كل العالم في قفص الاتهام!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كل العالم في قفص الاتهام!
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف

مقدمة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد،

يقف العالم كله اليوم في قفص الاتهام منكس الرأس.. خائر الهمة.. موصومًا بكل تهم الجبن والشلل والعجز؛ فقد تحولت كل الحواس لديه إلى جمادٍ، شعاره: (لا أسمع.. لا أرى.. لا أتكلم).. وتتعالى صرخات الثكالى وأنَّات المعذبين مدوية فلا تجد إلا رجع الصدى مجيبًا، بينما يُخِرس الوجوه صمتٌ بائس وملامح ميئوس منها.

تدوي قنابل الصهاينة في غزة فلسطين ، وانفجارات أمريكية في العراق وأفغانستان، وفي كلِّ مستهدف من هذا القصف (إنسان).. تحمله القنابل إلى حيث السكون الأبدي وتحمِل معه الإنسانية وزر العاجز حتى عن الصراخ.. وعار التفريط في أبسط معاني الحياة.

ثم يتحدثون عن (الإنسان والإنسانية، والوطن والمواطنة، والحق والحقوق)، وتتوه الشعارات البراقة في ظلام الهجمات الوحشية والبربرية، وتذوب الكلمات المعسولة في بحار الدم البريء، وتضيع كلمات الحق في زيف الإرهاب المزعوم، وتبقى الحقيقة أشلاء لأطفال فلسطين ومعاقيها تختلط بأجساد مهترئة سحقتها مجنزرات احتلال التحرير على شواطئ الفرات!!، وتكفنها جلود آدمية لمزارعي وديان أفغانستان.. ثم يدفنها الضمير العالمي الجديد الذي يستطيع أن يهضم كل الحقوق عبر مشهيات الحضارة التي يتفنن (بوش) في طبخها!!.

إن أصابع الاتهام لا تفرق بين حاكم ومحكوم، عربي وغربي، أو مسلم ومسيحي، كما لا تستثنى لونًا أو عرقًا من التهمة.. الكل مُدان بصمته.. الكل مرمي بالعار لعجزه.. الكل ميت مادام سكون القبور شعاره!

أليس من المضحك المبكي أن يسعى الإنسان لبناء محميات للحيوانات؛ خوفًا عليها من الانقراض، بينما يُترك الإنسان الفلسطيني يُدفن تحت أنقاض بيته بأيدٍ صهيونية متوحشة تناصب الإنسانية العداء؟!!

وأليس من التناقض الغريب والعجيب أن يضنَّ العالم على إنسان العراق بنظرة إشفاق تنتشله من براثن سادية الاحتلال، بينما الجنود الإنجليز يُحوَّلون إلى محاكمة لأنهم كانوا يعذبون (هرًا) في أحد المعسكرات؟!!

ولماذا لا يشمل قاموس الإنسانية الأفغانَ ببعض عباراته المنمقة التي لا تنطلق إلا عبر الردهات المكيفة لتكون لهم أملاً في مواجهة حياة الجليد التي لا يدفئها إلا حرائق الدانات الأمريكية قبل أن تحملهم من أتون التحرير إلى برد الآخرة؟!!

إن الواقع الإنساني الذي ترتسم ملامحه الجديدة على رقاعٍ من جلود الهنود الحمر بمداد جديد، دواته أوردة بشرية فلسطينية وعراقية وأفغانية، وكلها مختومة بنجوم أمريكية، هذا الواقع ينذر البشرية كلها باقتراب شريعة الغاب من كل صامت وخائف وخانع وجبان أو متواطئ.. وساعتها ستدور عجلة البغي على الجميع، ولن ترحم من صفق أو صمت؛ لأن قناعة الوحوش لا يشبعها إلا تمكنهم من كل الغابة.

أما عالمنا العربي والإسلامي فالتهمة في حقه مصيبة، ومصيبته عاجلة وآجلة، إفراط وتفريط ومذلة في الدنيا وحساب على التقصير في الآخرة ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ (النساء: 97)، وسيقف الجميع- إلا من عصم ربي- في الساحة لا فرق بين مسلم الهند ومسلم القرن الإفريقي ومسلم الوطن العربي، الكل من كفه يسّاقط الدم الفلسطيني، الكل تخرسه أعراض العراقيات.

والكل تعميه على الصراط جحوظ نظرات شُوهت جماجمها الدبابات على ثرى أفغانستان.. والكل تصرخ فيهم المآذن والقباب (أين حي على الجهاد ؟).. ساعتها سوف تتذكرون ذلك النداء الرباني، ولكن بعد فوات الأوان.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ (التوبة:38).

فيا مسلمون.. أين نخوة الرجولة فيكم؟ أين باعث الحرية منكم؟ أين عنوان الحق عندكم؟ أين عدة المواجهة لديكم؟ وأين حرارة الدماء التي تجري في العروق؟ مشاهدة جنازات الشهداء، ودموع الثكالى، وانهيار البيوت الآمنة، وتشريد الأحلام البريئة، تحولت إلى عادة، والكل نفَّض عن كاهله كل شيء إلا أن يحصل على قوت يومه ليعيش ويُربي ويموت على موته، وعلى حقيقة حياته موتة أخرى.. ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة:24).

ويبقى الأمل ما دامت هناك مقاومة

هذا الواقع- برغم ما يحمل من معاناة وألم- يجب ألا يحيلنا إلى يأس، فوعد الله باقٍ بشرط توافر الإيمان وعلو الهمة وصدق العزم والإقبال على التضحية والفداء.. ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة:21)، وما صمود أبناء فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير من واقعنا ببعيد، وما هي إلا تباشير النصر ومقدمات التمكين، ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139)، فأحسنوا الظن بالله، وأعدوا للأمر عدته، كما بيَّن الخالق جل وعلا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال:60)،

وارفعوا أعلام المقاومة في كل ساحة.. وربُّوا أنفسكم على البذل والعطاء والاستعداد للجهاد والاستشهاد، وأكثروا من الذكر والدعاء والاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، واجعلوا من تربية أبنائكم عدة لساح الفدا، متخذين من ابني عفراء (معاذ ومعوذ) مثالاً للتربية المقاوِمة التي لا تتردد في مواجهة الطغيان والجبروت، ولكل مستبيح لأرضنا وعرضنا ودمائنا ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21).

أما أنتم يا مرابطي فلسطين

فاصبروا وصابروا ورابطوا، واعلموا أن عدوكم ما استطاع أن يكسر إرادتكم، أو ينال من عزيمتكم أو يهزم إيمانكم، ولم يجد له أمام مقاومتكم من سبيل يهنأ معه بالاً حتى بالجدار المزعوم.. ويبقى ناموسنا الخالد هو الأصل ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾(الحشر: 14)، فاحرصوا على تحقيق الآية في معنى الجمع (جميعًا)، لا فرق بين فتح و حماس و الجهاد والحركة الشعبية.. عليكم بوحدةٍ شعارُها المقاومة ولافتتها الجهاد ورأسها الثبات، واعلموا أن الأمة التي لا تجيد صناعة الموت لا تستحق الحياة.

واحذروا من أن تُفتن (السلطة الفلسطينية) بكم أو تفتنوا بها، وفي كلٍّ أصابعُ الفتنة نائمة لا يحركها إلا صهيوني ملعون، بنصِّ قول قائدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-: "الفتنة نائمة ملعون من أيقظها"، فكونوا على عهدنا بكم؛ وعيًا وإحاطةً بما يحاك ضدكم أو يدبر لكم بليل.. ولا يجرمنكم شنآن عدوكم ليحول بينكم وبين إخوانٍ لكم غايتهم تحرير الأرض والعرض، ومرادهم دحر الاحتلال الصهيوني، وهدفهم استنقاذ الحرمات والمقدسات.

وإلى العراق

حيث سقطت كل الأقنعة.. ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: 30)، فما من بدعةٍ ابتدعوها ليبرروا بها احتلالهم إلا وتهاوت، وما من عميلٍ حاولوا تجميل وجهه إلا وفضح الله قبحَ ملامحه وسوء تبعيته، وبالتالي يسعى المحتل إلى فرض حالة طوارئ "مزعومة" ليقيض بها جهود المقاومين ويشل بها سواعد المجاهدين، لكن ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ (الأنفال: 17).

تزداد المقاومة صلابةً وتمتد جذورها لتثمر في كل شبر من أرض العراق.. مجاهدًا يسير على الدرب.. معلنًا أن لا سبيل للاستقرار إلا برحيل الدخيل الأجنبي الذي تقطر من يده دماءٌ بريئة، وتسقط من جيوبه ثروات وطننا، وتلطخ ثيابه بُقع النفط المنهوب من أراضينا.

وتتجلى مع كل ساعةٍ الحقيقةُ التي تقول إن استقرار العراق غير مرهون بقانون طوارئ أو بزيادة عدد الأجهزة الأمنية أو عدتها، وإنما برحيل الاحتلال، ويقيننا بأن شعب العراق بكافة طوائفه وأعراقه قادرٌ- بإذن الله- على إدارة شئونه بنفسه، واختيار نظامه الذي يناسبه، وإعادة الأمن والطمأنينة والسلام لكل أجزائه.

وأخيرًا.. لا مرحبًا بهم

كلمة نقولها في وجوه الأمريكيين الذين ارتدوا مسوح الحريات الدينية، وجاءوا لزيارة مصر قلب العروبة و الإسلام النابض:

لا مرحبًا بكم.. ووِجهتكم مفضوحة، وعقولكم متآمرة، ونظراتكم مغرضة.

لا مرحبًا بكم.. وحريتكم الدينية تصمُّ أذنيها عما يحدث في فلسطين من مجازر وحشية، واعتداءات بربرية، وقصف وإبادة يرتكبها الكيان الصهيوني في حق شعب فلسطين ، وعن انتهاكاته لحقوق الإنسان الفلسطينية المهدرة في سجون الاحتلال.

لا مرحبًا بكم..، وحريتكم الدينية لا تُلق بالاً لما حدث ويحدث في سجون أبو غريب وغيره من عنف وسادية وشذوذ وتعذيب وفظائع للسجناء العراقيين على يد الجنود الأمريكيين والبريطانيين، وبأمرٍ من قياداتهم العليا.

لا مرحبًا بكم.. وحريتكم الدينية تغلق الأقصى دون الوجوه المقدسة الغُرِّ في الصلوات.

لا مرحبًا بكم.. وحريتكم الدينية تسمح بقصف مساجد العراق، وتصمت عن تهاوي مآذن كشمير، وتحول مساجد فلسطين إلى (كنيس) يهودى.

لا مرحبًا بكم.. وحريتكم الدينية تغضُّ الطرف عمَّا يحدث من مآسٍ وأهوال يشيب لهولها الولدان في سجن جوانتانامو وأمثاله على يد المدنية الأمريكية الزائفة.

لا مرحبًا بكم.. وحريتكم الدينية تعبِّد الطريق، وتهيئ السبيل أمام قوى الإباحية والشذوذ حتى تنهار القيم وتذوب الهوية.

لا مرحبًا بكم.. وحريتكم الدينية جاءت تبحث عن ثغرة هنا أو جرح هناك- كما فعل أسلافكم من قبل- لتفرقوا بين شعبٍ يعيش وحدة وطنية كاملة تسودها المودة والوئام والسلام، لا فرق فيها بين مسلم ومسيحي، فبيوت مصر تسع الجميع في الأتراح قبل الأفراح.

فلترحل لجنة الابتزاز الأمريكية؛ لأن مصر حكومة وشعبًا أحزابًا وجماعاتٍ وجمعياتٍ لا تقبل بتفتيش يبتزُّ إرادتها، أو يتدخل في صياغة علاقاتها، أو يسعى للوقيعة بين أنسجة بدنها؛ إيمانًا بوعد الله لوطننا بالأمن حين قال: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ (يوسف:99)، ووعد الله حق وما سواه زور، و﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (الروم: 4).