محمود شكري في رحاب الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم د/ عصام العريان


عرفنا في الإسكندرية خلال عقد السبعينيات ثلاثة رجال، كان لهم أكبر الأثر في حياتنا، خاصةً شباب الإسكندرية، والعاصمة الثانية لمصر وثغرها على البحر المتوسط، والتي شهدت خلال تلك الفترة وحتى الآن صحوةً إسلاميةً كبيرة.


الثلاثة هم: الحاج عباس السيسي رحمه الله وغفر له، والحاج محمود شكري الذي ودَّعته الإسكندرية بعد مرض طويل، والأستاذ محمد حسين حفظه الله تعالى.


عرفنا معهم بعد ذلك، أو قل هم دلُّونا على صحبة كريمة عظيمة، مثل الأستاذ محمد عبد المنعم، والأستاذ محمد حمص، والأستاذ جمعة أمين، الذي كان مسافرًا يعمل في السعودية، والأخ عبد المنعم عرفات، والأستاذ محمد المراغي، وغيرهم ممن يطول المقام بذكر أسمائهم جميعًا، جزاهم الله عنا خير الجزاء.


كنا نزور إخواننا الكرام طلاب جامعة الإسكندرية ونلتقي بهم، وفي مقدمتهم الأخ الحبيب د. إبراهيم الزعفراني، الذي كان بيت والده- والذي تزوَّج مبكرًا في إحدى حجراته- موئلاً لنا نقصده عند كل زيارة، فيرحِّب بنا المغفور له الحاج خليل، ونجد كل الترحيب من الأسرةِ جميعها، وسرعان ما يتوافد علينا أحبابنا جميعًا الذين عرَّفونا على قيادات الإخوان المسلمين بالإسكندرية؛ حيث سبقونا في الاتصال بهم عن طريق الأستاذ محمد حسين، وكانوا هم سبب ارتباطنا التنظيمي بعد ذلك بالإخوان في القاهرة؛ حيث تعثَّرت محاولاتنا نحن في طرْق الأبواب بالقاهرة عندما ذهبتُ مع أخي د. حسن توفيق لزيارة المجاهد الكبير الشهيد الأستاذ كمال السنانيري رحمه الله في بيته بعابدين، فقال لنا برفق: إن باب الإخوان مفتوح لكم، ولكن ادخلوه واحدًا بعد الآخر، وكان عهدنا معًا أن ننضمَّ للإخوان جميعًا كمسئولين عن نشاط جامعة القاهرة وخارجها بالقاهرة والجيزة، بعد بحث طويل وفحص لمناهج عمل الجماعات الأخرى في ذلك الوقت، والتي تنوَّعت بين الاتجاه نحو العنف والتغيير الفوقي بالقوة المسلَّحة، سواء بحرب العصابات (مجموعة المرحوم يحيى هاشم)، أو الانقلاب السريع (مجموعة "صالح سرية" والفنية العسكرية)، أو العمل الانقلابي البطيء والتغلغل في الجيش (أيمن الظواهري ومجموعته)، واتجاه آخر مال نحو التكفير والهجرة إلى خارج مصر أو التكفير والبقاء في مصر (مجموعة شكري مصطفى وغيرها)، أو اتجاه لا لون له ثابتًا (السماوي)، أو الاتجاه العلمي السلفي (المدرسة السلفية).. إلخ.


ازدادت زياراتنا للإسكندرية، وكان طريقنا إلى معرفة الإخوان الأستاذ محمد حسين، الذي زاره وقتها الأخ د. محمد عبد اللطيف، ونقل إلينا موافقته على ربطنا جميعًا بالإخوان، وفعلاً تعرَّفنا على هذه الشخصية الرائعة: الحاج محمود شكري والآخرين.


كان الحاج محمود على عكس الحاج عباس، قليل الكلام، لكنه باسِمَ الثغر دائمًا، كان مربيًا من الطراز الأول، يربِّي الإخوان عن طريق القدوة العملية والأسوة الحسنة، وهذا ما نحتاجه اليوم بعد أن تحوَّلت التربية إلى تثقيف، ويا ليته يُثمر فكرًا منيرًا أو علمًا نافعًا، بل نحن في أمسِّ الحاجةِ إلى مراجعته كله.


كان رحمه الله متواضعًا، يأسرك بمبادرته إلى خدمتك وأنت في سنِّ أولاده، وعاش في السجون طويلاً، فكان صابرًا محتسبًا صامدًا، ودخل السجن كذلك وسط الشباب بعد ذلك، وهو في سنِّ آبائهم أو حتى أجدادهم، فيسارع في خدمتهم، ويعمل من أجل راحتهم، ويخفِّف عنهم ألم فراق الأسرة والآباء والإخوة، فكان لهم الأب والجد والصدر الحنون.


لم يكن خطيبًا ولا متحدثًا مثل الحاج عباس السيسي، ولكنه كان حلو المعشر، أشرف على "دار الدعوة" بالإسكندرية؛ حيث نشر مئات الكتب التي عرَّفت الناس بفكر الإسلام ومنهج الإخوان.


التنوُّع الذي رأيناه في الإسكندرية بين تلك الشخصيات العظيمة هو ذلك التنوُّع الذي يزيد الإخوان قوةً، خاصةً إذا جمع تلك القلوب حبٌّ عميقٌ في الله تعالى وأخوَّة صادقةٌ لا تشوبها شائبةٌ واحترام قويٌّ لنظام الإخوان، الذي يحقِّق قوة الرابطة وينظِّم توظيف كافة الطاقات.


رحم الله أخانا الكبير الحاج محمود شكري برحمته الواسعة، وعوَّضنا عنه خيرًا، وخالص العزاء إلى عصام شكري والأسرة جميعًا وإخوان الإسكندرية بل ومصر كلها. أيها الشباب..


تفقد الدعوة يومًا بعد يوم رجالاتها العظام، الذين يسبقوننا إلى الله والدار الآخرة، ولكنها تكسب كل يوم بل كل ساعة شبابًا يمتلئ بالحماسة، وعليه أن يكتسب الخبرة والحكمة من هؤلاء الذين يرحلون ويغادرون قبل أن يندم على ساعات كان يمكنه قضاؤها في صحبة هؤلاء الكرام ليتزوَّد منهم قبل الرحيل.


المصدر : نافذة مصر