خارج سور السجن الحربي.. وخرجت من الزنزانة وهذا الخاطر يسيطر علي ولكنني لم أكن خائفا فقد نزع الله تعالى في هذا الوقت الخوف من قلبي.. وكنت أنام وأقوم لا أرهب موتا ولا أحدا إلا الله لأن ما كنا فيه من عذاب كان الموت أهون منه بل أحب إلى نفوسنا فقد كان عذابا رهيبا لا يقوم به نحو مسلم إلا يهودي أو صليبي حاقد أو ملحد .. هذا ما قام به زبانية جمال عبد الناصر.. فلم يكن لتعذيبهم قاعدة.. أو حد بل كان تعذيبهم لنا خارجا على قاعدة .. ومتجاوزا لك حد!!

خرج بي الجاويش من الزنزانة ووضع يده تحت إبطي وسار بي في فناء السجن والسكون يلف الجميع حتى الأنين كان مكبوتا في الصدور والدعاء لا يسمعه إلا رب العالمين..

- قلت له بعد أن مشينا قليلا: ماذا تقصد يا عبد المقصود؟!

- فقال: إني رأيت حلما مزعجا الآن وقلت لا يفسره لي إلا أنت فقد لمحت فيك الصلاح ونحن نقوم بتعذيبك (ولا أدري ما هي علامات الصلاح التي شوهدت علي!!)

- فقلت: ماذا رأيت؟!

- قال: رأيت أني أسير في وحل لا أكاد أخرج رجلا حتى تغوص الأخرى.

- فأحببت أن أفسر له تفسيرا يعجبه فقلت له على الفور

- هل خرجت من هذا الوحل؟!

- فقال: نعم..

ولا أدري إذا كان قد كذب علي أم صدق.. فقلت له منتهزا فرصة قوله نعم:

- إنك ستكون في شدة ولكن الله سينقذك فتبسم.. وانتهزت الفرصة أيضا وزاولت مهمتي وهي الدعوة إلى الله .. وقلت له: هل أنت تصلي يا عبد المقصود؟!

- فقال: لا .. كنت أصلي وأنا فلاح.. ولكني في هذه الأيام مشغول كما تراني بالضرب والتعذيب!!

- فقلت له: إذا أردت أن تتوضأ واشترطت أن الذي يعينك على الوضوء أطباء لحضر لك أكثر من عشرين طبيبا أو مهندسون لحضر لك مثل ذلك أو محامون لحضر لك مثل ذلك..

- فقال: طيب .. سأصلي..

- ثم قال: ألست لك حاجة

- قلت:سقطت مني سبحتي أثناء ضربك فهل لم تجدها؟!

- فقال: صباحا سأحضر لك مسبحة..

- وقد كان.. دعاني في الصباح وأدخلني حجة فوجدت مسابح على هيئة كوم يملأ (ثلاثة أرباع الحجرة) وأمرني أن آخذ أثمن سبحة فأخذت أقل سبحة خوفا من أن تكون لأحد الإخوان ... وبعد مرور شهرين من دخولي السجن الحربي استدعيت للترحيل إلى سجن ليمان طرة. .وكنت وقتها أقرأ قول الله تبارك وتعالى:

﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ ولا زلت حتى الآن كلما مررت بهذه الآية الكريمة وأنا أتلو كتاب الله أتذكر لحظة خروجي من السجن الحربي وترحيلي إلى ليمان طرة الذي كنت أعتبر خروجي من الحربي ودخولي سجن الليمان نوعًا من الإفراج..

في الليمان كانت حادث طرة المشئوم

دخلت ليمان طرة وجروحي من السجن الحربي لم تندمل تماما ووجدت بالليمان ما يقرب من مائتين من الإخوان من بينهم الأستاذ منير دله رحمه الله.. والأستاذ سيد قطب رحمه الله.. ومحمد يوسف هواش رحمه الله... تقبلهما الله في الشهداء اللذين أعدمهما جمال عبد الناصر في مذبة سنة 1965 كان دخولي الليمان يوم 1/ 10/ 1955.

وبعد اندمال جروحي خرجت مع الإخوان لقطع الأحجار في الجبل وكان مقررا علينا أن «نشون» مائة وثمانين مترا مكعبا كل ويوم وفي آخر النهار يمر علينا الضباط في الجبل ليرى كيف العمل.. فإن وجده تماما «طين» الحجارة حتى لا تستعمل في اليوم التالي...

بقينا على هذا الحال.. نخرج إلى الجبل في الصباح ونمشي ما يقرب من ثلاثة كيلومترات ونرجع بعد الظهر حوالي الساعة 2 وملابسنا التي نرتديها مملوءة بالأتربة فندخل الحمام ونغير ملابسنا هذه بملابس أخرى وكذلك نفعل كل يوم.. استمر الأمر كذلك حتى يوم السبت الحزين 1 يونيو سنة 1957 حيث وقعت المجزرة التي لا مثيل لها.. إلا مذبحة ديريس التي قام اليهود لأهالي «قرية دير يس» في فلسطين.

افتعلت مجموعة من الأحداث كانت بمثابة استفزازات للإخوان حتى يوجد المبرر لتنفيذ المذبحة أول هذه الاستفزازات حدثت أنثاء إحدى الزيارات لعدد من الإخوان .. وأثناء الزيارة أخرجت إحدى الأخوات فرخة وأعطتها لأخيها من بين الأسلاك فثارت ثائرة الضباط عبد الله ماهر أحد ضباط السجن فأنهى الزيارة ووضع القيد الحديدي من الخلف في أيدي كل أخ من الإخوان الستة الذين كانوا في الزيارة وأرسلهم إلى زنازين التأديب وأرسل أهاليهم الزائرين رجالا ونساء وأطفالا إلى قسم شرطة طرة للتحقيق معهم واتهامهم بإحداثهم الشغب أثناء الزيارة...

عقب هذه الزيارة أمر الإخوان بالدخول إلى الزنازين عصرا وكانوا لا يدخلونها إلا قبيل المغرب.. أكثر من ذلك حدث أن كان أحد الإخوان يصلي العصر فدخل الضابط وسحب سجادة الصلاة من تحت قدميه بعنف حتى كاد يوقع الأخ على الأرض... وأمره بشدة أن يذهب إلى زنزانته...

كل هذه المقدمات أوقعت الإخوان في حيرة.. وتساءلوا بين أنفسهم ما سبب ذلك؟؟ وما هي الدواعي التي تجعل إدارة الليمان تعاملهم هذه المعاملة الجديدة التي لا مبرر لها؟! هل هناك أمر يدبر.. وتعد له الإدارة؟ أحس الإخوان أن هناك شرا مبيتا لهم...

في هذا الجو .. أعلنت إدارة الليمان أن كل من قضي في الجبل أربعة وعشرين شهرا عليه أن يقدم ورقة يطلب فيها إعفاءه من العمل بالجبل ويعمل في الورش داخل الليمان...

تنفس الإخوان الصعداء . وانتهزوا الفرصة وأجمعوا على تقديم طلبات إعفائهم من العمل في الجبل لأنهم قضوا أكثر من أربعة وعشرين شهرا يعملون في قطع الأحجار في الجبل. .ومن حقهم حسب ما أعلنه الليمان أن يعملوا في الورش داخل الليمان. وبذلك يتفادون أن يضربوا بالنار في الجبل تحت أي زعم أو بأي حجة لأن قوانين السجن لا تبيح ضرب المسجونين بالنار داخل العنبر.. كان هذا الاتفاق يوم الجمعة 31/ 5/ 1957 وجاء يوم السبت 1 يونيو سنة 1957 وعندما فتحت أبواب الزنازين قدم كل واحد من الإخوان «الورقة» التي يطلب فيها إعفاءه من العمل في الجبل كإعلان الليمان كان المفروض أن يجمع جاويش العنبر هذه الأوراق ويسلمها لضابط العنبر (الملازم عبد العال سلومة) ليعرضها على إدارة الليمان ثم يسمح للإخوان بالخروج للجبل حتى يبت في أمر طلباتهم.

ولكن الذي حدث أنهم جمعوا الأوراق من الإخوان وأمروهم أن يدخلوا إلى زنازينهم وأغلقوها عليهم وبقيت مغلقة حتى الساعة العاشرة صباحاً.

وفي الساعة العاشرة، نادوا على حسن دوح، وعبد الرازق أمان الدين، وعبد الحميد خطابي.. وأنا (أحمد البس) فخرجنا نحن الأربعة فوجدنا سور العنبر عليه عساكر بين كل عسكريو عسكري آخر مسافة «3 أمتار فقط وبيده بندقية» ثم رأينا حول العنبر أكواما من العصي والكرابيج وصناديق الذخيرة. ولما خرجنا من العنبر وجدنا ساحة الليمان مملوءة بجنود الكتيبة يقفون على أهبة الاستعداد وكأنهم في ميدان حرب...

أدخلونا حجرة وكيل العنبر (الضابط محمد صبحي) فوجدنا مدير الليمان ( العقيد سيد والي وحوله ضابط الليمان وضباط مزرعة طرة وبيد كل واحد منهم مسدسه... وطلبوا من الأخ حسن دوح أن يتحدث (أي كلام) فتحدث .. ثم الأخ عبد الرازق أمان الدين.. ثم الأخ عبد الحميد خطابي ثم طلبوا مني أنا (أحمد البس) أن أتكلم فقلت:

- إنني مندهش لوجود هذا الحشد من الجنود والضباط وهذه العصى وهذه الذخيرة ما سبب بذلك؟! هل للبطش بالإخوان والإخوان عزل ليس بيدهم شيء ولا يحسون أنهم ارتكبوا شيئًا إن إدارة الليمان ذكرت أنها تطلب من المساجين الذين قضوا 24 شهرا بالجبل أن يقدموا طلبا للعمل بالورش فقدم الإخوان طلباتهم....فإن كان في ذلك جريمة فلدي السجن «التأديب»

والتأديب له بنوده ... وإني أطمع أن يعالج السيد المدير الأمر بالحكمة والرحمة قبل أن يعالجه بالقوة خاصة أن الإخوان ليس بيدهم قوة!!

فأثرت هذه الكلمة في نفس المدير.. وأقسم لي قائلا:

- والله العظيم .. والله العظيم أنا يا فلان كل حياتي بالشرطة أعالج أموري بالحكمة والرحمة قبل القوة ودوسيهي يشير إلى ذلك... وسأفعل ذلك الآن.

وقام من فوره وذهب إلى مكتبه في الليمان وتبعه الضباط وشعرنا نحن الأربعة من الإخوان أن الأمر قد انتهى إلى خير..

وتركونا نحن الأربعة في حراسة بعض الجنود أمام باب العنبر المغلق...

وبعد مدة تم فيها الاتصال بالمدير العام للسجون .. وزكريا محيي الدين وزير الداخلية . .وقت الحادث وطبعا جمال عبد الناصر..

وظهر من نتيجة هذه لاتصالات الرغبة في التنكيل بالإخوان . ومحاولة إبادتهم.. وكان ينتشر بالليمان في هذا الوقت عدد من المباحث عرفنا منهم الضابط أحمد صالح داود..

وبعد فترة ليست طويلة فوجئنا بإحضار عدد من السلاسل الحديدية التي يمكن أن يسلسل في كل واحدة منها عشرون أو ثلاثون أخا.. وبدأوا فعلا في السلسلة الأولى بالأخ عبد الحميد خطابي ثم بي (أحمد البس )ثم عبد الرازق أمان الدين...

أما حسن دوح فقد أرسل إلى التأديب لأنه كان يعيش بكلية واحدة...

ثم أخذوا يفتحون زنازين الإخوان زنزانتين .. زنزانتين.. فيخرج من كل زنزانة ثلاثة من الإخوان يفتشون ثم يسلسلون في السلسلة.. ثم يفتحون زنزانتين أخريين.. وهكذا تم سلسلة خمسة عشرا أخا.. ثم انقطع مجيء الإخوان من داخل العنبر..

وكان السبب في توقف مجيء الإخوان أن الإخوان الذين جاءوا من الزنزانة الخامسة والزنزانة السادسة لما جلسوا أمام الضابط ليفتشوا قبل خروجهم من العنبر كان أحدهم واقفا فقال له أحد الضباط

اجلس يا ولد وهذا اللفظ لم يسمعه أحد من الإخوان في الليمان أبدا بل كان ينادى على أحد الإخوان أبدا .. بل كان ينادي على أحد الإخوان بيا باشمهندس أو يا دكتور أو يا أستاذ حسب وظائفهم قبل السجن .. أما كلمة (ولد) فلم تسمع حتى تلك اللحظة .. فما إن سمعها الإخوان الخمسة الجالسون حتى قاموا وانضموا للأخ الواقف الذي وجه إليه الكلام وانسحبوا من أمام الضابط وصعدوا إلى الدور الثالث من العنبر حيث كان الإخوان يقيمون وأبواب الزنازين مغلقة على الإخوان فأخذ أحدهم (الشهيد على حمزة) المفتاح من الجاويش وفتح جميع الزنازين وخرج الإخوان وهنا عجزت إدارة السجن من إكمال الخطة التي رسمتها وهي إخراج جميع الإخوان مسلسلين في السلاسل إلى الجبل وهناك يمكن إنزال ما يريدون بهم.. إما الضرب بالعصى أو الضرب بالنيران.. هناك يمكن أن يكون المبرر أقوى، كأن يقال إن الإخوان عملوا ثورة على الحراس واضطر الحراس لإطلاق النار.. أو يقال إن الإخوان تمردوا .. أو أرادوا الهروب.

ولكن عندما فتحت أبواب جميع الزنازين على الإخوان فسدت الخطة ففكروا في حيلة أخرى نفذوها بعد ساعتين من فشل الخطة الأولى..

أخذوني والإخوة المسلمين معي وسحبونا إلى عنبر آخر وكان قد انضم إلينا أحد الإخوان وكان قادما من الواحات للعلاج وكان من الذين يؤيدون جمال عبد الناصر ... ولكنهم سلسلوه معنا... وأدخلونا جميعا في زنزانة واسعة.. وجاء وقت الظهر واضطررنا أن نصلي ونحن مسلسلين في السلسلة.. وكان الأخ القادم من الواحات في أول السلسلة فصلى بنا إماما.. وصلينا معه...

وبعد الظهر بفترة قصيرة حضر المساجين من الجبل وأدخلوا زنازينهم وأغلقت عليهم الأبواب...

وأحضروا المساجين الذين يعملون في الورش داخل الليمان وأدخلوهم أيضا زنازينهم وأغلقوا عليهم الأبواب وأصبح الليمان كله داخل الزنازين ما عدا الإخوان الذين شغلوا في الوضوء استعدادا لصلاة الظهر.

وفجأة دخلت الكتيبة العنبر وصعد عدد منهم إلى الدور الرابع أي الذي فوق الدور الذي يسكن فيه الإخوان ومن الدور الأول أطلق أحد الضباط طلقة كانت بمثابة إشارة البدء في المذبحة فقال أحد الإخوان:

-فشنك

ولكن توالى إطلاق النار وسقط بعض الإخوان مضرجين في دمائهم .. عندئذ صاح أحد الإخوان:

- الضرب في المليان يا إخوان .. ادخلوا زنازينكم وأغلقوا الأبواب عليكم .

أسرع الإخوان إلى الزنازين وأغلقوا الأبواب عليهم واستطاع بعض الإخوان أن يسمكروا الأبواب عليهم بالمسامير ولم يتنبه البعض إلى إحكام غلق الباب.. وعندما دخل الإخوان الزنازين صعد أحد الضباط ومعه جاويشا فكان الجاويش يفتح باب الزنزانة التي لم يحكم غلق بابها ويدخل الضابط فيطلق النار على من فيها من مسدسه ....

أما الزنزانة المغلقة فيوضع في فتحة الزنزانة (النضارة) فوهة مدفع ويطلق على من في داخل الزنزانة فيصاب من يكون في مواجهة الباب أما الذين استتروا بالجدار فقد نجوا بأعجوبة!!

استمر إطلاق النار ساعة أو أقل قليلا بعدها خيم صمت رهيب على الليمان والجميع في ذهول!! واستمر هذا الصمت الرهيب.. والإخوان في ذهولهم.. بين قتيل مضرج في دمائه ومصاب جرحه ينزف.. وثالث ذهب عقله. ورابع لا يدري هل هو ميت أو حي.. وبقيت هذه الحالة حتى جاء الليل وبدأت حركة داخل العنبر دخل الحراس في أيديهم شموع يبحثون عن حصاد المذبحة..!!

فيجمعون الذين قتلوا معا.. والذين جرحوا معا..

وكان الحصاد 21قتيلا.. و22 جريحا...

ووصل الغدر والخيانة إلى أسفل الدركات حين وقف الأنذال من الحراس.. والضباط في الطريق الموصل إلى المستشفى يجهزون على المصابين ضربا بالعصي الغليطة حتى انضم عدد من الجرحى إلى القتل!!

وكان أحد هؤلاء الأنذال حارسا مسيحيا يسمى (متى) وفكر المنفذون للمذبحة سريعا.. ماذا سيقولون للنيابة التي لا بد أن تأتي وتحقق في الحادث؟ لقد اتجه تفكيرهم في تصوير الحادث على أنه اشتباك بين الإخوان بعضهم البعض وأن البعض قتل البعض الآخر بالسكاكين .. والمدى...

وبناء على هذا التفكير أخذوا يوسعون مكان الطلقة حتى تكون كالطعنة بالسكين أو يوصلون مكان طلقتين ببعضهما!!

ولكنهم لم يستسيغوا هذا التفكير فأرادوا أن يصوروا المذبحة على أنها اعتداء من الإخوان على الحراس ولكن لم يكن بين الحراس حارس واحد مصاب..

ولكن وكلاء النيابة لم يستسيغوا أيا من هذين التصورين للحادث مما اضطر المسئولين إلى استبدال وكلاء النيابة بوكلاء نيابة آخرين حفظوا التحقيق في المذبحة.

وهنا لابد أن نسجل موقفا كريما لأطباء الليمان الذين بذلوا كل جهدهم في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذهم من المصابين وطالبوا بإرسال بعض الإخوان المصابين بإصابات خطيرة إلى مستشفى القصر العيني حيث الاستعداد أكبر ولكن «المباحث العامة» لم توافق على ذلك. .

وقالت: من يموت .. يموت.

- وفي اليوم الثاني من الحادث خرج 21 نعشا ليلا تحت الحراسة المشددة وسلمت الجثث إلى أهاليهم ليدفنوهم ليلا بحضور أحد الأقارب .. والد .. أو ابن.. أو ابنه. .أو أخ فقط .. وبقيت المقابر في الحراسة مدة لا يقترب منها أحد.

وفي اليوم الثالث... من بقي من الإخوان أحياء أخرجوا من الزنازين .. وأمروا بخلع ملابسهم جمعيا حتى الملابس الداخلية وأعطيت لهم ملابس قذرة جاكيت وبنطلون ممزق وحشروا كل خمسة عشر أخا في زنزانة لا تتسع إلا لثلاثة فقط واضطر الإخوان أن يبقوا وقوفا في هذه الزنازين مدة 24 ساعة حتى أخرجوا من الليمان في الرابع .... وسلسلوا عصر هذا اليوم كل 20 أخا في سلسلة وأجلسوا على الأرض حتى جاء الليل ثم أخرجوا من باب الليمان الذي أضيئت الأنوار أمامه وأحيط الليمان بالجنود المسلحين... وأدخل الإخوان في السيارات بطريقة مفزعة ... وكان منظرا شديد الهول.. بعض الإخوان صعد إلى السيارة والبعض الآخر لا يزال على الأرض والجميع مسلسلون في سلسلة واحدة وعملية الجذب مستمرة فالتوت الأيادي.. وكسرت المعاصم وانطلقت الصرخات والآهات حتى تم ركوب الجميع..

وسار موكب المظلومين وحوله موتوسيكلات الحراسة واصطف الحراس على طول الطريق على كورنيش النيل الذي أخلى من المارة من الليمان وحتى سجن القناطر.. ولم يكن الإخوان يعرفون إلى أين يذهبون حتى وقفت السيارات أمام سجن القناطر فأنزلونا وفتشونا مرة ثانية في حين أن ملابسنا لا تحتاج إلى تفتيش لأنها لا تكاد تستر أجسادنا وأدخلونا واحدا .. .واحدا من الباب الجانبي للعنبر المظلم وكان يقف على الباب حارس يمسك بيده كرباجا يهوي به على كل أخ يدخل من الباب المظلم ولا يكاد الأخ يتأوه من الضربة حتى يهوي عليه حارس آخر بكرباجه ثم حارس ثالث ورابع.. وهكذا فيعلو صراخ الإخوان في الظلام ولا يدري الواحد منهم أين يتجه حتى يصل إلى سلم في وسط العنبر فيجد حارسا ممسكا كرباجا يهوي عليه آمرا إياه بالصعود فيصعد إلى الدور الثاني حيث يجد حارسا آخر على آخر السلم يهوي عليه بالكرباج حتى يدخل داخل الزنزانة حتى إذا دخل الزنزانة ثلاثة من الإخوان أغلق عليهم الباب!!

ويتحسس الإخوان داخل الزنزانة فيجدون ثلاثة (أبراش) من حبال الليف وجردلا لبول وزمزمية من القماش انسب منها الماء على أرض الزنزانة فأغرقها!!

لقد فقد ستة من الإخوان عقولهم أثناء عملية الدخول هذه إلى سكنهم الجديد في سجن القناطر وانضموا إلى القتلى والجرحى فأصبح حصاد المذبحة خمسين أخا

وبقينا حوالي ثمانية شهور لا يخرج من هذه الزنازين إلا واحد من كل زنزانة ليلقي بفضلات البطون ويملأ زمزمية الماء حتى أصبح الإخوان كالأشباح.... مجرد هياكل غائرة العيون شاحبة الوجوه مصفرة.. وبعد الثمانية شهور قدم علينا طبيب كان اسمه (مصطفى النحاس) وكان كريما معنا يقابلنا بابتسامة عذبة ونظرة رحيمة وكان ذلك هو كل ما يملكه ليخفف عنا ما بنا من آلام...

وعندما سمح لنا بالاستحمام .. وكان ذلك في أيام الشتاء القارصة البرد.. فكنا نؤمر بخلع ملابسنا كل ستة من الإخوان يمسك كل منا ملابسه في يده ويقف عريانا ثم يقال لنا: اجروا للحمام...

فنجري .. فنجد أمام الحمام حارسا نعطيه ما معنا من ملابس ونأخذ غيرها أقذر منها ويدخل كل من الستة تحت (الأدشاش) كل في عين ثم يفتح الجاويش الماء البارد علينا دفعة واحدة ولمدة دقيقتين ثم يدخل على كل واحد منا حارس يضربه وهو عريان ويأمره بلبس ملابسه بسرعة فكان الواحد منا لشدة كربه يلبيس «الجاكيت» في رجليه والبنطلون في رأسه... ويخرج مسرعا مخافة الإيذاء...

وبعد ثلاثة عشر شهرا اختاروا من بيننا عددا وأرسلوه إلى سجن الواحات ليقضي هناك مع من سبقوه من الإخوان بقية العقوبة وترك الباقون تحت سلطة الضابط عبد العال سلومة حجر الزاوية في هذا الحادث وفاتن الإخوان في دعوتهم. ولا أعرف ضابطا حمل من الوز ومن الحقد ومن المكر والكيد ومحاربة الإخوان وسفك دمائهم وتحويل وجهتهم ما حمل هذا الضابط الذي أصابه من المرض ما أصابه ومن الغريب أنه كان يقال إنه كان من الإخوان كما كان يقال أيضا عن سيده جمال عبد الناصر..!!

ويقول الشيخ أحمد البس:

-كان من بين ضباط المذبحة ضابط اسمه عبد اللطيف رشدي قتل على يديه أكثر الإخوان في أثناء المذبحة ولم مهله الله تعال فقد قتل بعد الحادث بشهور قليلة في حادث بعيد عن الإخوان.

وأثناء التحقيق دخل صلاح الدسوقي على المحققين في الحادث وقال موجها الكلام لمدير الليمان سيد والي

- برافوا يا أبو السيد .. أنا كنت متأكد إن مفيش حد يقوم بهذا الأمر إلا أنت!!.. أنتم ما خلصتوش عليهم ليه.

- وقد تنفس الضابط الصعداء وعلت على وجوههم الابتسامات واطمأنوا على أنفسهم!! وقد قال ضابط المباحث (أحمد صالح داود) الذي شوهد في الليمان يوم المذبحة –لأحد الإخوان وهو محمد الشيخ أن سبب المذبحة هو أن الإخوان المسلمين بالأردن وقفوا ضد جمال عبد الناصر بأن أفسدوا انقلابا دبره ضد الملك حسين فانتقم جمال عبد الناصر من إخوان الأردن بضربكم هنا في مصر...

الشاهد الثالث: حسن عبد الستار

اسمه: حسن عبد الستار

الوظيفة: سائق ونش

السكن: شبرا الخيمة

تاريخ دخوله السجن:.....

حينما يتحدث الإنسان عن الماضي البعيد سيجد صعوبة كبيرة في تذكره للتفاصيل الدقيقة لهذا الماضي، ولكن هناك حوادث ذات نوعية خاصة لا يمكن أن تنسى لأنها تكون محفورة في الذاكرة ولا تسمح للنسيان أن يعتريها... «وحادث طرة» .... من هذا النوع الذي ترك آثارا عميقة في نفوسنا وما زال باقيا في ذاكرتي بمعظم تفاصيله....

منذ اليوم الذي رحلنا فيه من السجن الحربي إلى سجن ليمان طرة وبعد أن صدرت ضدنا الأحكام الظالمة –وهو يوم 27 أكتوبر سنة 1955- وارتدينا ملابس الليمان الزرقاء وأدخلنا إلى الزنازين بعنبر (1) ونحن لا نكاد نشعر بالأمن أو الطمأنينة التي يتمتع بها المساجين العاديون من المجرمين والقتلة وقطاع الطرق داخل الليمان لأننا كان لنا وضع خاص!! هكذا كان يتأتينا الجواب من رجال الإدارة داخل السجن؟؟ إذا تساءلنا أمامهم: لماذا لا نعامل معاملة بقية المساجين؟!

كان السجانة دائما يفتشوننا، والتفتيش في السجون وسيلة من وسائل الإرهاب وكان يترك في نفوسنا الكثير من المرارة والرهبة، وتوتر الأعصاب.. واستمر هذا الوضع حتى بدأنا نتأقلم عليه ونروض أنفسنا على هذه الحياة مهما كانت لأننا كنا على يقين أننا أبرياء من كل ما نسب إلينا وأننا مظلومون وكنا نشعر أننا ضيوف عند الله ويجب علنيا أن نصبر ونتحمل في سبيل الله كل شيء.

عشنا على هذه الحال حتى بداية عام 1957 حيث بدأت الأمور تهدأ بعض الشيء فقلت نوبات التفتيش فبعد أن كانت تتم يوميا أخذت تتباعد حتى أصبحت أسبوعيا أو قريبا من ذلك.. حتى بقية المضايقات الأخرى كانت قد بدأت تخف وطأتها على نفوسنا، ولا أدري هل كان ذلك بسبب تأقلمنا وترويض نفوسنا عليها أم أن حدتها قد خفت.؟!

ولكن هذا الهدوء النسبي لم يدم طويلا إذ سرعان ما بدأت الغيوم في أفق حياتنا من جديد وبصورة أشد كان معنا بالليمان جماعة من أخطر الجواسيس اليهود، وهم أصحاب أكبر قضية تجسس لحساب إسرائيل والتي كانت تسمى «فضيحة لافون» وقد انتحر رئيس شبكة التجسس هذه في السجن الحربي.. وكان ألماني الجنسية وقد حكم على الباقين بالأشغال الشاقة المؤبدة (25سنة) والمؤقتة (15 سنة).

وهم على التوالي:

• مايومايوحاس.. يهودي من حارة اليهود.

• ماير زعفران.. بكالوريس زراعة يهودي مصري.

• فكتور .. كان طالبا بكلية الهندسة أمه إنجليزية.

• فيليب ... خبير مفرقعات أمه فرنسية.

• روبيرز. يهودي مصري أيضا.

• راشيل...وكانت سادسة المتهمين وتقيم بسجن القناطر.

وكانوا معنا في نفس «الفرقة» «2جمالة» بالجبل ولعلك تسألني ما معنى «2جمالة» وأنا أجيبك:

- العمل بالجبل في الليمان كان يقسم إلى أقسام هي:

• الحجارة وهم الذين يحفرون للبارود ويضعون الألغام التي تنفجر وتحول الجبل إلى كتل كبيرة من الأحجار.

• الكسارة.. وهم الذين يقومون بتكسير هذه الكتل الكبيرة من الحجارة إلى قطع يستطيع «الجمال» أن يحملها على ظهره بمساعدة اثنين أو ثلاثة وهذه الكسارة مقسمة إلى سبع فرق.

• أما الجمالة: فهم الذين يحملون الأحجار على ظهورهم وهم أيضا سبع فرق.

فكنا نحن الإخوان المسلمين، واليهود وبعض الشيوعيين الذين حوكموا في قضايا انقلابات نكون معا الفرقة (2 جمالة).

وأريد أن أضع لك صورة للمعاملة التي كان يعامل بها اليهود الجواسيس والصورة التي كنا نتعامل بها نحن أبناء الوطن كان اليهود خمسة أشخاص مقيمين معنا كما سبق أن ذكرت لك فكانوا يقسمون زياراتهم بحيث كل أسبوع واحد منهم يزار، وبذلك كانوا على صلة بالخارج كل أسبوع على الأكثر أما طريقة الزيارة والكيفية التي تتم بها ففيها كثير من الريبة والشك... فبينما كانت زيارات جميع المساجين بما فيهم نحن –الإخوان المسلمين - تتم في المكان المخصص للزيارة والذي كان يفصل بين المساجين وأهليهم الزائرين سلك سميك لا يسمح بدخول أي شيء، ولا تستغرق الزيارة من الوقت أكثر من ربع ساعة ولا يسمح بدخول أي شيء من المأكولات أو الملابس الداخلية أو الأحذية أو الأدوية إلا بعد عناء شديد ورجاء كثير، وكان أهالينا يعودون بما أحضروا لنا من أشياء ضرورية بعد أن تعييهم الحيل وبعد أن يصم الضباط آذانهم أمام رجائهم وإلحاحهم.

أما اليهود الخمسة.. بل الجواسيس الخمسة فكانت زياراتهم تختلف تماما عن تلك الصورة كانوا دائما محل عناية ورعاية السادة ضباط السجن وبصفة خاصة النقيب عبد الله ماهر، والملازم أول عبد العال سلومة... لذلك كانت زيارتهم دائماً (خاصة) وفي مكتب حضرة الضابط وكانت كافية لأن يقال فيها كل ما يريد اليهود أن يقولوه فهم يتكلمون اللغة العبرية التي يجهلها الضابط، أما بخصوص ما يحضره زوارهم معهم من كل شيء فكانوا لا يتكلفون حتى حمله من مكان الزيارة إلى العنبر بل كان سيادة الضابط يأمر أحد الحراس السجانة ليحمله عنهم على مرأى ومسمع من جميع المسجونين المحرومين من مثل ذلك المعاملة بل أكثر من ذلك كان الضابط يحضر إلى هؤلاء الجواسيس الخمسة ويجلس معهم في زنزانتهم بالساعة وأكثر حتى أثار ذلك انتباه الجميع لدرجة أنه لما كان أحد المسجونين يسأل أحد اليهود عن العلاقة التي تربطهم بالضابط عبد الله ماهر كان يجيبه الجاسوس «فكتور» بأنه صديق أختي.. كان يقول ذلك بلا خوف ولا حياء!! ولما كثر الهمس في هذا الموضوع اتهمنا اليهود والجواسيس أننا وراء هذا الأمر وقالوا لعبد الله ماهر أننا الذين نبهنا أنظار المسجونين إلى هذه الصلة المريبة فأسرها في نفسه وعقد النية على الانتقام منا حين تحين الفرصة وجاءته الفرصة من أوسع الأبواب حين دبرت المؤامرة لإبادة الإخوان في الليمان.

بدأت أحداث المذبحة قبل وقوعها بحوالي أسبوعين بتحريض بعض ضباط السجن بالاحتكاك بنا ففوجئنا بموجة تفتيش عاتية يصحبها كثير من التعنت والاستفزاز، ثم جاء دور (درس العصر) .. ودرس العصر هذا كنا بعد أن نعود من الجبل آخر النهار وبعد أن نزيل التراب والغبار عن وجوهنا وأجسامنا «بالتشطيف» والوضوح نذهب إلى حوش العنبر فنصلي العصر «جماعة» وكان يصلي معنا عدد من المسجونين العاديين وعقب الصلاة يقف واحد من الإخوان يتحدث بحديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أو يشرح آية من آيات الله وكان لهذا الدرس ثمار طيبة جعل عددا كبيرا من المجرمين العتاة في الإجرام يعلنون توبتهم ويحرصون كل الحرص على سماع هذا الدرس لدرجة أن الصفين الأول والثاني كانا يملآن بهؤلاء المسجونين قبلنا لحرصهم على سماع الدرس وهذا الدرس كان لمصلحة نظام السجن فيه تحولت هذه النفوس التي شبت وترعرعت على الإجرام إلى نفوس طيبة تأس وتندم على ما اقترفت من آثام..

أخيرًا.. فوجئنا بالضابط يمنع هذا الدرس ويمنع صلاة العصر جماعة في حوش السجن!! بل أكثر من ذلك بدأ يمنعنا من الصلاة جمعة في طرقات الدور الذي نسكنه وقد حدث أن جذب سجادة الصلاة من تحت أقدام أحد الإخوان وهو يصلي حتى كاد الأخ يقع على الأرض!!

وأحسسنا أن وراء الأكمة ما وراءها -كما يقولون- وأن شيئًا في الخفاء يدبر وبدأت غيوم تظلل حياتنا تجملنا بالصبر وتحملنا هذا كله وتجنبنا الاحتكاك بهذا الضابط وضبطنا أعصابنا بكل ما نستطيع حتى نفوت الفرصة وتمضي هذه العاصفة!!

ولكن لابد مما ليس منه بد.. فقد كان الأمر مبيتاً، وكانت المؤامرة قد دبرت بليل وبإحكام .. ولم يبق إلا التنفيذي

وبدأ العد التنازلي كما يقولون –منذ يوم الأربعاء 29 مايو سنة 1957 .. وكان هذا اليوم مخصصا لزيارة إخوان شبرا.. وكان الزوار من أهالي الإخوان في كل منطقة قد تعودوا أن يحضروا مع بعضهم في يوم معين، وأثناء الزيارة السلكية، في المكان الذي سبق أن وصفناه، دخل الضابط عبد الله ماهر وحاول الاحتكاك والاستفزاز بأهل الزوار من الإخوان والأخوات فلم يفلح ولم يحقق غرضه وإذا به يغلظ لقول لزوجة الأخ المهندس محمود سليمان الذي استشهد في الحادث ولما حاولت تهدئته شتمها أمام زوجها وجميع الإخوة.. وكان للأخ أن يثور لكرامته وشرفه وعرضه ولو استطاع أن يتمكن منه لفتك به لولا أن ضبط أعصابه وحال السلك بينه وبينه.

وهنا أنهى الضابط الزيارة بدون وجه حق وتكهرب الجو وسيق أهالي خارج الزيارة وهم الإخوان المزارون عائدين إلى العنبر في صحبة الحراس من السجانة، ولكنهم في الطريق إلى العنبر وأمام عنبر التأديب كان ينتظرهم الضباط عبد الله ماهر والضابط عبد العال سلومة ومعهم قوة كبيرة من السجانة أصر الضابطن على إدخال الإخوان المزارين إلى عنبر التأديب.. وإمعانا في التنكيل والاستفزاز أصر الضابطان على وضع الحديد في أيدي الإخوان المزارين من الخلف.. وهذا أمر مخالف لكل قوانين السجون في العالم لأن المسجون داخل الزنزانة له حقوق إنسانية تتعذر الحياة بدونها ووضع الحديد في اليدين من الخلف إنسانية تتعذر الحياة بدونها.....

ووضع الحديد في اليدين من الخلف وضع لا إنساني لا يستطيع الإنسان معه أن يأكل أو يشرب أو ينام أو حتى يقضي حاجته..

وتم فعلا وضع الحديد في أيدي هؤلاء الإخوان من الخلف كما أراد الضابطان!!... وعندما علمنا نحن داخل العنبر بما حدث لإخوان شبرا الذين ذهبوا للزيارة أثناء الزيارة جلسنا ننتظر عودتهم .. وقبل أن تتضح حقيقة ما حدث فوجئنا بتفتيش الزنازين .. كل الزنازين بصورة تتسم بالتعنت والاستفزاز والتهور والغلظة ولكننا ضبطنا أنفسنا على عادتنا في مثل تلك المواقف وأمام العواصف وبتنا ليلتنا نضرب أخماسا في أسدادس ونطلب العون من الله ونستعيذ به.. وفي اليوم التالي الخميس 29مايو سنة 1957 وعند عودتنا من الجبل فوجئنا بتصرف غريب ومريب، في نفس الوقت وجدنا إخواننا المرضى الذين كانوا موضوعين تحت الملاحظة الطبية بالعنبر والمستشفى قد أخرجوا جميعا من الملاحظة حتى الذين كانوا قد أجريت لهم عمليات جراحية ولم تلتئم جراحهم بعد وكان عددهم 48 أخا.. ومعنى ذلك أن هؤلاء سوف يخرجون إلى الجبل يوم السبت وبذلك يكون جميع الإخوان في الجبل..!! عندئذ فقط اتضحت أمامنا خيوط المؤامرة وأيقنا أن الأمر يدبر للقضاء علينا جميعا في الجبل ومن السهل جدا أن يقال أننا حاولنا الهرب أو تمردنا فأطلقوا علينا الرصاص، وبهذه الحجة يمكن إبادتنا عن آخرنا والقضاء على 180 مسجونا من الإخوان ليحافظوا على المسجونين الباقين وهم حوالي 2500مسجون ويكون الأمر منطقيا أمام العالم!!

مر يوم الخميس ويوم الجمعة، ونحن نفكر ونفكر .. ونحاول الاتصال بإدارة السجن للتفاهم مع المسؤولين فيها، ولكن جميع الأبواب كانت مغلقة ولا مجيب!!

وجاء يوم المذبحة.. السبت الأول من يونيو سنة 1957 وفي الساعة السابعة صباحا بدأت صارات الحراس تنطلق في فناء العنبر ..

- انزل الجبل .. انزل الجبل..

وكنا قد اجتمع أمرنا على أن ينزل كل واحد منا ومعه ورقة مكتوب فيها أنا فلان... أخشى على حياتي في الجبل .. وأطلب النيابة للتحقيق، ولدي أقوال هامة أريد الإدلاء بها لوكيل النيابة وأنا معتصم في زنزانتي لحين حضور النيابة أو ما معناه.

نزل كل منا وسلم ورقته إلى ضابط العنبر وصعد مرة ثانية إلى زنزانته.

وصعد السجانة وأغلقوا علينا الزنازين مرة ثانية.. غير أنه لم تمر دقائق على إغلاق الزنازين علينا حتى سمعنا المفتاح يفتح في الزنازين ومن «نظارة» الزنازين لمحنا قوة ضخمة من الحراس يفتحون زنزانة واحدة ... ويخرجون من فيها بالقوة ويسوقونهم إلى الدور الأرضي، ثم يفتحون زنزانة أخرى غيرها، وهكذا حتى أخرجوا حوالي خمسين أخا من ال180 أخا الموجودين بالليمان وأجلسوهم القرفصاء .. داخل العنبر السلاسل تسلسل فيها الإخوان الخمسة عشر.. وأدرك أن إدارة السجن سوف تخرج بالإخوان الجالسين بجانبه ففزعوا هم أيضا وبسرعة نهضوا من أماكنهم مسرعين وصعدوا إلى زنازينهم، واختطف واحد منهم المفتاح من الحارس وفتح جميع الزنازين على الإخوان وخرجنا جميعا إلى الطرقة ووقفنا أمام الزنازين.. .

ومرت الدقائق بطيئة وثقيلة.. وحوالي الساعة العاشرة حضر أحد الضباط وطلب منا أن نرسل معه من يتفاهم مع الإدارة فذهب منا أربعة: حسن دوح، وعبد الرازق أمان الدين، وعبد الحميد خطابي، وأحمد البس وانتظرنا عودة هؤلاء الإخوة لعل الله يفرج هذه الأزمة وتمر كل مر غيرها، ولكن علمنا أنهم بدل أن يذهبوا بهم إلى الإدارة ذهبوا بهم إلى التأديب كما ذهبوا أيضا بالإخوان الذين سلسلوا إلى عنبر 3.

واقترب الساعة من الثانية عشرة والنصف ظهرا.. وحضر إلينا مأمور أول الليمان العقيد إسماعيل طلعت، والتففنا حوله وما كدنا نتحدث معه حوالي عشر دقائق إذا بأحد الحراس الذين يعملون بالإدارة يحضر ويهمس في أذن مأمور الليمان بشيء لم نسمعه.. وانصف على الفور المأمور وما كاد يصل إلى مكتبه ولم تمض غير دقائق حتى سمعنا ضجة كبيرة عند مدخل العنبر فنظرنا نستطلع الأمر فإذا بكتيبة الليمان بكامل أسلحتها وعدد جنودها حوالي ألف جندي وصف ضباط، انقسموا إلى قسمين قسم توجه إلى الدور الثاني، والقسم الآخر صعد للدور الرابع واصطفوا في الطرقات من الجانبين وأخذوا وضع الاستعداد لإطلاق النار.. ووجدنا أنفسنا محصورين من أسفل ومن أعلى حيث كنا نقيم نحن في الدور الثالث...

كل هذا رأيناه بأعيننا ولكن لم يدر بخلدنا أنهم قد وصلت بهم حالة الهوس والجنون إلى أن يطلقوا علينا الرصاص في المليان.. لأنه لم يحدث لمثل هذه المجزرة من مثيل حتى ولا في سجون الدول الشيوعية التي امتهن فيها الإنسان أسوأ درجات الامتهان وكنا نعلم حين امتنعنا عن النزول إلى الجبل حتى تحضر النيابة أن لائحة الليمان الداخلية والتي تنظم طريقة الثواب والعقاب على المسجونين كانت تعاقب كل ممتنع على العمل بالجلد من 12 إلى 16 جلدة في الامتناع الأول ثم تضاعف العقوبة في الامتناع الثاني ثم تكون ثلاثة أمثال العقوبة، ثم يخزن نهائيا.. أننا كنا نتصرف ونحن على معرفة باللائحة وكنا على استعداد لتحمل العقاب الذي تحدده على من هم في مثل حالنا .. ولكن لم يمر بخيالنا أن الكيد والحقد علينا قد وصل إلى هذه الضراوة التي وصلت إلى حد قتلنا بهذه الطريقة الهمجية البربرية.. ما كان الجنود يأخذون أماكنهم في وضع الاستعداد حتى دخل مدير الليمان ومعه بعض المدنين من خارج الليمان عرفنا منهم صلاح دسوقي .. وكان وقتئذ أركان حرب وزارة الداخلية وشغل منصب محافظ القاهرة بعد الحادث رفع مدير الليمان العميد سيد والي يده بالمسدس إلى أعلى وأطلق منه رصاصة كانت بمثابة إشارة البدء في الخطة الرهيبة بعدها فتحت النيران من الألف قطعة سلاح التي يحملها جنود الكتيبة دفعة واحدة، وظننا في بادئ الأمر أن الرصاص «فشنك» وللإرهاب والتخويف .. وفعلا صاح بعض الإخوان بصوت عال:

-فشنك .. فشنك .!

ولكننا وجدنا بعض الإخوان يتساقطون واحدا تلو الآخر عندئذ تيقنا أن الرصاص –رصاص حقيقي... وأن المؤامرة التي استشعرناها الآن تنفذ.

أسرعان إلى الزنازين نحتمي بها والرصاص يتعقبنا من شراعات الأبواب ونوافذ الزنازين من فوق السور الخارجي حيث كان حاملوا البرنات والرشاشات الثقيلة يصوبونها على شبابيك زنازيننا واستمر الضرب على هذه الصورة الرهيبة حوالي أربعين دقيقة من جميع الجهات من أسفل ومن أعلى ومن الخارج عن طريق الشبابيك....

أربعون دقيقة كانت كدهر كامل ونحن نسمع دوي الرصاص يختلط بصرخات مكتومة وآهات وتضرعات إلى الله بالدعاء أن يكشف الغمة.. ويفرج الكرب..!!

ثم توقف إطلاق الرصاص بعد أن صدرت الأوامر بذلك ولكن لم تمض أكثر من خمس دقائق حتى سمعنا صوتا هائجا كالثور الهائج يصرخ صادرا أوامره لحملة «الشوم الغليظ» من حراس الليمان (السجانة) أن يقتحموا الزنازين واحدة بعد الأخرى ويقضوا على من بقي فيها من الأحياء .. وفعلا بدأ بأول زنزانة وكانت تسمى المخزن البحري وكان به حوالي تسعة من الإخوان استشهد منهم خمسة في الحال والأربعة الباقون كانوا في حكم الأموات يسبحون في دمائهم ودماء إخوانهم فاقدي الوعي والحركة تماما حتى ظنوهم أمواتا ثم توجهوا إلى المخزن القبلي وهو الزنزانة المواجهة للزنزانة الأولى وحاولوا فتحها إلا أن الله نجى من فيها فقد أصاب أحد الأعيرة «كالون» الزنزانة فسمكرها ولم يعد في الإمكان فتحها وكان بها أحد عشر أخا نجوا من موت محقق فتركوها وتوجهوا إلى الزنازين المجاورة فدخلوا الزنزانتين رقم 13، 14 فأجهزوا على الستة الذين كانوا بداخلها.

ثم صدرت نداءات من الدور الأول بانسحاب القوة الباقية، وهي قوة حملة الشوم الغيظ وكانت بقيادة النقيب عبد اللطيف رشدي . .وفعلا انسحبت القوة ..

وأطبق على العنبر هدوء القبور فلم ونكن نسمع إلا آهات وأنات وحشرجات المحتضرين يرددون الشهادتين .. استمر هذا الهدوء الرهيب حوالي نصف ساعة بعدها سمعنا المفاتيح تدار في كوالين الزنازين فتفتح وسمعنا أصوات جر جثث القتلى وكلمات في همس وحركة غير عادية تلتها فترة صمت أخرى.. اقتربنا من الليل وفتح الباب علينا ودخل أحد المدنيين ومعه ضابط من خارج الليمان سألنا عن الإصابات التي أصبنا بها وأخذوا الأخ حسن على حسن خليل من شبرا، كان قد أصيب برصاصة في كفه الأيمن ثم بعد ذلك حضر بعض رجالي النيابة وعاينوا آثار الرصاص في الباب والجدران، وفي اليوم التالي حوالي الساعة التاسعة صباحا حضر الملازم عبد العال سلومة ومعه قوة كبيرة ونفذي الخطة التالية:

- كان يفتح كل زنزانة ويخرج كل من فيها ويأمرهم بالتجرد من كل ملابسهم حتى الداخلية منها ثم يعطي لكل واحد بدلة قذرة ممزقة وغير مناسبة تماما يرتديها على اللحم وتركنا حفاة الأقدام ويعطي كلا منا برش وبطانية ويسكنه في زنزانة أخرى.. لقد جردونا من كل شيء .. ملابسنا وأحذيتنا، كل أمتعتنا... التموين الذي اشتريناه بنقودنا من كانتين السجن والأدوية وخلافه من الأشياء المصرح بها حتى الكتب والمصاحف بل حتى النظارات الطبية.

- وبدأت عمليات تعذيب كتلك التي حدثت لنا في السجن الحربي.. الضرب بالشوم باستمرار أثناء دورة المياه وكلما فتحت الزنازين حتى يوم 4 يونيو حتى فتحت حيث فتحت علينا الزنازين في الساعة 8مساء وبعد تمام السجن.. بدأت عملية فتح الزنازين وأخذونا زنزانة وزانزانة وجمعونا جميعًا في عنبر التأديب عملية فتح الزنازين وأخذونا زنزانة زنزانة وحمعونا جمعيا في عنبر التأديب ووضعوا القيود الحديدية في أيدينا وربطوا كل عشرين في سلسلة وبقينا جالسين القرفصاء حتى الساعة الثانية عشرة والنصف مساء، حيث جاءت السيارات وأخذوا الدفعة الأولى ولم نكن نعرف إلى أين هم ذاهبون بنا؟! وكنت أنا في الدفعة الثانية ووصلت سياراتنا حوالي الساعة 2.5 صباحاً ركبنا السيارات وسرنا في حراسة عدد من المصفحات وعربات الإسعاف والمدافع الرشاشة.. ووقفت بنا السيارات أمام سجن القناطر وفوجئنا هناك بمدير مصلحة السجون وقد رأى بعض الإخوة زكريا محيي الدين وزير الداخلية وقتئذ وبعض الإخوة قال إنه أي زكريا محيي الدين- كان ماسكا خرزانة ويضرب بها بعض الإخوان.

- فتشونا رغم أننا كنا نلبس بدلة السجن على اللحم وكان الضرب شغالا علينا وعلى طول الطريق إلى العنبر كان يقف أفراد يلهبون ظهورنا بالعصي حتى وصلنا إلى الدورالثاني فوجدنا بالدور قوة من السجانة مكونة من ستة أفراد اثنين شويشية وصول وثلاثة آخرين معهم الكرابيج والعصي وفي الصباح كانت تفتح زنزانة أن يدوروا في طرقة الدور جريا ثلاث دورات والسجانة موزعون في الطرقة يضربون كل من يمر أمامهم وبعد الدورة الثالثة يذهب الإخوان الثلاثة إلى دورة المياه واحد يحمل القروان (أواني الطعام) ليغسله والثاني يحمل زمزمية المياه ليملأها والثالث يحمل جردل البول ولا يكف التعذيب حتى يعود الإخوان الثلاثة إلى زنزانتهم من جديد فيغلق عليهم الباب كانت هذه العملية تكرر مرتين في الصباح وفي المساء.

أما فيما يتصل بالاستحمام فكان محنة أشد على نفوسنا وأقسى!!

فقد كان الملازم أول عبد العال سلومة يرغمنا على التجرد من ملابسنا تماما ونحن في الدور الثاني حيث نقيم، ويأمرنا بالنزول عرايا كما ولدتنا أمهاتنا حتى نصل إلى الحمامات وكان إذا رأى أيا منا يحاول ستر عورته بيده أو بقوبه كان يضربه على جسده العاري.

ظللنا على هذه الحال أكثر من خمسة شهور لا غذاء ولا شمس ولا هواء حتى أصيب حوالي 90% منا بأنيميا حادة .. وفي أحد الأيام أخرجونا خارج الزنازين ومر علينا طبيب السجن وكان اسمه مصطفى النحاس فكتب تقريرا بناء عليه صرفوا لنا غذاء طبيا واقترح أن ننزل كل يوم طابور شمس واستجيب له وكان الطابور في بادئ الأمر لكل ربع من الدور ربع ساعة فقط.

وبعد خمسة شهور أخرى على هذا الوضع بدأوا يخرجون كل ربعين من الدور معا ولمدة نصف ساعة صباحا، ونصف ساعة مساء.

ثم بدأت حياتنا داخل السجن تقرب من الوضع الذي كان قبل المجزرة. .ولكن شيئا جديدا بدأ بعد ذلك، وفي ظل الظروف النفسية التي كنا نعيش فيها.. بدأت فتنة تمزيق الإخوان وقسمتهم إلى قسمين: قسم يؤيد جمال عبد الناصر .. وقسم لا يؤيد جمال عبد الناصر، وبدأ الترغيب في التأييد بالتلويح بالإفراج- وكانت هذه محنة لا تقل قسوتها عن بقية ما مر بنا من محن.

أسفرت مذبحة المذابح هذه عن استشهاد واحد وعشرين أخا من خيرة شباب مصر وهم على التوالي:

1- الشهيد –إبراهيم محمد أبو الدهب. .من الأسكندرية، موظف بالسكة الحديد –متزوج وله 3 أبناء.

2- الشهيد –محمود العطار.. من الأسكندرية –ترزي – متزوج.

3- الشهيد –السيد علي محمد.. من الأسكندرية تاجر متزوج وله 3 أبناء.

4- الشهيد – السيد العزب صوان.. المحلة الكبرى مصانع النسيج –متزوج له 4 أولاد.

5- الشهيد – الحاج رزق حسن إسماعيل .. المرازقة –كفر الشيخ –مزارع متزوج وله 3 أولاد.

6- الشهيد – فهمي إبراهيم نصر.. طالب ثانوي –المنوفية- أعزب.

7- الشهيد – خيري الدين إبراهيم عطية .. طالب أزهري –الدقهلية- بطل لعبة السلة.

8- الشهيد – أحمد عبده متولي ..كلية الزراعة –كفر صقر –شرقية.

9- الشهيد عبد الله عبد العزيز الجندي.. عنابر بولاق السكة الحديد شبرا –متزوج وله أولاد.

10- الشهيد – عبد الفتاح عطا الله.. ترزي –شبرا- متزوج وله أولاد.

11- الشهيد – محمود محمد سليمان .. مهندس بالسكة الحديد –العباسية- متزوج وله أولاد.

12- الشهيد – أحمد محمود الشناوي.. موظف –بالأسلحة والمهمات –العباسية- أعزب.

13- الشهيد – أنور مصطفى.. عامل بالمدابغ –مصر القديمة.

14- الشهيد – عثمان حسن عيد.. طالب بكلية دار العلوم –بطل مصارعة –قلعة الكبش.

15- الشهيد – على حمزة قمصانجيحلوان.

16- الشهيد – عصمت عزت عثمان –موظف بشركة البترول- السويس.

17- الشهيد – أحمد حامد قرقر.. بكالوريوس تجارة –دقهلية- (دنديط) ميت غمر- متزوج وله ولدان.

18- الشهيد – محمد السيد عفيفي- طالب وموظف- بين السرايات جيزة.

19- الشهيد- محمد فوارة .. عامل مطابع –المنوفية.

20- الشيهيد – سعد شوقي .. موظف –إمبابة.

21- الشهيد – مصطفى حامد .. طالب –إمبابة.

هؤلاء هم شهداء هذه المذبحة الشهيرة بمذبحة ليمان طرة.. أما المصابون فكانوا 16 إصابات خطيرة وقاتلة، ولا داعي لذكر أسمائهم لأن عناية الله أحاطتهم جميعا.

بقي أن أذكر سببين آخرين من الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة.. قبل هذه الحاثة بشهرين كان قد صدر قرار مصلحة السجون يقضي لمن أتم 24 شهرا بالجبل أن يعفي من الجبل ويعاد تصنيعه بالليمان بالأشغال الداخلية ولما تقدمنا بطلبات نطلب تطبيق هذا القرار علينا رفضوا طلباتنا جميعا وقالوا لنا:

- القرار لا يشملكم!!

والسبب الآخر وهو سياسي فقد علمنا أن المذبحة كانت انتقاما من الإخوان المسلمين في الأردن لأنهم تصدوا للانقلاب الذي قام به اللواء علي أبو نوارة للإطاحة بالملك حسين لحساب جمال عبد الناصر وكان الإخوان هم السبب الرئيسي في إفشاء هذا الانقلاب الشيوعي!!

الشاهد الرابع: عبد المنعم سليم جبارة

الأخ: عبد المنعم سليم جبارة.

العمل: مفتش بالتربية والتعليم، وكاتب بمجلة الدعوة.

الحكم: حكم عليه بالسجن 25 عاما قضي منها عشرين عاما.. كان ممن عاشوا المذبحة ساعة.. ساعة.. كتب يقول:

مذبحة ليمان طرة

المكان: عنبر (1) في ليمان طرة...

الزمان: السبت أول يونيو سنة 1957.. جاوزت الساعة الثانية عشرة ظهرًا.. عاد إلى الليمان ما يقرب من أربعة آلاف مسجون من الجبل متأخرين عن موعدهم .. فاليوم سبت وجرت العادة أنه إذا وافق أول الأسبوع أول الشهر فإن المسجونين العاملين في قطع الأحجار وحملها وتشوينها يعودون في العاشرة صباحًا...؟

في العنبر .. وفي الدور الثالث مائة وثمانون من الإخوان المسلمين الذين حكمت عليهم محاكم عبد الناصر العسكرية بالأشغال الشاقة انتهوا من صلاة الظهر.. ثم مضت دقائق صعد فيها الضابط عبد اللطيف رشدي على رأس قوة من السجانة مسلحين بالشوم والعصي الغليظة ثم تلاهم فرقة من كتيبة السجون بقيادة الضباط زغلول شلبي قائد الكتيبة مدججين بالبنادق والرشاشات انقسمت قسمين صعد أولهما إلى الدور الرابع والآخر إلى الدور الثاني .. صوبوا النبادق والرشاشات إلى الإخوان حول العنبر من الخارج .. اصطف على أسوار العنبر جنود الكتيبة أيضا بالسلاح مصوبا إلى زنازين الإخوان المسلمين في الدور الثالث، ثم دخل العبر فريق من إدارة السجون على رأسهم اللواء المتخصص في تعذيب المسجونين السياسيين والتنكيل بهم. .اللواء إسماعيل همت نائب مدير مصلحة السجون ومعه مدير الليمان سيد والي له تاريخه مع المسجونين السياسيين أحمق.. أرعن .. اشتهر بالغدر والجبن.. وفريق من ضباط الليمان، ووجه من المباحث العامة أو وجهان.. قيل إنهما صلاح الدسوقي الشيشتاوي.. الصاغ الذي ولغ في دم الإخوان وتناثرت على ملابسه عظامهم وقطع لحمهم وبقع دمائهم.

وفجأة .. دوي صوت اللواء الهمام.. إسماعيل همت في مدخل العنبر. .اضرب .. معلنا بدء المعركة.. أغرب معركة في تاريخ مصر.. وما أغرب معارك مصر خلال الحكم الناصري وما أفدح الخسائر التي لحقت بمصر بسببها، وما أقسى وأفظع النتائج التي حققها.

انهال الرصاص من كل مكان على الأبرياء العزل من الخارج ومن الداخل، ومن أعلى كانوا يتوقعون كل شيء إلا أن يضربوا بالرصاص غدرا وغيلة داخل الزنازين.. في داخل العنبر حتى أن الشهيد سيد شوقي هتف مع أول طلقات الرصاص.. إنه فيشنك يا إخوان إنه فشنك!! ربما تعلق النفس بحبال الأجل، وربما كان تعبيرا عن تصور لم يضع هذا الأمر في باب المحتمل .. وأصابت الرصاصة مقتلا في جبهته فسقط الشهيد على الكوبري الممتد بعرض العنبر، وكان أول شهيد.

وهرع المحاصرون الأبرياء إلى زنازنهم بحثا عن حبال النجاة ولاحقهم الرصاص من فتحات الأبواب العليا بل ومن خلال الأبواب السميكة فأصاب من خلفها في مقتل.

وتمادى المجرمون قساة القلوب في البطش والتنكيل فدخل الضابط عبد اللطيف رشدي بغرفة المخزن 136، وكان عبارة عن زنزانة واسعة وهوى ومعه فرقة بالشوم على من فيها حتى تناثرت الدماء .. وتهشمت الجماجم وتلطخت الجدران بقطع اللحم المتناثر.. ورذاذ الدماء.. ومضى أحمد متولي الطالب بكلية الزراعة، وأحمد حامد قرقر المحاسب وعلى حمزة الترزي، ومصطفى حامد تلميذ الثانوية العامة، وسيد صوان عامل النسيج المحلة وخيري عطية طالب الأزهر . .وغيرهم .. وغيرهم.. مضوا إلى ربهم شهداء أطهار..

وعاش عبد اللطيف رشدي بعدها وقد ازداد سعارا ووحشية حتى جاءتنا أنباؤه ونحن سجن الواحات.. لقد أردته يد مجهولة قتيلا برصاصها وسوت جسده بالأرض عربة نقل ثقيلة بعد أن سارت عليها جيئة وذهابا، وحاول عبد اللطيف رشدي بعد أن أجهز على الإخوان في المخزن 136 أن يكرر الأمر في المخزن المواجه112، ولكن الله كتب للمساكين من نزلائه حياة جديدة.. لقد حاول فتح الباب دون جدوى فأطلقوا رصاص على قفله فأفنته فازداد إحكاما وطار صواب الجناة فأخذوا يطلقون الرصاص من شراعة الباب في الحوائط والسقف والجدران وانزوي المساكين في ركن من الزنزانة حتى ظنوهم أنهم من الموتى.

وتحول الظالمون إلى الزنازين المجاورة فأجهزوا على من كان فيها بالشوم، وكان في واحدة منها الشهيدان عبد الفتاح عطا الله، ....

كانا مصابين بالحمى منذ أيام لا يستطيعان حراكا ولا يدرون مما يجري حولهم شيئا فأجهزوا عليهما ودخل الضابط عبد الله ماهر إحدى الزنازين الملاصقة للمخزن 136 ليفرغ مسدسه في قلوب ضحاياها ثم توقف الرصاص . .وهدأت المعركة ولف العنبر صمت القبور.

شهداء.. سقطوا!!

الشهيد محمد قوارة .. في لحظاته الأخيرة داخل إحدى الزنازين يناديه واحد من إخوانه فلا يجيبه .. ثم بعد لحظات ينظر إليه متسائلا في تثاقل:

-هل كنت تناديني؟!

- فأجابه: نعم.. ولكنك لم تجب!!

- فقال الشهيد:

- لقد كنت أصلي الظهر ... فقد فاتتني الصلاة مع من صلى!!

- ثم تمتم بكلمات وصعدت روحه طاهرة تقية!!

وفي زنزانة أخرى كان الشهيد عبد الله الجندي على وشك الرحيل .. وجهه باسم يردد آيات من القرآن كالعهد به دائما وعبد الله الجندي العامل البسيط لم تغادر بسمته وجهه يوما في الجبل وفي الزنزانة.. في أسفل الحفرة الواسعة العميقة يحمل الصخر فوق كتفيه وهو في طريقة إلى عربة السكة الحديد مسهما في شحنها حجارة ودبشا .. يلتفت إلى إخوانه لفتة كل يوم قائلا:

أبشروا أيها الإخوان والله إني لأرى الملائكة .. تضحك لكم وتفرج بكم وتهش لرؤياكم ، إني أراها في عالم الرؤى الصادقة وبين الدبش والحجر باسمة مهللة تهتف في جزل:

-إن على الأرض رجالا صدقوا فثبتوا وصبروا فتحملوا وعرفوا الوجهة فاهتدوا.. أبشروا أيها الإخوان فإن موعدكم الجنة، لقد فاضت روح عبد الله الجندي وهو في مرضه .. لقد صدق العهد وصدق عند اللقاء فعليه وعلى إخوانه الرحمات والرضوان!!

وفي المخزن.. الزنزانة.. الواسعة استشهد أحمد قرقر، رجل والرجال قليل.. انهالت عليه الضربات بالعصي والشوم وأحاط به زبانية الإجرام في أبشع وأقسى صورة للإجرام صورة العهد الناصري وعلى رأسه من زعم أنه جاء يرفع الرءوس بعد طول انحناء واستبداد فإذا به لا يكتفي بتنكيسها ولكنه يتمادى في تحطيمها وبترها بعد أن عجز عن استذلالها. وكطبع أحمد قرقر الشهم الأبي الكريم الوفي المسلم التقي أنكر ذاته وتلقى الضربات عن إخوانه وألقى بجسده فوق أجسادهم.. وهو يظن أنه يدفع عنهم حتى هوى الشهيد بعد أن لفظ آخر أنفاسه شجاعا كريما على الطريق الذي سار فيه عمار وياسر وسمية وبلال، الحياة في حرية وعزة أو الشهادة في صدق وكرامة .. ومع أحمد حامد قرقر رقد سيد العزب صوان يقول عنه أحد رفاق الزنزانة ليلة المذبحة: لقد بات سيد صوان يحدثنا طيلة الليل عن الشهادة ومنزلة الشهيد، وأجر الشهيد.. فلما كان الغد وفارقنا سيد عرفنا أنه كان على الموعد، ومع سيد العزب، وأحمد قرقر رقد مصطفى حامد تلميذ الثانوية العامة، كان في ربيعه الثامن عشر أو أقل، أكبر من سنه سلوكا وفهما. .كان يختلس لحظات تغفل فيها أعين الحراس لنقوم بطابور جري حول العنبر ويقول باسما

- المؤمن القوي خير من المؤمن الضعف.

- وربما اختلس كتاب من هنا أو هناك يلتهمه قراءت واستيعابا ثم يقول باسما: المؤمن القوي خير من المؤمن الضعف.!

- وفي المذبحة هتف بعد أن رأى الرصاص وشاهد الغدر وأحس الشر:

- اللهم اقبلي في زمة الشهداء!!

واحد وعشرون شهيدا من الإخوان المسلمين في مذبحة طرة فتك بها رصاص عبد الناصر وعصي حرايه في يوم السبت أول يونيو 1957 كانوا جميعا على شاكلة أحمد حامد قرقر، وعبد الله الجندي، وسعد شوقي، وسيد العزب صوان، ومصطفى حامد وقوارة .. اختطفهم أيدي المباحث العامة في بيوتهم ضمن الآلاف ونصب لهم عبد الناصر المحاكم الصورية كان هو فيها الحكم والخصم، ونفذ فيهم زكريا محيي الدين –بريا مصر- المخطط الناصري، وكانت أدواتهم في التنفيذ من أمثال: أحمد صالح داود وصلاح الدسوقي الشيشتاوي، وزهدي.. وشديد ثم صغار الضباط المتهافتين كعبد العال سلومة، وعبد اللطيف رشدي، وعبد الله ماهر، وسيد والي والسجان الكريه القميء متى..

واحد وعشرون شهيدا وثلاثة وعشرون جريحا .. حصاد المذبحة!!

بصوت بغيض كريه.. مر مناد على الزنازين يسأل عن الجرحى والمصابين ومن خلال ثقوب الأبواب وجه نظراته إلى داخل الزنازين.. أنتم لسه عايشين .. صوب سلاحه وأصدر الأوامر..

أقف .. إجلس وشط في الأرض .. إيديك فوق.. ثم ينهال سبابا للأبرياء.

وتوالى فتح الزنازين لإخراج من فيها من جرحى أو شهداء وتجرأ البعض منا فنظر ليشاهد فصلا من فصول المأساة.. لقد سحبوا الشهداء من أرجلهم وألقوا بهم في الطرقات أمام الزنازين ليوهموا أي قادم أن الأمر كان معركة سقط فيها هؤلاء الأبرياء خارج الزنازين ...

ومن أجل ذلك بدأت حملة تفتيش قاسية وحشية على لك الزنازين ألقو ما فيها من متاع وجرادل وأوان إلى أسفل العنبر وبدأ إخراج الإخوان من زنازينهم بفتح باب الزنزانة تحت تهديد السلاح المصوب للصدور يخرج الإخوان رافعي الأيدي إلى أعلى كالأسرى يجرون تحت ضرب الشوم والأحذية والصفعات والركل بالأرجل إلى أحد الكبارى ثم يبدأون خلع ملابسهم ليرتدوا ثياب السجن الميري البالية ودون ملابس داخلية تحتها وليعودوا إلى زنازينهم جريا حفاة تنهال عيهم الصفعات والركل بالأقدام ... وخارج العنبر كانت تجري أبشع فصول المجزرة لقد جمعوا الجرحى ليذهبوا بهم إلى المستشفى وفي الطريق كان ينتظرهم الضابط عبد اللطيف رشدي بالشوم ليجهز عليهم أو السجان متى المجرم الآثم ليهوى بعصاه على الرءوس والوجوه وكتب للبعض أن يصل إلى المستشفى حيا وواجه أطباء المستشفى موقفا صعبا وقاسيا لقد عاشوا لحظات بين عين الطغيان والجبروت مسلطة عليهم والعجز في الإمكان يشل حركتهم وبين واجبهم الإنساني يدمي قلوبهم وأعلن البعض أنه في الإمكان إنقاذ الجرحى ولكن بترحيلهم إلى القصر العيني، وكان من بين هؤلاء الشهيد عثمان عيد، ولكن سيد والي مدير الليمان رفض، وسيد والي بالطبع لم يرفض لا بعد رفض أسياده... ونزفت الجروح دماء القلوب ورحل عثمان عيد وإخوانه إلى جنة عرضها السموات والأرض وعالم ليس فيه إلا العدل والإنصاف والحق.

أصابع المباحث العامة!!

ومذبحة طرة... أو مجزرة طرة وقعت بالفعل في أول يونيو سنة 1957، ولكنها بدأت قبل ذلك.. في أغسطس سنة 1955 كانت المباحث العامة قد قطعت مرحلة كبيرة في إعداد التحقيقات مع فوج جديد من المقبوض عليهم من الإخوان المسلمين في يونيو سنة 1955... ومررنا بالتجربة التي مر بها من قبلنا ألوان من التعذيب وأساليب متنوعة من إهدار الإنسانية والاعتداء على الكرامة وتحطيم النفس. وذات يوم أعطاني جلادون المباحث العامة بحثا من وريقات يدور حول هدف معين: العودة بأفراد جماعة الإخوان المسلمين إلى ما كانوا عليه قبل انضمامهم للجماعة.. إلى أفراد عاديين ضمن أفراد المجتمع المصري.

ويشمل البحث مقدمة تتحدث عن فهم الإخوان المسلمين للإسلام وضرورة التخلص من هذا الفهم فهم التجمع والشمول والحركة ليصبح فهم الفردية والانزواء والصمت .. وقسم البحث الإخوان المسلمين إلى فئات: فئة ترى سبيل الفهم إلى التطبيق هو الكتائب وحلقات الذكر والجلسات الروحية.. وفئة ثانية تراه في الأسر والتربية الدينية والتعمق الثقافي .. وفئة ثالثة تراه في الشمول: في الكتائب والأسر والجلسات فالإسلام نظام شامل وتطبيقه يجب أن يكون شاملا فإذا انهدم جزء انفرط عقد باقي أجزائه.

إلا أن أهم ما في البحث كان طرق العلاج المقترحة... وكانت تدور في إطارين:

1- عمليات غسيل المخ لأفراد الجماعة لإعادتهم إلى طبيعتهم الأولى.

2- أسلوب القسوة في معاملتهم.

ومن أجل هذا اقترح البحث:

1- عقد الندوات وإلقاء المحاضرات والمناقشات لأفراد الجماعة واستخدام متخصصين في ذلك... 2- التعذيب بكافة صوره وأشكاله.

3- رمي الإخوان في السجون والمعتقلات والتنكيل بهم لتحقيق لانهيار النفسي والجسماني فيتم إخضاعهم وتشكيلهم.

4- اتباع وسائل الحرمان معهم ومع أسرهم.

والبحث وضع قبل أن تبدأ محنة الإخوان المسلمين .. ومعنى هذا أن عمليات القمع والبطش والتنكيل كانت برنامجا مخططا قبل حل جماعة الإخوان وقبل مسرحية المنشية وما تم في السجون من تصفيات أو إجرام يتم كإجراء عفوية ساقتها الظروف.

في أكتوبر سنة 1955 وصلت ليمان طرة بعد أن صدرت ضدنا أحكام المحاكم الناصرية وحملنا الأحجار مع إخوان لنا سبقونا إلى الجبل منذ اليوم الأول شعرنا بأن جو الليمان جو عجيب ورهيب جو يسوده التربض والإثارة والاستفزاز وتلمس سبل المضايقات جو التحفز من جانب إدارة الليمان للانقضاض فتكا بالأبرياء.., خاصة من فئة معينة من ضباط الليمان كان أبرزهم شراسة الضابط عبد اللطيف رشدي.. والضابط عبد العال سلومة.. والضابط عبد الله ماهر هذا بخلاف بعض السجانة الذين اشتهروا بالخسة والجبن.

وانصرفت إدارة الليمان تماما عن دورها الحقيقي نحو عتاة المجرمين والقتلة والجواسيس وركزت كل طاقاتها وجهدها في ملاحقة الإخوان العزل الأبرياء.

1- حرمان من العلاج

2- حرمان من تطبيق لائحة السجون لقد كان يسمح لكل مسجون قضي في الجبل 24شهرا أن يصنع في ورش الليمان وحين اشتكى بعض الإخوان الذين قضوا أكثر من 24 شهرا أجابت إدارة الليمان أن ذلك من اختصاص المباحث وجاء رد المباحث في خطاب رسمي بتحريم ذلك لإجراء بالنسبة للإخوان المسلمين حتى ولو قضوا أقضى مدة قانونية وهي 36 شهرا وكان هذا يعني أن عمل الإخوان في الجبل وحمل الأحجار لا ينتهي بالائحة أو قوانين.

3- وكان في الليمان مجموعة من اليهود ضبطوا سنة 1954 في فضيحة لافون المعروفة يفجرون القنابل في القاهرة بل لقد ضبط واحد منهم أنثاء انفجار القنبلة في جيبه وهو يهم بدخول إحدى دور السينما لتفجير القنبلة في المشهدين.

هؤلاء اليهود كان يسمح لهم بالمسكن المناسب والراحة في الجبل والزيارة الخاصة لساعات وإدخال كافة الأطعمة والملابس وكان ضباط السجن يتفانون في خدمتهم ويقوم بعضهم بتوصيل ما تحضره زائراتهم اليهوديات حتى زنازينهم في الدور الثاني في عنبر «1» بينما كان يجري حرمان الإخوان من استلام أي شيء في زياراتهم على الإطلاق.. وقبل المذبحة بثلاثة أيام قام بعض الأهالي من شبرا بزيارة أقاربهم من الإخوان في الليمان وحاولت إحدى الأخوات أن تعطي أخوها قطعة من لحم الطيور فهاج الضابط عبد الله ماهر المشرف على الزيارة وثار وهاج.. وانتهت الزيارة بتحويل الزائرات إلى قسم المعادي وتحويل ثلاثة عشر من الإخوان إلى التأديب والحديد في أيديهم من الخلف.

4- وفي الجبل غضت الإدارة الطرف عن أربعة آلاف مسجون كانوا يعملون .. ووجهت كل الرقابة والمتابعة ووسائل الاستفزاز إلى الإخوان المسلمين المائة والثمانين.. كان الضابط عبد الله رشدي يصر على استلام المقطوعية كاملة بنفسه وإذا كان هناك عجز قام بتحويل الإخوان إلى التأديب ليلبسوا الملابس الحمراء ويخرجوا ضمن فرقة خاصة إلى الجبل ويؤدوا المقطوعية مضاعفة وإذا تكرر العجز كان الجلد بالسياط ووصل عدد الإخوان في التأديب إلى خمسة وخمسين.!!

5- وفي فبراير سنة 1956 دبرت عناصر من إدارة الليمان حادث للاعتداء على الإخوان وكان أبرزهم عبد العال سلومة، وعبد اللطيف رشدي.. جردوا الإخوان من حاجياتهم المسموح بها قانونا.. وصادروا أطعمتهم حتى الأحذية والصابون صودروا في تفتيش عارم واحتكوا بالبعض منهم وحاصروا العنبر بجنود الكتيبة .. وحاولوا ضرب الإخوان بالرصاص إلا أنه كان على رأس الإدارة رجل ذو خلق هو اللواء حسن سيد أحمد.. فقد وصل في اللحظات الأخيرة وأمر بانصراف الجنود وأمسك بزمام الموقف ولعل هذا التصرف من جانب الرجل كان سببا في عزله من منصبه بعد حين ليحل محله سيد والي أحد قواد مذبحة طرة.

6- اضطلع الضابط عبد العال سلومة بدور رئيس في التدبير للمذبحة... وفي كل سجن التقى فيه هذا الضابط بالإخوان المسلمين لم يتورع لحظة من إلحاق الأذى بهم والكيد لهم.. وفي رمضان كان التفتيش يتوقف في الليمان إلا في دور 3 حيث كانت زنازين الإخوان كان سلومة يقوم بذلك مرة أو مرتين في الأسبوع (نشرح عملية التفتيش كوسيلة تكدير) أمام الجميع كان يفتح كل عنابر المسجونين ويترك الإخوان داخل زنازينهم حتى اللحظات الأخيرة وحين ذهب إليه البعض معاتبين يوما قال:

إنني سأجعل من زنازينكم بركا للدماء!!

7- وقبل المذبحة بيومين أمر العميد الأحمق سيد والي بإخراج جميع مرضى الإخوان من الملاحظة الطبية وخروجهم إلى العمل في الجبل وحاول الأطباء مناقشته في الأمر ولكن دون جدوى.

8- وبلغ إجرام هذه الفئة من الضباط إلى حد أن احدهم صرح وهو الضابط عبد الله ماهر أنه سيحرق الإخوان بالجاز!! ولعله قد صرح بذلك أيضا أمام اليهود الذين نقل البعض منهم هذا التعبير عنه. وإذا كان قد قدر لنا أن نرى مساخر ومساوئ هؤلاء الضباط في الليمان وخاصة تصرفاتهم مع اليهود ونسائهم وما كان يشاع ويقال عن لقاءات في الخارج خارج الليمان فإنه قد قدر لنا أن نرى الوجه الآخر بأنفسنا أيضا في سجن القناطر حيث تم ترحلينا بالجنازير والحديد ليلا، في القناطر رأينا مارسيل نزيلة سجن النساء، وكانت في سجن .. فستانها الهفهاف وشعرها المسترسل وحذاءها العالي وحركتها بين سجن النساء وسجن الرجال ومكتب المدير المفتوح لها دائما وسجانتها إن سمحت بمرافقتها تجري خلفها مارسيل اليهودية أيضا لم تكن حبيسة زنزانة ولم تلبس ملابس السجن ولم يقفل في وجهها باب السيد المدير...!! أما الإخوان .. فقد ألبسوهم الأسمال البالية حفاة .. جياع .. تنهال عليهم السياط صباحا ومساء بلا رحمة ولا شفقة تحت إشراف عبد العال سلومة وبإسهام الضابط سامي دويدار وكان الصول على الشلقامي أشهر الملاعين في سجن القناطر ما كف عدوانه عن الإخوان الأبرياء إلا شلل أصابه وأقعده0!!

9- ما يقرب من الأعوام الثلاثة قضاها الإخوان في الليمان في هذا الجو من العنت والعذاب ومع ذلك تحملوا وفوقوا الفرصة تلو الفرصة على الجناة حتى عبر أحد ضباط الليمان على ذلك بقوله: إن أشد ما يغيظنا منكم هو ذلك السبب السلبي!!

حاول الأبرياء العزل أن يطلبوا النيابة لتوفر لهم الأمن وتحقق لهم الطمأنينة.

طالبوا بذلك في صباح السبت أول يونيو سنة 1957 معلنين أنهم غير ممتنعين عن العمل في الجبل وليسوا مخلين بنظام يجري في الليمان وطلب منهم سيد والي أن يدخلوا زنازينهم فدخلوا وأغلق عليهم الأبواب لتفتح بعد لحظات ويقتادونهم السجانة إلى أسفل العنبر ليروا أن ما أشيع كان صحيحا فريق من الكتيبة مدجج بالسلاح جنازير وسلاسل لربطهم مسلسلين إلى الجبل فريق من السجانة بالشوم والعصي... وعلموا من بعض السجانة أصحاب النفوس الطيبة أن الموقف خطير وأن المؤامرة وشيكة .. فهرعوا إلى زنازينهم مصرين على ما طلبوه من ضرورة عرض الأمر على النيابة.

الفصل الأخير...

انتهت فصول المذبحة.. وحل المساء وجرى تحقيق النيابة واقتيد الإخوان من العنبر إلى مكاتب الإدارة وتعرضوا لكمائن في الطريق نصبها لهم ضباط السجن وعند كل كمين يفاجئون بالعصي والصفعات وظهرت وجوه المباحث العامة أحمد صالح داود...وصلاح الدسوقي الششتاوي في وضوح...

وكان حضور النيابة ذرا للرماد في العيون إلا أن الإخوان رغم كل الأهوال أصروا على الحديث بكل ما تعرضوا له وأثبتت النيابة أٌوالهم ولما رأت المباحث أن الأمر يجري على غير ما تهواه اتخذت السبل لحفظ التحقيق والخلاص من المحاضر وفي المكاتب سمعنا أحد الضباط أن عبد الناصر قد ربط بين أحداث الأردن وبين الإخوان في الليمان لقد كان هناك محاولة انقلاب شيوعي في الأردن برئاسة النابلسي.. قاومه الملك حسين وقاومه الإخوان المسلمون أيضا هناك... ولما كانت السياسة الناصرية تساعد الانقلاب ضد الملك فإن موقف الإخوان هناك كان يتعارض مع رغبات الزعيم ... وكان لابد من ثمن يدفعونه... وإذا كان الوصول إلى إخوان الأردن صعبا فإن الوصول إلى الإخوان في الليمان أيسر وأسهل .. ثم يقول الضابط أن الأمر كان يهدف إلى إبادتكم جميعا.

وبعد أيام معدودة ثم نقل الإخوان إلى سجن القناطر ليقضوا ما يقرب من الشهور الأربعة في ظل حياة تتناقى مع أبسط مبادئ القيم والمثل.

وفي سجن القناطر يردد سلومة بعد مضي ما يقرب من شهر من المذبحة أن كثيرا من الحقائق قد تكشفت وظهر أن الأمر قد صور على غير حقيقة وأن الجهات العليا تحاول كل منها أن تلقي تبعة المجزرة على الأخرى، وأن المباحث العامة تقول إنها قامت بتوصيل الأوامر ثم الإشراف على التنفيذ وإن الأوامر صدرت من زكريا محيي الدين- بريا مصر – وأن زكريا محيي الدين يقول إنه تلقاها من عبد الناصر!! ومهما يكن الأمر فإن المسئول الأول هو عبد الناصر، والمنفذ الأول هو زكريا محيي الدين... وأصابعه هم صلاح الشيشتاوي.. وأحمد صالح داود ضباط المباحث العامة.

أما الذين أطلقوا الرصاص في الصدر والرؤوس والذين هشموا الجماجم بالشوم والعصى هم سيد والي وعبد اللطيف رشدي وعبد العال سلومة، وعبد الله ماهر.. ومتى...وزغلول شلبي...وأمثالهم.

وتبقى راية الحق تخفق فوق أرض الكنانة .. رفعتها وثبتتها أيدي أحمد قرقر.. وقوارة.. ومصطفى حامد.. ومن مضي قبلهم أو معهم أو بعهم أو بعدهم على الطريق.

رسالة من الأخ بدر عبد اللطيف

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم جابر .. تحية من عند الله مباركة طيبة.. فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته... وأسأل الله تعالى أن تكونوا جميعا في خير حال .. وبعد.

وصلتني رسالتك المؤرخة في 2- 7- 78 لك التوفيق في أمرك كله وفي كتابك الذي تنوي إصداره قريبا إن شاء الله وأود أن أعرفك بأني لم أكن من شهود تلك المذبحة الظالمة، إذ كنت على بعد حبيس زنزانة انفرادية في عنبر التأديب مع 13 من الإخوة على أثر زيارة تمت – أو لم تتم بمعنى أدق –كنا نزارها يوم الأربعاء 29- 5- 1957 بين الظهر والعصر وقد افتعل اليوزباشي عبد الله ماهر احتكاكا بنا خاصة مع الأخ عبد الغفار السيد.. وكان هذا الاحتكاك مقدمة مباشرة للحادث الذي تم حوالي الساعة الواحدة والنصف ظهر السبت أول يونيو 1957 أول ذي القعدة 1376هـ وظللنا في التأديب حتى يوم 5يونيو حيث نقلونا إلى عنبر (1) ولم نمكث فيه طويلا حوالي 4 ساعات تخللها تعذيب على يد الضابط محمد صبحي ... وكانوا قد أحضروا أيضا مثل عددنا تقريبا من عنبر الإيراد كانوا قد نقلوا إلى يوم الحادث ولم يشهدوه أيضا إذ انتزعوا في الصباح وأوعوا عنبر (2) ثم استقروا بعد الحادث في عنبر الإيراد وبعد غروب شمس يوم 5 يونيو بدأوا في ترحيلنا إلى سجن القناطر الخيرية في موكب رهيب صامت على دفعات في عربات سجن مقفلة بعد إغلاق الطريق أمام جميع وساءل النقل من طرة إلى القناطر واستغرقت عملية الترحيل شطرا كبيرا من ليلة 6 يونيو ثم أودعونا كل ثلاثة في غرفة دون ملابس تقريبا ودون فراش أو غطاء أو أي شيء على الإطلاق وعاملونا معاملة المحكومة عليهم بالإعدام.. تماما ويزيد علينا طابور أن تعذيب على الأقل كل يوم عند الذهاب (الصوري) إلى دورة المياه... وظل الحال كذلك لمدة تزيد على ثلاثة أشهر حتى أن عيد الأضحى مر كبقية الأيام تقريبا على غير ما كنا نتوقع حتى ظننا أن هذه الحال يمكن أن تستمر دائما إلى أن تموت على هذا الوضع .. وأسوأ أنواع التعذيب كان منعنا من الكلام مع بعضنا داخل الزنازين منعا صارما باتا دقيقا وعلى كل فرد أن يجلس دائما بالنهار ناظرا إلى الباب وفي وضع واحد ومن يضبط على غير هذه الجلسة أو متلبسا بالحديث مع أخيه الجالس بجانبه يحضر الضابط فورا ويذيقه من العذاب ما يجعله لا يفكر هو أو غيره في تكرار ما حدث مرة أخرى.

أخي العزيز جابر.. كنت أود أن أكون أكثر نفعا في إفادتك بمعلومات جديدة غير أن قدرى كان في غير المكان الذي تريد مني شهادة عنه ولعل الله يوفق الإخوة الذين حضروا الحادث في تصويره على الوجه المرجو.

سلامي إلى جميع الأخوة الأحبة من أعرف ومن لا أعرف.. وأدعو الله أن يجمعنا على الحق وأن يهدينا إلى ما يحب ويرضى .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

أخوك

بدر عبد اللطيف.

مساء الثلاثاء 6 شعبان 1398هـ

11 يوليو 1978م.

الشاهد الأخير: عبد الغفار السيد

كان من المفروض أن أبدأ الحديث عن المذبحة بحديثه هو ولكنني لم أكن أعرف اسمه ولا أين يوجد ولكنني عرفت اسمه من حديث الشاهد الأول الأستاذ عطية عقل الذي كان معه يوم «الزيارة» التي كانت بمثابة نقطة البدء في تنفيذ المذبحة.. أو التي استغلت كمبرر للمذبحة...

وكان ممكن أن أجعله في أول الكتاب... ولكني فضلت أن يكون ترتيبه كما شاء الله له أن يكون .. الشاهد الأخير.

اسمه عبد الغفار السيد.. يعمل مدرسا للتاريخ الآن بمدرسة إمبابة الثانوية الصناعية .. ويكتب رسالة ماجستير في تاريخ مصر الحديث...

قلت له: متى دخلت السجن يا أخ عبد الغفار؟!

فقال: أنا دخلت السجن الحربي في مارس 1955.... وحكم على بالسجن عشر سنوات أشغال شاقة، والتهمة التي وجهت إلي هي إعادة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين من جديد .. وكان سني وقتئذ اثنين وعشرين عاما وكنت طالبا بكلية الآداب قسم تاريخ في الفرقة الثانية...

قلت: كيف حقق معك في السجن الحربي؟!

قال:التحقيقات كانت يوميا وأثناء الليل ورأيت فيها كل ألوان التعذيب .. الضرب بالكرباج.. الشلح على العروسة الخشبية...

السير بالأحذية الميري على أجساد الإخوان وهم راقدون على الأرض.. ولم أنس هذا المنظر عندما رأيت العساكر يطأون بأحذيتهم الميري جسد الأخ وجيه فخري...

وعند بدء التحقيق معي أراني الشاويش أمين أدوات التعذي الطوق الحديدي الذي يوضع في رأس الأخ.. والثلاجة ووقتها كانت عبارة عن برميل .. وخلاني أحمل العروسة وأنقلها من مكان لمكان...

كان «أمين» هذا هو شبيه صفوت الروبي جلاد السجن الحربي سنة 1965!!

كان رئيس مكتب التحقيق «سيف اليزن خليفة» ... في بداية التحقيق نزعوا عني كل ملابسي ولم يبقوا علي إلا سروالي .., بدأوا يسألوني ... وعندما لم أجبهم بما يريدون قالوا إنني أتلائم عليهم... فقال أحدهم:

- خذوه .. عشوه!!

- أخذني «أمين».. وأخذ يضربني بالكرباج...وهو يعد واحد.. اثنين .. ثلاثة .. أربعة .. عشرة..

حتى إذا ما صدرت مني أية آهة.. يبدأ العد من جديد واحد .. اثنين.. ثلاثة.. أربعة.. وهكذا كلما تأوهت أو استغثت.. يبدأ العد من جديد...

وهكذا حتى انتهى التحقيق معي...

وعندما تسليمنا الادعاءات أعطوا كل واحد منا «علقة» حتى يقهرونا على التوقيع بأن هذه الأقوال أقوالنا...

كان أغلب من معي في القضية شبان صغار السن معظمهم طلاب في الثانوي العام.. أو الثانوي التجاري .. أو الثانوي الأزهري والقليل طلاب في الجامعة..

قلت لعبد الغفار..

ما رأيك في مذبحة طرة.. هل كانت خناقتك مع عبد الله ماهر هي السبب في المذبحة؟!

فقال: إحساسي أن الحادث كان مدبرا وأن هؤلاء الناس كانوا يعدون للصدام مع الإخوان.

قلت: ما هي الظواهر والحوادث التي تدل على أن هناك تدبيرا للصدام مع الإخوان؟!

فقال: بداية الظواهر التي تدل على تدبير «الصدام» في الليمان تمثل في النزاع حول «المقطوعية في الجبل» وتفصيل هذا الكلام هو أننا كنا في الليمان 180فردا من الإخوان فكانوا في الجبل يطالبوننا ب180مترا مكعبا من الحجارة يومياً، وهذا كان مستحيلا لأن من بين المائة والثمانين كان يوجد إخوان لا يستطيع الواحد منهم حمل حجر واحد.. كان من بيننا مثلا الأستاذ المستشار منير دله عليه رحمه الله.. والسجانة كانوا يقسمون الإخوان إلى «مصالب»و «المصلب»

عبارة عن مجموعة من الأفراد حوالي عشرون.. ومسئول عنهم رئيس وكان يطلب من كل مصلب عشرون مترا مكعبا يوميا إذا لم ينجر «المصلب» العشرين مترا مكعبا يوضع رئيس المصلب في التأديب ويلبي الملابس الحمراء (زي المحكوم عليه بالإعدام) وتأديبا له أن ينجز هو يوميا مترين مكعبين بدلا من متر واحد في اليوم وكان الإخوان الشباب يتسابقون على رئاسة المصالب رغبة في تحمل العقاب عن إخوانهم لأنه كان معروفا مقدما أنه سيحدث نقص في «المقطوعية» لأنها كانت فوق طاقتنا ورئيس المصلب لابد أن يذهب للتأديب وأنا شخصيا عملت رئيسا لمصلب وطبعا حدث عجز في المقطوعية وأودعوني التأديب وأذكر أنني بقيت في التأديب مدة عشرة أيام.

وموضوع (المقطوعية) هذا كان فيه إعنات شديد للإخوان وكان يمكن أن يكون سببا للصدام والظاهرة الثانية لاستفزاز لإخوان ومحاولة استثارتهم والاصطدام بهم هو إصدار قرار من مصلحة السجون يقضي بأن كل سجين قضي في الجبل أربعة وعشرين شهرا من حقه أن يعمل في ورش السجن ولا يعمل في قطع الأحجار في الجبل وكان أغلب الإخوان قد قضوا أكثر من أربعة وعشرين شهرا ولكن إدارة السجن طبقت القرار على جميع نزلاء الليمان من مجرمين.. وسفاحين ومختلسين وقتلة، ولم تطبقة على الإخوان وكان هذا ذروة الاستفزاز والاستثارة والاضطهاد للإخوان.. .وفي نفس الوقت كان الإصرار على «مقطوعية الجبل» بالكامل!!

والظاهرة الثالثة هي علمية التفتيش الاستفزازية التي كانت تحدث تباعا وكانوا يستولون على الأشياء المسموح بها في لائحة مصلحة السجون كالكتب والملابس الداخلية وغيرها..

وكانت الإدارة تريد من هذا كله أن تفلت أعصاب الإخوان ويتصرفون تصرفات يمكن أن تتخذ مبررا لإبادتهم ولكن الإخوان كانوا يتواصون بضبط النفس والصبر وتفويت الفرصة على إدارة السجن التي تتربص بهم.

هناك حادث آخر هو إلغاء صلاة العصر في حوش العنبر.. فقد تعود الإخوان لفترة طويلة أنهم كانوا بعد عودتهم من الجبل يغتسلون من غبار الجبل ويلبسون ملابس أخرى غير ملابس العمل وينزلون إلى حوش العنبر لصلاة العصر وعقب الصلاة كان يقف الشيخ حسن أيوب يلقي درسا قصيرا كان له تأثير كبير في المساجين من غير الإخوان.. ففوجئنا قبل الحادث بفترة قصيرة بالإلغاء الصلاة والدرس. ثم كانت الزيارة ...

في هذا اليوم كانت زيارة إخوان شبرا يوم الأربعاء 29مايو وكان أهالي الإخوان الذين يسكنون حي شبرا يأتون مع بعضهم وفي هذا اليوم كان يزورني أخي وأختي .. وأعطوني بعض المأكولات مثل أهالي المساجين الطعام لذويهم.. ولأن الأمر لا يمثل أي مخالفة لم تقم الإدارة باستبدال السلك المقطوع بسلك آخر يمنع تمرير الطعام...

فجأة رأيت الضابط عبد الله ماهر يطلب مني إعادة الطعام إلى أخي .. فقلت له:

ما فيش داعي يا عبد الله بيه تحرجني أمام أهلي .. وبعد الزوار ماينهوا الزيارة خذ كل المأكولات وصادرها.. فرفض وأصر على أن أرجع الطعام إلى أهلي .. أكثر من ذلك أنه أمسكني من يدي بطريقة مهينة فكررت عليه الكلام مرة أخرى..

ما فيش داعي.. يا عبد الله بيه... أن يحدث هذا أمام الزوار فأصر على الرفض وأحكم مسك يدي فحاولت أن أتخلص منه وتجمع بقية الإخوان في الزيارة حولنا.. فترك يدي وقال:

أنا سأريكم .. أنا سأحرقكم بجاز... أنا سأجعل دمكم للركب!!

وذهب ناحية الإدارة.

وانتهت الزيارة وأخذ الأهالي إلى قسم شرطة المعادي وحققوا معهم واستبقوهم حتى المساء وغرموا كلا منهم جنيها...

وفي عودتنا إلى العنبر أوقفونا أمام التأديب وأوقفونا طابور وسألونا:

كل من أخذ طعاما من أهله.. يرفع يده..

فرفعت يدي.. مع البعض الذين أخذوا طعاما من أهلهم والذين لم يأخذوا طعاما لم يرفعوا أيديهم .. ثم ذهبوا إلى عنبر الإخوان، أما نحن –الذين رفعنا أيدينا فقد وضعوا في أيدينا «الحديد» من الخلف وأدخلونا عنبر «التأديب»...

بقينا بالحديد من الخلف حتى جاءونا ليحققوا معنا... فطلبنا النيابة لتقوم هي بالتحقيق وهذا من حقنا .. ولكنهم رفضوا وجاءنا مأمور أول الليمان إسماعيل طلعت وأخرجنا من الزنازين الانفرادي وأوقفنا طابورا في فناء العنبر وقال لنا:

- إنكم مساجين سياسيون.. ونحن نعاملكم معاملة المسجونين السياسيين، وليست معاملة المذنبين العاديين .. وبناء على ذلك طلب منا أن نستجيب للتحقيق ووعدنا بأن لا توقع علينا عقوبة وأراد أن يفوت علينا طلب النيابة.

- لكننا أصررنا على طلب النيابة في اليوم التالي (الخميس 30 مايو سنة 1957) بدأ التحقيق معنا وحقق معي النقيب ناصف...

بدأ التحقيق معي بسؤالي.

اسم المذنب؟!

فقلت له: أنا لست مذنبا.. أنا مسجون سياسي.

فقال: أنا مليش دعوة.. أنت أمامي مذنب.. ليس عندي مسجونا سياسيا!!

فقلت: أنا مسجون سياسي باعتراف مأمور أول الليمان إسماعيل طلعت وتستطيع أن تسأله هو الذي اعترف بذلك أمس فأصر المحقق على رأيه: أنني مذنب.. فرفضت إجراء التحقيق وقلت له: اطلب النيابة للتحقيق معي...

وأمام إصراري أوهمني أنه كتب عبارة : المسجون السياسي ولكنه لم يكتب فعلا...

ولكنني أصررت على طلب النيابة.

انتهى التحقيق معي ومع بقية إخوان «التأديب» بإصرارنا على حضور النيابة للتحقيق.

وفي اليوم الثالث (الجمعة 31 مايو سنة 1957) مر علينا الضابط عبد الله ماهر في التأديب ونادى على وتحدث معي وكل ما أذكره أنه بعد أن أنهى حديثه معي صفعني على قفاي بيده!!

فقلت: كده برضه يا عبد الله بيه!؟ أنت عارف أن يداي مقيدتان بالحديد ولن لم تكن القيد الحديدي فيهم لما جرؤت على أن تفعل ما فعلت...

- انتهى يوم الجمعة.. وجاء يوم المذبحة...

- وطبعا كنا بعيدين عنها.. لكننا سمعنا طلقات الرصاص وسمعنا الإخوان يكبرون ..... الله أكبر الله أكبر...

- وبعد انتهاء المذبحة أرجعونا إلى العنبر وأقاموا لنا حفل استقبال وكان في استقبالنا الضابط محمد صبحي وعبد العال سلومة.. وعبد الله ماهر... وضعوا كل واحد منا في «الفلكة» وضربوه على رجليه بالعصا الغليظة وكان يقوم بالضرب عبد الله ماهر.. ومحمد صبحي...

- وبعد الحادث بيومين أو ثلاثة تقريبا .. سلسلونا كل عشرين في سلسلة وأركبونا سيارات وذهبوا بنا إلى حيث لا نعلم.. وأذكر أن أحد الضباط قال:

- أنكم ستذهبون إلى مكان لا تطلع فيه الشمس فاستنتجنا أننا ذاهبون إلى سجن الواحات..!

- لقد أرادوا أن يصوروا الحادث على أنه تمرد من الإخوان على السجانة... وفعلا أحضروا سجانا أدعى أنه مصاب من أثر هذا التمر كما أحضروا مسجونا يعمل بورش السجن أدعى أن بعض الإخوان طلب منه أن يصنع لهم أسلحة!!

- لقد كان أغلب الإخوان من الشباب الذي يتصف بالإخلاص والتضحية في سبيل دعوته.. لعل هذه المعاني تجسدت في الإخوة الشهداء: مصطفى حامد علي .. وكان طالبا بالمدارس الثانوية.. وعثمان عيد الطالب بكلية دار العلوم.. وخيري عطية وكان طالبا بمدرسة التجارة.. وأحمد حامد قرقر الذي كان مثالا للإخلاص والحماس والتضحية.!!

وأقول أخيرا

إن مذبحة طرة.. هي أبشع مذبحة وقعت في القرن العشرين وكنت أتمنى لو أنني استطعت أن أجمع أقوال كل من نجا من المذبحة.. ولكن أني لي بالوقت الذي يمكنني من لقاء هؤلاء الإخوان؟! وأين هم الآن؟ إنني فقط أردت أن أكتب هذه الصفحات القليلة عن هذه المذبحة الرهيبة كصفحة من التاريخ الأسود للإرهاب الناصري الضاري الذي أراد أن ينفذ مخططا تآمريا صليبيا ويهوديا للقضاء على الحركة الإسلامية الرائدة الممثلة في جماعة الإخوان المسلمين ...


ولكن خيب الله ظنهم.. ورد كيدهم إلى نحورهم فكانت محن الإخوان منحة من الله سبحانه وتعالى ميزت الصف المسلم فنقى ما فيه من خبث وحفظ الله المؤمنين المتقين فثبتهم على الحق حتى أخرجهم من خلف القضبان وهم على عهدهم مع ربهم ثابتين مجددين العزم على المضي في طريق الله مهما لاقوا من العقابيل ومهما كلفهم الطريق من تضحيات...

﴿يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

أخطر وثيقة عن المذبحة

مذبحة الإخوان المسلمين في ليمان طرة عام 1957

وقعت هذه المذبحة في أحد أيام شهر يونيو سنة 1957 – إلا أنه قبل سرد وقائعها يجدر بنا أن نعود إلى ما قبل هذا التاريخ لنعرض بعض الأحداث التي توضح بجلاء المناخ الذي كان يعيش في ظلاله المحكوم عليهم من جماعة الإخوان المسلمين في ليمان طرة، والتي تكشف للقارئ اللبيب أن ما حدث في هذا اليوم لم يكن حادثا عارضا، بل هو بكل المعايير جريمة مدبرة شارك في ارتكابها بعض الضباط والجنود، رغم عملهم أن ما أقدموا عليه كان جريمة قتل وحشية.

ولن أطيل في المقدمة فحسبنا ما سيكشف عنه سردنا من أحداث حدث مع أواخر عام 1955 أن أقدم أحد الضباط على تصرف ينطوي على استفزاز للمحكوم عليهم من الإخوان المسلمين بليمان طرة، ولما حاولوا إثناءه عن التمادي في سلوكه بالمناقشة الهادئة اعتبر ذلك اعتداء عليه ومساسا بكرامته، وذهب اليوزباشي (أ) ( رحمه الله) مدعيا بأن الإخوان اعتدوا عليه وكان اليوزباشي (أ) متسرعا في بعض تصرفاته، وينقصه تحكيم العقل فيما يعرض عليه، لذا كان يندفع إلى ما يسيء إليه وإلى غيره –لذا ما إن أبلغه الضابط بواقعة الاعتداء الوهمي عليه حتى سارع حيث يقم الإخوان في غرفهم المغلقة عليهم ومعه بعض الحراس ودهم الغرفة وأعمل في المسجونين ضربا وسبا، مع إلقاء الطعام على الأرض، وانتهى الأمر بإجراء تحقيق ثبتت منه إدانه الضابطين ووقع على كل جزاء بالخصم من المرتب، مع نقل اليوزباشي (أ) ونقلا من ليمان طرة إلى سجن آخر كما وقع جزاء بالجلد على بعض المسجونين الإخوان، وهو جزاء كان فيه ظلم كبير لهم (للمسجونين) وكان المفروض أن ينتهي الأمر على ذلك، إلا أن الجزاء الموقع على اليوزباشي عبد اللطيف رشدي ترك نفسه إحساسا آخر.

كنت في ذلك الوقت ضابطا بليمان أبي زعبل ثم نقلت إلى ليمان طرة في أغسطس سنة 1956 وكان القائمقام (عقيد الآن) السي والي –رحمه الله- نقل مديرا لليمان طرة، وفوجئنا بعودة اليوزباشي(أ) إلى ليمان طرة مرة أخرى، مع تعينه وكيلا لمأمور الجبل حيث يعمل المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة في تكسر الأحجار.

يبعد هذا الجبل عن مبنى ليمان طرة حوالي كيلومتر ونصف تقريبا، ويخرج المسجونون من الليمان يوميا في الصباح متوجهين إليه سيرا على الأقدام في حراسة مجموعة من عساكر الدرجة الثانية المسلحين بقيادة ضابط يحيطون طابور المسجونين من الجانبين فضلا عن الحراس من الدرجة الأولى المنوط بكل منهم مجموعته من الحجر المستخرج من الجبل ويشرف على العمل ضابط برتبة كبيرة نسبيا يسمى مأمور الجبل يعاونه ضابطان يمسى كل منها وكيل الجبل.

وكان المحكوم عليهم من الإخوان المسلمين يخرجون مع غيرهم للعمل بهذا الجبل وكانوا يعملون في مجموعة واحدة منفصلة عن سائر المسجونين لدواعي الأمن. وهو إجراء عادي يتبع مع جميع المحكوم عليهم في قضايا ذات صبغة سياسية، أو في قضايا الرأي ويحكم نظام العمل في الجبل تعليمات محددة واضحة ودقيقة لا تسمح بأي خلل، ويكاد العمل في ظل هذه التعليمات يسير تلقائيا لأن الجميع يعرفون واجباتهم ومع طول المدة أصبح روتينيا عاديا لا جديد فيه..

وأهم ما يميز العمل في جبل ليمان طرة هو تقسيم المسجونين في مجموعات، تنلتزم كل مجموعة بإنتاج كمية محددة من الأحجار متطوعية) يتم استلامها منهم آخر الوقت بمعرفة الكاتب المختص بحضور وكيل الجبل وهي مقطوعية جماعية أي تلتزم بها المجموعة متضامنة، وهذا النظام يخالف المعمول به بالمحاجر التابعة لليمان أبي زعبل في ذلك الوقت (العمل في قطع الأحجار توقف منذ فترة) حيث كان كل مسجون يلتزم منفردا بتقديم كمية محددة من الأحجار.

ويجدر بي أن أعطي للقارئ صورة واضحة عن طبيعة هذه الفئة من المحكوم عليهم وأعني بهم الإخوان الذين حوكموا أمام محكمة الشعب عام 1954 أم الذين أما الذين حوكموا بعد ذلك بتهمة معاونة أسر وعائلات هؤلاء المسجونين فيما سمي بقضايا التمويل فلا شأن لنا بهم لأن معظمهم من غير الإخوان الذين تشيعوا بروح الدعوة، إنما دفعتهم شهامتهم إلى معاونة عائلات هؤلاء الناس فقبض عليهم وحوكموا بعد ذلك وكان واضحا من طباعهم وبعض تصرفاتهم الفرق الشاسع بينهم وبين من نحن بصدد الحديث عنهم من مجموعة الإخوان.

كانت هذه المجموعة تضم صفوة الشباب المؤمن، وكان إيمانهم تجسدا وتطبيقا عمليا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل» كانوا يلتزمون بما يصدر إليهم من تعليمات مهما بلغ شططها وذلك في هدوء دون مناقشة، وكانوا هادئي الطبع، لا يتكلمون إلا همسا، ولا يرتفع لهم صوت مهما حاق بهم، ولا يصدر عن أي منهم لفظ جارح أو ما يسيء إلى الغير أو ما يسبب أثارة المشاكل مع إدارة السجن وكانوا موضع احترام وحب الجميع من ضباط وحراس وأطباء ومسجونين، وهم بالإضافة إلى ذلك منهم المثقفين من الأطباء والمهندسين، ومنهم الطلبة في المراحل النهائية من التعليم الجامعي الرفيع الشأن في ذلك الوقت، وكان لهم نشاط رياضي واضح.

وقد حدث أثناء وجودهم بسجن الواحات الخارجية في أواخر الخمسينات، أن مأمور السجن أجرى تفتيشا لعنابرهم، وتعمد إثارة مشاعرهم بكل وسيلة، فصادر ملابسهم الخاصة المصرح لهم بحيازتها وأحرقها، وأتلف الأدوية التي وصلت يده إليها وأتلف آلة موسيقية (أوكرديون) كان مصرحا به لواحد منهم وهو ضابط بالقوات البحرية، ولكنهم قابلوا ذلك بهدوء وصبر مفوضين الأمر إلى الله. وحل انتقام الله بالضباط في نفس الليلة إذ مرض ابن الضابط واشتد عليه المرض وكانت المنطقة التي بها مسكن الضابط السجن بعيدة عن أقرب مكان فيه طبيب بمسافة لا تقل عن عشرين كليو مترا مع ضمان وجود الطبيب في هذا الساعة المتأخرة من الليلة، واستبد الفزع بالضابط حتى يئس من نجاة أبنه، لكن الله كان رحيما بالابن فأوحى لوالده الضابط بما ذكره بوجود طبيب بين الإخوان الذين أحرق ملابسهم وأتلف دواءهم في الصباح، وبدون تفكير منه حمل ابنه بين يديه وذهب إلى السجن وفتح العنبر الذي فيه هذا الطبيب المسجون ورجاه أن يسعف ابنه، وتولى المسجون علاج الولد وإسعافة بأدويته الخاصة التي لم تصبها يد الإتلاف وسهر بجانبه، والمسجونون الإخوان يهدئون من روع الضابط حتى زالت العلة عن الود، ورجع الضابط به إلى بيته قرير العين، وفي الصباح كان أول ما قام به هو الاعتذار لهم وطلب عفوهم.

كان لابد من ذكره هذه المقدمة لسبب سيرد ذكره في النهاية نعود إلى سرد الوقائع فقد بدأ اليوزباشي (أ) وكيل الجبل بتحرش بمجموعة الإخوان أثناء عملهم بالجبل وأخذ تحرشه بهم صورا مختلة، وكانوا حريصين على عدم الاستجابة له، إلا أن حدث ذات يوم أن أصدر إليهم أمرا بأن يقدم كل منهم مقطوعيته من الحجر بمفرده- وهذا الأمر مخالف للتعليمات المنظمة للعمل بالجبل – وحاولوا إقناعه بذلك، إلا أنه أصر على موقفه، وهددهم باتخاذ إجراء عنيف ضدهم إن هم خالفوا أمره وكان طبيعيا منهم أن يقدموا المقطوعية المطلوبة منهم كمجموعة ما أثار ثائرت، ودفعه إلى إثبات الواقعة بسجل خاص (يسمى دفتر بلاغات الجبل) وأضاف أنهم يحرضون الغير على الامتناع عن العمل، وقد عرض الأمر على السيد مدير الليمان الذي تأكد من مجانبة موقف وكيل الجبل للصواب، كما تحقق كذب ادعائه ضدهم من أنهم يحرضون الغير على الامتناع عن العمل، وقد شهد الحراس والمسجونون بعدم صحة ما يدعيه وكيل الجبل، ولم يجد مدير الليمان بدا من حفظ البلاغ والتنبيه على وكيل الجبل بالتزام التعليمات، ويبدو أن القرار لم يرق له فأسرها في نفسه.

مضت أيام ووقع العدوان الثلاثي على مصر، وذات يوم استدعاني مدير الليمان وقال لي «هل عرفت أن الإخوان يهنئون بعضهم بمناسبة ضرب كوبري الفردان؟»

(ملاحظة: كوبري الفردان كان يصل بين ضفتي قناة السويس)

وكانت مفاجأة له عندما واجهته بأن وكيل الجبل اليوزباشي (أ) هو صاحب هذا الادعاء، وأخبرته بأن بعض الحراس والمسجونين أبلغوني بذلك، وقد أكد لي أنه علمه من نفس وكيل الجبل، وقد طلب حضور الدكتور كمال خليفة رحمه الله (الذي كان من بين المحكوم عليهم من الإخوان) وهو شخصية نادرة في علمه وخلقه وإيمانه وسعه أفقه، وكان عميدا لكلية الهندسة في يوم من الأيام، وفعلا حضر لمكتب مدير الليمان الذي واجهه بحكاية ضرب إسرائيل لكوبري الفردان...

وابتسم الرجل ابتسامة لها معنى، وبكل الهدوء أشار إلى لوحة رخامية مثبته بحائط مكتب مدير الليمان محفور عليها الآية الكريمة ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ أشار إليها الدكتور كمال خليفة وقال «يا سيادة المدير هذه الآية كافية للرد على ا واجهتني به.. ما هو كوبري الفردان هذا الذي نهنيئ أنفسنا بضربه؟ ... يا سيادة المدير هذا بلدنا، وإن إسرائيل وشركائها دمروا بقنابلهم مدنا ومعسكرات ومنشأت، وقتلوا إخوة لنا، وأطن أن قنظرة صغيرة مثل كوبري الفردان لن تساوي في قيمتها شيئا إلى جانب ما ذكرت... فهل يعقل أن تكون التهنئة على التافة، وفي الحقيقة كانت إجابة الدكتور كمال خليفة رحمه الله كافية لإقناع مدير الليمان بكذب ما أبلغه به وكيل الجبل الذي ازداد حقدا على مجموعة الإخوان

مع أوائل عام 1957 دعني مدير الليمان القائمقام وسيد والي رحمه الله إلى مكتبه، وطلب مني الإشراف شخصيا على زيارات الإخوان فوضعت نظاما يتحقق به عنصر الأمن المطلوب مع إخضاع ما يدور بين الزائرين تحت مراقبة دقيقة، وذلك بالآتي:

1- تحديد عدد المسجونين في مكان الزيارة بما لا يزيد عن ستة في الدفعة الواحدة.

2- تحديد مدة الزيارة بما لا يتجاوز ثمانية دقائق.

ورغم ذلك تقبل مسجونو الإخوان هذا النظام لأنه يحقق لزائريهم من النساء قدرا من التوقير ولم يصدر عنهم ما يكون موضع مؤاخذة لهم.

استمر الحال فترة ليست بالقصيرة، إلى أن استدعاني مدير الليمان ذات يوم وقال لي:

«فيه معلومات من المصلحة بأن الإخوان يتبادلون الرسائل مع معرفهم بالخارج من خلال شفرة هي بعض آيات القرآن الكريم المطرزة على قطع القماش».. وتصادف إجراء زيارة في هذا الوقت، وطلب إلي بعض المسجونين تسليم البعض من قطع القماش الصغيرة المطرزة بآيات من القرآن، عرضتها على السيد مدير الليمان وطلبت إرسالها إلى المصلحة لفك رموز الشفرة، وأرسلت فعلا ثم أعيدت لتسلمها إلى ذوي المسجونين...

ما هي إلا أيام حتى طلب مني مدير الليمان عدم الاستمرار في الإشراف على زيارة مسجوني الإخوان وأسندت إلى ضابط آخر كان قد نقل حديثا من الشرطة، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه من اختلاط الإخوان مع غيرهم في مكان الزيارة.

وفي أحد الأيام وكنت بمكتبي المجاور لمكان الزيارة سمعت ضجة وصراخا صادرين من مكان الزيارة وتبين أن أحد الضباط (ب) تدخل في الإشراف على الزيارة دون أن يكلف بذلك ومع وجود الضابط المكلف أصلا بهذا العمل، وحاول وضع يده في صدر إحدى السيدات اللائي يزرن الإخوان مدعيا أنها تخفي شيئا حاولت تسليمه للمسجون رغم الحاجز الشبكي بينها وبينه ولم يكتف بذلك، بل حرض الحراس على أعمال أثارت ثائرة المسجونين الإخوان، وحدثت مشادة بينهم وبين الضابط (ب) وانتهى الأمر بإنهاء الزيارة، وإجراء تحقيق انتهى بإنذار الضابط (ب) ومجازاة بعض المسجونين من الإخوان.

واستمر الحال في شد وجذب إلى أن تطورت الأمور، وأخذت منزلقا آخر ينبئ بخطر يوشك أن يقع.

استدعاني مأمور أول الليمان ذات يوم وقال لي «هل علمت أن المسجونين الإخوان يلقون درسا عقب صلاة العصر في العنبر كل يوم، ويهاجمون الحكومة وجمال عبد الناصر؟ ... فأجبت بالنفي لأن هذا لم يحدث أصلا، ولو حدث لعلمنا به جميعا في حينه.. وسألته عن مصدر هذه المعلومات فأجاب بأنها تحريات... (أمر مضحك لأن الواقعة المزعومة علنية وليست أمرا خفيا يحتاج لتحيات) واستمر في حديثه قائلا: «أنا أصدرت أمرا بمنع مسجوني الإخوان من أداء الصلاة في الغرفة»... ولم أحتمل الموقف فواجهته بحزم «إن ما أمرت به يا سيادة المأمور أمر يغض الله، ولا أظنك قادرا على تحمل تبعته، وإنك بذلك تثير ثائرة المسجونين»... وقد بهت الرجل ولم يكن يتوقع مني تلك تلك المواجهة رغم رتبتي الصغيرة (ملازم أول) وأحسست وكأنه نادم على تورطه بإصدار هذا الأمر، ولكن لا رجعة في أمر قصد منه مرضاة الرئاسة.

التزم الإخوان بالأمر رغم قسوته، وفي يوم كانت مجموعة مهم تصلي العصر أمام غرفتهم وإذا بالضابط (ب) يتقرب منهم ويجذب سجادة الصلاة من تحت قدمي المسجون الذي كان يؤم الجماعة والعجيب أنه جاءني يخبرني بما فعل، ولم أجد ما أقوله له إلا «أنت ضابط طيب القلب ولم أعهد فيك ما يدفعك إلى مثل هذا السلوك...عموما احذر غضب الله عليك، لأن فعلتك لم تغفر لك»....

وحدث فعلا وكان انتقام الله رهيبا..

والأمر العجيب أن المسجونين الآخرين المحكوم عليهم في جرائم القتل وغيرها، أبدوا استياءهم من ذلك وما ترتب عليه من عدم إمكانهم إقامة الصلاة جماعة، وأجمعوا على أن الإخوان لم يتناولوا في أحاديثهم ما يمس الحكومة أو جمال عبد الناصر أو غيره.. بل إن حديثهم فيه وعظ جميل.. وقد قال لهم أحد الضباط «واعظ السجن موجود تسمعون منه ما تريدون .. فكان ردهم أين الواعظ؟ وأين نجده؟... إنه يحضر ساعة في المسجد ولا نستطيع لقاءه .. ثم إن حديثه مكرر وأصبحنا جميعا نعرف ماذا سيقول»...

استمر الحال على هذا المنوال حتى كان الموعود، يوم الجريمة النكراء، يوم المذبحة البشعة التي لم يغفر الله لمرتكبيها ولمن شارك فيها.

يوم المذبحة

كان يوم من أيام شهر يونيه سنة 1957 وكنت مكلفا بفتح الليمان صباحا الساعة السابعة صباحا كالمعتاد، وتم فتح الليمان ودخول أفراد القوة، وتلاوة الأوامر وتسليم مفاتيح العنابر والأدوار والغرف، ومرافق السجن إلى الحراس المعينين بها وهو إجراء روتيني يومي –وانصرف أفراد القوة كل إلى العمل المعين به، وتوجهت أنا إلى الداخل للإشراف على خروج المسجونين للعمل، وما أن وصلت إلى الباب الخارجي للعنبر رقم 1 الذي يقيم فيه مسجونو الإخوان حتى سمعت صوت مأمور أول الليمان يناديني باسمي ويطلب من التريث حتى يصل إلى حيث أقف، وكان هو مقبلا من ناحية بوابة الليمان يرافقه مأمور الجبل، ولدي وصولهما أخبرني المأمور الأول بأنه هو الذي سيشرف على خروج مسجوني الإخوان من عنبر رقم 1، فاستأذنته للتوجه إلى حيث يتجمع المسجونون الآخرون بفناء الليمان للإشراف على ذهابهم لأعمالهم، إلا أنني فوجئت بقوله لي «إنت حتكون معايا».... وأجبته بألا مانع وأنا خالي الذهن تماما عن أي شيء أو إجراء مزمع القيام به.. ووجه حديثه إلى الحارس المعين بالدور الثالث الذي يقطنه مسجونو الإخوان قائلا:

افتح على المسجونين غرفة واحدة، وعقب خروجهم ونزولهم ووصولهم خارج العنبر، افتح غرفة أخرى وهكذا حتى ينزل الجميع.

وكان مأمور أول الليمان قد أمر أثناء ذلك بإحضار فرقة الحلاقين، مع إعداد القيود الحديدية المخصصة لتقييد مجموعة كبيرة من المسجونين لدى نقلهم من سجن لآخر تلافيا لهربهم.

سارت الأحداث على النحو التالي:

-نزلت أول مجموعة وكانوا ثلاثة، مع كل منهم مصحف يتلو منه آيات القرآن –كما هي عادتهم- وألقوا السلام علينا، وتوجهوا إلى خارج العنبر ليفاجؤا بإجراءت شاذة لم أتوقعها، إذ صدر مأمور أول الليمان أمر بحلق شعر رأس الثلاثة، كذا كل من يحضر من مسجوني الإخوان، مع تكبيل أيديهم بالقيود الحديدية وسألته عن سبب ذلك فأجاب:

(ده موضوع خطير.... فيه معلومات خطيرة .. فيه معلومات بأنهم يعدون العدة للهرب أثناء توجههم للجبل.. ولازم نقيدهم بالقيد الحديد) فسألته وما علاقة ذلك بقص شعرهم؟

فلم يجب .. ثم سألته ولماذا لا يبقون في غرفهم دون داع للخروج للعمل كما تقضي بذلك التعليمات؟ إلا أنه أبدى تضرره واستمر في إلقاء أوامره...

وكان طبيعيا أن تتذمر المجموعة الأول من هذا الإجراء.

1- نزلت المجموعة الثانية، وليست لديهم ما يوحي بما يدبر هم ألقوا السلام وخرجوا ليقابلوا بنفس الإجراء (حلق الشعر والتكبيل بالقيد الحديدي).

2- يبدو أن الحارس رأى أن الأمر لا يستدعي هذه الدقة في تنفيذ توجيهات مأمور أول الليمان، ففتح غرفتين، ووصل مسجونو الغرفة الثالثة إلى باب العنبر الخارجي ليشاهدوا حقيقة ما يحدث فعادوا مسرعين إلى داخل العنبر، ليبغوا إخوانهم بما يجري في الخارج، وكان حارس الدور في هذه اللحظة قد فتح بعض الغرف، فتمكن المسجونون من أخذا المفتاح منه وأكملوا فتح باقي الغرف، وأعادوا المفتاح للحارس، وهكذا خرج جميع مسجوني الإخوان من غرفهم وتجمعوا أمامها معلنين أن مؤامرة تدبر لهم..وكانوا فعلا صادقين في إحساسهم.

3- امتنع مسجونو الإخوان عن الخروج للعمل حتى يحضر مدير الليمان الذي كان قد وصل لتوه، وحضر للعنبر وكان واضحا أنه على علم تام بما حدث..وسأل «الجماعة دول عايزين إيه؟ هم ممتنعين عن الخروج للعمل ليه؟» يا إسماعيل بك حذرهم إذا لم ينزلوا سأتخذ ضدهم إجراءات عنيفة...

هنا تأكد لي أن الأمر أخطر مما تصورته، وتقدمت إليه أستوضحه الحقيقة، فأجابني بأنهم يدبرون للهرب من الجبل فقلت له على الفور «يا افندم الأفضل عدم خروجهم للعمل.. وفي هذا ضمان كاف للحيلولة بينهم وبين الهرب».. ولم يكن مدير المسجونين الذي يخشى هروبهم، يمنعون من الخروج للعمل وتشدد الحراسة عليهم داخل السجن.

4- بدأ إيقاع الأحداث في السرعة آراء متضاربة ثم أمر يصدر بحضور قوة من جنود الدرجة الثانية من كتيبة الحراسة بطرة بقيادة الرائد (ج) بعضهم يحمل البنادق لي أنفيلد، والبعض يحمل مدافع رشاشات برتا.

صعد بعضهم إلى الدور الرابع بعنبر رقم 1، والبعض انتشر فوق الأسوار الخارجية للعنبر وكان واضحا أن الأمور تسير إلى منزلق خطر، وأن زمامها قد خرج من أيدي الإدارة.

حضر جميع الضباط وتجمعوا حول مدير الليمان وكان بينهم الضابط (أ) تقدح عيناه بالشرر وكان واضحا أن مدير الليمان بدأ يشعر بحرج موقفه وبسوء المنقلب وبدأ عليه بعض الاضطراب سيما وأن الجو الذي خيم على الموقف كان قاتما من كل الوجوه:

صياح بأعلى ... وتهديدات بالقتل من الجنود وقادتهم الضباط.. وإيحاءات من الضباط (أ) بأن لا جدوى من نضح هؤلاء المسجونين وضرورة استعمال العنف معهم وهكذا..

5- طلبت من مدير الليمان الصعود إلى مسجوني الإخوان لمناقشتهم ومحاولة تهدئتهم فلم يوافق، وطلب إلى الواعظ أن يتوجه إليهم ويتحدث معهم، إلا أنه عاد بعد قليل ليقول «مافيش فايدة.. إن القوم راكبوا رؤوسهم» وهنا تدخلت ووجهت الحديث للواعظ «يا مولانا كان أجدر بك إن تناقشهم بالحسنى، وبالصبر بدلا من أن تستثير إدارة الليمان».... وبدأت كياني ينتفض إن المذبحة التي كان يتمناها الضابط(أ) توشك أن تتم .. فاستأذنت مدير الليمان للحديث إلى الإخوان وفعلا صعدت إليهم وبدأ حوار طويل بيننا سيما وأنا أعرف الكثير منهم –وطلبت منهم دخول غرفهم وعدم إعطاء الفرصة لأحد لاتخاذ أي إجراء عنيف ضدهم، بل أقسمت لهم إن فعلوا ذلك سأعترض طريق كل من يحاول مسهم بسوء .. ولكن اضطراب الموقف وعدم سيطرة الإدارة على مجريات تلك الأمور في تلك اللحظة، مع صدور بعض العبارات الحادة من الضباط والعساكر تحت أثر حديثي الذي يوشك أن يؤتي ثمرته.. إلى أن قالوا لي «يا أخ مجيد... إنت عملت اللي عليك.. وإحنا تأكدنا إنكم تريدون القضاء علينا .. ونحن قد توضأنا، وصلنيا صلاة الاستشهاد»... عندئذ انصرفت ونزلت إلى حيث يقف مدير الليمان. وأخبرته بما حدث ورجوته ألا يفلت زمام الأمور من يده.

6- أثناء وقوفي جاءني من يخبرني بمكالمة تليفونية بالمكتب وما إن خرجت من باب العنبر حتى سمعت دوي الرصاص.. طلقات من البنادق وأخرى من الرشاشات، فعدت إلى العنبر على فور لأجد المذبحة قد بدأت:

العساكر الدرجة الثانية بالدور الرابع ومعهم ضباطهم يطلقون الرصاص بصورة جنونية، واستغاثات المسجونين وتكبيرهم الله أكبر.. الله أكبر تهز المكان.. وأجساد تتساقط ودماء تنزل بغزارة إلى أرض العنبر .. البعض من المسجونين دخل الغرف وأغلقها قوة من حراس الدرجة الأولى العاملين بالليمان يقودهم اليوزباشي (أ) اليوزباشي (د) ممسكين بعصي غليظه صلبة (شوم) من النوع الذي صدر أمر بعدم استخدامها وتم جمعها وحفظها بالمخازن، بدأت تهاجم المسجونين الذين بدأوا في الدخول إلى غرفهم ولم يمنعهم ذلك من التعرض للاعتداء إذ كان الجنود من حملة البنادق يصوبون بنادقهم ويطلقونها لتنفذ طلقات الرصاص من فتحات عريضة تعلو أبواب الغرف.. وهو أمر لا يتم إلا بعد تصويب دقيق بل إن منهم من كان يطلق الرصاص من فتحه صغيرة بباب الحجرة تسمى النظارة (هذه الفتحة وجدت للنظر من خلالها إلى ما يدور داخل الغرفة) وكانت هذه الطلقات تصيب رؤوس بعض المسجونين، ونظرا لقرب المسافة وطبيعة السلاح فإن الكثير من جماجم المسجونين تحطم وتناثر محتوياتها على جدران الغرف وأرضها.

وقفت بالدور الثاني لحظات قبل أن تنتهي المذبحة وإذا بي أفاجأ بمقذوف ناري ينطلق من خارج العنبر ليمر من أمامي مباشرة فتوجهت إلى نافذة الدور المطلقة على فناء العنبر وسوره وشاهدت أحد العساكر ممسكا ببندقيته فصحت بأعلى صوتي معنفا إياه وأمرته بمغادرة المكان فورا.. طبعا كان ذلك دليلا كافيا على الفوض السائدة.

ادعى البعض أن مسجوني الإخوان خفوا اليوزباشي (أ) واحتفظوا به في إحدى الغرف ليجهزوا عليه... ما الذي دعاه إلى دخول غرفة مغلقة على من فيها؟ وهو لم يكن بمفرده.. ولم يكن الإخوان بحاجة إلى قتله بأيديهم –إذا كانوا حقا ينوون ذلك فيكفي أن يعرضوا جسمه للباب ليمزقه وابل الرصاص المنهمر من الخارج، وليكون ذلك حجة دامغة ضد إدارة الليمان وهذه الغرفة بالذات كان بها خمسة عشر مسجونا قتل منهم تسعة...

انتهت المذبحة وانصرف أفرا القوة من ضباط وعساكر كأنهم انتهوا من معركة مظفرة... وترك الجميع العنبر على حالة توحي وكأن معركة حربية دارت رحاها:

حالة من الكآبة والظلمة أظلتا العنبر رغم أن الساعة كانت الحادية عشرة صباحا.

- صمت رهيب يلف المكان.

- حشرجة الموت اختلطت بأنات الجرحى.

- صنابير من الدماء تنزل من الدور الثالث (ميدان المذبحة) إلى فناء العنبر

- أجساد مبعثرة هنا وهناك –أحد المسجونين الإخوان أطلق عليه الرصاص من طبنجة داخل دورة المياه بنفس الدور، والثاني ممسك بجردل ماء وقد انسكب الماء منه، وكانت آثار ماء الوضوء بادية على ساعديه، ووجهه ورجليه وكان مشمرا أكمام قميصه, ورافعا طرف بنطلونه من أسفل وكان خرج لتوه من دورة المياه...

لماذا قتل هذان المسجونان في هذا المكان؟

- أحد الضباط (ب) يخرج من العنبر وبيده الطبنجة الأميرية الخاصة به، وكان يفرغ ما بها من طلقات ويقول لي «يا حاج أنا قتلت اثنان» وهو نفس الضابط الذي جذب سجادة الصلاة من تحت قدمي المسجون الذي كان يؤم المصلين.

- اليوزباشي (أ) يعود إلى العنبر بعد انصراف القوة واستقرار الأمر ومعه اثنين من الحراس وكل منهم ممسك بشومة ويسرعون إلى الدور الثالث، ويشرعون في ضرب المصابين للإجهاز عليهم، فنهرته بعنف وقلت له «سأشهد ضدك أمام النيابة» فإذا به يلقي العصا ويجري خارجا من العنبر وهو يقول «أنا النهارده أخذت بثأري»... يقصد الثأر منهم بسبب الجزاء الذي وقع عليه نتيجة التحقيق الذي أجري معه وسبقت الإشارة إليه.

- اثنان من الممرضين يقفان ينظران إلى آثار المذبحة دون مبالاة ولم يفكر أي منهما القيام بواجبه خشية غضب الرؤساء .. وعندئذ أمرتهما بنقل المصابين إلى المستشفى، وعاونهما بعض المسجونين (من القتلة..) الذي أشهد أنهم كانوا أكثر شهامة ورجولة من غيرهم...

- أحد المصابين وكنت أعرفه قبل دخوله السجن يشير إلى لعدم قدرته على الكلام وألحظ وجود مقذوف مستقر بين جلد رقبته ولحم الرقبة.. قدرة الله سبحانه وتعالى فأسارع بنقله إلى المستشفى لينجو من موت محقق.

10- كان الجرحى ملقين بأرض مستشفى الليمان كل منهم ينتظر دورة في الإسعاف، ومهم من توفي وهو على أرض المستشفى متأثرا بإصاباته.

حقيقة كان السادة أطباء الليمان عند حسن الظن بهم وكان موقفهم إنسانيا مشرفا.

11- أحد الأطباء الدكتور منير رياض (رحمه الله) يطلب نقل أحد المصابين إلى القصر العيني لنقل دم إليه وإسعافه على وجه السرعة وأنقل طلب الطبيب إلى مدير الليمان الذي عرضه على مدير المصلحة الذي كان جالسا بمكتب مدير الليمان ومعه مدير المباحث العامة، وأركان حرب وزارة الداخلية وجاءت الإجابة بالرفض وتوفي المسجون بعدها بمدة كانت تكفي لإسعافه...

12- جثث القتلى نقلت إلى المستشفى حيث ألقيت على الأرض بأحد الأماكن الملحقة بها، معرضة لوهج الشمس وحرارة الصيف.

13- البعض في حالة من الهدوء وخاصة من دبروا للمذبحة وشاركوا فيها، كأن شيئا لم يحدث لأن التوجيهات التي قيل بصدورها من الوزارة كانت تقضي بإشاعة الطمأنينة بين الضباط رغم القتلى الاثنين والعشرين ومثلهم من الجرحى.

14- حضر الأستاذ أحمد موافي رحمه الله رئيس النيابة، ومعه فريق من السادة وكلاء النيابة لمباشرة التحقيق.

والأستاذ أحمد موافي رحمه الله، كان أستاذا لي بكلية الشرطة عام 1951- 1952 لماذة قانون الإجراءات الجنائية، وكان عالما في مادته واسع الإطلاع متعمقا في الشريعة وعلم الأصول وكان محاضرا ممتازا، وكانت محاضرته وجبة دسمة نحرص جميعا على حضورها للفوز بها وكنت حريصا بعد التخرج من الكلية على استمرار صلتي به لأن الصلة بمثابة هذه النوعية من الشخصيات مكسب كبير.

جلس الأستاذ أحمد موافي رحمه الله إلى مكتب مدير الليمان وكان يجلس بنفس الحجرة كل من:

1- مدير المصلحة.

2- مدير المباحث العامة.(الإدارة العامة لمباحث أمن الدولة الآن).

3- أركان حرب وزارة الداخلية.

وحدد السيد أحمد موافي أسلوب العمل بالنسبة لمعاونيه.

وأخطرت إدارة الطب الشرعي لانتداب السادة الأطباء الشرعيين لمناظرة الجثث وتقرير أسباب الوفاة.

15- قبيل حضور أعضاء النيابة كان لابد من الاتفاق على الأقوال التي سيدلي بها الضباط في تحقيقات النيابة توحيدا لمضمونها ومنعا لأي تضارب بها وتم الاتفاق على أن تكون أقوال الجميع كالآتي:

«أن ثمة معلومات وصلت إلى علم الإدارة بأن المسجونين الإخوان أعدوا العدة للخروج من بوابة الليمان فور فتح الليمان في الصباح ....هكذا .. وقد تمكنوا من الحصول على أحد مفاتيح الليمان كما أنهم أعدادوا علما يحمل شعارهم المعروف ليتقدمهم عند خروجهم من الليمان وأنهم أي الضباط والحراس لما أرادوا تفتيش غرف المسجونين في الصباح تصدى لهم المسجونون بالعنف رافضين إجراء التفتيش، مما اضطر القوة إلى استخدام السلاح دفاعا عن النفس».

معنى ذلك اتفاق على الشهادة الزور لإنقاذ رؤوس ثلاثة من الضباط.

حضر إلى مدير الليمان وسألني «أنت تعرف أحمد بك موافي؟ فأجبت بالإيجاب، وأوضحت له حقيقة الصلة بيننا، وأننا كنا قد أدينا فريضة الحج سويا عام 1956 وسألته عن سبب سؤاله فقال: «إن أحمد بك طلب بالاسم قائلا ( هذا الضابط أثق في صدق كلامه وأحب أن أعرف منه الحقيقة) ثم استطرد مدير الليمان متسائلا «إنت حتقول إيه»؟ وكان مدير الليمان بادي الارتباك وكنت مشفقا عليه لسوء الموقف بعد أن زالت الغشاوة، وتكشفت الحقائق، وبدأ كل من شارك في المذبحة يفكر في نهاية التحقيق رغم ما قيل لهم بضرورة الاطمئنان.. توجهت إلى حيث يجليس الأستاذ أحمد موافي رحمه الله، وما أن رآني حتى قام واتجه ناحيتي وتعانقنا ثم جلس وسألني «إيه اللي حصل؟» وعلى الفور اقتربت منه وأسررت إليه في أذنه بوقائع المذبحة باختصار وما تم عليه من اتفاق بخصوص الأقوال التي سيدلي بها في التحقيق.. ورأيت الرجل يستلقي بظهره إلى الوراء ووجهه متجها لأعلى وانصرفت على الفور، وكل من في المكتب يدير رأسه تجاهي أثناء خروجي.

بدأ السادة أعضاء النيابة التحقيق، وجاءت إجابات السادة الضابط متطابقة حتى في الألفاظ والعجيب أن مأمور أول الليمان أدلى في التحقيق بنفس الأقوال المتفق عليها... وهو الذي كان حاضرا في الصباح منذ البداية ... هو الذي أشرف على خروج المسجونين الإخوان من العنبر إلى العنبر إلى العمل وباشر الإجراءات الطائشة حيالهم من حلق الشعر إلى وضع الأيادي بالقيد الحديدي....

كان هناك بيان بأسماء الضباط أمام السادة وكلاء النيابة، وكان كل منهم مكلفا باستجواب مجموعة من الضباط طلبني السيد وكيل النيابة وكان يجلس بمكتب مأمور أول الليمان، وبعد الإدلاء بالاسم والعمر والعمل ثم حلف اليمين وسألني السؤال الآتي:

س: هل معلوماتك هي نفس معلومات زملائك؟

ج: وماذا قال الزملاء؟

س: هم قالوا إن المسجونين الإخوان كانوا قد أعدوا أنفسهم للخروج من الليمان عقب فتح الغرف لهم في الصباح وخروجهم من العنبر، ومعهم مفتاح الليمان، ومعهم على جهزوه لهذا الغرض.. هل عندكم أقوال جديدة؟

وفي هذه اللحظة دارت بي الأرض وكنت منهكا فقال لي السيد وكيل النيابة «أنا شايفك مضطرب تحب أعفيك من الإجابة؟» فتمالكت نفسي وسألته : هل عثرت النيابة على هذا المفتاح وهل ضبط العمل؟... ثم أدليت له بالحقيقة كاملة، ولا أدري إذا كانت أقوالي دونت كما هي أم لا ...

16- في محاولة لإثبات صدق دفاعهم، سارع بعض الضباط والحراس إلى جمع كل محتويات غرف المسجونين بالعنبر سواء الإخوان أو غيرهم وإلقائهم بفناء العنبر من الداخل حتى تكون ما يشبه الهرم.. ويكاد المريب يقول خذوني..!!

طلب الأستاذ أحمد موافي معاينة العنبر ورافقه السيد مدير الليمان وكنت بصحبته وتوجها إلى العنبر، وكان هناك بعض الضباط ودخلنا العنبر، ووجدنا هذا الهرم من محتويات الغرف من جرادل الطعام، شرب الماء وجرادل البول، وأشياء كثيرة... وبهت الأستاذ أحمد موافي من المنظر وسأل «ما هذه الأشياء؟» فأجاب الضابط: «دي يا أفندم الأشياء التي كانت عند الإخوان واستخدموها في التعدي على أفراد القوة» فسأل الأستاذ موافي .. : «كل هذه الأشياء كانت موجودة في غرفهم؟ أجابوا: نعم... وكان الأستاذ أحمد موافي قوي الملاحظة فاقترب من هرم المخالفات التقط جوزة دي كانت في غرف الإخوان» ثم استمر في حديثه ولماذا صرحتم لهم باقتناء كل هذه الأشيا؟» هل التعليمات تسمح بذلك؟ ولماذا لم تقم إدارة الليمان بالتفتيش المستمر لمنع حيازة الأشياء الزائدة؟ إن هذا إهمال جسيم من الإدارة .. فضلا عن اقتناعي الآن بأن هذه الأشياء تخص مسجونين آخرين.. ووجه حديثه إلى كاتب التحقيق أكتب ما يلي وأملاه ما رآه...

كان الموقف مؤسفا أمام هذا التأنيب من السيد رئيس النيابة: ويبعث على الأسى.

خرجنا من العنبر، وتوجهنا إلى حيث توجد جثث القتلى وكانت ملقاه على الأرض عارية تماما من حر الشمس، وارتاع الرجل لما شاهده.. جثث محطمة الجماجم.. وأخرى ممثل بها أبشع تمثل نتيجة ضربا بالشوم.. ولم يعلق الرجل مكتفيا بتوجيه نظرة إلى الضباط.. ثم اتقى بالأطباء الشرعية وطلب إليهم سرعة إنهاء الفحص والتشريح.

وعاد الرجل إلى مكتب مدير الليمان ومعه مدير اليمان

17- انتهى التحقيق بسرعة خارقة عن مذبحة يروح ضحيتها اثنان وعشرون قتيلا ومثلهم جرحى .. ينتهي تحقيقها في ساعات معدودة...

وأنهى السادة الأطباء الشرعيون مهمتهم وصرحت النيابة بالدفن.

18- كان لابد من إعداد الصناديق بورشة الليمان لوضع جثث الموتى بها، صرفت الأخشاب من المخازن وجند الفنيون لإعداد الصناديق بورشة الليمان وتم إعدادها سريعا ووضعت كل جثة في صندوق كتب عليه اسم المتوفى .. .آسف اسم القتيل.. والدماء تسيل من فتحات الصناديق وكانت التوجيهات الصادرة تقضي بتوصيل الجثث إلى المدافن مباشرة في الجهة التي تحددها أسرة القتيل لدفها دون مراسم جنازة وتم ذلك فعلا...

وأذكر هنا حوارا دار بين والد أحد القتلى وبين أحد الضباط أمام باب الليمان وبحضوري وكلنا نعرف المسجون القتيل وكنت أعرف والده كان المسجون إنسانا بحق.. رجل متدين مهذب على خلق فاضل .. لا يتكلم إلا همسا .. مثقف وهو خريج كليه دار العلوم .. وكان يمارس رياضة كرة السلة كلاعب فنان.. ويشرف على فريق كرة السلة المكون من المسجونين ولم يكن يتجاوز الثلاثين من عمره.. جميع المسجونين يحبونه ويحترمونه حتى إن الضابط المسئول عن النشاط الرياضي بالمنطقة بكي لأجله كثيرا .. وكنا نعرف والده رجل دين وعالم.

هذا الرجل كان يقف أمام باب الليمان صامدا صابرا محتسبا، لم تذرف عينه الدمع... رغم صراخ النساء الذي كان يدوي أمام الليمان، وكأن كل صرخة هي لعنه من مرتكبي المذبحة ... طلب الرجل إلقاء نظرة أخيرة على ابنه فكان جوابه الرفض.. طلب استلام جثته فكان الجواب الرفض فما كان إلا أن قال: «يعني كنت خايفين منه وهو حي... هل مازلتم خايفين منه وهو ميت؟» هذه العبارة سمعتها بنفسي. ثم خروج الجثث على النحو الذي أوضحته.

وتقدم أحد الفنيين بطلب صرف مكافأة مقابل المجهود المبذول في تشغيل الصناديق، ولأول مرة أسمع ضابطا ولأول مرة أسمع ضابطا تصحو مشاعره فينهر هذا الشخص على طلبه مفارقة غريبة تحرك شعور الضابط للطلب الحقير، ولم تتحرك مشاعره للمذبحة.

19- انقلب الجميع إلى حالة من الوجوم.. راحت السكرة وجاءت الفكرة.. هم بشر لاشك ومنهم من شعر بجسامة الجرم.. وبدأ كل واحد يحاول التعلل بأوهى الأسباب.. بل إن أحدهم طلب الحديث معي بالمكتب وقال: «الحمد لله أنا ما كنتش ماسك سلاح ولا شومة وكان يتكلم بحالة من الضعف .. ثم سألني هل علي ذنب؟» فأجبته: العلم عند الله.. ولكن اسمع يا فلان «إن ما حدث هو مذبحة.. جريمة قتل جماعية... لم يكن هناك ما يبررها.. هل حقيقة أن المسجونين الإخوان دبروا للخروج من الليمان عند فتح الليمان في الصباح وهل كان معهم مفتاح وعلم؟» فصت التحقيق؟ معنى ذلك أنك شهدت زورا في واقعة وهمية» وتركته لهواجسه وأفكاره...

20- حوالي الساعة الرابعة مساء نفس يوم الحادث، حضر الليمان السيد وكيل أول نيابة الجنوب واسمه ممدوح واستدعاني إلى مكتب مدير الليمان حيث كان يجلس ومعه كاتب التحقيق .. وكان الضباط قد انصرفوا وبقي ثلاثة أنا واحد منهم.. توجهت إلى مكتب مدير الليمان.. وطلب إلى السيد وكيل النيابة الجلوس وقال لي «إن هناك نقاطا محددة مطلوب استيفاؤها في التحقيق.. وقد أمرني السيد الأستاذ أحمد موافي 66 بأن تلازمني طوال التحقيق للاستعانة بك إذا لزم الأمر... وقد حاولت الاعتذار لكنه فاجأني بقوله «أحمد بك موافي قال لي إذا حاول الضابط الاعتذار فاتصل بي لأصدر إليك أمرا كتابيا بذلك..» لم يكن الموقف يستحق كل تلك المناقشة, وجلست معه وكان أول ما سأل عنه: هل يوجد بالليمان عصى غليظة المسماة (الشوم) فأوضحت له أن تلك العصى بطل استعمالها وهي محفوظة بالمخازن فطلب فتح المخازن لمناظرة العصى.. وأثبت أمره بفتح المخازن بمحضر التحقيق وسجل حوادث بوابة الليمان، وتوجهنا إلى المخازن وتم فتحها، وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها العصى الغليظة (الشوم) التي استخدمت في المذبحة أعيدت إلى مكانها في المخازن (لكونها عهده أميرية) وبعض ملوث بالدماء وأمسك وكيل النيابة بإحداها وقال «الماء ما زالت بحالة لزجة مما يدل على استعمالها منذ وقت قريب» وأمر وكيل النيابة بجمع كل العصي الملوثة بالدماء وحصرها والتحفظ عليها تمهيدا لإرسالها إلى الطب الشرعي لتحليل ما عليها من آثار الدماء.

كان واضحا أن السيد وكيل أول النيابة ليس شخصا عاديا... كان غاية في الذكاء، كان دقيقا جدا، وكان يبدو وكأنه قرأ وقائع المذبحة من مشاهدته لهذه العصي.

وبدأ السيد وكيل النيابة عمله بطلب استدعاء الضابط (ج) الذي كان مكلفا بقيادة القوة المنوط بها إطلاق النار، وحضر فعلا وبدأ استجوابه على النحو التالي:

سأله أولا عن معلوماته.. وكان يعملم مقدما أن إجابته ستكون هي نفس الإجابة التي قررها في التحقيق الذي أجري في الصباح واستمر في مناقشته بأسلوب أثار إعجابي، واستمرت المناقشة أكثر من ساعة تناولت موضوعات مختلفة وكان واضحا أن السيد وكيل النيابة واثق من نفسه ممسك بزمام الأمر، حتى وصل إلى بغيته من حيث فقدان الضابط (ج) لقدرته على الاستمرار على أقوال واحدة وبدأ في الإدلاء بالحقيقة.

كنت مشفقا على الضابط إلى أن وصل التحقيق إلى نقطة معينة هي مربط الفرس... وكانت الأسئلة على النحو التالي:

س: ما هو الأمر الصادر إلى سيادتك من مدير الليمان؟

ج: الأمر هو إطلاق النار في اتجاه سيقان مسجوني الإخوان.

س: ما هي الحالة التي كان عليها المسجونون وأفراد القوة من حراس وضباط الليمان وقت صدور أمرك بإطلاق النار؟

ج: كان الجميع في حالة اشتباك وتماسك.

س: هل كان في مقدور قوة إطلاق النار تنفيذ الأمر الصادر إليهم دون إصابة أفراد الحراس سيما وأنهم كما ذكرت كانوا في حالة تشابك؟

ملاحظة: في هذه اللحظة تصبب العرق على وجه الضابط، وتغير لونه.. ثم بدأ وكأنه وجد الإجابة.

جـ: الحقيقة المسجونون أصيبوا نتيجة سكترمات الطلقات.

س: وضح لنا معنى ذلك؟!

ج: السكترمة تحدث نتيجة اصطدام المقذوف الناري بجسم صلب فيرتد بزاوية ميل مساوية لزاوية سقوط على الجسم الصلب.

س: وهل تستطيع الكسترمات التمييز بين المسجونين والحراس؟!

صمت الضابط ولم يتكلم

واستمر وكيل النيابة في توجيه حديثه إلى الضابط.

يا حضرة الضابط يماذا تبرر إصابة المسجونين إصابات مباشرة في مواضع قاتلة.. وبعضهم تحطم جمجمته وتناثرت محتوياتها

يا حضرة الضابط إذا كان الأمر صادرا باستعمال السلاح ضد المسجونين خارج الغرف.. فماذا تبرر وجود مسجونين داخل غرفهم مصابين ومقتولين نتيجة إصابتهم بطلقات نارية. وهل كان مصرحا باستخدام مدافع رشاشة مع استعمال البنادق.

يا حضرة الضابط هذه مذبحة .. .هذه وحشية.

رد الضابط: إحنا كنا في دفاع شرعي عن القوة.

س: دفاع شرعي ضد أناس عزل من السلاح .. دفاع شرعي بقتل مسجونين دخلوا الغرف فعلا؟ هل هذا يعقل . ثم بماذا تبرر وجود كسور في أذرع بعض المسجونين؟

ج: أنا الحقيقة ما أعرفش موضوع الكسور.

انتهى التحقيق وانصرف الرجل وهو في حالة من الغيظ لا يمكن وصفها.

21- في اليوم التالي للحادث، وكأن ما حدث لم يكن كافيا لإيقاظ الضمائر، أقدم ضابط على تصرف فيه محاولة لإذلال من نجا من الإصابة والموت، وكأنه يلومهم على النجاة من المذبحة.. فلتكن مذبحة لإنسانيتهم وكرامتهم .. فماذا حدث:

جمع الضباط (د) مسجوني الإخوان بفناء العنبر الخارجي في شكل صف واحد ثم يأمر أحدهم بالوقوف لينصح زملاءه، ويقف المسجون ويستدير ليحدث زملاءه، ويقف وراءه أحد الحراس ويبدأ المسجون الحديث بقوله «الحمد لله رب العالمين.. وقبل أن يكمل حديثة إذا بالحارس يهوي بكفه على مؤخرة رأس المسجون بكل عنفن ويلتفت المسجون إلى الخلف فإذا بالضابط يقول (ما تضيعش وقتنا في الكلام ده.. خش في الموضوع) فيبدأ المسجون حديثه مفسرا لآية قرآنية .. وإذا بالضابط هو الذي يهو بيده على رأس المسجون ويقول (بلاش الحكاية دي...) فيسأل المسجون وماذا أقول؟ فيجيب الضابط قل لهم: أنتم ولاد.. أنتم ولاد.. «آسف لا يطاوعني القلم على ذكر الألفاظ» لأن الأول متعلق بحيوان والثاني متعلق بما يشين أي امرأة حرة...

ضابط آخر (هـ) يأمر كل مسجون بالوقوف ويسأله عن اسمه فيجيب المسجون أن هذا اسمه.. وإذا بالحارس إياه يهوى بيده على رأس المسجون.. ويقول له الضابط (إنت اسمك زينب) فيصمت المسجون وإذا بالحارس يصفعه مرة ثانية فلا يجد المسجون بدا من ذكر الاسم الذي اختاره الضابط له...

22- يشيع الضابط (أ) أن الإخوان كانوا يدبرون لكسر مخزن المفجرات في الجبل والحصول على محتوياته لنسف الليمان وإذا بالمسجونين المحكوم عليهم في جرائم القتل والسرقة وغيرها يتقدمون إلى مدير اللميان في حالة من التذمر، ويصرون على مقابلته ويقابلهم مدير الليمان ويستمع إليهم وإذا بهم يلقون بمفاجأة «الكلام ده محصلش.. الناس دول أحسن ناس....ومشفناش منهم غلط أبدا.. يا سعادة البيه.. مخزن البارود بعيد عن مكان العمل وواقف عليه حرس مسلح.. إزاي دول يوصلوا له الحقيقة يا سعادة البيه إن الضابط (أ) هو اللي طلع الإشاعة دي.. والناس دول انظلموا في اللي حصل لهم ..» ذهل مدير الليمان وقد طلبت منه تحرير محضر بهذه الواقعة ومواجهة الضابط (أ) بالمسجونين، وإرسال المحضر للمصلحة أو النيابة إلا أنه صمت برهة وقال للمسجونين «طيب روحوا أنتم دلوقت»

23- يتم نقل مسجوني الإخوان من ليمان طرة إلى الواحات مع نقل الضباط (أ) إلى سجن آخر ليسدل الستار على واحدة من أبشع المذابح.


يحق للقارئ أن يتساءل عن نتيجة تحقيق الحادث وأجيب بالآتي:

أولا: في زيارة للأستاذ أحمد موافي رحمه الله في منزله بالدقي كان طبيعيا أن أسأله عن هذا الموضوع فابتسم الرجل وكان وجهه دائم الإشراق وأجاب «بالنسبة لي كرئيس نيابة رفعت التحقيق إلى الأستاذ النائب العام بالنتيجة التي ترضى ضميري.. والواقع أنني أحسست من أول لحظة أن هناك تدبيرا لطمس معالم الجريمة... ولكن التحقيق كشف كذب الكثيرين» هذا ما قاله الرجل لي والله وحده يعلم نتيجة التحقيق.

ثانيا:

تلك كانت عدالة أهل الأرض في العصر الناصري...

كيف كان انتقام عدالة السماء ?

لن أذكر أسماء من حلت بهم نقمة السماء، فمنهم من رحل عن الدنيا ومنهم من لا يزال على قيد الحياة.

ولن أذكر كل صور النقمة لأن منها ما يمس أحض خصائص العلائق الزوجية مما يدخل في نطاق الفضائح، ولكن يمكن ذكر الآتي مثلا:

أ‌- أحدهم كان مدمنا على تعاطي المخدرات، وذات يوم أكل قطعة من الحشيش ودخل دورة المياه فمات وهو جالس داخلها...

ب‌- وآخر كان ضخم الجثة قوي البنية، ولكنه شوهد بعد ذلك وقد تحول إلى مثل عود القصب وحلت به العلل التي أقعدته ثم وافاه الأجل.

ت‌- آخر أصيب بمرض القلب رغم صغر سنه وقوة صحته، ولا تزال العلة ملازمة له.

ث‌- أحد الحراس شلت يده آخر النهار.

وأقرر بصدق كل كلمة وردت في هذا السرد للمذبحة وبمسئوليتي عنها والله على ما أقول شهيد.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة «من عادي لي وليا فقد آذنته بحرب مني». وأسأل الله أن يجنبنا المهالك وأن يلهمنا السداد ونعوذ بالله من الظلم الذي هو ظلمات ويوم القيامة ..

مجيد الخولي.

ملحقات

على هامش مذبحة ليمان طرة

اطلعت على ما نشر في العدد السابق من مجلة الدعوة تحت عنوان «مذبحة الإخوان في ليمان طرة» ونظر لأنني على علم ببعض المعلومات التي تتعلق بتلك المأساة الرهيبة بحكم صلتي ببعض ضباط الشرطة الذين شاركوا في أحداث ذلك اليوم أول يونيو سنة 1957 فقد رأيت من الواجب على إبراء للذمة وأداء للأمانة أن أنقل إليكم تلك الصورة التي وصلت إلى علمي عن طريق أحد الضباط الذين عملوا معي في مأمورية معتقل الطور في صيف سنة 1962.

وخلاصة تلك المعلومات أنني في شهر مايو سنة 1962 انتدبت من مديرية أمن البحيرة لأعمل في معتقل الطور نائبا لقائد المعتقل، وكان معي في تلك المأمورية الضابط محمد صبحي الذي كان يقوم بأعمال أركان حرب المعتقل وقد حث ذات يوم أن أراد ذلك الضابط أن يقوم ببعض أعمال التكدير بالنسبة لبعض المعتقلين فأفهمته أن هذه الأعمال مخالفة للوائح المعتقلات والسجون وأنه لا داعي لها على الإطلاق وعلينا أن ننفذ اللوائح بدقة دون خروج عليها فأبدي استياءه من هذه النصيحة قائلا لي إن هؤلاء المعتقلين يريدون أن يقوموا بما قام به الإخوان من قبل في ليمان طرة سنة 1957 فاستفسرت منه عن حقيقة أحداث ليمان طرة وموقف المسجونين من الإخوان من تلك المذبحة فاسترسل في الحديث دون أن يعرف من قريب أو بعيد أي صلة بالإخوان وقد ذكر أثناء حديثه أنه كان المفروض أن يقوم المسجونون من الإخوان المسلمين بأعمال قطع الأحجار بالجبل إلا أنهم رفضوا أن يقوموا بتلك الأعمال وأن إدارة الليمان أرادت أن تحملهم على القيام بالعمل في الجبل إلا أنهم أصروا على الرفض، فما كان من إدارة الليمان إلا أن قامت بإطلاق بعض الأعيرة النارية «الفشنك» للإرهاب ولما لم يمتثلوا للأوامر أطلق الضابط أعيرة نارية عليهم فقتل من قتل منهم وأصيب من أصيب .. وقد ذكر أنه شارك في تلك الأعمال تنفيذا للأوامر الصادرة من مدير الليمان العقيد سيد والي وقد أبديت استيائي من تلك النهاية المفجعة التي انتهت بقتل الأبرياء فذكر ي أنه هو والضباط الآخرون كانوا ينفذون الأوامر، ولم يكن في استطاعتهم الامتناع عن تنفيذي الأمر فأفهمته أن أمر الرئيس واجب التنفيذ إلا أن يكون فيه ارتكاب جريمة وأنه لا طاعة لرئيس في معصية القانون – فذكر لي أنه هو وزملاؤه من الضباط كانوا في حالة خوف شديد من المسؤلية المترتبة على تلك الأعمال لأنه رأى المحقق من رجال النيابة قد حضروا لمباشرة التحقيق إلا أنه لم يطل عليهم موقف الخوف والفزع إذ دخل عليهم «صوت سيدة» صلاح الدسوقي الششتاوي الذي كان في ذلك الحين أركان حرب وزارة الداخلية وشد على يد العقيد سيد والي وأشاد بموقفه مثنيا عليه ومهنئا قائلا له بالحرف الواحد: «أنا قلت يا أبو السيد ما فيش شخص يقدر يعمل هذا العمل العظيم إلا أنت وليتك خلصتا من الباقية» أي أن صلاح الدسوقي كان يريد أن يتسع نطاق المأساة فيقضي على جميع الأبرياء العزل من الإخوان المسلمين لأنه صوت سيده ومنفذ أوامره

وقد ذكر لي الضابط محمد صبحي أنه بعد أن قال صلاح الدسوقي ما قل أمام المحقق من رجال النيابة تحول التحقيق وجهة أخرى لحفظ التحقيق وإهدار تلك الدماء حتى لا يرى تحقيق جدي في الحادث ... وقد قرر أنه عندئذ فقط شعرنا بالاطمئنان وأنه لن يسأل أحد من الضباط عما حدث لأن هذه هي رغبة المسئول الأول «الرئيس الراحل» الذي يمثله صلاح الدسوقي الششتاوي وقد قلت له إن النجاة من مسئولية الدنيا شيء هين وأن المسؤولية الكبرى بين يدي الله يوم يقوم الناس لرب العالمين.

هذه شهادة أؤديها بأمانة كما سمعتها ليعرف الرأي العام في مصر والعالم الإسلامي كله أنها كانت مؤامرة لإبادة العناصر المؤمنة الصادقة، حتى يخلو الجو للمنافقين النفعيين، وحتى يخلو المجتمع ممن يقول كلمة الحق حتى يستطيع الحاكم المتربع على كرسي السلطة أن يحكم حكما فرديا استبداديا.. وقد كان ما كان من المصائب والنكبات التي ترتبت على ذلك الحكم الفردي مما لا نزال نعاني من آثارة الرهيبة حتى الآن.

نسأل الله مزيدا م الحرية لتنطلق الدعوة الإسلامية لتؤدي دورها لإصلاح المجتمع والأخذ بيده إلى طريق الفوز والفلاح.

لواء عبد اللطيف راشد

المحامي.

7رجب 1397 هـ

24 يونيو 1977م.


رسالة إلى الأستاذ مصطفى أمين

من المواطن سعد زغلول أحمد القاهرة: باب الشعرية.

تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله.

مذبحة طرة يرويها شاهد عيان

في أول مايو سنة 1957 وقد مضي على مجموعة من الإخوان المسلمين وهم حوالي 180 فردا ثلاث سنوات ينفذون أحكاما جائرة حكم بها عليهم بلا محاكمة بل وضع هذه الأحكام ضباط التعذيب وزبانية فرعون... ونطق بها فريق التمثيل في ذلك الوقت وهم (محاكم الشعب) أي والله إنها لمذبحة يأبى أن يرتكبها عتاة الإجرام من قديم الزمن إلى حديثه مع أعدائهم كل ذنب هؤلاء أنهم بعد مضي ثلاث سنوات من تعذيب مضن وتكسير حجارة تحت شمس حارقة وتعذيب الزبانية أن قدموا شكوى إلى المسئولين بأن لائحة الليمان تقضي بأن يغير تصنيع السجون من الجبل إلى ورش الليمان بعد سنتين ونحن جاوزنا هذه المدة وتعرضنا للإبادة في الجبل أكثر من مرة من الزبانية فما كان رد المسئولين في ذلك الحين، إلا أن بعثوا لنا بسكرتير مجلس الوزراء في ذلك الوقت وهو (صلاح الدسوقي) على رأس قوة من الجيش بمدافعها لإبادة المساجين داخل حجراتهم الصغيرة وهي مقفولة عليهم ولا يملكون إلا إيمانهم بالله وليس مع كل واحد منهم إلا بطانية وبرش.

وهذا كل ما تحتويه الحجرة الصغيرة ومساحتها كما نعلم حوالي 2.5 – 3 متر.

وانتابت هذه الوحوش الضارية المهاجمة الغيظ حينما علمت أن الحجرات مغلقة وأن السجان المختص هرب بالمفتاح شفقة على المساجين العزل وهذا حينما علم بغدر القادمين.

فما كان من الوحوش إلا أن صوبت مدافعها على الأبواب الغليظة للحجرات فحكمت بعضها وقضوا على من بداخلها برصاصهم بل ومثلوا بالجثث من تحطيم للجماجم وغير ذلك، أما الأبواب التي لم يتمكنوا من تحطيمها فأدخلوا فوهة المدفع من نظارة الزنزانة وأطلقوها شمالا ويمينا بصورة لم يصدقها العقل لا قديما ولا حديثا.

وحين اطمأن رسول الشيطان أنه قام بمهمته شر قيام.. انسحب من أبشع مذبحة عرفها التاريخ وهو ملطخ ومن معه بالدماء البريئة وبعد مضي ساعات حضر أتباع فرعون وسحبوا الجثث إلى أسوار السجن بكي يدعوا ويلفقوا تهما ويجلعون المجني عليه هو الجاني ولكن الله كان من ورائهم محيط فدحض مكرهم بعد أن ثبت في تحقيق النيابة التي لا يعلم مصير أعضائها إلا الله أن الاعتداء كان موجها من الخارج إلى داخل الحجرات وهذا بعد المعاينة والتحقيق فما كان من وزير الداخلية في ذلك الوقت البطل المغوار زكريا محيي الدين، إلا أن أمر بحفظ التحقيق ونقل الحفنة الباقية من المسجونين إلى جهة غير معلومة لأحد وقد نفذ هذا النقل ليلا مع تعذيب استمر إلى نهاية سنة 1963.

هذا يسير من كثير أرويه لكل مصري بل لكل عربي، بل لكل مسلم لكي يعلم الجميع ما فعله حكام العصر الحديث وأخص الأستاذ موسى صبري وأمثاله الذين يدافعون عن أوضاع لا يعرفون عنها شيئا فليتقوا الله في وطنهم.


أسماء الإخوان حسب تواجدهم في الزنازين وقت المذبحة

غرفة 99

1- عباس أيوب حجازي

2- عبد القادر أحمد داود

3- عبد الملك السيد حسن الشافعي

4- محمد علي جنيدي

غرفة 100

5- الحاج أحمد البس

6- أحمد شاكر الأنصاري

7- أنور محمد مصطفى

8- عبد الله يس علام

9- عبد العظيم دوح

غرفة 101

10- عثمان حسن محمد

11- عامر عبد القوي عامر

12- محمد يوسف

غرفة 102

13- السيد علي

14- زكريا السيد علي

15- مصطفى أحمد صادق

16- مختار سليمان جابر

غرفة 103

17- كمال الصادق

غرفة 104

18- محمد عبد المجيد البلتاجي

19- محمد البكار

20- محمود فتحي زغلول

غرفة 105

21- عبد الرحيم عبد الخلاق

22- على عبده عمر

23- فوزي شحاته عبد العزيز

24- مرسي صادق محمد

غرفة 106

25- أمين الشالي

26- عبد الرحمن علي سعيد

27- عبد العليم أحمد حسن

28- محمد عبد العال أبو مدينة

غرفة 107

29- عبد الله عبد العزيز الجندي

30- محمد خيري محمد

31- محمد جاد سليمان

غرفة 108

32- أحمد حسنين أبو شنبر

33- حسين أحمد عمر

34- عبد العدل على جبل

غرفة 109

35- محمود سليمان

36- أحمد السيد حنفي

37- عبد الفتاح الطحان

غرفة 110

38- أحمد محمود عبد العزيز

39- عبد الكريم أحمد علي

40- عثمان صديق

41- عميرة محسب

غرفة 111 المخزن 1

42- أحمد حافظ

43- أحمد صبري جودت

44- أحمد محمد عطية

45- حسن عبد العظيم مرسي

46- سعد زغلول عبد الفتاح

47- عبد الرحمن محمد صبيح

48- عوض الله علي إبراهيم

49- محمد عبد المجيد خطاب

غرفة 112 ، غرفة 113

50- أحمد يوسف

51- رجب محمود فرج

52- فكري حسين كريم

53- محمد عبد الجواد العطار

غرفة 114

54- عبده عبد الرحمن بدر

55- عبد الغني عبد الحكيم محجوب

56- علي إبراهيم

غرفة 115 عيادة ، غرفة 116

57- حسن محمد أيوب

غرفة 117 مخزن ،غرفة 118

58- السيد عبد الجليل فراج

59- عبد الله السيد فودة

60- عبد اللطيف محمد عبد العظيم

61- محمد إبراهيم الليثي

غرفة 119

62- إسماعيل عبد المجيد رجب

63- إمام حنفي عبد السميع

64- حسين سويدان

65- محمد عبد العزيز عثمان

غرفة 120

66- إمام السيد إمام

67- حسن صالح العناني

68- حسام الدين عبد الوهاب

69- عبد الحليم محمد حسين

غرفة 121

70- الحسيني يونس

71- عبد الحميد محمد مرسي

72- محمد أحمد مرسي

غرفة 122

73- أحمد حامد قرقر

74- السيد عبد الكريم رشوان

75- عبد الخالق الشامي

76- عبد المجيد الفحام

غرفة 123

77- سليمان حجر

78- محمود الشامي

79- محي عطية

غرفة 124

80- شكري عبد النبي صالح

81- عبد المنعم أحمد بيومي

82- عبد الرؤوف عبد الوهاب

83- عبد المحسن الهواري

غرفة 125

84- أحمد محمد حسين

85- عبد السلام على محروس

86- علي محمد عرابي

87- فوزي محروس

غرفة 126

88- بدر الدين عبد اللطيف

89- جودة محمود شعبان

90- عبد الحميد عطية السيد

91- محمود سيد أحمد شحاته

غرفة 127

92- إبراهيم محمود الطناني

93- حسن عبد الستار

94- حسن علي حسن

95- حسين على حسن

غرفة 128

96- حسين الترساوي

97- محمد إمام نور الدين

98- محمد المصري عثمان

99- وجيه حسنين الفخري

غرفة 129

100- السيد عبد السلام

101- عبد الجواد إبراهيم مراد

102- مصطفى أحمد سعد

غرفة 130

103- معوض أبو زهرة

104- محمد إبراهيم منصور

105- محمد جمال إبراهيم رزق

106- محمد الشيخ

غرفة 131

107- أحمد طه إسماعيل

108- السيد عبد الحميد

109- علي محمد يوسف

110- محمد مصطفى أبو السعود

غرفة 132

111- صابر محمد سالم

112- عبد الحميد السيد شحاته

113- محمد أحمد حسن عمر

114- محمد مرسي شقير

غرفة 133

115- إبراهيم عرفه السبع

116- إبراهيم محمود أبو الدهب

117- جابر بيومي خليل

118- محمد عبد الغني بركات

119- محمد عمر داداز

غرفة 134

120- عبد المنعم سليم

121- عصمت عزت عثمان

122- لطفي محسن

123- نبيل حسيب محمد حسيب

124- أحمد محمود الشناوي

غرفة 135

125- إسماعيل عبد العليم

126- رضوان محمد أحمد أبو توبة

127- عبد الفتاح أحمد عبد الله

128- عناني حسن عناني

غرفة 136 المخزن 2

129- حمدي عبده متولي

130- أمين إبراهيم

131- خيري الدين إبراهيم عطية

132- رشدي البيطار

133- عثمان محمد عيد

134- مصطفى حامد علي

135- مصطفى مصطفى علي

غرفة 137

136- إسماعيل النجار

137- عبد الفتاح أحمد علي

138- عيد إسماعيل متولي

139- محمد وفيق مصطفى التركي

غرفة 138

140- أحمد الحسيني

141- الصادق على حجازي

142- حسين محمد أبو السعود

غرفة 139

143- رزق إسماعيل

144- أمين صدقي عبد الصمد

145- عبد المجيد حسن الخطابي

146- عبد الرحمن الفيومي

147- مجد الدين إسماعيل زهدي

148- محمد عفيفي

غرفة 140

149- صديق سيد جمعة

150- عباس أحمد فتحي الله

151- علي إبراهيم حمزة

152- محمد أبو الفتوح معوض

غرفة 141

153- صلاح الأنور

154- محمد الفالح

155- مرسي محمد مرسي

156- فهمي عبد الرحمن إبراهيم نصر

غرفة 142

157- السيد عزب صوان

158- علي محمد علي

159- محمود جمعة إبراهيم

160- محمد عوض عبد القادر

غرفة 143

161- سعد علي الحكيم

162- سعد الدين محمد شوقي

163- عبد الكريم عطية

164- محمد مهنى شهاب

غرفة 144

165- أحمد عبيد أحمد عيسوي

166- إسماعيل محمد عيد

167- محمد رسلان عبد الرسول

168- مصطفى السيد المصلحي.

غرفة 145

169- حسين محمود عبد الدايم

170- [[حمدي إبراهيم حسن

171- محمد علي حسن

غرفة 146

172- حسن محمد دوح

173- عبد الغفار محمود السيد

174- محمد السيد عفيفي قاسم

175- هاشم محمد متولي

غرفة 147

176- جبر عبد الغني

177- عبد الرازق أمان الدين

178- علي جمال الدين هويدي

179- عطية محمد عقل

غرفة 148

180- رشدي عفيفي

181- رفعت محمد علي حجازي

182- كامل سليمان

183- عبد المنعم سعيد


تقسيم للإخوان الذين عاشوا المذبحة!!

21 شهيد 6 وفاة 7 القاهرة 22 الكويت 6 السعودية 3 ليبيا 1 جزائر 1 البحرين 1 السودان 1 لندن 4 أمريكا _________ 183 ____ 31 عامل 68 موظف ومدرس 46 طلبة 5 جنود 133 أعمال حرة ______ 183

أسماء شهداء المذبحة وعناوينهم

1- أنور مصطفى أحمد، قبض عليه في 30/3/ 55 دباغ وعنوانه، حارة الأميرة شارع أبو سفين مصر القديمة

2- السيد علي محمد قبض عليه في 8/ 5/ 54، تاجر متزوج وله أربعة أولاد، عنوانه شارع الجداوي قسم المنشية – الأسكندرية

3- محمود محمد سليمان قبض عليه في 12/ 1/ 55 مهندس، متزوج وله ولد، عنوانه: 30 شارع جنينة القادرية العباسية القاهرة.

4- أحمد حامد علي قرقر، قبض عليه في 10/ 8/ 55، محاسب متزوج وله ولد عنوانه: دنديط مركز ميت غمر الدقهلية

5- محمود عبد الجواد العطار، قبض عليه في 8/ 11/ 54، خياط متزوج وله ولدان عنوانه: 33 شارع وكالة الليمون- الجمرك – الأسكندرية

6- إبراهيم محمد أبو الدهب، لم يعرف عنوانه بعد

7- رزق حسن إسماعيل قبض عليه في 4/ 8/ 55 مزارع، متزوج وله 7 أولاد، وعنوانه: كفر المرازقة مركز قلين كفر الشيخ.

8- عبد الله عبد العزيز الجندي، قبض عليه في 3/ 3/ 55، عامل متزوج وله 3 أولاد، عنوانه، 10 شارع الوايلي الكير العباسية القاهرة.

9- عصت عزت عثمان: قبض عليه في 16/ 11/ 54، موظف أعزب، عنوانه: 23 شارع المنشية القديمة بالسويس.

10- عبد الفتاح محمود عطا الله قبض عليه في 27/ 2/ 55، خياط متزوج وله ولد من كفر وهب، مركز قويسنا المنوفية.

11- أحمد محمود الشناوي قبض عليه في 13/5/ 55، براد (حداد) أعزب يعول والديه، عنوانه: 30 شارع غرب القشلاق العباسية – القاهرة.

12- خير الدين إبراهيم عطية، قبض عليه في 3/ 3/ 1955، طالب بالأزهر أعزب عنوانه: باب الوزير رقم 20 قسم الدرب الأحمر – القاهرة.

13- مصطفى حامد علي، قبض عليه في 4/ 3/ 55 طالب ثانوي، أعزب عنوانه 9 شارع الحاج إسحاق إمبابة – القاهرة.

14- أحمد عبده متولي قبض لعيه في 15/ 5/ 55 بكالوريوس زراعة، أعزب، عنوانه: أبو الشقوق – كفر صقر –الشرقية

15- عثمان حسن عيد، قبض عليه في 17/ 3/ 55 طالب ليسانس دار العلوم أعزب يعول ولديه، عنوانه : ابن طولون القاهرة

16- محمد أبو الفتح معوض، قبض عليه في 25/ 2/ 55 مطبعجي أعزب، من عزبة ناصف بمنوف، المنوفية.

17- علي إبراهيم حمزة قبض عليه في 16/ 12/ 54، ترزي (خياط) أعزب، من شارع أبو الفضل – المحلة الكبرى

18- فهمي إبراهيم نصر، قبض عليه في 12/ 9/ 54 طالب ثانوي، أعزب من رملة الأنجب هواش منوفية.

19- السيد عزب صوان، قبض عليه في 24/ 9/ 54 موظف متزوج وله 3 أولاد، من شارع محمد علي – المحلة الكبرى.

20- سعد الدين محمد شوقي قبض عليه في 2/ 3/ 55، موظف أعزب من 14 شارع سماحة عطفة نصار رقم 2- إمبابة.

21- محمد السيد عفيفي، قبض عيه في 17/ 3/ 55، موظف، أعزب من 14 شارع محمد علي بين السرايات – الجيزة

أما الجرحى فقد بلغ عددهم خمسة وثلاثين جريحا منهم ثلاثة عشرة حالة خطيرة وقد أودعوا جميعا في المستشفيات العسكرية تحت حراسة مشددة حتى لا يعرف أحد أسمائهم.

خاتمة


أيها الشعب الكريم:

إن هذه المجزرة الوحشية –فوق أنها انتهاك صارخ لحقوق الإنسان واستهتار بالنفوس البشرية وحقها في الحياة وعدوان على الأبرياء لم يسبق له مثيل في تاريخ بلادنا وأمتنا التي عرفت بالرحمة وتميزت عن غيرها بالمروءة كما أنها تمنح خصومنا المستعمرين والصهيونيين حجة قوية يردون بها علينا كلما حولنا أن نفضح أساليبهم الوحشية التي يقومون بها ضد إخواننا العرب في الجزائر والمجازر البشرية ضد إخواننا العرب في كفر قاصم وغزة وإبان الاعتداء الثلاثي على مصر حينما يرون الأعمال البربرية التعسفية التي يقوم بها النظام الناصري ضد الشباب المصري البرئ؟؟ بل ماذا نقول إذا قيل لنا إن السلطة اليهودية تحاكم جنودها وضباطها الذين تسببوا في مذبحة كفر قاسم.

للمزيد عن مذبحة طرة

كتب متعلقة

ملفات ومقالات متعلقة

متعلقات أخرى

شهداء مذبحة طره

تابع شهداء مذبحة طره

وصلات فيديو