مجزرة غزة ، آثارها الإقتصادية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث



مجزرة غزة ، آثارها الإقتصادية



مقدمة

مجزرة غزة

لا شكّ أن المجزرة البشعة التي قامت بها طائرات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة ظُهْر السبت الموافق السابع والعشرين من ديسمبر 2008، كانت إحدى أهدافها "الوقحة" تدمير البِنْيَة الاقتصادية لهذا القطاع المُحَاصر كمحاولة صهيونية لقتله تدريجيًا ولقتل روح المقاومة فيه.


فبعد حصارٍ استمرّ لعامين عاش خلالهما الشعب الغزاوي على أقل القليل من الخبز والغذاء والغاز وحتى الكهرباء، وعلم الصهاينة أنهم سيفشلون في إجباره على الاستسلام، فكانت الحرب مع استمرار الحصار لتجبر أهالي القطاع على الاستسلام إلا أن هذا الشعب العظيم أبَى ذلك، وأعلن الصبر والاستبسال حتى يكون هناك غدٌ أفضل.


فالوضع في غزة أسوأ مما يمكن تصوره بكثير، ويكفي أن نعرف أن أكثر من مليون شخص من بين سكان القطاع البالغ عددهم مليون وأربعمائة ألف يعتمدون على المساعدات الخارجية، وقد كشف "جون جينج" مدير وكالة غوث اللاجئين "أونروا" في غزة أنَّ استمرار إغلاق حدود إسرائيل أمام مرور الأفراد والبضائع يُحَوّل أعدادًا متزايدة من سكان غزة إلى معتمدين على مساعدات الوكالات الإنسانية الدولية والمؤسسات الاجتماعية مما تسبب في انهيار الاقتصاد الفلسطيني، وبالتالي فإن موارد الأمم المتحدة قد لا تكون كافية لاحتواء الأزمة الإنسانية.


إجراءات إسرائيلية "لعينة".

اتخذت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدة إجراءات اقتصادية لعينة لزيادة الضغط على أهالي القطاع؛ حيث أقدم أكبر بَنْكَيْن في إسرائيل على مقاطعة البنوك الفلسطينية في غزة، كما اتخذت إسرائيل إجراءً أخطر قبل ذلك بإلغاء الكود الجمركي لقطاع غزة، وهو ما أدّى إلى توقف أكثر من 3500 مصنع عن العمل، وتشريد أكثر من 120 ألف شخص، حيث إن الكود الجمركي هو رقم دولي يتم من خلاله السماح بمرور البضائع عبر الأراضي الإسرائيلية، ووقف العمل بالكود والذي يمثل جزءًا من اتفاقية باريس الاقتصادية يعني عدم قدرة المستوردين على استيراد أية بضائع للقطاع وهو ما ألحق الضرر المباشر بالمنتجين والمواطنين.


وقد لجأ الفلسطينيون في القطاع إلى محاولة الاستفادة من أراضي المستعمرات الصهيونية في غزة والتي تركتها إسرائيل بعد الانسحاب، إلا أن الضربات المتتالية على القطاع أثرت على مستوى جودة زراعة هذه الأراضي بسبب الغازات المُحَرَّمة دوليًّا التي تستخدمها الطائرات الصهيونية.


كما أن الفلسطينيين فشلوا في الاستفادة من حقول الغاز المكتشفة في القطاع قبل سنوات ذلك أن إسرائيل منعت دخول أي شركة مصرية أو غيرها لاستخراج الغاز من القطاع وبالتالي استمرار اعتماد القطاع على المساعدات الخارجية من الغاز وهو الأمر الذي استغلته إسرائيل كثيرًا حيث منعته تمامًا عن القطاع وتركته بلا كهرباء لشهور طوال وسط صمت عربي ومصري رهيب.


انتشار الفقر

أدّى الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة إلى انتشار الفقر بين أهاليه، حيث قدر مختصون اقتصاديون في الأراضي الفلسطينية الخسائر اليومية الناجمة عن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر في قطاع غزة بأنها تزيد على مليون دولار يوميًا.


وتبعًا لتفاقم الأزمات الاقتصادية في قطاع غزة تراجع الناتج المحلي للقطاع بنسبة 60 %، وبات أكثر من ثلثي المجتمع الفلسطيني في القطاع يعيش تحت خط الفقر، كما أن عمليات الحصار والإغلاق والضربات المستمرة إلى القطاع أدت إلى تراجع متوسط دخل الفرد إلى أدنى مستوياته منذ عام 2000 حيث كان يبلغ 1800 دولار، لكن رغم ذلك كلّه إلا أن الاقتصاد الفلسطيني لم ينهار بشكل كامل بسبب انتشار فكرة التكافل الاجتماعي من خلال لجان الزكاة، ولجان الحي ومؤسسة الأمان الابتكارين وغيرها.


وفي الاتجاه نفسه تضرر القطاع الخاص بسبب سياسة الحصار الإسرائيلية، وازدادت نسبة البطالة فتجاوزت 75%، مما يتطلب مواجهة الأزمة وإعطاءها بُعدًا عربيًا وإسلاميًا.


وبالنسبة إلى احتياجات قطاع غزة للأغذية الآخذة في التزايد بسبب النمو السكاني الذي يزيد عن 4% سنويًا، يحتاج سكان القطاع يوميا إلى 600 طن من القمح و72 طنًا من الأرز و43 طنًا من الزيوت و6 أطنان من الشاي و230 طنًا من الحليب، وقد أدّت عمليات الإغلاق والحصار الإسرائيلي المستمرة إلى أزمة في وصول غالبية المواد الغذائية إلى أسواق قطاع غزة وخاصة حليب الأطفال.


ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن السياسات الإسرائيلية أدَّت إلى تفكيك الاقتصاد في قطاع غزة وجعله تابعًا للاقتصاد الإسرائيلي وفي خدمته، حيث إن غالبية التجارة من القطاع وإليه أصبحت مع الاقتصاد الإسرائيلي، والميزان التجاري في قطاع غزة مع إسرائيل في عجز دائم منذ الأعوام الأولى للاحتلال، وهو ما سيتفاقم في ظل استمرار هيمنة إسرائيل على مفاتيح اقتصاد غزة وبشكل خاص حركة التجارة والعمال، كما أن إسرائيل تتعامل مع القطاع على أنه منطقة محتلة على الرغم من الانسحاب وذلك عبر سيطرتها على معابره وبحره وجوه.


ضغوط إسرائيلية أكثر

تشير الدراسات إلى أن إسرائيل اعتمدت في الفترة الأخيرة على الأردن لاستيراد المنتجات الزراعية بدلاً من قطاع غزة، وذلك في الفترة التي تعتمد فيها إسرائيل على إراحة الأرض عامًا كاملاً بعد كل ستّ سنوات من الزراعة المتتالية.


وتقدر الدراسات أن إعاقة التصدير من القطاع إلى الخارج أدّت إلى خسائر فادحة في المواد الغذائية بلغت 2.5 مليون دولار، في حين قدرت خسائر قطاع النسيج والخياطة في القطاع بنحو 2.6 مليون دولار، وخسائر عدم تصدير فاكهة الفراولة إلى خارج قطاع غزة بنحو ثمانية ملايين دولار، كما أنَّ عدم تصدير ثلاثة ملايين زهرة سيؤدي إلى خسائر كبيرة أيضًا.


وتقدر قيمة خسائر قطاع الصناعة والزراعة بشكل عام في قطاع غزة بنحو 28 مليون دولار أمريكي، ولا تقف ملامح الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة عند هذا الحد، بل إن توقف وصول قطع غيار الماكينات والسيارات والمولدات الكهربائية وغيرها ينذر بشلل كثير من القطاعات الخدمية.


فقطاع مياه الشرب والمياه العادمة لعدد من مناطق القطاع عرضة للانهيار، إذا استمرّ حال المعابر على ما هو عليه وإذا استمرت الضربات المتتالية، ويحذر مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين التي تعنى بمصادر المياه ومعالجتها من وقوع كارثة بيئية مؤكدة بمختلف أحواض الصرف الصحي الموجودة في جميع أنحاء القطاع، ونقص مياه الشرب نتيجة عدم توفر قطع غيار لصيانة الآلات والمعدات اللازمة لآبار المياه ومحطات ضخ مياه الصرف الصحي، وقد رافق هذه الأزمات في قطاع غزة ارتفاع أسعار كبير للسلع، فإغلاق المعابر التجارية بالكامل منذ منتصف يونيو من العام الماضي 2007، أدى إلى تزايد فقدان السوق المحلية في قطاع غزة للكثير من السلع والبضائع والمواد الخام التي تلزم عمل الكثير من القطاعات التي تعطلت جراء ذلك.


اشتعال الأسعار

ويقابل تعطش الأسواق في غزة للكثير من البضائع والاحتياجات الضرورية اللازمة لتسهيل سبل حياة السكان، اشتعال أسعار معظم البضائع المستوردة أو تلك التي يتم استيراد المواد الداخلة في تصنيعها من الخارج.

وتشهد أسعار الملابس والأجهزة الكهربائية والهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب وقطع الغيار وغيرها من السلع، ارتفاعًا تدريجيًا ملحوظًا، ويعزو تُجّار اللحوم ارتفاع أسعارها بشكل تدريجي إلى تناقص الماشية من السوق، ومنع الاحتلال من إدخالها إلى القطاع.


وإضافة إلى ما تقدم ثَمّة عوامل ضاغطة على الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، نظرًا لكون مجتمع قطاع غزة فَتِيًا، حيث يشير الجهاز الإحصائي الفلسطيني في رام الله إلى أن نسبة الأطفال تمثل أكثر من 50% من مجموع سكان القطاع.


ومرد التركيب السكاني هناك للخصوبة العالية عند النساء الغزيات حيث تتعدى ستة مواليد للمرأة طيلة حياتها الإنجابية، وتبعًا لذلك يعاني القطاع من أعباء الإعالة العالية أصلاً، حيث تصل إلى ستة أفراد للشخص العامل، وقد تفاقمت الأوضاع الديمجرافية والاقتصادية نتيجة سياسات الاحتلال الإسرائيلي على مدار فترة الاحتلال.


فوصلت معدلات البطالة إلى نحو 75% من قوة العمل وكذلك انتشرت حالات الفقر المدقع بين أكثر من ثلثي سكان القطاع، وهناك دراسات أخرى تشير إلى أن الأوضاع أكثر مأساوية في المخيمات الثماني نظراً للكثافة السكانية العالية فيها.

وتعتبر وفيات الأطفال الرضع في القطاع من أعلى المعدلات في العالم، ومن المحتمل أن ترتفع مؤشرات البؤس في قطاع غزة بسبب الأوضاع الناشئة بفعل الحصار الإسرائيلي وإغلاق كافة المعابر المؤدية إليه.


المجزرة ليست النهاية

لعل ما سبق من أرقام تؤكد مدى المعاناة التي يعيشها أهالي قطاع غزة بسبب الحصار الصهيوني، ولكن ستكون هذه الأرقام بسيطة بجانب ما سيحدث للقطاع جراء الغارات المتتالية التي تشنها طائرات الاحتلال على القطاع خلال الفترة الحالية والمستقبلية، ونحن الآن أمام مأساة وشيكة وتعرض مليون و400 ألف فلسطيني في القطاع إلى الموت البطيء والعالم العربي والإسلامي "يتفرج" ولا يحرك ساكنًا.. فمن المؤكد أن مجزرة السبت الأسود الدامية لن تكون الأخيرة ومؤكد أن القطاع مُقبل على أوقات عصيبة ولن تكون سفن المساعدات كافية أبدًا لوقف تدهور الوضع.. فهل يفعلها العالم العربي ويفيق أم سيظل نائمًا لا يحرك ساكنًا كما هو منذ العام 1948؟