كلمة مناقشة البيان الوزاري - نائب الجماعة د. عماد الحوت

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كلمة مناقشة البيان الوزاري - نائب الجماعة د. عماد الحوت


دولة الرئيس، السادة النواب

نجتمع اليوم للناقش البيان الوزاري لحكومةٍ قيصريةَ الولادة بعد عشرة أشهرٍ من الانتظار، ولقد كنا دائماً من المطالبين بالإسراع في تشكيل الحكومة لأننا ندرك أن الفراغ عدو الدولة الأول، كما إننا لم نكن نعارض أن تتشارك القوى السياسية في عملية تأليفها وإن كنا نفضل لو تشكلت من خبراء لا تخلو هذه القوى منهم، كما تمنينا لو أن النقاش تركّز أثناء تشكيل الحكومة على عناصر بناء الدولة ومؤسساتها وتعزيز قرارها السيادي، لا على الأعداد وتسجيل النقاط، وأصارحكم القول أن كثيرٌ من اللبنانيين قد خاب ظنهم في هذا المجال.
ليس بتدوير الزوايا وتأجيل الخلاف نسقط الهواجس من النفوس أو نؤسس لمستقبل زاهر لأبنائنا، فسياسة القفز عن الحقائق الوطنية الشائكة لا تقيم وحدةً وطنية، وحدها المراجعة النقدية وتسمية الأشياء بأسمائها تؤسس لردم الانقسام بين اللبنانيين وتحقيق المصالحة الوطنية.
لقد أصبحت حقوق الطائفة مقدمة على حقوق الوطن، وأصبح تغوّل الطوائف بعضها على بعض سمة العلاقة بينها، وبات لكل واحدٍ منا برنامجه وأجندته السياسية التي يحاول فرضها على الآخرين.
كلنا معنيون باخراج الوطن من معاناته، وتشييد الثقة لدى ابنائه بمستقبلٍ كريمٍ ولائق، ترعاه خياراتٌ ترسخ وحدة لبنان، وتثبِّت العيش المشترك فيه، وتحافظ على استقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي، وميزاته في التنوع والانفتاح، وتجدد معنى الانتماء له.
فهل نحن اليوم ننظم خلافاتنا من خلال هذه الحكومة داخل المؤسسات الدستورية، أم اننا ننتظر ما سيحدث في المنطقة للاحتكام الى نتائجه، فنعيد فرز انفسنا على قاعدة "غالبٍ ومغلوب"، وفقاً لما ستفضي اليه صراعات المنطقة ومفاوضاتها؟
آن الأوان للبنان ان تمر الاستحقاقات من دون إحباطاتٍ، فلقد تَعَوَّدَ اللبناني ان يخاف من الإستحقاق بدل ان يحتفل به.
فكلّ استحقاقٍ بات أشبه بخطرٍ جديد ومجموعةَ تعقيدات، كتلك التي رافقت ولادة الحكومة الماثلة أمامنا اليوم، وكأن القصد غير المعلن أن يخشى المواطن الإستحقاقات الدستورية بدل أن يسعد بممارستها.
وهنا لا بد لي أن أتساءل كيف لهذه الحكومة التمهيد ومواكبة الإستحقاق الرئاسي وقانون الإنتخابات فضلاً عن الأوضاع المعيشية والأمنية، في حين أنها بالكاد استطاعت أن تسطّر بعض كلمات للبيان الوزاري في أواخر المهلة المتاحة، وبعضها متحفظ وبعضها الآخر متريث وبعضها الثالث غير مبالٍ بكلماتٍ لا تضبط تصرفاتٍ سيقوم بها بكل الأحوال؟
وكيف لهذه الحكومة أن تلتزم مبادئ الدستور والميثاق الوطني ومقررات الحوار وجزءٌ من أعضائها لم يوافقوا على إدراج إعلان بعبدا في بيانها الوزاري وجزءٌ آخر تغافل عن قيام بعض من في الحكومة بحروب خارجية.
لقد كان من واجب الحكومة مطالبة الجميع بالانسحاب من سوريا والتعهد بضبط كافة الحدود اللبنانية من الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية حصراً وعدم السماح لأي جهة حزبية بمشاركة الدولة وأجهزتها بهذا الحق السيادي وإلا اعتُبرت الحكومة مفرّطة بهذا الحق، إذ ليس من حق أي مكون لبناني أن يفرض على باقي اللبنانيين طريقة إدارة الصراع.
وهل يا ترى سيتكرر الابتزاز نفسه الذي عانى منه المواطنون لتشكيل الحكومة في الاستحقاق الرئاسي وهل سنكتشف أننا خدعنا أنفسنا وخدعنا اللبنانيين حين اعتقدنا أن تشكيل الحكومة هو المفتاح لإنجاز هذا الاستحقاق ولا بأس من تدوير الزوايا والتغاضي عن أمور عديدة في سبيل ذلك؟

دولة الرئيس،

لقد وضعت الحكومة في بيانها الوزاري مواجهة الأعمال الإرهابية كأولوية استثنائية، وهذا تعهدٌ مطلوب، ولكن اختصار المشكلة بالأعمال الإرهابية لا يعبر عن حقيقة الواقع اللبناني، فاللبنانيين لم يكونوا بخير قبل ذلك، من اغتيالات، وأعمال خطف، وسلاحٍ غير شرعي تحت مسمى "سرايا المقاومة" وحواجز لغير الجيش والقوى الأمنية تدقق في هويات المواطنين وتطلق النار على موكب عسكري، أو تحاصر بلداتٍ كعرسال التي تدفع ثمن نخوة أهلها وقيامهم بواجبهم نحو إخوانهم من النازحين السوريين.
الإرهابيون هم شبكة سماحة- المملوك، وهم الذين فبركوا شريط أبو عدس، وهم من قاموا بتفجير المسجدين في طرابلس، وهم الذين أسسوا لتنظيم داعش وفتح الإسلام، وهم الذين رعوا الإرهاب لسنوات وأرسلوه للعراق ونهر البارد ليستعملوه بعد ذلك ملفَ مقايضةٍ مع الغرب.
أما نحن، فنموذجنا هو نموذج الحرية والديموقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان وبناء الدولة، نموذج الربيع العربي مهما تعرض لمحاولات التشويه أو الاستهداف أو الحرف عن مسيرته.
نموذجنا هو بناء الدولة التي يشعر فيها المواطن، كل مواطن، أنها الحضن الدافئ الذي لا يميّز بين من يلجأ اليه من ابناء الوطن، دولةٌ اقتصادها قوي وجيشها قوي، دولةٌ يعيش أبنائها ثقافة الحياة والبناء ولكنهم في الوقت نفسه لا يهابون التضحية بالنفس دفاعاً عن أرض الوطن في وجه العدو الصهيوني وليس خدمةً لمحاور إقليمية في مواجهة شعبٍ عربي شقيق.

دولة الرئيس

جميلٌ أن تسعى الحكومة لتأمين مناخات إيجابية للحوار الوطني، ولطالما كانت الجماعة من دعاة الحوار بين اللبنانيين والساعين لردم الهوة وبناء الثقة دفعاً للفتنة ودعماً لمفهوم الدولة وبنائها، ولكننا ككثير من اللبنانيين نرغب أن يكون حواراً تكتب مقرراته بحبرٍ لا يُمحى قبل أن يجف.
ولطالما نادينا وننادي بأن لبنان قائمٌ بجميع مكوناته، وأن أي مكون من هذه المكونات لا يمكن الاستغناء عنه أو تهميشه أو عزله، وكل المحاولات في هذا الإطار أنتجت أزمات وحروب أهلية ندعو الله أن لا تتكرر، وأن هواجس أي مكون من هذه المكونات تكون الإجابة عليها بمزيدٍ من الارتباط بمشروع الدولة القوية والعادلة.
ولكن هل دعوة اللبنانيين الى محاربة بعضهم البعض في سوريا يخفف من الهواجس ويساعد على تأمين المناخات الإيجابية للحوار؟
وهل مظاهر الرقص على الدماء وتوزيع الحلوى ومسيرات السيارات والدراجات منذ أيام في شوارع بيروت وما رافقها من عبارات مذهبية بغيضة يخفف من الهواجس ويساعد على تأمين المناخات الإيجابية للحوار؟
نحن نؤكد على تشجيعنا للحوار ومد اليد ولكن على قاعدة واضحة لبناء الدولة كاملة السيادة على كل القضايا والقرارات وليس فقط في القضايا المتصلة بالسياسة العامة للبلاد كما ورد في البيان الوزاري لهذه الحكومة.

دولة الرئيس،

لن أتوقف كثيراً عند الجانب الاقتصادي والمالي من البيان، فقد نسينا أو أُنسينا بزحمة الإرباكات الأمنية والمناكفات السياسية موضوع الدين العام وتطوره، وعجز الدولة عن فرض سلطتها وتأمين الأمن والإستقرار وهما عنصر اساس من عناصر نهضة الاقتصاد، ولكنني في إطار الحديث عن ملء الشواغر في ملاكات الدولة، وهذا مطلبٌ حق، أتساءل الى متى سنبقى نُجري امتحانات خدمة مدنية ولا نقوم بتوظيف أو ترقية الناجحين فيها لمبررات لا علاقة لها بالكفاءة؟
لا يفوتني في هذا المقام أن أثمّن الجهد الذي بذل لتحرير اللبنانيين في أعزاز، وراهبات معلولا، كما أتضامن مع التأكيد على استمرار الجهود في جريمة إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، فهي قضية جميع اللبنانيين، ولكني تمنيت لو أضيف لها متابعة الجهود لكشف مصير اللبنانيين المعتقلين في سجون النظام السوري التي تمثل بدورها قضية إنسانية لمواطنين لبنانيين.
وهنا أيضاً لا بد من إثارة قضية تحقيق العدالة في ملف الموقوفين الإسلاميين فمن من مقتضيات العدالة أن لا يتم توقيف أي متهم مدة أطول من مدة عقوبته المقدّرة وهذا ما لم يُعمل به في هذا الملف، فمن هؤلاء من لم يقم بأي نشاط أو يحضِّر له وحكمُهُ معروف، ومنهم من اشتُبِه به لوجود اتصالات بمجموعاتٍ ملاحقة دون دليل على وجود صلةٍ بالجريمة، أو وجدوا عنده سلاحاً فردياً غير مرتبطٍ بأي جريمة، أو أوقف لإشتباهٍ بزيٍ ومظهرٍ ارتضاهُ لنفسه، ومع ذلك ما زال بعضُهم موقوفاً منذ ما يزيد على الخمس سنوات.
إن الإستقرار عنوانُه العدالة وحفظ حقوق الإنسان وتسريع المحاكمات وإطلاق سراحَ البريء ومعاقبة المرتكب بالعقوبة العادلة المستحقة وليس التوسع في التوقيفات عدداً ومدة. ومن حق المتابع لهذا الملف أن يتساءل إذا كانت مماطلة البعض لإيجاد حل لهذا الملف هي نتيجةً لحاجته لترك هذا الملف عالقاً للفت النظر عند الحاجة عن ممارسات وساحات أخرى وتركيزها على الساحة الإسلامية.
أما ما يتعلق بموضوع النازحين السوريين في لبنان، فأنا أثني على التزام الحكومة بالقيام بواجبات لبنان الأخلاقية والإنسانية تجاه هؤلاء الاشقاء مع اتخاذ الاجراءات التي تقلل من الانعكاسات السلبية، ولكنني اتساءل، ألم يحن الأوان لإيجاد شراكة منظمة بين الدولة البنانية والمجتمع المدني الذي يتحمل العبء الأكبر في هذا الملف، ألم يحن الأوان للعودة عن الخطأ والشروع في إنشاء مخيمات تساعد على حصر النازحين، وضبط واقعهم الأمني، وتنظيم المساعدات وأخيراً تسهيل تنظيم عودتهم الى بلادهم عندما تسمح الظروف؟

دولة الرئيس

لقد آمنا جميعا بأن للبنان عدوٌ واحد، وقد تمكن بلدنا الحبيب بفضل تضحيات ابنائه ووحدتهم من مقاومة العدو الصهيوني، ولكن لا بد من المصارحة أنه حصل ارتباك في نظرة الكثيرين من اللبنانيين لمفهوم المقاومة ودورها، ادى الى تصدّع الاجماع الوطني الذي طالما كان السند الأكبر لها، وذلك لعدة أسباب منها إصرار البعض على احتكار المقاومة وحصريتها، واستخدام هيبة سلاحها للتأثير على التنافس السياسي الداخلي، وأخيراً الدخول في حروب خارجية دفاعاً عن محاور وأهداف إقليمية.
ولقد كان المشهد الأخير في إعداد البيان الوزاري مسيئاً للغاية لمفهوم المقاومة كقيمة حين ظهر المشهد وكأنه حلبة صراع لتسجيل النقاط والمبارزة اللغوية بين "الـ" التعريف والتنكير للظهور أمام الجماهير بمظهر غير المنهزم، ولكن مرة أخرى غلبت المصالح الضيقة ومصالح المحاور على المصلحة الوطنية العامة.
لقد كان مطلوباً من الحكومة أن تقدم للبنانيين تعريفاً واضحاً للمقاومة، ومن صاحب الحق في تحديد السلاح المقاوم وغيره، ووقف تمييز بعض الأجهزة الأمنية في مداهمة البيوت بحثاً عن سلاحٍ فردي في بيوتٍ وقرىً معينة وغض الطرف عن اسلحة متوسطة وثقيلة ظاهرة للعيان في قرىً مجاورة، كما كان مطلوباً من الحكومة أن تحدد موقفاً وضحاً من ما يسمى "سرايا المقاومة" التي هي جزءٌ أساس في الفلتان الأمني الحاصل وما نموذج الإعتداء على القوى الأمنية في منطقة صيدا عنا ببعيد.
وهنا أطرح السؤال في ظل ما ورد في البيان الوزاري عن مصير من تم اعتقاله بتهمة إطلاق صواريخ على العدو الصهيوني، هل هو لا يزال متهماً بجريمة أم أنه أصبح في عداد "المواطنين اللبنانيين الذين لهم الحق في المقاومة للإحتلال ورد اعتداءاته واسترجاع الارض المحتلة"، وهل سنشهد في الأيام القادمة "سرايا المواطنة" تبعاً لذلك؟

دولة الرئيس

لأنني ومن أمثِّل، لا نرغب في حجب الثقة عن حكومةٍ شاركتُ عن قناعةٍ في تسمية رئيسها...
ولأننا نعتقد أيضاً بأن "الحكمة تقتضي في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها منطقتنا، أن نسعى إلى تقليل خسائرنا قدر المستطاع"، وأن ذلك يكون بالعمل لبناء دولة المواطن لا دولة الدول...
ولأننا ما زلنا عند تخوفنا من أن تنقل المكونات المتناقضة تناقضاتها الى داخل الحكومة، ونموذج البيان الوزاري مثال على ذلك....
ولأن الحكومة لم تقارب في بيانها بوضوح قضايا وطنية أساسية مثل حروب البعض الخارجية...
فإنني لن أعطي الحكومة الثقة وسأكتفي بالامتناع عن التصويت، افساحاً في المجال للحكم على الأفعال وليس الأقوال واعداً أن أكون تجاهها ناصحاً أميناً ومراقباً منصفاً وداعماً صادقاً لكل ما هو في مصلحة الوطن والمواطن، ومعارضاً لكل ما هو تجاوز لحقوق المواطنين أو لدولة القانون والمؤسسات التي نريد.
وشكراً

المصدر