مخرج "عياش": المسلسل يشرِّف أي محطة تلفزيونية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مخرج "عياش": المسلسل يشرِّف أي محطة تلفزيونية

توطئة

الشهيد يحيى عياش

- المؤسسة التي أنتجت المسلسل بطلة بكل المعايير وقناة المنار تحظى بالتقدير

- رأس المال الفلسطيني والعربي مقصر تجاه القضية الفلسطينية

فرغ تليفزيون المنار مؤخرًا من بث حلقات المسلسل التلفزيوني "يحيى عياش" (12 حلقة) من تأليف وسيناريو الناقدة الإعلامية الأستاذة "ديانا جبور"- مديرة التلفزيون العربي السوري- وإخراج المخرج الفلسطيني "باسل الخطيب" ابن الشاعر الكبير يوسف الخطيب.

مخرج العمل يرى- في حديث مع المركز الفلسطيني للإعلام- أن المسلسل لم يأخذ فرصة عرض كما هو مأمول، فقد عُرض في محطة تلفزيونية عربية واحدة (قناة المنار)، مع أن المسلسل عمل مهم، يشرِّف أي محطة عربية تعرضه، والمحطة التي لا تعرضه أعتبرها خاسرةً، فالشخصية التي يركز عليها العمل (يحيى عياش) شخصية فذة وآسرة بكل المعايير على المستويات المعنوية والنضالية، وهدفنا إضاءة جوانب من مسيرة هذا المجاهد لكي نقدم للناس الأسبابَ الكامنةَ وراء إقدام شاب موهوب على التخلي عن حياته البسيطة العادية والتحول إلى النضال والجهاد، وليصبح بعدها شخصيةً أسطوريةً يطاردها العدو الصهيوني، ويعتبرها أبناءُ الشعب الفلسطيني أحد أبطال فلسطين الكبار.

وفيما يلي نص الحوار

  • مسلسل يحيى عياش ليس العمل الفلسطيني الأول للمخرج باسل الخطيب.. قبل ما يقرب من 20 عامًا أخرجتَ "أمينة" و"لعنة".. تفرغتَ بعدها لإخراج أعمال اجتماعية، ثم عدتَ مع عياش إلى الهم الفلسطيني.
كنت لا أزال طالبًا بمعهد السينما عندما أخرجت الفيلمَين "أمينة" و"لعنة".. أخرجت "أمينة" عام 1984م، والفيلم يحكي ذكريات امرأة فلسطينية عاشت مذبحة دير ياسين وصبرا وشاتيلا، وأخرجت فيلم "اللعنة" عام 1986م، وهو يحكي عن أسرة فلسطينية شردت من أرضها وبيتها نتيجة حرب 1948م.
وبعد أن تخرجتُ من معهد السينما وجدتُني في مواجهة سؤال عن خطواتي التالية، تفرغت بعد التخرج لمدة حوالي ثلاث سنوات، وعملت خلالها على رواية كان عنوانها "أحلام الإرث المقدس" صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1990م، والرواية كانت نواةً لفيلم سينمائي طويل، بحثتُ عن تمويل مناسب له من المؤسسات الإعلامية الفلسطينية آنذاك ومن مؤسسات خاصة، ومع الأسف لم أتمكن في ذلك الحين من إيجاد فرصة لإظهار العمل، وبعد ذلك دخلتُ في دوامة العمل التلفزيوني، وهي دوامة فعلاً تستهلك وقت الإنسان ولا تترك له فرصةً لأي عمل آخر.
وعلى الرغم من تلك الدوامة قدمتُ لمؤسسة السينما السورية فيلمَين عن الموضوع الفلسطيني، أول فيلم عنوانه (قيامة مدينة) تم إخراجه عام [[1995]م، ويحكي تداعيات امراة فلسطينية كانت تعيش في مدينة القدس، ثم عاشت رحلة تشرد وعذاب خارج الوطن، وانطلقنا من تلك التداعيات للحديث عن مصائر مجموعة من الأشخاص الذين تجمعهم فكرة تقول إنهم ولدوا في القدس وعاشوا فيها، ونتيجة الاحتلال الصهيوني عام 1948م شردوا منها، وفي عام 2003م قدمت فيلمًا سينمائيًا قصيرًا مدته عشر دقائق عن وجهة النظر تجاه الانتفاضة من قِبَل أسرة عربية.
عنوان الفيلم هو (الحركة الخامسة).. أيضًا أريد أن أقول إنني وخلال هذه الرحلة القصيرة من الإنتاج الفني لم أغب عن الموضوع الفلسطيني لحظةً، بل كان هاجسي الدائم.

* قرأت لك وكنت لا تزال في موسكو مقالةً تحدثت فيها عن اكتشافك للوطن الفلسطيني وأنت في موسكو.

هذا صحيح، كنت أحلم عندما كنت طالبًا في معهد السينما بأن أقدم فيلم "عائد إلى حيفا" عن رواية الشهيد غسان كنفاني، وتقدمت بالفكرة مرتين، ثم جاءت الفرصة مؤخرًا وقدمتها في مسلسل تلفزيوني.

* هل حلمت بتقديم مسلسل "يحيى عياش" كما حلمت بعائد إلى حيفا؟!

مسلسل يحيى عياش عملٌ مهمٌ جدًّا.. إنه مغامرةٌ إنتاجيةٌ بكل المقاييس، خصوصًا في ظل الظروف الحالية التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني للتغييب والتعتيم الإعلامي، ودعني أصارحك بأن كل الادعاءات بدعم القضية الفلسطينية إعلاميًّا وثقافيًّا هي في الحقيقة مجرد ادعاءات، وبمجرد أن يُقدِم المرء على إنتاج أي عمل عن فلسطين فإنه يصطدم بعشرات العوائق والحواجز التي تجبره على الابتعاد عن المشروع.
إنتاج مسلسل يحيى عياش جاء نتيجة الإصرار والتحدي، ونتيجة أن هذا المشروع هو مشروعٌ لعمل شيء عن الجرح الذي ما زال بالنسبة لي حارًا ونازفًا، وبالإقدام على إخراجه أحس بأنني عملت شيئًا له قيمة.. لقد اشتغلت على إخراج أعمال اجتماعية كثيرة، ولكنها كانت النسبة لي أقصر قامة من "يحيى عياش" و"عائد إلى حيفا"، ومع هذين العملين أحسست بالرضا والامتلاء لأنني عملت شيئًا له قيمة.

* هل تابعت سيرة ومسيرة يحيى عياش من قبل؟

أولا "يحيى عياش" كان شخصيةً فذةً وآسرةً بكل المعايير على المستويات المعنوية والنضالية، وبالتالي كانت هناك دوافع للاقتراب من هذه الشخصية، وكان هدفي أن نقدم للناس الأسبابَ الكامنةَ وراء إقدام شاب على التخلي عن حياته البسيطة العادية، والتحول إلى النضال، وليصبح مطارَدًا من قِبَل أجهزة أقوى دولة عسكرية في المنطقة، وشخصيةً أسطوريةً وأحد أبطال الشعب الفلسطيني العظيم.
ما هي الأسباب التي دفعته لاختيار درب النضال والسعي للاستشهاد والتضحية من أجل الوطن، وثمة ما يجب أن نقوله هنا، وهو أنه نتيجة للظروف التي مرت بها أمتنا والعالم ساد انطباع مغلوطٌ جدًّا عن (الاستشهادي)؛ حيث صار يُنظر إليه على أنه إنسان غير سوي، وأنه- بشكل أو بآخر- مغيَّب التفكير تمامًا، يقدم على الاستشهاد بدون أي تفكير وبدون أي حسابات.. هكذا قال العالم الخارجي- على الأقل- عن الاستشهادي.
حاولت أن أقترب- من خلال شخصية يحيى عياش- من شخصية الإنسان الفلسطيني الذي يختار الذهاب في عملية استشهادية وهو يعرف أنه لن يعود منها حيًّا، وما الدوافع الوطنية والإنسانية التي تقف وراء هذا الفعل، أنا أعتبره من أنبل الأعمال الإنسانية.. المفارقة الغريبة أنك حين تقرأ تاريخ شعوب أخرى تجد حالات مماثلة للاستشهاديين الفلسطينيين، سواءٌ عند اليابانيين أو حتى عند الأمريكان، وهي حالات تحظى بالتمجيد والتقدير.
بالتأكيد حين أقدمت على إخراج يحيى عياش كنت أدرك حجم المسئولية وما يترتب عليها لاحقًا، لكن في النهاية الإنسان موقف، ولا بد للإنسان أن يدفع ثمن موقفه، وأتصور أن أي ثمن يمكن أن يُدفع هو ثمن لا يُذكر أمام ما يدفعه أبناء شعبنا وهم يتصدون للاحتلال الصهيوني.

* العمل الفني هو نص وحوار وصورة ومؤثرات وموسيقى وموضوع وبُعد جمالي.. هل أحسست أن النص كان متكاملاً أم عندك ملاحظات على النص؟! وبطريقة أخرى هل لو أعدت النظر في النص بعد الإخراج الآن لقمت بإجراء تعديلات عليه، سواء لجهة التوسع في مسألة والتقليص أو الحذف في مسألة أخرى؟!

أي عمل إذا أَخذ وقتَه من الدراسة سيخرج بالتأكيد بشكل أفضل.. في مسلسل يحيى عياش انحكمنا بميزانية متواضعة جدًّا لإنتاج هذا العمل الضخم، وهذه الميزانية قيَّدَتنا بعدد الحلقات، لكن كان من المهم أن نخوض هذه المغامرة ونحاول أن نخرجها بأفضل شكل ممكن.. النص كُتب في الحقيقة ثلاث أو أربع مرات من قِبَل أشخاص مختلفين.
عملت أنا وزوجتي الناقدة ديانا جبور على النص، ووصلنا للصيغة الفضلى، وهذه الصيغة كتبت بناءً على قراءات مطولة لكل ما كتب عن الشهيد يحيى عياش، وعقدت لقاءات مع أشخاص عرفوا الشهيد وعايشوه وكانت لهم تجربة نضالية معه، وقرأ السيناريو أناسٌ من داخل الأرض المحتلة سجَّلوا لنا انطباعاتهم الكثيرة والمتميزة عن العمل، وبالتالي وصلنا إلى الصيغة الفضلى.
وعلى كل حال أنت ككاتب أي مؤلف تضعه تقول لو اشتغلت على النص أكثر كنت طوَّرت هنا أكثر، وكان من الممكن أن يأتي العمل أفضل.. أريد أن أقول إنه من غير الممكن أن تكون التجربة الفنية تجربةً كاملةً 100%، لا بد أن يكون هناك بعض النقص هنا أو هناك أو بعض المشاكل، وهذا من طبيعة العمل الفني.. المهم أن الواحد يستفيد ويتعلم من أخطائه.

* دعني أسألك عن المعضلات أو المشاكل الإخراجية..

يمكني القول بأن أي عمل عن الأرض المحتلة لا بد أن يواجه تحديًا كبيرًا وهو خلق واقع بصري موازٍ في تأثيره للواقع الذي نشاهده على الأقل في نشرات الأخبار، يعني من الناحية اللوجستية هذا الشيء غير متوفر في عالمنا العربي على الإطلاق، فأنت لا تستطيع أن تجلب دبابات صهيونية وجنودًا صهاينة بكامل معداتهم الحربية وعتادهم المتطور.. هذا الشيء غير متوفر في عالمنا، وعلى هذا أنت مجبَر على إنتاج العمل بشروط متواضعة، وكانت المعضلة الإخراجية في هذا المسلسل أن نخلق صورةً مؤثرةً تقارب إلى حد ما الصورة التي يعرفها الناس من خلال نشرات الأخبار، لكي لا يشعروا أن هذا الواقع أفقر بكثير من الواقع الذي يرونه.. نجحنا في حل المعضلة في بعض المواضع وفي البعض الآخر كان من الممكن أن تكون أفضل.

* كان لبعض المشاهدين ملاحظات على الموسيقى المصاحبة للعمل، أعني المزج بين الموسيقى الشرقية والكلاسيكية..؟

أنا في مسلسل يحيى عياش لا أتحدث عن موضوع فلسطيني وحسب، أنا حيال ملمح إنساني شامل، حين أضع موسيقى شرقية الطابع "ناي وعود" أضعها في حالات معينة، وفي حالات أخرى أكون في حاجة إلى موسيقى ترتقي بالمشهد وتحمله لبُعد إنساني لتعزيز الملمح الإنساني.

* من الملاحظات التي سجلها المشاهدون أيضًا أن بطل العمل "سامر المصري" تم وضعه إخراجيًّا في حالة خاصة، فظهر مهمومًا معانيًا وهو يحاول أن يتقمص شخصية الشهيد عياش!!

شخصية يحيى عياش شخصية صعبة بهواجسها وتركيبتها النفسية والعاطفية، فيها كذا مستوى، ومن الصعب على أي ممثل أن يلتقط هذه الحالات، ثم لا تنسى مصاعب اللهجة التي تظل حاجزًا- ولو بسيطًا- بين الممثل والشخصية التي يلعب دورها، إنه يظل يفكر في اللهجة أكثر مما يفكر بالحالة، يفكر إذا كانت هذه الجملة تقال بطريقة صحيحة كما يلفظها أم لا، على كل أنا أتصور أن سامر المصري لعب الدور بإتقان، وقد سمعت شخصيًا آراءً كثيرةً أشادت بالأداء المتميز لبطل الشخصية.

* دعني أعود بكم إلى مسألة مهمة وهي المزج بين التسجيل الوثائقي والدرامي في العمل وما يخلقه المزج من صعوبة، فالمشاهد يتصور أنه سوف يرى شخصية يحيى عياش كما كانت في الحياة، وأنت قدمت شخصيةً أخرى تعكس رؤيتك الإخراجية!!

هنا أقول يجب أن لا ننسى أننا نتحدث عن شخصية عاشت جزءًا كبيرًا من حياتها بشكل سري، وبالتالي فإن المعلومات والتفاصيل عن هذه الشخصية قليلة، والتفاصيل جاءتنا من أشخاص كانوا على احتكاك معه، ولكن حتى أقرب الناس من "يحيى" ما كان ليظهر أمامهم بشخصيته الحقيقة، بل كان يعيش متخفيًا مطارَدًا متنكرًا، وبالتالي لا نقدر أن نقول إن صورة يحيى كانت واضحةً ومحددةً الملامح، كان هناك اجتهاد مع بعض المعلومات التي قدرنا أن نجمعها من بعض إخوانه، ومن هذه المعلومات استطعنا أن نخلق صورةَ هذا البطل الشعبي، وفي رأيي لا يجب أن يكون همُّنا تقديم صورة طبق الأصل، بل أن يكون همُّنا توصيل الرسالة التي كان الشهيد يحيى عياش يحب أن يوصلها.

* بعض النقاد قالوا إن القصص التليفزيونية الناجحة هي التي تعتمد على قصة حب ومسلسل يحيى عياش لم يلِجْ هذا الباب.

في رأيي أن المسلسل قدم قصةَ حبٍّ مذهلة، حب الشهيد يحيى لوطنه وأسرته.

*في "التغريبة الفلسطينية" و"عائد إلى حيفا" قصص حب يا أستاذ باسل.

المقارنة هنا غير ممكنة في "يحيى عياش" نحن نتحدث عن قصة رجل واحد، من خلالها نحكي عن ظروف الشعب ومأساة الشعب، لكن المحور الرئيسي يقف عند يحيى عياش كإنسان فلسطيني.. أما في "عائد إلى حيفا" فالدائرة أوسع بكثير والأفق أرحب.. نحن في "عائد إلى حيفا" نحكي عن مأساة شعب، يعني عن حدث تاريخي غيَّر مسار المنطقة.

* وكيف عكستَ البيئة الفلسطينية في مسلسلك؟

نحن في المسلسل أمام عمل واقعي وبسيط، كانت عندي رسالةٌ واضحةٌ وصريحةٌ أريد أن أوصلَها بشكل واضح وصريح دون أي زخارف وطروحات فنية وبصرية معقدة.

* هل في رأيك سيأخذ المسلسل "سمات دخول" إلى محطات تلفزة أخرى، أم يقتصر عرضه على تلفزيون المنار؟

أولاً نحن نتوجه بالامتنان الكبير لمحطة المنار؛ لأنها رغم كل الظروف التي مرت بها وتمر بها قررت عرض المسلسل، ثم إنني أعتبر المسلسل عملاً يشرِّف أي محطة عربية لكي تعرضه، والمحطة التي لا تعرضه خاسرة، وسواءٌ عُرِض المسلسل الآن أم لم يُعرَض فإنه من المسلسلات التي ستظل تحتفظ بقيمتها الفنية والأدبية والنضالية، حتى لو عُرض بعد عشرة أعوام، وأعتقد أن الوقت سيأتي لعرض المسلسل في عديد من المحطات، سوف يتم ذلك في ظروف مواتية غير الظروف السائدة الآن، وثمَّةَ ملاحظةٌ مهمةٌ أختم بها حديثي، وهي أن الجهة التي كانت وراء إنتاج يحيى عياش هي جهة بطلة بكل المعايير؛ لأن الإقدام على هذه المغامرة الإنتاجية جاء لهدف وطني فكري.
وبهذه المناسبة أقول إن الرأسمال الفلسطيني مقصِّر بدرجة كبيرة جدًّا، ليس تجاه السينما الفلسطينية وحسب، بل وتجاه كل الجوانب الفكرية والثقافية التي لها علاقة بالوضع الفلسطيني.

المصدر