قراءة في المشهد العام(9)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قراءة في المشهد العام


مقدمة

2009-09-09

تقرير أسبوعي يرصد باختصار أهم التغيُّرات الداخلية والإقليمية والعالمية

أولاً: الشأن الداخلي

تطوير العلاقات المصرية- التركية لحفظ التوازن الإقليمي

استقبل الرئيس مبارك وزير الخارجية التركي، وتناولت المحادثات المشتركة القضايا الأساسية في المنطقة، ومنها الأزمة بين العراق وسوريا، الخلاف حول تشكيل الحكومة اللبنانية، والقضية الفلسطينية، ولما كانت هذه القضايا تشكل أهم المشكلات الإقليمية؛ فإن المحادثات المشتركة حولها قد تعزز التعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية؛ الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتطوير القدرات السياسية المشتركة للبلدين، ويعيد للدور المصري حيويته على المستوى الإقليمي العربي والإسلامي.

ومن خلال استعراض الملفات الأخرى التي شملتها الزيارة؛ يتضح تعدد المصالح والتحديات المشتركة للبلدين، فاستقرار العلاقات العراقية السورية والاستقرار الداخلي في لبنان هو من المصالح المشتركة بين البلدين، وأنه ليس من المصلحة استئثار طرف بالمسئولية عن هذه القضايا واستبعاد الآخرين، ويشكل اعتراف تركيا بالدور الرئيسي لمصر في ملف المصالحة الفلسطيية؛ تطورًا مهمًّا في السياسة الإقليمية التركية، والتي تقوم على تجنب النزاع أو الصراع مع دول المنطقة، ولكنها تسعى إلى المشاركة والتعاون مع الدول العربية لدعم الفلسطينيين، وذلك من خلال تقديم المشورة السياسية والدعم اللوجستي لهم.

وقد يساعد تعاون البلدين في إفريقيا في تعزيز القدرات المشتركة في الاقتصاد والسياسة لمواجهة التغلغل الصهيوني في القارة الإفريقية.

ثانيًا: الشأن الإقليمي

1- أزمات تواجه الحوار الفلسطيني

لا يزال الحوار الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس متعثرًا؛ الأمر الذي يؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية، ورغم وجود أنباء عن إعداد مصر لورقة مبادئ للحوار الفلسطيني، فإن الخطاب السياسي لكل من الحركتين يكشف عن تباين عميق في المواقف السياسية.

إحدى جلسات الحوار الفلسطيني بين حماس وفتح

فبينما انحصرت مواقف السلطة الفلسطينية في وقف الاستيطان (المرفوض أساسًا من الصهاينة) كمقابل لبدء المفاوضات، فإن حركة حماس ذهبت إلى أن اختراع معادلات جديدة للصراع سوف يضيع أصول القضية الفلسطينية، والتي تتمثل كما قال خالد مشعل في أن "إسرائيل أخذت أرضًا بطريقة غير مشروعة"، وهو ما يقتضي معاملة الكيان الصهيوني كمغتصب لحقوق الفلسطينيين، وهذا ما يكشف عن الخلاف الجوهري حول توصيف نقطة البداية والأصل في التعامل مع القضية الفلسطينية.

ومع تعثر الحوار الفلسطيني خلال الجولات السابقة، ترسخ ما يعرف بالخلاف حول الانتخابات، فبينما ترى حركة فتح ومعها السلطة أنه سوف يتم عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية في موعدها، بغض النظر عن نتائج الحوار الفلسطيني، ترى حركة حماس أن الانتخابات لا يمكن أن تتم إلا في إطار توافق فلسطيني وعلى مستوى الضفة وغزة.

ويمثل الملف الأمني في الضفة الغربية خلافًا جوهريًّا بين الطرفين، ويشكل عائقًا أمام تقارب الحركتين، ولعل النقطة الحرجة في ذلك ترجع إلى أن إدارة هذا الملف تقع تحت سيطرة الإشراف الأمني الأمريكي (دايتون)، وأنه وفي ظل استهداف حركة حماس في الضفة الغربية، باعتقال المقاومين وإغلاق الجمعيات والاستبعاد من كل الوظائف؛ فإن هذه الممارسات تساهم في تفاقم الأزمة بين الطرفين.

وبالتالي فإن إدارة الحوار الفلسطيني يجب عليها النظر في هذه الأمور، وأخذها بعين الاعتبار؛ حيث إنها كانت سببًا فى إخفاق الجولات السابقة، كما أن استمرارها سوف يساعد في تنامي الأزمات الفلسطينية، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني، ويصب بالضرورة في مصلحه العدو الصهيوني.

2- سياسات المواجهة مع النفوذ الإيراني

فيما يشبه تقارب إقليمي لمواجهة ما يُسمى بـ"النفوذ الإيراني" في الدول العربية، شهدت المنطقة مواقف تكشف عن توفر البيئة السياسية لاتخاذ مواقف مشتركة ضد إيران.

فقد بدأ مجلس التعاون الخليجي تحركات لمساندة الحكومة اليمنية في المواجهة مع الحوثيين، وقد جاءت هذه التحركات في سياق الإعلانات اليمنية المتتالية بأن المواجهة ليست مع الحوثيين، وإنما مع النفوذ الإيرانى في اليمن، كما تأتي أيضًا في سياق إعلان "الإمارات المتحدة" عن مصادرة سفينة أسلحة كورية شمالية كانت متوجهة لإيران.

التطور الآخر جاء من مصر؛ حيث أعلنت عن اعتقال تنظيم شيعي مدعوم مباشرة من إيران، ويعمل هذا التنظيم على ترويج الفكر الشيعي في مصر.

كما يمكن قراءة الأزمة (العراقية– السورية) في أحد أبعادها، على أنها محاوله لإضعاف التحالفات الإيرانية في المنطقة العربية، وذلك باعتبار أن تزايد الضغوط على سوريا سوف يقلل من أهمية تحالفها مع إيران، هذه التطورات قد تكون في سياق بلورة إطار المظلة الدفاعية الأمريكية الإقليمية.

ثالثًا: الشأن الدولي

1- الصراع على المبادرة الأمريكية

تشهد الساحة السياسية إقليميًّا ودوليًّا جدلاً شديدًا حول المفاوضات على المسار الفلسطيني، قبل إعلان الولايات عن مبادرة للتسوية بدأت معالمها في الظهور خلال الأيام الماضية، وفي هذا السياق تسعى كل الأطراف لوضع أجندة؛ لكي يتم تضمينها في المبادرة الأمريكية.

وعلى مستوى الكيان الصهيوني، فما زال الخط السياسي للحكومة يسعى لوضع التجميد الجزئي للاستيطان، في مقابل بدء المفاوضات والتطبيع مع العرب، وتحاول الحكومة الصهيونية فرض معادلة جديدة تتيح لها حرية التصرف في الملفات الأخرى، والتي تضم القدس وتوسيعها وإبقاءها خارج المفاوضات، وتهميش ملف اللاجئين في المفاوضات.

ورغم قدم هذه الإستراتيجية؛ فإن الكيان الصهيوني لا يزال لديه القدرة على المناورة وفرض واقع جديد، ولعل استمرار الحكومة في تنفيذ مشروعات استيطانية في الضفة الغربية، واستمرار الاتصالات العادية والسياسية مع حكومة فياض، يوضح أنه ليس لدى نتنياهو وحكومته الاستعداد للاستجابة للضغوط الخارجية.

وعلى المستوى العربي؛ فما زالت الجامعة العربية ومصر والسعودية وتركيا تطالب بوقف الاستيطان كشرط متبادل لبدء المفاوضات، وقد اعتبرت مصر أن استمرار المفاوضات– إذا ما بدأت- يرتبط بالاستمرار في وقف الاستيطان، كما أن هناك توافقًا ما بين بعض الدول العربية على أن التطبيع الرسمي يكون في مرحلة تالية، عندما يحدث تقدم في الملفات الأساسية؛ القدس، واللاجئين، والأمن على أن ذلك يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.

وإذا كان الموقف العربي الضعيف في رفض إدراج التطبيع في مقابل وقف الاستيطان له بعض الأهمية، إلا أن التحدي الرئيسي الذي يواجه هذا الموقف العربي؛ هو افتقاره إلى رؤية سياسية إستراتيجية متكاملة للتأثير في مسار التسوية، تمكنه من طرح معادلات جديدة تقابل المعادلة الصهيونية التي وضعت الاستيطان في مقابل المفاوضات والتطبيع، وقد ساعد الصهاينة وأضعف الموقف الإستراتيجي العربي اعتبار المقاومة الفلسطينية خارج معادلات التسوية أو الصراع، رغم أنها أحد الأدوات المهمة في التفاوض والعمل السياسي، ولعل هذا ما يفسر تراجع العرب عن شروطهم تحت تأثير الضغوط الخارجية.

وقد بدأ تأثر موقف الرئيس الفلسطيني (من باب ذر الرماد في العيون) بالمواقف العربية والتركية، واعتبر (شكليًّا) أن اللقاءات مع نتنياهو غير مفيدة، إذا لم يتوقف الاستيطان، وسوف تظهر مدى جدية عباس في موقفه تجاه رفض استئناف المفاوضات مع الحكومة الصهيونية، وخاصة في وجود "سلام فياض" على رأس الحكومة، وضعف قدرته على تحمل الضغوط الأمريكية.

التوسع فى المستوطنات

وفي إطار الإعداد للمبادرة الأمريكية، يبدو أن التوجهات الأساسية فيها لا تختلف عن المقترحات السابقة، فالمحاور المقترحة هي تعويض اللاجئين، والمرونة في تعيين الحدود، واعتبار القدس مدينة مفتوحة، وتحظى هذه المقترحات بدعم أوروبي، وإذا ما خرجت المبادرة على هذا النحو فإنه يصعب القول بأن الإدارة الأمريكية أتت بجديد يختلف عن مسار اللجنة الرباعية الدولية، وبالتالي فإن السعي في هذا الاتجاه دون مراعاة حقوق الفلسطينيين، ودون المعالجة الجذرية لملف الاستيطان، يعني أن الأمور سوف تدور في حلقة مفرغة، ولن يحدث استقرار في المنطقة على النحو الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم.

2- تجديد العلاقات (الصهيونية– الإفريقية)

في زيارته لخمس دول إفريقية (إثيوبيا، كينيا، غانا، نيجيريا، أوغندا) ركَّز وزير الخارجية الصهيوني على عدة أهداف تشكل معالم السياسة الخارجية الصهيونية في إفريقيا، وهذه الأهداف هي:

1) ربط الدول الإفريقية بقضايا الشرق الأوسط من خلال الكيان الصهيوني مباشرة، وليس من خلال مصر أو الدول العربية، وهذا ما يتحقق من خلال تطوير وتوسيع شبكة العلاقات السياسية والتعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية؛ بحيث تتزايد المصالح المشتركة فيما بينها.

2) الاستفادة من التعاون مع الدول الإفريقية في الترويج للكيان الصهيوني داخل الدول الإسلامية، وذلك في مجال التطبيع السياسي والاقتصادي، وتحسين صورة الكيان داخل منظمة المؤتمر الإسلامي، وإذا ما نجحت هذه السياسة فإنها ربما تؤثر على موقف المنظمة من قضية الصراع الصهيوني الفلسطيني.

3) التعاون مع الدول الإفريقية في مواجهة النفوذ الإيراني في القارة الإفريقية، في شكله السياسي والاقتصادي، وتأتي أهمية هذه الزيارة إذا ما أخذنا في الاعتبار أنه لدى إيران مصالح مهمة مع الدول المعنية بالزيارة وخاصة نيجيريا وإثيوبيا.

4) السعي لتمرير مفهوم اعتماد الكيان الصهيوني على قدراته الذاتية، فقد أشار ليبرمان إلى أن الاعتماد على أمريكا هو مشكلة أساسية، وأنه يجب العمل على تجاوز هذه المرحلة، وهذه السياسة يجب النظر إليها باهتمام، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن هذه الجولة تأتي في سياق سعي ليبرمان لبناء فضاء سياسي جديد، بدأ بتحسين العلاقات مع دول في أمريكا اللاتينية وروسيا وأوروبا. (ويجدر الإشارة هنا إلى أن الصهاينة لا يمكنهم فعل ذلك إلا بمباركة ودعم أمريكي مستمر).

هذه الأهداف وإن كانت تتوافق مع السياسات الصهيونية التقليدية في تجاوز دول الجوار، إلا أنها في ذات الوقت تعمل على توسيع مجال التحرك أمام السياسة الصهيونية على مستوى العالم الذي قد يحقق نجاحًا في حالة استمرار تفكك المواقف العربية والإسلامية، وعدم القدرة على التحرك لحماية مصالح الأمن القومي العربي والإسلامي.

المصدر