كيف كشفت القدس تمرد الغرب على أمريكا وفضحت تواطؤ حكام العرب؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كيف كشفت القدس تمرد الغرب على أمريكا وفضحت تواطؤ حكام العرب؟


كيف كشفت القدس تمرد الغرب على أمريكا.jpg

كتب:رانيا قناوي

(26 ديسمبر 2017)

لا تزال تداعيات قضية الدفاع عن القدس هي الشاغل للمسلمين في ربوع الأرض، بعد قرار الجمعية لأمم المتحدة برفض القرار الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس، في الوقت الذي سقطت القدس من على الأجندة التابعة لحكام الانظمة العربية، خاصة بعدما كشفت تصريحات وزير خارجية مثل سامح شكري في مصر ووزير خارجية البحرين، أنه لا يجب أن يكون هناك صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية أو استفزازها حتى لا تضيع شبكة المصالح المشتركة.

واستمرارا لحالة التوعية التي تتبناها عدد من الهيئات الإسلامية ورموز العمل العربي والإسلامي، نبه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على حق المسلمين في القدس والآثار المترتبة على الاعتراف الأمريكي بها عاصمة للكيان الاسرائيلي.

وأكد الدكتور مروان ابو راس عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، خلال ندوة الاتحاد أمس الاثنين حول حقوق المسلمين في القدس، على أن دور العلماء هو الأكبر للتحرك تجاه كل القرارات التي تتخذ ضد الفلسطينيين، وإرجاع الحقوق إلى أصحابها، ودعا الأمة العربية والإسلامية إلى ضرورة المحافظة على بيت المقدس الذي يعتبر الحق الديني، والتراث الحضاري الإسلامي، ومسرى النبي محمد.

فيما نوه د. أحمد بحر عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في كلمته إلى أن القرار الأمريكي بحق القدس يعتبر جريمة سياسية وقانونية كبرى وشدد على ضرورة بلورة موقف عربي موحد في مواجهة كافة القرارات المعادية للشعب الفلسطيني.

من ناحية أخرى، أكد الكاتب الصحفي عامر عبد المنعم، أن معركة القدس كشفت أن الكيان الصهيوني مهما أوتي من قوة عسكرية ودعم أمريكي أضعف مما نتخيل، وثبت أن الحق الفلسطيني رغم ما يبدو من وهن وضعف أقوى من المكر المعادي، ولم يكن أحد يتوقع هذه النتيجة السريعة وهزيمة الغطرسة والغرور في الأمم المتحدة حيث يدير الأمريكيون العالم.

وقال عبد المنعم خلال مقال له اليوم الثلاثاء على صفحته بموقع "فيس بوك" إن دول العالم وجهت صفعة عنيفة لسياسة دونالد ترمب و"إسرائيل" ورفضت القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأعلن ممثلو 128 دولة إدانتهم لأي سيطرة إسرائيلية على المدينة المقدسة، ولم يؤيد الخطوة العدوانية سوى 8 دول وامتنعت 35 دولة عن التصويت.

وأشار إلى أن الموقف الدولي أكد عزلة الولايات المتحدة وتراجعها كدولة إمبراطورية صاحبة نفوذ، وأظهر موقفا دوليا معاديا للرئيس الحالي، ولم تفلح الدبلوماسية ولا التلويح بقطع المعونات، ولا التهديد بوقف تمويل الأمم المتحدة في إثناء قادة العالم عن التصدي للقرار الأمريكي. وأكد أن مندوبة الولايات المتحدة عبرت في كلمتها عن حالة الارتباك والتخبط التي تعيشها الإدارة الأمريكية حيث أساءت إلى دول العالم التي تقف ضد أمريكا واتهمتهم بأنها لم تعترف بالجميل لأمريكا التي تنفق على المنظمة الدولية وقد رد عليها مندوب فنزويلا بأن العالم ليس للبيع.

الغرب يتخلى عن ترامب وفي الوقت الذي وقف مع الرئيس الأمريكي دول صغيرة هامشية؛ فبجانب إسرائيل لم يؤيد ترامب غير غواتيمالا، هندوراس، جزر مارشال، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، توغو، وهي جزر ودويلات صغيرة ربما لم يسمع كثيرون عن بعضها من قبل، أعطت الدول الأوربية ظهرها لترمب، وكان موقف الاتحاد الأوربي بقيادة فرنسا وألمانيا تأديبيا، فالأوربيون يرون أنهم شركاء وليس من حق ترامب تهميشهم والانفراد بالقرار دون الرجوع إليهم، ويرفضون استبعادهم من ملف القضية الفلسطينية الذي يبقي على نفوذهم في المنطقة العربية.

لكن رفض الدول الأوربية للتهويد الكامل للقدس يعود لأسباب مذهبية حيث يعترض الكاثوليك والأرثوذكس على انفراد اليهود والبروتستانت بالسيطرة على المدينة المقدسة، وهناك وعود قدمها هرتزل مؤسس الدولة الصهيونية عندما كان يتفاوض مع زعماء أوربا بأن تكون القدس لكل الأديان.

كما كانت قضية القدس فرصة لمنافسي أمريكا على زعامة العالم لتصفية الحسابات، وتحقيق انتصار سياسي على الولايات المتحدة وهز صورتها ومكانتها الدولية، وأيضا لكسب العرب والمسلمين، وتمثل مساندة روسيا والصين وكوريا الشمالية والدول الآسيوية للحق الفلسطيني ردعا للرئيس الأمريكي المتغطرس.

ويأتي موقف فنزويلا التي تتزعم مجموعة دول عدم الانحياز ومعها كوبا والبرزايل ودول أمريكا اللاتينية ليضيف دعما قويا للموقف الإسلامي، ويعطي إشارة واضحة لحالة التمرد العالمي التي تتسع يوما بعد يوم والتي للأسف لا يراها العرب ولا يتجاوبون معها.

تركيا تقود العالم الإسلامي لقد استطاعت تركيا بدعم عربي خجول وتأييد إسلامي معقول أن تتصدر العالم الإسلامي، واستطاع أردوغان من خلال رئاسته لمنظمة التعاون الإسلامي أن يحشد الدول العربية والإسلامية لمناصرة القدس، وفكك الموقف العربي المتحالف مع "إسرائيل" وأعطى رسالة إيجابية أن الأمة المسلمة لم تمت كما توهم ترامب والإسرائيليون.

كما نجح أردوغان في توجيه لكمة موجعة للرئيس الأمريكي، وحاصره، وفضح ضعفه، كما نجح الرئيس التركي في جعل الدول الإسلامية تستعيد وضعها ككتلة على الساحة الدولية رغم حالة الشتات التي تعيشها، وإعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة من جديد كقضية شعب يواجه المحتل وليس يهود يواجهون إرهابا.

ليصبح الكيان الصهيوني والمتحالفين معه من حكام العرب أكبر الخاسرين بعد ترامب والولايات المتحدة؛ فالموقف العالمي ضد السيطرة الإسرائيلية على القدس بدد الصورة الزائفة التي رسمتها الصهيونية خلال العقدين الماضيين، لتحسين صورة "إسرائيل"، وتمت إعادة الملف إلى الاضواء مرة أخرى وفضح اللصوص الذين ظنوا أن سرقة فلسطين مهمة سهلة وسط الظلام.

وظن الإسرائيليون أن الساحة مهيأة لابتلاع كل فلسطين بعد أن ضمن نتنياهو مشاركة القيادة المصرية والسعودية في التنفيذ، مما أغرى ترامب بالاستعجال، فانقلب السحر على الساحر، وجاء الاستدعاء الدولي إلى الملف وإفساد الترتيبات الأمريكية الإسرائيلية. وكشفت القدس تأرجح الموقف العربي الذي كان خافتا ومترددا في البداية، وازداد تمردا مع بروز الدعم الدولي، لكن التغير الملفت هو تمرد محمود عباس والملك عبد الله الثاني، فكلاهما يدرك الخطر وراء خطوة ترمب؛

فالسيطرة الإسرائيلية على القدس مقدمة لصفقة القرن التي ستؤدي إلى إلغاء السلطة الفلسطينية وإنهاء دور محمود عباس، وضم ما تبقى من الضفة الغربية في اتحاد فيدرالي مع الأردن، وإلزام الملك الأردني بتحمل الالتزامات الأمنية للسيطرة على الفلسطينيين وتحويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى صراع أردني فلسطيني.

كما كان واضحا اختباء القيادة السعودية لكونها الممول الرئيسي لصفقة القرن، وبروز دور غير مكتمل لمصر في القرار الذي تم التقدم به لمجلس الأمن والذي أغفل اسم الولايات المتحدة وترامب، مما فتح الطريق للطعن وإصدار الفيتو، لكن الموقف الرسمي العربي بشكل عام لا يتناسب ومكانة القدس ويعمل على امتصاص الغضب الشعبي حتى لا ينفجر في وجه الحكومات.

المصدر