قطب العربي يكتب: "ثوريتنا" أقوى من الرصاص

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قطب العربي يكتب: "ثوريتنا" أقوى من الرصاص


(6/1/2015)

قطب العربي

ثوريتتنا أقوى من الرصاص" هذا هو الشعار الجديد الذي يبدو أنه يشق طريقه بقوة وثبات حاليا بين شباب الإخوان ومعهم الشباب الثوري الذين يشاركونهم مظاهراتهم وبقية فعالياتهم الثورية، بديلا لشعار"سلميتنا أقوى من الرصاص" الذي صدح به المرشد العام للجماعة الدكتور محمد بديع من فوق منصة رابعة، وظل عنوانا للحراك الثوري على مدى أكثر من 20 شهرا، وهو الشعار الذي لم يشفع لصاحبه الذي حكم عليه بثلاثة إعدامات حتى الآن وكأن من حكموا عليه يخشون عودته للحياة ليصدح بشعاره من جديد عقب كل موتة.

مع تصاعد القمع البوليسي والتصفية خارج نطاق القانون والقتل البطيء داخل السجون، واغتصاب الحرائر في السجون وأماكن الحجز، وملاحقة كل النشطاء لم يعد الشباب يطيقون سماع كلمة السلمية، ووصفوها بأقذع الأوصاف، منهم من قال إنها ماتت ومنهم من بحث لها عن وصف جديد مثل المبدعة والموجعة، ومنهم من قدم لها تفسيرا جديدا "ما دون الرصاص فهو سلمية"، وكل ذلك لم يجد نفعا للإبقاء على المصطلح بحروفه المعروفة على قيد الحياة، ومع تصاعد المخاوف من انفلات الزمام، وانجذاب جزء من الشباب نحو العمل المسلح كان لابد من صيغة جديدة تحافظ على الخط الثوري بشكل عام دون انزلاقه للعمل المسلح على غرار الثورة السورية والثورة الليبية.

ومن هنا جاء إعلان القيادة الجديدة للإخوان وهي الأكثر التصاقا بالشباب عن اعتماد الجماعة للخط الثوري الكامل في مقاومتها للانقلاب العسكري، ووجدت الجماعة تأصيلا فقهيا لموقفها الجديد في نداء الكنانة الذي أصدره 160 عالما من مختلف الدول (وإن كانت الجماعة في رأيي بحاجة لتأصيل فقهي وسياسي خاص بها لهذه الموقف)، فهل يعني ذلك تحولا إلى العنف كما يحلو للبعض إشاعته؟!

كانت البداية بتغريدات للمتحدث الرسمي للجماعة محمد منتصر عقب اختياره لهذا المنصب، والتي حملت لغة بدت جديدة وملبية ومستلهمة لروح وتوقعات الشباب، وكانت أوضح تلك التغريدات تلك التي أطلقها عقب صدور تنفيذ الإعدام بحق 6 شباب في قضية عرب شركس يوم 17 مايو والذي قال فيه: "ملعونة أي كلمات تقال في هذا الموقف... ملعونة أي محاولة للتعبير أو أي بيان يقال... فلا صوت يعلو فوق صوت القصاص لا صوت يعلو فوق صوت دماء الشهداء التي سالت ظلمًا وفجورًا من قتلة لا يجدي معهم سوي القصاص... لا تجدي معهم سوى ثورة تجتز الرؤوس من فوق أجساد عفنة".

ورغم الظرف الخاص الذي صدر فيه هذا التصريح والذي عكس حالة غضب شديدة من تلك الإعدامات، إلا أن المتحدث السابق باسم الجماعة الدكتور محمود غزلان سارع بكتابة مقال مطول بعد ذلك بأيام قليلة للتذكير بثوابت الجماعة ومنها السلمية، وظهر من هذا المقال أنه رد على تغريدة منتصر وخوف من الانزلاق للعمل المسلح التقليدي.

لقد حاول البعض تصوير الأزمة التي وقعت مؤخرا داخل القيادة العليا لجماعة الإخوان باعتبارها خلافا حول الموقف من العنف والسلمية، ورغم أنني لا أنفي تماما وجود تباين في الرؤى حول مفهوم السلمية ومداها إلا أن المؤكد الذي أعرفه أن الأزمة الأخيرة كانت قائمة ومستترة قبل شهور من تغريدة منتصر بل قبل تعيينه متحدثا بالأساس.

وبالتالي فهذا يهدم الفكرة التي تسوقها أذرع الانقلاب الإعلامية أن الإخوان حسموا أمرهم وقرروا التحول إلى العمل المسلح، وهو ذاته الإعلام الذي ما فتئ يتهم الإخوان بكل عمل عنيف ومسلح منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، بما فيها تلك الأعمال التي اعترف منفذوها من غير الإخوان بقيامهم بها مثل تفجير مديريتي أمن القاهرة والدقهلية، وحتى حوادث سيناء، ما يعني أن علينا أن لا نلقي بالا لتلك الاتهامات الجديدة القديمة المستهلكة.

الغريب في الأمر هو موقف بعض القوى والشخصيات التي تدعي الانتساب لثورة يناير، وتحرص على وصف نفسها بالثورية، إذ أن هذه القوى والشخصيات سارعت بإظهار إنزعاجها الشديد من إعلان متحدث الإخوان بأن جماعته اختارت المنهج الثوري بشكل كامل طريقا لمواجهة الانقلاب العسكري، وراحت هذه الكيانات والشخصيات تفسر المنهج الثوري بأنه اللجوء إلى العنف والعمل المسلح، متهمة الإخوان باختيار الطريق الخطأ الذي سيقودها ويقود المجتمع والوطن كله إلى حرب أهلية وخسائر لاقبل لأحد بها، هذه الأصوات التي قدمت نفسها باعتبارها حاملة صكوك وأختام الثورة، كانت تتهم الإخوان دوما بأنهم جماعة محافظة غير ثورية.

وأنهم لهذا السبب عطلوا المسار الثوري (المحاكمات الثورية والقصاص العاجل- تطهير الجيش والشرطة والقضاء والاعلام والجهاز البيروقراطي بشكل كامل وسريع)، وهي النخب نفسها التي تعارض اليوم تبني الإخوان للخيار الثوري، وتعتبره لجوءا للعنف والعمل المسلح، حتى تظل هي فقط حاملة صكوك الثورة والثورية، "حرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس".

وكما قيل في الأثر: "بضدها تتميز الأشياء". فالمنهج الثوري عكسه المنهج المحافظ أو الإصلاحي، والمنهج السلمي عكسه العمل المسلح، و"الثورية" هي روح وفكر ومبادئ وسلوك على الأرض، وهو ما ينطبق أيضا على المنهج الإصلاحي أو المحافظ.

وفي علم الثورات يتم تعريف الثورة السلمية بأنها "فعل مقاوم" هدفه إنهاء الاستبداد ويعتمد على المقاومة المدنية بهدف سلب السلطة قدرتها على إخضاع الشعب و ذلك بدفعه للخروج للمطالبة بحقوقه و إظهار العصيان المدني و أيضا سحب دعمه للنظام الحاكم. فالسلطة لا تصبح سلطة إلا إذا حصلت على الطاعة والدعم من المجتمع الذي تحكمه.

ويعرف المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية بالقاهرة "الثورة" بأنها "نقطة تحوُّل في حياة المجتمع لقلب النظام البالي وإحلال نظام تقدمي جديد محلَّه، وهي بهذا تتميز عن الانقلاب الذي يتلخص في نقل السلطة من يد لأخرى".

والثورة بروحها وأفكارها وفعالياتها تختلف عن العمل العسكري، الذي قد ينتهي إلى انقلاب على الانقلاب، وبالتالي إحلال جنرال( حتى لو كان مدنيا) محل جنرال، والعمل العسكري المنظم بالتأكيد هو لعبة السلطة التي تريد جر الثوار إليها ليسهل لها الخلاص منهم بدعم شعبي محلي ودولي، ومن المؤكد أن القادة الميدانيين للحراك الثوري في مصر يدركون ذلك جيدا، ولايريدون الانجرار إليه.

ما الجديد إذن فيما وصفه محمد منتصر باختيار الجماعة للمنهج الثوري؟! في اعتقادي أن هذا التحول هو من المنهج الإصلاحي التقليدي الذي اعتادت الجماعة من خلاله على ممارسة المعارضة لعقود طويلة وفقا للهوامش الديمقراطية الضيقة، والذي يقبل بمجرد إصلاحات جزئية للنظام القائم ولا يسعى لتغييره بصورة جذرية شاملة، والذي كانت الجماعة من خلاله تتعرض للمظالم دون رد أو دفاع، أما المنهج الثوري الذي أعلن متحدث الجماعة عن اختياره فهو يعني التحرك للتغيير والتطهير الشامل والقصاص العادل، ومواجهة العدوان باستخدام حق الدفاع الشرعي عن النفس والمال والعرض، ولا أظن أن أحدا يجادل في هذا الحق الذي كفلته كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والمواثيق الدولية.

لقد حذرت وما زلت محذرا من تحويل الحراك الثوري إلى عمل عسكري، ففي ذلك نهاية الثورة نفسها، ونهاية لكل أحلامها، ونهاية لحقوق شهادئها، والمأمول أن يتواصل الحراك الثوري ويتطور وفقا للمفهوم الثوري الذي وضعته خبرة الثورات في العالم، حتى يصل إلى النتيجة التي وصلت إليها تلك الثورات، وليعلم كل ثائر حر أن هناك عشرات الوسائل لحرب اللاعنف التي لم يتم استخدامها حتى الآن وهي تندرج في نطاق العمل الثوري غير المسلح.

المصدر