قصص عن الإمام "البنَّا"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قصص عن الإمام البنا"

24-02-2004

توطئة

الإمام البنا فى شبابه

إنَّ شخصيةَ الإمام البنا شخصيةٌ جليلة، كان لها أثرٌ عظيمٌ في تغيير مسار التاريخ، ليس في الوطن العربي والإسلامي فقط؛ بل امتد تأثيرها إلى بقية أنحاء العالم إلى أمريكا وروسيا وإفريقيا؛ بل حتى إلى قلب أوربا وأستراليا.

هذه الشخصية التي وَدَّعت عالَمنا منذ أكثر من نصف قرنٍ، إلا أنها ما زالت حية بيننا، مؤثرة فينا بما تركته لنا من أعمال، وبمن ربتهم من رجال حملوا مشعل دعوتها، وأخلصوا في نشر رسالتها.. إنها شخصية الداعية الكبير مجدد القرن العشرين الإمام الشهيد "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمون).

فهيَّا بنا نتعرف على هذه الشخصية العظيمة، ونرى كيف كانت شخصيته في طفولته وشبابه، وما هي السمات التي ميزته لتجعل منه هذا النجم الساطع الذي لم يخبُ نورُهُ طوال تلك السنين، ولنقتدِ به ونحاول أن نكون مثله عندما كان في مثل عمرنا.

مَنْ هو؟ وكيف نشأ

هو: "حسن أحمد عبدالرحمن البنَّا"، ولد في (25 شعبان 1324هـ = 14 أكتوبر 1906م)، وينتسب إلى أسرة ريفية متوسطة الحال من صميم الشعب المصري، كانت تعمل بالزراعة في إحدى قرى الدلتا؛ هي قرية (شمشيرة) قرب مدينة (رشيد) الساحلية المُطلَّة على النيل.

كان جده "عبدالرحمن" فلاحًا من صغار الملاك؛ ولكن الشيخ "أحمد" والده نشأ نشأة أبعدته عن العمل بالزراعة، فالتحق بكتاب القرية، وحَفِظَ القرآن، وتعلم التجويد، وأصبح من علماء الحديث، كما أن له أعمالاً كثيرةً خدم بها السُّنَّة النبوية، وفي كنف هذا الشيخ الصالح نشأ "حسن البنا"، فتطبع بالكثير من طباعه، وتعلم على يديه حرفة إصلاح الساعات، وتجليد الكتب.

نشأ "حسن البنا" نشأة دينية في ظل عائلة متدينة، والتزم هذا الشاب بالسلوك الإسلامي الصحيح، فاصطبغت شخصيته بالصبغة الدينية: ﴿صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً﴾ (البقرة: 138)، فحفظ نصف القرآن قبل سِنِّ السابعة في الكتاب، وأتمَّ حفظه بعد ذلك في مدرسة (الرشاد) الدينية، ثم في المدرسة الإعدادية، وكان دائم التفوق، وكان الأول دائمًا في سنين دراسته كلِّها الابتدائية والإعدادية، وفي مدرسة (المعلمين) التي التحق بها، ثم في كلية (دار العلوم) التي تخرج فيها، وكان أول دفعته.

بدأ اهتامه بالعمل الإسلامى في سنٍّ مبكرة، فاشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومَّما ساعده على ذلك ما كان يتَّسم به من حسن الخلق، وجمال العِشرة، وتفوُّقٍ وصدقٍ وتديُّنٍ؛ وهو ما جعله محبوبًا بين زملائه، يلتفُّون حوله، ويتأثرون بآرائه، فأنشأ معهم (جمعية الأخلاق الدينية)، وبعدها (جمعية منع المحرمات).

وفيما يلي سنرى بعض المواقف التي مرَّت به، ونرى كيف كان تصرفه إزاء المواقف المختلفة، وصفاته التي كان يتصف بها في تلك الفترة، يحكي لنا الإمام البنا" في مذكراته فيقول:

1- طفلٌ.. لكنه مسلمٌ حقًّا

كنتُ أؤذن للظهر والعصر في مُصلَّى المدرسة، وكنت استأذن المدرس إذا كان وقت العصر يصادف حصة من الحصص؛ لأداء الأذان، وكان بعض الأساتذة يسمح بهذا وهو مسرور، وبعضهم يريد المحافظة على النظام، فأقول له: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، وأناقشه مناقشة حادَّة لا يرى معها بُدًّا من السماح حتى يتخلص مني، ومن المناقشة"، كل ذلك بكل احترام وتهذيب، وحسن خُلق، ولطفٍ وجديةٍ وقوةِ حجةٍ تُبلِّغه ما يريد.

2- داعيةٌ منذ الصغر

كان "حسن البنا" منذ نعومة أظفاره محبًّا للناس، يريد أن يأخذ بأيديهم إلى الخير، ويرشدهم إلى طوق النجاة، فاشترك منذ صغره في تأسيس جمعيات دينية وأدبية وأخلاقية؛ لمطاردة المنكر ومحاربة كل محرَّم، ودعوة الناس للاستقامة، وكان لا يسكت عن منكر، فكان يسعى إلى تغييره بالحسنى والموعظة الحسنة.

يَحكي لنا الإمام البنا" في مذكراته

"مررت ذات يومٍ على شاطئ النيل وأنا تلميذ، فلاحظت أن أحد أصحاب السفن وضع في مقدمتها تمثالاً عاريًا على صورة تتنافى مع الآداب، وبخاصة أن هذا الشاطئ تتردد عليه السيدات والفتيات يستقين منه الماء، فذهبت إليه ونصحته بإنزال هذا التمثال، فلم يستمع لنصيحتي، فذهبت فورًا إلى ضابط النقطة، وذكرت له ما رأيت- وأنا غاضب- فقام الرجل على الفور، وهدد صاحب السفينة، وأمره بإنزال التمثال حالاً، ولم يكتف الضابط بذلك؛ بل ذهب في صباح اليوم التالي إلى المدرسة، وأخبر الناظر الخبر في إعجابٍ وسرورٍ، فسُرَّ الناظرُ وأذاع الخبرَ على التلاميذ في طابور الصباح".

فمَن مِنَّا مثلُ هذا الطالب؟!

3- "البنا" وإمام المسجد

ويَحكي لنا الإمام موقفًا آخر حدث معه في صغره، فيقول:

"ونحن طلابٌ في المدرسة الإعدادية كنا نُصلي الظهر في المسجد المجاور للمدرسة، وذات يومٍ مرَّ إمام المسجد فرأى كثيرًا من التلاميذ يزيد عددهم على ثلاثة صفوف أو أربعة، فخشي الإسراف في الماء والبلل لفرش المسجد، فانتظر حتى أتمَّ المصلُّون صلاتهم، ثم فرَّقهم بالقوة مُهدِّدًا ومُنذرًا ومتوعدًا، فمنهم منَ فرَّ ومنهم من ثَبُتَ، وأوحيت إلى خواطر التلاميذ أن أقتصَّ منه ولابد، فكتبت إليه خطابًا ليس فيه إلا هذه الآية: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (الأنعام: 52)، وبعثتُ الخطاب بالبريد، ثُمَّ عَرَف الشيخُ ممَّن جاءته الرسالة، فقابل الوالد شاكيًا، فأوصاه الوالد بالتلاميذ خيرًا، وكانت له معنا مواقف طيبة بعد ذلك، واشترط علينا أن نملأ صهريج الماء الموجود بالمسجد قبل انصرافنا، وأن نعاونه في جمع تبرعات لفرش المسجد، فأعطيناه ما أراد".

انظروا إلى إيجابيته، وحُسن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وحُسن خُلقه، رحمه الله.

4- متفوقٌ بليغٌ

بالرغم من أن "حسن البنا" عاش في فترة مراهقته حياةً تعبُّديةً متدنية؛ فإنه قد جعل من تدينه حافزًا له للتفوق الدراسي، فلقد علم "حسن البنا- رحمه الله- أن المسلم يجب أن يكون، متفوقًا في علمه، متقنًا لعمله، وبذلك كان الأولَ دائمًا على زملائه في مراحل الدراسة المختلفة، حتَّى وصل الجامعة، وكان- أيضًا رحمه الله- يتميز بالبلاغة الشديدة، فقد كان مؤثِّرًا في النفوس بأبسط الكلمات، وأوضح العبارات التي لا تَكَلُّف فيها ولا تَعقِيد.

ولم يمنعه تدينه وتعبده واهتمامه بأداء العبادات، ولا حرصه على تفوقه الدراسي من أن تكون له مشاركة فعالة في الحياة الوطنية، فشارك في ثورة 1919م، وهو لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره، وكان وقتها لا يزال تلميذًا في المرحلة الإعدادية.

5-وطنيٌّ مجاهدٌ

يتحدث عن فترة طفولته، فيقول

"رغم انشغالي بالتصوف والتعبد، أعتقد أن الخدمة الوطنية جهادٌ مفروضٌ لا مناص منه، فكنت- بحسب هذه العقيدة، وبحسب وضعي بين الطلاب؛ إذ كنت الأول عليهم- مُلتزمًا بأن أقوم بدورٍ بارزٍ في هذه الحركة الوطنية، فأذكر يوم أن مات "محمد فريد" دخل علينا أستاذنا الفصل، وقد أغرورقت عيناه، وأخذ يحدثنا عن سيرته، وكفاحه وجهاده في سبيل الوطن، حتى أبكى التلاميذ جميعًا، وانفعلت بهذا الجهاد، فقلت أبياتًا، كان أولها:

أفَرِيدُ نَمْ بِالأمْنِ وَالإِيمَانِ

أفَرِيدُ لاَ تَجْزَعْ عَلَى الأوْطَانِ

ودفعه شعوره الوطني المتأجج إلى كتابة قصائدَ وطنيةٍ عديدةٍ، وهو لم يزل في الثالثةَ عشرة من عمره، من بينها:

يَا مِلْنَرُ ارْجِعْ ثُمَّ سَلْ

وَفْدًا بِبَارِيسَ أقَامْ

وَارْجِعْ لِقَوْمِكَ قُلْ لَهُمْ

لاَ تَخْدَعُوهُمْ يَا لِئَامْ

هذه هي شخصية الإمام البنا": تدينٌ صادقٌ، حُسْنُ خُلق، وحُسن عِشْرة مع الزملاء، تفوقٌ دراسيٌ، إيجابية، وطنية، وجرأةٌ في الحق. لقد كان شابًّا مسلمًا عقيدةً وخُلقًا، وعِلمًا وقولاً؛ وهو ما جعله معلمًا ومرشدًا لآلاف الآلاف ممَّن يرجون رضا الله ونصرةَ الإسلام وعِزَّ المسلمين، فرحمه الله، وتقبله في الصالحين.

المصدر